فصل: علم آداب الأكل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم **


 علم آداب الأكل

وهل حل الطعام كسباً بعد حله في نفسه شرعاً، وغسل اليد قبل الطعام وبعده، ووضع الطعام على السفرة لأنه أقرب إلى التواضع، والجثو على الركبة عند الأكل، وأن ينوي عند الأكل أن يقوى على الطاعة، وأن يقنع بالحاضر، وأن يجتهد في تكثير الأيدي على الطعام، وأن يبدأ ببسم الله، ويختم بحمد الله، ويلعق أصابعه، ويلقط فتات الطعام، ولا يبتدي به قبل من يستحق التقديم لكبر سنه أو فضله، ولا يسكت بل يتكلم بالمعروف، وحكايات الصالحين في الأطعمة وغيرها وهذا العلم مدون في كتب علم الحديث، وذكره في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ وهكذا، وهو من العلوم المتعلقة بالعادات‏.‏

 علم آداب البحث

ويقال له علم المناظرة‏.‏

قال أبو الخير في‏:‏ ‏(‏‏(‏مفتاح السعادة‏)‏‏)‏‏:‏ هو علم يبحث فيه عن كيفية إيراد الكلام بين المناظرين وموضوعه‏:‏ الأدلة من حيث أنها يثبت بها المدعى على الغير، ومباديه أمور بينة بنفسها‏.‏

والغرض منه‏:‏ تحصيل ملكة طرق المناظرة لئلا يقع الخبط في البحث، فيتضح الصواب انتهى

وقد نقله من موضوعات لطفي بعبارته، ثم أورد بعض ما يذكر هاهنا من المؤلفات‏.‏ ‏(‏2/ 35‏)‏

قال ابن صدر الدين في‏:‏ ‏(‏‏(‏الفوائد الخاقانية‏)‏‏)‏‏:‏ وهذا العلم كالمنطق يخدم العلوم كلها، لأن البحث والمناظرة عبارة عن النظر من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهاراً للصواب لا إلزاماً للخصم، والمسائل العلمية تتزايد يوماً فيوماً بتلاحق الأفكار والأنظار، فلتفاوت مراتب الطبائع والأذهان لا يخلو علم من العلوم عن تصادم الآراء، وتباين الأفكار، وإدارة الكلام من الجانبين للجرح والتعديل، والرد والقبول، إلا أنه بشرائط معتبرة مشروط، وبرعاية الأصول منوط، وإلا لكان مكابرة غير مسموعة، فلا بد من قانون يعرف به مراتب البحث انتهى قوله‏.‏

وإلا لكان مكابرة أي، وإن لم يكن البحث لإظهار الصواب لكان مكابرة‏.‏

وفيه مؤلفات أكثرها مختصرات وشروح للمتأخرين‏.‏

منها‏:‏ ‏(‏‏(‏آداب شمس الدين السمرقندي‏)‏‏)‏ وهي أشهر كتب الفن، و ‏(‏‏(‏وآداب عضد الدين الأيجي‏)‏‏)‏، و ‏(‏‏(‏وآداب أحمد بن سليمان كمال باشا‏)‏‏)‏، و ‏(‏‏(‏وآداب أبي الخير أحمد بن مصطفى طاشكبري زاده‏)‏‏)‏ المتوفى سنة اثنتين وستين وتسعمائة وهو جامع لمهمات هذا الفن مفيد جداً إلى غير ذلك‏.‏

 علم آداب التوبة

وحقيقتها ترك الذنب في الحال، والعزم على ذلك في الاستقبال، والندم على ما مضى بتلافي ما فات‏.‏

وشرط صحتها في الماضي‏:‏ أن يتكامل في كل طاعة تركها، وفي كل معصية فعلها في ساعات عمره، فيتوب عنها إلى الله تعالى، بالندم والتحسر عليها، ويحسب عددها، ويعمل مكان كل سيئة حسنة ليمحوها بها، وكذا يتأمل في مظالم العباد، ويفعل مكان كل ظلم منها حسنة لصاحبها‏.‏

وآداب التوبة وشروطها وما يليها مشروحة في كتاب ‏(‏‏(‏الإحياء‏)‏‏)‏ للغزالي ‏(‏2/ 36‏)‏ وهذا العلم معدود في علوم الأخلاق المنجيات على ما ذكره في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏.‏

 علم آداب الحسبة

هي من جملة الواجبات، ولا بد وأن يكون المحتسب عالماً بمواقع الحسبة، وأن يكون ورعاً، حسن الخلق إذ العلم والورع لا يكفي في اللطف والرفق ما لم يكن لصاحبه حسن الخلق‏.‏

ومن آدابها‏:‏ تقليل العلائق حتى لا يكثر خوفه، ويقطع الطمع حتى تزول عنه المداهنة‏.‏

وهذا العلم من العلوم المتعلقة بالعادات، ذكره في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏، وقد تقدم الكلام عليه أيضاً في علم الاحتساب‏.‏

 علم آداب الدرس

وهو العلم المتعلق بآداب تتعلق بالتلميذ مع الأستاذ وعكسه، ومنفعته وغايته وغرضه ظاهرة جداً، وقد استوفى هذا الباب في كتاب تعليم المتعلم مؤلفه - رحمه الله‏.‏

 علم آداب كتابة المصحف

ذكره أبو الخير من فروع علم التفسير، وأنت تعلم أنه أشبه منه في كونه فرعاً لعلم الخط‏.‏

قال في‏:‏ ‏(‏‏(‏المدينة‏)‏‏)‏‏:‏ هو علم يتعرف منه كيفية كتابة المصحف ليكون موافقا للآداب المعتبرة في الشرع، والمستحسنة عند السلف‏.‏

وفائدته غير خافية على أرباب البصائر منها‏:‏ تحسين كتابته، وتبيينها، وإيضاحها، وتحقيق الخط، ويكره كتابته في الشيء الصغير، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى مصحفاً قد كتب بقلم دقيق ضرب كاتبه، وكان إذا رأى مصحفاً ‏(‏2/ 37‏)‏ عظيماً سر به‏.‏

وكان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يكره أن يتخذ المصاحف صغاراً‏.‏

قالت الشافعية‏:‏ وتكره كتابته على الحيطان والجدران وعلى السقوف أشد كراهية، لأنه يوطأ انتهى‏.‏

 علم آداب السفر

وهو نوعان ظاهر وباطن، ولكل منهما آداب‏.‏

أما الظاهر‏:‏ فهو أن ينوي به طلب العلم أو العبادة، أو يكون للهرب من مشوش في الدين، أو في البدن كالمرض، أو في المال كالغلا، فإذا أراد بدأ برد المظالم والديوان والودائع وأعد النفقة له ولعياله من الحلال، ثم يختار رفيقاً يعينه على الدين، وأن يستودع الله أهله وعياله، ويصلي قبل السفر صلاة الاستخارة، ثم يصلي في بيته أربع ركعات إذا شد عليه ثياب سفره، ويخرج يوم الخميس، ولا ينزل حتى يحمى النهار، ولا يمشي متفرداً عن القافلة، ويرفق بالدابة راكباً، ولا يحملها ما لا تطيق ولا يضرب في وجهها، ويستصحب ستة أشياء السجنجل والساك والمكحلة والمشط والركوة والمقراض، ويزيد ما شاء مما يحتاج إليه ويقدر عليه‏.‏

وإذا قدم لا يطرق أهله ليلا بل يخبرهم قبل دخول البيت، ويدخل أولا المسجد فيصلي، ثم يدخل البيت، ويحمل لأهل بيته وأقاربه تحفاً من مطعوم أو ملبوس أو غير ذلك، بذلك وردت السنة المطهرة‏.‏

وأما الباطن‏:‏ فهو أن لا يسافر إلا لزيادة أمر ديني، ويستفيد في كل بلدة من مشائخها أدباً، أو كلمة ينتفع بها، لا ليحكي ذلك عنهم فقط، ويقيم بكل بلدة بقدر الحاجة لا أكثر من ذلك، ولا يجالس فيها إلا العلماء أو الصلحاء الصادقين المتبعين للكتاب والسنة، ويلازم في الطريق الذكر وقراءة القرآن وشغل العلم والكتابة والعمل الصالح، وإذا تيسر خدمة قوم صالحين فبها ونعمت، وإن لم يحصل في السفر زيادة في الدين فليرجع إذ لو كان بحق لظهر أثره‏.‏ ‏(‏2/ 38‏)‏

 علم آداب السماع والوجد

حرمه الإمام أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم من المشائخ المعتد بهم في أمور الدين، والآثار فيه كثيرة‏.‏

ومن الصوفية من أباحه ولا بأس به فقد دلت السنة الصحيحة على ذلك بشرط أن لا يؤدي إلى المنكر في الشرع، وقد حقق المقام الإمام الهمام شيخنا العلامة المجتهد محمد بن علي الشوكاني في كتابه ‏(‏‏(‏نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار‏)‏‏)‏ وهو المعتمد‏.‏

وأما الصوفية فقالوا‏:‏ إن له مراتب سماع صوت طيب وهو‏:‏ إما موزون أو غيره‏.‏

ثم الموزون إما مفهوم أو غيره فهذه درجات‏.‏

والصوت الطيب لا حرمة فيه بل هو حلال، كصوت البلابل ونغمة العنادل، ولا يتفاوت ذلك بصدوره عن حيوان أو عن حنجر إنسان‏.‏

والموزون من حيث أنه موزون غير محرم، إذ قد أنشد الشعر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يكون الحرمة فيه إلا بحسب مفهومه‏.‏

وإن كان محرماً فيحرم سواء كان موزوناً أو غير موزون، وإلا فلا يحرم، ولذا ورد الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح‏.‏

وإذا عرفت كون الشعر الحسن مباحاً فاعلم أن الكلام الموزون والصوت الطيب يحرك القلب سروراً وانقباضاً ونشاطاً، وغماً وذلك مركوز في طبع الإنسان، حتى الصبيان في المهد، بل في طبع الحيوان أيضاً، كما يحكى من ميل الجمال إلى الأصوات الطيبة والحداء، وإذا كان كذلك لم يجز أن يحكم مطلقاً بإباحته وحرمته، بل يختلف ذلك باختلاف وأحوال القلب‏(‏2/39‏)‏

قال أبو سليمان‏:‏ السماع لا يجعل في القلب ما ليس فيه بل يحرك ما هو فيه، وذكر في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ سبعة مواضع للغناء ليس ذكرها مراداً لنا في هذا الموضع‏.‏

علم آداب الصحبة والمعاشرة مع أصناف الخلق

ولا بد أن يكون الغرض من الصحبة النفع الديني، كاستفادة العلم والعمل، وكاستفادة العز والجاه، تحصناً به عن أذى من يشوش القلب، وكاستفادة المال للاكتفاء به عن إضاعة الأوقات في طلب الأقوات، وكالاستعانة في المهمات، فيكون عدة في المصائب وقوة في الأهوال والنوائب، وكالتبرك بمجرد الدعاء، وكانتظار الشفاعة في الآخرة‏.‏

ومن حقوق الصحبة‏:‏ الاشتراك في المال مع عقد الأخوة والإعانة في قضاء الحاجات، والسكوت عن ذكر عيوبه في حضرته وغيبته، وذكر مناقبه في الغيب، والعفو عن الزلات والهفوات، والدعاء للأخ في حياته وبعد مماته، والوفاء والإخلاص في المعاملة، وترك التكليف في الصحبة‏.‏

وهذا العلم من فروع علوم العادات على ما ذكره في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏.‏

 علم آداب العزلة

ولها فضائل وآفات وآداب

أما الفضائل فست‏.‏

أولها‏:‏ الفراغ للعبادات، والاستيناس بمناجاة رب الأرباب عن مناجاة المخلوقات، والاستكشاف بأسرار الله تعالى في أمر الدنيا والآخرة وملكوت السماء والأرض‏.‏

وثانيها‏:‏ التخلص بالعزلة عن المعاصي التي لا يسلم منها الإنسان عند الصحبة إلا نادراً‏.‏

ثالثها‏:‏ الخلاص من الفتن والخصومات، وصيانة الدين والنفس‏.‏ ‏(‏2/ 40‏)‏

رابعها‏:‏ الخلاص من شر الناس من الغيبة له، وسوء الظن به، والتهمة عليه، والاقتراحات، والأطماع الكاذبة التي يعد الوفاء بها‏.‏

خامسها‏:‏ انقطاع طمع الناس عنه وانقطاع طمعه عنهم‏.‏

سادسها‏:‏ الخلاص من مشاهدة الثقلاء السفهاء ومقاساة أخلاقهم‏.‏

وأما الآفات‏:‏ فأولها فوات التعليم والتعلم، وهما أعظم العبادات‏.‏

ثانيها‏:‏ فوات النفع والانتفاع، لأن كلا منهما بالمخالطة‏.‏

ثالثها‏:‏ فوات التأدب والتأديب بكسر النفس، وقهر الشهوات، بتحمل أذى الناس‏.‏

رابعها‏:‏ فوات الاستيناس والإيناس بالصلحاء الأتقياء‏.‏

خامسها‏:‏ فوات نيل الثواب وإنالته‏.‏

أما النيل‏:‏ فبحضور الجمعة والجماعات والجنائز وعيادة المرضى، وحضور العيدين‏.‏

وأما الإنالة‏:‏ فهي سد باب التعزية والتهنية والعيادة والزيارة، إن كان عالماً تقياً‏.‏

ففي هذه الصورة ينبغي أن يوازن ثواب هذه بآفاتها، ويرجح ما ترجح‏.‏

سادسها‏:‏ فوت التجارب إذ العقل الغريزي غير كاف بها‏.‏

وأما آدابها‏:‏ فهي أن ينوي بعزلته كف شره عن الناس أولاً، ثم طلب السلامة من الأشرار‏.‏

ثانياً‏:‏ ثم الخلاص من آفات الاختلاط‏.‏

ثالثاً‏:‏ التجرد بكنه الهمة لعبادة الله‏.‏

رابعاً‏:‏ ثم المواظبة في الخلوة على العلم والعمل والفكر والذكر، والخلاص عن استماع أخبار الناس وأراجيف البلد اللذين يشوشان القلب لا سيما في الصلاة، وهذا العلم ذكره في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ في العلوم المتعلقة بالعادات‏.‏

 علم آداب الكسب والمعاش

وهي أن لا يغابن صاحبه فيما يتغابن فيه، وأن يحتمل الغبن إن اشترى من ضعيف أو فقير ‏(‏2/ 41‏)‏‏.‏ وأن يسامح في طلب الثمن، وأن يحط فيه وأن لا يتقاضى المديون، وأن يحتمل أذى الدائن، وأن يقيل من يستقيله، وأن يعلم مراتب الحلال والحرام والشبهات‏.‏

أما مراتب الحرام فأربع

إحداها‏:‏ ورع العدول، وهو أن يترك ما يحرمه فتاوى الفقهاء‏.‏

وثانيتها‏:‏ ورع الصالحين، وهو الامتناع عما يتطرق إليه احتمال التحريم‏.‏

وثالثتها‏:‏ أن يترك ما لا بأس به مخافة أن يقع فيما فيه بأس‏.‏

ورابعتها‏:‏ ورع الصديقين، وهو ترك ما لا بأس به أصلاً ولكن يخاف أن يكون لغير الله أولاً على نية التقوى وعبادة الله، أو يتطرق إلى أسبابه المسهلة له كراهية أو معصية‏.‏

وأما مراتب الشبهات‏:‏ فمعرفتها موقوفة على معرفة مراتب الحرام، وقد مر ذكرها، وعلى معرفة مراتب الحلال‏.‏

وهي أن الحلال المطلق ما لا تتطرق إليه أسباب التحريم والكراهة ويقابله الحرام المحض، وهذان العرفان ظاهران ليس فيهما شبهة، وهو قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏‏(‏الحلال بين والحرام بين‏)‏‏)‏‏.‏

وإنما مثار الشبهة خمسة‏:‏

الأول‏:‏ الشك في السبب المحلل والمحرم، فهذه أربعة أقسام

الأول‏:‏ أن يعلم المحلل قبل، ويقع الشك في التحريم‏.‏

والثاني‏:‏ أن يعرف الحل من قبل، ويشك في التحريم‏.‏

الثالث‏:‏ أن يكون الأصل التحريم وطرأ عليه سبب التحليل‏.‏

الرابع‏:‏ أن يكون الحل معلوماً ولكن يغلب على الظن طريان محرم بسبب معتبر في غلبة الظن شرعاً‏.‏

والمثار الثاني‏:‏ الشبهة شك منشأ الاختلاط بين الحلال والحرام‏.‏

والمثار الثالث‏:‏ المشبهة أن يتصل بالسبب المحلل معصية‏.‏

المثار الرابعة‏:‏ للشبهة الاختلاط في الأدلة، وهذا كالاختلاط في السبب ‏(‏2/ 42‏)‏، ثم إنه إذا وقع الحرام في ذمة أحد فإن وجد مالكه يدفعه إليه وإلا يرده وارثه، وإن كان صاحب الحق غائباً ينتظر إليه، وإن انقطع الرجاء عنه ولم يكن له وارث أو كان المال لم يمكن رده لكثرة الملاك،كالغلول في مال الغنيمة فحكم هذا المال أن يتصدق به، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهديت له شاة مصلية فكلمته الشاة بأنها حرام قال ‏(‏‏(‏أطعموها الأسارى‏)‏‏)‏، وكذلك ورد في ذلك الأثر عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين إلى يوم الدين‏.‏

 علم آداب النبوة

ولا بد من معرفتها ليفتدى بها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم‏}‏، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - دائماً يسأل من الله - سبحانه وتعالى - أن يزين بمكارم الأخلاق والآداب، وكان يقول - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏‏(‏بعثت لأتمم مكارم الأخلاق‏.‏

وعن عائشة أنها سئلت عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت‏:‏ ‏(‏‏(‏كان خلقه القرآن‏)‏‏)‏، وبهذا أظهر أن من أراد أن يتخلق بأخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - فعليه أن يتخلق بما في القرآن من الأخلاق‏.‏

وأحسن الكتب المؤلفة في ذلك ‏(‏‏(‏زاد المعاد من هدي خير العباد‏)‏‏)‏ للحافظ ابن القيم - رحمه الله -، وكتاب ‏(‏‏(‏سفر السعادة‏)‏‏)‏ للمجد الفيروز أبادي، فإنهما جمعا كل أدب وعادة وسيرة كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - في كل باب من أبواب الدين والدنيا وهما عمودا الإسلام وقاعدتا الدين، لم يؤلف في الإسلام قبلهما مثلهما، ولا يساويهما كتاب في هذا العلم يعرف ذلك من رسخت قدمه في علم السنة المطهرة‏.‏

 علم آداب النكاح

وهي حسن الخلق مع المنكوحة وليس هو كف الأذى بل احتمال الأذى، وأن يلاعب ويمازح معهن، لأنها تطيب قلب النساء‏.‏ ‏(‏2/ 43‏)‏

وأن لا ينبسط بالدعابة إلى درجة يسقط هيبته‏.‏

وأن يعتدل في الغيرة وفي النفقة‏.‏

وأن يعلم زوجته أحكام الطهارة والصلاة‏.‏

وأن يعدل بين نسوته، ولا يميل إلى بعضهن، ذكره في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ من أنواع العلوم المتعلقة بالعبادات‏.‏

 علم آداب الملوك

هو معرفة الأخلاق والملكات التي يجب أن يتحلى بها الملوك لتنتظم دولتهم، وسيأتي تفصيله في علم السياسة‏.‏

وفيه كتاب الشيج القاضي الفاضل علي بن محمد الشوكاني سماه‏:‏ ‏(‏‏(‏الدرر الفاخرة الشاملة على سعادة الدنيا والآخرة‏)‏‏)‏‏.‏

قال في‏:‏ ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ علم آداب الملوك هي أحوال رسمها الأمراء والملوك بالتجارب والحدس والرأي، مما ينبغي أن يفعله أو يجتنبه‏.‏

وكتاب ‏(‏‏(‏نصيحة الملوك‏)‏‏)‏ للإمام الغزالي نافع في هذا الباب‏.‏

ومن الكتب المصنفة فيه ‏(‏‏(‏سراج الملوك‏)‏‏)‏ للإمام أبي بكر بن الوليد بن محمد القرشي الفهدي الأندلسي الطرطوسي نسبة إلى طرطوسة - بضم المهملتين - بالأندلس في آخر بلاد المسلمين، و ‏(‏‏(‏سلوان المطاع في عدوان‏)‏‏)‏ لابن ظفر انتهى‏.‏

وقد طبع هذا الأخير بمصر القاهرة في هذا الزمان، وانتشر خبره في الجوائب‏.‏

 علم آداب الوزراء

ذكره أبو الخير من فروع الحكمة العملية، وهو مندرج في علم السياسة، فلا حاجة إلى إفرازه، وإن كان فيه تأليف مستقل كـ ‏(‏‏(‏الإشارة‏)‏‏)‏ وأمثاله‏.‏

وفي ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ هو علم يتعرف منه آداب الوزارة، من كيفية صحبة ‏(‏2/ 44‏)‏ السلاطين، ونصحية الرعايا، وأن يذكر السلطان ما نسيه، ويعينه على أمره بالخير، ويردعه عما قصده من الجور، وكتاب ‏(‏‏(‏الإشارة إلى آداب الوزارة‏)‏‏)‏ نافع في هذا الباب، وفي كتاب ‏(‏‏(‏نصيحة الملوك وسراج الملوك‏)‏‏)‏ ما يكفي انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وفي كتاب ‏(‏‏(‏الدرر الفاخرة المشتملة على سعادة الدنيا والآخرة‏)‏‏)‏ للشيخ العلامة العالم الرباني القاضي علي بن محمد الشوكاني فصول تتعلق بآداب الوزارة، أتى فيه بما يقضي حق المقام، وقد وقفت عليه وانتفعت به في كتابي ‏(‏‏(‏إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة‏)‏‏)‏ وبالله التوفيق‏.‏

 علم الأدب

هو علم يحترز به عن الخطأ في كلام العرب لفظاً وخطاً‏.‏

قال أبو الخير‏:‏ اعلم أن فائدة التخاطب والمحاورات في إفادة العلوم واستفادتها لما لم تتبين للطالبين إلا بالألفاظ وأحوالها، كان ضبط أحوالها مما اعتنى به العلماء، فاستخرجوا من أحوالها علوماً انقسم أنواعها إلى اثني عشر قسماً وسموها ‏(‏‏(‏بالعلوم الأدبية‏)‏‏)‏ لتوقف أدب الدرس عليها بالذات، وأدب النفس بالواسطة، وبالعلوم العربية أيضاً، لبحثهم عن الألفاظ العربية فقط، لوقوع شريعتنا التي هي أحسن الشرائع وأفضلها أو أعلاها وأولاها على أفضل اللغات وأكملها ذوقاً ووجداناً انتهى‏.‏

واختلفوا في أقسامه فذكر ابن الأنباري في بعض تصانيفه أنها ثمانية‏.‏

وقسم الزمخشري في ‏(‏‏(‏القسطاس‏)‏‏)‏ إلى اثني عشر قسماً كما أورده العلامة الجرجاني في ‏(‏‏(‏شرح المفتاح‏)‏‏)‏‏.‏

وذكر القاضي زكريا في ‏(‏‏(‏حاشية البيضاوي‏)‏‏)‏ أنها أربعة عشر، وعد منها‏:‏ علم ‏(‏2/ 45‏)‏ القرآن قال‏:‏ وقد جمعت حدودها في مصنف سميته ‏(‏‏(‏اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم‏)‏‏)‏ لكن يرد عليه أن موضوع العلوم الأدبية كلام العرب، وموضوع القراءات كلام الله - سبحانه وتعالى -‏.‏

ثم إن السيد والسعد تنازعا في الاشتقاق هل هو مستقل كما يقوله السيد، أو من تتمة علم الصرف كما يقوله السعد‏.‏

وجعل السيد البديع من تتمة البيان والحق ما قاله السيد في الاشتقاق لتغاير الموضوع بالحيثية المعتبرة، وللعلامة الحفيد مناقشته في التعريف والتقسيم أوردها في موضوعاته حيث قال‏:‏

وأما علم الأدب‏:‏ فعلم يحترز به عن الخلل في كلام العرب لفظاً، أو كتابة، وههنا بحثان‏.‏

الأول‏:‏ أن كلام العرب بظاهره لا يتناول القرآن وبعلم الأدب يحترز عن خلله أيضاً إلا أن يقال المراد بكلام العرب بكلام يتكلم العرب على أسلوبه‏.‏

الثاني‏:‏ أن السيد - رحمه الله - تعالى قال‏:‏ لعلم الأدب أصول وفروع‏.‏

أما الأصول فالبحث فيها إما عن المفردات من حيث جواهرها وموادها وهيئاتها فعلم اللغة، أو من حيث صورها وهيئاتها فقط فعلم الصرف، ومن حيث انتساب بعضها ببعض الأصالة والفرعية فعلم الاشتقاق، وأما عن المركبات على الإطلاق‏.‏

فأما باعتبار هيئاتها التركيبية وتأديتها لمعانيها الأصلية فعلم النحو‏.‏

وأما باعتبار إفادتها لمعان مغايرة لأصل المعنى فعلم المعاني‏.‏

وأما باعتبار كيفية تلك الإفادة في مراتب الوضوح فعلم البيان، وعلم البديع ذيل لعلمي المعاني والبيان داخل تحتهما، وليس علماً برأسه، وأما عن المركبات الموزونة فأما من حيث وزنها فعلم العروض‏.‏

أو من حيث أواخرها فعلم القوافي‏.‏ ‏(‏2/ 46‏)‏

وأما الفروع‏:‏ فالبحث فيها إما أن يتعلق بنقوش الكتابة فعلم الخط، أو يختص بالمنظوم فالعلم المسمى بقرض الشعر، أو بالنثر فعلم الإنشاء من الرسائل، أو من الخطب ولا يختص بشيء فعلم المحاضرات، ومنه التواريخ‏.‏

قال الحفيد‏:‏ هذا منظور فيه فأورد النظر بثمانية أوجه‏.‏

حاصلها أنه يدخل بعض العلوم في المقسم دون الأقسام ويخرج بعضها منه مع أنه مذكور فيه، وإن جعل التاريخ واللغة علماً مدوناً لمشكل إذ ليسا بمسائل كلية، وجواب الأخير مذكور فيه، ويمكن الجواب عن الجميع أيضاً بعد التأمل الصادق‏.‏

وفي ‏(‏‏(‏إرشاد القاصد‏)‏‏)‏ للشيخ شمس الدين الأكفاني السخاوي‏:‏ الأدب وهو علم يتعرف منه التفاهم عما في الضمائر بأدلة الألفاظ والكتابة‏.‏

وموضعه‏:‏ اللفظ والخط من جهة دلالتها على المعاني‏.‏

ومنفعته‏:‏ إظهار ما في نفس الإنسان من المقاصد وإيصاله إلى شخص آخر من النوع الإنساني حاضراً كان أو غائباً، وهو حلية اللسان والبنان، وبه تميز ظاهر الإنسان على سائر أنواع الحيوان‏.‏

وتنحصر مقاصده في عشرة علوم وهي‏:‏ علم اللغة، وعلم التصريف، وعلم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع، وعلم العروض، وعلم القوافي، وعلم النحو، وعلم قوانين الكتابة، وعلم قوانين القراءة، وذلك لأن نظره إما في اللفظ أو الخط‏.‏

والأول‏:‏ فإما في اللفظ المفرد أو المركب أو ما يعمهما‏.‏

وما نظره في المفرد‏:‏ فاعتماده إما على السماع وهو اللغة، أو على الحجة وهو التصريف‏.‏

وما نظره في المركب‏:‏ فإما مطلقاً أو مختصاً بوزن‏.‏

والأول‏:‏ إن تعلق بخواص تراكيب الكلام وأحكامه الإسنادية فعلم المعاني، وإلا فعلم البيان‏.‏

والمختص بالوزن‏:‏ فنظره إما في الصورة، أو في المادة‏.‏

الثاني‏:‏ علم البديع‏.‏ ‏(‏2/ 47‏)‏

والأول‏:‏ إن كان بمجرد الوزن فهو علم العروض، وإلا فعلم القوافي، وما يعم المفرد والمركب فهو علم النحو‏.‏

والثاني‏:‏ فإن تعلق بصور الحروف فهو علم قوانين الكتابة‏.‏

وإن تعلق بالعلامات فعلم قوانين القراءة، وهذه العلوم لا تختص بالعربية بل توجد في سائر لغات الأمم الفاضلة من اليونان وغيرهم‏.‏

واعلم أن هذه العلوم في العربية لم تؤخذ عن العرب قاطبة بل عن الفصحاء البلغاء منهم، وهم الذين لم يخالطوا غيرهم، كهذيل، وكنانة بعض تميم، وقيس، وغيلان، ومن يضاهيهم من عرب الحجاز، وأوساط نجد‏.‏

فأما الذين أصابوا العجم في الأطراف فلم تعتبر لغاتهم وأحوالها في أصول هذه العلوم، وهؤلاء كحمير، وهمدان، وخولان، والأزد، لمقاربتهم الحبشة، والزنج، وطي، وغسان، لمخالطتهم الروم، والشام، وعبد القيس، لمجاورتهم أهل الجزيرة، وفارس، ثم أتى ذوو العقول السليمة والأذهان المستقيمة ورتبوا أصولها، وهذبوا فصولها، حتى تقررت على غاية لا يمكن المزيد عليها انتهى ما في ‏(‏‏(‏كشاف واصطلاحات الفنون‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن جني‏:‏ المولدون يستشهد بهم في المعاني كما يستشهد بالقدماء في الألفاظ‏.‏

قال ابن رشيق‏:‏ ما ذكره صحيح لأن المعاني اتسعت باتساع الناس في الدنيا وانتشار العرب بالإسلام في أقطار الأرض، فإنهم حضروا الحواضر، وتفننوا في المطاعم والملابس، وعرفوا بالعيان ما دلتهم عليه بداهة عقولهم من فضل التشبيه وغيره انتهى‏.‏

 علم الأدعية والأوراد

هو علم يبحث فيه عن الأدعية المأثورة والأوراد المشهورة بتصحيحهما، وضبطهما، وتصحيح روايتهما، وبيان خواصهما، وعدد تكرارهما، وأوقات قراءتهما، وشرائطهما‏.‏ ‏(‏2/ 48‏)‏

ومباديه‏:‏ مبينة في العلوم الشرعية‏.‏

والغرض منه‏:‏ معرفة تلك الأدعية والأوراد على الوجه المذكور لينال باستعمالهما الفوائد الدينية والدنيوية، كذا في ‏(‏‏(‏مفتاح السعادة‏)‏‏)‏‏.‏

وجعله من فروع علم الحديث بعلة استمداده من كتب الأحاديث

والكتب المؤلفة فيه كثيرة جداً منها‏:‏ ‏(‏‏(‏حصن الحصين‏)‏‏)‏، و‏(‏‏(‏الأذكار‏)‏‏)‏ للنووي الذي يقال فيه‏:‏ بع الدار واشتر الأذكار، ومنها ‏(‏‏(‏الحزب الأعظم‏)‏‏)‏ لعلي القاري‏.‏

قال في‏:‏ ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ وكتب الشيخ عبد الرحمن الإنطاكي نافعة في هذا الباب انتهى‏.‏

ولم أقف على هذه الكتب، ومن كتبه ‏(‏‏(‏سلاح المؤمن‏)‏‏)‏ و ‏(‏‏(‏فرنده‏)‏‏)‏ و ‏(‏‏(‏الحزب المقبول‏)‏‏)‏ للشيخ عبد الجبار الناكبوري المهاجر، المتوفى بمكة المكرمة في سنة 1294 الهجرية‏.‏

وأحسن هذه الكتب ما كان فيه الروايات الصحيحة الثابتة من السنة المطهرة بلا نزاع‏.‏

ومنها‏:‏ ‏(‏‏(‏شرح عدة الحصن الحصين‏)‏‏)‏ لشيخنا الإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني رضي الله تعالى عنه وأرضاه‏.‏

 علم أدوات الخط

سيأتي تحقيقه في علم الخط إن شاء الله تعالى، هكذا في ‏(‏‏(‏كشف الظنون‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الأرنيقي في‏:‏ ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ هو علم أدوات الخط من الأقلام، وطريق استعلام جيدها من رديها، وطريق برئها، وأحوال الفتح والنحت والشق والقط من الدوات، وكيفية إلاقتها، ومن أنواع المداد، وكيفية صنعتها وإصلاحها، ومن أنواع الكاغذ، ومعرفة جيدها من رديها، وطريق إصلاحها، وغير ذلك من أدوات الكتابة‏.‏

ومن المصنفات فيه ‏(‏‏(‏القصيدة الرائية البليغة‏)‏‏)‏ لعلي بن هلال بن البواب البغدادي وهو الذي لم يوجد في المتقدمين ولا في المتأخرين من كتب مثله ولا قاربه، ‏(‏2/ 49‏)‏ وإن كان أبو علي بن مقلة أول من نقل هذه الطريقة من خط الكوفيين وأبرزها في هذه الصورة، لكن ابن البواب هذب طريقته ونقحها وكساها الحلاوة، وكان شيخه في الكتابة ابن أسد الكاتب البزار البغدادي توفي ابن بواب سنة 423 أو سنة 410 ببغداد، ودفن جوار الإمام أحمد بن حنبل، ورسالة لطيفة لأبي الدر ياقوت ابن عبد الله المستعصمي، كان من مماليك الخليفة، كتب الخط البديع وجوده، توفي سنة 498‏.‏

ومن المصنفات فيه الباب الواحد من ‏(‏‏(‏كتاب صبح الأعشا في كتاب الإنشا‏)‏‏)‏ لأبي العباس أحمد القلقشندي، ثم المصري، أورد في الباب المذكور ما يتعلق بالخط وأجاد فيه كل الإجادة، ونقل أكثره عن ياقوت المستعصمي انتهى حاصله‏.‏

 علم الأدوار والأكوار

ذكره أبو الخير من فروع علم الهيئة، وقال‏:‏ والدور يطلق في اصطلاحهم على ثلاثمائة وستين سنة شمسية، والكور على مائة وعشرين سنة قمرية، ويبحث في العلم المذكور عن تبديل الأحوال الجارية في كل دور وكور‏.‏

وقال‏:‏ هذا من فروع علم النجوم كما هو ظاهر عند أهله مع أنه لم يذكره في بابه، ومثله في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏.‏

 علم الأرتماطيقي

هوعلم يبحث فيه عن خواص العدد من حيث التأليف، إما على التوالي أو بالتضعيف، مثل أن الأعداد إذا توالت متفاضلة بعدد واحد فإن جمع الطرفين منها مساوٍ لجمع كل عددين بعدهما من الطرفين بعد واحد‏.‏

ومثل ضعف الواسطتان كانت عدة تلك الأعداد فرداً مثل الإفراد على تواليها والأزواج على تواليها‏.‏

ومثل أن الأعداد إذا توالت على نسبة واحدة بكون أولها نصف ثانيها وثانيها نصف ثالثها الخ، أو بكون أولها ثلث ثانيها وثانيها ثلث ثالثها الخ، فإن ‏(‏2/ 50‏)‏ ضرب الطرفين أحدهما في الآخر، كضرب كل عددين بعدهما من الطرفين بعد واحد أحدهما في الآخر‏.‏

ومثل مربع الواسطتان كانت العدة فرداً وذلك مثل أعداد زوج المتوالية من اثنين، فأربعة، فثمانية، فستة عشرة‏.‏

ومثل ما يحدث من الخواص العددية في وضع المثلثات العددية والمربعات، والمخمسات، والمسدسات، إذا وضعت متتالية في سطروها، بأن يجمع من الواحد إلى العدد الأخير فتكون مثلثة، وتتوالى المثلثات هكذا في سطر تحت الأضلاع، ثم تزيد على كل مثلث ثلث الضلع الذي قبله فتكون مربعة، وتزيد على كل مربع مثلث الضلع الذي قبله فتكون مخمسة، وهلم جرا، وتتوالى الأشكال على توالي الأضلاع، ويحدث جدول ذو طول وعرض، ففي عرضه الأعداد على تواليها، ثم المثلثات على تواليها، ثم المربعات، ثم المخمسات الخ‏.‏

وفي طوله كل عدد وأشكاله بالغاً ما بلغ، وتحدث في جميعها وقسمة بعضها على بعض طولاً وعرضاً خواص غريبة، استقريت منها وتقررت في دواوينهم مسائلها وكذلك ما يحدث للزوج والفرد وزوج الزوج والفرد، فإن لكل منها خواص مختصة به تضمنها هذا الفن، وليست في غيره، وهذا الفن أول أجزاء التعاليم وأثبتها، ويدخل في براهين الحساب‏.‏

وللحكماء المتقدمين والمتأخرين فيه تآليف، وأكثرهم يدرجونه في التعاليم ولا يفردونه بالتأليف، فعل ذلك ابن سينا في كتابه ‏(‏‏(‏الشفاء والنجاة‏)‏‏)‏، وغيره من المتقدمين‏.‏

وأما المتأخرون فهو عندهم مهجور، إذ هو غير متداول، منفعته في البراهين لا في الحساب، فهجروه لذلك بعد أن استخلصوا زبدته في البراهين الحسابية، كما فعله ابن البناء في كتاب ‏(‏‏(‏رفع الحجاب‏)‏‏)‏ والله أعلم‏.‏

قال في‏:‏ ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏:‏ علم الأرتماطيقي ويسمى علم العدد علم، يتعرف منه أنواع العدد، وأحوالها، وكيفية تولد بعضها من بعض‏.‏ ‏(‏2/ 51‏)‏

وموضوعه‏:‏ الأعداد من جهة خواصها ولوازمها‏.‏

ومن الكتب المختصرة فيه ‏(‏‏(‏سقط الزند في علم العدد‏)‏‏)‏‏.‏

ومن المتوسطة ‏(‏‏(‏كتاب الأرتماطيقي من أبواب الشفاء‏)‏‏)‏‏.‏

ومن المبسوطة كتاب ‏(‏‏(‏نيقوماخس‏)‏‏)‏ والد أرسطو‏.‏

ومنفعة هذا العلم‏:‏ ارتياض النفس بالنظر في المجردات عن المادة ولواحقها، ولذلك كانت القدماء يقدمونه في التعليم على سائر العلوم حتى المنطق، ولأنه مثال العالم في صدوره عن واجب مجرد خارج عنه، كما أن الأعداد نشأت عن الواحد وليس بعدد انتهى‏.‏

 علم الأزياج

من فروع علم الهيئة، وهي صناعة حسابية على قوانين عددية فيما يخص كل كوكب، من طريق حركته وما أدى إليه برهان الهيئة في وضعه، من سرعة، وبطؤ، واستقامة، ورجوع، وغير ذلك يعرف به مواضع الكواكب في أفلاكها لأي وقت فرض من قبل حسبان حركاتها على تلك القوانين المستخرجة من كتب الهيئة، ولهذه الصناعة قوانين، كالمقدمات، والأصول لها في معرفة الشهور، والأيام، والتواريخ الماضية، وأصول متقررة من معرفة الأوج والحضيض، والميول وأصناف الحركات، واستخراج بعضها من بعض، يضعونها في جداول مرتبة تسهيلاً على المتعلمين وتسمى الأزياج

ويسمى استخراج مواضع الكواكب للوقت المفروض لهذه الصناعة تعديلاً وتقويماً، وللناس فيه تآليف كثيرة من المتقدمين والمتأخرين مثل البناني، وابن الكماد‏.‏ ‏(‏2/ 52‏)‏

وقد عول المتأخرون لهذا العهد بالمغرب على زيج منسوب لابن إسحاق من منجمي تونس في أول المائة السابعة، ويزعمون أن ابن إسحاق عول فيه على الرصد وأن يهودياً كان بصقلبة ماهراً في الهيئة والتعاليم، وكان قد عنى بالرصد، وكان يبعث إليه بما يقع في ذلك من أحوال الكواكب وحركاتها، فكان أهل المغرب عنوا به لوثاقه مبناه على ما يزعمون، ولخصه ابن البناء في جزء سماه ‏(‏‏(‏المنهاج‏)‏‏)‏ فولع به الناس لما سهل من الأعمال فيه، وإنما يحتاج إلى مواضع الكواكب من الفلك لتبتنى عليها الأحكام النجومية وهي معرفة الآثار التي تحدث عنها بأوضاعها في عالم الإنسان من الملك والدول والمواليد البشرية، والله الموفق لما يحبه ويرضاه لا معبود سواه‏.‏

 علم الأسارير

هو علم باحث عن الاستدلال بالخطوط الموجودة في كف الإنسان وقدمه وجبهته بحسب التقاطع والتباين، والطول والعرض والقصر، وسعة الفرجة الكائنة بينها وضيقها على أحواله، كطول عمره وقصره، وسعادته وشقاوته، وغنائه وفقره‏.‏

وممن تمهر في هذا الفن العرب والهنود غالباً، وفيه تصنيف لبعضهم لكن جعله ذيلاً للفراسة، كذا في ‏(‏‏(‏مفتاح السعادة‏)‏‏)‏‏.‏

وعبارة ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ وقد توجد في هذا العلم مصنفات وكثيراً ما توجد ذيلاً لكتب علم القرآن، قال الأعشى - رحمه الله - ‏(‏2/ 53‏)‏

فانظر إلى كفي وأسرارها ** هل أنت أن وعدتني ضائري

 علم أسباب النزول

من فروع علم التفسير، هو علم يبحث فيه عن نزول سورة أو آية، ووقتها، ومكانها، وغير ذلك، ومباديه مقدمات مشهورة منقولة عن السلف‏.‏

والغرض منه‏:‏ ضبط تلك الأمور‏.‏

وفائدته‏:‏ معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم وتخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب وأن اللفظ قد يكون عاماً، ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عرف السبب قصد التخصيص على ما عداه‏.‏

ومن فوائده‏:‏ فهم معنى القرآن، واستنباط الأحكام، إذ ربما لا يمكن معرفة تفسير الآية بدون الوقوف على سبب نزولها مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأينما تولوا فثم وجه الله‏}‏، وهو يقتضي عدم وجوب استقبال القبلة، وهو خلاف الإجماع، ولا يعلم ذلك إلا بأن نزولها في نافلة السفر، وفيمن صلى بالتحري، ولا يحل القول فيه إلا بالرواية والسماع ممن شهد التنزيل، كما قال الواحدي‏.‏

ويشترط في سبب النزول أن يكون نزولها أيام وقوع الحادثة وإلا كان ذلك من باب الإخبار عن الوقائع الماضية، كقصة الفيل، كذا في ‏(‏‏(‏مفتاح السعادة‏)‏‏)‏‏.‏

ومن الكتب المؤلفة فيه ‏(‏‏(‏أسباب النزول‏)‏‏)‏ لشيخ المحدثين علي بن المديني، وهو أول من صنف فيه، ولابن مطرف الأندلسي في مائة جزء وترجمته بالفارسية لأبي النصر سيف الدين أحمد الاسبرتكسيني، ولمحمد بن أسعد العراقي، وللشيخ أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المفسر، وهو أشهر ما صنف فيه، وقد اختصره برهان الدين الجعبري فحذف أسانيده، ولم يزد عليه شيئاً‏.‏ ‏(‏2/ 54‏)‏

ولابن الجوزي البغدادي، وللحافظ ابن حجر العسقلاني - ولم يبيض - للسيوطي أيضاً سماه‏:‏ ‏(‏‏(‏لباب النقول‏)‏‏)‏ وهو كتاب حافل‏.‏

وقد تكلمنا على أسباب النزول في رسالتنا ‏(‏‏(‏أكسير في أصول التفسير‏)‏‏)‏، فارجع إليه فإنه ينفعك نفعاً عظيماً‏.‏

 علم أسباب ورود الأحاديث وأزمنته وأمكنته

وموضوعه ظاهر من اسمه، ومنفعته ظاهرة لا تخفى على أحد، ذكره أبو الخير من فروع علم الحديث، وفيه مصنفات كثيرة لا تحصى‏.‏

 علم الاستعانة بخواص الأدوية والمفردات

كاجتذاب المغناطيس للحديد ونحو ذلك، وفيه حكاية وهي‏:‏ وقوف صليب من حديد في الهواء في داخل حجرة، موضوعة في جدرانها الأربعة مغناطيس متساوية المقادير وافتنان النصارى به، وهذا العلم من حيث كونه أثراً للخواص يسمى‏:‏ بعلم الخواص، ومن حيث كونه محيرا للناظرين لعدم وقوفهم بأسبابها يعد من فروع علم السحر، كذا في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏ وذكره أبو الخير أيضاً من فروع علم السحر‏.‏

وقال‏:‏ هذا وإن كان من فروع خواص الأدوية، لكن لعدم معرفة العوام سببه ربما يعد من السحر، وأنت تعلم‏:‏ أن عدم علمهم لا يصلح سبباً لأن يعد من فروعه‏.‏

 علم استعمال الألفاظ

هو من فروع علم البيان؛ وهو علم يُبحث فيه عن استعمالات الألفاظ، في المعاني التشبيهية والكنائية، بطريق الإستعارة والمجاز؛ وهذا الفن في علم البيان بطريق الكلية، وفي هذا الفن بطريق الجزئية‏.‏ ‏(‏2/ 55‏)‏

ومباديه‏:‏ استقرائية‏.‏

وموضوعه، وغرضه، وغايته، لا تخفى على الفطن المتأمل، وللأصمعي، و أبي عبيدة في هذا الفن أيضاً كتب كثيرة، كذا في ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏‏.‏

 علم استنباط المعادن والمياه

أي معادن الذهب والفضة، وهو علم يبحث فيه عن تعيين محل المعدن والمياه، إذ المعدنيات لا بد لها من علامات تعرف بها عروقها في الجبال والأرض، ومباديه، وآلاته، قريبة من علم الريافة، وهو من فروع علم الفراسة‏.‏

 علم استنزال الأرواح واستحضارها في قوالب الأشباح

هو من فروع علم السحر‏.‏

واعلم أن تسخير الجن أو الملك من غير تجسدهما وحضورهما عندك يسمى ‏(‏‏(‏علم العزائم‏)‏‏)‏، بشرط تحصيل مقاصدك بواسطتهما‏.‏

وأما حضور الجن عندك وتجسدها في حسك فيسمى ‏(‏‏(‏علم الاستحضار‏)‏‏)‏، ولا يشترط تحصيل مقاصدك بها‏.‏

وأما استحضار الملك‏.‏

فإن كان سماوياً، فتجسده لا يمكن إلا للأنبياء‏.‏

وإن كان أرضياً ففيه الخلاف، والأصح عدم جواز ذلك لغير الأنبياء مطلقاً، كذا في ‏(‏‏(‏مفتاح السعادة‏)‏‏)‏ و ‏(‏‏(‏مدينة العلوم‏)‏‏)‏، ومن الكتب المصنفة فيه كتاب ‏(‏‏(‏ذات الدوائر‏)‏‏)‏، وغيره‏.‏

علم أسرار الحروف

وهو المسمى لهذا العهد بـ ‏(‏‏(‏السيمياء‏)‏‏)‏، يأتي في حرف السين‏.‏ ‏(‏2/ 56‏)‏

 علم أسرار الطهارة

ولها أربع مراتب‏.‏

أولها‏:‏ طهارة الظاهر عن الحدث والخبث على ما بين في الشرع المطهر‏.‏

وثانيتها‏:‏ تطهير الجوارح عن الآثام، لأن الإثم بالنظر إلى القلب كالخبث بالنسبة إلى البدن‏.‏

وثالثتها‏:‏ تطهير القلب عن ذمائم الأخلاق، لأنها بالنسبة إلى الروح كالآثام بالنسبة إلى القلب‏.‏

ورابعتها‏:‏ تطهير السر عما سوى الله تعالى، لأن الالتفات إلى غير الله تعالى بالنسبة إلى السر بمنزلة ذمائم الأخلاق بالنسبة إلى الروح، وهذه طهارة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصديقين‏.‏

 علم أسرار الصلاة

ولها مرتبتان‏:‏ إحداهما ما لا تتحقق الصلاة بدونها وهي التي ينظر الفقيه إليها‏.‏

وثانيتهما‏:‏ ما تكمل به الصلاة وتحسن، وهي النظر في الشروط الباطنة من أعمال القلب كالخشوع، وحضور القلب وكالتعظيم، وهذا غير الخشوع، إذ كم من حاضر القلب متوجه إليه ليس فيه تعظيم، لأنه إنما يتولد من معرفة جلال الله تعالى وعظمته، ومعرفة حقارة النفس وكونها مسخرة لربها، وكالهيبة وهي أمر زائد على التعظيم، منشأها خوف يصدر عن الإجلال، وكالرجاء، وسببه معرفة لطف الله وكرمه وعميم إنعامه ولطائف صنعه، ومعرفة صدقه في وعده الجنة للمصلي، وكالحياء، وسببه استشعار التقصير في العبادات، وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله - سبحانه وتعالى -‏.‏

 علم أسرار الزكاة

ولها آداب ثمانية‏.‏ ‏(‏2/ 57‏)‏

الأول‏:‏ أن يفهم أن الغرض من الزكاة الامتحان بأن لا يكون له محبوب سوى الواحد الحق، وله مراتب‏.‏

أولها‏:‏ الذين نزلوا عن جميع أموالهم كما فعله الصديق‏.‏

وثانيتها‏:‏ الذين يدخرون على قدر الحاجة، ويصرفون الفاضل في وجوه البر‏.‏

وثالثتها‏:‏ الذين يقتصرون على أداء الواجب، وهذه أولى المراتب، ولهذه المرتبة فوائد‏.‏

الأولى‏:‏ تطهير المال عن الأوساخ‏.‏

الثانية‏:‏ تطهير النفس عن صفة البخل‏.‏

والثالثة‏:‏ شكر النعمة المالية‏.‏

الأدب الثاني‏:‏ التعجيل عند حلول الوقت إظهاراً للرغبة في الامتثال، وتعجيلاً لمسرة قلوب الفقراء

الأدب الثالث‏:‏ الإسرار، فإن ذلك أبعد من السمعة والرياء‏.‏

الأدب الرابع‏:‏ أن يقصد اقتداء الناس عند الإظهار، ويتحفظ من الرياء مهما قدر، اللهم إلا أن يتأذى الفقير بهتك سره‏.‏

الأدب الخامس‏:‏ أن لا يفسد صدقته بالمن والأذى‏.‏

والأدب السادس‏:‏ أن يستصغر العطية وإلا دخله العجب‏.‏

الأدب السابع‏:‏ أن ينتقي من ماله أجوده وأحبه إليه، وأطيبه، وأحله‏.‏

الأدب الثامن‏:‏ أن يطلب لصدقته الأتقياء

وهم ستة‏:‏ المتجردون للآخرة، والعلماء إذا صحت نياتهم في العلم، والصادق في تقواه، والفقراء الساترون لفقرهم، وأهل العائلة المحبوسون بمرض أو دين، والأقارب ذوي الأرحام‏.‏

 علم أسرار الصوم

وله ثلاث مراتب‏.‏

أولها صوم العموم، وهو كف الفرج والبطن عن قضاء الشهوة‏.‏ ‏(‏2/ 58‏)‏

ثانيتها‏:‏ صوم الخصوص، وهو كف الجوارح عن الآثام‏.‏

وثالثها‏:‏ صوم أخص الخصوص، وهو غض البصر عن المحارم، والمكاره، وعما يلهي عن ذكر الله، وحفظ اللسان عن الكذب، والغيبة، والنميمة، والفحش، والجفاء، والخصومة، وكف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه، وكف بقية الجوارح عن المكاره، وكف البطن عن الشبهات، وأن لا يستكثر من الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلي بطنه، وأن يكون قلبه بعد الإفطار متعلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء إذ، لا يدري أنه يقبل صومه، فيكون من المقربين، أو يرد فيكون من الممقوتين‏.‏

 علم أسرار الحج

وأعماله الظاهرة مبينة في الشرع المطهر، وهي عشرة‏.‏

أولها‏:‏ أن تكون النفقة حلالاً‏.‏

ثانيها‏:‏أن لا يعاون أعداء الله بتسليم المكوس إلى العمال الظلمة المترصدين في الطرق، ويتلطف في حيلة الخلاص‏.‏

ثالثها‏:‏ التوسع في الزاد، وطيبة النفس بالإنفاق‏.‏

رابعها‏:‏ ترك الرفث والفسوق والجدال‏.‏

خامسها‏:‏ الركوب أو المشي إن قدر وله بكل خطوة حسنة‏.‏

سادسها‏:‏ الاجتناب عن المحامل فإنه من زي المترفين‏.‏

سابعها‏:‏ عدم الميل إلى التفاخر والتكاثر، بل يكون أشعث أغبر‏.‏

ثامنها‏:‏ الرفق بالهدي فلا يحمله ما لا يطيق‏.‏

تاسعها‏:‏ التقرب بإراقة دم وإن لم يكن واجباً عليه‏.‏

عاشرها‏:‏ طيب النفس بما أنفقه من نفقة وهدي‏.‏

وأما أعماله الباطنة‏:‏ فأولها أن يعرف أن الكمال إنما هو في التجرد عما سوى الله، وذلك في الحج لأن فيه التجرد عن الأهل والعيال، وفيه اختيار الغربة عن الأقارب والعشائر، وترك الترفه في المآكل والملابس والمراكب والمساكن‏.‏ ‏(‏2/ 59‏)‏

وثانيهاً‏:‏ الشوق إلى زيارة بيته ليستحق بذلك إلى مشاهدة جمال صاحبه بمقتضى الوعد الكريم‏.‏

ثالثهاً‏:‏ إخلاص النية في أفعال الحج كلها بأن يكون المقصود بها التقرب إلى الله‏.‏

رابعها‏:‏ أن يقصد به الانقطاع عن محارم الله تعالى لا عن الأهل والمال فقط‏.‏

خامسها‏:‏ أن يتوجه بقلبه إلى الله تعالى كما يتوجه بقالبه إلى بيته‏.‏

سادسها‏:‏ أن يعرف أن زاد الآخرة هو التقوى، ويتزود به كما يتزود للحج، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏}‏‏.‏

سابعها‏:‏ تذكر الكفن عند لبس الإحرام لأن كلاً منهما غير مخيط‏.‏

ثامنها‏:‏ تذكر الخروج من القبر عن الخروج من البلد، إذ لا يدري في كل منهما مآل أمره‏.‏

تاسعها‏:‏ أن يتذكر الوقوف في المحشر عند الدخول في البادية، إذ لا يأمن في كل منهما المخاوف والأهوال‏.‏

عاشرها‏:‏ أن يتذكر عند الدخول في الحرم رجاء الأمن من عقاب الله مع خوفه من أن يكون من أهل الرد، وأن يتذكر عند مشاهدة البيت مشاهدة رب العزة وعظمته‏.‏

الحادي عشر‏:‏ أن يتذكر عند طواف البيت الملائكة الحافين حول العرش، ويعرف أن المقصود طواف القلب بفكر رب البيت‏.‏

والثاني عشر‏:‏ أن يعتقد عند الاستلام المبايعة مع الرب العزم على الوفاء بها ليأمن المقر‏.‏

الثالث عشر‏:‏ أن يتذكر عند السعي تردده في فناء العبودية بين كفتي الميزان مترددا بين العذاب والغفران‏.‏

الرابع عشر‏:‏ أن يتذكر عند الوقوف بعرفات وقوفه في العرصات مع الصديقين والأولياء، ويرجو المغفرة من رب العالمين، كما يرجو أهل العرصات شفاعة الأنبياء والمرسلين‏.‏ ‏(‏2/ 60‏)‏

والخامس عشر‏:‏ أن يقصد برمي الجمار إظهار العبودية من غير حظ للعقل والنفس، إذ الشيطان قد يلقي في قلبه أن هذا أيضاً اللعب، ففيه امتثال الأمر للرحمن، وإرغام لأنف الشيطان‏.‏

السادس عشر‏:‏أن يتذكر عند الذبح أن يعتق بكل جزء منه جزءاً من بدنه من النار‏.‏

السابع عشر‏:‏ أن يتذكر فضل المدينة المنورة عند وقوع البصر على حيطان مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجدران البلدة المباركة، فإن فيها تربة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتربة وزيريه، وفي بقيعها قبور أصحابه المهاجرين وغيرهم، وهم أفضل خلق الله تعالى، وزيارتهم تورث بركات الدنيا وسعادة الآخرة‏.‏

الثامن عشر‏:‏ أن يعرف أن السفر إلى مسجده صلى الله عليه وآله وسلم له فضل عظيم، وزيارته - صلى الله عليه وسلم - بعد موته كزيارته حياً‏.‏

التاسع عشر‏:‏ أن يحضر بالبال عند الفراغ من هذه الأعمال أنه بين خطر الرد وبشارة القبول، لأنه لا يعرف أن حجه قبل وهو من زمرة المحبوبين، أو رد وهو من المطرودين‏.‏

العشرون‏:‏ أن يمتحن قلبه عند قدومه إلى بلده، أنه قد ازداد تجافيا عن دار الغرور إلى دار الأنس بالله تعالى، أو زاد القرار في دار الغرور، ويزن أعماله، فإن من كان من الشق الأول فذاك دليل على القبول، وإن كان ونعوذ بالله منه من قبيل الثاني فليس حظه من هذه الأفعال إلا التعب والعنا، نعوذ بالله من الحرمان، والإنسلاك في حزب الشيطان‏.‏

 علم إسطرلاب

وهو بالسين على ما ضبطه بعض أهل الوقوف، وقد تبدل السين صاداً، لأنه في جوار الطاء، وهو أكثر وأشهر، ولذلك أوردناه في حرف الصاد‏.‏ ‏(‏2/ 61‏)‏

 علم الأسماء الحسنى

وأسرارها وخواص تأثيراتها، قال البوني‏:‏ ينال بها كل مطلوب، ويتوصل بها إلى كل مرغوب‏.‏

وبملازمتها تظهر الثمرات، وصرائح الكشف، والاطلاع على أسرار المغيبات،

وأما إفادة الدنيا، فالقبول عند أهلها والهيبة والتعظيم والبركات في الأرزاق، والرجوع إلى كلمته، وامتثال الأمر منه، وخرس الألسنة عن جوابه إلا بخير إلى غير ذلك من الآثار الظاهرة بإذن الله تعالى في المعنى والصور، وهذا سر عظيم من العلوم لا ينكر شرعاً، ولا عقلاً، انتهى، وسيأتي في علم الحروف‏.‏

 علم أسماء الرجال

يعني رجال الأحاديث، فإن العلم بها نصف علم الحديث، كما صرح به العراقي في ‏(‏‏(‏شرح الألفية‏)‏‏)‏ عن علي بن المديني فإنه سند ومتن‏.‏

والسند‏:‏ عبارة عن الرواة، فمعرفة أحوالها نصف علم الحديث على ما لا يخفى، والكتب المصنفة فيه على أنواع‏.‏

منها‏:‏ المؤتلف، والمختلف لجماعته، كالدارقطني، والخطيب البغدادي، وابن ماكولا، وابن نقطة، ومن المتأخرين الذهبي، والمزني، وابن حجر، وغيرهم‏.‏

ومنها‏:‏ الأسماء المجردة عن الألقاب والكنى معاً، صنف فيه الإمام مسلم، وعلي بن المديني، والنسائي، وأبو بشر الدولابي، وابن عبد البر، لكن أحسنها ترتيباً كتاب الإمام أبي عبد الله الحاكم، وللذهبي ‏(‏‏(‏المقتنى في سرد الكنى‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏2/ 62‏)‏

ومنها‏:‏ الألقاب صنف فيه أبو بكر الشيرازي، وأبو الفضل الفلكي، سماه ‏(‏‏(‏منتهى الكمال‏)‏‏)‏، وابن الجوزي‏.‏

ومنها‏:‏ المتشابه صنف فيه الخطيب كتاباً سماه ‏(‏‏(‏تلخيص المتشابه‏)‏‏)‏، ثم ذيله بما فاته‏.‏

ومنها‏:‏ الأسماء المجردة عن الألقاب والكنى، صنف فيه أيضاً غير واحد، فمنهم من جمع التراجم مطلقاً كابن سعد في ‏(‏‏(‏الطبقات‏)‏‏)‏، وابن أبي حيثمة أحمد بن زهير، والإمام أبي عبد الله البخاري في تاريخهما، ومنهم من جمع الثقات، كابن حبان، وابن شاهين‏.‏

ومنهم من جمع رجال الضعفاء، كابن عدي، ومنهم من جمع كليهما جرحاً وتعديلاً‏.‏

ومنهم من جمع رجال البخاري وغيره من أصحاب الكتب الستة والسنن على ما بين في هذا المحل، وقد ذكرنا كتب أسماء الرجال على ترتيب حروف الهجاء في كتابنا ‏(‏‏(‏اتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين‏)‏‏)‏‏.‏

 علم الإسناد

ويسمى بـ ‏(‏‏(‏أصول الحديث‏)‏‏)‏ أيضاً؛ وهو‏:‏ علم بأصول تعرف بها أحوال حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث‏:‏ صحة النقل، وضعفه، والتحمل، والأداء؛ كذا في ‏(‏‏(‏الجواهر‏)‏‏)‏، وفي ‏(‏‏(‏شرح النخبة‏)‏‏)‏‏.‏

وهو‏:‏ علم يبحث فيه عن صحة الحديث، وضعفه، ليعمل به أو يترك، من حيث‏:‏ صفات الرجال، وصيغ الأداء‏.‏ انتهى‏.‏

قال في ‏(‏‏(‏كشاف اصطلاحات الفنون‏)‏‏)‏‏:‏ فموضوعه الحديث بالحيثية المذكورة‏.‏ انتهى‏.‏

 علم الاشتقاق

هو علم باحث عن كيفية خروج الكلم بعضها عن بعض، بسبب مناسبة ‏(‏2/ 63‏)‏ بين المخرج والمخارج بالأصالة والفرعية بين الكلم، لكن لا بحسب الجوهرية، بل بحسب الهيئة‏.‏

مثلاُ يبحث في الاشتقاق عن مناسبة نهق ونعق بحسب المادة‏.‏

وموضوعه‏:‏ المفردات من الحيثية المذكورة‏.‏

ومباديه‏:‏ كثير منها‏:‏ قواعد ومخارج الحروف‏.‏

ومسائله‏:‏ القواعد التي يعرف منها أن الأصالة والفرعية بين المفردات بأي طريق يكون، وبأي وجه يعلم، ودلائله مستنبطة من قواعد علم المخرج وتتبع ألفاظ العرب واستعمالاتها‏.‏

والغرض منه‏:‏ تحصيل ملكة يعرف بها الانتساب على وجه الصواب‏.‏

وغايته‏:‏ الاحتراز عن الخلل في الانتساب الذي يوجب الخلل في ألفاظ العرب‏.‏

وأعلم أن مدلول الجواهر بخصوصها يعرف من اللغة، وانتساب البعض إلى البعض على وجه كلي‏.‏

إن كان في الجوهر، فالاشتقاق‏.‏

وإن كان في الهيئة، فالصرف، فظهر الفرق بين العلوم الثلاثة، وإن الاشتقاق واسطة بينهما، ولهذا استحسنوا تقديمه على الصرف، وتأخيره عن اللغة في التعليم‏.‏

ثم إنه كثيراً ما يذكرني في كتب التصريف، وقلما يدون مفرداً عنه، إما لقلة قواعده، أو لاشتراكهما في المبادئ، حتى أن هذا من جملة البواعث على اتحادهما، والاتحاد في التدوين لا يستلزم الاتحاد في نفس الأمر‏.‏

قال صاحب ‏(‏‏(‏الفوائد الخاقانية‏)‏‏)‏‏:‏ اعلم أن الاشتقاق يؤخذ تارة باعتبار العلم، وتارة باعتبار العمل‏.‏

وتحقيقه‏:‏ أن الضارب مثلاً يوافق الضرب في الحروف، والأصول، والمعنى، بناء على أن التواضع عين بإزاء المعنى حروفاً، وفرع منها ألفاظ كثيرة بإزاء المعاني المتفرعة على ما يقتضيه رعاية التناسب، فالاشتقاق هو هذا التفريع والأخذ‏.‏ ‏(‏2/ 64‏)‏

فتحديده بحسب العلم بهذا التفريع الصادر عن الوضع، وهو أن تجد بين اللفظين تناسباً في المعنى والتركيب، فتعرف رد أحدهما إلى الآخر وأخذه منه‏.‏

وإن اعتبرناه من حيث احتياج أحد إلى عمله عرفناه باعتبار العمل، فتقول‏:‏ هو أن تأخذه من أصل فرعاً يوافقه في الحروف والأصول، وتجعله دالاً على معنى يوافق معناه انتهى‏.‏

والحق أن اعتبار العمل زائد غير محتاج إليه، وإنما المطلوب العلم باشتقاق الموضوعات، إذ الوضع قد حصل وانقضى على أن المشتقات مرويات عن أهل اللسان، ولعل ذلك الاعتبار لتوجيه التعريف المنقول عن بعض المحققين‏.‏

ثم إن المعتبر فيهما الموافقة في الحروف الأصلية ولو تقديراً، إذ الحروف الزائدة في الاستفعال والافتعال لا تمنع، وفي المعنى أيضاً إما بزيادة أو نقصان، فلو اتحدا في الأصول وترتيبها كضرب من الضرب، فالاشتقاق صغيراً، أو توافقاً في الحروف دون التركيب، كجبذ من الجذب فهو كبيراً، ولو توافقا في أكثر الحروف مع التناسب في الباقي كنعق من النهق فهو أكبر‏.‏

وقال الإمام الرازي‏:‏ الاشتقاق أصغر وأكبر، فالأصغر، كاشتقاق صيغ الماضي، والمضارع، واسم الفاعل، والمفعول، وغير ذلك من المصدر، والأكبر، هو تقلب اللفظ المركب من الحروف إلى انقلاباته المحتملة‏.‏

مثلاً‏:‏ اللفظ المركب من ثلاثة أحرف يقبل ستة انقلابات، لأنه يمكن جعل كل واحد من الحروف الثلاثة أولى هذا اللفظ، وعلى كل من هذه الاحتمالات الثلاثة يمكن وقوع الحرفين الباقيين على وجهين‏.‏

مثلاً‏:‏ اللفظ المركب من ك ل م يقبل ستة انقلابات كلم كمل ملك لكم لمك مكل‏.‏

واللفظ المركب من أربعة أحرف يقبل أربعة وعشرين انقلاباً، وذلك لأنه يمكن جعل كل واحد من الأربعة ابتداء تلك الكلمة‏.‏ ‏(‏2/ 65‏)‏

وعلى كل من هذه التقديرات الأربعة، يمكن وقوع الأحرف الثلاثة الباقية على ستة أوجه كما مر، والحاصل من ضرب الستة في الأربعة أربعة وعشرون، وعلى هذا القياس المركب من الحروف الخمسة‏.‏

والمراد من الاشتقاق الواقع في قولهم‏:‏ هذا اللفظ مشتق من ذلك اللفظ، هو الاشتقاق الأصغر غالباً، والتفصيل في مباحث الاشتقاق من الكتب القديمة في الأصول، وقد أفرده بالتدوين شيخنا العلامة الإمام القاضي محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله -، وسماه ‏(‏‏(‏نزهة الأحداق‏)‏‏)‏، ولي كتاب في ذلك سميته ‏(‏‏(‏العلم الخفاق من علم الاشتقاق‏.‏‏)‏‏)‏، وهو كتاب نفيس جداً، لم يسبق إليه‏.‏

 علم الاصطرلاب

هو‏:‏ علم يبحث فيه عن كيفية استعمال آلة معهودة، يتوصل بها إلى معرفة كثير من الأمور النجومية على أسهل طريق، وأقرب مأخذ مبين في كتبها‏:‏ كارتفاع الشمس، ومعرفة الطالع، وسمت القبلة، وعرض البلاد، وغير ذلك، أو عن كيفية وضع الآلة على ما بين في كتبه؛ وهو من فروع علم الهيئة - كما مر -‏.‏

وأصطرلاب‏:‏ كلمة يونانية، أصلها بالسين، وقد يستعمل على الأصل، وقد تبدل صاداً لأنها في جوار الطاء، وهو لأكثر معناها ميزان الشمس، وقيل‏:‏ مرآة النجم، ومقياسه‏.‏

ويقال له باليونانية أيضاً‏:‏ ‏(‏‏(‏اصطرلاقون‏)‏‏)‏‏.‏

وأصطر‏:‏ هو النجم‏.‏

ولاقون‏:‏ هو المرآة، ومن ذلك سمي‏:‏ ‏(‏‏(‏علم النجوم‏)‏‏)‏، واصطر يومياً‏.‏

وقيل‏:‏ إن الأوائل كانوا يتخذون كرة على مثل الفلك، ويرسمون عليها الدوائر، ويقسمون بها النهار والليل، فيصححون بها الطالع إلى زمن إدريس - عليه السلام -؛ وكان لإدريس ابن يسمى‏:‏ لاب، وله معرفة في الهيئة، فبسط الكرة، واتخذ هذه الآلة، فوصلت إلى أبي ه فتأمل، وقال‏:‏ من سطره، فقيل‏:‏ سطرلاب؛ فوقع عليه هذا الاسم‏.‏ ‏(‏2/ 66‏)‏

وقيل‏:‏ اسطر جمع سطر، ولاب اسم رجل‏.‏

وقيل‏:‏ فارسي معرب من أستاره ياب، أي مدرك أحوال الكواكب، قال بعضهم‏:‏ هذا الظهر، وأقرب إلى الصواب، لأنه ليس بينهما فرق إلا بتغيير الحروف، وفي مفاتيح العلوم الوجه هو الأول‏.‏

وقيل‏:‏ أول من صنعه بطليموس، وأول من علمه في الإسلام، إبراهيم بن حبيب الفزاري‏.‏

ومن الكتب المصنفة فيه ‏(‏‏(‏تحفة الناظر وبهجة الأفكار وضياء الأعين‏.‏