فصل: علم السلوك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم **


 باب الزاء المعجمة

 علم الزائرجة

هو‏:‏ من القوانين الصناعية لاستخراج الغيوب المنسوبة إلى العالم المعروف‏:‏ بأبي العباس أحمد السبتي‏.‏

وهو من أعلام المتصوفة بالمغرب، كان في آخر المائة السادسة بمراكش، وبعهد يعقوب بن منصور من ملوك الموحدين، وهي كثيرة الخواص، يولعون باستفادة الغيب منها، بعملها وصورتها التي يقع العمل عندهم فيها دائرة عظيمة، في داخلها دوائر متوازنها للأفلاك والعناصر وللمكونات والروحانيات إلى غير ذلك من أصناف الكائنات الموجودات والعلوم‏.‏

وكل دائرة منها مقسومة بانقسام فلكها إلى البروج والعناصر وغيرهما، وخطوط كل منها مارة إلى المركز ويسمونها‏:‏ الأوتار، وعلى كل وتر حروف متتابعة موضوعة، فمنها أعداد مرسومة برسوم الزمام التي هي من أشكل الأعداد عند أهل الدواوين والحساب بالمغرب‏.‏

ومنها برسوم قلم الغبار متناسقة كلها مع تلك الحروف، وفي داخل الزايرجة، وبين الدوائر أسماء العلوم، ومواضع الأكوان، وعلى ظهور الدوائر جدول مستكفي البيوت المتقاطعة طولاً وعرضاً، يشتمل على خمسة وخمسين بيتا في العرض، ومائة وإحدى وثلاثين في الطول، جوانب منه معمورة البيوت تارة بالعدد، وأخرى بالحروف ‏(‏2/ 312‏)‏‏.‏

ومن جوانب أخرى منه خالية البيوت، ولا يعلم نسبة تلك الأعداد في أوضاعها نسبة البيوت العامرة من الخالية، وجانبي الزائرجة أبيات من عروض بحر الطويل الكامل على روي اللام المنصوبة، تتضمن صورة العمل في استخراج المطلوب من تلك الزائرجة، إلا أنها من قبيل اللغز في عدم الوضوح، ومستعجمة غير جلية‏.‏

فإذا أرادوا استخراج الجواب عما يسألون عنه أحضروا آلة الاصطرلاب لأخذ الارتفاع، واستخراج الطالع، فإذا علموا درجة من البرج أحصوه، وأخذوا أس ذلك البرج في تلك الزائرجة، وسموه‏:‏ سلطان الطالع‏.‏

ثم يعملون بعضاً من الأعمال المتداولة بينهم، المعروفة عندهم، حتى يخرجون حروفا مقطعة إذا ركبت يخرج منها بيت منظومة على الوزن والروي، الذي لأبيات القصيدة المرسومة مع الجدول‏.‏

وقد يزعم بعضهم أنه يخرج منها أبيات أكثر من واحد وعلى أعاريض أخرى، ولا بد عندهم لمن أحكم العمل بهذا القانون أن يخرج له الجواب عن سؤاله منظوما مفهوما، وقد يكون مستغلقا على الفهم لقصور الملكة في العمل بذلك القانون، وهي من الأعمال الغريبة في استخراج الأجوبة‏.‏

قال في ‏(‏‏(‏الكشف‏)‏‏)‏‏:‏ وفي بعض جوانب الزائرجة بيت من الشعر منسوب إلى بعض أكابر أهل الحذاقة بالمغرب، وهو مالك بن وهيب، الذي كان من علماء إشبيلية في الدولة اللمتونية، والبيت هذا‏:‏

سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذا ** غرائب شك ضبطه الجد مثلا

وفيه استخراج الجواب لما سئل عنه من المسائل على قانونه‏.‏

وذلك إنما وقع من مطابقة الجواب للسؤال، لأن الغيب لا يدرك بأمر صناعي البتة‏.‏

وإنما المطابقة فيها بين الجواب والسؤال من حيث الإفهام، ووقوع ذلك بهذه الصناعة في تكسير الحروف المجتمعة، من السؤال والأوتار غير مستنكر‏.‏

وقد وقع ‏(‏2/ 313‏)‏ اطلاع بعض الأذكياء على التناسب، فحصل به معرفة المجهول منها، بالتناسب بين الأشياء، وهو سر الحضور على المجهول من المعلوم الحاصل للنفس بطريق حصوله، سيما الرياضة فإنها تفيد العقل زيادة، ولذلك ينسبون الزائرجة إلى أهل الرياضة في الغالب‏.‏

وزائرجة منسوبة إلى سهل بن عبد الله أيضاً، وهي من الأعمال الغريبة‏.‏

في تاريخ ابن خلدون، وهي غريبة العمل، وصنعة عجيبة، وكثير من الخواص يعملون بها بإفادة الغيب، وحلها صعب على الجاهل انتهى‏.‏

وعبارة ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ مبنى هذا العلم هو أنهم يدعون أن العالم كله بما فيه من كلي وجزئي، علوا وسفلا، أفلاكا وعناصر، ذواتاً ومعاني، ألفاظاً وحروفاً وأسماء وأفعالا متناسبة، كلها على مقادير مقدرة، ومرتبط بعضها ببعض ارتباطاً غير منفصل‏.‏

ومن ذلك السؤال والجواب في ألفاظها، وحروفها، ومعانيها‏.‏

قال الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون في كتابه المسمى بعنوان ‏(‏‏(‏العبر وديوان المبتدأ والخبر‏)‏‏)‏‏:‏

إن الناس افترقوا في هذا العلم فرقتين‏.‏

لأن منهم‏:‏ المولعون به منها لكون في أحكام العمل بقانونه، يعتقدون استخراج الغيوب بذلك القانون وعمله‏.‏

وآخرون‏:‏ مذعنون بإنكاره ويزعمون أن العمل بقانونه غير صحيح في نفسه، وأنه من الحيل ظناً منهم أن صاحب ذلك العمل يعد البيت منظوما، ويخبر به جوابا عن السؤال، فيطير به الغراب كل مطار ثم قال‏:‏

والحق أن مبنى هذا العلم كما مر على مراعاة التناسب بين الأمور المذكورة فيمكن أن يرفع الله - سبحانه وتعالى - الحجاب عن عقول بعض عباده، فيطلع على وجه التناسب بينها، فيقف على بعض الأمور الكائنة في عالم الملك، ومع ذلك لا يمكن للبشر أن يطلع على علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه إذ التناسب بين العلم ‏(‏2/ 314‏)‏ الرباني الذي من عالم الملكوت، وبين عالم الملك بعيد، فكيف يندرج تحت هذا القانون الذي مبناه على التناسب بين الكائنات في عالم الملك‏.‏

فالقوانين والصناعة لا توصل إلى معرفة الغيب بوجه من الوجوه والله يعلم وأنتم لا تعلمون انتهى‏.‏

 علم الزهد والورع

قال في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ الزهد‏:‏ الإعراض عن الدنيا‏.‏

والورع‏:‏ ترك الحلال خوفاً من الوقوع في الشبهات‏.‏

وقيل الزهد‏:‏ ترك الشبهات خوفاً من الحرام‏.‏

وكتب الشيخ الإمام العلامة الغزالي - رحمه الله - تعالى نافعة في هذا العلم‏.‏

 علم الزيج

هكذا في ‏(‏‏(‏كشف الظنون‏)‏‏)‏، ولم يزد عليه، والزيجات كثيرة ذكرها صاحب ‏(‏‏(‏الكشف‏)‏‏)‏ فمن شاء فليرجع إليه، وقد تقدم في الألف في علم الأزياج‏.‏

قال في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ علم الزيجات والتقاويم‏:‏ علم يتعرف منه مقادير حركات الكواكب، سيما السبعة السيارة وتقويم حركاتها، وإخراج الطوالع وغير ذلك، منتزعا من الأصول الكلية‏.‏

ومنفعته‏:‏ معرفة الاتصالات من الكواكب من المقارنة، والمقابلة، والتربيع، والتثليث، والتسديس، والخسوف والكسوف، وما يجري في هذا المجرى‏.‏

وقال في ‏(‏‏(‏كشاف اصطلاحات الفنون‏)‏‏)‏‏:‏ منفعته معرفة موضع كل واحد من الكواكب السبعة بالنسبة إلى فلكه، وإلى فلك البروج وانتقالاتها، ورجوعها، واستقامتها، وتشريقها، وتغريبها، وظهورها، واختفائها، في كل زمان ومكان وما أشبه ذلك من اتصال بعضها ببعض، وكسوف الشمس، وخسوف القمر، وما يجري هذا المجرى انتهى ‏(‏2/ 315‏)‏‏.‏ والغرض منه أمران‏:‏

أحدهما‏:‏ ما ينتفع به في الشرع، وهو‏:‏ معرفة أوقات الصلوات، وسمت القبلة، والساعات، وأحوال الشفق، والفجر‏.‏

وثانيهما‏:‏ معرفة الأحكام الجارية في عالم العناصر، وهذه المعرفة لكونها مبنية على أمور واهية، ودلائل ضعيفة، لا تفيد شبهة فضلاً عن حجة، ولهذا لا يعتد بها في الشرع‏.‏

والذي يصح منها في بعض الأوقات فإنما هو بطريق الاتفاق، وذلك لا يدل على الصحة‏.‏

وأنفع الزيجات الأيلخاني، الذي تولاه خواجه نصير الدين الطوسي‏.‏

وأتقنها زيج الغ بيك بن شاهرخ مرزا ابن أمير تيمور وقد تولاه بسمرقند غياث الدين جمشيد، وتوفاه الله تعالى في مبادئ أحواله، ثم تولاه قاضي زاده الرومي، وتوفاه الله تعالى أيضاً قبل إتمامه، وإنما أتمه، وأكمله علي بن محمد القوشجي‏.‏

وأهل مصر يعتنون بالزيج المصطلح‏.‏

وأهل الشام يعتنون بزيج ابن شاطر‏.‏

والزيجات غير ما ذكر كثيرة يعرفها أهلها، انتهى ما في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ للأرنيقي - رحمه الله - ‏(‏2/ 316‏)‏‏.‏

 باب السين المهملة

 علم السباحة

هذا من فروع علم الملاحة، وأنه يحصل بالمزاولة والإدمان وأكثر ما يحتاج إليه الملاحون كذا في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏.‏

ورأيت أشخاصاً لهم يد طولي في هذا العلم، ولها أنواع كثيرة منها‏:‏ السباحة في الأبحار والأنهار قائما، ومنها‏:‏ قاعدا، ومنها‏:‏ مستلقيا على الظهر، إلى غير ذلك من الصور التي يعرفها أهلها‏.‏

والأصل في معرفة هذا العلم دون المعرفة الساذجة‏.‏

 علم السجلات والشروط

وهذا باعتبار اللفظ من فروع علم الإنشاء، وباعتبار مدلوله من فروع علم الفقه‏.‏

وهو‏:‏ علم يبحث فيه عن إنشاء الكلمات المتعلقة بالأحكام الشرعية‏.‏

وموضوعه ومنفعته ظاهرة‏.‏

ومباديه‏:‏ علم الإنشاء وعلم الفقه‏.‏

وله استمداد من العرف ‏(‏2/ 318‏)‏‏.‏

والكتب في هذا الفن كثيرة، يجدها من يطلبها كذا في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏، وسيأتي أيضاً في باب الشين المعجمة إن شاء الله تعالى‏.‏

 علم السحر

هو‏:‏ علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة، بأشياء خفية، قاله في ‏(‏‏(‏كشاف اصطلاحات الفنون‏)‏‏)‏‏.‏

وفي ‏(‏‏(‏كشف الظنون‏)‏‏)‏‏:‏ هو ما خفي سببه، وصعب استنابطه لأكثر العقول‏.‏

وحقيقته‏:‏ كل ما سحر العقول، وانقادت إليه النفوس بخدعة، وتعجب واستحسان، فتميل إلى إصغاء الأقوال والأفعال الصادرة عن الساحر‏.‏

فعلى هذا التقدير، هو‏:‏ علم باحث عن معرفة الأحوال الفلكية، وأوضاع الكواكب، وعن ارتباط كل منها مع الأمور الأرضية، من المواليد الثلاثة، على وجه خاص، ليظهر من ذلك الارتباط والامتزاج عللها وأسبابها، وتركيب الساحر في أوقات المناسبة من الأوضاع الفلكية، والأنظار الكوكبية بعض المواليد ببعض، فيظهر ما جل أثره، وخفي سببه، من أوضاع عجيبة وأفعال غريبة، تحيرت فيها العقول، وعجزت عن حل خفاها أفكار الفحول‏.‏

أما منفعة هذا‏:‏ العلم فالاحتراز عن عمله، لأنه محرم شرعا إلا أن يكون لدفع ساحر يدعي النبوة، فعند ذلك يفترض وجود شخص قادر لدفعه بالعمل، ولذلك قال بعض العلماء‏:‏

إن تعلم السحر فرض كفاية، وإباحة الأكثرون دون عمله إلا إذا تعين لدفع المتنبي‏.‏

واختلف الحكماء في طرق السحر‏.‏

فطريق الهند‏:‏ بتصفية النفس، وطريق النبط‏:‏ بعمل العزائم في بعض الأوقات المناسبة‏.‏

وطريق اليونان‏:‏ بتسخير روحانية الأفلاك والكواكب ‏(‏2/ 319‏)‏‏.‏

وطريق العبرانيين والقبط والعرب‏:‏ بذكر بعض الأسماء المجهولة المعاني، فكأنه قسم من العزائم زعموا أنهم سخروا الملائكة القاهرة للجن‏.‏

فمن الكتب المؤلفة في هذا الفن‏:‏ ‏(‏‏(‏الإيضاح‏)‏‏)‏ للأندلسي، و‏(‏‏(‏البساطين لاستخدام الأنس وأرواح الجن والشياطين‏)‏‏)‏، و‏(‏‏(‏بغية الناشد ومطلب القاصد‏)‏‏)‏ على طريقة العبرانيين، و‏(‏‏(‏الجمهرة‏)‏‏)‏ أيضاً، و‏(‏‏(‏رسائل أرسطو‏)‏‏)‏ إلى الإسكندر، و‏(‏‏(‏غاية الحكيم‏)‏‏)‏ للمجريطي، وكتاب ‏(‏‏(‏طيماؤس‏)‏‏)‏، وكتاب ‏(‏‏(‏الوقوفات للكواكب‏)‏‏)‏ على طريقة اليونانيين، وكتاب ‏(‏‏(‏سحر النبط‏)‏‏)‏ لابن وحشية، وكتاب ‏(‏‏(‏العمي‏)‏‏)‏على طريقة العبرانيين، و‏(‏‏(‏مرآة المعاني في إدراك العالم الإنساني‏)‏‏)‏ على طريقة الهند، انتهى ما في ‏(‏كشف الظنون‏)‏‏.‏

وفي تاريخ ابن خلدون علم السحر والطلسمات هو‏:‏ علم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر، إما بغير معين، أو بمعين من الأمور السماوية، والأول هو‏:‏ السحر والثاني‏:‏ هو الطلسمات‏.‏

ولما كانت هذه العلوم مهجورة عند الشرائع لما فيها من الضرر، ولما يشترط فيها من الوجهة إلى غير الله من كوكب أو غيره، كانت كتبها كالمفقود بين الناس، إلا ما وجد في كتب الأمم الأقدمين فيما قبل نبوة موسى عليه السلام، مثل‏:‏ النبط، والكلدانيين، فإن جميع من تقدمه من الأنبياء لم يشرعوا الشرائع، ولا جاؤوا بالأحكام إنما كانت كتبهم مواعظ توحيد الله، وتذكير بالجنة والنار‏.‏

وكانت هذه العلوم في أهل بابل من السريانيين، والكلدانيين، وفي أهل مصر، من القبط، وغيرهم، وكان لهم فيها التأليف والآثار، ولم يترجم لنا من كتبهم فيها إلا القليل، مثل‏:‏

‏(‏‏(‏الفلاحة النبطية من أوضاع أهل بابل‏)‏‏)‏، فأخذ الناس منها هذا العلم وتفننوا فيه، ووضعت بعد ذلك الأوضاع، مثل‏:‏ ‏(‏‏(‏مصاحف الكواكب السبعة‏)‏‏)‏، وكتاب ‏(‏‏(‏طمطم الهندي‏)‏‏)‏ في صور الدرج والكواكب وغيرهم‏.‏

ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة، فتصفح كتب ‏(‏2/ 320‏)‏ القوم، واستخرج الصناعة، وغاص على زبدتها، واستخرجها، ووضع فيها غيرها من التآليف، وأكثر الكلام فيها وفي صناعة السيمياء لأنها من توابعها، لأن إحالة الأجسام النوعية من صورة إلى أخرى إنما يكون بالقوة النفسية، لا بالصناعة العملية، فهو من قبيل السحر‏.‏

ثم جاء مسلمة بن أحمد المجريطي إمام أهل الأندلس في التعاليم والسحريات، فلخص جميع تلك الكتب، وهذبها، وجمع طرقها في كتابه الذي سماه ‏(‏‏(‏غاية الحكيم‏)‏‏)‏، ولم يكتب أحد في هذا العلم بعده‏.‏

ولنقدم هنا مقدمة يتبين بها حقيقة السحر، وذلك أن النفوس البشرية وإن كانت واحدة بالنوع فهي مختلفة بالخواص، وهي أصناف، كل صنف مختص بخاصية واحدة بالنوع، لا توجد في الصنف الآخر، وصارت تلك الخواص فطرة وجبلة لصنفها‏.‏

فنفوس الأنبياء عليهم السلام لها خاصية تستعد بها للمعرفة الربانية، ومخاطبة الملائكة عليهم السلام عن الله - سبحانه وتعالى - كما مر، وما يتبع ذلك من التأثير في الأكوان، واستجلاب روحانية الكواكب، للتصرف فيها، والتأثير بقوة نفسانية أو شيطانية‏.‏

فأما تأثير الأنبياء فمدد إلهي وخاصية ربانية، ونفوس الكهنة لها خاصية الاطلاع على المغيبات بقوى شيطانية، وهكذا كل صنف مختص بخاصية لا توجد في الآخر‏.‏

والنفوس الساحرة على مراتب ثلاثة يأتي شرحها‏:‏

فأولها‏:‏ المؤثرة بالهمة فقط من غير إله ولا معين، وهذا هو الذي تسميه الفلاسفة‏:‏ السحر‏.‏

والثاني‏:‏ بمعين من مزاج الأفلاك، أو العناصر، أو خواص الأعداد، ويسمونه‏:‏ الطلسمات، وهو أضعف رتبة من الأول‏.‏

والثالث‏:‏ تأثير في القوى المتخيلة يعمد صاحب هذا التأثير إلى القوى المتخيلة، فيتصرف فيها بنوع من التصرف، ويلقي فيها أنواعا من الخيالات ‏(‏2/ 321‏)‏ والمحاكات، وصوراً مما يقصده من ذلك، ثم ينزلها إلى الحسن من الرائين بقوة نفسه المؤثرة فيه، فينظر الراؤون كأنها في الخارج، وليس هناك شيء من ذلك‏.‏

كما يحكي عن بعضهم أنه يرى البساتين، والأنهار، والقصور وليس هناك شيء من ذلك، ويسمى هذا عند الفلاسفة‏:‏ الشعوذة، أو الشعبذة، هذا تفصيل مراتبه‏.‏

ثم هذه الخاصية تكون في الساحرة بالقوة شأن القوى البشرية كلها، وإنما تخرج إلى الفعل بالرياضة، ورياضة السحر كلها إنما تكون بالتوجه إلى الأفلاك، والكواكب، والعوالم العلوية، والشياطين، بأنواع التعظيم، والعبادة، والخضوع، والتذلل، فهي لذلك وجهه إلى غير الله، وسجود له، والوجهة إلى غير الله كفر‏.‏

فلهذا كان السحر كفراً، والكفر من مواده وأسبابه كما رأيت، ولهذا اختلف الفقهاء في قتل الساحر، هل هو لكفره السابق على فعله، أو لتصرفه بالإفساد وما ينشأ عنه من الفساد في الأكوان والكل حاصل منه‏.‏

ولما كانت المرتبتان الأوليان من السحر لهما حقيقة في الخارج، والمرتبة الأخيرة الثالثة لا حقيقة لها، اختلف العلماء في السحر هل هو حقيقة، أو إنما هو تخييل‏؟‏‏.‏

فالقائلون بأن له حقيقة‏:‏ نظروا إلى المرتبتين الأوليين‏.‏

والقائلون بأن لا حقيقة له‏:‏ نظروا إلى المرتبة الثالثة الأخيرة فليس بينهم اختلاف في نفس الأمر، بل إنما جاء من قبل اشتباه هذه المراتب والله أعلم‏.‏

واعلم أن وجود السحر لا مرية فيه بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه، وقد نطق به القرآن قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله‏)‏‏.‏

وسحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، وجعل سحره في مشط، ومشاقة، وجف طلعة، ودفن في بئر ذروان، فأنزل الله عز ‏(‏2/ 322‏)‏ وجل عليه في المعوذتين ‏(‏ومن شر النفاثات في العقد‏)‏‏.‏

قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ فكان لا يقرأ على عقدة من تلك العقد التي سحر فيها إلا انحلت‏.‏

وأما وجود السحر في أهل بابل، وهم الكلدانيون من النبط، والسريانيون فكثير، ونطق به القرآن وجاءت به الأخبار‏.‏

وكان للسحر في بابل ومصر زمان بعثه موسى عليه السلام أسواق نافقة، ولهذا كانت معجزة موسى من جنس ما يدعون ويتناغون فيه، وبقي من آثار ذلك في البرابي بصعيد مصر شواهد دالة على ذلك، ورأينا بالعيان من يصور صورة الشخص المسحور بخواص أشياء مقابلة لما نواه، وحلوله موجودة بالمسحور، وأمثال تلك المعاني من أسماء وصفات في التأليف والتفريق‏.‏

ثم يتكلم على تلك الصورة التي أقامها مقام الشخص المسحور عيناً أو معنى، ثم ينفث من ريقه بعد اجتماعه في فيه بتكرير مخارج تلك الحروف من الكلام السوء، ويعقد على ذلك المعنى في سبب أعده لذلك تفاؤلا بالعقد واللزام، وأخذ العهد على من أشرك به من الجن في نفثه، في فعله ذلك استشعارا للعزيمة، ولتلك البنية والأسماء السيئة روح خبيثة تخرج منه مع النفخ، متعلقة بريقه الخارج من فيه بالنفث، فتنزل عنها أرواح خبيثة، ويقع عن ذلك بالمسحور ما يحاوله الساحر‏.‏

وشاهدنا أيضاً من المنتحلين للسحر عمله من يشير إلى كساء، أو جلد، ويتكلم عليه في سره، فإذا هو مقطوع مترف، ويشير إلى بطون الغنم، كذلك في مراعيها بالبعج، فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الأرض‏.‏

وسمعنا أن بأرض الهند لهذا العهد من يشير إلى إنسان فيتحتت قلبه ويقع ميتا، وينقب عن قلبه فلا يوجد في حشاه، ويشير إلى الرمانة وتفتح فلا يوجد من حبوبها شيء‏.‏

وكذلك سمعنا أن بأرض السودان، وأرض الترك من يسحر السحاب فيمطر الأرض المخصوصة ‏(‏2/ 323‏)‏‏.‏

وكذلك رأينا من عمل الطلسمات عجائب في الأعداد المتحابة ‏(‏وهي رك رف د‏)‏ أحد العددين مائتان وعشرون، والآخر مائتان وأربعة وثمانون‏.‏

ومعنى المتحابة‏:‏ أن أجزاء كل واحد التي فيه من نصف، وثلث، وربع، وسدس، وخمس، وأمثالها إذا جمع كان مساويا للعدد الآخر صاحبه فيسمى لأجل ذلك‏:‏ المتحابة‏.‏

ونقل أصحاب الطلسمات‏:‏ أن لتلك الأعداد أثرا في الإلفة بين المتحابين، واجتماعهما إذا وضع لهما مثالان، أحدهما بطالع الزهرة وهي في بيتها، أو شرفها، ناظرة إلى القمر نظر مودة وقبول، ويجعل طالع الثاني سابع الأول، ويضع على أحد التمثالين أحد العددين، والآخر على الآخر، ويقصد بالأكثر الذي يراد ائتلافه أعني المحبوب ما أدري الأكثر كمية، أو الأكثر أجزاء، فيكون لذلك من التأليف العظيم بين المتحابين ما لا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر، قاله صاحب ‏(‏‏(‏الغاية‏)‏‏)‏ وغيره من أئمة هذا الشأن، وشهدت له التجربة‏.‏

وكذا طابع الأسد، ويسمى أيضاً‏:‏ طابع الحصى، وهو أن يرسم في قالب هذا الطابع صورة أسد شائلا ذنبه، عاضا على حصاة، قد قسمها بنصفين، وبين يديه صورة حية منسابة من رجليه إلى قبالة وجهه، فاغرة فاها إلى فيه، وعلى ظهره صورة عقرب تدب ويتحين برسمه حلول الشمس بالوجه الأول، أو الثالث من الأسد بشرط صلاح النيرين وسلامتهما من النحوس، فإذا وجد ذلك وعثر عليه، طبع في ذلك الوقت في مقدار المثقال فما دونه من الذهب، وغمس بعد في الزعفران محلولا بماء الورد، ورفع في خرقة حرير صفراء، فإنهم يزعمون أن لممسكه من العز على السلاطين في مباشرتهم، وخدمتهم، وتسخيرهم له، ما لا يعبر عنه، وكذلك السلاطين فيه من القوة والعز على من تحت أيديهم‏.‏

ذكر ذلك أيضاً أهل هذا الشأن في ‏(‏‏(‏الغاية‏)‏‏)‏ وغيرها، وشهدت له التجرية‏.‏

وكذلك وفق المسدس المختص بالشمس، ذكروا أنه يوضع عند حلول ‏(‏2/ 324‏)‏ الشمس في شرفها وسلامتها من النحوس، وسلامة القمر بطالع ملوكي، يعتبر فيه نظر صاحب العاشر لصاحب الطالع نظر مودة وقبول، ويصلح فيه ما يكون في مواليد الملوك من الأدلة الشريفة، ويرفع خرقة حرير صفراء بعد أن يغمس في الطيب، فزعموا أنه له أثرا في صحابة الملوك وخدمتهم ومعاشرتهم، وأمثال ذلك كثيرة‏.‏

وكتاب ‏(‏‏(‏الغاية‏)‏‏)‏ لمسلمة بن أحمد المجريطي هو مدون هذه الصناعة، وفيه استيفاؤها وكمال مسائلها‏.‏

وذكر لنا أن الإمام الفخر بن الخطيب وضع كتابا في ذلك وسماه‏:‏ ‏(‏‏(‏بالسر المكتوم‏)‏‏)‏ وإنه بالمشرق يتداوله أهله، ونحن لم نقف عليه والإمام لم يكن من أئمة هذا الشأن فيما نظن، ولعل الأمر بخلاف ذلك، وبالمغرب صنف من هؤلاء المنتحلين لهذه الأعمال السحرية يعرفون بالبعاجين، وهم الذين ذكرت أولا أنهم يشيرون إلى الكساء، أو الجلد، فيتخرق، ويشيرون إلى بطون الغنم بالبعج فتنبعج، ويسمى أحدهم لهذا العهد باسم‏:‏ البعاج، لأن أكثر ما ينتحل من السحر بعج الأنعام، يرتب بذلك أهلها ليعطوه من فضلها، وهم متسترون بذلك في الغاية خوفا على أنفسهم من الحكام‏.‏

لقيت منهم جماعة وشاهدت من أفعالهم هذه بذلك، وأخبروني أن لهم وجهة ورياضة خاصة بدعوات كفرية، وإشراك روحانيات الجن، والكواكب، سطرت فيها صحيفة عندهم تسمى ‏(‏‏(‏الخزيرية‏)‏‏)‏ يتدارسونها، وإن بهذه الرياضة والوجهة يصلون إلى حصول هذه الأفعال لهم، وإن التأثير الذي لهم إنما ‏(‏2/ 325‏)‏ هو فيما سوى الإنسان الحر من المتاع، والحيوان، والرقيق، يعبرون عن ذلك بقولهم‏:‏

إنما انفعل فيما تمشي فيه الدراهم، أي‏:‏ ما يملك، ويباع، ويشترى، من سائر الممتلكات هذا ما زعموه، وسألت بعضهم فأخبرني به‏.‏

وأما أفعالهم فظاهرة موجودة وقفنا على الكثير منها، وعاينتها من غير ريبة في ذلك، هذا شأن السحر والطلسمات وآثارهما في العالم‏.‏

فأما الفلاسفة ففرقوا بين السحر والطلسمات، بعد أن أثبتوا أنهما جميعا أثر للنفس الإنسانية، واستدلوا على وجود الأثر للنفس الإنسانية بأن لها آثارا في بدنها على غير المجرى الطبعي، وأسبابه الجسمانية، بل آثار عارضة من كيفيات الأرواح، تارة كالسخونة الحادثة عن الفرح والسرور، من جهة التصورات النفسانية، أخرى كالذي يقع من قبل التوهم، فإن الماشي على حرف حائط، أو على حبل منتصب إذا قوي عنده توهم السقوط سقط بلا شك‏.‏

ولهذا تجد كثيرا من الناس يعودون أنفسهم ذلك حتى يذهب عنهم هذا الوهم فتجدهم يمشون على حرف الحائط والحبل المنتصب، ولا يخافون السقوط، فثبت أن ذلك من آثار النفس الإنسانية، وتصورها للسقوط من أجل الوهم، وإذا كان ذلك أثرا للنفس في بدنها من غير الأسباب الجسمانية الطبيعية فجائز أن يكون لها مثل هذا الأثر في غير بدنها، إذ نسبتها إلى الأبدان في ذلك النوع من التأثير واحدة، لأنها غير حالة في البدن، ولا منطبعة فيه، فثبت أنها مؤثرة في سائر الأجسام‏.‏

وأما التفرقة عندهم بين السحر والطلسمات، فهو‏:‏ أن السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين، وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب، وأسرار الأعداد، وخواص الموجودات، وأوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر، كما يقوله المنجمون‏.‏

ويقولون‏:‏ السحر اتحاد روح بروح‏.‏

والطلسم‏:‏ اتحاد روح بجسم‏.‏

ومعناه عندهم‏:‏ ربط الطبائع العلوية السماوية بالطبائع السفلية ‏(‏2/ 326‏)‏، والطبائع العلوية هي‏:‏ روحانيات الكواكب، ولذلك يستعين صاحبه في غالب الأمر بالنجامة‏.‏

والساحر عندهم‏:‏ غير مكتسب لسحره، بل هو مفطور عندهم على تلك الجبلة المختصة بذلك النوع من التأثير‏.‏والفرق عندهم بين المعجزة والسحر، أن المعجزة إلهية تبعث في النفس ذلك التأثير فهو مؤيد بروح الله على فعله ذلك، والساحر إنما يفعل ذلك من عند نفسه، وبقوته النفسانية، وبإمداد الشياطين في بعض الأحوال‏.‏

فبينهما الفرق في المعقولية، والحقيقة، والذات في نفس الأمر، وإنما نستدل نحن على التفرقة بالعلامات الظاهرة، وهي‏:‏ وجود المعجزة لصاحب الخير، وفي مقاصد الخير، وللنفوس المتمحضة للخير، والتحدي بها على دعوى النبوة، والسحر إنما يوجد لصاحب الشر وفي أفعال الشر في الغالب من التفريق بين الزوجين، وضرر الأعداء، وأمثال ذلك، وللنفوس المتمحضة للشر‏.‏

هذا هو الفرق بينهما عند الحكماء الإلهيين، وقد يوجد لبعض المتصوفة وأصحاب الكرامات تأثير أيضاً في أحوال العالم، وليس معدودا من جنس السحر، وإنما هو بالإمداد الإلهي، لأن طريقتهم ونحلتهم من آثار النبوة وتوابعها، ولهم في المدد الإلهي حظ على قدر حالهم، وإيمانهم، وتمسكهم بكلمة الله، وإذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشر فلا يأتيها، لأنه متقيد فيما يأتيه ويذره للأمر الإلهي، فما لا يقع لهم فيه الإذن لا يأتونه بوجه، ومن أتاه منهم فقد عدل عن طريق الحق، وربما سلب حاله‏.‏

ولما كانت المعجزة بإمداد روح الله والقوى الإلهية، فلذلك لا يعارضها شيء من السحر، وانظر شأن سحرة فرعون مع موسى في معجزة العصا، كيف تلقفت ما كانوا يأفكون، وذهب سحرهم واضمحل كأن لم يكن‏!‏ ‏.‏

وكذلك لما أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في المعوذتين ‏(‏ومن شر النفاثات في العقد‏)‏ قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ فكان لا يقرؤها على عقدة من العقد التي سحر فيها إلا انحلت فالسحر لا يثبت ‏(‏2/ 327‏)‏ مع اسم الله وذكره‏.‏

وقد نقل المؤرخون أن زركش كاويان وهي راية كسرى، كان فيه الوفق المئيني العددي منسوجا بالذهب في أوضاع فلكية رصدت لذلك الوفق، ووجدت الراية يوم قتل رستم بالقادسية، واقعة على الأرض، بعد انهزام أهل فارس وشتاتهم، وهو الطلسمات والأوفاق مخصوص بالغلب في الحروب، وإن الراية التي يكون فيها أو معها لا تنهزم أصلا إلا أن هذه عارضها المدد الإلهي من إيمان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتمسكهم بكلمة الله، فانحل معها كل عقد سحري، ولم يثبت، وبطل ما كانوا يعملون‏.‏

وأما الشريعة فلم تفرق بين السحر والطلسمات، وجعلتهما بابا واحدا محظوراً، لأن الأفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا في ديننا الذي فيه صلاح آخرتنا، أو في معاشنا الذي فيه صلاح دنيانا، وما لا يهمنا في شيء منهما فإن كان فيه ضرر ونوع ضرر، كالسحر الحاصل ضرره بالوقوع يلحق به الطلسمات، لأن أثرهما واحد‏.‏

وكالنجامة التي فيها نوع ضرر باعتقاد التأثير فتفسد العقيدة الإيمانية برد الأمور إلى غير الله تعالى، فيكون حينئذ ذلك الفعل محظورا على نسبته في الضرر وإن لم يكن مهما علينا، ولا فيه ضرر فلا أقل من أن تركه قربة إلى الله فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فجعلت الشريعة باب السحر، والطلسمات، والشعوذة، بابا واحدا لما فيها من الضرر، وخصته بالحظر والتحريم‏.‏

وأما الفرق عندهم بين المعجزة والسحر‏:‏ فالذي ذكره المتكلمون أنه راجع إلى التحدي، وهو دعوى وقوعها على وفق ما ادعاه، قالوا‏:‏ والساحر مصروف عن مثل هذا التحدي، فلا يقع منه وقوع المعجزة على وفق دعوى الكاذب غير مقدور، لأن دلالة المعجزة على الصدق عقلية، لأن صفة نفسها التصديق، فلو وقعت مع الكذب لاستحال الصادق كاذبا وهو محال، فإذا لا تقع المعجزة مع الكاذب بإطلاق‏.‏

وأما الحكماء‏:‏ فالفرق بينهما عندهم كما ذكرناه، فرق ما بين الخير والشر في ‏(‏2/ 328‏)‏ نهاية الطرفين، فالساحر لا يصدر منه الخير، ولا يستعمل في أسباب الخير، وصاحب المعجزة لا يصدر منه الشر، ولا يستعمل في أسباب الشر، فكأنهما على طرفي النقيض في أصل فطرتهم والله يهدي من يشاء، وهو القوي العزيز، لا رب سواه‏.‏

ومن قبيل هذه التأثيرات النفسانية الإصابة بالعين، وهو تأثير من نفس المعيان عندما يستحسن بعينه مدركا من الذوات، أو الأحوال، ويفرط في استحسانه، وينشأ عن ذلك الاستحسان حينئذ أنه يروم معه سلب ذلك الشيء عمن اتصف به، فيؤثر فساده وهو جبلة فطرية أعني هذه الإصابة بالعين‏.‏

والفرق بينها وبين التأثيرات وإن كان منها ما لا يكتسب أن صدورها راجع إلى اختيار فاعلها، والفطري منها قوة صدروها لا نفس صدروها، ولهذا قالوا‏:‏ القاتل بالسحر أو بالكرامة يقتل، والقاتل بالعين لا يقتل، وما ذلك إلا لأنه ليس مما يريده ويقصده أو يتركه وإنما هو مجبور في صدوره عنه، والله أعلم بما في الغيوب، ومطلع على ما في السرائر انتهى كلام ابن خلدون ومن عينه نقلت هنا وفي كل موضع من هذا الكتاب، والله تعالى الموفق للحق والصواب‏.‏

 علم السلوك

هو‏:‏ معرفة النفس ما لها وما عليها من الوجدانيات، ويسمى‏:‏ بعلم الأخلاق، وبعلم التصوف أيضاً، وفي مجمع السلوك وأشرف العلوم علم الحقائق والمنازل والأحوال، وعلم المعاملة والإخلاص في الطاعات والتوجه إلى الله تعالى من جميع الجهات‏.‏

ويسمى هذا العلم‏:‏ بعلم السلوك‏.‏

فمن غلط في علم الحقائق والمنازل والأحوال المسمى‏:‏ بعلم التصوف فلا يسأل عن غلطه إلا عالما منهم كامل العرفان، ولا يطلب ذلك من البزدوي ‏(‏2/ 329‏)‏ والهداية والوقاية وغير ذلك، وعلم الحقائق ثمرة العلوم كلها وغايتها، فإذا انتهى السالك إلى علم الحقائق وقع في بحر لا ساحل له، وهو أي علم الحقائق علم القلوب، وعلم المعارف وعلم الأسرار ويقال له علم الإشارة‏.‏

وموضوعه‏:‏ أخلاق النفس إذ يبحث فيه عن عوارضها الذاتية مثلا حب الدنيا في قولهم‏:‏ حبا الدنيا رأس كل خطيئة، خلق من أخلاق النفس، حكم عليه بكونه رأس الخطايا، ورأس الأخلاق الرذيلة، التي تضرر بسببها النفس، وكذا الحال في قولهم‏:‏ بغض الدنيا رأس الحسنات، وغرضه التقرب والوصول إلى الله تعالى انتهى ما في ‏(‏‏(‏كشاف اصطلاحات الفنون‏)‏‏)‏ وتقدم الكلام على هذا العلم في باب التاء الفوقانية تحت علم التصوف فلا نعيده‏.‏

 علم السماء والعالم

هو من أصول الطبعي، وهو‏:‏ علم يبحث فيه عن أحوال الأجسام التي هي أركان العالم وهي السموات وما فيها، والعناصر الأربعة من حيث طبائعها، وحركاتها، ومواضعها، وتعرف الحكمة في صنعها وترتيبها‏.‏

وموضوعه‏:‏ الجسم المحسوس ومن حيث هو معرض للتغير في الأحوال والثبات فيها، ويبحث فيه عما يعرض له من حيث هو، كذلك كذا في التلويح وقيد الحيثية، احترازا عن علم الهيئة‏.‏

 علم السياسية

اقتصر صاحب ‏(‏‏(‏كشف الظنون‏)‏‏)‏ على ذلك ولم يزد عليه‏.‏

قال في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ هو‏:‏ علم يعرف منه أحوال السياسات والاجتماعات المدنية وأحوالها مثل أحوال السلاطين، والملوك، والأمراء، وأهل الإحستاب ‏(‏2/ 330‏)‏، والقضاة، والعلماء، وزعماء الأموال، ووكلاء بيت المال، وما يجري مجرى هؤلاء‏.‏

وموضوعه‏:‏ المراتب المدنية وأحكامها‏.‏

ومنفعته‏:‏ معرفة الاجتماعات المدينة الفاضلة، والمراد به وجه استيفاء كل واحد منها، ودفع علل زوالها، وجهات انتقالها، ومن أعظم أسباب انتقال الدولة الإخلال بركن من أركان الشريعة وقواعد العمارات، وكتاب السياسة الذي أرسله أرسطاطاليس إلى الإسكندر يشتمل على مهمات هذا العلم، وكتاب آراء المدينة الفاضلة لأبي نصر الفارابي جامع لقوانينه‏.‏

ومن الكتب الجامعة لهذه العلوم الثلاثة، كتاب ‏(‏‏(‏الأخلاق الناصرية‏)‏‏)‏ لنضير الدين الطوسي، و‏(‏‏(‏كتاب الأخلاق الجلالية‏)‏‏)‏ لجلال الدين الدواني‏.‏

ومن الكتب المختصرة الجامعة لأصول هذه الفنون الثلاثة‏:‏ رسالة مولانا عضد الدين وشرحها تلميذه مولانا شمس الدين الكرماني، وقد شرحها شرحا جامعا في عنفوان الشباب، فعاد بحمد الله نافعا في هذا الباب انتهى‏.‏

وأقول فيه كتاب ‏(‏‏(‏السياسة الشرعية لإصلاح الراعي والرعية‏)‏‏)‏ لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني رضي الله عنه وأرضاه، مختصر وجدته في مكة المكرمة، واستنسختها بيدي لنفسي ولمن أخلفه وهو موجود في دار الكتب لي والله الحمد‏.‏

وترجمه بير محمد بن علي العاشق لإعلام حاله إلى السلطان سليم خان، وبيان عجزه عن القضاء، وسماه ‏(‏‏(‏معراج الأيالة ومنهاج العدالة‏)‏‏)‏ زاد فيه أشياء متعلقة بالحرب، وبيت المال‏.‏

وفي كتابنا ‏(‏‏(‏إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة‏)‏‏)‏ فصول مستقلة في هذا الباب ‏(‏2/ 331‏)‏‏.‏

 علم السير

قال في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ علم سير الصحابة والتابعين من فروع المحاضرات، وفيها كتاب سير الصحابة والتابعين، وهو كتاب عظيم لم يعهد مثله انتهى‏.‏

قال في ‏(‏كشف الظنون‏)‏‏:‏ أول من صنف فيه الإمام المعروف بمحمد بن إسحاق رئيس أهل المغازي، المتوفى سنة إحدى وخمسين ومائة‏.‏ فإنه جمعها ودونها أبو محمد عبد الملك بن هشام الحميري، المتوفى سنة ثمان عشرة ومائتين، فأحسن وأجاد وله كتاب في شرح ما وقع في أشعار السير من الغريب‏.‏

ثم اعتنى به المتأخرون فشرح الإمام أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي، المتوفى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة غريب السير، وسماه الروض الأنف وهو كتاب مفيد معتبر‏.‏

ونظم أبو نصر فتح بن موسى الخضراوي القصري، المتوفى سنة ثلاث وستين وستمائة سيرة ابن هشام‏.‏ وعبد العزيز بن أحمد المعروف بسعد الديري، المتوفى في حدود سنة سبع وتسعين وستمائة، وأبو إسحاق الأنصاري التلمساني على قافية اللام، وفتح الدين محمد بن إبراهيم المعروف بابن الشهيد، المتوفى سنة ثلث وتسعين وسبعمائة في بضع عشر ألف بيت وسماه ‏(‏‏(‏فتح الغريب في سيرة الحبيب‏)‏‏)‏‏.‏

وصنف علاء الدين علي بن محمد الخلاطي الحنفي، المتوفى سنة ثمان وسبعمائة كتابا فيه، وصنف فيه الحافظ الكبير عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، المتوفى سنة خمس وسبعمائة، والشيخ ظهير الدين علي بن محمد الكازروني، المتوفى سنة أربع وتسعين وستمائة، وهو غير سعيد الكازروني صاحب ‏(‏‏(‏المبتغى‏)‏‏)‏‏.‏

وصنف الشيخ محمد بن علي بن يوسف الشافعي الشامي، المتوفى سنة ستمائة كتابا في السير، وشرحه قطب الدين عبد الكريم الحنبلي الحلبي، المتوفى سنة خمس ‏(‏2/ 332‏)‏ وثلاثين وسبعمائة، وسماه ‏(‏‏(‏المورد العذب الهني‏)‏‏)‏ في الكلام على سيرة عبد الغني، ومختصر سيرة ابن هشام البرهان إبراهيم بن محمد بن المرحل، وزاد عليه أمورا ورتبه على ثمانية عشر مجلسا وسماه الذخيرة في مختصر السيرة‏.‏

وممن صنف في السير ابن أبي طي يحيى بن حميدة الحلبي، المتوفى سنة ثلاثين وستمائة في ثلاث مجلدات، وسيرة مغلطائي لخصها قاسم بن قطلوبغا الحنفي، المتوفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وشرح منها قطعة كبيرة العلامة بدر الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي، المتوفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة وسماه ‏(‏‏(‏كشف اللثام‏)‏‏)‏‏.‏

وصنف الشيخ عز الدين بن عمر بن جماعة الكناني مختصرا في السير أوله ‏(‏أما بعد حمد الله على جزيل أفضاله‏)‏‏.‏

 علم السيميا

اعلم أنه قد يطلق هذا الاسم على ما هو غير الحقيقي من السحر، وهو المشهور‏.‏

وحاصله إحداث مثالات خيالية في الجو لا وجود لها في الحس، وقد يطلق على إيجاد تلك المثالات بصورها في الحس فحينئذ يظهر بعض الصور في جوهر الهواء فتمول سريعة لسرعة تغير جوهر الهواء، ولا مجال لحفظ ما يقبل من الصورة في زمان طويل لرطوبته فيكون سريع القبول، وسريع الزوال‏.‏

وأما كيفية إحداث تلك الصور وعللها فأمر خفي لا اطلاع عليه إلا

لأهله وليس المراد وصفه وتحقيق ههنا بل المقصود هنا الكشف وإزالة الالتباس عن أمثاله‏.‏

وحاصله ومجمله أن يركب الساحر أشياء من الخواص والأدهان، أو المانعات، أو كلمات خاصة توجب بعض تخيلات خاصة، كدارك الحواس بعض المأكول والمشروع وأمثاله ولا حقيقة له ‏(‏2/ 333‏)‏، وفي هذا الباب حكايات كثيرة عن ابن سينا والسهروردي المقتول، انتهى ما في ‏(‏‏(‏كشف المظنون‏)‏‏)‏‏.‏

وأطال ابن خلدون في بيان هذا العلم إلى أوراق لسنا بصدد نقله في هذا الموضع‏.‏

قال‏:‏ في ‏(‏‏(‏المدينة‏)‏‏)‏ ومن جملة ما حكى الأوزاعي عن يهودي لحقه في السفر وأنه أخذ ضفدعا فسحرها بطريقة علم السيميا، حتى صارت خنزيرا فباعها من قوم من النصارى، فلما صاروا إلى بيوتهم عاد ضفدعا فلحقوا اليهودي وهو مع الأوزاعي، فلما قربوا منه، رأوا رأسه قد سقط، ففزعوا وولوا هاربين، وبقي الرأس يقول للأوزاعي‏:‏ يا أبا عمرو هل غابوا إلى أن بعدوا عنه، فصار الرأس في الجسد‏.‏ هذا ما حكاه ابن السبكي في رسالته ‏(‏‏(‏معيد النعم ومبيد النقم‏)‏‏)‏‏.‏

ومنفعة هذا العلم وغرضه ظاهران جدا، ولفظ سيميا عبراني معرب أصله سيم يه، ومعناه‏:‏ اسم الله، وأما المقالات السبع عشرة للحلاج فإنما هي على سبيل الرمز، وللشيخ ابن سينا أمور غريبة تنقل عنه في هذا العلم، وكذا للشيخ شهاب الدين السهروردي المقتول، انتهى‏.‏

وقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مؤلفاته أن الحلاج كان من الساحرين المشعبذين، ولم يكن من أولياء الله تعالى كما زعم جماعة من الصوفية، والله أعلم وعلمه أتم ‏(‏2/ 334‏)‏‏.‏

 باب الشين المعجمة

 علم الشامات والخيلان

هكذا في ‏(‏‏(‏كشف الظنون‏)‏‏)‏ ولم يزد على ذلك، قال في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ هو علم باحث عن أحوال العلامات المذكورة بحسب دلالتها على الأحوال الباطنة، والأخلاق الموجودة في الإنسان، بحسب الفطرة، وقد صنف فيه بعض الحكماء رسائل لكنها قليلة الوجود جدا انتهى‏.‏

علم شرح الحديث

هو‏:‏ من فروع الحديث اعتنى العلماء بجمع حديث الأربعين وشرحه، لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏(‏من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة كنت له شفيعا يوم القيامة‏)‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏من حمل عني من أمتي أربعين حديثا لقي الله عز وجل يوم القيامة فقيها عالما‏)‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏من تعلم أربعين حديثا ابتغاء وجه الله تعالى، ليعلم به أمتي في حلالهم وحرامهم حشره الله - سبحانه وتعالى - يوم القيامة عالما‏)‏‏.‏ انتهى ما في ‏(‏كشف الظنون‏)‏ ‏(‏2/ 336‏)‏‏.‏

أقول وهذا الحديث من جميع طرقه ضعيف عند محققي أهل الحديث، لا يعتمد عليه ولا يصير إليه إلا من لم يرسخ في علم الحديث قدمه‏.‏

وقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع، ولا يختص شرح الحديث بشرح أربعين حديثا، بل كل من شرح كتابا من كتب السنة المطهرة، وأتى بما ينبغي له، وقضى حقه، فقد شرح الحديث كما فعلنا في ‏(‏‏(‏مسك الختام شرح بلوغ المرام‏)‏‏)‏ و‏(‏‏(‏في عون الباري لحل أدلة البخاري‏)‏‏)‏، وكما فعل قبلنا جماعة من الأئمة الحفاظ يطول ذكرهم‏.‏

منها ‏(‏‏(‏فتح الباري شرح صحيح البخاري‏)‏‏)‏ للحافظ الإمام الحجة ابن حجر العسقلاني‏.‏

و‏(‏‏(‏نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار‏)‏‏)‏ لشيخنا المجتهد القاضي محمد بن علي الشوكاني رضي الله عنهما‏.‏

قال في ‏(‏‏(‏مدنية العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ علم شرح الحديث علم باحث عن مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحاديثه الشريفة، بحسب القواعد العربية، والأصول الشرعية، بقدر الطاقة البشرية، ونفعه وغايته بمكان لا يخفى على إنسان، والكتب المصنفة فيه أكثر من أن تحصى‏.‏

وأشهرها ‏(‏‏(‏شروح البخاري‏)‏‏)‏ للكرماني، والبرماوي، وابن الملقن، والعيني، والحافظ ابن حجر، والكوراني، والسيوطي، وغير ذلك، وشرح مسلم النووي، والسيوطي، وشروح المصابيح للخلخالي، والتوريشتي، ومظهر وزين العرب وغير ذلك‏.‏

ومن شروح المشارق المبارق، وشرح صاحب القاموس، وشرح أكمل الدين، وشرح ابن الملك، وغير ذلك، انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وقد استوفيت شروح الكتب الحديثة في كتابي ‏(‏‏(‏إتحاف النبلاء‏)‏‏)‏ تحت ذكر المتون فارجع إليه ‏(‏2/ 337‏)‏‏.‏

 علم الشرع

هو‏:‏ علم صدر عن الشرع، أو توقف عليه العلم الصادر عن الشرع توقف وجود كعلم الكلام، أو توقف كمال كعلم العربية والمنطق كذا قال أبو حجر المكي في شرح أربعين النووي‏.‏

ومن آلات هذا العلم‏:‏ علم الصرف، والنحو، واللغة، والمعاني، والبيان‏.‏

والعلم الشرعي عبارة عن التفسير والحديث‏.‏

وأما الفقه‏:‏ فهو من علوم الدنيا، والشرع ما شرعه الله تعالى لعباده من الأحكام التي جاء بها كتابه المنزل، ونبيه المرسل، الموحي إليه منه تعالى، سواء كانت متعلقة بكيفية عمل، وتسمى‏:‏ فرعية وعملية، ودون لها علم الفقه، أو بكيفية الاعتقاد وتسمى‏:‏ أصلية واعتقادية، ودون لها علم الكلام، ويسمى الشرع أيضاً‏:‏ بالدين والملة‏.‏

فإن تلك الأحكام من حيث أنها تطاع لها دين‏.‏

ومن حيث أنها تملي وتكتب ملة‏.‏

ومن حيث أنها مشروعة شرع، فالتفاوت بينها بحسب الاعتبار لا بالذات، إلا أن الشريعة والملة تضافان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلى الأمة فقط استعمالا، والدين يضاف إلى الله تعالى أيضاً‏.‏

وقد يعبر عنه بعبارة أخرى فيقال‏:‏ هو وضع إلهي يسوق ذوي العقول باختبارهم المحمود إلى الخير بالذات، وهو ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم‏.‏

فإن الوضع الإلهي هو‏:‏ الأحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء عليهم السلام‏.‏

وقد يخص الشرع بالأحكام العملية الفرعية وإليه يشعر ما في شرح العقائد النسفية‏.‏

العلم المتعلق بالأحكام الفرعية يسمى‏:‏ علم الشرائع والأحكام ‏(‏2/ 338‏)‏‏.‏

وبالأحكام الأصلية، يسمى‏:‏ علم التوحيد والصفات، انتهى‏.‏

وما في التوضيح من أن الحكم بمعنى خطاب الله تعالى على قسمين‏:‏ شرعي‏:‏ أي خطاب الله بما يتوقف على الشرع، ولا يدرك لولا خطاب الشارع، كوجوب الصلاة‏.‏

وغير شرعي‏:‏ أي خطابه تعالى بما لا يتوقف على الشرع، بل الشرع يتوقف عليه، كوجوب الإيمان بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، انتهى‏.‏

وما في شرح المواقف من أن الشرعي هو الذي يجزم العقل بإمكانه ثبوتا وانتفاء، ولا طريق للعقل إليه، ويقابله العقلي وهو ما ليس كذلك، انتهى‏.‏

وقد يطلق الشرع على القضاء، أي حكم القاضي‏.‏

ثم الشرعي كما يطلق على ما مر، كذلك يطلق على مقابل الحسي‏.‏

فالحسي‏:‏ ما له وجود حسي فقط‏.‏

والشرعي‏:‏ ما له وجود شرعي مع الوجود الحسي كالبيع، فإن له وجودا حسيا ومع هذا له وجود شرعي، فإن الشرع يحكم بأن الإيجاب والقبول الموجودين حسا، يرتبطان ارتباطاً حكمياً، فيحصل معنى شرعي يكون الملك أثرا له فذلك المعنى هو البيع، حتى إذا وجد الإيجاب والقبول في غير المحل لا يعتبره الشرع، كذا في ‏(‏‏(‏التوضيح‏)‏‏)‏ وفي ‏(‏‏(‏التلويح‏)‏‏)‏‏.‏

وقد يقال‏:‏ إن الفعل إن كان موضوعا في الشرع لحكم مطلوب فشرعي، وإلا فحسي، انتهى‏.‏

وقيل‏:‏ الشرع المذكور على لسان الفقهاء بيان الأحكام الشرعية‏.‏

والشريعة كل طريقة موضوعة بوضع إلهي ثابت من نبي من الأنبياء، ويطلق كثيرا على الأحكام الجزئية التي يتهذب بها المكلف معاشا ومعادا، سواء كانت منصوصة من الشارع أو راجعة إليه‏.‏

والشرع كالشريعة كل فعل أو ترك مخصوص من نبي من الأنبياء صريحا أو ‏(‏2/ 339‏)‏ دلالة، فإطلاقه على الأصول الكلية مجاز وإن كان بخلاف الملة، فإن إطلاقها على الفروع مجاز، وتطلق على الأصول حقيقة، كالإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه وغيرها، ولا يتطرق النسخ فيها ولا تختلف الأنبياء فيها‏.‏

والشرع عند أهل السنة ورد منشأ للأحكام‏.‏

وعند أهل الاعتزال ورد مجيزا لحكم العقل ومقررا له لا منشأ وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً‏)‏ قال ابن عباس‏:‏ الشرعة ما ورد به القرآن، والمنهاج ما ورد به السنة‏.‏

والشريعة هي‏:‏ الإئتمار بالتزام العبودية، وقيل‏:‏ هي الطريق في الدين، وحينئذ الشرع والشريعة مترادفان، كذا في ‏(‏‏(‏الجرجاني‏)‏‏)‏ وكذا في ‏(‏‏(‏كشاف اصطلاحات الفنون‏)‏‏)‏‏.‏

 علم الشروط والسجلات

هو‏:‏ علم باحث عن كيفية ثبت الأحكام الثابتة عند القاضي، في الكتب والسجلات على وجه يصح الاحتجاج به عند انقضاء شهود الحال‏.‏

وموضوعه‏:‏ تلك الأحكام من حيث الكتابة‏.‏

وبعض مباديه مأخوذ من الفقه، وبعضها من علم الإنشاء، وبعضها من الرسوم، والعادات، والأمور الاستحسانية‏.‏

وهو من فروع الفقه من حيث كون ترتيب معانيه موافقا لقوانين الشرع، وقد يجعل من فروع الأدب والإنشاء باعتبار تحسين الألفاظ‏.‏

وأول من صنف فيه هلال بن يحيى البصري الحنفي، المتوفى سنة خمس وأربعين ومائتين‏.‏

ولأبي زيد أحمد بن زيد الشروطي الحنفي فيه ثلاث كتب كبير وصغير ومتوسط، وليحيى بن بكر الحنفي مؤلف، ولأبي جعفر أحمد بن محمد الإمام ‏(‏2/ 340‏)‏ الطحاوي، المتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة مؤلف في أربعين جزءا، أوله ‏(‏أما بعد حمد الله عز وجل‏)‏، ولمحمد بن أفلاطون الرومي البرسوي الشهير بأفلاطون، المتوفى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وكان مقدما فيه، ذكر الجرجاني في ترجيح مذهب أبي حنيفة، أن الشروطي لم يسبقه أحد، وأجاب أبو منصور عبد القاهر ابن طاهر البغدادي في رده‏:‏ بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أول من أملى كتب العهود والمواثيق‏.‏

منها‏:‏ عهده لنصارى إبلة بخط علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، واستقصى محمد ابن جرير الطبري الشروط في كتاب على أصول الشافعي، وسرق أبو جعفر الطحاوي من كتابه ما أودعه كتابه، وأخبرهم أنه من نتيجة أهل الري، ثم جاء بعده شيخ الشروط والمواثيق أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي، فصنف في أدب القضاء والشروط والمواثيق‏.‏

وممن صنف في الشروط المزني أملى فيه كتابا جامعا، وأبو ثور وكتابه فيها مبسوط، وأبو علي الكرابيسي، وبين في تأليفه ما وقع في كتب أهل الري من الخلل في شروطهم، وداود بن علي الأصبهاني، وشرح في كتابه أصول الشافعي، وذكر ما عابه الأئمة على يحيى بن أكتم من الشروط، وابنه أبو بكر، وزاد على أبيه أبوابا وفصولا وقبله أبو عبد الرحمن الشافعي‏.‏

 علم الشعبذة

قد تقدم الكلام عليه في ذيل علم السحر‏.‏

قال في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ علم الشعبذة والتخيلات والأخذ بالعيون المخيلة لسرعة فعل صناعها برؤية الشيء على خلاف ما هو عليه‏.‏

والشعبذة‏:‏ وقد يقال‏:‏ الشعوذة، معرب شعبادة، وهي اسم رجل ينسب إليه هذا العلم‏.‏

وهو‏:‏ علم مبني على خفة اليد، بأن يرى الناس الأمر المكرر واحدا والواحد ‏(‏2/ 341‏)‏ مكرر بسرعة التحريك، ويرى الجماد حيا، ويخفي المحسوس عن أعين الناس بلا أخذ من عندهم باليد إلى غير ذلك من الأحوال التي تعارفها الناس بالآنية دون اللمية، وهذا ليس من السحر في شيء، لكن لشبهه به في رأي العين جعلناه من فروعه، انتهى‏.‏

 علم الشعر

لم يتكلم عليه في ‏(‏كشف الظنون‏)‏ سوى ذكر اسمه وسيأتي في باب القاف‏.‏

وفي المستطرف من كل فن مستطرف فصل في ذكر الشعر والشعراء وسرقاتهم، وكذا في محاضرات الأدباء وغيرهما من كتب الأدب‏.‏

والشعر بالكسر وسكون العين لغة الكلام الموزون المقفى كما في المنتخب‏.‏

وعند أهل العربية الكلام الذي قصد إلى وزنه وتقفيته قصدا، أوليا والمتكلم بهذا الكلام يسمى شاعرا‏.‏

فمن يقصد المعنى فيصدر عنه كلام موزون مقفى لا يكون شاعرا، وعلى هذا فلا يكون القرآن والحديث شعر العدم القصد إلى وزن اللفظ قصد أوليا، ويؤيد ما ذكرنا، أنك إذا تتبعت كلام الناس في الأسواق تجد فيه ما يكون موزونا واقعا في بحر من بحور الشعر، ولا يسمى المتكلم به شاعرا، ولا الكلام شعر العدم القصد إلى اللفظ أولا وبالجملة‏.‏

فالشعر ما قصد وزنه أولا بالذات، ثم يتكلم به مراعى جانب الوزن، فيتبعه المعنى فلا يرد ما يتوهم من أن الله تعالى لا تخفى عليه خافية، وفاعل بالاختيار، فالكلام الموزون الصادر عنه سبحانه معلوم له تعالى كونه موزونا وصادرا عن قصد واختيار، فلا معنى لنفي كون وزنه مقصودا، لأن الكلام الموزون وإن صدر عنه تعالى عن قصد واختيار ولكن لم يصدر عن قصد أولي هو ‏(‏2/ 342‏)‏ المراد ههنا فتأمل كذا ذكره الحلبي في حاشية شرح المواقف‏.‏

ولا بأس بالشعر إذا كان توحيدا أو حثا على مكارم الأخلاق من جهاد، وعبادة، وحفظ فرج، وغض بصر، وصلة رحم، وشبهها أو مدحا للنبي - صلى الله عليه وسلم - والصالحين بما هو الحق، وكان أبو بكر وعمر شاعرين، وكان علي أشعر الثلاثة، ولما نزل ‏{‏والشعراء يتبعهم الغاوون‏}‏ الآية، جاء حسان، وابن رواحة، وغيرهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان غالب شعرهم توحيدا وذكرا، فقالوا‏:‏ يا رسول الله، قد نزلت هذه الآية، والله يعلم إنا شعراء، فقال - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه وإن الذي ترمونهم به نضح النبل‏)‏ ذكره أحمد الرازي في تفسيره‏.‏

وقال البيضاوي تحت قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون‏}‏ لأن أكثر مقدماتهم خيالات لا حقيقة لها، وأغلب كلماتهم في النسيب بالحرم، وذكر صفات النساء والغزل، والابتهاء، وتمزيق الأعراض، في القدح في الأنساب، والوعد الكاذب، والافتخار الباطل، ومدح من لا يستحقه، والإطراء فيه‏.‏

ثم قال قوله‏:‏ ‏{‏إلا الذين آمنوا‏}‏ الآية استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله، ويكون أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله، والحث على طاعته، ولو قالوا‏:‏ اهجوا أرادوا به الانتصار ممن هجاهم مكافحة هجاة المسلمين، كابن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وكعب بن زهير، وكان عليه السلام يقول لحسان‏:‏ ‏(‏قل وروح القدس معك‏)‏‏.‏ انتهى‏.‏

ذكر أبو الحسن الأهوازي في كتاب القوافي أن الشعر عند العرب ينقسم إلى أربعة أقسام‏:‏

الأول‏:‏ القصيدة وهو الوافي الغير المجز، ولأنهم يصدوا به إثم ما يكون من ذلك الجنس‏.‏

الثاني‏:‏ الرمل وهو المجز و رباعيا كان أو سداسيا، لأنه اقصر عن الأول فشبه بالرمل في الطواف، وقد يسمى هذا أيضاً قصيدة ‏(‏2/ 343‏)‏‏.‏

والثالث‏:‏ الرجز وهو ما كان على ثلاثة أجزاء كمشطور الرجز، والسريع سمي بذلك لتقارب أجزائه، وقلة حروفه، تشبيها بالناقة التي في مشيها ضعف لداء يعتريها‏.‏

الرابع‏:‏ الخفيف وهو المنهوك، وأكثر ما جاء في ترقيص الصبيان، واستقاء الماء من الآبار، وإنما يدعى الرامل شاعرا إذا كان الغالب على شعره القصيدة، فإن كان الغالب عليه الرجز سمي راجزا، انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وللشعر أقسام كثيرة غير ما ذكر، يعرفها الشاعرون، وهي مدونة في كتب هذا الفن، وقد تقدم الكلام منا على ذلك في القسم الأول من هذا الكتاب، وإنما تعرضنا بالشعر في هذا المقام ضبطا لأطراف المعلوم‏.‏

والشعر عند المنطقيين هو القياس المركب من مقدمات يحصل للنفس منها القبض والبسط، ويسمى قياسا شعريا، كما إذا قيل‏:‏ الخمر ياقوتية سيالة تنبسط النفس، ولو قيل العسل مرة مهوعة تنقبض، والغرض منه، ترغيب النفس، وهذا معنى ما قيل هو قياس مؤلف من المخيلات‏.‏ والمخيلات تسمى‏:‏ قضايا شعرية، وصاحب القياس الشعري، يسمى‏:‏ شاعرا كذا في ‏(‏‏(‏شرح المطالع‏)‏‏)‏ وحاشية السيد علي إيساغوجي‏.‏

وشعراء العرب على طبقات‏.‏

جاهليون‏:‏ كامرئ القيس وطرفة وزهير‏.‏

ومخضرمون‏:‏ المخضرم من قال الشعر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام كلبيد وحسان‏.‏

ومتقدمون‏:‏ ويقال الإسلاميون، وهم الذين كانوا في صدر الإسلام كجرير والفرزدق‏.‏

ومولدون‏:‏ وهم من بعدهم كبشار‏.‏

ومحدثون‏:‏ وهم من بعدهم كأبي تمام والبحتري ‏(‏2/ 344‏)‏‏.‏

ومتأخرون‏:‏ كمن حدث بعدهم من شعراء الحجاز والعراق، ولا يستدل في استعمال الألفاظ بشعر هؤلاء بالاتفاق كما يستدل بالجاهلين والمخضرمين والإسلاميين بالاتفاق‏.‏

واختلف في المحدثين فقيل‏:‏ لا يستشهد بشعرهم مطلقا واختاره الزمخشري ومن حذا حذوه، وقيل لا يستهشد بشعرهم إلا بجعلهم بمنزلة الراوي فيما يعرف أنه لا مساغ فيه سوى الرواية، ولا مدخل فيه للدراية‏.‏

هذا خلاصة ما في الخفاجي وغيره من حواشي البيضاوي في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏(‏كلما أضاء لهم مشوا فيه‏)‏ كذا في ‏(‏‏(‏كشاف اصطلاحات الفنون‏)‏‏)‏ والكلام على فن الشعر وحسنه وقبحه والشعراء يطول جدا لا يسع له هذه المقام ‏(‏2/ 345‏)‏

 علم الشواذ

من فروع علم القراءة

 باب الصاد المهلمة

 علم الصرف

وهو‏:‏ علم يعرف منه أنواع المفردات الموضوعة بالوضع النوعي، ومدلولاتها، والهيئات الأصلية العامة للمفردات، والهيئات التغيرية، وكيفية تغيراتها عن هيئاتها الأصلية على الوجه الكلي بالمقايس الكلية كذا في الموضوعات‏.‏

وموضوعه‏:‏ الصيغ المخصوصة من الحيثية المذكورة‏.‏

وغرضه‏:‏ ملكة يعرف بها ما ذكر من الأحوال‏.‏

وغايته‏:‏ الاحتراز عن الخطأ من تلك الجهات‏.‏

ومباديه‏:‏ مقدمات مستنبطة من تتبع استعمال العرب‏.‏

وفي ‏(‏‏(‏كشاف اصطلاحات الفنون‏)‏‏)‏ علم الصرف، ويسمى بعلم التصريف أيضاً، وهو‏:‏ علم بأصول تعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب ولا بناء، هكذا قال ابن الحاجب‏.‏

والمراد من بناء الكلمة وكذا من صيغتها ووزنها هيئتها التي يمكن أن يشاركها فيها غيرها، وهي عدد حروفها المرتبة، وحركاتها المعينة وسكونها مع اعتبار حروفها الزائدة والأصلية كل في موضعه‏.‏

وموضوعه‏:‏ هو الكلمة من حيث أن لها بناء ولا محذور في البحث عن قيد الحيثية إذا كانت بيانا للموضوع فلا محذور في البحث عن الأبنية في هذا العلم ‏(‏2/ 346‏)‏، ويؤيد هذا ما ذكروه في تقسيم العلوم العربية من أن الصرف يبحث فيه عن المفردات من حيث صورها وهيئاتها، وكذا ما ذكر المحقق عبد الحكيم في حاشية شرح الجامي من أن التصريف، والمعاني، والبيان، والبديع، والنحو، بل جميع العلوم الأدبية تشترك في أن موضوعها الكلمة والكلام إنما الفرق بينها بالحيثيات، انتهى‏.‏

وفي شرح الشافية للجار بردي أن موضوعه الأبنية من حيث تعرض الأحوال لها والأبنية عبارة عن الحروف والحركات والسكنات الواقعة في الكلمة، فيبحث عن الحروف من حيث أنها ثلاثة أو أربعة أو خمسة، ومن حيث أنها زائدة أو أصلية، وكيف يعرف الزائد عن الأصلي وعن الحركات والسكنات من أنها خفيفة أو ثقيلة‏.‏

فيخرج عن هذا العلم معرفة الأبنية ويدخل فيه معرفة أحوالها لأن الصرف علم بقواعد تعرف بها أحوال الأبنية، أي الماضي والمضارع والأمر الحاضر إلى غير ذلك، فإن جميع ذلك أحوال راجعة إلى أحوال الأبنية لا إلى نفس الأبنية، انتهى‏.‏

فعلى هذا إضافة أحوال الأبنية ليست بيانية ويرد عليه أن الماضي ونحوه ليس بناء ولا حال بناء، بل هو شيء ذو بناء وأضعف منه ما وقع في بعض كتب الصرف، من أن موضوعه الأصول والقواعد‏.‏

ومباديه‏:‏ حدود ما تتبنى عليه مسائله كحد الكلمة والاسم والفعل والحرف، ومقدمات حججها أي أجزاء على المسائل كقولهم‏:‏ إنما يوقع الإعلال في الكلمة لإزالة الثقل منها‏.‏

ومسائله الأحكام المتعلقة بالموضوع، كقولهم‏:‏ الكلمة إما مجردة أو مزيدة أو جزئه، كقولهم‏:‏ ابتداء الكلمة لا يكون ساكنا أو جزئية، كقولهم‏:‏ الاسم إما ثلاثي، أو رباعي، أو خماسي، أو عرضه، كقولهم الإعلال إما بالقلب، أو الحذف، أو الإسكان‏.‏

وغايته‏:‏ غاية الجدوى حيث يحتاج إليه جميع العلوم العربية والشرعية كعلم ‏(‏2/ 347‏)‏ التفسير، والحديث، والفقه، والكلام، ولذا قيل أن الصرف أم العلوم والنحو أبوها‏.‏

قال الرضي‏:‏ إن التصريف جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من أهل الصيغة والتصريف على ما حكى سيبويه عنهم، هو أن تبني من الكلمة بناء لم تبنه العرب على وزن ما بنته، ثم تعمل في البناء الذي بنيته ما يقتضيه قياس كلامهم كما يتبين في مسائل التمرين والمتأخرون، على أن التصريف علم بأبنية الكلمة، وبما يكون لحروفها من أصالة، وزيادة، وحذف، وصحة، وإعلال، وإدغام، وإمالة، وبما يعرض لآخرها مما ليس بإعراب ولا بناء من الوقف وغير ذلك، انتهى‏.‏

فالصرف والتصريف عند المتأخرين مترادفان والتصريف على ما حكى سيبويه عنهم جزء من الصرف الذي هو جزء من أجزاء النحو، انتهى ما في ‏(‏‏(‏الكشاف‏)‏‏)‏ وقد أطال الكلام على قيود حد الصرف تركنا ذكره ههنا لقلة فائدته في هذا الكتاب‏.‏

قال في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ إن أول من دون علم الصرف أبو عثمان المازني البصري ومن شعره‏:‏

شيئان يعجز ذو الرياضة عنهما ** رأي النساء وإمرة الصبيان

أما النساء فإنهن عواهر ** وأخو الصبا يجري بغير عنان

وصنف في التصريف أبو الفتح بن جني مختصرا سماه ‏(‏‏(‏التصريف الملوكي‏)‏‏)‏، وصنف ابن مالك في ضروري التصريف مختصرا وشرحه ووسمه بالتعريف، من المتوسطات في هذا العلم كتاب ابن الحاجب المسمى ‏(‏‏(‏بالشافية‏)‏‏)‏، وأمثلها الممتع لابن عصفور علي بن مؤمن الإشبيلي، وشرح الشافية لأحمد بن حسن الجاربردي، ولرضي الدين الأسترآبادي، ولحسن بن محمد النيسابوري، المشهور بالنظام الأعرج ‏(‏2/ 348‏)‏ وشرحه ممزوج مشهور متداول‏.‏

ومما اشتهر في ديارنا مختصر مسمى ‏(‏‏(‏بالمقصد‏)‏‏)‏ وهو كتاب مبارك مشهور بأيدي الناس اليوم، وعليه شروح مفيدة مشهورة عند أبناء الزمان، ومختصر لعز الدين عبد الوهاب بن إبراهيم الزنجاني، وله التصريف المشهور بتصريف العزي، وعلى مختصره شروح أفضلها وأحسنها شرح السعد التفتازاني، والسيد الشريف الجرجاني‏.‏

ومن المختصرات‏:‏ ‏(‏‏(‏مراح الأرواح‏)‏‏)‏ لأحمد بن علي بن مسعود، وعليه شروح مفيدة يعرفها المتأدبون من الصبيان‏.‏

وأكثر المصنفات في علم النحو مذيلة بعلم التصريف، ومختصر النجاح مفيد في الغاية، لكنه غير مشهور، وهو لحسام الدين الصغنافي شارح الهداية ومختصر نزهة الطرف في علم الصرف للميداني، انتهى ملخصا‏.‏

وتركت ما ذكر من تراجم علماء الصرف تحت كل كتاب مذكور فإنه ليس من غرضنا في هذا الموضع‏.‏

قال في ‏(‏‏(‏كشف الظنون‏)‏‏)‏ ومن الكتب المصنفة في الصرف ‏(‏‏(‏أساس الصرف‏)‏‏)‏، ‏(‏‏(‏تصريف الأفعال‏)‏‏)‏، ‏(‏‏(‏جامع الصرف‏)‏‏)‏، ‏(‏‏(‏عنقود للزواهر‏)‏‏)‏، ‏(‏‏(‏قصارى لامية الأفعال مقصود‏)‏‏)‏، ‏(‏‏(‏مضبوط‏)‏‏)‏، ‏(‏‏(‏مطلوب‏)‏‏)‏، ‏(‏‏(‏منازل الأبنية نجاح هارون‏)‏‏)‏، انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ومنها ‏(‏‏(‏نقود الصرف‏)‏‏)‏ للشيخ المفتي ولي الله الفرخ آبادي، وفصول أكبري وشفاء الشافية للشيخ المولوي، عبد الباسط القنوجي وبنج كنج، وصرف مير للسيد الشريف الجرجاني - رحمه الله -‏.‏

ورسائل أخرى وهي كثيرة جداً متداولة بين الصبيان ومؤدبيهم وهي بالفارسية والعربية‏.‏

 علم صلاة الحاجات

الواردة في الأحاديث وهي كثيرة جدا أشهرها‏:‏

الضحى، والتهجد، وصلاة ‏(‏2/ 349‏)‏ التسبيح، وغير ذلك من نوافل الصلاة، وقد دونها الشيخ فخر الدين الرومي في كتاب ‏(‏‏(‏دعوات الليل والنهار‏)‏‏)‏ ويجده من يطلبه هكذا في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏، ولا حاجة تدعو إلى تسمية ذلك علما مستقلا، فإنه داخل تحت كتاب الصلوات من كتب الحديث الشريف وشرح السنة صرحوا بما صح من ذلك وما لم يصح‏.‏

وقد أكثر أهل البدع والضلالات في إيجاد الصلوات التي لا أصل لها في دين الإسلام، كصلاة الرغائب، وغيرها، وأشنعها الصلاة التي تصلى إلى بغداد لأجل الشيخ الأجل السيد عبد القادر الجيلاني - رحمه الله -، فهذه الصلاة وأمثالها مما تكون للعباد أشد كبا للناس في النار الحامية أعاذنا الله تعالى من الشرك والبدعة، ووفقنا لاتباع صرائح الكتاب والسنة‏.‏

 علم صور الكواكب

هكذا في ‏(‏‏(‏الكشف‏)‏‏)‏ ولم يزد عليه شيئا‏.‏

وقال في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ هو‏:‏ علم يتعرف منه الصور التي تخيلوها من اجتماع الكواكب الثابتة من تلك الصور، اثني عشر صورة تخيلوها على منطقة فلك البروج وسموا البروج الإثني عشر بأسماء تلك الصور، ومنها ثمانية وعشرون صورة هي منازل القمر، وضبطوا لهذه الصور مواضع ألف واثنين وعشرين كوكبا من الكواكب الثابتة، ولعبد الرحمن الصوفي كتاب نافع في هذا العلم، وكذا لمحيي الدين المولى‏.‏

 علم الصيدلية

من فروع علم الطب، وهو علم يبحث فيه عن تمييز المتشابهات من أشكال النباتات من حيث أنها صينية، أو هندية، أو رومية، وعن معرفة زمانها صيفية ‏(‏2/ 350‏)‏ أو خريفية، وعن تمييز جيدها عن الردي، وعن معرفة خواصها‏.‏

والغرض والفائدة منه ظاهران لمن تأمل‏.‏

والفرق بينه وبين علم النباتات‏:‏ أن علم الصيدلية باحث عن تمييز أحوالها أصالة، وعلم النباتات باحث عن خواصها أصالة والأول أشبه للعمل، والثاني أشبه للعلم، وكل منهما مشترك بالآخر كذا في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ وغيرها‏.‏

ومن الكتب الجديدة فيه‏:‏ كتاب ‏(‏‏(‏عمدة المطببين‏)‏‏)‏ المعروف بالأقراباذين للشيخ منصور أحمد أفندي، ترجمه من الفرنساوية وأفرغه في القوالب العربية، وطبع بمصر القاهرة في سنة 1283 للهجرية، في عهد إسماعيل باشا مصر، قال فيه‏:‏

علم الصيدلية أي‏:‏ علم الأقراباذين، علم يبحث فيه عن جمع وانتخاب الجواهر الدوائية، وتحضيرها، ومزجها، وتهيئتها للاستعمال الطبي، بقطع النظر عن الظواهر الكيماوية التي قد تظهر مدة هذه العمليات، انتهى‏.‏

وقد وقفت على هذا الكتاب ووجدته أنفس الكتب المؤلفة في هذا الباب ولله الحمد حمدا كثيرا‏.‏

 علم الصيفي والشتائي

من فروع التفسير، وموضوعه وغايته ومنفعته ظاهرة للناظرين‏.‏

قال الواحدي‏:‏ أنزل الله - سبحانه وتعالى - في الكلالة آيتين‏:‏ إحداهما وهي التي في أول النساء في الشتائي، والأخرى وهي التي في آخرها الصيفي، ومن الصيفي‏:‏ فأنزل في حجة الوداع كأول المائدة وقوله‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم‏}‏ ‏{‏واتقوا يوما ترجعون فيه‏}‏، وآية الدين، وسورة النصر، والآيات التي في غزوة الخندق ‏(‏2/ 351‏)‏‏.‏