فصل: تفسير الآيات (15- 26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (15- 26):

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)}
{هلْ أتاكَ حديثُ موسى * إذ ناداه ربه بالوادِ المقدَّسِ طُوَىً} فيه قولان:
أحدهما: وهو قول مبشر بن عبيد هو واد بأيلة.
الثاني: وهو قول الحسن، هو واد بفلسطين.
وفي {المقدَّس} تأويلان:
أحدهما: المبارك، قاله ابن عباس.
الثاني: المطهر، قاله الحسن: قدّس مرتين.
وفي {طُوَىً} أربعة أقاويل:
أحدها: أنه أسم الوادي المقدس، قاله مجاهد وقتادة وعكرمة.
الثاني: لأنه مر بالوادي فطواه، قاله ابن عباس.
الثالث: لأنه طوي بالبركة، قاله الحسن.
الرابع: يعني طأ الوادي بقدمك، قاله عكرمة ومجاهد.
ويحتمل خامساً؛ أنه ما تضاعف تقديسه حتى تطهّر من دنس المعاصي، مأخوذ من طيّ الكتاب إذا ضوعف.
{فَقُلْ هل لك إلى أن تَزَكّى} فيه قولان:
أحدهما: إلى أن تُسْلِم، قال قتادة.
الثاني: إلى أن تعمل خيراً، قاله الكلبي.
{فأَراهُ الآيةَ الكُبْرَى} فيها قولان:
أحدهما: أنها عصاه ويده، قاله الحسن وقتادة.
الثاني: أنها الجنة والنار، قاله السدي.
ويحتمل ثالثاً: أنه كلامه من الشجرة.
قوله {فَحَشَرَ فنادَى} فيه وجهان:
أحدهما: حشر السحرة للمعارضة، ونادى جنده للمحاربة.
الثاني: حشر الناس للحضور ونادى أي خطب فيهم.
{فأخَذَهُ الله نَكالََ الآخرة والأُولى} فيها أربعة أقاويل:
أحدها: عقوبة الدنيا والآخرة، قال قتادة: عذبه الله في الدنيا بالغرق وفي الآخرة بالنار.
الثاني: عذاب أول عُمرِه وآخره، قاله مجاهد.
الثالث: الأولى قوله: {ما علمت لكم مِن إلهٍ غيري} والآخرة قوله {أنا ربكم الأعلى}، قاله عكرمة، قال ابن عباس: وكان بينهما أربعون سنة، وقال مجاهد: ثلاثون سنة، قال السدي: وهي الآخرة ثلاثون سنة.
الرابع: عذاب الأولى الإمهال، والآخرة في النار، من قوله تعالى: {النار يعرضون عليها} الآية، قاله الربيع.

.تفسير الآيات (27- 33):

{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)}
{وأَغْطَشَ لَيْلَها وأَخْرَجَ ضُحاها} معناه أظلم ليلها، وشاهد الغطش أنه الظلمة قول الأعشى:
عَقَرْتُ لهم مَوْهِنا ناقتي ** وغامِرُهُمْ مُدْلَهِمٌّ غَطِشْ

يعني يغمرهم ليلهم لأنه غمرهم بسواده.
وفي قوله: {وأخرج ضُحاها} وجهان:
أحدهما: أضاء نهارها وأضاف الليل والضحى إلى السماء لأن منهما الظلمة والضياء.
الثاني: قال ابن عباس أن أخرج ضحاها: الشمس.
{والأرضَ بَعْد ذلك دَحاها} في قوله {بَعْد} وجهان:
أحدهما: مع وتقدير الكلام: والأرض مع ذلك دحاها، لأنها مخلوقة قبل السماء، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني: أن {بعد} مستعملة على حقيقتها لأنه خلق الأرض قبل السماء ثم دحاها بعد السماء، قاله ابن عمر وعكرمة. وفي {دحاها} ثلاثة أوجه:
أحدها: بسطها، قاله ابن عباس، قال أمية بن أبي الصلت:
وَبَثَّ الخلْق فيها إذْ دَحاها ** فَهُمْ قُطّانُها حتى التنادي

قال عطاء: من مكة دحيت الأرض، وقال عبد الله بن عمر: من موضع الكعبة دحيت.
الثاني: حرثها وشقها، قاله ابن زيد.
الثالث: سوّاها، ومنه قول زيد بن عمرو:
وأسْلَمْتُ وجهي لمن أسْلَمتْ ** له الأرضُ تحمل صَخْراً ثِقالا

دحاها فلما اسْتَوتْ شدّها ** بأيْدٍ وأرْسَى عليها الجبالا

.تفسير الآيات (34- 46):

{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)}
{فإذا جاءت الطامّةُ الكُُبْرى} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنها النفخة الآخرة، قاله الحسن.
الثاني: أنها الساعة طمت كل داهية، والساعة أدهى وأمّر، قاله الربيع.
الثالث: أنه اسم من أسماء القيامة يسمى الطامة، قاله ابن عباس.
الرابع: أنها الطامة الكبرى إذا سيق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، قاله القاسم بن الوليد، وهو معنى قول مجاهد.
وفي معنى {الطامّة} في اللغة ثلاثة وجوه:
أحدها: الغاشية.
الثاني: الغامرة.
الثالث: الهائلة، ذكره ابن عيسى، لأنها تطم على كل شيء أي تغطيه.
{وأمّا مَنْ خاف مَقام رَبِّهِ ونَهَى النفْسَ عن الهَوى} فيه وجهان:
أحدهما: هو خوفه في الدنيا من الله عند مواقعة الذنب فيقلع، قاله مجاهد.
الثاني: هو خوفه في الآخرة من وقوفة بين يدي الله للحساب، قاله الربيع بن أنس، ويكون معنى: خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، قال الكلبي: وزجر النفس عن المعاصي والمحارم.
{فإنّ الجنّةَ هي المأوَى} أي المنزل، وذكر أنها نزلت في مصعب بن عمير.
{يسألونَكَ عن الساعةِ أيّانَ مُرْساها} قال ابن عباس: متى زمانها، قاله الربيع {فيمَ أنْتَ مِن ذِكْراها} فيه وجهان:
أحدهما: فيم يسألك المشركون يا محمد عنها ولست ممن يعلمها، وهو معنى قول ابن عباس.
الثاني: فيم تسأل يا محمد عنها وليس لك السؤال، وهذا معنى قول عروة بن الزبير.
{إلى ربِّك مُنْتَهاها} يعني منتهى علم الساعة: فكف النبي صلى الله عليه وسلم عن السؤال وقال: يا أهل مكة إن الله احتجب بخمس لم يُطْلع عيهن مَلَكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً فمن ادعى علمهن فقد كفر: {إن اللَّه عنده علم الساعة} إلى آخر السورة.
{إنّما أنْتَ} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم.
{مَنْذِرُ مَنْ يَخْشَاها} يعني القيامة.
{كأنّهم يومَ يَرَوْنَها} يعني الكفار يوم يرون الآخرة.
{لَمْ يَلْبَثُوا} في الدنيا.
{إلاَّ عَشيّةً} وهي ما بعد الزوال.
{أو ضُحاها} وهو ما قبل الزوال، لأن الدنيا تصاغرت عندهم وقلّت في أعينهم، كما قال تعالى: {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعةً من نهارٍ}.

.سورة عبس:

.تفسير الآيات (1- 16):

{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)}
قوله تعالى: {عَبَسَ وتَوَلّى أنْ جاءَه الأَعْمَى} روى سعيد عن قتادة أن ابن أم مكتوم، وهو عبد الله بن زائدة من بني فهر، وكان ضريراً، أتى رسول الله رسول الله صلى الله عليه سلم يستقرئه وهو يناجي بعض عظماء قريش- وقد طمع في إسلامهم- قال قتادة: هو أمية بن خلف، وقال مجاهد: هما عتبة وشيبة ابنا ربيعة، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن الأعمى وعبس في وجهه، فعاتبه الله تعالى في إعراضه وتوليه فقال {عبس وتولّى} أي قطّب واعرض {أن جاءه الأعمى} يعني ابن ام مكتوم.
{وما يُدريك لعلّه يَزَّكى} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يؤمن، قاله عطاء.
الثاني: يتعبد بالأعمال الصالحة، قاله ابن عيسى.
الثالث: يحفظ ما يتلوه عليه من القرآن، قاله الضحاك.
الرابع: يتفقه في الدين، قاله ابن شجرة.
{أوْ يَذَّكّرُ فَتَنفَعَهُ الذّكْرَى} قال السدّي: لعله يزّكّى ويّذكرُ، والألف صلة، وفي الذكرى وجهان:
أحدها: الفقه.
الثاني: العظة.
قال ابن عباس: فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نظر إليه مقبلاً بسط له رداءه حتى يجلس عليه إكراماً له.
قال قتادة: واستخلفه على صلاة الناس بالمدينة في غزاتين من غزواته، كل ذلك لما نزل فيه.
{كلاّ إنّها تَذْكِرةٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أن هذه السورة تذكرة، قاله الفراء والكلبي.
الثاني: أن القرآن تذكرة، قاله مقاتل.
{فَمَن شَاءَ ذكَرَهُ} فيه وجهان:
أحدهما: فمن شاء الله ألهمه الذكر، قاله مقاتل.
الثاني: فمن شاء أن يتذكر بالقرآن أذكره الله، وهو معنى قول الكلبي.
{في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مكرمة عند الله، قاله السدي.
الثاني: مكرمة في الدين لما فيها من الحكم والعلم، قاله الطبري.
الثالث: لأنه نزل بها كرام الحفظة.
ويحتمل قولاً رابعاً: أنها نزلت من كريم، لأن كرامة الكتاب من كرامة صاحبه.
{مرفوعةٍ} فيه قولان:
أحدهما: مرفوعة في السماء، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: مرفوعة القدروالذكر، قاله الطبري.
ويحتمل قولاً ثالثاً: مرفوعة عن الشُبه والتناقض.
{مُطَهّرةٍ} فيه أربعة أقاويل:
أحدهأ: من الدنس، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: من الشرك، قاله السدي.
الثالث: أنه لا يمسها إلا المطهرون، قاله ابن زيد.
الرابع: مطهرة من أن تنزل على المشركين، قاله الحسن.
ويحتمل خامساً: لأنها نزلت من طاهر مع طاهر على طاهر.
{بأيْدِى سَفَرَةٍ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن السفرة الكتبة، قاله ابن عباس، قال المفضل: هو مأخوذ من سفر يسفر سفراً، إذا كتب، قال الزجاج: إنما قيل للكتاب سِفْر وللكاتب سافر من تبيين الشيء وإيضاحه، كما يقال أسفر الصبح إذا وضح ضياؤه وظهر، وسفرت المرأة إذا كشفت نقابها.
الثاني: أنهم القّراء، قال قتادة لأنهم يقرؤون الأسفار.
الثالث: هم الملائكة، لأنهم السفرة بين يدي الله ورسله بالرحمة، قال زيد، كما يقال سَفَر بين القوم إذا بلغ صلاحاً، وأنشد الفراء:
وما أدَعُ السِّفارةَ بين قوْمي ** وما أَمْشي بغِشٍ إنْ مَشَيْتُ

{كِرام بَرَرةٍ} في الكرام ثلاثة أقاويل:
أحدها: كرام على ربهم، قاله الكلبي.
الثاني: كرام عن المعاصي فهم يرفعون أنفسهم عنها، قاله الحسن.
الثالث: يتكرمون على من باشر زوجته بالستر عليه دفاعاً عنه وصيانة له، وهو معنى قول الضحاك.
ويحتمل رابعاً: أنهم يؤثرون منافع غيرهم على منافع أنفسهم.
وفي {بررة} ثلاثة أوجه:
أحدها: مطيعين، قاله السدي.
الثاني: صادقين واصلين، قاله الطبري.
الثالث: متقين مطهرين، قاله ابن شجرة.
ويحتمل قولاً رابعاً: أن البررة مَن تعدى خيرهم إلى غيرهم، والخيرة من كان خيرهم مقصوراً عليهم.