فصل: علم حكايات الصالحين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم **


 علم الحروف والأسماء

قال الشيخ داود الأنطاكي وهو علم باحث عن خواص الحروف أفراداً وتركيباً وموضوعه الحروف الهجائية ومادته الأوفاق والتراكيب‏.‏

وصورته تقسيمها كماً وكيفاً وتأليف الأقسام والعزائم وما ينتج منها وفاعله المتصرف وغايته التصرف على وجه يحصل به المطلوب إيقاعا وانتزاعا ومرتبته بعد الروحانيات والفلك والنجامة‏.‏

قال ابن خلدون في المقدمة‏:‏

علم أسرار الحروف وهو المسمى لهذا العهد السيميا، نقل وضعه من الطلسمات إليه في اصطلاح أهل التصرف من المتصوفة فاستعمل استعمال العام في الخاص وحدث هذا العلم في الملة بعد الصدر الأول عند ظهور الغلاة من المتصوفة وجنوحهم إلى كشف حجاب الحس، وظهور الخوارق على أيديهم والتصرفات في عالم العناصر‏.‏

وزعموا أن الكمال الاسمائي مظاهره أرواح الأفلاك والكواكب، وأن طبائع الحروف وأسرارها سارية في الأسماء فهي سارية في الأكوان وهو من تفاريع علوم السيميا لا يوقف على موضوعه ولا تحاط بالعدد مسائله تعددت فيه تأليف البوني وابن العربي وغيرهما‏.‏

وحاصله عندهم وثمرته تصرف النفوس الربانية في عالم الطبيعة بالأسماء ‏(‏2/ 237‏)‏ الحسنى، والكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة بالأسرار السارية في الأكوان‏.‏

ثم اختلفوا في سر التصرف الذي في الحروف بم هو‏.‏ فمنهم من جعله للمزاج الذي فيه وقسم الحروف بقسمة الطبائع إلى أربعة أصناف كما للعناصر واختصت كل طبيعة بصنف من الحروف يقع التصرف في طبيعتها فعلاً وانفعالاً بذلك الصنف فتنوعت الحروف بقانون صناعي يسمونه التكسير‏.‏

ومنهم من جعل هذا السر للنسبة العددية فإن حروف أبجد دالة على أعدادها المتعارفة وضعاً وطبعاً وللأسماء أوفاق كما للأعداد‏.‏

ويختص كل صنف من الحروف بصنف من الأوفاق الذي يناسبه من حيث عدد الشكل أو عدد الحروف، وامتزج التصرف من السر الحرفي والسر العددي لأجل التناسب الذي بينهما‏.‏

فأما سر هذا التناسب الذي بينهما يعني بين الحروف وأمزجة الطبائع أو بين الحروف والأعداد فأمر عسر على الفهم وليس من قبيل العلوم والقياسات وإنما مستندهم فيه الذوق والكشف‏.‏

قال البوني‏:‏ ولا تظن أن سر الحروف مما يتوصل إليه بالقياس العقلي وإنما هو بطريق المشاهدة والتوفيق الإلهي‏.‏

وأما التصرف في عالم الطبيعة بهذه الحروف والأسماء المركبة فيها، وتأثر الأكوان عن ذلك فأمر لا ينكر لثبوته عن كثير منهم تواتراً، وقد يظن أن تصرف هؤلاء وتصرف أصحاب أسماء الطلسمات واحد وليس كذلك‏.‏

ثم ذكر الفرق بينهما وأطال وقد ذكرنا طرفاً من التفصيل في كتابنا المسمى بروح الحروف والكتب المصنفة في هذا العلم كثيرة جداً انتهى ما في ‏(‏‏(‏كشف الظنون‏)‏‏)‏‏.‏

وقد أطال ابن خلدون في بيان هذا العلم إلى ثلاثة عشر ورقاً وعقد له فصولاً ‏(‏2/ 238‏)‏ لسنا بصدد ذكره لقلة الفائدة منه في هذا العصر وعدم الحاجة إليه في ذلك الدهر‏.‏

 علم الحروف النورانية والظلمانية

قال في ‏(‏مدينة العلوم‏)‏ أن الحروف قسمان‏:‏

أحدهما حروف نورانية تستعمل في أعمال الخير وهي نص حكيم له سر قاطع‏.‏

والآخر حروف ظلمانية تستعمل في الشر وهي ما عدا الحروف النورانية وأجمعوا على أنه ليس في سورة الفاتحة ولا في المقطعات في أوائل السور القرآنية شيء من الحروف الظلمانية، وتفصيل هذا العلم في كتاب غاية للمغنم في أسرار العلم الأعظم انتهى‏.‏

 علم الحساب

هو علم بقواعد تعرف بها طرق استخراج المجهولات العددية من المعلومات العددية المخصوصة من الجمع والتفريق والتصنيف والتضعيف والضرب والقسمة‏.‏

والمراد بالاستخراج معرفة كمياتها‏.‏

وموضوعه العدد إذ يبحث فيه عن عوارضه الذاتية والعدد هو الكمية المتألفة من الوحدات فالوحدة مقومة للعدد وأما الواحد فليس بعدد ولا مقوم له، وقد يقال لكل ما يقع تحت العد فيقع على الواحد‏.‏

وعبارة ابن خلدون هي صناعة عملية في حساب الأعداد بالضم والتفريق فالضم يكون في الأعداد بالإفراد هو الجمع وبالتضعيف وهو تضاعف عدداً بآحاد عدد آخر وهذا هو الضرب والتفريق أيضاً يكون في الأعداد‏.‏ ‏(‏2/ 239‏)‏

أما بالإفراد مثل إزالة عدد من عدد ومعرفة الباقي، وهو الطرح‏.‏

أو تفصيل عدد بأجزاء متساوية تكون عدتها محصلة وهو القسمة، وسواء كان هذا الضم التفريق في الصحيح من العدد أو الكسر‏.‏

ومعنى الكسر نسبة عدد إلى عدد تلك النسبة تسمى كسر، أو كذلك يكون بالضم والتفريق في الجذور ومعناها العدد الذي يضرب في مثله فيكون منه العدد المربع فإن تلك الجذور أيضاً يدخلها الضم والتفريق‏.‏

وهذه الصناعة حادثة احتيج إليها للحساب في المعاملات انتهى‏.‏

ومنفعته ضبط المعاملات وحفظ الأموال وقضاء الديون وقسمة المواريث والتركات وضبط ارتفاعات المماليك وغير ذلك‏.‏

ويحتاج إليه في العلوم الفكلية وفي المساحة والطب، وقيل يحتاج إليه في جميع العلوم بالجملة، ولا يستغني عنه ملك ولا عالم ولا سوقة، وزاد شرفاً بقوله - سبحانه وتعالى-‏:‏ ‏{‏وكفى بنا حسابين‏}‏‏.‏

وبقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولتعلموا عدد السنين والحساب‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاسئل العادّين‏}‏‏.‏

ولذلك ألف فيه الناس كثيراً وتداولوه في الأمصار بالتعليم للولدان‏.‏

ومن أحسن التعليم عند الحكماء الابتداء به لأنه معارف متضحة وبراهينه منتظمة، فينشأ عنه في الغالب عقل مضيء يدل على الصواب، وقد يقال إن من أخذ نفسه بتعلم الحساب أول أمره يغلب عليه الصدق، لما في الحساب من صحة المباني ومنافسة النفس فيصير له ذلك خلقاً ويتعود الصدق ويلازمه مذهباً‏.‏

وهو مستغلق على المبتدئ إذا كان من طريق البرهان، وهذا شأن علوم التعاليم لأن مسائلها وأعمالها واضحة، وإذا قصد شرحها وهو التعليل في تلك الأعمال ظهر من العسر على الفهم مالا يوجد في أعمال المسائل‏.‏

وهو فرع علم العدد المسمى بالأرتماطيقي وله فروع أوردها صاحب ‏(‏مفتاح السعادة‏)‏ بعد أن جعل علم العدد أصلا وعلم الحساب مرادفاً له مع كونه ‏(‏2/ 240‏)‏ فرعاً حيث قال‏:‏

الشعبة الثامنة في فروع علم العدد وقد يسمى بعلم الحساب، فعرفه بتعريف مغاير لتعريف علم العدد‏.‏

قال في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ ولعلم الحساب فروع‏:‏

منها علم حساب التخت والميل وهو علم يتعرف منه كيفية مزاولة الأعمال الحسابية برقوم تدل على الآحاد وتغني عما عداها بحفظ المراتب وتنسب هذه الأرقام إلى الهند انتهى‏.‏

وقال صاحب الكشف‏:‏

بل هو علم بصور الرقوم الدالة على الأعداد مطلقاً ولكل طائفة أرقام دالة على الآحاد الأرقام الهندية والرومية والمغربية والإفرنجية والنجومية وغيرها، ويقال له التخت والتراب أيضاً انتهى‏.‏

ونفع هذا العلم ظاهر ولابن الهيثم كتاب برهن فيه بمعرفة أصول أعماله ببراهين عددية لما فيسه من تسيهل الأعمال الحسابية‏.‏

ومن الكتب الشاملة فيه كتاب نصير الدين الطوسي وكتاب‏:‏ ‏(‏‏(‏البهائية‏)‏‏)‏ وشرحه وكتاب المحمدية لعلي القوشجي وغير ذلك من الكتب التي لا تحصى‏.‏

ولأهل المغرب طرق ينفردون بها في الأعمال الجزئية من هذا العلم، فمنها قريبة المآخذ لطرق ابن الياسين ومنها بعيدة كطرق الحضار كذا في المدينة‏.‏

ومنها علم الجبر والمقابلة وقد سبق في الجيم‏.‏

ومنها علم حساب الخطأين وهو قسم من مطلق الحساب وسيأتي في الخاء المعجمة وإنما جعل علماً برأسه لتكثير الأنواع‏.‏

ومنها علم حساب النجوم وهو علم يبحث فيه عن كيفية حساب الأرقام الواقعة في الزيجات، وهذا وإن كان من فروع علم العدد إلا أنه لما امتازت عن سائر علم الحساب بقواعد مخصوصة يعرفها أهلها وتوقف علم التقويم عليه جعلوه علماً برأسه‏.‏ ‏(‏2/ 241‏)‏

ومنها علم حساب الدور والوصايا وهو علم يتعرف منه مقدار ما يوصي به إذا تعلق بدور في بادئ النظر‏.‏

مثال‏:‏ رجل وهب لعتقه في مرض موته مائة درهم لا مال له غيرها فقبضها ومات قبل موت سيده وخلف بنتا والسيد المذكور ثم مات السيد، فظاهر المسئلة أن الهبة تمضي من المائة في ثلثها فإذا مات المعتق رجع إلى السيد نصف الجائز بالهبة فيزداد مال السيد من إرثه وهلم جراً‏.‏

وبهذا العلم يتعين مقدار الجائز بالهبة‏.‏

وظاهرٌ أن منفعة هذا العلم جليلة وإن كانت الحاجة إليه قليلة، ومن كتبه كتاب لأفضل الدين الخونجي‏.‏

أقول هذا العلم يؤول إلى علم الجبر والمقابلة وفيه تأليف لطيف لأبي حنيفة أحمد بن داود الدينوري، المتوفى سنة إحدى وثمانين ومائتين، وكتاب نافع لأحمد بن محمد الكرابيسي، وكتاب مفيد لأبي كامل شجاع بن مسلم ذكر فيه كتاب الوصايا بالجذور للحجاج بن يوسف‏.‏

ومنها علم حساب الدرهم والدينار وهي علم يتعرف منه كيفية استخراج المجهولات العددية التي تزيد عدتها على المعادلات الجبرية، ولهذه الزيادة لقبوا تلك المجهولات بالدرهم والدينار والفلس وغير ذلك، ومنفعته كمنفعة الجبر والمقابلة فيما يكثر فيه الأجناس المعادلة‏.‏

ومن الكتب المؤلفة فيه كتاب لابن فلوس إسماعيل بن إبراهيم بن غازي المارديني الحنبلي، المتوفى سنة سبع وثلاثين وستمائة، والرسالة المغربية والرسالة الشاملة للخرقي والكافي الكرخي، ومختصره للسمؤل بن يحيى بن عباس المغربي الإسرائيلي، المتوفى سنة ست وسبعين وخمسمائة كذا في إرشاد القاصد وكتاب لابن المحلي الموصلي‏.‏

ومن المبسوطة فيه الكافي والكامل لأبي القاسم بن السمح‏.‏ ‏(‏2/ 242‏)‏

ومنها علم حساب الفرائض وهو معرفة فروض الوراثة وتصحيح سهام الفريضة مما نصح باعتبار فروضها الأصول أو مناسختها، وذلك إذا هلك أحد الورثة وانكسرت سهامه على فروض ورثته فإنه حينئذ يحتاج إلى حساب يصحح الفريضة الأولى حتى يصل أهل الفروض جميعاً في الفريضتين إلى فروضهم من غير تجزية‏.‏

وقد تكون هذه المناسخات أكثر من واحد واثنين وتتعدد لذلك بعدد أكثر وبقدر ما تتعدد تحتاج إلى الحسبان‏.‏

وكذلك إذا كانت فريضة ذات وجهين مثل أن يقر بعض الورثة بوارث وينكره الآخر فتصحح على الوجهين حينئذ وينظر مبلغ السهام ثم تقسم التركة على نسب سهام الورثة من أصل الفريضة وكل ذلك يحتاج إلى الحسبان وكان غالباً فيه وجعلوه فناء مفرداً وللناس فيه تآليف كثيرة‏.‏

أشهرها عند المالكية من متأخري الأندلس كتاب ابن ثابت ومختصر القاضي أبي القاسم الحوفي، ثم الجعدي‏.‏

ومن متأخري إفريقية ابن النمر الطرابلسي وأمثالهم‏.‏

وأما الشافعية والحنفية والحنابلة فلهم فيه تآليف كثيرة وأعمال عظيمة صعبة، شاهدة لهم باتساع الباع في الفقه والحساب‏.‏

وقد يحتج الأكثر من أهل هذا الفن على فضله بالحديث المنقول عن أبي هريرة رضي الله عنه‏(‏إن الفرائض ثلث العلم وإنها أول ما ينسى‏)‏ وفي رواية ‏(‏نصف العلم‏)‏خرجه أبو نعيم الحافظ واحتج به أهل الفرائض بناءً على أن المراد بالفرائض فروض الوراثة‏.‏

والذي يظهر أن هذا المحمل بعيد وأن المراد بالفرائض إنما هي الفرائض التكليفية في العبادات والعادات والمواريث وغيرها وبهذا المعنى يصحح فيها المنصفية والثلثية‏.‏

وأما فروض الوراثة فهي أقل من ذلك كله بالنسبة إلى علم الشريعة كلها أو يعين هذا المراد أن حمل اللفظ للفرائض على هذا الفن المخصوص أو تخصيصه بفروض الوراثة إنما لهو صلاح ناشئ للفقهاء عند حدوث الفنون ‏(‏2/ 243‏)‏ والاصطلاحات ولم يكن صدر الإسلام يطلق على هذا الأعلى عموم مشتقاً من الفرض الذي هو لغة التقدير أو القطع وما كان المراد به في إطلاقه إلا جميع الفروض كما قلناه، وهي حقيقته الشرعية فلا ينبغي أن يحمل إلا على ما كان يحمل في عصرهم، والله - سبحانه وتعالى - أعلم وبه التوفيق انتهى كلام ابن خلدون ملخصاً

ومنها علم حساب الهواء وهو علم يتعرف منه كيفية حساب الأموال العظيمة في الخيال بلا كتابة، ولها طرق وقوانين مذكورة في بعض الكتب الحسابية، وهذا العلم عظيم النفع للتجار في الأسفار وأهل السوق من العوام الذين لا يعرفون الكتابة وللخواص إذا عجزوا عن إحضار آلات الكتابة‏.‏

ومنها علم حساب العقود أي عقود الأصابع وقد وضعوا كلاً منها بإزاء عدد مخصوص ثم رتبوا الأوضاع الأصابع آحادا وعشرات ومئات، وألوفاً، ووضعوا قواعد يتعرف بها حساب الألوف فما فوقها بيد واحدة‏.‏

وهذا عظيم النفع للتجار سيما عند استعجام كل من المتبايعين لسان الأخر عند فقد آلات الكتابة‏.‏

والعصمة عن الخطأ في هذا العلم أكثر من حساب الهواء‏.‏

وكان هذا العلم يستعمله الصحابة رضي الله عنهم كما وقع في الحديث في كيفية وضع اليد على الفخذ‏.‏

ومنه في التشهد أنه عقد خمساً وخمسين وأراد بذلك هيئة وضع الأصابع، لأن هيئة عقد خمس وخمسين في علم العقود هي عقد أصابع اليد غير السبابة والإبهام وتحليق الإبهام معها وهذا الشكل في العلم المذكور دال على العدد المرقوم فالراوي ذكر المدلول وأراد الدال‏.‏

وهذا دليل على شيوع هذا العلم عندهم والمراد بالعقود في تمثيل الدلالة غير اللفظية الوضعية هي عقود الأصابع حيث مثلوها بالخطوط والعقود والإشارات والنصب، وفي هذا العلم أرجوزة لابن الحرب أورد فيها مقدار الحاجة، ورسالة ‏(‏2/ 244‏)‏ لشرف الدين اليزدي أورد فيها قدر الكفاية‏.‏

ومنها علم إعداد الوفق وتقدم في الألف‏.‏

ومنها علم خواص الأعداد المتحابة والمتباغضة وسيأتي في الخاء‏.‏

ومنها علم التعابي العددية وقد سبق في التاء، وهذه الثلاثة من فروع علم العدد من حيث الحساب ومن فروع الخواص من جهة أخرى ولذلك أوردناها إجمالا كما أوردها صاحب ‏(‏‏(‏مفتاح السعادة‏)‏‏)‏ و‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ وأما علم حساب النجوم فهو علم يتعرف منه قوانين حساب الدرج والدقائق والثواني والثوالث بالضرب والقسمة والتجذير والتفريق،ومرابتها في الصعود والنزول وتقدم وفيه كتب مفردة غير ما بين في مبسوطات الكتب الحسابية‏.‏

وأما المصنفات في علم الحساب مطلقاً فكثيرة ذكرها صاحب ‏(‏كشف الظنون‏)‏ على ترتيب الكتاب إجمالا لا نطول بذكرها‏.‏

 علم الحضري والسّـفري من الآيات

هو من فروع علم التفسير ذكره أبو الخير لمجرد تكثير السواد، وإلا فلا وجه لعدّه علماً برأسه، وكذا أكثر ما ذكره من التفاريع قال وأمثلة الحضري كثيرة، وأما أمثلة السفري فقد ضبطوها وارتقت إلى نيف وأربعين كما في ‏(‏‏(‏الإتقان‏)‏‏)‏‏.‏

 علم حكايات الصالحين

قال أبو الخير هو من فروع علم التواريخ والمحاضرة وقد اعتنى بجمعها طائفة، وافردوها بالتدوين كصفوة الصفوة لابن الجوزي، وروض الرياحين لليافعي وغير ذلك ‏(‏2/ 245‏)‏ وغايته وغرضه ظاهرة ومنفعته أجل المنافع وأعظمها انتهى ما في ‏(‏‏(‏كشف الظنون‏)‏‏)‏‏.‏

 علم الحكمة

هو علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية، وموضوعه الأشياء الموجودة في الأعيان والأذهان‏.‏

وعرّفه بعض المحققين بأحوال أعيان الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية، عني بذل جهده الإنساني بتمامه في أن يكون بحثه مطابقاً لنفس الأمر، فدخلت في التعريف المسائل المخالفة لنفس الأمر المبذولة الجهد بتمامه في تطبيقها على نفس الأمر‏.‏

فيكون موضوعه الأعيان الموجودة وفوائد قيود هذه الحدود مذكورة في ‏(‏‏(‏كشاف اصطلاحات الفنون‏)‏‏)‏ بما لها وعليها‏.‏

وغايته هي التشريف بالكمالات في العاجل والفوز بالسعادة الأخروية في الآجل‏.‏

وتلك الأعيان إما الأفعال والأعمال التي وجودها بقدرتنا اختيارنا أولاً‏.‏

فالعلم بأحوال الأول من حيث يؤدي إلى إصلاح المعاش والمعاد يسمى حكمة عملية لأن غايتها ابتداء الأعمال التي لقدرتنا مدخل فيها فنسبت إلى الغاية الابتدائية‏.‏

والعلم بأحوال الثاني يسمى حكمة نظرية لأن المقصود منها حصل بالنظر ‏(‏2/ 246‏)‏ وهو الإدراكات التصورية والتصديقية المتعلقة بالأمور التي لا مدخل لقدرتنا واختيارنا فيها‏.‏

ولا يرد أن الحكمة العملية أيضاً منسوبة إلى النظر لأن النظر ليس غايتها ولأن وجه التسمية لا يلزم اطراده، وذكر الحركة والسكون والمكان في الحكمة الطبيعية بناء على كونها من أحوال الجسم الطبيعي الذي ليس وجوده بقدرتنا وإن كانت تلك مقدورة لنا

وكل منهما ثلاثة أقسام‏:‏

أما العلمية فلأنها أمام علم بمصالح شخص بانفراده ويسمى تهذيب الأخلاق وقد ذكر في علم الأخلاق ويسمى الحكمة الخلقية وفائدتها تنقيح الطبائع بأن تعلم الفضائل وكيفية اقتنائها لتزكي بها النفس وإن تعلم الرذائل وكيفية توقيها لتطهر عنها النفس‏.‏

وأما علم بمصالح جماعة متشاركة في المنزل كالوالد والولد والمالك والمملولك ونحو ذلك ويسمى تدبير المنزل والحكمة المنزلية وقد سبق في التاء‏.‏

وأما علم بمصالح جماعة متشاركة في المدينة، ويسمى‏:‏ السياسة المدنية وسيأتي في السين‏.‏

وفائدتها‏:‏ أن تعلم كيفية المشاركة التي بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ومصالح بقاء نوع الإنسان كما أن فائدة تدبير المنزل أن تعلم المشاركة التي ينبغي أن تكون بين أهل منزل واحد لتنتظم بها المصلحة المنزلية التي تهم بين زوج وزوجة ومالك ومملوك ووالد ومولود‏.‏

وفائدة هذه الحكمة عامة شاملة لجميع أقسام الحكمة العملية ثم مبادئ هذه الثلاثة من جهة الشريعة وبها تتبين كمالات حدودها، أي بعض هذه الأمور معلومة من صاحب الشرع على ما يدل عليه تقسيمهم الحكمة المدنية إلى ما يتعلق بالسلك والسلطنة إذ ليس العلم بهما من عند صاحب الشرع كذا ذكر السيد السند في حواشي شرح حكمة العين‏.‏ ‏(‏2/ 247‏)‏

وأما النظرية فلأنها إما علم بأحوال مالا يفتقر في الوجود الخارجي والتعقل إلى المادة كالإله، وهو العلم الإلهي وقد سبق في الألف‏.‏

وأما علم بأحوال ما يفتقر إليها في الوجود الخارجي دون التعقل كالكرة وهو العلم الأوسط يسمى بالرياضي والتعليمي وسيأتي في الراء‏.‏

وأما علم بأحوال ما يفتقر إليها في الوجود الخارجي والعقل كالإنسان، وهو العلم الأدنى ويسمى بالطبيعي وسيأتي في الطاء‏.‏

وجعل بعضهم ما لا يفتقر إلى المادة أصلا قسمين ما لا يقارنها مطلقا كالإله والعقول، وما يقارنها لكن لا على وجه الافتقار كالوحدة والكثرة وسائر الأمور العامة، فيسمى العلم بأحوال الأول‏:‏ علما إلهياً

والعلم بأحوال الثاني‏:‏ علما كلياً وفلسفة أولى‏.‏

واختلفوا في أن المنطق من الحكمة أم لا‏؟‏ فمن فسرها بما يخرج النفس إلى كمالها الممكن في جانبي العلم والعمل، جعله منها، بل جعل العمل أيضاً منها، وكذا من ترك الأعيان من تعريفها، جعله من أقسام الحكمة النظرية، إذ لا يبحث فيه إلا عن المعقولات الثانية، التي ليس وجودها بقدرتنا واختيارنا‏.‏

وأما من فسرها بأحوال الأعيان الموجودة، وهو المشهور بينهم فلم يعده منها، لأن موضوعه ليس من أعيان الموجودات، والأمور العامة ليست بموضوعات، بل محمولات تثبت بالأعيان فتدخل في التعريف‏.‏

ومن الناس من جعل الحكمة اسما لاستكمال النفس الإنسانية في قوتها النظرية، أي‏:‏ خروجها من القوة إلى الفعل في الإدراكات التصورية والتصديقية بحسب الطاقة البشرية‏.‏

ومنهم من جعلها اسما لاستكمال القوة النظرية بالإدراكات المذكورة، واستكمال القوة العملية باكتساب الملكة التامة على الأقوال الفاضلة المتوسطة بين طرفي الإفراط والتفريط، وكلام الشيخ في ‏(‏‏(‏عيون الحكمة‏)‏‏)‏ يشعر بالقول الأول، وهو جعل الحكمة اسماً للكمالات المعتبرة في القوة النظيرة فقط، وذلك لأنه فسر الحكمة ‏(‏2/ 248‏)‏ باستكمال النفس الإنسانية بالتصورات، والتصديقات، سواء كانت في الأشياء النظرية، أو في الأشياء العملية، فهي مفسرة عنده باكتساب هذه الإدراكات‏.‏

وأما اكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة، فما جعلها جزء منها، بل جعلها غاية للحكمة العملية‏.‏

وأما حكمة الإشراق، فهي من العلوم الفلسفية بمنزلة التصوف من العلوم الإسلامية، كما إن الحكمة الطبيعية و الإلهية منها بمنزلة الكلام منها، وبيان ذلك أن السعادة العظمى، والمرتبة العليا للنفس الناطقة، هي معرفة الصانع بما له من صفات الكمال، والتنزه عن النقصان بما صدر عنه من الآثار والأفعال في النشأة الأولى والآخرة‏.‏

والجملة معرفة المبدأ والمعاد والطريق إلى هذه المعرفة من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ طريقة أهل النظر والاستدلال‏.‏

وثانيهما‏:‏ طريقة أهل الرياضة والمجاهدات‏.‏ والسالكون للطريقة الأولى إن التزموا ملة من ملل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهم المتكلمون، إلا فهم الحكماء المشاؤون، والسالكون إلى الطريقة الثانية، إن وافقوا في رياضتهم أحكام الشرع فهم الصوفية، وإلا فهم الحكماء الإشراقيون، فلكل طريقة طائفتان‏.‏

وحاصل الطريقة الأولى‏:‏ الاستكمال بالقوة النظرية، والترقي في مراتبها الأربعة، - أعني مرتبة العقل الهيولاني، والعقل بالفعل، والعقل بالملكة، والعقل المستفاد - والأخيرة هي الغاية القصوى، لكونها عبارة عن مشاهدة النظريات التي أدركتها النفس، بحيث لا يغيب عنها شيء، ولهذا قيل‏:‏

لا يوجد المستفاد لأحد في هذه الدار، بل في دار القرار، اللهم إلا لبعض المتجردين عن علائق البدن، والمنخرطين في سلك المجردات‏.‏

وحاصل الطريقة الثانية‏:‏ الاستكمال بالقوة العملية، والترقي في درجاتها، التي أولها‏:‏ تهذيب الظاهر باستعمال الشرائع والنواميس الإلهية ‏(‏2/ 249‏)‏‏.‏

وثانيها‏:‏ تهذيب الباطن عن الأخلاق الذميمة‏.‏

وثالثها‏:‏ تحلي النفس بالصور القدسية الخالصة عن شوائب الشكوك والأوهام‏.‏

ورابعها‏:‏ ملاحظة جمال الله - سبحانه وتعالى - وجلاله، وقصر النظر على كماله، والدرجة الثالثة من هذه القوة، وإن شاركتها المرتبة الرابعة من القوة النظرية، فإنها تفيض على النفس منها صور المعلومات على سبيل المشاهدة، كما في العقل المستفاد إلا أنها تفارقها من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ إن الحاصل المستفاد لا يخلو عن الشبهات الوهمية، لأن الوهم له استيلاء في طريق المباحثة بخلاف تلك الصور القدسية، فإن القوى الحسية قد تسخرت هناك للقوة العقلية، فلا تنازعها فيما تحكم به‏.‏

وثانيهما‏:‏ إن الفائض على النفس في الدرجة الثالثة، قد تكون صوراً كثيرة استعدت النفس بصفائها عن الكدورات، وصقالتها عن أوساخ التعلقات، لأن تفيض تلك الصور عليها كرات صقلت، وحوذي بها ما فيه صور كثيرة، فإنه يتراءى فيها ما تسع هي من تلك الصور، والفائض عليها في العقل المستفاد، هو العلوم التي تناسب تلك المبادئ التي رتبت معا للتأدي إلى مجهول، كمرآة صقل شيء يسير منها، فلا يرتسم فيها إلا شيء قليل من الأشياء المحاذية لها‏.‏ ذكره ابن خلدون في ‏(‏‏(‏المقدمة‏)‏‏)‏‏.‏

وأما العلوم العقلية التي هي طبيعة للإنسان، من حيث أنه ذو فكر فهي غير مختصة بملة، بل يوجد النظر فيها لأهل الملل كلهم، ويستوون في مداركها ومباحثها، وهي موجودة في النوع الإنساني مذ كان عمران الخليقة، وتسمى هذه العلوم‏:‏ علوم الفلسفة والحكمة‏.‏

وهي سبعة‏:‏ المنطق، وهو المقدم‏.‏

وبعده، التعاليم فالأرثماطيقي أولا، ثم الهندسة، ثم الهيئة، ثم الموسيقى، ثم ‏(‏2/ 250‏)‏ الطبيعيات، ثم الإلهيات، ولكل واحد منها فروع تتفرع عنه‏.‏

واعلم أن أكثر من عني بها في الأجيال الأمتان العظيمتان، فارس والروم، فكانت أسواق العلوم نافقة لديهم، لما كان العمران موفورا فيهم والدولة والسلطان قبل الإسلام لهم‏.‏

وكان للكلدانيين ومن قبلهم من السريانيين والقبط عناية بالسحر، والنجامة، وما يتبعهما من التأثيرات والطلسمات‏.‏ وأخذ عنهم الأمم من فارس، ويونان، ثم تتابعت الملل بحظر ذلك وتحريمه، فدرست علومه إلا بقايا تناقلها المنتحلون‏.‏

وأما الفرس، فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم عظيماً ولقد يقال‏:‏ إن هذه العلوم إنما وصلت إلى يونان منهم حين قتل إسكندر دارا، وغلب على مملكته واستولى على كتبهم وعلومهم، إلا أن المسلمين لما افتتحوا بلاد فارس، وأصابوا من كتبهم كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذن في شأنها وتنقيلها للمسلمين‏.‏

فكتب إليه عمر رضي الله عنه‏:‏ أن اطرحوها في الماء، فإن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله تعالى بأهدى منه، وإن يكن ضلالا فقد كفانا الله تعالى، فطرحوها في الماء، أو في النار، فذهبت علوم الفرس فيها‏.‏

وأما الروم‏:‏ فكانت الدولة فيهم ليونان أولا، وكان لهذه العلوم شأن عظيم، وحملها مشاهير من رجالهم، مثل أساطين الحكمة، واختص فيها المشاؤون منهم أصحاب الذوق، واتصل سند تعليمهم على ما يزعمون من لدن لقمان الحكيم في تلميذه، إلى سقراط، ثم إلى تلميذه أفلاطون، ثم إلى تلميذه أرسطو، ثم إلى تلميذه إسكندر الأفرودوسي، وكان أرسطو أرسخهم في هذه العلوم، ولذلك يسمى‏:‏ المعلم الأول‏.‏

ولما انقرض أمر اليونانيين، وصار الأمر للقياصرة، وتنصروا، هجروا تلك العلوم كما تقتضيه الملل والشرائع، وبقيت من صحفها ودواوينها مجلدات في خزائنهم ‏(‏2/ 251‏)‏‏.‏

ثم جاء الإسلام، وظهر أهله عليهم، وكان ابتداء أمرهم بالغفلة عن الصنائع، حتى إذا اتضح السلطان والدولة، وأخذوا من الحضارة تشوقوا إلى الاطلاع على هذه العلوم الحكمية بما سمعوا من الأساقفة، وبما تسمو إليه أفكار الإنسان فيها، فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم‏:‏ أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة، فبعث إليه بكتاب إقليدس، وبعض كتب الطبيعيات، وقرأها المسلمون، واطلعوا على ما فيها، وازدادوا حرصا على الظفر بما بقي منها‏.‏

وجاء المأمون من بعد ذلك، وكانت له في العلم رغبة، فأوفد الرسل إلى ملك الروم، في استخراج علوم اليونانيين، وانتساخها بالخط العربي، وبعث المترجمين لذلك، فأخذ منها واستوعب، وعكف عليها النظار من أهل الإسلام، وحذقوا في فنونها، وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها، وخالفوا كثيرا من آراء المعلم الأول، واختصوه بالرد والقبول، ودونوا في ذلك الدواوين‏.‏

وكان من أكابرهم في الملة‏:‏ أبو نصر الفارابي، وأبو علي بن سينا في المشرق والقاضي أبو الوليد بن رشد، والوزير أبو بكر بن الصانع بالأندلس، بلغوا الغاية في هذه العلوم‏.‏

واقتصر كثير على انتحال التعاليم وما يضاف إليها من علوم النجامة، والسحر، والطلسمات، ووقفت الشهرة على مسلمة بن أحمد المجريطي، من أهل الأندلس‏.‏

ثم إن المغرب والأندلس لما ركدت ريح العمران بهما، وتناقصت العلوم بتناقصه، اضمحل ذلك منه، إلا قليلا من رسومه، وبلغنا عن أهل المشرق‏:‏

أن بضائع هذه العلوم لم تزل عندهم موفورة، وخصوصا في عراق العجم، وما وراء النهر، لتوفر عمرانهم، واستحكام الحضارة فيهم، وكذلك يبلغنا لهذا العهد أن هذه العلوم الفلسفية ببلاد الفرنجة، وما يليها من العدوة الشمالية، نافقة الأسواق، وإن رسومها هناك متجددة، ومجالس تعليمها متعددة، انتهى خلاصة ما ذكره ابن خلدون‏.‏

أقول‏:‏ وكانت سوق الفلسفة والحكمة نافقة في الروم أيضاً بعد الفتح ‏(‏2/ 252‏)‏ الإسلامي إلى أواسط الدولة العثمانية، وكان شرف الرجل في تلك الأعصار بمقدار تحصيله، وإحاطته من العلوم العقلية والنقلية، وكان في عصرهم فحول ممن جمع بين الحكمة والشريعة، كالعلامة شمس الدين الفناري، والفاضل قاضي زاده الرومي، والعلامة خواجه زاده، والعلامة علي القوشجي، والفاضل ابن المؤيد، وميرجلبي، والعلامة ابن الكمال، والفاضل ابن الحنائي، وهو آخرهم‏.‏

ولما حل أوان الانحطاط، ركدت ريح العلوم، وتناقصت بسبب منع بعض المفتين عن تدريس الفلسفة، وسوقه إلى درس الهداية والأكمل، فاندرست العلوم بأسرها، إلا قليلا من رسومه، فكان المولى المذكور سببا لانقراض العلوم من الروم، وذلك من جملة أمارة انحطاط الدولة، كما ذكره ابن خلدون، والحكم لله العلي العظيم‏.‏

ونقل في الفهرس‏:‏ أنه كانت الحكمة في القديم ممنوعا منها إلا من كان من أهلها، ومن علم أنه يتقبلها طبعا‏.‏

وكانت الفلاسفة تنظر في مواليد من يريد الحكمة، والفلسفة، فإن علمت منها أن صاحب المولد في مولده حصول ذلك استخدموه وناولوه الحكمة وإلا فلا‏.‏

وكانت الفلسفة ظاهرة في اليونانيين والروم قبل شريعة المسيح عليه السلام، فلما تنصرت الروم منعوا منها، وأحرقوا بعضها، وخزنوا البعض إذ كانت بضد الشرائع‏.‏

ثم إن الروم عادت إلى مذهب الفلاسفة، وكان السبب في ذلك، أن جوليانوس بن قسطنطين وزر له تامسطيوس مفسر كتب أرسطاطاليس‏.‏

ثم قتل جوليانوس في حرب الفرس، ثم عادت النصرانية إلى حالها، وعاد المنع أيضاً، وكانت الفرس نقلت في القديم شيئاً من كتب المنطق والطب إلى اللغة الفارسية، فنقل ذلك إلى العربي عبد الله بن المقفع، وغيره، وكان خالد بن يزيد بن معاوية يسمى‏:‏ حكيم آل مروان فاضلا في نفسه، له همة ومحبة للعلوم، خطر بباله ‏(‏2/ 253‏)‏ الصنعة، فأحضر جماعة من الفلاسفة فأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اليوناني إلى العربي، وهذا أول نقل كان في الإسلام‏.‏

ثم إن المأمون رأى في منامه رجلاً حسن الشمائل، فقال‏:‏ من أنت‏؟‏ فقال‏:‏ أرسطاطاليس، فسأل عن الحسن، فقال‏:‏ ما حسن في العقل، ثم ماذا‏؟‏ فقال‏:‏ فما حسن في الشرع، فكان هذا المنام من أوكد الأسباب في إخراج الكتب‏.‏

وكان بينه وبين ملك الروم مراسلات، وقد استظهر عليه المأمون، فكتب إليه يسأله إنفاد ما يختار من الكتب القديمة المخزونة بالروم فأجاب إلى ذلك بعد امتناع، فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم‏:‏ الحجاج بن مطر، وابن البطريق، وسلما صاحب بيت الحكمة، فأخذوا ما اختاروا، وحملوا إليه فأمرهم بنقله فنقل‏.‏

وكان يوحنا بن مأسويه ممن ينفد إلى الروم، وكان محمد، وأحمد، والحسن بنو شاكر المنجم، ممن عني بإخراج الكتب، وكان قسطا بن لوقا البعلبكي قد حمل معه شيئا فنقل له‏.‏

وأول من تكلم في الفلسفة على زعم فرفوريوس الصوري في تاريخه السرياني سبعة أولهم‏:‏ ثاليس‏.‏

قال آخرون‏:‏ قوتاغورس وهو أول من سمى الفلسفة بهذا الاسم، وله رسائل تعرف بالذهبيات، لأن جالينوس كان يكتبها بالذهب‏.‏

ثم تكلم على الفلسفة سقراط من مدينة أيتنه بلد الحكمة‏.‏

ومن أصحاب سقراط، أفلاطون، كان من أشراف يونان، وكان في قديم أمره يميل إلى الشعر، فأخذ منه بحظ عظيم، ثم حضر مجلس سقراط، فرآه يسب الشعراء، فتركه ثم انتقل إلى قول فيثاغورس في الأشياء المعقولة، وعنه أخذ أرسطاطاليس، وألف كتباً، وترتيب كتبه هكذا‏:‏ المنطقيات، الطبيعيات، الإلهيات، الخلقيات‏.‏

أما المنطقية فهي ثمان كتب قاطيغورياس، معناه‏:‏ المقالات، نقله حنين وفسره فرفوريوس والفارابي ‏(‏2/ 254‏)‏‏.‏

ياريمنياس‏:‏ معناه العبارة، نقله حنين إلى السريانية، وإسحاق إلى العربي، وفسره الكندي‏.‏

أنالوطيقا، معناه‏:‏ تحليل القياس، نقله تيودورس إلى العربي، وفسره الكندي‏.‏

أنورطيقا، ومعناه‏:‏ البرهان، نقله إسحاق إلى السرياني، ونقل متى نقل إسحاق إلى العربي، وشرحه الفارابي‏.‏

طوبيقا، ومعناه‏:‏ الجدل، نقله إسحاق إلى السرياني، ونقل يحيى هذا النقل إلى العربي، وفسره الفارابي‏.‏

سوفسطيقا، ومعناه‏:‏ المغالطة، والحكمة المموهة، نقله ابن ناعمة إلى السرياني، ونقله يحيى بن عدي إلى العربي من السرياني، وفسره الكندي‏.‏

ريطوريقا، معناه‏:‏ الخطابة، قيل‏:‏ إن إسحاق نقله إلى العربية، وفسره الفارابي‏.‏

أنوطيقا، معناه‏:‏ الشعر، نقله متى من السرياني إلى العربي‏.‏

وأما الطبيعيات والإلهيات ففيهما كتاب السماع الطبيعي بتفسير الإسكندر وهو ثمان مقالات فوجد تفسير مقالة بجماعة‏.‏

وكتاب السماء والعالم وهو أربع مقالات، نقله متى، وشرح الأفرودات‏.‏

وكتاب الكون والفساد، نقله حنين إلى السرياني، وإسحاق إلى العربي‏.‏

وكتاب الأخلاق، فسره فرفوريوس‏.‏

أسماء النقلة اصطفن القديم، نقل لخالد بن يزيد كتب الصنعة وغيرها‏.‏

والبطريق، كان في أيام المنصور، ونقل أشياء بأمره‏.‏

وابن يحيى الحجاج بن مطر، وهو الذي نقل المجسطي، وإقليدس للمأمون‏.‏

وابن ناعمة عبد المسيح الحمصي، وسلام الأبرش من النقلة القدماء في أيام البرامكة‏.‏

وحسين بن بهريق، فسر المأمون عدة كتب، وهلال بن أبي هلال الحمصي، وابن آوى، وأبو نوح بن الصلت، وابن رابطة، وعيسى بن نوح، وقسطا بن لوقا البعلبكي جيد النقل، وحنين، وإسحاق، وثابت، وإبراهيم بن الصلت، ويحيى بن عدي، وابن المقفع نقل من الفارسية إلى العربية، وكذا موسى، ويوسف ابنا خالد، والحسن ‏(‏2/ 255‏)‏ ابن سهل، والبلاذري، وكنكه الهندي، نقل من الهندية إلى العربية، وابن وحشية نقل من النبطية إلى العربية‏.‏

وذكر الشهرستاني في ‏(‏‏(‏الملل والنحل‏)‏‏)‏‏:‏ إن فلاسفة الإسلام الذين فسروا ونقلوا كتبها من اليونانية إلى العربية، وأكثرهم على رأي أرسطو منهم‏:‏

حنين، وأبو الفرج، وأبو سليمان السنجري، ويحيى النحوي، ويعقوب بن إسحاق الكندي، وأبو سليمان محمد ابن بكير المقدسي، وثابت بن قرة الحراني، وأبوتمام يوسف بن محمد النيسابوري، وأبو زيد أحمد بن سهل البلخي، وأبو الحارث حسن بن سهل القمي، وأبو حامد بن محمد الإسفرائني، وأبو زكريا يحيى الصيمري، وأبو نصر الفارابي، وطلحة النسفي، وأبو الحسن العامري، وابن سينا‏.‏

وفي ‏(‏‏(‏حاشية المطالع‏)‏‏)‏ لمولانا لطفي أن المأمون جمع مترجمي مملكته كحنين بن إسحاق، وثابت بن قرة، وترجموها بتراجم متخالفة مخلوطة غير ملخصة ومحررة، لا توافق ترجمة أحدهم للآخر، فبقيت تلك التراجم هكذا غير محررة، بل أشرف إن عفت رسومها إلى زمن الحكيم الفارابي‏.‏

ثم إنه التمس منه ملك زمانه مصور بن نوح الساماني أن يجمع تلك التراجم، ويجعل من بينها ترجمة ملخصة، محررة، مهذبة، مطابقة لما عليه الحكمة، فأجاب الفارابي، وفعل كما أراد وسمى كتابه بالتعليم الثاني، فلذلك لقب‏:‏ بالمعلم الثاني‏.‏

وكان هذا في خزانة المنصور إلى زمان السلطان مسعود من أحفاد منصور، كما هو مسودا بخط الفارابي غير مخرج إلى البياض، إذ الفارابي غير ملتفت إلى جمع تصانيفه، وكان الغالب عليه السياحة على زي القلندرية، وكانت تلك الخزانة بأصفهان، وتسمى‏:‏ صوان الحكمة‏.‏

وكان الشيخ أبو علي بن سينا وزير المسعود، وتقرب إليه بسبب الطب حتى استورده، وسلم إليه خزانة الكتب، فأخذ الشيخ الحكمة من هذه الكتب، ووجد فيما بينها التعليم الثاني، ولخص منه كتاب ‏(‏‏(‏الشفاء‏)‏‏)‏ ‏(‏2/ 256‏)‏‏.‏

ثم إن الخزانة أصابها آفة، فاحترقت تلك الكتب، فاتهم أبو علي بأنه أخذ من تلك الخزانة الحكمة ومصنفاته، ثم أحرقها لئلا ينتشر بين الناس، ولا يطلع عليه، فإنه بهتان وإفك، لأن الشيخ مقر لأخذه الحكمة من تلك الخزانة، كما صرح في بعض رسائله‏.‏

وأيضاً يفهم في كثير من مواضع ‏(‏‏(‏الشفاء‏)‏‏)‏ أنه تلخيص التعليم الثاني، انتهى إلى هنا خلاصة ما ذكروه في أحوال العلوم العقلية، وكتبها، ونقلها إلى العربية، والتفصيل في تاريخ الحكماء‏.‏

ثم إن الإسلاميين لما رأوا في العلوم الحكمية ما يخالف الشرع الشريف، صنفوا فناً للعقائد، واشتهر بعلم الكلام‏.‏

لكن المتأخرين من المحققين أخذوا من الفلسفة ما لا يخالف الشرع، وخلطوا به الكلام لشدة الاحتياج إليه، كما قال العلامة سعد الدين في ‏(‏‏(‏شرح المقاصد‏)‏‏)‏، فصار كلامهم حكمة إسلامية، ولم يبالوا برد المتعصبين وإنكارهم على خلطهم، لأن المرء مجبول على عداوة ما جهله‏.‏

لكنهم لما لم يكن أخذهم وخلطهم على طريق النقل والاستفادة، بل على سبيل الرد والاعتراض والنقص والإبرام في كثير من الأمور الطبيعية والفلكية والعنصرية‏.‏ قام أشخاص من الإسلاميين كالنصير، وابن رشد، ومن غير الإسلاميين، وانتصبوا في ردهم وتزييفهم، فصار فن الكلام كالحكمة في النقض وتزييف الدلائل‏.‏

كما قال الفاضل القاضي مير حسين الميبذي في آخر رسالته المعرفة ‏(‏‏(‏بجام كيتي نما‏)‏‏)‏‏:‏ فاللائق بحال الطالب أن ينظر في كلام الفريقيين، وكلام أهل المتصوف، ويستفيد من كل منهما، ولا ينكر إذ الإنكار سبب البعد عن الشيء، كما قال الشيخ في آخر ‏(‏‏(‏الإشارات‏)‏‏)‏‏.‏

وأما الكتب المصنفة في الحكمة الطبيعية، والإلهية، والرياضية، فأكثرها ليس بإسلامي، بل يوناني ولاتيني، لأن معظم الكتب بقي في بلادهم، ولم ينقل إلى العربي إلا الشاذ النادر، وما نقل لم يبق على أصل معناه لكثرة التحريفات في خلال ‏(‏2/ 257‏)‏ التراجم، كما هو أمر مقرر في نقل الكتب من لسان إلى لسان‏.‏

وقد اختبرنا وحققنا ذلك حين الاشتغال بنقل كتاب أطلس وغيره، من لغة لاتن إلى اللغة التركية، فوجدناه كذلك ولم نر أعظم كتابا من ‏(‏‏(‏الشفا‏)‏‏)‏ في هذا الفن مع أنه شيء يسير بالنسبة إلى ما صنف أهل أقاديميا التي في بلاد أورفا‏.‏

ثم إن بعض المحققين أخذ طرفا من كتب الشيخ ‏(‏‏(‏كالشفا‏)‏‏)‏ و‏(‏‏(‏النجاة‏)‏‏)‏ و‏(‏‏(‏الإشارات‏)‏‏)‏ و‏(‏‏(‏عيون الحكمة‏)‏‏)‏ وغيرها، وجعل مقدمة ومدخلا للعلوم العقلية، ‏(‏‏(‏كالهداية‏)‏‏)‏ لأثير الدين الأبهري، و‏(‏‏(‏عين القواعد‏)‏‏)‏ للكابر القزويني، فصار قصارى همم أهل زماننا الاكتفاء بشيء من قراءة الهداية، ولو تجرد بعض المشتغلين وسعى إلى مذاكرة حكمة العين لكان ذلك أقصى الغاية فيما بينهم وقليل ما هم‏.‏ انتهى ما في ‏(‏‏(‏كشف الظنون‏)‏‏)‏‏.‏

 علم الحمامات

ويقال له‏:‏ علم الديماس، والحمام‏:‏ وضع صناعي مركب الكيفية للتدبير والاستفراغ في الداخل والخارج معا‏.‏

وغايته‏:‏ جلب المنافع للبدن ودفع المضار عنه باعتبار حالة عناصر ذلك البدن فيتبعها صحة أو فساد، والحاجة باعثة إلى اتخذاه‏.‏

وهذا العلم من فروع علم الطب وفيه رسالة للسيوطي، ورسالة للحكيم محمد أحسن الحاجي فوري، نزيل بهوبال، لطف الله به في الحال والمال‏.‏

قال الإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني في كتابه، ‏(‏‏(‏وبل الغمام‏)‏‏)‏‏:‏ إنها قد وردت في الحمامات روايات غالبها الضعاف فيها ما هو في رتبة الحسن، وحاصل ‏(‏2/ 258‏)‏ ما دلت عليه تحريم دخوله على النساء مطلقا، وعلى الرجال إلا في المآزر، وقد استوفيت ذلك في الرسالة المسماة ‏(‏‏(‏تفويق النبال إلى إرسال المقال‏)‏‏)‏ جعلتها جوابا لرسالة سماها مؤلفها إرسال المقال إلى حل الإشكال‏)‏‏)‏ انتهى كلامه - رحمه الله - تعالى‏.‏

 علم الحيل الساسانية

ذكره أبو الخير من فروع علم السحر، وقال‏:‏ هو‏:‏ علم يعرف به طريق الاحتيال في جلب المنافع وتحصيل الأموال، والذي باشرها يتزيا في كل بلدة بزي يناسب تلك البلدة بأن يعتقد أهلها في أصحاب ذلك الزي، فتارة يختارون زي الفقهاء، وتارة زي الوعاظ، وتارة زي الأشراف، وتارة زي الصوفية، إلى غير ذلك‏.‏

ثم إنهم يحتالون في خداع العوام بأمور تعجز العقول عن ضبطها، والتفطن لها، منها ما حكى واحد أنه رأى في جامع البصرة قردا على مركب، مثل ما يركبه أبناء الملوك وعليه ألبسة نفيسة نحو ملبوساتهم، وهو يبكي وينوح، وحوله خدم يتبعونه، ويبكون ويقولون‏:‏

يا أهل العافية، اعتبروا بسيدنا هذا، فإنه كان من أبناء الملوك، عشق امرأة ساحرة، وبلغ حاله بسحرها إلى أن مسخ إلى صورة القرد، وطلبت منه مالاً عظيما لتخليصه من هذه الحالة، والقرد يبكي بأنين وحنين، والعامة يرقون عليه ويبكون وجمعوا لأجله شيئاً عظيماً من الأموال، ثم فرشوا له في الجامع سجادة، فصلى عليها ركعتين، ثم صلى الجمعة مع الناس، ثم ذهبوا بعد الفراغ عن الجمعة بتلك الأموال‏.‏

وأمثال هذه الحيل كثيرة جداً قلت‏:‏ ذكرت هذه الحكاية في تاريخ ميراخوند ‏(‏2/ 259‏)‏ أيضاً، وكتاب ‏(‏‏(‏المختار في كشف الأستار‏)‏‏)‏ بالغ في كشف هذه الأسرار والله أعلم‏.‏

علم الحيل الشرعية

هو‏:‏ باب من أبواب الفقه، بل فن من فنونه، كالفرائض، وقد صنفوا فيه كتباً أشهرها‏:‏ ‏(‏‏(‏كتاب الحيل‏)‏‏)‏ للشيخ الإمام أبي بكر أحمد بن عمر، المعروف بالخصاف الخفي، المتوفى سنة إحدى وستين ومائتين، وهو في مجلدين، ذكره التميمي في ‏(‏‏(‏طبقات الحنفية‏)‏‏)‏‏.‏

وله شروح منها ‏(‏‏(‏شرح شمس الأئمة‏)‏‏)‏ الحلواني‏.‏

وشرح ‏(‏‏(‏شمس الأئمة‏)‏‏)‏ السرخسي، وشرح الإمام خواهر زاده‏.‏

ومنها‏:‏ كتاب محمد بن علي النخعي‏.‏ وابن سراقة‏.‏ و أبي بكر الصيرفي‏.‏ و أبي حاتم القزويني‏.‏ وغير ذلك، ذكروا فيه الحيل الدافعة للمغالبة، وأقسامها من المحرمة، والمكروهة، والمباحة‏.‏

وقد أطال الحافظ ابن القيم - رحمه الله - في كتاب ‏(‏‏(‏أعلام الموقعين عن رب العالمين‏)‏‏)‏ في إبطال الحيل التي أحدثها الفقهاء وأجاد‏.‏

 علم الحيوان

هو‏:‏ علم باحث عن أحوال خواص أنواع الحيوانات وعجائبها، ومنافعها، ومضارها‏.‏

وموضوعه‏:‏ جنس الحيوان البري، والبحري، والماشي، والزاحف، والطائر، وغير ذلك‏.‏

والغرض منه‏:‏ التداوي، والانتفاع بالحيوانات، والاجتناب عن مضارها، والوقوف على عجائب أحوالها وغرائب أفعالها ‏(‏2/ 260‏)‏‏.‏

مثلاً‏:‏ في غرب الأندلس حيوان لو أكل الإنسان أعلاه أعطي بالخاصية علم النجوم، وإذا أكل وسطه أعطي علم النبات، وإذا أكل عجزه - وهو ما يلي ذنبه - أعطي علم المياه المغيبة في الأرض، فيعرف إذا أتى أرضا لا ماء فيها على كم ذراع يكون الماء فيها‏.‏

وفيه كتب قديمة وإسلامية منها كتاب ‏(‏‏(‏الحيوان‏)‏‏)‏ لديموقراس ذكر فيه طبائعه ومنافعه، وكتاب ‏(‏‏(‏الحيوان‏)‏‏)‏ لأرسطاطاليس تسع عشرة مقالة نقله ابن البطريق من اليوناني إلى العربي، وقد يوجد سريانيا نقلاً قديما أجود من العربي، ولأرسطو أيضاً كتاب في نعت الحيوان الغير الناطق، وما فيه من المنافع والمضار، وكتاب ‏(‏‏(‏الحيوان‏)‏‏)‏ لأبي عثمان عمرو ابن بحر الجاحظ البصري، المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين وهو كبير أوله ‏(‏جنبك الله تعالى الشبهة وعصمك من الحيرة‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الخ‏)‏‏.‏

قال الصفدي‏:‏ ومن وقف على كتابه هذا، وغالب تصانيفه، ورأى فيها الاستطرادات التي استطردها، والانتقالات التي ينتقل إليها، والجهالات التي يعترض بها في غصون كلامه، بأدنى ملابسه، علم ما يلزم الأديب، وما يتعين عليه من مشاركة المعارف‏.‏

أقول‏:‏ ما ذكره الصفدي من إسناد الجهالات إليه، صحيح واقع فيما يرجع إلى الأمور الطبيعية، فإن الجاحظ من شيوخ الفصاحة والبلاغة، لا من أهل هذا الفن‏.‏

ومختصر حيوان الجاحظ لأبي القاسم هبة الله بن القاضي الرشيد جعفر، المتوفى سنة ثمان وستمائة‏.‏ وكتاب ‏(‏‏(‏حياة الحيوان‏)‏‏)‏ للشيخ كمال الدين محمد بن عيسى الدميري الشافعي، المتوفى سنة ثمان وثمانمائة، وهو كتاب مشهور في هذا الفن، جامع بين الغث والسمين، لأن المصنف فقيه فاضل محقق في العلوم الدينية، لكنه ليس من أهل هذا الفن كالجاحظ، وإنما مقصده تصحيح الألفاظ، وتفسير الأسماء المبهمة، كما أشار إليه في أول كتابه هذا، وذكر أنه جمعه من خمسمائة وستين كتاب، أو مائة وتسعة وتسعين ديوانا من دواوين شعراء العرب، وجعله نسختين، صغرى ‏(‏2/ 261‏)‏ وكبرى في كبيراه زيادة التاريخ وتعبير الرؤيا وله مختصرات ذكرها في ‏(‏‏(‏كشف الظنون‏)‏‏)‏‏.‏

وعبارة ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ وقد صنف فيه كمال الدين الدميري تصنيفاً حسناً مطولاً ومختصراً، ورأيت مختصرا يسمى ‏(‏‏(‏بخواص الحيوان‏)‏‏)‏ وهو كاف في هذا الباب، إلا أني لم أعرف مصنفه، انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وقد طبع كتاب ‏(‏‏(‏حياة الحيوان الكبرى‏)‏‏)‏ بمصر القاهرة ولهذا الزمان، وعم نفعه في البلاد ‏(‏2/ 262‏)‏ ‏(‏2/ 263‏)‏‏.‏