فصل: علم العزائم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم **


 باب الضاد المعجمة

 علم ضروب الأمثال

قال الميداني‏:‏ إن عقود الأمثال يحكم بأنها عديمة أشباه وأمثال، تتحلى بفرائدها صدور المحافل والمحاضر، ويتسلى بفوائدها قلب البادي والحاضر، وتفيدوا بها في بطون الدفاتر والصحائف، وتطير نواهضها في رؤوس الشواهق وظهور المنائف، ويحتاج الخطيب والشاعر إلى إدماجها وإدراجها لاشتمالها على أساليب الحسن والجمال، وكفى جلالة قدرها أن كتاب الله - سبحانه وتعالى - لم يعر من وشاحها، وإن كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - لم يخل في إيراده وإصداره من مثل يحوز قصب السبق في حلبة الإيجاز، وأمثال التنزيل كثيرة‏.‏

وأما الكلام النبوي من هذا الفن فقد صنف العسكري فيه كتاباً برأسه من أوله إلى آخره، ومن المعلوم أن الأدب سلم إلى معرفة العلوم، به يتوصل إلى الوقوف عليها، ومن يتوقع الوصول إليها غير أن له مسالك ومدارج، ولتحصيله مراقي ومعارج، وإن أعلى تلك المراقي وأقصاها، وأوعر تلك المسائل أعصاها، هذه الأمثال الواردة كل مرتضع در الفصاحة يافعا ووليدا، فينطق بما يعبر عنها حشوا في ارتقاء معارج البلاغة‏.‏

ولهذا السبب خفي أثرها وظهر أقلها، ومن حام حول حماها علم أن دون الوصول إليها أحرق من خرط القتاد، وأن لا وقوف عليها إلا للكامل ‏(‏2/ 352‏)‏ المعتاد كالسلف الماضيين الذي نظموا من شملها ما تشتت، وجمعوا من أمرها ما تفرق، فلم يبقوا في قوس الإحسان منزعا‏.‏

 علم الضعفاء والمتروكين في رواة الحديث

صنف فيه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى بخرتنك سنة ست وخمسين ومائتين، يرويه عنه أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي، وأبو جعفر شيخ ابن سعيد، وآدم بن موسى الجفاري، وهو من تصانيفه الموجودة، قاله الحافظ ابن حجر، والإمام عبد الرحمن بن أحمد النسائي، والإمام حسن بن محمد الصنعاني، وأبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة‏.‏ قال الذهبي في ‏(‏‏(‏ميزان الاعتدال‏)‏‏)‏‏:‏ إنه يسرد الجرح ويسكت من التوثيق، وقد اختصره ثم ذيله كما قال‏.‏

وذيله أيضاً‏:‏ علاء الدين مغلطائي بن قليج، المتوفى سنة اثنتين وستين وسبعمائة‏.‏

وصنف فيه علاء الدين علي بن عثمان المارديني، المتوفى سنة خمسين وسبعمائة‏.‏

وصنف فيه محمد بن حيان البستي، ووضع له مقدمة قسم فيها الرواة إلى نحو عشرين قسماً، ذكره البقاعي في ‏(‏‏(‏حاشية شرح الألفية‏)‏‏)‏ ‏(‏2/ 353‏)‏‏.‏

 باب الطاء المهملة

 علم الطب

هو‏:‏ علم يبحث فيه عن بدن الإنسان، من جهة ما يصح ويمرض لحفظ الصحة وإزالة المرض‏.‏

قال جالينوس‏:‏ الطب حفظ الصحة وإزالة العلة‏.‏

وموضعه‏:‏ بدن الإنسان من حيث الصحة والمرض‏.‏

ومنفعته‏:‏ لا تخفى، وكفى بهذا العلم شرفاً وفخراً أقوال الإمام الشافعي‏:‏ العلم علمان‏:‏ علم الطب للأبدان، وعلم الفقه للأديان‏.‏

ويروى عن علي كرم الله وجهه‏:‏ العلوم خمسة‏:‏

الفقه للأديان، والطب للأبدان، والهندسة للبنيان، والنحو للسان، والنجوم للزمان، ذكره في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏.‏

قال في ‏(‏‏(‏كشاف اصطلاحات الفنون‏)‏‏)‏‏:‏ وموضوع الطب‏:‏ بدن الإنسان وما يشتمل عليه من الأركان، والأمزجة، والأخلاط، والأعضاء، والقوى، والأرواح، والأفعال، وأحواله من الصحة والمرض، وأسبابهما من المآكل والمشرب والأهوية المحيطة بالأبدان، والحركات والسكنات، والاستفراغات والاحتقانات، والصناعات، والعادات، والواردات الغريبة، والعلامات الدالة على أحواله من ضرر أفعاله ‏(‏2/ 354‏)‏ وحالات بدنه، وما يبرز منه، والتدبير بالمطاعم والمشارب، واختيار الهواء وتقدير الحركة والسكون، والأدوية البسيطة والمركبة، وأعمال اليد لغرض حفظ الصحة، وعلاج الأمراض بحسب الإمكان، انتهى‏.‏

قال‏:‏ وعلم الطب من فروع الطبعي، وهو‏:‏ علم بقوانين تتعرف منها أحوال أبدان الإنسان من جهة الصحة وعدمها لتحفظ حاصلة وتحصل غير حاصلة ما أمكن، وفوائد القيود ظاهرة، وهذا أولى ممن قال من جهة ما يصح ويزول عنه الصحة، فإنه يرد عليه‏:‏ إن الجنين غير الصحيح من أول الفطرة لا يصح عليه أنه زال عن الصحة، أو صحته زائلة، كذا في السديدي ‏(‏‏(‏شرح الموجز‏)‏‏)‏ فالمراد هنا بالعلم‏:‏ التصديق بالمسائل، ويمكن أن يراد به الملكة، أي‏:‏ ملكة حاصلة بقوانين‏.‏‏.‏‏.‏ الخ‏.‏

وفي ‏(‏‏(‏شرح القانوجه‏)‏‏)‏ هو‏:‏ علم بأحوال بدن الإنسان وما يتركب منه من حيث الصحة والمرض، انتهى‏.‏

اعلم‏:‏ أن تحقيق أول حدوث الطب عسير لبعد العهد واختلاف آراء القدماء فيه، وعدم المرجح، فقوم يقولون بقدمه، والذين يقولون بحدوث الأجسام يقولون بحدوثه أيضاً، وهم فريقان‏:‏

الأول‏:‏ يقول أنه خلق مع الإنسان‏.‏

والثاني‏:‏ وهم الأكثر، يقول‏:‏ إنه مستخرج بعده، إما بإلهام من الله - سبحانه وتعالى -، كما هو مذهب بقراط وجالينوس وجميع أصحاب القياس، وإما بتجربة من الناس كما ذهب إليه أصحاب التجربة والحيل وثاسلس المغالط، وفنين، وهم مختلفون في الموضع الذي به استخرج وبماذا استخرج‏.‏

فبعضهم يقول‏:‏ إن أهل مصر استخرجوه، ويصححون ذلك من الدواء المسمى بالرأس‏.‏

وبعضهم يقول‏:‏ إن هرمس استخرجه مع سائر الصنائع‏.‏

وبعضهم يقول‏:‏ أهل تونس ‏(‏2/ 355‏)‏‏.‏

وقيل‏:‏ أهل سوريا وأفروجيا، وهم أول من استخرج الزمر أيضاً، وكانوا يشفون بالألحان والإيقاعات آلام النفس‏.‏

وقيل‏:‏ أهل قو، وهي الجزيرة التي كان بها بقراط وآباؤه، وذكر كثير من القدماء‏:‏ أنه ظهر في ثلاث جزائر، إحداها‏:‏ رودس، والثانية‏:‏ تسمى‏:‏ قندس، والثالثة‏:‏ قو‏.‏

وقيل‏:‏ استخرجه الكلدانيون‏.‏

وقيل‏:‏ استخرجه السحرة من اليمن‏.‏

وقيل‏:‏ من بابل‏.‏

وقيل‏:‏ فارس‏.‏

وقيل‏:‏ استخرجه الهند‏.‏

وقيل‏:‏ الصقالبة‏.‏

وقيل‏:‏ أقريطش‏.‏

وقيل‏:‏ أهل طور سينا‏.‏

والذين قالوا بإلهام يقول بعضهم‏:‏ هو إلهام بالرؤيا، واحتجوا بأن جماعة رأوا في الأحلام أدوية استعملوها في اليقظة، فشفتهم من أمراض صعبة، وشفت كل من استعملها‏.‏

وبعضهم يقول‏:‏ بإلهام من الله - سبحانه وتعالى - بالتجربة‏.‏

وقيل‏:‏ إن الله - سبحانه وتعالى - خلق الطب لأنه لا يمكن أن يستخرجه عقل إنسان، وهو رأي جالينوس، فإنه قال كما نقله عنه صاحب ‏(‏‏(‏عيون الأنباء‏)‏‏)‏‏.‏

وأما نحن فالأصوب عندنا أن نقول‏:‏ إن الله - سبحانه وتعالى - خلق صناعة الطب وألهمها الناس، وهو أجل من أن يدرجه العقل، لأنا نجد الطب أحسن من الفلسفة التي يرون أن استخراجها كان من عند الله - سبحانه وتعالى - بإلهام منه للناس، فوجود الطب بوحي وإلهام من الله - سبحانه وتعالى -‏.‏

قال ابن أبي صاد في آخر شرحه لمسائل حنين‏:‏ وجدت الناس في قديم الزمان لم يكونوا يقنعون من هذا العلم دون ‏(‏2/ 356‏)‏ أن يحيطوا علماً بجل أجزائه، وبقوانين طرق القياس والبرهان، التي لا غنى لشيء من العلوم عنها، ثم لما تراجعت الهمم عن ذلك أجمعوا على أنه لا غنى لمن يزاول هذا العلم من أحكام ستة عشر كتابا لجالينوس، كان أهل الإسكندرية لخصوها لنقبائها المتعلمين، ولما قصرت الهمم بالمتأخرين عن ذلك أيضاً، وظف أهل المعرفة على من يقنع من الطب بأن يتعاطاه، دون أن يتمهر فيه، أن يحكم ثلاث كتب من أصوله‏.‏

أحدها‏:‏ مسائل حنين‏.‏

والثاني‏:‏ كتاب الفصول لبقراط‏.‏

والثالث‏:‏ أحد الكناشتين الجامعتين للعلاج، وكان خيرها كناش ابن سرافيون‏.‏

وأول من شاع عنه الطب إسقلنينوس عاش تسعين سنة منها وهو صبي وقبل أن تصح له القوة الإلهية خمسون سنة، وعالما معلما أربعون سنة، وخلف ابنين ماهرين في الطب، وعهد إليهما أن لا يعلما الطب إلا لأولادهما وأهل بيته، وعهد إلى من يأتي بعده كذلك‏.‏

وقال ثابت‏:‏ كان في جميع المعمور لإسقلنينوس اثنا عشر ألف تلميذ، وإنه كان يعلم مشافهة، وكان آل إسقلنينوس يتوارثون صناعة الطب، إلى أن تضعضع الأمر في الصناعة على بقراط، ورأى أن أهل بيته وشيعته قد قلوا، ولم يأمن أن تنقرض الصناعة، فابتدأ في تأليف الكتب على جهة الإيجاز‏.‏

قال علي بن رضوان‏:‏ كانت صناعة الطب قبل بقراط كنزا وذخيرة يكنزها الآباء، ويدخرونها للأبناء، وكانت في أهل بيت واحد، منسوب إلى إسقلنينوس، وهذا الاسم اسم لملك بعثه الله - سبحانه وتعالى - يعلم الناس الطب، أو اسم قوة الله تعالى علمت الناس الطب‏.‏

وكيف كان، فهو أول من علم صناعة الطب، ونسب المعلم الأول إليه على عادة القدماء في تسمية المعلم أبا للمتعلم، وتناسل من المعلم الأول أهل هذا البيت المنسوبون إلى إسقلنينوس، وكان ملوك اليونان والعظماء منهم، ولم يكونوا غيرهم من تعلم الطب، وكان تعليمهم إلى أبنائهم‏.‏ فيفسر ذلك ‏(‏2/ 357‏)‏ اللغز للابن، وكان الطب في الملوك والزهاد فقط، يقصدون به الإحسان إلى الناس من غير أجرة، ولم يزل ذلك إلى أن نشأ بقراط من أهل قو، ودمقراط من أهل إيديرا، وكانا متعاصرين‏.‏

أما دمقراط فتزهد، وأما بقراط فعمد إلى أن دونه بإغماض في الكتب، خوفا على ضياعه، وكان له ولدان‏:‏ ثاسالوس، ودراقر، وتلميذ، وهو‏:‏ قولونس، فعلمهم ووضع عهدا وناموسا ووصية عرف منها جميع ما يحتاج إليه الطبيب في نفسه‏.‏

وعبارة ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ إن أول من دون علم الطب بقراط، ثم ظهر من بعده جالينوس من مدينة فرغاموس من أرض اليونانيين، ولا أعلم بعد أرسطاطاليس أعلم بالطبعي من هذين، بقراط وجالينوس، وظهر جالينوس بعد ستمائة وخمس وستين سنة من وفاة بقراط، وبينه وبين المسيح سبع وخمسون سنة المسيح أقدم منه‏.‏

واعلم‏:‏ أن من وفاة جالينوس إلى هذا التاريخ - وهو ثمان وأربعون وتسعمائة سنة من هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ألف وأربعمائة وستة وسبعون سنة تقريبا‏.‏

ومن مشاهير العلماء في الطب‏:‏ محمد بن زكريا أبو بكر الرازي، ألف كتباً كثيرة في الطب‏.‏

ومن الكتب المختصرة النافعة غاية النفع، المباركة للطلاب، كتاب ‏(‏‏(‏الموجز‏)‏‏)‏ لابن النفيس المصري، ومن المبسوطة‏:‏ ‏(‏‏(‏القانون‏)‏‏)‏ لابن سينا، وعليه شرح لابن النفيس، وللعلامة الشيرازي، انتهى حاصله‏.‏

قلت‏:‏ يحتاج ‏(‏‏(‏القانون‏)‏‏)‏ إلى إصلاح عبارة وتلخيص وتهذيب، فقد أطال فيه، وجاء بعبارات سخيفة بشعة، كما لا يخفى على الماهر فيه‏.‏ ومن الكتب الجديدة التأليف‏:‏ كتاب الحكيم أحمد بن حسن أفندي الرشيدي، المطبوع بمصر القاهرة، سماه ‏(‏‏(‏بعمدة المحتاج في علمي الأدوية والعلاج‏)‏‏)‏ ألفه باسم إسماعيل باشا مصر، وهو في أجزاء جمعه من المؤلفات العربية والإفرنجية، وله كتاب ‏(‏‏(‏بهجة الرؤساء في علاج أمراض النساء‏)‏‏)‏ طبع بمصر القاهرة في سنة 1260، ألفه باسم محمد علي باشا، وأفاد ‏(‏2/ 358‏)‏ وأجاد‏.‏ وله كتاب ‏(‏‏(‏نزهة الإقبال في مداواة الأطفال‏)‏‏)‏ وهو مجلد كبير، طبع بمصر في سنة 1261 الهجرية، باسم محمد علي باشا أيضاً‏.‏

ومن الكتب الجديدة كتاب ‏(‏‏(‏المنحة في سياسة حفظ الصحة‏)‏‏)‏، للحكيم الأجل محمد الهراوي، طبع بمصر في سنة 1249، ترجمة من الفرنساوي إلى العربي، وهو مجلد متوسط‏.‏

والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا، ذكرها ملا كاتب الجلبي في ‏(‏‏(‏كشف الظنون‏)‏‏)‏، على ترتيب حروف الأعجام‏.‏

وأما الذي في ‏(‏‏(‏مقدمة ابن خلدون‏)‏‏)‏ فنصه هكذا‏:‏ ومن فروع الطبيعيات‏:‏ صناعة الطب، وهي صناعة تنظر في بدن الإنسان من حيث يمرض ويصح، فيحاول صاحبها حفظ الصحة، وبرء المرض بالأدوية والأغذية، بعد أن يتبين المرض الذي يخص كل عضو من أعضاء البدن، وأسباب تلك الأمراض التي تنشأ عنها، وما لكل مرض من الأدوية مستدلين على ذلك بأمزجة الأدوية، وقواها على المرض بالعلامات المؤذنة بنضجه، وقبوله الدواء أولا‏:‏ في السجية والفضلات والنبض، محاذين لذلك قوة الطبيعة، فإنها المدبرة في حالتي الصحة والمرض‏.‏

وإنما الطبيب يحاذيها ويعينها بعض الشيء بحسب ما تقتضيه طبيعة المادة والفصل والسن، ويسمى العلم الجامع لهذا كله‏:‏ علم الطب‏.‏ وربما أفردوا بعض الأعضاء بالكلام، وجعلوه علما خاصا كالعين وعللها وأكحالها‏.‏

وكذلك ألحقوا بالفن من منافع الأعضاء، ومعناها المنفعة التي لأجلها خلق كل عضو من أعضاء البدن الحيواني، وإن لم يكن ذلك من موضوع علم الطب، إلا أنهم جعلوه من لواحقه وتوابعه‏.‏

وإمام هذه الصناعة التي ترجمت كتبه فيها من الأقدمين‏:‏ جالينوس‏.‏

يقال‏:‏ إنه كان معاصراً لعيسى - عليه السلام - ويقال‏:‏ إنه مات بصقلية، في سبيل تغلب ومطاوعة اغتراب، وتأليفه فيها هي الأمهات التي اقتدى بها جميع الأطباء بعده‏.‏

وكان في الإسلام في هذه الصناعة أئمة جاؤوا من وراء الغاية، مثل‏:‏ الرازي ‏(‏2/ 359‏)‏، والمجوسي، وابن سينا،

ومن أهل الأندلس أيضاً كثير، وأشهرهم‏:‏ ابن زهر، وهي لهذا العهد في المدن الإسلامية كأنها نقصت لوقوف العمران وتناقصه، وهي من الصنائع التي لا تستدعيها إلا الحضارة والترف‏.‏

قف‏:‏ وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، متوارثا عن مشائخ الحي وعجائزه، وربما يصح منه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي، ولا على موافقة المزاج؛ وكان عند العرب من هذا الطب كثير، وكان فيهم أطباء معروفون، كالحارث بن كلدة، وغيره‏.‏

والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عاديا للعرب، ووقع في ذكر أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات، وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال‏:‏ ‏(‏أنتم أعلم بأمور دنياكم‏)‏‏.‏

فلا ينبغي أن يحمل شيء من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع، فليس هناك ما يدل عليه، اللهم إلا إذا استعلم على جهة التبرك، وصدق العقد الإيماني، فيكون له أثر عظيم في النفع، وليس ذلك في الطب المزاجي، وإنما هو من آثار ‏(‏2/ 360‏)‏ الكلمة الإيمانية كما وقع في مداواة المبطون بالعسل، والله الهادي إلى الصواب لا رب سواه‏.‏

 علم الطب الشرعي

قال في المنحة في سياسة حفظ الصحة‏:‏ هو المعارف الطبية والطبيعية المستعملتان في الأحكام الواقعة بين الناس في المحاكم، فمن ذلك يعلم أن تسميته بالطب الشرعي اصطلاح إفرنجي وحقه أن يسمى بالطب المحكمي ولذا سميناه بذلك في جميع ما يأتي‏.‏

وهو فن به يهتدي أرباب المحاكم لما يناط بها من القضايا فيعرف كل من تصدر عنه حكومة كيف تكوين الحكومات والتراتيب القانوينة التي غايتها استراحة شعبه واطمئنانه، وبه يهتدي القضاة لإدراك الأشياء التي تفعل على خلاف الشرع، ولمعرفة الجاني وخلاص البريء المتهم ظلما بل ولمعرفة أحكام المشاجرات المدنية الواقعة في غير الجنايات أيضاً، وكل من القاضي ومن تصدر عنه الحكومة من حيث أنه غير عارف للأشياء التي تكون المعارف الطبية واسطة للاهتداء إليها محتاج للالتجاء للطبيب المحكمي ليهتدي به في فعل ما هو نافع للشعب، حتى لا يحكم على إنسان بأنه مذنب بغير حق‏.‏

وعلى الطبيب الذي يدعوه الحاكم لواقعة حكمية أن يحرر تقريراً بما يراه ليكون أساسا للحاكم يحكم بموجبه، ومما تقدم من تفسير الطب المحكمي وما يتفرع عليه يعلم أن منفعته ليست قاصرة على تحرير التقارير التي يكتبها الطبيب بما يظهر له حين الكشف عن شيء ليتنور بذلك الحاكم فقط بل أعظم منافع هذا العلم أنه يلزم الناس باستعمال الرئيس من المعارف الطبية وما يتبعها في تكوين أحكام المشاجرات الواقعة أمام الحكام ومسائلها وسواء في الجنايات وغيرها‏.‏

وفوائد الطب المحكمي لا حصر لها إذ لا توجد حركة من حركات الإنسان ‏(‏2/ 361‏)‏ في مدة معيشته مع الناس بدون أن يستدعي ذلك الطب الموجود في جميع الأماكن في كل الأزمان، فهو أول الفنون الحكمية وأفضلها لأن غاية استراحة الناس واطمئنانهم وأساس المعارف الطبية المستعملة في الطب المحكمي استخراج ما هو أكثر تعلقا بالقضايا المحكمية من تلك المعارف أو ترتيبه، وجعله طريقا ومذهبا يتبع ونظن أنه لا يوجد شيء تستفاد منه قواعد كلية بما يستعمل في المحاكم من المعارف الطبية أقرب من التفتيش في الفنون المحتوية على تلك المعارف‏.‏

 علم طب النبي صلى الله عليه وسلم

وهو علم باحث عن الطب الذي ورد في الأحاديث النبوية الذي داوى به المرضى، وفيه الطلب البتوني لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفى سنة اثنين وثلاثين وأربعمائة، ولجلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة، أوله‏:‏

الحمد لله الذي أعطى كل نفس خلقها وهو مرتب على ثلاثة فنون‏:‏

الأول‏:‏ في قواعد الطب‏.‏

الثاني‏:‏ في الأدوية والأغذية‏.‏

الثالث‏:‏ في علاج الأمراض‏.‏

وكتب أبو الحسن علي بن موسى الرضا للمأمون رسالة مشتملة عليه، والحبيب النيسابوري جمعه أيضاً، وابن السني وعبد الملك بن حبيب، ولابن طرخان تصنيف في هذا الفن وكذا للإمام المستغفري ونفع هذا العلم لا يخفى على أحد فليتذكره ‏(‏2/ 362‏)‏‏.‏

 علم طبخ الأطعمة والشربة والمعاجين

هو علم يعرف به كيفية تركيب الأطعمة اللذيذة النافعة بحسب الأمزجة المتخالفة، وكيفية تركيب المركبات الدوائية من جهة الوزن والوقت والتقديم والتأخير وفي المزج ومعرفة ما يسحق منه وما يذاب، وكيفية ضبطه في الظروف، ومعرفة بقاء نفعه وبطلان فائدته إلى غير ذلك من الأحوال التي يعرفها من يزاولها وهو من فروع الطب‏.‏ غير طبخ الأطعمة‏.‏

 علم الطبقات

أي طبقات كل صنف من أهل العلم كالأدباء، والأصوليين، والأطباء والأولياء، والبيانيين، والتابعين، والحفاظ، والحكماء، والحنفية، والحنابلة، والمالكية، والشافعية، والمفسرين، والمحدثين، والخطاطين، والرواة، والخواص، والشعراء، والصحابة، والمجتهدين، والصوفية، والطالبين، والأمم، والعلوم، والفرسان، والعلماء، والقرضيين، والفقهاء، ورؤساء الزمن، والقراء، والنحاة، واللغويين، والمتكلمين، والمعبرين، والمعتزلين، والممالك، والنسابين، والنساك، إلى غير ذلك‏.‏

وفي كل من هذا كتب مستقلة تكفلت لبيان طبقة من تلك الطبقات قال في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏

علم طبقات القراء

هو عمل يذكر فيه القراء السبعة بل العشرة بل الثلاثة عشر بل الخمسة عشر ورواة هؤلاء وغير ذلك من الشيوخ والمصنفين في هذا العلم، ويذكر فيه أيضاً قراء الصحابة والتابعين وتبع تابعيهم إلى هذا الآن، وطبقات الحافظ الذهبي ‏(‏2/ 363‏)‏ تصنيف مفيد في هذا العلم ولا أجمع ولا أنفع من طبقات الشيخ الجزري رحمه الله تعالى‏.‏

 علم طبقات المفسرين

هو من فروع التواريخ أيضاً فيه المجلدات الكبار للعلماء رحمهم الله تعالى‏.‏

 علم طبقات المحدثين

من فروع التواريخ أيضاً وفيها المصنفات العظام‏.‏

 علم طبقات الشافعية

صنف فيها ابن السبكي الكبرى والصغرى وأطنب فيها وأجمع وأوعب كل من انتسب إلى مذهب الشافعية وقد اشتمل على فوائد لا تكاد توجد في كتاب‏.‏

 علم طبقات الحنفية

صنف فيها العلماء مثل الجواهر المضيئة في طبقات الخفية، ومثل مختصر قاسم بن قطلوبغا سماه تاج التراجم وهو كان في الباب مع اشتمالها على المهمات‏.‏

 علم طبقات المالكية

صنف فيها ابن فرحون برهان الدين إبراهيم المتوفى سنة تسع وتسعين وسبعمائة سماه الديباج المذهب في علماء المذاهب ‏(‏2/ 364‏)‏‏.‏

 علم طبقات الحنابلة

صنف فيه ابن رجب الحنبلي وقد وقفت عليه في مكة المكرمة زادها الله سبحانه وتعالى شرفا‏.‏

 علم طبقات النحاة

صنف فيه كثيرون مثل ياقوت الحموي ومجد الدين الشيرازي وصلاح الدين الصفدي وجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، وغيرهم من العلماء‏.‏

 علم طبقات الحكماء

قد اعتنى بذلك كثيرون منهم الصاعد الذي من مشاهير الحكماء وصنف فيه كتاب صوان الحكمة ورأيته في عنفوان الشباب وهو كتاب لطيف لكني نسيت اسم مؤلفه‏.‏

 علم طبقات الأطباء

قد صنف في ذلك العلماء ورأيت في هذا العلم كتابا موسوما بعيون الأنباء في طبقات الأطباء‏.‏

وطبقات هؤلاء المذكورين من فروع علم التواريخ وموضوع كل منها وغايتها ومنفعتها ظاهرة على من تتبع تلك العلوم‏.‏

قلت قد قصر همم أبناء الزمان عن إدراك هذه العلوم وهي مما يحتاج إليه ‏(‏2/ 365‏)‏ العالم والعاقل في كل وقت وما أشد حاجة المحدثين إلى ذلك لكن طمست آثار كتبها واندرست معالم زبرها فلا يوجد منه إلا كتاب وأحد في بعض البلاد وعند أفراد من أهل العلم والله الموفق للصواب‏.‏

 علم الطبعي

هو علم يبحث فيه عن أحوال الأجسام الطبعية وموضوعه الجسم ويسمى أيضاً بالعلم الأدنى وبالعلم الأسفل وهو علم بأحوال ما يفتقر إلى المادة في الوجودين‏.‏

وموضوعه الجسم الطبعي من حيث إن يستعد للحركة والسكون‏.‏

وفي إرشاد القاصد للشيخ الأكفاني السخاوي العلم الطبعي‏:‏ علم يبحث فيه عن أحوال الجسم المحسوس من حيث هو معرض للتغير في الأحوال والثبات فيها‏.‏

فالجسم من هذه الحيثية موضوعه‏.‏

وأما العلوم التي تفرع عليه وتنشأ منه فهي عشرة‏.‏

وذلك لأن نظره إما أن يكون فيما يفرع على الجسم البسيط أو الجسم المركب أو ما يعمهما‏.‏

والأجسام البسيطة‏:‏

أما الفلكية فأحكام النجوم‏.‏

وأما العنصرية فالطلسمات‏.‏

والأجسام المركبة أما ما لا يلزمه مزاج وهو‏:‏ علم السيميا‏.‏

وما يلزمه مزاج فإما بغير ذي نفس فالكيمياء، أو بذي نفس‏.‏

فأما غير مدركة فالفلاحة‏.‏

وأما مدركة فأما لها مع ذلك أن يعقل أولا الثاني البيطرة والبيزرة وما يجري مجراهما ‏(‏2/ 366‏)‏‏.‏

والذي بذي النفس العاقلة هو الإنسان وذلك إما في حفظ صحته واسترجاعها، وهو الطب أو أحواله الظاهرة الدالة على أحواله الباطنة وهو الفراسة، أو أحوال نفسه حال غيبته عن حسه وهو تعبير الرؤيا والعام للبسيط والمركب السحر انتهى‏.‏

وأصول الطبعي ثمانية‏:‏

الأول‏:‏ العلم بأحوال الأمور العامة للأجسام‏.‏

الثاني‏:‏ العلم بأركان العالم وحركاتها، وأماكنها المسمى بعلم السماء والعالم‏.‏

الثالث‏:‏ العلم بكون الأركان وفسادها‏.‏

الرابع‏:‏ العلم بالمركبات الغير التامة لكائنات الجو‏.‏

الخامس‏:‏ العلم بأحوال المعادن‏.‏

السادس‏:‏ العلم بالنفس النباتية‏.‏

السابع‏:‏ العلم بالنفس الحيوانية‏.‏

الثامن‏:‏ العلم بالنفس الناطقة‏.‏

قال ابن خلدون‏:‏ هو علم يبحث عن الجسم من جهة ما يلحقه من الحركة والسكون فينظر في الأجسام السماوية والعنصرية وما يتولد عنها من حيوان وإنسان ونبات ومعدن، وما يتكون في الأرض من العيون والزلازل، وفي الجو من السحاب والبخار والرعد والبرق والصواعق وغير ذلك، وفي مبدأ الحركة للأجسام، وهو النفس على تنوعها في الإنسان والحيوان والنبات‏.‏

وكتب أرسطو فيه موجودة بين أيدي الناس مع ما ترجم من علوم الفلسفة أيام المأمون وألف الناس على حذوها‏.‏

وأوعب من ألف في ذلك ابن سينا في كتاب ‏(‏‏(‏الشفا‏)‏‏)‏ جمع فيه العلوم السبعة للفلاسفة‏.‏

ثم لخصه في كتاب النجاة ‏(‏2/ 367‏)‏‏.‏

وفي كتاب الإشارات وكأنه يخالف أرسطو في الكثير من مسائلها ويقول برأيه فيها، وأما ابن رشد فلخص كتب أرسطو وشرحها متبعا له غير مخالف، وألف الناس في ذلك كثيرا لكن هذه هي المشهورة لهذا العهد والمعتبرة في الصناعة‏.‏

ولأهل المشرق عناية بكتاب ‏(‏‏(‏الإشارات‏)‏‏)‏ لابن سينا، وللإمام ابن الخطيب عليه شرح حسن، وكذا الآمدي وشرحه أيضاً نصير الدين الطوسي المعروف بخواجه من أهل المشرق وبحث مع الإمام في كثير من مسائله فأوفى على أنظاره وبحوثه، وفوق كل ذي علم عليم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‏.‏

 علم الطلسمات

قد تقدم الكلام عليه في بيان علم السحر، ومعنى الطلسم‏:‏ عقد لا ينحل وقيل‏:‏ هو مقلوب اسمه، أي‏:‏ المسلط لأنه من جواهر القهر والتسلط‏.‏

وهو علم باحث عن كيفية تركيب القوى السماوية الفعالة مع القوى الأرضية المنفعلة في الأزمنة المناسبة للفعل والتأثير المقصود مع بخورات مناسبة مقوية جالبة لروحانية ذلك الطلسم ليظهر من تلك الأمور في عالم الكون والفساد فعال غريبة وهو قريب المأخذ بالنسبة إلى علم السحر لكون مبادئه وأسبابه معلومة‏.‏

وأما منفعته فظاهرة لكن طريق تحصيله شديد العنا، وبسط المجريطي قواعد هذا الفن في كتابه غاية الحكيم فأبدع، لكنه اختار جانب الإغلاق والدقة لفرط ضنته وكمال بخله في تعليمه‏.‏

وللسكاكي كتاب جليل فيه‏.‏

ونقل ابن الوحشية من النبط كتاب طبتانا في ذلك العلم ‏(‏2/ 368‏)‏‏.‏

 علم الطيرة والزجر

هذا ضد الفال إذ الفال سبب للإقدام وهذا سبب للإحجام، وهو تشاؤم بشيء يرد المناظر والمسامع مما نفر منه النفس، وأما ما ينفر منه الطبع كصرير الحديد وصوت الحمار فليس من ذلك، والطيرة مأخوذ من الطير، وهو الأصل في هذا الباب وألحق به ما عداه‏.‏

وكانت العرب إذا أرادوا سفرا يطيرون طيرا فإذا طار عن اليمين يتوجهون إلى المقصد، وإن طار عن اليسار يرجعون عن السفر، ويسمون الأول السانح والثاني البارح، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الطيرة وأمر بالفال‏.‏

قال في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ قال الحافظ ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة‏:‏

إن التطير إنما يضر من أشفق منه وخاف، وأما من لم يبال به ولم يخشه فلا يضره البتة لا سيما إن قال عند رؤية ما يتطير به أو عند سماعه‏:‏ ‏(‏اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك، اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك‏)‏‏.‏

وقال ابن عبد الحكم‏:‏ خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة والقمر في الدبران فكرهت أن أخرج به، فقلت‏:‏ ما أحسن استواء القمر في هذه الليلة‏!‏ فنظر، فقال‏:‏ كأنك أردت أن تخبرني أن القمر في الدبران، إنا لا نخرج بشمس ولا بقمر ولكنا نخرج بالله الواحد القهار‏.‏

قال في ‏(‏‏(‏مفتاح دار السعادة‏)‏‏)‏ أيضاً وأما من كان معتنيا بالطيرة فهي أسرع إليه من السيل إلى منحدره قد فتحت له أبواب الوسواس فيما يسمعه ويراه ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة ما يفسد عليه دينه وينكر عليه معيشته هذا ما ذكره‏.‏

واعلم أن بعضا من الناس قد فتح له باب الوسواس واعتبر أموراً بعيدة ‏(‏2/ 369‏)‏ يضحك منه الشيطان، ويستهزئ به الصبيان، مثلا يتشاءم بعضهم بالسفرجل إذا سمعه ورآه يقول‏:‏ إنه سفرجل‏.‏

وبعضهم يتشاءم بالياسمين ويقول‏:‏ إنه يأس ومين‏.‏

وبعضهم يتشاءم بالسوسنة ويقول‏:‏ إنه سوء ويبقى سنة‏.‏

حكي أن جعفر البرمكي اختار وقتا لينتقل إلى داره التي بناها فاختاروا له ساعة من ليلة عينوها فخرج في ذلك الوقت والطرق خالية إذ سمع منشدا يقول‏:‏

يدبر بالنجوم وليس يدري ** ورب النجم يفعل ما يريد

فتطير ودعا بالرجل، وقال له‏:‏ ما أردت بهذا‏؟‏ قال‏:‏ ما أردت به معنى من المعاني لكنه شيء عرض لي وجرى على لساني فأمر له بدينار ومضى لوجهه وقد تنغص سروره وتكدر عيشه فلم يمض إلا قليلا حتى أوقع به الرشيد ما هو المشهور انتهى ما في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ ‏(‏2/ 370‏)‏‏.‏

 باب الظاء المعجمة

 علم الظاهر والباطن

أما الظاهر فهو علم الشرع وقد تقدم‏.‏

وأما الباطن فيقال له علم الطريقة، وعلم التصوف، وعلم السلوك، وعلم الأسرار، وقد تقدم أيضاً ولا حاجة لنا إلى الإعادة، ولكن نتحفك هنا بفائدة جديدة وعائدة سديدة اشتملت على حكم هذا العلم‏.‏

قال شيخنا الإمام العلامة القاضي محمد بن علي الشوكاني رضي الله عنه وأرضاه في الفتح الرباني ولفظه‏:‏ اعلم أن معنى التصوف المحمود يعني‏:‏ علم الباطن هو الزهد في الدنيا حتى يستوي عنده ذهبها وترابها‏.‏

ثم الزهد فيما يصدر عن الناس من المدح والذم حتى يستوي عنده مدحهم وذمهم‏.‏

ثم الاشتغال بذكر الله وبالعبادة المقربة إليه، فمن كان هكذا فهو الصوفي حقا وعند ذاك يكون من أطباء القلوب فيداويها بما يمحو عنها الطواغيت الباطنية من الكبر والحسد، والعجب والرياء، وأمثال هذه الغرائز الشيطانية التي هي أخطر المعاصي أقبح الذنوب‏.‏

ثم يفتح الله له أبوابا كان عنها محجوبا كغيره لكنه لما أماط عن ظاهره وباطنه في غشاوة صار حينئذ صافيا عن شوب الكدر مطهرا عن ‏(‏2/ 372‏)‏ دنس الذنوب فيبصر ويسمع ويفهم بحواس لا يحجبها عن حقائق الحق حاجب، ولا يحول بينها وبين درك الصواب حائل، ويدل على ذلك أتم دلالة، وأعظم برهان ما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يقول الله تعالى‏:‏ من عادى لي وليا فقد بارزته بالمحاربة، وفي رواية‏:‏ فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه، ولا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه‏)‏‏.‏

ومعلوم أن من كان يبصر بالله سبحانه ويسمع به ويبطش به ويمشي به له حال يخالف حال من لم يكن كذلك، لأنها تنكشف له الأمور كما هي، وهذا هو سبب ما يحكى عنهم من المكاشفة، لأنه قد ارتفع عنهم حجب الذنوب، وذهب عنهم أدران المعاصي‏.‏

وغيرهم من لا يبصر ولا، يسمعه به ولا يبطش به ولا يمشي به لا يدرك من ذلك شيئا، بل هو محجوب عن الحقائق غير مهتد إلى مستقيم الطريق كما قال الشاعر‏:‏

وكيف ترى ليلى بعين ترى بها ** سواها وما طهرتها بالمدامع

وتلتذ منها بالحديث وقد جرى ** حديث سواها في خروق المسامع

أجلك يا ليلى عن العين إنما ** أراك بقلب خاشع لك خاضع

وأما من صفا عن الكدر وسمع وأبصر فهو كما قال الآخر‏:‏

ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه * من المسك كافورا وأعواده رندا

وما ذاك إلا أن هندا عشية ** تمشت وجوت في جوانبه بردا ‏(‏2/ 373‏)‏

ومما يدل على هذا المعنى الذي أفاده حديث أبي هريرة حديث‏:‏ ‏(‏‏(‏اتقوا فراسة المؤمن، فإنه يرى بنور الله‏)‏‏)‏ وهو حديث صححه الترمذي، فإنه أفاد أن المؤمنين من عباد الله يبصرون بنور الله سبحانه، وهو معنى ما في الحديث الأول من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فبي يبصر‏.‏

فما وقع من هؤلاء القوم الصالحين من المكاشفات هو من هذه الحيثية الواردة في الشريعة المطهرة، وقد ثبت أيضاً في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه في هذه الأمة محدثين وإن منهم عمر بن الخطاب‏.‏

ففي هذا الحديث فتح باب المكاشفة لصالحي عباد الله وأن ذلك من الله سبحانه فيحدثون بالوقائع بنور الإيمان الذي هو من نور الله سبحانه فيعرفونها كما هي حتى كان محدثا يحدثهم بها ويخبرهم بمضمونها‏.‏

وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقع له من ذلك الكثير الطيب في وقائع معروفة منقولة في دواوين الإسلام، ونزل بتصديق ما تكلم به القرآن الكريم، فمن كان من صالحي العباد متصفا بهذه الصفات متسما بهذه السمات فهو رجل العالم، فرد الدهر، وزين العصر، والاتصال به مما تلين به القلوب وتخشع له الأفئدة وتنجذب بالاتصال به العقول الصحيحة إلى مراضي الرب سبحانه، وكلماته هي الترياق المجرب وإشاراته هي طب القلوب القاسية وتعليماته كيمياء السعادة وإرشاداته هي الموصلة إلى الخير الأكبر والكرمات الدائمة التي لا نفاذ لها ولا انقطاع‏.‏

ولم تصف البصائر ولا صلحت السرائر بمثل الاتصال بهؤلاء القوم الذين هم خيرة الخيرة وأشرف الذخيرة، فيا لله قوم لهم السلطان الأكبر على ‏(‏2/ 374‏)‏ قلوب هذا العالم يجذبونها إلى طاعات الله سبحانه، والإخلاص له، والاتكال عليه، والقرب منه، والبعد عما يشغل عنه، ويقطع عن الوصول إليه، وقل أن يتصل بهم ويختلط بخيارهم إلا من سبقت له السعادة وجذبته العناية الربانية إليهم لأنهم يخفون أنفسهم ويطهرون في مظاهر الخمول، ومن عرفهم لم يدل عليهم إلا من أذن الله له ولسان حاله يقول كما قال الشاعر‏:‏

وكم سائل عن سر ليلى كتمته ** بعمياي عن ليلى بعين يقين

يقولون خبرنا فأنت أمينها ** وما أنا إن خبرتهم بأمين

فيا طالب الخير إذا ظفرت يدك بواحد من هؤلاء الذين هم صفوة الصفوة وخيرة الخيرة فاشددها عليه واجعله مؤثرا على الأهل والمال، والقريب والحبيب والوطن والسكن، فإنا إن وزنا هؤلاء بميزان الشرع واعتبرناهم بمعيار الدين وجدناهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وقلنا لمعاديهم أو للقادح في علي مقامهم أنت ممن قال فيه الرب سبحانه كما حكاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وقد آذنته بالحرب‏)‏ لأنه لا عيب لهم إلا انهم أطاعوا الله كما يحب وآمنوا به كما يحب ورفضوا الدنيا الدنية وأقبلوا على الله عز وجل في سرهم وجهرهم وظاهرهم وباطنهم‏.‏

وإذا فرضنا أن في المدعين للتصوف والسلوك من لم يكن بهذه الصفات وعلى هذا الهدى القويم فإن بدا منه ما يخالف هذه الشريعة المطهرة وينافي منهجها الذي هو الكتاب والسنة فليس من هؤلاء؛ والواجب علينا رد بدعته عليه، والضرب بها في وجهه كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏

‏(‏وكل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏ وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏كل بدعة ضلالة‏)‏ ومن أنكر علينا ذلك قلنا له وزنا هذا بميزان الشرع فوجدناه مخالفا له ورددنا أمره إلى الكتاب والسنة فوجدناه مخالفا لهما، وليس المدين إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والخارج عنهما المخالف لهما ضال مضل ولا ‏(‏2/ 375‏)‏ يقدح على هؤلاء الأولياء وجود من هو هكذا، فإنه ليس معدودا منهم ولا سالكا طريقتهم ولا مهديا بهديهم‏.‏

فاعرف هذا فإن القدح في قوم بمجرد فرد أو أفراد منسوبين إليهم نسبة غير مطابقة للواقع لا تقع إلا ممن لا يعرف الشرع، ولا يهتدي بهديه، ولا يبصر بنوره‏.‏

وبالجملة فمن أراد أن يعرف أولياء هذه الأمة وصالحي المؤمنين المتفضل عليهم بالفضل الذي لا يعد له فضل والخير الذي لا يساويه خير، فليطالع الحلية لأبي نعيم، وصفوة الصفوة لابن الجوزي، فإنهما تحريا ما صح وأودعا كتأبيهما من مناقب الأولياء المروية بالأسانيد الصحيحة ما يجذب بعضه بطبع من يقف عليه إلى طريقتهم والاقتداء بهم‏.‏

وأقل الأحوال أن يعرف مقادير أولياء الله وصالحي عباده ويعلم أنهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏أنت مع من أحببت‏)‏ فمحبة الصالحين قربة لا تهمل، وطاعة لا تضيع، وإن لم يعمل كعملهم ولا جهد نفسه كجهدهم انتهى حاصله‏.‏

وأما ما يحدث من أولياء الله سبحانه وتعالى من الكرامات الظاهرة التي لا شك فيها ولا شبهة فهو حق صحيح لا يمتري فيه من له أدنى معرفة بأحوال صالحي عباد الله المخصوصين بالكرامات التي أكرمهم بها وتفضل بها عليهم‏.‏

ومن شك في شيء من ذلك نظر في كتب الثقات المدونة في هذا الشأن، كحلية الأولياء للشرجي، وكتاب روض الرياحين لليافعي، وسائر الكتب المصنفة في تاريخ، العالم، فإن كلها مشتملة على تراجم كثير منهم ويغني عن ذلك كله ما قصه الله إلينا في كتابه العزيز عن صالحي عباده الذين لم، يكونوا أنبياء كقصة ذي القرنين وما تهيأ له مما تعجز عنه الطباع البشرية، وقصة مريم كما حكاه الله تعالى‏.‏

ومن ذلك قصة أصحاب كهف فقد قص الله علينا فيها أعظم كرامة، وقصة آصف من برخيا حيث حكى عنه قوله‏:‏ أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ‏(‏2/ 376‏)‏ وغير ذلك مما حكاه عن غير هؤلاء والجميع ليسوا بأنبياء، وثبت في الأحاديث الثابتة في الصحيح مثل حديث الثلاثة الذي انطبقت عليهم الصخرة، وحديث جريج الراهب الذي كلمه الطفل، وحديث المرأة التي قالت سائلة الله عز وجل أن يجعل الطفل الذي ترضعه مثل الفارس فأجاب الطفل بما أجاب، وحديث البقرة التي كلمت من أراد أن يحمل عليها وقالت إني لم أخلق لهذا‏.‏

ومن ذلك وجود القطف من العنب عند خبيب الذي أسرته الكفار‏.‏

وحديث أن أسيد بن حضير وعبادة بن بشر خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة ومعهما مثل المصاحبين، وحديث رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره‏.‏

وحديث لقد كان فيمن قبلكم محدثون‏.‏

وحديث إن في هذه الأمة محدثين وإن منهم عمر‏.‏

ومن ذلك كون سعد بن أبى وقاص مجاب الدعوة، وهذه الأحاديث كلها ثابتة في الصحيح وورد لكثير من الصحابة رضي الله عنهم كرامات قد اشتملت عليها كتب الحديث والسير‏.‏

ومن ذلك الأحاديث الواردة في فضلهم والثناء عليهم، كما ثبت في الصحيح ‏(‏أنه قال رجل‏:‏ أي الناس أفضل يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، قال‏:‏ ثم من‏؟‏ قال‏:‏ ثم رجل معتزل في شعب من شعاب يعبد ربه‏)‏‏.‏

وحديث كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وهذه الأحاديث كلها في الصحيح وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية ‏(‏2/ 377‏)‏‏.‏

 باب العين المهملة

 علم عجائب القلب

وله معنيان أحدهما‏:‏ اللحم الصنوبري المودع في الجانب الأيسر من الصدور وفي باطنه دم أسود ينبعث منه بخار لطيف يسري إلى سائر البدن ويحدث منه الحواس الظاهرة والباطنة والحيوانات كلها متشاركة في هذا النوع من القلب، ولهذا يسمى الروح الحيواني‏.‏

وثانيهما‏:‏ لطيفة ربانية نورانية نازلة من عالم القدس يتعلق بالقلب بالمعنى الأول، وهو المخاطب والمكلف وبه يثاب الإنسان ويعاقب ولهذا يسمى الروح الإنساني‏.‏

ثم إن للإنسان نفسا وهي قوة حالة في البدن تنشأ منها الشهوة والغضب، وبين الروح الإنساني والنفس مجادلة مستمرة ولكل منهما قوى تعين وتجادل مع الأخرى، والعقل هو المميز بينهما وتفاصيل تلك القوى وكيفية المخاصمة بينهما وحكم العقل بين الطرفين مفصلة في موضعها، ولسنا نحن بصدد بيانها في هذا المختصر ذكره في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ تحت ذكر الأخلاق المهلكات‏.‏

 علم العدد

هكذا في كشف الظنون ويسمى الأرتماطيقي، وقد تقدم في باب الألف من ‏(‏2/ 378‏)‏ أول الكتاب، وقال في ‏(‏‏(‏كشاف اصطلاحات الفنون‏)‏‏)‏ ‏:‏ علم العدد هو من أصول الرياضي ويسمى بعلم الحساب أيضاً وهو نوعان‏:‏

نظري‏:‏ وهو علم يبحث فيه من ثبوت الأعراض الذاتية للعدد وسلبها عنه، وهو المسمى بالأرتماطيقي وتشتمل عليه المقالات الثلاث السابعة والثامنة والتاسعة من كتاب الأصول وموضوعه العدد مطلقا‏.‏

وعملي‏:‏ وهو علم يعرف به طرق استخراج المجهولات العددية من المعلومات العددية، والمراد بها مجهولات لها نسبة إلى العدد نسبة الجزئي إلى الكلي، وكذا الحال في المعلومات العددية مثلا‏:‏ في الضرب المضروب والمضروب فيه معلومان ومنهما يستخرج الحاصل الذي هو عدد مجهول بالطريق المعين وكذا في سائر الأعمال‏.‏

فهو علم تعرف به الطرق التي يستخرج بها عدد مجهول من عدد معلوم، وقيد من المعلومات العددية احتراز عما إذا استخرج المجهول العددي بغير علم الحساب كاستخراج عدد الدراهم من علم الرمل، ولا يخرج عنه علم المساحة لأنها علم بطرق استخراج المجهولات المقدارية من حيث عروض العدد لها فيؤول إلى المجهولات العددية عند التأمل‏.‏

ثم اعلم أن الحساب العملي نوعان أحدهما هوائي تستخرج منه المجهولات العددية بلا استعمال الجوارح كالقواعد المذكورة في كتاب البهائية‏.‏

ثانيهما‏:‏ غير هوائي وهو المسمى بالتخت والتراب يحتاج إلى استعمال الجوارح كالشبكة وضرب المحاذاة‏.‏

ثم النظري والعملي ههنا بمعنى ما لا يتعلق بكيفية العمل وما يتعلق بها فتسميه النوع الأول بالنظري ظاهرة، وكذا تسمية القسم الثاني من النوع الثاني بالعملي‏.‏

وأما تسمية القسم الأول منه بالعملي فعلى تشبيه الحركات الفكرية بالحركات ‏(‏2/ 379‏)‏ الصادرة عن الجوارح، أو يقال المراد بالعمل في تعريفي النظري والعملي أعم من العمل الذهني والخارجي‏.‏

ثم اعلم أن لاستخراج المجهولات العددية من معلوماتها طرقا مختلفة وهي إما محتاجة إلى فرض المجهول شيئا وهو الجبر والمقابلة، وإما غير محتاجة إليه وهو علم المفتوحات وهي كمقدمات الحساب التي سوى المساحة، أو مما يحصل ببعض من تلك المقدمات، واستعانة بعض القوانين من النسبة وهو شامل أسئلة الخطأين أيضاً‏.‏

وموضوعه العدد مطلقا كما هو المشهور‏.‏

والتحقيق أن موضوعه العدد المعلوم تتعقل عوارضه من حيث أنه كيف يمكن التأدي منه إلى بعض عوارضه المجهولة، وأما العدد المطلق فإنما هو موضوع علم الحساب النظري هذا كله خلاصة ما في شرح خلاصة الحساب والله أعلم بالصواب‏.‏

 علم العرافة

هو معرفة الاستدلال ببعض الحوادث الخالية على الحوادث الآتية بالمناسبة أو المشابهة الخفية التي تكون بينهما أو الاختلاط أو الارتباط على أن يكونا معلولي أمر وأحد أو يكون ما في الحال علة لما في الاستقبال، وشرط كون الارتباط المذكور خفيا أن لا يطلع عليه إلا الأفراد، وذلك إما بالتجارب أو بالحالة المودعة في أنفسهم عند الفطرة بحيث عبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمحدثين المصيبين في الظن والفراسة‏.‏

حكي أن الاسكندر حين أراد قتال ملك الفرس قال‏:‏ ذلك الملك لا حاجة إلى مقابلة عساكرهم نقاتل معك فإما أن تقتلني، وإما أن أقتلك ففرح الاسكندر بهذا الكلام حيث قدم ذلك الملك نفسه في ذكر القتل فكان كما قال ‏(‏2/ 380‏)‏‏.‏

ويحكى عنه أيضاً أنه لما دخل بلاد المغرب فمر على امرأة في مدينة تنسج ثوبا فقالت له‏:‏ أيها الملك أعطيت ملكا ذا طول وعرض، ثم مر عليها الملك الأول فقالت له‏:‏ سيقطع الاسكندر ملكك فغضب الملك فقالت‏:‏ لا تغضب إن النفوس قد تشاهد أمور قبل وقوعها بعلامات تحكم النفس بصدقها، لما مر علي الاسكندر كنت أنسج طول الثوب وعرضه ولما مررت أنت فرغت وأردت قطعه، وكان الأمر كما قالت‏.‏

ويحكى أنه كان في زمن هارون الرشيد رجل أعمى من أهل العرافة وكان يستدل على المسئول عنه بكلام مصدر عن الحاضرين عقيب السؤال فسرق يوما من خزانة هارون بعض من الأشياء فطلب الرجل وأمر أن لا يتكلم أحد بعد السؤال أصلا ففعلوا، كما أمر هارون والأعمى ألقى سمعه ولم يسمع شيئا فأمر يده على البساط فوجد فيه نواة تمرة، فقال‏:‏ إن المسئول عنه در وزبرجد وياقوت‏.‏ فقال الرشيد‏:‏ في أين هو‏؟‏ قال‏:‏ في بئر، فوجدوه كما ذكر الأعمى، فتحير الرشيد فيه‏.‏

فسأل عن سبب معرفته‏.‏

فقال‏:‏ وجدت نواة تمرة وطلع النخل أبيض، وهو كالدرة ثم يكون بسرا وهو أخضر وهو لون الزمرد، ثم يكون رطبا وهو أحمر وهو لون الياقوت، ثم لما سألتم عن مكان المسروق سمعت صوت دلو فعرفت أنه في بئر فاستحسن الرشيد فراسته فأعطاه مالا جزيلا‏.‏

وحكي أن أبا معشر وصاحبه ذهبا إلى عراف فسألاه عن شيء فقال‏:‏ أنكما سألتما عن مسجون، فقالا‏:‏ إنه يخلص، قال‏:‏ نعم يخلص فسألاه عن سبب معرفته، فقال‏:‏ إنكما لما سألتماني وقع نظري على قربة ماء فعرفت أن السؤال عن مسجون، ولما سألتماني عن خلاصة نظرت فإذا هو قد فرغ قربته‏.‏

وحكى عن المهدي أنه رأى رؤيا فنسيها فأمر بعراف فأحضر فسأله عن رؤياه، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين صاحب العرافة ينظر إلى الحركة، فغضب المهدي من أنه ‏(‏2/ 381‏)‏ يدعي العرافة ولا يعرف شيئا فوضع يده على رأسه ثم مسح وجهه ثم ضرب يده على فخذه من شدة غضبه، قال العراف‏:‏ يا أمير المؤمنين أخبرك عن رؤياك‏.‏

إنك صعدت على جبل ثم نزلت إلى أرض ملساء فيها عينان مالحتان ثم لقيت رجلا من قريش، فسأله المهدي عن سبب معرفته فقال‏:‏ مسحت الرأس وهو الجبل، ومسحت الجبهة وهي أرض ملساء فيها عينان مالحتان، ثم مسحت الفخذ وهي قبيلتك، قال المهدي‏:‏ صدقت وأمر له بمال جزيل‏.‏

وأمثال هذه الحكايات كثيرة يعرفها من تتبع المحاضرات ذكر ذلك صاحب ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏.‏

 علم العروض

هو علم يبحث فيه عن أحوال الأوزان المعتبر للشعر العارضة للألفاظ والتراكيب العربية‏.‏

وموضوعه الألفاظ العربية من حيث إنها معروضة للإيقاعات المعتبرة في البحور الستة عشر عند العرب على ما وضعه واضع هذا الفن خليل بن أحمد‏.‏

فعلى الأول‏:‏ يكون من فروع الموسيقى‏.‏

وعلى الثاني‏:‏ من فروع علم الشعر على مذهب المتأخرين‏.‏

وإن اعتبرت في الأشعار العربية تكون من فروع العلوم الأدبية‏.‏

وغايته الاحتراز عن الخطأ في إيراد الكلام على الإيقاعات المعتبرة‏.‏

ومباديه مقدمات حاصلة من تتبع أشعار العرب كذا في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن صدر الدين الشرواني في الفوائد الخاقانية‏:‏ هو علم يبحث فيه عن المركبات الموزونة من حيث وزنها‏.‏

واعلم إن أول من اخترع هذا الفن الإمام خليل بن أحمد، تتبع أشعار العرب، وحصرها في خمسة عشر وزنا، ويسمى كلا منها‏:‏ بحرا قيل إنما وضعه أحمد ‏(‏2/ 382‏)‏ وهذبه الجوهري وزاد الأخفش بحرا آخر سماه المتدارك، ولا حاكم في هذه الصناعة إلا استقامة الطبع وسلامة الذوق‏.‏

فالذوق إن كان فطريا سليقيا فذاك، وإلا احتيج في اكتسابه إلى طول خدمة هذا الفن‏.‏

ومن الكتب المؤلفة فيه عروض ابن الحاجب، والخطيب التبريزي‏.‏

وعروض ابن القطاع‏.‏

وعروض أبي الجيش الأندلسي‏.‏

وعروض الخزرجي‏.‏

وعروض الخيل بن أحمد النحوي إلى غير ذلك‏.‏

وللآيكي مختصر بديع وشفاء العليل في علم الخليل لأمين الدين المحلي، وفيما أورده السكاكي في تكملة مفتاح العلوم كفاية في هذا الفن والكتب والرسائل في هذا العلم بالفارسية والعربية كثيرة شهيرة متداولة بين أيدي الناس‏.‏

 علم العزائم

العزائم مأخوذ من العزم وتصميم الرأي والانطواء على الأمر والنية فيه والإيجاب على الغير يقال‏:‏ عزمت عليك أي أوجبت عليك حتمت‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ الإيجاب والتشديد والتغليظ على الجن والشياطين ما يبدو للحائم حوله المتعرض لهم به وكلما تلفظ بقوله‏:‏ عزمت عليكم فقد أوجب عليهم الطاعة والإذعان والتسخير والتذليل لنفسه، وذلك من الممكن والجائز عقلا وشرعا، ومن أنكرها لم يعبأ به لأنه يفضي إلى إنكار قدرة الله سبحانه وتعالى، ‏(‏2/ 383‏)‏ لأن التسخير والتذليل إليه وانقيادهم للإنس من بديع صنعه‏.‏

وسئل آصف بن برخيا هل يطيع الجن والشياطين للإنس بعد سليمان عليه السلام‏؟‏ فقال‏:‏ يطيعونهم ما دام العالم باقيا، وإنما يتسق بأسمائه الحسنى وعزائمه الكبرى وأقسامه العظام والتقرب إليه بالسير المرضية‏.‏

ثم هو في أصله وقاعدته على قسمين محظور ومباح‏.‏

الأول‏:‏ هو السحر المحرم‏.‏

وأما المباح فعلى الضد والعكس إذ لا يستم منه شيء إلا بورع كامل وعفاف شامل وصفاء خلوة وعزلة عن الخلق وانقطاع إلى الله تعالى‏.‏

وقد علمت أن التسخير إلى الله تعالى غير أن المحققين اختلفوا في كيفية اتصاله بهم منه تعالى‏.‏

فقيل‏:‏ على نهج لا سبيل لأحد دونه عز وجل‏.‏

وقيل‏:‏ بالعزيمة كالدعاء وإجابته‏.‏

وقيل‏:‏ بها والسير المرضية‏.‏

وقيل‏:‏ بالجواسيس الطائعين المتهيئين‏.‏

وقيل‏:‏ بالمحتسبة والسيارة‏.‏

وقيل‏:‏ بالعمار هذا ما يعتمد من كلام المحققين‏.‏

قال فخر الأئمة‏:‏ أما الذي عندي أنه إذا استجمع الشرائط وصوب العزائم صيرها الله تعالى عليهم نارا عظيمة محرقة لهم مضيقة أقطار العالم عليهم كيلا يبقى لهم ملجأ ولا متسع إلا الحضور والطاعة فيما يأمرهم به، وأعلى من هذا أنه إذا كان ما هو مسيرا في سيرة الرضية وأخلاقه الحميدة فإنه يرسل عليهم ملائكة أقوياء غلاظ أشداد ليزجروهم ويسوقوهم إلى طاعته وخدمته‏.‏

وأثبت المتكلمون وغيرهم من المحققين هذه الأصول حيث قالوا‏.‏

أما يمنع من أن يكون من الكلام أسماء الله تعالى أو غيرها في الكتب ‏(‏2/ 384‏)‏ والعزائم والطلمسات ما إذا حفظه الإنسان وتكلم به سخر الله تعالى بعض الجن وألزم قلبه وطاعته واختياره بما طلب منه من الأمور الكائنة فيما عرفه الجني وشاهده ليخبر به الإنسي وهذا هو بيان قول من قال‏:‏ إن منهم متهيئين وجواسيس، قالوا‏:‏ وطاعتهم للإنس غير ممتعة في عقل ولا سمع‏.‏

 علم عقود الأبنية

علم يتعرف منه أحوال أوضاع الأبنية وكيفية أحكامها وطرق حسنها كبناء الحصون المحكمة وتنضيد المنازل البهية والقناطر المشيدة وأمثالها وأحوال كيفية شق الأنهار وتقنية القنئي وسد البثوق وإنباط المياه ونقلها من الأغوار إلى النجود وغير ذلك‏.‏

ومنفعته في عمارة المدن والمنازل والقلاع وفي الفلاحة ظاهرة عظيمة‏.‏ وفيه كتاب لابن الهيثم، وكتاب آخر للكرخي وللنصارى حكام الهند وهم البرطانية يد طولى في هذا العلم‏.‏

 علم علل القراءات

علم باحث عن لمية القراءات كما إن علم القراءات باحث عن آنيتها فالأول دراية والثاني رواية‏.‏

ولما كانت الرواية أصلا في العلوم الشرعية جعل الأول فرعا والثاني أصلا، ولم يعكس الأمر، وإن أمكن ذلك باعتبار آخر وموضوع هذا العلم وغايته ظاهران للمتأمل المتيقظ ذكره في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏2/ 385‏)‏

 علم عمل الإسطرلاب

علم يتعرف منه كيفية استخراجا الأعمال الفلكية من الإسطرلاب بطريق خاصة في كتبه، وهذا أيضاً علم نافع يستخرج منه كثير من الأعمال من معرفة ارتفاع الشمس ومعرفة المطالع والطوالع ومعرفة أوقات الصلاة وسمت القبلة ومعرفة طول الأشياء بالذراع وعرضها إلى غير ذلك، وفي هذا العلم رسائل كثيرة مشهورة عند أهله‏.‏

 علم عمل ربع الدائرة

وهو علم يعرف منه كيفية استخراج الأعمال الفلكية بطرق مختصة، وفي هذا العلم رسائل كثيرة أيضاً يعرفها أهله

وصنفت فيه في عنفوان الشباب رسالة نافعة جامعة لجميع الأعمال وللأعمال الفلكية آلات أخر سوى ما ذكر كالعصا والزرقالة والشكازية وأمثالها فلا نطول الكلام بذكرها لأن الكلام فيها كالكلام فيما سبق ذكره في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏.‏

 علم العيافة

ويسمى قيافة الأثر وهو علم باحث عن تتبع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر في المقابلة للأثر وهي التي تكون في تربة حرة يتشكل بشكل القدم‏.‏

ونفع هذا العلم بين إذ القائف يجد بهذا العلم الفار من الناس والضوال من الحيوان يتتبع آثارها وقوائمها بقوة الباصرة وقوة الخيال والحافظة، حتى يحكى أن بعض من اعتنى به يفرق بين أثر قدم الشاب والشيخ وقدم الرجل والمرأة وهو غريب كذا في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ لكن الذي يفيده المصباح والقاموس أن العيافة هي زجر الطير فلينظر في ذلك‏.‏ ‏(‏2/ 386‏)‏