فصل: فصل: (الحكم إذا غسل النجاسة فلم يذهب لونها أو ريحها)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


باب‏:‏ التيمم

التيمم طهارة بالتراب يقوم مقام الطهارة بالماء عند العجز عن استعماله لعدم أو مرض لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه‏}‏ وروى عمار قال‏:‏ أجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال‏:‏ ‏[‏إنما يكفيك أن بقول بيديك هكذا‏]‏ ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه متفق عليه والسنة في التيمم أن يضرب بيديه على الأرض ضربة واحدة ثم يمسح بها وجهه ويديه إلى الكوعين للخبر ولأن الله تعالى أمر بمسح اليدين واليد عند الإطلاق في الشرع تتناول اليد إلى الكوع بدليل قوله تعالى ‏{‏والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما‏}‏ وإن مسح يديه إلى المرفقين فلا بأس لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وسواء فعل ذلك بضربتين أو أكثر ويستحب تفريق أصابعه عند الضرب ليدخل الغبار فيما بينهما وإن كان التراب ناعما فوضع اليدين عليه وضعا أجزأه ويسمح جميع ما يجب غسله من الوجه مما لا يشق مثل باطن الفم والأنف وما تحت الشعور الخفيفة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏امسحوا بوجوهكم‏}‏ وكيفما مسح بعد أن يستوعب الوجه والكفين إلى الكوعين جاز لأن المستحب في الضربة الواحدة أن يمسح وجهه بباطن أصابع يديه وظاهر كفيه بباطن راحتيه وإن مسح بضربتين مسح بأولاهما وجهه وبالثانية يديه فإن مسح إلى المرفقين وضع بطون أصابع اليسرى على ظهور أصابع اليمنى ثم يمرهما إلى مرفقيه ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمر عليه ويرفع إبهامه فإن بلغ الكوع أمر إبهام يده اليسرى على إبهام يده اليمنى ثم مسح بيده اليمنى يده اليسرى كذلك ثم مسح إحدى الراحتين بالأخرى ويخلل بين أصابعه وإن يممه غير جاز كما يجوز أن يوضئه‏.‏

وإن أثارت الريح عليه ترابا فمسح وجهه بما على يديه جاز وإن مسح وجهه بما عليه لم يجز لأن الله تعالى أمر بقصد الصعيد والمسح به ويحتم أن يجزئه إذا صمد للريح لأنه بمنزلة مسح غيره له‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏فرائض التيمم‏]‏

وفرائض التيمم‏:‏ النية لما ذكرناه في الوضوء ومسح الوجه والكفين للأمر به وترتيب اليدين على الوجه قياسا على الوضوء وفي التسمية والموالاة روايتان كالوضوء‏.‏

فأما النية فهو أن ينوي استباحة ما لا يباح إلا به فإن نوى صلاة مكتوبة أبيح له سائر الأشياء لأنه تابع لها فيدخل في نية المتبوع وإن نوى نفلا أو صلاة مطلقة لم يبح له الفرض لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة فلا يستبيح به الفرض حتى ينويه وله قراءة القرآن لأن النافلة تتضمن القرآن وليس له الجنازة المتعينة لأنها فرض ولو كانت نفلا فله فعلها‏.‏

وإن نوى قراءة القرآن لم يكن له التنفل لأنه الأعلى‏.‏

فإن نوى رفع الحدث لم يجزئه لأن التيمم لا يرفع الحدث‏.‏

وعنه‏:‏ ما يدل على أنه يرفع الحدث فيكون حكمه حكم الوضوء في نيته‏.‏

ولا بد له من تعيين ما تيمم له من الحدث الموجب للغسل أو الوضوء أو النجاسة فإن تيمم للحدث ونسي الجنابة أو الجنابة ونسي الحدث لم يجزئه لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏وإنما لكل امرئ ما نوى‏]‏ ولأن ذلك لا يجزئ في الماء وهو الأصل ففي البدل أولى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التيمم عن جميع الأحداث‏]‏

ويجوز التيمم عن جميع الأحداث لظاهر الآية وحديث عمار وروى عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم فقال‏:‏ ‏[‏يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم‏؟‏ قال‏:‏ أصابتني جنابة ولا ماء عندي قال‏:‏ عليك بالصعيد فإنك يكفيك‏]‏ متفق عليه‏.‏

ويجوز التيمم للنجاسة على البدن لأنها طهارة مشترطة للصلاة فناب فيها التيمم كطهارة الحدث‏.‏

واختار أبو الخطاب أنه يلزمه الإعادة إذا تيمم لها عند عدم الماء‏.‏

وقيل في وجوب الإعادة روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يجب لقول عليه السلام‏:‏ ‏[‏التراب كافيك ما لم تجد الماء‏]‏ وقياسا على التيمم الحدث‏.‏

والأخرى تجب الإعادة لأنه صلى بالنجاسة فلزمته الإعادة كما لو تيمم‏.‏

ولا يجوز التيمم عن النجاسة في غير البدن لأنها طهارة في البدن فلا تؤثر في غيره كالوضوء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شروط التيمم‏]‏

ولجواز التيمم ثلاث شروط‏:‏

أحدها‏:‏ العجز عن استعمال الماء وهو نوعان‏:‏

أحدهما‏:‏ عدم الماء لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء‏}‏ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عسر سنين فإن وجدت الماء فأمسه جلدك‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

النوع الثاني‏:‏ الخوف على نفسه باستعمال الماء لمرض أو قرح يخاف باستعمال الماء تلفا أو زيادة مرض أو تباطؤ البرء أو شيئا فاحشا في جسمه لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كنتم مرضى أو على سفر‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم‏}‏ وإن وجد ماء يحتاج إلى شربه للعطش أو شرب رفيقه أو بهائمه أو بينه وبينه سبع أو عدو يخافه على نفسه أو ماله أو خاف على ماله إن تركه وذهب إلى الماء فله التيمم لأنه خائف الضرر باستعماله فهو كالمريض وإن خاف لشدة البرد تيمم وصلى لما روى عمرو بن العاص قال‏:‏ احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت وصليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب‏؟‏‏]‏ فأخبرته من بالذي منعني من الاغتسال ثم قلت سمعت الله يقول‏:‏ ‏{‏ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما‏}‏ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا رواه أبو داود‏.‏

ولأنه خائف على نفس أشبه المريض ولا إعادة عليه إن كان مسافرا لما ذكرنا‏.‏

وإن كان حاضرا ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يلزمه الإعادة لذلك‏.‏

والثانية‏:‏ يلزمه لأنه ليس بمريض ولا مسافر فلا يدخل في عموم الآية ولأن الحضر مظنة إمكان إسخان الماء فالعجز عنه عذر غير متصل‏.‏

وإن قدر على إسخان الماء لزمه كما يلزمه شراء الماء ومن كان واجدا للماء فخاف فوت الوقت لتشاغله بتحصيله أو استسقائه لم يبح له التيمم لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء فتيمموا‏}‏ وهذا واجد‏.‏

وإن خاف فوات الجنازة فليس له التيمم لذلك‏.‏

وعنه‏:‏ يجوز لأنه لا يمكن استدراكها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الشرط الثاني من شروط التيمم‏]‏

والثاني‏:‏ طلب الماء شرط في الرواية المشهورة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء فتيمموا‏}‏ ولا يقال‏:‏ لم يجد إلا لمن طلب ولأنه بدل فلم يجز العدول إليه قبل طلب المبدل كالصيام في الظهار‏.‏

وعنه‏:‏ ليس بشرط لأنه ليس بواجب قبل الطلب فيدخل في الآية‏.‏

وصفة الطلب أن ينظر يمينه وشماله وأمامه ووراءه وإن كان قريبا من حائل من ربوة أو حائط علاه فنظر حوله وإن رأى خضرة أو نحوها استبرأها‏.‏

وإن كان معه رفيق سأله الماء فإن بذله له لزمه قبوله لأن المنة لا تكثر في قبوله‏.‏

وإن وجد ماء يباع بثمن المثل أو بزيادة غير مجحفة بماله وهو واجد للثمن غير محتاج إليه لزمه شراؤه كما يلزمه شراء الرقبة في الكفارة‏.‏

فإن لم يبذله له صاحبه لم يكن له أخذه قهرا وإن استغنى عنه صاحبه لأن له بدلا وإن علم بماء قريب لزمه قصده ما لم يخف على نفسه أو ماله أو فوت الوقت أو الرفقة وإن تيمم ثم رأى ركبا أو خضرة أو شيئا يدل على الماء أو سرابا ظنه ماء قبل الصلاة لزمه الطلب لأنه وجد دليل الماء وبطل تيممه لأنه وجب عليه الطلب فبطل تيممه كما لو رأى ماء وإن رأى الركب ونحوه في الصلاة لم تبطل لأنه شرع فيها بطهارة متيقنة فلا يبطلها في الشك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الشرط الثالث من شروط التيمم‏]‏

الثالث‏:‏ دخول الوقت شرط لأنه قبل الوقت مستغن عن التيمم فلم يصح تيممه كما لو تيمم وهو واجد للماء وإن كان التيمم لنافلة لم يجز في وقت النهي عن فعلها لأنه قبل وقتها وإن تيمم لفائتة أو نافلة قبل وقت الصلاة ثم دخل الوقت بطل تيممه وإن تيمم لمكتوبة في وقتها فله أن يصليها وما شاء من النوافل قبلها وبعدها ويقضي فوائت ويجمع بين الصلاتين لأنها طهارة أباحت فرضا فأباحت سائر ما ذكرناه كالوضوء ومتى خرج الوقت بطل التيمم في ظاهر المذهب لأنها طهاة عذر وضرورة فتقدرت بالوقت كطهارة المستحاضة‏.‏

وعنه‏:‏ يصلي بالتيمم حتى يحدث قياسا على طهارة الماء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تأخير التيمم إلى آخر الوقت‏]‏

والأفضل تأخير التيمم إلى آخر الوقت إن رجا وجود الماء لقول علي رضي الله عنه في الجنب‏:‏ يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت ولأن الطهارة في الماء فريضة وأول الوقت فضيلة وانتظار الفريضة أولى وإن يئس من الماء استحب تقديمه لئلا يترك فضيلة متيقنة لأمر غير مرجو‏.‏

ومتى تيمم وصلى صحت صلاته ولا إعادة عليه وإن وجد الماء في الوقت لما روى عطاء بن يسار قال‏:‏ خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد‏:‏ ‏[‏أجزأتك الصلاة‏]‏ وقال للذي أعاد‏:‏ ‏[‏لك الأجر مرتين‏]‏ رواه أبو داود وقال‏:‏ قد روي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح أنه مرسل ولأنه أدى فريضة بطهارة فأشبه ما لو أداها بطهارة الماء‏.‏

فإن علم أن في رحله ماء نسيه فعليه الإعادة لأنها طهارة واجبة فلم تسقط بالنسيان كما لو نسي عضوا لم يغسله وإن ضل عن رحله أو ضل عنه غلامه الذي معه الماء فلا إعادة عليه لأنه غير مفرط وإن وجد بقربه بئرا أو غديرا علامته ظاهرة أعاد لأنه مفرط في الطلب وإن كانت أعلامه خفية لم يعد لعدم تفريطه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن وجد ماء لا يكفيه‏]‏

وإن وجد ماء لا يكفيه لزمه استعماله وتيمم للباقي إن كان جنبا لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء فتيمموا‏}‏ وهذا واجد وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏]‏ رواه البخاري وقال‏:‏ ‏[‏إذا وجدت الماء فأمسه جلدك‏]‏ ولإنه مسح أبيح للضرورة فلم يبح في غير موضعها كمسح الجبيرة‏.‏

وإن كان محدثا ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يلزمه استعماله لذلك‏.‏

والآخر‏:‏ لا يلزمه لأن الموالاة شرط يفوت بترك غسل الباقي فبطلت طهارته بخلاف غسل الجنابة‏.‏

وإن كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا غسل الصحيح وتيمم للجريح جنبا كان أو محدثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي أصابته الشجة‏:‏ ‏[‏إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده‏]‏ رواه أبو داود لأن العجز ههنا ببعض البدن وفي الاعواز العجز ببعض الأصل فاختلفا كما أن الحر إذا عجز عن بعض الرقبة في الكفارة فله العدول إلى الصوم ولو كان بعضه حرا فملك بنصفه الحر مالا لزمه التكفير بالمال ولو تكن كالتي قبلها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يبطل التيمم‏]‏

ويبطل التيمم بجميع مبطلات الطهارة التي تيمم عنها لأنه بدل عنها فإن تيمم لجنابة ثم أحدث منع ما يمنعه المحدث من الصلاة والطواف ومس المصحف لأن التيمم ناب عن الغسل فأشبه المغتسل إذا أحدث ويزيد التيمم بمبطلين‏:‏

أحدهما‏:‏ القدرة على استعمال الماء سواء وجدت في الصلاة أو قبلها أو بعدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك‏]‏ دل بمفهومه على أنه ليس بطهور عند وجود الماء وبمنطوقه على وجوب استعماله عند وجوده ولأنه قدر على استعمال الماء فأشبه الخارج من الصلاة‏.‏

فعلى هذا إن وجد في الصلاة خرج وتوضأ واغتسل إن كان جنبا واستقبل الصلاة كما لو أحدث في أثنائها‏.‏

وعنه‏:‏ إذا وجده في الصلاة لم يبطل لأنه شرع في المقصود فأشبه المكفر يقدر على الإعتاق بعد شروعه في الصيام إلا أن المروذي روى عنه أنه قال‏:‏ كنت أقول‏:‏ إنه يمضي ثم تدبرت فإذا أكثر الأحاديث أنه يخرج وهذا يدل على رجوعه عن هذه الرواية‏.‏

والثاني‏:‏ خروج الوقت يبطلها لما ذكرناه فإن خرج وهو في الصلاة بطل كما لو أحدث‏.‏

ومن تيمم وهو لابس خفا أو عمامة يجوز المسح عليهما ثم خلع أحدهما فقد ذكر أصحابنا أنه يبطل تيممه لأنه من مبطلات الوضوء ولا يقوى ذلك عندي لأنها طهارة لم يمسح عليهما فلم تبطل بخلعهما كالملبوس على غير طهارة بخلاف الوضوء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التيمم في السفر الطويل والقصير‏]‏

ويجوز التيمم في السفر الطويل والقصير وهو ما بين قرتين قريبتين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو على سفر‏}‏ ولأن الماء يعدم في القصير غالبا أشبه الطويل ويجوز في الحضر للمرض للآية ولأنه عذر غالب يتصل أشبه السفر وإن عدم الماء في الحضر لحبس تيمم ولا إعادة عليه لأنه في عدم الماء وعجزه عن طلبه كالمسافر وأبلغ منه فألحق به وإن عدمه لغير ذلك وكان يرجوه قريبا تشاغل بطلبه ولم يتيمم وإن كان ذلك يتمادى تيمم وصلى وأعاد لأنه عذر نادر غير متصل ويحتمل أنه لا يعيد لأنه في معنى عادم الماء في السفر فألحق به‏.‏

وإن كان مع المسافر ماء فأراقه قبل الوقت أو مر بماء قبل الوقت فتركه ثم عدم الماء في الوقت تيمم وصلى ولا إعادة عليه لأنه لم يخاطب باستعماله‏.‏

وإن كان ذلك في الوقت ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ تلزمه الإعادة لأنه مفرط‏.‏

والثاني‏:‏ لا تلزمه لأنه عادم للماء أشبه ما قبل الوقت‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التيمم بالتراب الطاهر‏]‏

ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه‏}‏ وما لا غبار له لا يمسح شيء منه‏.‏

وقال ابن العباس‏:‏ الصعيد تراب الحرث والطيب‏:‏ هو الطاهر وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏أعطيت ما لم يعط نبي من أنبياء الله تعالى قبلي جعل لي التراب طهورا‏]‏ رواه الشافعي في مسنده ولو كان غيره طهورا ذكره فيما من الله به عليه‏.‏

وعنه‏:‏ يجوز التيمم بالرمل والسبخة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏جعلت الأرض لي مسجدا وطهورا‏]‏ رواه البخاري ومسلم وقال ابن أبي موسى‏:‏ إن لم يجد غيرهما تيمم بهما‏.‏

وإن دق الخزف أو الحجارة وتيمم به لم يجزئه لأنه ليس بتراب‏.‏

وإن خالط التراب جص أو دقيق أو زرنيخ فحكمه حكم الماء إذا خالطته الطاهرات‏.‏

وإن خالط ما لم يعلق باليد كالرمل والحصى لم يمنع التيمم به لأنه لا يمنع وصول الغبار إلى اليد‏.‏

وإن ضرب بيده على صخرة عليها غبار أو حائط أو لبد فعلا يديه غبار أبيح التيمم به لأن المقصود التراب الذي يمسح به وجهه ويديه وقد روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه رواه أبو داود‏.‏

ولا بأس أن يتيمم الجماعة من موضع واحد كما يتوضئون من حوض واحد‏.‏

وإن تناثر من التراب على العضو بعد استعماله شيء‏:‏

احتمل أن يمنع من استعماله مرة ثانية لأنه كالماء المستعمل‏.‏

واحتمل أن يجوز لأنه لم يرفع حدثا ولم يزل نجسا بخلاف الماء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من عدم الماء والتراب‏]‏

فإن عدم الماء والتراب ووجد طينا لم يستعمله وصلى على حسب حاله ولم يترك الصلاة لأن الطهارة شرط فتعذرها لا يبيح أمر الصلاة كالسترة والقبلة وفي الإعادة روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا تلزمه لأن الطهارة شرط فأشبهت السترة والقبلة‏.‏

والثانية‏:‏ تلزمه لأنه عذر نادر غير متصل أشبه نسيان الطهارة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا اجتمع جنب وميت وحائض معهم ماء لا يكفي الجميع‏]‏

إذا اجتمع جنب وميت وحائض معهم ماء لأحدهم لا يفضل عنه فهو أحق به ولا يجوز أن يؤثر به لأنه واجد للماء فلم يجزئه التيمم فإن آثر به وتيمم لم يصح تيممه مع وجوده لذلك وإن استعمله الآخر فحكم المؤثر به حكم من أراق الماء‏.‏

وإن كان الماء لهم فهم فيه سواء وإن وجدوه فهو للأحياء دون الميت لأنه لا وجدان له‏.‏

وإن كان لغيرهم فأراد أن يجوز به فالميت أولى به لأن غسله خاتمة طهارته وصاحباه يرجعان إلى الماء ويغتسلان‏.‏

وإن فضل عنه ما يكفي أحدهما فالحائض أحق به لأن حدثهما آكد وتستبيح بغسلها ما يستبيحه الجنب وزيادة الوطء وإن اجتمع على رجل حدث ونجاسة فغسل النجاسة أولى لأن طهارة الحدث لها بدل مجمع عليه بخلاف النجاسة‏.‏

وإن اجتمع محدث وجنب فلم يجدا إلا ما يكفي المحدث فهو أحق به لأنه يرفع جميع حدثه وإن كان يكفي الجنب وحده فهو أحق به لما ذكرنا في الحائض وإن كان يفضل عن كل واحد منهما فضلة لا تكفي صاحبه ففيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ يقدم الجنب لما ذكرنا‏.‏

والثاني‏:‏ المحدث لأن فضلته يلزم الجنب ‏[‏استعمالها‏]‏ فلا تضيع بخلاف فضلة الجنب‏.‏

والثالث‏:‏ التسوية‏:‏ لأنه تقابل الترجيحان فتساويا فتدفع إلى من شاء منهما أو يقرع بينهما والله أعلم‏.‏

باب‏:‏ الحيض

وهو دم ترخيه الرحم يخرج من المرأة في أوقات معتادة يتعلق به ثلاثة عشر حكما‏:‏

أحدها‏:‏ تحريم فعل الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة‏]‏ متفق عليه‏.‏

والثاني‏:‏ سقوط فرضها لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة متفق عليه‏.‏

والثالث‏:‏ تحريم الصيام ولا يسقط وجوبه لحديث عائشة وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏[‏أليس إحداكن إذا حاضت لم تصم ولم تصل‏؟‏‏]‏ قلن بلى رواه البخاري‏.‏

والرابع‏:‏ تحريم الطواف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة إذ حاضت‏:‏ ‏[‏افعلي ما يفعل الحاج غير أن تطوفي بالبيت حتى تطهري‏]‏ متفق عليه‏.‏

والخامس‏:‏ تحريم قراءة القرآن لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن‏]‏ رواه الترمذي‏.‏

والسادس‏:‏ تحريم مس المصحف لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يمسه إلا المطهرون‏}‏ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم‏:‏ ‏[‏لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر‏]‏ رواه الأثرم‏.‏

والسابع‏:‏ تحريم اللبث في المسجد لما ذكرناه من قبل‏.‏

والثامن‏:‏ تحريم الطلاق لما نذكره في النكاح‏.‏

والتاسع‏:‏ تحريم الوطء في الفرج لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن‏}‏‏.‏

ولا يحرم الاستمتاع بها في غير الفرج لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏اصنعوا كل شيء غير النكاح‏]‏ رواه مسلم‏.‏

وقالت عائشة‏:‏ كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض متفق عليه ولأنه وطء حرم للأذى فاختص بمحله كالوطء في الدبر‏.‏

والعاشر‏:‏ منع صحة الطهارة لأنه حدث يوجب الطهارة فاستمرار يمنع صحتها كالبول‏.‏

والحادي عشر‏:‏ وجوب الغسل لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏دعي الصلاة قدر الأيام التي تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي‏]‏ متفق عليه‏.‏

الثاني عشر‏:‏ وجوب الاعتداد به لما نذكره في العدد‏.‏

الثالث عشر‏:‏ حصول البلوغ به لما نذكره في موضعه‏.‏

فإذا انقطع دمها ولم تغتسل زالت أربعة أحكام‏:‏ سقوط فرض الصلاة لأن سقوطه بالحيض قد زال ومنع صحة الطهارة لذلك وتحريم الصيام لأن وجوب الغسل لا يمنع فعله كالجنابة وتحريم الطلاق لأن تحريمه لتطويل العدة وقد زال هذا المعنى‏.‏

وسائر المحرمات باقية لأنها تثبت في حق المحدث الحدث الأكبر وحدثها باق وتحريم الوطء باق لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن‏}‏ قال‏.‏

مجاهد‏:‏ حتى يغتسلن‏.‏

فإن لم تجد الماء تيممت وحل وطؤها لأنه قائم مقام الغسل فحل به ما يحل بالغسل وإن تيممت للصلاة حل وطؤها لأن ما أباح الصلاة أباح ما دونها‏.‏

وإن وطئ الحائض قبل طهرها فعليه كفارة ‏[‏دينار أو‏]‏ نصف دينار لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال‏:‏ ‏[‏يتصدق بدينار أو بنصف دينار‏]‏ قال أبو داود‏:‏ كذا الرواية الصحيحة‏.‏

وعن أحمد‏:‏ لا كفارة فيه لأنه وطء حرم للأذى فلم تجب به كفارة كالوطء في الدبر والحديث توقف أحمد عنه للشك في عدالة راويه‏.‏

وإن وطئها بعد انقطاع دمها فلا كفارة عليه لأن حكمه أخف ولم يرد الشرع بالكفارة فيه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أقل سن الحيض‏]‏

وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين فإن رأت قبل ذلك دما فليس بحيض ولا يتعلق به أحكامه لأنه لم يثبت في الوجود لامرأة حيض قبل ذلك وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت‏:‏ إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة‏.‏

وأقل الحيض يوم وليلة‏.‏

وعنه‏:‏ يوم لأن الشرع علق على الحيض أحكاما ولم يبين قدره فعلم أنه رده إلى العادة كالقبض والحرز وقد وجد حيض معتاد يوما ولم يوجد أقل منه‏.‏

قال عطاء‏:‏ رأيت من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر‏.‏

قال عبد الله الزبيري‏:‏ كان في نسائنا من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما‏.‏

‏[‏وأكثره خمسة عشر يوما‏]‏ لما ذكرنا‏.‏

وعنه سبعة عشرة يوما‏.‏

وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما لما روي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن امرأة ادعت انقضاء عدتها في شهر فقال لشريح‏:‏ قل فيها فقال‏:‏ إن جاءت ببطانة من أهلها يشهدن أنها حاضت في شهر ثلاث مرات تترك الصلاة فيها وإلا فهي كاذبة فقال علي رضي الله عنه‏:‏ قالون يعني جيد وهذا اتفاق منهما على إمكان ثلاث حيضات في شهر ولا يمكن إلا بما ذكرنا من أقل الحيض وأقل الطهر‏.‏

وعنه‏:‏ أقله خمسة عشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي‏]‏ وليس لأكثر حد وغالب الحيض ست أو سبع لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش‏.‏

‏[‏تحيضي- في علم الله- ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوما أو ثلاثة وعشرين كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن‏]‏ حديث حسن وغالب الطهر أربعة وعشرون أو ثلاثة وعشرون لهذا الحديث‏.‏

وإذا بلغت المرأة ستين عاما يئست من المحيض لأنه لم يوجد لمثلها حيض معتاد فإن رأت دما فهو دم فاسد وإن رأته بعد الخمسين ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ هو دم فاسد أيضا لأن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض‏.‏

والثانية‏:‏ إن تكرر بها الدم فهو حيض وهذا أصح لأنه قد وجد ذلك‏.‏

وعنه‏:‏ أن نساء العجم ييأسن في خمسين ونساء العرب إلى ستين لأنهن أقوى جلبة‏.‏

وقال الخرقي‏:‏ إذا رأت الدم لها خمسون سنة فلا تدع الصلاة ولا الصوم وتقضي الصوم احتياطا‏.‏

وإن رأته بعد الستين فقد زال الإشكال فتصوم وتصلي ولا تقضي‏.‏

والحامل لا تحيض وإن رأت دما فهو دم فاسد لقول النبي صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس‏:‏ ‏[‏لا توطأ حامل حتى تضع ولا حامل حتى تستبرأ بحيضة‏]‏ يعني تستعلم براءتها من الحمل بالحيضة فدل على أنها لا تجتمع معه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏مدته‏]‏

والمبتدأ فيها الدم في سن تحيض لمثله تترك الصلاة والصوم لأن دم الحيض جبلة وعادة ودم الفاسد عارض لمرض ونحوه والأصل عدمه فإن انقطع لدون يوم وليلة فهو دم فاسد وإن بلغ ذلك جلست يوما وليلة فإن انقطع دمها لذلك اغتسلت وصلت وكان ذلك حيضها‏.‏

وإن زاد عليه ففيه أربع روايات‏:‏

أشهرهن‏:‏ أنها تغتسل عقيب اليوم والليلة وتصلي لأن العبادة واجبة بيقين وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه فلا تسقطها بالشك‏.‏

فإن انقطع دمها ولم يعبر أكثر الحيض اغتسلت غسلا ثانيا ثم تفعل ذلك في شهر آخر‏.‏

وعنه‏:‏ تفعله في شهري آخرين‏.‏

فإن كان في الأشهر كلها مدة واحدة علمت أن ذلك حيضها فانتقلت إليه وعملت عليه وأعادت ما صامت الفرض فيه لأننا تبينا أنها صامته في حيضها‏.‏

والثانية‏:‏ تجلس ما تراه من الدم إلى أكثر الحيض لأنه دم يصلح حيضا فتجلسه كاليوم والليلة‏.‏

والثالثة‏:‏ تجلس ستا أو سبعا لأن الغالب في النساء هكذا يحضن ثم تغتسل وتصلي‏.‏

والرابعة‏:‏ تجلس عادة نسائها لأن الغالب أنها تشبههن في جميع ذلك فإذا انقطع الدم لأكثر الحيض فما دون وتكرر صار عادة فانتقلت إليه وأعادت ما صامته من الفرض فيه‏.‏

وإن عبر دمها أكثر الحيض علمنا استحاضتها فنظر في دمها فإن كان متميزا بعضه أسود ثخين منتن وبعضه رقيق أحمر وكان الأسود لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فهذه مدة حيضها زمن الدم الأسود فتجلسه فإذا خلفته اغتسلت وصلت لما روي أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت‏:‏ يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏لا إنما ذلك عرق ليس بالحيض فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي‏]‏ متفق عليه يعني بإقباله‏:‏ سواده ونتنه وبإدباره‏:‏ رقته وحمرته وفي لفظ قال‏:‏ ‏[‏إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الأحمر فتوضئي إنما هو عرق‏]‏ رواه النسائي وقال ابن عباس‏:‏ ما رأت الدم البحراني فإنها تدع الصلاة إنما والله لن ترى الدم بعد أيام محيضها إلا كغسالة ماء اللحم ولأنه خارج من الفرج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني والمذي إن لم تكن مميزة جلست من كل شهر ستة أيام أو سبعة لما روي أن حمنة بنت جحش قالت‏:‏ يا رسول الله إني أستحاض حيضة شديدة منكرة قد منعتني الصوم والصلاة فقال لها‏:‏ ‏[‏تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلى ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن‏]‏ رواه الترمذي وقال حديث حسن وذكر أبو الخطاب في المبتدأة هذه الروايات الأربع وحكي عن ابن عقيل في المبتدأة المميزة أنها تجلس بالتمييز في أول مرة لما ذكرنا من الأخبار ولأن التمييز يجري مجرى العادة والمعتاد تجلس عدة أيام عادتها كذلك المميزة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن استقرت لها عادة‏]‏

وإن استقرت لها عادة فما رأت من الدم فيها فهو حيض سواء كان كدرة أو صفرة أو غيرها لما روى مالك عن علقمة عن أمه‏:‏ أن النساء كن يرسلن بالدرجة فيها الشيء من الصفرة إلى عائشة فتقول‏:‏ لا تصلين حتى ترين القصة البيضاء قال مالك وأحمد‏:‏ هو بياض أبيض يتبع الحيضة ولأنه دم من زمن العادة أشبه الأسود‏.‏

فإن تغيرت العادة لم تخل من ثلاثة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ أن ترى الطهر قبل تمامها فإنها تغتسل وتصلي لأن ابن عباس قال‏:‏ لا يحل لها رأت الطهر ساعة إلا أن تغتسل ولأنها طاهر فتلزمها الصلاة كسائر الطاهرات‏.‏

وإن عاودها الدم في عادتها ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ تتحيض فيه وهي الأولى لأنه دم صادف العادة فكان حيضا كالأول‏.‏

والثانية‏:‏ لا تجلس حتى تتكرر لأنه جاء بعد طهر فلم يكن حيضا بغير تكرار كالخارج عن العادة‏.‏

وإن عاودها بعد العادة وعبر أكثر الحيض فهو استحاضة وإن لم يعبر ذلك وتكرر فهو حيض وإلا فلا لأنه لم يصادف عادة فلا يكون حيضا بغير تكرار‏.‏

القسم الثاني‏:‏ أن ترى الدم في غير عادتها قبلها أو بعدها مع بقاء عادتها أو طهر فيها أو في بعضها فالمذهب أنها لا تجلس ما خرج عن العادة حتى تكرر وفي قدره روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ ثلاثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏دعي الصلاة أيام أقرائك‏]‏ وأقل ذلك ثلاثا‏.‏

والثانية‏:‏ مرتان لأن العادة مأخوذة من المعاودة وذلك يحصل بمرتين فعلى هذا تصوم وتصلي فيما خرج عن العادة مرتين أو ثلاثا فإن تكرر انتقلت إليه وصار عادة وأعادت ما صامته من الفرض فيه لأنا تبينا أنها صامته في حيضها‏.‏

قال الشيخ رحمه الله‏:‏ ويقوى عندي أنها تجلس متى رأت دما يمكن أن يكون حيضا وافق العادة أو خالفها لأن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ولم تقيده بالعادة وظاهر الأخبار تدل على أن النساء كن يعددن ما يرينه من الدم حيضا من غير افتقاد عادة ولم ينقل عنهن ذكر العادة ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان لها ولا الاستفصال عنها إلا في التي قالت‏:‏ إني أستحاض فلا أطهر وشبهها من المستحاضات أما في امرأة يأتي دمها في وقت يمكن أن يكون حيضا ثم يطهر فلا والظاهر أنهن جرين على العرف في اعتقاد ذلك حيضا ولم يأت من الشرع تغيير ولذلك أجلسنا المبتدأة من غير تقدم عادة ورجعنا في أكثر أحكام الحيض إلى العرف والعرف أن الحيضة تتقدم وتتأخر وتزيد وتنقص وفي اعتبار العادة على هذا الوجه إخلال ببعض المتنقلات عن الحيض بالكلية مع رؤيتها للدم في وقت الحيض على صفته وهذا لا سبيل إليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم الثالث فيما إذا تغيرت العادة‏]‏

القسم الثالث‏:‏ أن ينضم إلى العادة ما يزيدان بمجموعهما على أكثر الحيض فلا تخلو من حالين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن تكون ذاكرة لعادتها فإن كانت غير مميزة جلست قدر عادتها واغتسلت بعدها وصلت وصامت لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش‏:‏ ‏[‏دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي‏]‏ متفق عليه وإن كانت مميزة ففيها روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ تعمل بالعادة لهذا الحديث‏.‏

والأخرى‏:‏ تعمل بالتمييز وهو اختيار الخرقي لما تقدم من أدلته‏.‏

الحال الثاني‏:‏ أن تكون ناسية لعادتها‏:‏

فإن كانت مميزة عملت بتمييزها لأنه دليل لا معارض له فوجب العمل به كالمبتدأة‏.‏

وإن لم تكن مميزة فهي على ثلاثة أضرب‏:‏

إحداهن‏:‏ المتحيرة وهي الناسية لوقتها وعددها فهذه تتحيض في كل شهر ستة أيام أو سبعة على حديث حمنة بنت جحش ولأنه غالب عادات النساء فالظاهر أنه حيضها‏.‏

وعنه‏:‏ أنها ترد إلى عادة نسائها كما تقدم‏.‏

وقيل‏:‏ فيها الروايات الأربعة‏.‏

ويجعل حيضها من أول كل شهر في أحد الوجهين لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام من كل شهر ثم اغتسلي وصلي ثلاثة وعشرين يوما‏]‏ فجعل حيضها من أوله والصلاة في بقيته‏.‏

والآخر‏:‏ تجلسه بالاجتهاد لأن النبي صلى الله عليه وسلم ردها إلى الاجتهاد في العديد بين الست والسبع فكذلك في الوقت‏.‏

وإن علمت أن حيضها في وقت من الشهر كالنصف الأول ولم تعلم موضعه منه ولا عدده فكذلك إلا أن اجتهادها يختص بذلك الوقت دون غيره‏.‏

الضرب الثاني‏:‏ أن تعلم عددها وتنسى وقتها نحو أن تعلم أن حيضها خمس ولا تعلم لها وقتا‏.‏

فهذه تجلس قدر أيامها من أول كل شهر في أحد الوجهين‏.‏

وفي الآخر تجلسه بالتحري‏.‏

وإن علمته في وقت من الشهر مثل أن علمت أن حيضها في العشر الأول من الشهر أو العشر الأوسط جلست قدر أيامها من ذلك الوقت دون غيره‏.‏

الضرب الثالث‏:‏ ذكرت وقتها ونسيت عددها مثل أن تعلم أن اليوم العاشر من حيضها ولا تدري قدره فحكمها في قدر ما تجلسه حكم المتحيرة واليوم العاشر حيض بيقين‏.‏

فإن علمته أول حيضها جلست بقية أيامها بعده وإن علمته آخر حيضها جلست الباقي قبله‏.‏

وإن لم تعلم أوله ولا آخره جلست مما يلي أول الشهر في أحد الوجهين وفي الآخر تجلس بالتحري‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ذكرت الناسية عادتها‏]‏

ومتى ذكرت الناسية عادتها رجعت إليها لأنها تركتها للعجز عنها فإذا زال العجز وجب العمل بها لزوال العارض فإن كانت مخالفة لما عملت قضت ما صامت من الفرض في مدة العادة وما تركت من الصلاة والصيام فيما خرج عنها لأننا تبينا أنها تركتها وهي طاهرة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏متى تصير للمرأة عادة‏]‏

ولا تصير المرأة معتادة حتى تعلم طهرها وشهرها ويتكرر‏.‏

وشهرها‏:‏ هو المدة التي يجتمع لها فيه حيض وطهر وأقل ذلك أربعة عشر يوما يوم للحيض وثلاثة عشر للطهر وغالبه الشهر المعروف لحديث حمنة ولأنه غالب عادات النساء وأكثره لا حد له ‏[‏لأن أكثر الحيض لا يتعداه‏]‏ وتثبت العادة بالتمييز كما لو تثبت بانقطاع الدم فلو رأت المبتدأة خمسة أيام دما أسود ثم احمر وعبر أكثر الحيض وتكرر ذلك ثلاثا ثم رأت في الرابع دما مبهما كان حيضها أيام الدم الأسود لأنه صار عادة لها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أقسام العادة‏]‏

والعادة على ضربين‏:‏ متفقة ومختلفة‏.‏

فالمتفقة‏:‏ مثل من تحيض خمسة من كل شهر والمختلفة مثل من تحيض في شهر ثلاثة وفي الثاني أربعة وفي الثالث خمسة ثم يعود إلى الثلاثة ثم إلى أربعة على هذا الترتيب أو في شهر ثلاثة وفي الثاني خمسة وفي الثالث أربعة ثم تعود إلى الثلاثة فكل ما أمكن ضبطه من ذلك فهو عادة مستقرة وما لم يمكن ضبطه نظرت إلى القدر الذي تكرر منه فجعلته عادة كأنها رأت في شهر ثلاثة وفي شهر أربعة وفي شهر خمسة فالثلاثة حيض لتكررها ثلاثا‏.‏

فإذا رأت في الرابع ستة فالأربعة حيض‏:‏ لتكررها ثلاثا فإذا رأت في الخامس سبعة فالخمسة حيض وعلى هذا ما تكرر فهو حيض وما فلا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم التلفيق‏]‏

في التلفيق‏:‏ إذا رأت يوما دما ويوم طهرا فإنها تغتسل وتصلي في زمن الطهر لقول ابن عباس رضي الله عنه‏:‏ لا يحل لها إذا رأت الطهر ساعة إلا أن تغتسل ثم إن انقطع الدم لخمسة عشر فما دون فجميعه حيض تغتسل عقيب كل يوم وتصلي في الطهر وإن عبر الخمسة عشر فهي مستحاضة ترد إلى عادتها فإن كانت عادتها سبعة متوالية جلست ما وافقها من الدم فيكون حيضها منه ثلاثة أيام أو أربعة وإن كانت ناسية فأجلسناها سبعة وإن أجلسناها أقل الحيض جلست يوما وليلة لا غير وإن كانت مميزة ترى يوما دما أسود ثم ترى نقاء ثم ترى أسود إلى عشرة أيام ثم ترى دما أحمر وعبر ردت إلى التمييز فيكون حيضها زمن الدم الأسود دون غيره ولا فرق بين أن ترى الدم زمنا يكون أن يكون حيضا كيوم وليلة أو دون ذلك كنصف يوم ونصف ليلة فإن كان النقاء أقل من ساعة فالظاهر أنه ليس بطهر لأن الدم يجري تارة وينقطع أخرى وقد قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تابع التلفيق‏]‏

وإذا رأت ثلاثة أيام دما ثم طهرت اثني عشر يوما ثم رأته ثلاثة دما فالأول حيض لأنها رأته في زمان إمكانه والثاني استحاضة لأنه لا يمكن أن يكون ابتداء حيض لكونه لم يتقدمه أقل الطهر ولا من الحيض الأول لأنه يخرج عن الخمسة عشر والحيضة الواحدة لا تكون بين طرفيها أكثر من خمسة عشر يوما فإن كان بين الدمين ثلاثة عشر يوما فأكثر وتكرر فهما حيضتان لأنه أمكن جعل كل واحد منهما حيضة منفردة لفصل أقل الطهر بينهما وإن أمكن جعلهما حيضة واحدة بأن لا يكون بين طرفيها أكثر من خمسة عشر عشر يوما مثل أن ترى يومين دما وتطهر عشرة وترى ثلاثة دما وتكرر فهما حيضة واحدة لأنه لم يخرج زمنها عن مدة أكثر الحيض وعلى هذا يعتبر ما ألقي من المسائل في التلفيق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏المستحاضة‏]‏

في المستحاضة وهي‏:‏

التي ترى دما ليس بحيض ولا نفاس وحكمها حكم الطاهرات في وجوب العبادات وفعلها لأنها نجاسة غير معتادة أشبه سلس البول فإن اختلط حيضها باستحاضتها فعليها الغسل عند انقطاع الحيض لحديث فاطمة ومتى أرادت الصلاة غسلت فرجها وما أصابها من الدم حتى إذا استنقأت عصبت فرجها واستوثقت بالشد والتلجيم ثم توضأت وصلت لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحمنة بنت جحش حين شكت إليه كثرة الدم‏:‏ ‏[‏أنعت لك الكرسف‏]‏ يعني القطن تحشي به المكان قالت‏:‏ إنه أشد من ذلك فقال‏:‏ ‏[‏تلجمي‏]‏‏.‏

وعن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها‏.‏

أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل‏]‏ رواه أبو داود فإن خرج الدم بعد الوضوء لتفريط في الشد أعادت الوضوء لأنه حدث أمكن التحرز عنه‏.‏

وإن خرج لغير تفريط فلا شيء عليها لما روت عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي رواه البخاري ولأنه لا يمكن التحرز منه فسقط وتصلي بطهارتها ما شاءت من الفرائض والنوافل قبل الفريضة وبعدها حتى يخرج الوقت فتبطل بها طهارتها وتستأنف الطهارة لصلاة أخرى لما روي في حديث فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها‏:‏ ‏[‏اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة وصلي‏]‏ قال الترمذي هذا حديث صحيح ولأنها طهارة عذر وضرورة فقيدت بالوقت كالتيمم وإن توضأت قبل الوقت بطل وضوءها بدخوله كما في التيمم وإن انقطع دمها بعد الوضوء وكانت عادتها انقطاعه وقتا لا يتسع للصلاة لم يؤثر انقطاعه لأنه لا يمكن الصلاة فيه وإن لم تكن فيه عادة أو كانت عادتها انقطاعه مدة طويلة لزمها استئناف الوضوء وإن كانت في الصلاة بطلت لأن العفو عن الدم لضرورة جريانه فيزول بزواله وحكم من به سلس البول أو المذي أو الريح أو الجرح الذي لا يرقأ دمه حكمها في ذلك إلا أن ما لا يمكن عصبه يصلي بحاله فقد صلى عمر رضي الله عنه وجرحه يثعب دما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏وطء المستحاضة‏]‏

قال أصحابنا ولا توطأ مستحاضة لغير ضرورة لأنه أذى في الفرج أشبه دم الحيض فإن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض‏}‏ فعلله بكونه أذى وإن خاف على نفسه العنت أبيح الوطء لأنه يتطاول فيشق التحرز منه وحكمه أخف لعدم ثبوت أحكام الحيض فيه‏.‏

وحكى أبو الخطاب فيه عن أحمد رضي الله عنه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ كما ذكرنا‏.‏

والثانية‏:‏ يحل مطلقا لعموم النص في حل الزوجات وامتناع قياس المستحاضة على الحائض لمخالفتها لها في أكثر أحكامها ولأن وطء الحائض ربما يتعدى ضرره إلى الولد فإنه قد قيل‏:‏ إنه يكون مجذوما بخلاف دم المستحاضة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الغسل للمستحاضة‏]‏

ويستحب لها الغسل لكل صلاة لأن عائشة رضي الله عنها روت‏:‏ أن أم حبيبة استحيضت فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل لكل صلاة ‏[‏رواه أبو داود‏]‏ وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد فهو حسن لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحمنة‏:‏ ‏[‏فإن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حتى تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعا ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين مع الصبح كذلك فافعلي إن قويت على ذلك هو أعجب الأمرين إلي‏]‏ وهو حديث صحيح وإن توضأت لوقت كل صلاة أجزأها لما ذكرنا سابقا‏.‏

باب‏:‏ النفاس

وهو خروج الدم بسبب الولادة وحكمه حكم الحيض فيما يحرم ويجب ويسقط به لأنه دم حيض مجتمع احتبس لأجل الحمل فإن خرج قبل الولادة بيومين أو ثلاثة فهو نفاس لأن سبب خروجه الولادة وإن خرج قبل ذلك فهو دم فاسد لأنه ليس بنفاس لبعده من الولادة ولا حيض لأن الحامل لا تحيض‏.‏

وأكثر النفاس أربعون يوما لما روت أم سلمة قالت‏:‏ كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوما أو أربعين ليلة رواه أبو داود‏.‏

وليس لأقله حد فأي وقت رأت الطهر فهي طاهر تغتسل وتصلي ويستحب لزوجها الإمساك عن وطئها حتى تتم الأربعين‏.‏

فإن عاودها الدم في مدة النفاس فهو نفاس لأنه في مدته أشبه الأول‏.‏

وعنه‏:‏ أنه مشكوك فيه تصوم وتصلي وتقضي الصوم احتياطا لأن الصوم واجب بيقين فلا يجوز تركه لعارض مشكوك فيه ويفارق الحيض المشكوك فيه لكثرته وتكرره ومشقة إيجاب القضاء فيه‏.‏

وما زاد على أربعين فليس بنفاس وحكمها فيه حكم غير النفساء إذا رأت الدم وصادف عادة الحيض فهو حيض وإلا فلا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من ولدت توأمين‏]‏

وإذا ولدت توأمين فالنفساء من الأول لأنه دم خرج عقيب الولادة فكان نفاسا كما لو كان منفردا وآخر منه فإذا أكملت أربعين من ولادة الأول انقضت مدتها لأنه نفاس واحد لحمل واحد فلم تزد العادة منه على أربعين‏.‏

وعنه‏:‏ أنه من الأول ثم تستأنفه في الثاني لأن كل واحد منهما سبب للمدة فإذا اجتمعا اعتبر أولها من الأول وآخرها من الثاني كالوطء في إيجاب العدة‏.‏

باب‏:‏ أحكام النجاسات

بول الآدمي نجس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يعذب في قبره‏:‏ ‏[‏إنه كان لا يستتر من بوله‏]‏ متفق عليه والغائط مثله‏.‏

والودي‏:‏ ماء أبيض يخرج عقيب البول حكمه حكم البول لأنه في معناه‏.‏

والمذي نجس لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه في المذي‏:‏ ‏[‏اغسل ذكرك‏]‏ ولأنه خارج من الذكر لا يخلق منه الولد أشبه البول‏.‏

وعنه‏:‏ أنه كالمني‏:‏ لأنه خارج بسبب الشهوة أشبه المني‏.‏

وبول ما يؤكل لحمه ورجيعه نجس لأنه بول حيوان غير مأكول أشبه بول الآدمي إلا بول ما لا نفس له سائلة فإن ميتته طاهرة فأشبه الجراد‏.‏

وبول ما يؤكل لحمه ورجيعه طاهر‏.‏

وعنه أنه كالدم لأنه رجيع والمذهب الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏صلوا في مرابض الغنم‏]‏ حديث صحيح وكان يصلي فيها قبل بناء مسجده وقال للعرنيين‏:‏ ‏[‏انطلقوا إلى إبل الصدقة فاشربوا من ألبانها وأبوالها‏]‏ متفق عليه‏.‏

ومني الآدمي طاهر لأن عائشة قالت‏:‏ كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه متفق عليه ولأنه بدء خلق آدمي فكان طاهرا كالطين‏.‏

وعنه‏:‏ أنه نجس يجزىء فرك يابسه ويعفى عن يسيره لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغسل المني عن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا حديث صحيح لأنه خارج من مخرج البول أشبه المذي‏.‏

وفي رطوبة فرج المرأة روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أنها نجس لأنها بلل من الفرج لا يخلق منه الولد أشبه المذي‏.‏

والثانية‏:‏ أنها طاهرة لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من جماع لأن الأنبياء لا يحتلمون وهو يصيب رطوبة الفرج‏.‏

والقيء نجس لأنه طعام استحال في الجوف إلى الفساد أشبه الغائط‏.‏

وفي كل حيوان غير الآدمي ومنيه في حكم بول في الطهارة والنجاسة لأنه في معناه‏.‏

والنخامة طاهر سواء خرجت من رأس أو صدر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا ووصف القاسم وتفل في ثوبه ومسح بعضه على بعض‏]‏ رواه مسلم‏.‏

وذكر أبو الخطاب أن البلغم نجس قياسا على القيء والأول أصح والبصاق والمخاط والعرق وسائر رطوبات الآدمي طاهرة لأنه من جسم طاهر وكذلك هذه الفضلات من كل حيوان طاهر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم الدم‏]‏

والدم نجس لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في الدم‏:‏ ‏[‏اغسليه بالماء‏]‏ متفق عليه ولأنه نجس لعينه بنص القرآن أشبه الميتة إلا دم السمك فإنه طاهر لأن ميتته طاهرة مباحة‏.‏

وفي دم ما لا نفس له سائلة كالذباب والبق والبراغيث والقمل روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ نجاسته لأنه دم أشبه المسفوح‏.‏

والثانية‏:‏ طهارته لأنه دم حيوان لا ينجس بالموت أشبه دم السمك وإنما حرم الدم المسفوح‏.‏

والعلقة نجسة لأنها دم خارج من الفرج أشبه الحيض‏.‏

وعنه‏:‏ إنها طاهرة لأنها لأنها بدء خلق آدمي أشبهت المني‏.‏

والقيح نجس لأنه دم استحال إلى نتن وفساد والصيد مثله إلا أن أحمد قال‏:‏ هما أخف حكما من الدم لوقوع الخلاف بين نجاستهما وعدم النص فيهما‏.‏

وما بقي من الدم في اللحم معفو عنه‏.‏

ولو علت حمرة الدم في القدر لم يكن نجسا لأنه لا يمكن التحرز منه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الخمر‏]‏

والخمر نجس لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه‏}‏ ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم والنبيذ مثله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏كل مسكر خمر وكل خمر حرام‏]‏ رواه مسلم ولأنه شراب فيه شدة مطربة أشبه الخمر‏.‏

فإن انقلبت الخمرة خلا بنفسها طهرت لأن نجاستها لشدتها المسكرة وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها فوجب أن تطهر كالماء الذي تنجس بالتغير ‏[‏إذا زال تغيره‏]‏‏.‏

وإن خللت لم تطهر لما روي‏:‏ أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ عن أيتام ورثوا خمرا فقال‏:‏ ‏[‏أهرقها قال‏:‏ أفلا أخللها‏؟‏ قال‏:‏ لا‏]‏ رواه أحمد في مسنده و‏.‏

الترمذي ولو جاز التخليل لم ينه عنه‏.‏

ويتخرج أن تطهر لزوال علة التحريم كما لو تخللت ولا يطهر غيرها من النجاسات بالاستحالة‏.‏

فلو أحرقت فصارت رمادا أو تركت في ملاحة فصارت ملحا لم تطهر لأن نجاستها لعينها بخلاف الخمر فإن نجاستها لمعنى زال بالانقلاب‏.‏

ودخان النجاسة وبخارها نجس فإن اجتمعت منه شيء أو لاقى جسما صقيلا فصار ماء فهو نجس‏.‏

وما أصاب الإنسان من دخان النجاسة وغبارها فلم يجتمع منه شيء ولا ظهرت صفته فهو معفو عنه لعدم إمكان التحرز منه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏نجاسة الكلب والخنزير‏]‏

ولا يختلف المذهب في نجاسة الكلب والخنزير وما تولد منهما إذا أصابت غير الأرض أنه يجب غسلها سبعا إحداهن بالتراب سواء كان من ولوغه أو غيره لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن التراب‏]‏ متفق عليه ولمسلم‏:‏ أولاهن التراب‏.‏

وعنه‏:‏ يغسله سبعا وواحدة التراب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعا وعفروه الثامنة بالتراب‏]‏ رواه مسلم والأولى أصح لأنه يحتمل أنه على عد التراب ثامنة لكونه من الماء من غير جنسه والأولى جعل التراب من الأولى للخبر وليكون الماء بعده فينظفه وحيث جعله جاز لقوله في اللفظ الآخر‏:‏ وعفروه الثامنة بالتراب فيدل على أن عين الغسلة غير مرادة‏.‏

وإن جعل مكان التراب جامدا آخر كالأشنان ففيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ يجزئه لأن نصه على التراب تبينه على ما هو أبلغ منه في التنظيف‏.‏

والثاني‏:‏ لا يجزئه لأنه تطهير ورد الشرع فيه بالتراب فلم يقم غيره مقامه كالتيمم‏.‏

والثالث‏:‏ يجزئه إن عدم التراب أو كان مفسدا للمغسول للحاجة وإلا فلا‏.‏

وإن جعل مكانه غسلة ثامنة لم يجزه لأنه أمر بالتراب معونة للماء في قلع النجاسة أو للتعبد ولا يحصل بالماء وحده وقد ذكر فيه الأوجه الثلاثة وإن ولغ في الإناء كلب أو وقعت فيه نجاسة أخرى لم تغير حكمه لأن الغسل لا يزداد بتكرار النجاسة كما لو ولغ فيه الكلب مرات‏.‏

وإن أصاب الثوب منم ماء الغسلات ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يغسل سبعا إحداهن بالتراب لأنها نجاسة كلب‏.‏

والثاني‏:‏ حكمه حكم المحل الذي انفصل عنه في الغسل في التراب وفي عدد الغسلات لأن المنفصل كالبلل الباقي وهو يطهر بباقي العدد كذلك هذا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏النجاسات كلها على الأرض يطهرها أن يغمرها الماء‏]‏

والنجاسات كلها على الأرض يطهرها أن يغمرها الماء فيذهب عينها ولونها لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء‏]‏ متفق عليه‏.‏

ولو كانت أرض البئر نجسة فنبع عليها الماء طهرها‏.‏

ولا تطهر الأرض النجسة بشمس ولا ريح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل بول الأعرابي ولأنه محل نجس أشبه الثوب‏.‏

وإن طبخ اللبن المخلوط بالزبل النجس لم يطهر لكن ما يظهر منه يحترق فيذهب عينه ويبقى أثره فإذا غسل طهر ظاهره وبقي باطنه نجسا لو حمله مصل لم تصح صلاته وإن ظهر من باطنه شيء فهو نجس‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إذا أصاب أسفل الخف أو الحذاء نجاسة‏]‏

إذا أصاب أسفل الخف أو الحذاء نجاسة ففيه ثلاث روايات‏:‏

إحداهن‏:‏ يجزئ دلكه بالأرض لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب‏]‏ وفي لفظ‏:‏ إذا وطئ بنعله رواه أبو داود لأنه محل تتكرر فيه النجاسة فأجزأ فيه المسح كمحل الاستنجاء‏.‏

والثانية‏:‏ يجب غسله لأنه ملبوس فلم يجز فيه المسح كظاهره‏.‏

والثالثة‏:‏ يجب غسله من البول والعذرة لفحشهما ويجزئ دلكه من غيرهما‏.‏

فإن قلنا‏:‏ يجزئ المسح ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يطهر اختاره ابن حامد للخبر‏.‏

والثاني‏:‏ لا يطهر لأنه محل نجس فلم يطهره المسح كغيره‏.‏

وفي محل الاستنجاء بعد الاستجمار وجهان أيضا‏:‏

أحدهما‏:‏ يطهر قال أحمد رضي الله عنه في المستجمر يعرق في سراويله‏:‏ لا بأس به وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الروث والرمة‏:‏ ‏[‏لا يطهرن‏]‏ دليل على أن غيرهما يطهر‏.‏

والثاني‏:‏ لا يطهر لما ذكرنا في القياس‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بول الغلام‏]‏

ويجزئ في بول الغلام الذي لم يطعم الطعام النضج وهو أن يغمره بالماء وإن لم يزل عنه لما روت أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله متفق عليه‏.‏

ولا يجزئ في بول الجارية إلا الغسل لما روى علي رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏[‏بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل‏]‏ رواه أحمد في المسند فإن أكلا الطعام وتغذيا به غسل بولهما لأن الرخصة وردت فيمن لم يطعم فبقي من عداه على الأصل‏.‏

وفي المذي روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجزئ نضحه لما روى سهل بن حنيف قال كنت ألقى من المذي شدة وعناء فقلت‏:‏ يا رسول الله فكيف بما أصاب ثوبي منه‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه‏]‏ وقال الترمذي‏:‏ هذا حديث صحيح‏.‏

والثانية‏:‏ يجب غسله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر منه ولأنه نجاسة من كبير أشبه البول‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أحكام النجاسات عامة‏]‏

وما عدا المذكور من النجاسات في سائر المحال فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجزئ مكاثرتها بالماء حتى تذهب عين النجاسة ولونها من غير عدد قياسا على نجاسة الأرض ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء في الدم‏:‏ ‏[‏اغسليه بالماء‏]‏ ولم يذكر عددا وروى ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ كان غسل الثوب من النجاسة سبع مرات فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعل الغسل من البول مرة رواه أبو داود‏.‏

والثانية‏:‏ يجب فيها العدد وفي قدره روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ سبع لأنها نجاسة من غير الأرض فأشبهت نجاسة الكلب‏.‏

وفي اشتراط التراب وجهان‏.‏

والثانية‏:‏ ثلاث لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يديه في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده‏]‏ أمر بالثلاث وعلل بوهم النجاسة ولا يرفع وهمها إلا ما يرفع حقيقتها‏.‏

فإن قلنا بالعدد لم يحتبس برفع الثوب من الماء غسلة حتى يعصره وعصر كل شيء يحبسه فإن كان بساطا ثقيلا أو زليا فعصره بتقليبه ودقه حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا غسل النجاسة فلم يذهب لونها أو ريحها‏]‏

وإذا غسل النجاسة فلم يذهب لونها أو ريحها لمشقة إزالته عفي عنه لما روي أن‏.‏

خولة بنت يسار قالت‏:‏ يا رسول الله أرأيت لو بقي أثره تعني‏:‏ الدم فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الماء يكفيك ولا يضرك أثره‏]‏ رواه أبو داود بمعناه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏النجاسة المعفو عنها‏]‏

ويعفى عن يسير الدم في غير المائعات لأنه لا يمكن التحرز منه فإن الغالب أن الإنسان لا يخلو من حبة وبثرة فألحق نادره بغالبه وقد روي عن جماعة من الصحابة الصلاة من الدم ولم يعرف لهم مخالف‏.‏

وحد اليسير ما لا ينقض مثله الوضوء وقد ذكر في موضوعه‏.‏

والقيح والصديد كالدم لأنه مستحيل منه‏.‏

وفي المني إذا حكمنا بنجاسته روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أنه كالدم لأنه مستحيل منه‏.‏

والثانية‏:‏ لا يعفى عنه لأنه يمكن التحرز منه‏.‏

وفي المذي وريق البغل والحمار وعرقهما وسباع البهائم وجوارح الطيور وبول الخفاش روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه فإن المذي يكثر من الشباب ولا يكاد يسلم مقتني هذه الحيوانات من بللها فعفي عن يسيرها كالدم‏.‏

والثانية‏:‏ لا يعفى عنهما لعدم ورود الشرع فيها‏.‏

وفي النبيذ روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يعفى عن يسيره لوقوع الخلاف فيه‏.‏

والثانية‏:‏ لا يعفى عنه لأن التحرز عنه ممكن‏.‏

وما عدا هذا من النجاسة لا يعفى عن شيء منه ما أدركه الطرف منها وما لم يدركه لأنها نجاسة لا يشق التحرز منها فلم يعف عنها كالكثير‏.‏