فصل: فصل في بيع النقدين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في بيع النقدين:

أي المسكوك من الذهب والفضة. (والحلى) أي المصوغ منها (وشبهه) وهو المحلى بأحد النقدين أو بهما.
الصَّرْفُ أَخْذ فِضّةٍ بِذَهَب ** أَوْ عَكْسُهُ وَمَا تَفَاضَلَ أُبي

(الصرف أخذ) أي بيع (فضة بذهب أو عكسه) أي أخذ فضة في ذهب، إنما يحتاج للتنصيص على العكس إذا اعتبر آخذ معين وإلا فهو عين ما قبله (وما تفاضل أُبي) بضم الهمزة أي لا يمتنع فيه التفاضل فيجوز أوقية من فضة بأوقيتين من ذهب. وإنما يمتنع فيه التأخير كما سيقوله:
والجِنْسُ بالجِنْس هُوَ الْمُرَاطَلَهْ ** بالوَزْنِ أو بالعَدِّ فالْمُبَادَلَهْ

(والجنس بالجنس) أي بيع الذهب بمثله أو الفضة بمثلها (هو المراطلة) إذا كان ذلك (بالوزن) ولها صورتان إحداهما أن يجعل رطل ذهب في كفة حتى يعتدلا، والأخرى أن يجعل أحد الذهبين في كفة والحجر في كفة فإذا عادله نزع ويجعل ذهب الآخر مكانه حتى يعادل الحجر أيضاً، وهذه الصورة كما لابن رشد أرجح (خ): ومراطلة عين بمثله بصنجة أو كفتين إلخ. وسواء كانت الصنجة أو الحجر معلومة القدر أم لا كان الذهب والفضة مسكوكين أو أحدهما أم لا. كان التعامل وزناً أو عدداً، وإنما يشترط أن لا يدور الفضل من الجانبين كسكة متوسطة في الجودة تراطل بأدنى منها أو أجود. (أو) أي وأن بيع الجنس بالجنس (بالعد ف) هو (المبادلة) وهي جائزة في القليل والكثير إذا اتفق وزن الآحاد وكان التعامل بها عدداً فإن كان التعامل بالوزن لم يجز إلا بالوزن وتعود مراطلة كما في ضيح، وإن كان أحد العوضين أو بعضه أوزن من العوض الآخر بسدس فأقل والبعض الآخر مساوٍ امتنعت إلا في اليسير وهو ستة فدون على المشهور (خ): وجازت مبادلة القليل المعدود دون سبعة بأوزن منها إلخ. وعليه فإذا بادله عشرين بعشرين وعشرة منها أوزن بأن يكون كل دينار أو درهم منها يزيد بسدس فأكثر على مقابله من الجانب الآخر امتنعت، وإن كان ستة منها فدون يزيد كل واحد منها بسدس فدون على مقابلة جازت بشرط أن يكون التعامل بالعدد كما مر، وأن تكون بلفظ المبادلة وأن يكون الزائد لمحض المعروف وأن تكون في مسكوك لا في مكسور وتبر، ولا يشترط اتحاد السكة كما في (ز) وأن تكون واحداً بواحد أو اثنين باثنين وهكذا إلى ستة لا واحد باثنين على مذهب مالك لأنه كره إبدال الدينار بأربعة وعشرين قيراطاً ولم يرخص فيه، وقال ابن القاسم: لا أرى به بأساً. ابن رشد: معناه في القراريط التي تضرب من الذهب كل قيراط من ثلاث جهات فتكون زنة المثقال أي الدينار أربعة وعشرين قيراطاً فيعطى الرجل المثقال ويأخذ أربعة وعشرين قيراطاً فكره ذلك مالك إذ لا يخلو من أن تزيد على المثقال أو تنقص عنه لأن الشيء إذا وزن مجتمعاً ثم فرق زاد أو نقص فقول مالك بكراهة ذلك هو القياس، لاسيما والصيرفيون يزعمون أن الدراهم إذا وزنت مفترقة ثم جمعت نقصت فيكون صاحب القراريط إنما ترك فضل عدد قراريطه لفضل الدينار الوازن وما يرجوه من زيادة وزنه على وزن قيراطه، وأجازه ابن القاسم استحساناً على وجه المعروف في الدينار الواحد كما أجازوا مبادلة الدينار الناقص بالوازن على وجه المعروف. اهـ. قال القباب: فحاصله أن في الدنانير بالقراريط غير مراطلة قولين، وإذا قيل بالجواز في دينار بأربعة وعشرين قيراطاً فبكبير من الدراهم بصغيرين أحرى في الجواز، وكذا كبير من الدراهم بأربعة قراريط فضة ما لم يتبين أن الدنانير أنقص من القراريط أو بالعكس فتقبح المسألة. اهـ.
وحاصله: أن كلام ابن رشد وتعليله بدوران الفضل يدل على أن محل الخلاف إذا اتحد وزن الدينار والقراريط فمالك منعه لدوران الفضل وابن القاسم أجازه على وجه المعروف ومراده بالفضل الفضل المترقب لا الحاصل كما يدل عليه قوله: وما يرجوه من زيادة وزنه إلخ. قاله أبو العباس الملوي في بعض طرره، وقول القباب ما لم يتبين أن الدينار أنقص إلخ. ظاهره ولو كان أنقص بسدس فدون فتمتنع المسألة لأنه اجتمع للمنع علتان دوران الفضل، وكون الدينار أو القراريط أنقص ولا يلزم اغتفار أحد الأمرين مع اتحاده اغتفاره إذا اجتمع مع غيره، وهذا الذي فهمه القباب نحوه في نوازل البرزلي قال: اختلف في استصراف الجملة بالأجزاء مثل أن يعطي دينارين فيأخذ نصفين أو درهماً بقيراطين فأجازه ابن القاسم دون وزن كبدل الناقص بالوازن على وجه المعروف وكرهه مالك إلخ. ثم قال: بيع الدرهم بقيراطين دون مراطلة جائز وإن احتمل أن يكون بينهما تفاضل في الوزن إذ الغالب التساوي إلخ. ثم ذكر في موضع آخر عن ابن عرفة أنه سئل هل يجوز صرف الدينار بالربيعيات من سكة بغير مراطلة اعتماداً على دار السكة؟ فأجاب بأن فعل ذلك من غير مراطلة اتكالاً على دار الضرب لا يجوز قبل اليوم وأحرى اليوم لظهور فعل الفسقة بالقطع من موزونات دار الضرب ذهباً أو فضة في الأجزاء وغيرها. اهـ. البرزلي: وما ذكره من منع اقتضاء الأجزاء اليوم واضح وأحرى إذا بادل بها من غير مراطلة، ومسألة ابن القاسم في العتبية هي مع السلامة من النقص. اهـ. بنقل الملوي فقف على قوله، ومسألة ابن القاسم... إلخ. فكلام البرزلي هذا موافق لما مر عن القباب، وأن معنى مسألة ابن القاسم إذا اتفقت الأجزاء مع الدينار في الوزن، وصريح كلام (م) هاهنا مع من تبعه وهو ظاهر فتوى الإمام القصار. وكلام غير واحد من شراح (خ) أن مسألة ابن القاسم أعم مما إذا تساوى العوضان وزناً أو كان أحدهما أوزن لأن الشراح قالوا: إذا تساوى العوضان وزناً جازت المبادلة في القليل والكثير ولا يشترط فيهما واحد بواحد ولا غير ذلك من الشروط المتقدمة، وظاهرهم اتفاقاً فلا يعتبر الدوران حينئذ ولا غيره، وكذا الإمام القصار أطلق في فتواه على ما نقلوه عنه فظاهره العموم وصرح به (م) هاهنا فقال بعد نقله كلام ابن رشد المتقدم ما نصه: هذا صريح في جواز إبدال الدينار بنصفي دينار أو بأربعة أرباعه وإن لم يتساو العوضان في الوزن، وعلى هذا اعتمد الإمام أبو عبد الله القصار في فتواه بجواز إبدال ريال كبير بعشرين موزونة. يعني: أو بأكثر حين صغرت الدراهم وذلك في ريال واحد لا في أكثر، ومأخذه في ذلك ظاهر والله أعلم. اهـ.
فهؤلاء الأئمة فهموا مسألة ابن القاسم على العموم كما ترى ووجهه ظاهر لأنه إذا اغتفر ابن القاسم دوران الفضل على ما قرره ابن رشد، فكذلك يغتفر النقص المقارن له من أحد الجانبين الذي اتفق هو ومالك على اغتفاره لأنه الموضوع، إذ اغتفار الدوران معروف عنده، واغتفار السدس فدون كذلك عند الجميع، فإذا اغتفر ابن القاسم كلاًّ على الانفراد فكذلك عند الاجتماع والله أعلم، ويمكن أن يقال معنى قول القباب: ما لم يتبين أن الدينار أنقص إلخ. يعني بأكثر من سدس فيوافق حينئذ هؤلاء على أن اللخمي والمازري والجلاب وصاحب التلقين وغير واحد كلهم أطلقوا القول في قدر النقص فلم يحدوه بسدس ولا غيره، وأجازوا مبادلة الستة فدون بأنقص منها، وما ذاك والله أعلم، إلا لكون الزيادة غير منتفع بها ولو كانت أكثر من سدس وخلافهم رحمة والله أعلم، ويترجح حينئذ حمل مسألة ابن القاسم على العموم وهو م عليه العامة الآن ولا يستطيع أن يردهم عن ذلك أحد، وانظر ما وجه المنع في إبدال ريالين مثلاً باثنين وثلاثين درهماً حيث كان صرفه بستة عشر درهماً كما في زمننا هذا مع اتحاد الجانبين في الوزن أو كون أحدهما أزيد بسدس، والظاهر الجواز مع اتحاد الوزن مطلقاً أو إلى ستة مع زيادة أحد الجانبين بسدس فدون لأن المسألة إنما أجيزت على مذهب ابن القاسم للمعروف وهو لا يختص بالواحد والله أعلم.
وبالجملة فاشتراط لفظ المبادلة إنما هو لكونه دالاً على عدم المماكسة، وفيه إشعار بقصد المعروف، ولكن العامة اليوم يعبرون عنها بلفظ الصرف فيقولون: صرِّف لي هذه الدراهم بمثلها أو بريال مثلاً، والظاهر أنه لا ينقض عقدهم لإخلالهم بالشرط المذكور لأن المدار في العقود على المقاصد والمعاني لا الألفاظ، وأما الريال بالدراهم الصغار فعلى ما لهؤلاء إن كان الريال يوافق وزن العدد فلا إشكال وإن كان هو أزيد بسدس فدون فكذلك، وإن كانت الدراهم أي مجموعها أزيد بسدس فكذلك أيضاً، وإن كان ظاهر المصنف المنع لأنها أزيد من ستة وإن كان كل واحد من أفرد الدراهم يزيد بسدس فيحتمل المنع لأن الدراهم الستة عشر تكون زائدة على الريال بثلاثة دراهم غير ثلث درهم، وذلك لا تسمح به النفوس غالباً، ويحتمل الجواز وهو الظاهر لأن الزيادة المذكورة غير منتفع بها كما لا يجوز إبدال ستة ريالات بستة أخرى أو بدراهم مع كون كل واحد من ريال إحدى الجهتين زائداً على مقابله بسدس، فيجتمع في تلك الأسداس ريال كامل، وكذلك الدنانير ولو شرعية يجتمع فيها دينار كامل وذلك مما لا تسمح به النفوس، ولكنك قد علمت أن المدار على كون الزائد لا ينتفع به في التعامل، وكل ما كان كذلك تسمح به النفس غالباً، ويحتمل الجواز فتأمل ذلك. ولو شك في أحد الجانبين هل هو أوزن من الآخر بسدس أو أكثر أو مساوٍ؟ فينظر للغالب فإن غلب التقصيص في الدراهم امتنع وإلاَّ جاز كما تقدم، ودراهم زمننا اليوم لا تزيد عليه ولا يزيد عليها في الغالب إلا بالشيء التافه.
فرع:
وفي المعيار عن التونسي: يجوز مراطلة الدراهم القديمة وهي أكثر فضة بالجديدة قائلاً لأن معطى الجديدة متفضل لا انتفاع له بما في القديمة من زيادة الفضة، إذ لو سكت القديمة لخسر فيها ويغرم عليها لتصير جديدة قال: ويجوز قضاء الجديدة عن القديمة، ومن باع قبل قطعها فليس له إلا هي اه باختصار. ونقله (ح) قال (ت): وهذه الفتوى مخالفة للمشهور. اهـ.
قلت: وجه مخالفتها دوران الفضل من الجانبين.
والشَّرْطُ في الصَّرْفِ تَناجُزٌ فَقَطْ ** وَمَعَهُ المثْلُ بِثَانٍ يُشْتَرَطْ

(والشرط في الصرف) المذكور أولاً (تناجز) فلا يجوز التأخير في القبض للعوضين أو أحدهما مع افتراق ولو قريباً فإن كان التأخير بالمجلس من غير افتراق فيمنع الطويل ويكره القريب. قال في المدونة في الذي يصرف ديناراً من الصيرفي فيدخله تابوته ثم يخرج الدراهم: لا يعجبني، ولكن يتركه حتى يرى الدراهم فيأخذ ويعطي. (فقط) أي انته عن الزيادة على اشتراط التناجز في الصرف فلا تشترط فيه المماثلة، إذ يجوز فيه التفاضل كدرهم بدينارين (ومعه المثل) مبتدأ والظرف قبله مع المجرور في قوله (بثان) يتعلقان بقوله (يشترط) والجملة خبر والباء ظرفية بمعنى (في) أي: والمثل يشترط مع التناجز في الثاني وهو بيع الجنس بالجنس فلا يجوز فيه التأخير ولا التفاضل معدودين كانا أو مصوغين أو مختلفين إلا ما تقدم من رخصة المبادلة في ستة فدون بشروطها المتقدمة فوق هذا البيت.
وبَيْعُ مَا حُلِّيَ مِمَّا اتُّخِذَا ** بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِنَقْدٍ نفَذا

(وبيع) مبتدأ (ما) شيء (حلي) بذهب أو فضة وكان يخرج منه شيء منهما عند سبكه أي حرقه وكان مستمراً بحيث لا ينزع إلا بفساد (مما اتخذا) يتعلق بمحذوف حال من ما (بغير جنسه) يتعلق ببيع وكذا (بنقد) وقوله (نفذا) خبر المبتدأ وهو بالبناء للمفعول مع تشديد الفاء، ويجوز بناؤه للفاعل مع تخفيف الفاء والتقدير: وبيع شيء محلى حال كونه مما يجوز اتخاذه كالمصحف مطلقاً والسيف للرجال والثوب للمرأة بغير جنسه بمعجل نافذ جائز كانت الحلية تابعة أو متبوعة ولا يشترط أن يكون الجميع ديناراً أو يجتمعا فيه للضرورة فرخص فيه لذلك، واحترزت بقولي: وكان يخرج منه إلخ. مما إذا كان لا يخرج منه شيء عند الحرق فإنه لا يعتبر حينئذ من الذهب والفضة ويباع بمؤجل ومعجل بصنفه وبغيره وبقولي: مسمراً إلخ. مما لو كان غير مسمر كقلادة مثلاً أو لا فساد في نزعه فإنه لا يباع بجنسه ولا بغيره إلا على حكم اجتماع البيع والصرف. نعم بالعرض يجوز وبقوله: مما اتخذا إلخ. مما إذا لم يجز اتخاذه كدواة محلاة أو سرج ونحوهما، فإنه لا يجوز بصنفه ولا بغيره بل بعرض إلا أن يقل عن صرف دينار كاجتماع البيع والصرف أيضاً، وبقوله: بغير جنسه يعني كالمحلى بالذهب يباع بالفضة وبالعكس احترازاً مما لو بيع بجنس غير الحلية التي فيه كبيع المحلى بذهب أو المحلى بفضة، فإنه لا يجوز لما فيه من بيع ذهب وعرض بذهب أو فضة وعرض بفضة وهو الربا المعنوي المشار له بقوله. (خ): كدينار ودرهم أو غيره بمثلهما هذا كله مع تحقق التماثل فكيف به مع الشك فيه كما هنا لأن الحلية لا يتأتى معرفة قدرها إلا بالتحري كما يأتي، اللهم إلا إذا كانت الحلية الثلث فدون لأنها حينئذ تبع، وهل يعتبر الثلث بالقيمة أو بالوزن؟ خلاف فإن كان وزن الحلية عشرين ولصياغتها تساوي ثلاثين، وقيمة النصل أربعون فالمجتمع سبعون، فإذا نسبت قيمة الحلية وهي ثلاثون للسبعين كانت أكثر من الثلث فلا يجوز على الأول وجاز على الثاني لأنه يعتبر الوزن ووزنها عشرون وهي ثلث، ثم إن الوزن على القول به يعتبر بالتحري فإن لم يكن تحريه لعدم وجود من هو أهل صنعته فتعتبر القيمة حينئذ اتفاقاً، واحترز بقوله: بنقد أي بمعجل مما لو بيع بمؤجل، فإنه لا يجوز بصنفه ولا بغيره لما فيه من ربا النساء. نعم يجوز بعرض وإلى المسألة بشروطها أشار (خ) بقوله: وجاز محلى وإن كان ثوباً يخرج منه عين إن سبك بأحد النقدين إن أبيحت وسمرت وعجل بغير صنفه مطلقاً وبصنفه إن كانت الثلث فأقل وهل بالقيمة أو بالوزن؟ خلاف.
وكُلُّ ما الْفِضّةُ فيهِ والذَّهبْ ** فبالعُرُوضِ البَيْعُ في ذَاكَ وجَبْ

(وكل ما) أي محلى (الفضة فيه والذهب فبالعروض البيع فيه قد وجب) نقداً أو إلى أجل، ولا يجوز بذهب ولا فضة ولو نقداً لما يلزم عليه من الربا المعنوي، لأنه حينئذ بيع ذهب وفضة وعرض بذهب أو بيع فضة وعرض وذهب بفضة، اللهم إلا أن يكون مجموعهما تبعاً لقيمة المحلى، فيجوز حينئذ بيعه بأحدهما لا بهما معاً، ومحل جوازه بأحدهما مع التبعية إذا توفرت الشروط الثلاثة التي هي الإباحة والتسمير والتعجيل (خ): وإن حلي بهما لم يجز بأحدهما إلا أن تبعا الجوهر.