فصل: فصل في عيوب الزوجين وما يردان به:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في عيوب الزوجين وما يردان به:

هو من عطف الخاص على العام إذ من العيوب ما لا رد به، ثم إن موجبات الخيار في النكاح ثلاثة: اثنان يستوي فيهما الرجل والمرأة وهما العيب والغرور بالحرية، وواحد يختص بالمرأة وهو عتق الأمة تحت زوجها العبد وقد نظمها بعضهم فقال:
عيب غرور سبب الخيار في ** تناكح كذاك عتق فاعرف

فأشار الناظم للعيوب المشتركة بقوله:
مِنَ الجُنُونِ والجُذامِ والبَرَصْ ** والدَّاءُ في الفَرْجِ الخِيارُ يُقْتَنَصْ

(من الجنون والجذام والبرص والداء في الفرج) يتعلق بمحذوف حال مما قبله يليه (الخيار) مبتدأ (يقتنص) بالبناء للمفعول خبره والمجرور وما عطف عليه يتعلق به، ومعنى يقتنص يثبت ويحصل وشمل كلامه الرجل والمرأة فإن للسالم الخيار في الآخر، بل ظاهره أن لكل منهما الخيار، وإذا اختار السالم الفراق فيؤجل المعيب للدواء على التفصيل الآتي ثم بعد مضيه يفرق بينهما، وظاهره ولو كان كل منهما معيباً بعيب صاحبه أو بغيره وهو كذلك على ما في (ح) عن الرجراجي، والذي للخمي أن كلاًّ من الزوجين إذا اطلع على عيب بصاحبه مخالف لعيبه كجنونه وبرصها مثلاً والعكس، فلكل منهما الخيار وإن كان موافقاً كبرصهما معاً أو جنونهما معاً كان له الخيار دونها لأنه بذل صداقاً لسالمة، فوجد ما يكون صداقها دون ذلك. اهـ. وقوله في الفرج أي فرج الرجل وفرج المرأة، وسيأتي أن داء فرج الرجل الجب والعنة والخصاء والاعتراض، وداء فرج المرأة الرتق والقرن والعفل والإفضاء. وبقي عليه من عيوب الفرج العذْيَطة بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح المثناة تحت والطاء المهملة هي حدوث الغائط عند الجماع ومثله البول عنده أيضاً وهي من عيوب الفرج المشتركة بينهما ولا يشتركان في عيب فرج غيرهما وأفهم قوله عند الجماع أنه إن كان أحدهما يبول أو يغيط في الفراش لا عند الجماع لا يرده الآخر بذلك وهو كذلك على المعتمد من أحد قولين، واقتصر عليه في الكراس السادس من أنكحة المعيار.
بَعْدَ ثُبوتِ العَيْبِ أَوْ إقْرَارِ ** به وَرَفْعِ الأمْرِ في المُخْتارِ

(بعد) يتعلق بمحذوف حال من نائب فاعل يقتنص (ثبوت عيب) كل منهما مضاف إليه (أو إقرار) معطوف على مقدر أي ببينة أو إقرار (به) يتعلق بإقرار وضميره للعيب (ورفع الأمر) معطوف على ثبوت أي بعد ثبوت العيب ببينة أو إقرار وبعد رفع الأمر للحاكم ومحل ثبوته بالإقرار إن كان يصح إقراره لا نحو محجور عليه، ويعرف الجذام والبرص بنظر الأطباء إليهما ما لم يكونا في العورة فيصدقان في نفيه، وقيل: ينظر الرجال للرجل والنساء للمرأة. ابن هارون: ولو أنها خالفته في وجود العيب بها فإن كان ظاهراً مثل الجذام والبرص بوجهها وكفيها فإنه يثبت بالرجال وإن كان في سائر بدنها أثبته النساء وإن كان في فرجها فقال ابن القاسم وابن حبيب: تصدق في ذلك ولا ينظرها النساء. قال ابن الهندي وغيره: تصدق مع يمينها ولها رد اليمين على الزوج، وقال ابن سحنون عن أبيه: ينظر إليها النساء في عيب الفرج. ابن فتحون في وثائقه: إن نظر الرجال إلى عيوب عورة الرجل جائز للضرورة كما ينظر النساء إلى المرأة. اهـ. وقد حكى البرزلي في النكاح عن ابن علوان أحد مفتي تونس أنه أتته امرأة تزوجها أندلسي وأساء عشرتها وعسر عليها التخلص منه فقال لها: ادّعي عليه أن داخل دبره برصاً فادعت ذلك عليه فحكم عليه بأن ينظره الرجال في ذلك المحل، فلما رأى الزوج ذلك طلقها. اهـ.
قلت: وبهذا القول جرى العمل قال ناظمه:
وجاز للنسوة للفرج النظر ** من النساء إن دعا له ضرر

فلا مفهوم للنسوة كما مر وما مر من أن العيب إذا كان بغير الفرج ينظر إليه الأطباء أعني النساء للنساء والرجال للرجال، وقيل: إذا كان العيب في المرأة فإن الثوب يشق عنه حتى ينظر إليه الأطباء. انظر المفيد. وهذا في غير العذيطة وأما هي فقد نزلت في زمن أحمد بن نصر ورمى كل واحد منهما صاحبه فأمر أن يطعم أحدهما تيناً والآخر فقوساً. فإذا ثبت أن العيب قبل العقد ولم يبق فيه مقال خير السالم من الزوجين فإن اختارت الزوجة فراقها طلقها الحاكم عليه ولا يفوض ذلك إليها. (في) القول (المختار) وأما إن حدث بعد العقد فسيأتي، ومقابل المختار أن القاضي يفوض ذلك إليها، وتقدم تحرير ذلك في فصل الضرر.
تنبيهان:
الأول: قال البرزلي إثر ما مر عنه بأوراق: إذا شهد رجلان من الأطباء أحدهما ذمي أن بجسم الزوج برصاً لا يشكان فيه فالذي في المدونة قبول ذلك لأن ذلك علم مقتبس ولا يجري مجرى الشهادة، ولكن ليس ذلك مطلقاً إذا قدر على تحصيل ما هو أثلج للصدر، فينبغي أن يؤمر العدول باختبار هذا هل فيه رائحة أم لا؟ فإن قالوا لا رائحة امتحن موضعه برأس إبرة فإن تغير واحمر لونه ودمي فليس برصاً ولا مقال للزوجة ولا أعلم وجهاً أوثق من هذا وما في الزمان طبيب انظر تمامه.
الثاني: قال البرزلي، إثر ما مر عن ابن علوان ما نصه: وكان يعني ابن علوان كثير التحيل في بعض المسائل فمن ذلك ما حكي عنه أن امرأة وصي على أولادها من قبل أبيهم فضيق عليها أولياء الزوج وأقاموا عليها البينة أنها سفيهة لا تصلح للتقديم فأتت إليه فقال لها: إذا قدموك غداً للقاضي فاعترفي لهم بذلك وقولي لهم: إني أتلفته في أيام السفه ففعلت ذلك فسرحها القاضي لذلك. قال البرزلي: وهذا التحيل إن كان ثبت عنده في هذه وفي التي قبلها أنها مظلومة فهو سائغ من باب الإنفاذ من المظلمات وإلاَّ فالصواب أنه لا يجوز لأنه من باب تلقين الخصوم القادح في العدالة قال: وهذه الطريقة معروفة لأبي حنيفة الإمام المشهور، فمن ذلك ما حكى ابن رشد عنه أنه حضر بيعة لبعض الملوك وأظنه أبا جعفر فقال أبو حنيفة لأصحابه: أنا لا أبايعه فاحضروه وأجلسه الأمير إلى جنبه، فلما بايعه الناس قال هو في بيعته: أبايعك حتى تقوم الساعة على قصد المبالغة فيما أوهمه ولما خلا به أصحابه قالوا له في ذلك فقال: ما بايعته وإنما أردت بقولي حتى تقوم الساعة لحاجة أو غيرها من ضرورياته فانظر فيه بقية التحيلات المحكية عنه.
ولما أجمل الناظم رحمه الله في داء الفرج أشار إلى تفصيله بالنسبة للزوجة فيما يأتي بقوله: والرتق داء الفرج في النساء إلخ. وإلى تفصيله بالنسبة للزوج هاهنا فقال:
وداءُ فَرْجِ الزَّوْجِ بالقَضاءِ ** كالجَبِّ والعُنَّةِ والخِصاءِ

(وداء فرج الزوج) مبتدأ ومضافان (بالقضاء) بمعنى المفعول صفة لداء والباء زائدة أي: وداء فرج الزوج المقضى عليه بالخيار لأجله كائن (كالجب والعنة والخصاء) ويحتمل أن تكون متعلقة بمحذوف صفة للمبتدأ المذكور أي: وداء فرج الزوج الموجب للخيار بالقضاء إلخ. والجب قطع الذكر والأنثيين معاً أو خلق بدونهما، والعنين لغة هو الذي لا يشتهي النساء وشرعاً من له ذكر صغير كالزر ويطلق أيضاً على الذي لا ينتشر ذكره وهو المعترض، وسيأتي، والخصي مقطوع الذكر أو الأنثيين، ولو كان قائم الذكر حيث كان لا يمني، فإن أمنى فلا خيار لها، ومثل قطع الذكر كله قطع حشفته فقط على الراجح كما في شراح المتن فإن قيل: إذا ثبت الخيار في الخصاء الذي هو قطع أحدهما فأحرى أن يثبت في الجب الذي هو قطعهما معاً فالخصاء يغني عن الجب. فالجواب: أن المقصود بيان معاني هذه الألفاظ قاله في ضيح، والحصور الذي يخلق بغير ذكر أو بذكر صغير كالزر، ومحل الخيار بهذه الأمور إذا حدث ذلك قبل البناء وإلاَّ فهو مصيبة نزلت بها كما يأتي في الاعتراض.
وَذَاكَ لا يُرْجَى لهُ زَوَالُ ** فَلَيْسَ في الحُكْمِ بِهِ إمْهالُ

(وذاك) مبتدأ والإشارة للداء الشامل لللأمور الثلاثة (لا يرجى) بالبناء للمفعول (له) يتعلق بالنائب الذي هو (زوال) والجملة خبر المبتدأ (فليس) فعل ناقص (للحكم) خبرها مقدم (به) يتعلق بالحكم (إمهال) اسمها مؤخر أي تأجيل بل لها الطلاق في الحين إلا أن ترضى بالمقام معه.
وحَيْثُ عَيْبُ الزَّوْجِ بِاعْتِراضِ ** أوْ بَرَصٍ وَقِيم عِنْدَ القَاضِي

(وحيث) ظرف مضمن معنى الشرط (عيب الزوج) مبتدأ ومضاف إليه (باعتراض) يتعلق بمحذوف خبر (أو برص) معطوف (وقيم) مبني للمفعول (عند القاضي) نائبه، والجملة معطوفة على الجملة قبلها وجملة.
أَجَّلَهُ إلى تَمَامِ عَامِ ** كذاكَ في الجُنُونِ والجُذَامِ

(أجله) القاضي (إلى تمام عام) جواب حيث، والمعنى أن عيب الزوج إذا كان اعتراضاً وحدث قبل الإصابة أو برصاً حدث بعد العقد أو قبله فإن القاضي يؤجله سنة كاملة من يوم الحكم على المشهور، وأما الاعتراض بعد الإصابة ولو مرة فلا خيار لها، وذلك مصيبة نزلت بها كما يأتي.
تنبيه:
وكذا تؤجل المرأة ذلك في معالجة نفسها من البرص والجنون والجذام إذا لم يعلم الزوج أن ذلك بها حين العقد، بل علمه قبل البناء أو بعده فإن تنازعا في العلم به بعيبها وقد مضى لدخوله نحو الشهر فالقول لها بيمينها أنه علم به إلا أن يكون مثله يخفى على الزوج. انظر المتيطية والوثائق المجموعة.
(كذاك) يتعلق بأجل محذوف دل عليه ما قبله (في الجنون والجذام) يتعلق بذلك المحذوف.
وبَعْدَ ذَا يَحْكُمُ بِالطَّلاقِ ** إنْ عُدِم البُرءُ على الإطْلاقِ

(وبعد ذا) يتعلق بقوله (يحكم) وكذا (بالطلاق) والجملة معطوفة على جملة أجله (إن عدم) شرط حذف جوابه للدلالة عليه (البرء) نائب فاعل عدم (على الإطلاق) حال أي حال كون الحكم بالطلاق بعد السنة في العيوب الأربعة مطلقاً سواء رجى البرء بعد ذلك أم لا. ويحتمل حال كون التأجيل مطلقاً في الحادث والقديم. هذا هو الظاهر وليس المعنى حال كون التأجيل بالسنة مطلقاً رجى البرء أم لا. لأن المعتمد أنه إنما يؤجل في البرص والجذام عاماً إذا رجى البرء (ح): ولها فقط الرد بالجذام البين والبرص المضر الحادثين بعده وبجنونهما وإن مرة في الشهر قبل الدخول وبعده وأجلا فيه وفي برص وجذام رجى برؤهما سنة إلخ. ثم قال: وأجل المعترض سنة إلخ. فأنت تراه قيد الجذام بالبين أي المحقق والبرص بالمضر والتأجيل برجاء البرء خلاف ظاهر النظم في ذلك كله، لكن العذر له في الجذام حيث لم يقيده بالبين لأن المراد بالبين المحقق وهو لا يثبت إلا بعد تحققه والقطع به إذ لا فرق بين قليله وكثيره كما في المتيطية قال فيها: واختلف في قليل البرص فقال مالك في كتاب محمد: ترد به لأن عمر لم يفرق بين قليل ولا كثير. قال ابن القاسم: ولو علمنا فيما خف أنه لا يتزايد لم ترد، لكنه لم يعلم، وفي مختصر ابن شعبان أن من به برص أو جذام من الزوجين يرد به لأنه يخشى أن يترامى إلى الصحيح، ولأنه لا تطيب نفس الواطئ والموطوءة وقلّ أن يسلم منه ما ولد منهما وإن سلم كان ذلك في نسله قال اللخمي: وعلى هذا له الرد إذا اطلع أن أحد الأبوين كان كذلك لأنه يخشى أن يكون ذلك في نسله قال: ورأيت ذلك في امرأة كان أبوها أجذم ولم يظهر بها وظهر ذلك في عدد من أولادها اه بلفظ الاختصار. فهو شاهد لإطلاق الناظم، لكن المعتمد أن جذام الأبوين لا رد به كما في (خ): كما أن المعتمد أنه لابد في البرص الحادث من كونه مضراً كما مر عنه أيضاً، ولعل الناظم إنما ترك تقييد البرص بكونه مضراً اتكالاً على ما يأتي في قوله: إلا حدوث من برص منزور إلخ.
والعَبْدُ في الأصَحِّ كالأحْرارِ ** وقيلَ بِالتَشْطِيرِ كالظِّهارِ

(والعبد) مبتدأ (في الأصح) يتعلق بالاستقرار في الخبر الذي هو قوله: (كالأحرار وقيل) فعل ماض مبني للمفعول (بالتشطير) نائبه أي يؤجل ستة أشهر (كالظهار) خبر مبتدأ محذوف والأقرب أنه حال أي حال كون التشطير كتشطير أجل الظهار أي: إذا ظاهر العبد من زوجته وأبى أن يكفر ولحقه الإيلاء فإنه يؤجل بشهرين، وقيل أربعة أشهر كالحر، وما صدر به الناظم هو قول ابن الجهم قال ابن عبد البر: وروي عن مالك نحوه وعليه جمهور الفقهاء اللخمي: وهو أبين لأن السنة جعلت لتختبر في الفصول الأربعة فقد ينفع الدواء في فصل دون فصل فيستوي في ذلك الحر والعبد، والقول الثاني هو قول مالك، وبه الحكم قاله في المتيطية وبه أفتى (خ) والعبد نصفها إلخ.
وكالرِّجالِ أَجَلُ النِّسَاءِ ** في هذِهِ الثَّلاثَةِ الأدْوَاءِ

(وكالرجال) خبر مقدم عن قوله (أجل النساء في هذه) يتعلق بالاستقرار في الخبر (الثلاثة) صفة أو بدل (الأدواء) جمع داء بدل أيضاً، والمراد الجنون والجذام والبرص ولا يتصور فيهن الاعتراض فيؤجلن في التداوي من تلك الأمراض الثلاثة سنة كاملة، لكن في الموجود منها قبل العقد، أما ما حدث بعده فمصيبة نزلت بالزوج كما يأتي في قوله: وهو لزوج آفة من بعده إلخ.
وفي سِواها لا يكُونُ الأجَلُ ** لَهُنَّ إلاّ ما يَرى المؤَجِّلُ

(وفي سواها) يتعلق بقوله (لا يكون الأجل) اسمها (لهن) يتعلق بما قبله (إلا) استثناء مفرغ (ما) نكرة موصوفة خبر يكون (يرى) صفة لما والعائد محذوف أي يراه (المؤجل) بكسر الجيم المشددة فاعل يرى، والتقدير: ولا يكون لهن أجل محدود في سواها إلا أجلاً يراه المؤجل أي الحاكم باجتهاده، والمراد بسوى العيوب الثلاثة داء فرج المرأة من رتق وقرن وعفل الآتية في قوله: والرتق داء الفرج في النساء إلخ. أي فيؤجلهن الحاكم للتداوي بالاجتهاد (خ): وأجلت الرتقاء للدواء بالاجتهاد. وقد تحصل أن العيوب بالنسبة إلى التأجيل وعدمه على ثلاثة أقسام قسم لا تأجيل فيه وهو الجب وما معه، وقسم يؤصل فيه بسنة وهو الاعتراض وما معه، وقسم يؤجل فيه بالاجتهاد وهو الرتق وما معه.
ويُمنَعُ الْمَبْرُوصُ والمجْذُومُ مِنْ ** بِنَائِهِ وذو الجُنُونِ فاسْتَبِنْ

(ويمنع) بالبناء للمفعول (المبروص) نائب (والمجذوم) معطوف (من بنائه) يتعلق بيمنع (وذو الجنون) معطوف على المبروص (فاستبن) جملة طلبية تتميم للبيت، والمعنى أن من به علة من الرجال من هذه الأمراض الثلاثة إذا أصل للدواء كما مر فطلب البناء بزوجته أثناء الأجل قبل تبين برئه فإنه يمنع من ذلك ولا يمكن منه حتى يبرأ أو تخير هي إن لم يبرأ وفهم من قوله: من بنائه أنها اطلعت على عيبه قبل البناء فإن اطلعت عليه بعد البناء فكذلك أيضاً حيث كانت رائحة الجذام والبرص تؤذي. قال في المتيطية: ويمنع المجنون والأجذم والأبرص في خلل العام وإن كان بعد البناء إذا كانت الرائحة تؤذي بخلاف المعترض فإنه لا يمنع من وطئه وإن كان قد بنى بها. اهـ. ومثله في طرر ابن عات.
وإلى المعترض أشار الناظم بقوله:
وَذُو اعْتِراضٍ وحْدَهُ لَنْ يُمْنَعَا ** وَهُوَ مُصَدَّقٌ إذا ما نُوزِعا

(وذو اعتراض) مبتدأ ومضاف إليه (وحده) حال من المبتدأ أو من الضمير في خبره (لن يمنعا) بالبناء للمفعول خبر (وهو) مبتدأ (مصدق) خبره (إذا) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه يتعلق بالخبر المذكور، وجوابه محذوف للدلالة عليه، ويحتمل أنها مجردة عن معنى الشرط أي هو مصدق حين نزاعه (ما) زائدة (نوزعا) بالبناء للمفعول والجملة في محل جر بإضافة إذا ومعناه أن الزوج إذا ادعت عليه زوجته الاعتراض وأنكره من أصله فالقول قوله بيمينه (خ): وصدق في الاعتراض أي نفيه وظاهره كالناظم أنه يصدق كانت الزوجة بكراً أو ثيباً وهو كذلك على المشهور. وروي عن مالك أن النساء ينظرن إلى البكر ويدين في الثيب، وقيل لا يدين فيها، ولكن يطلي ذكره بزعفران ويرسل عليها وينظر ذلك النساء فإن رأين أثره في فرجها قبل قوله، وعلى المشهور فلا تقبل شهادة امرأتين فأكثر بأنها عذراء لأنها شهادة توجب الفراق وهو لا يكون بشهادة النساء كما في الوثائق المجموعة، ونقله في التبصرة وابن عرفة. وحينئذ فما جرى به العمل من جواز نظر النسوة للفرج محمول على غير هذه الصورة إذ لا فائدة له إلا الفراق وهو لا يكون بشهادة النساء قاله في شرح العمليات.
تنبيه:
قال في مسائل السياسة من التبصرة: قال أصبغ في امرأة المقعد تدعي أنها تمكنه من نفسها وهو لا يقدر على مسها ويقر المقعد بأنه لا يمسها ويدعي أنها تدفعه عن نفسها ولولا ذلك لقوي على مسيسها قال: استحسن السلطان أن يجعل في القرب منه إذا خلا بها امرأة أو نساء فإن سمعن امتناعها أمر بها فربطت له وشدت وزجرها، وأمرت أن تلين له في ذلك. قال ابن حبيب: وهو عندي حسن من الحكم. اهـ. ونحوه في (ح) عند قوله: وصدق في الاعتراض إلخ.
قلت: انظر قوله المقعد، والظاهر أنه لا مفهوم له بل غيره كذلك إذا ادعى عدم تمكينها ونزلت وقت ولايتي حطة القضاء سنة ثمانية وأربعين بعد المائتين والألف في زوج ادعى عدم تمكينها وادعت هي اعتراضه، فذكرت للزوج وأوليائها ما تقدم من ربطها له وشدها فرجعا إلى الصلح بالخلع بجعل الصداق وافترقا، وقد كنت سنة ثمانية عشر مقيماً بمكناسة الزيتون فإذا بامرأة طلقها زوجها ثلاثاً فتزوجت رجلاً ضعيفاً لا يشاكلها، فزعم الزوج المذكور أنها تدفعه عن نفسها وما مكنته إلا مرة بمقدار ما غيب حشفته فيها ودفعته وادعت هي أنه يؤذيها ويضربها إذا أمسك بها، فسكنهما القاضي مع أمين فذكر الأمين أنه مهما أراد النوم والتوطئة له إلا وتصرخ صراخاً مدعية أنه يؤذيها ويضربها وأن ذلك من حيلها لترجع للزوج الأول.
وإنْ يَقُلْ وطِئْتُ أَثْنَاءَ الأمَدْ ** فَقَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ مُعْتَمَدْ

(وإن يقل) شرط وفاعله ضمير يعود على المعترض (وطئت) فعل وفاعل (أثناء) ظرف يتعلق بما قبله (الأمد) مضاف إليه (فقوله) مبتدأ (مع اليمين) يتعلق بمحذوف حال (معتمد) خبر، والجملة جواب الشرط. ومعناه أن المعترض إذا أقر بالاعتراض وأجل للدواء سنة كما مرّ، ثم قال في أثناء الأجل أو بعده: زال الاعتراض ووطئها في الأجل فالقول قوله بيمينه، فإن ادعى الوطء بعده لم يصدق فتحصل أن المعترض يصدق في نفي الاعتراض ابتداء كما يصدق في زواله بعد الإقرار به (خ): وصدق إن ادعى فيها الوطء بيمينه فإن نكل حلفت وإلا بقيت.
وَتُمْنَعُ الإنْفاقَ مَنْ لَمْ تَدْخُلِ ** إنْ طلَبَتْهُ في خِلالِ الأجَلِ

(وتمنع) بضم التاء مبنياً للمفعول (الإنفاق) مفعوله الثاني (من) نائب الفاعل وهو المفعول الأول (لم تدخل) صلة من (إن طلبته) شرط. والضمير المنصوب للإنفاق والجواب محذوف للدلالة عليه (في خلال الأجل) يتعلق بالفعل قبله. والمعنى أن الزوجة التي لا تجبر على الدخول إذا طلبت الإنفاق من زوجها المؤجل سنة للدواء فلا تمكن منه لأن النفقة في مقابلة الاستمتاع وهي قد منعت نفسها منه لسبب لا قدرة للزوج على دفعه، فكان بذلك معذوراً بخلاف المعسر بالصداق الذي منعته زوجته من نفسها حتى يؤدي صداقها فلها النفقة إذ لعل له مالاً فكتمه، ومفهوم قوله: لم تدخل أنه إذا دخل فالنفقة واجبة عليه وهو كذلك. وقوله: من لم تدخل أي من لم تجبر على الدخول وهي زوجة المجذوم والمبروص والمجنون كما مرّ فيفهم منه أن زوجة المعترض لها النفقة إذا دعته للدخول، وبالجملة فكل من زوجة المجنون والمجذوم والمبروص والمعترض تجب لها النفقة بالدخول أو بالدعاء له فإن منعت واحدة منهن نفسها من الدخول وأجل الزوج سنة للدواء فلا نفقة لها في الجنون والجذام والبرص، بخلاف الاعتراض. فلها النفقة لأنها لا تمكن من الامتناع كما مر إلا أن لا يقدر الحاكم على جبرها فتسقط نفقتها حينئذ للنشوز واستظهار (خ): عدم وجوب النفقة في الاعتراض مع القدرة على جبرها على التمكين معترض.
والعيْبُ في الرِّجالِ مِنْ قَبْلِ البِنا ** وبَعْدَهُ الرَّدُّ بِهِ تَعَيَّنا

(والعيب) مبتدأ (في الرجال) صفة له (من قبل البنا) ء يتعلق بمحذوف حال أي حال كونه موجوداً أو حادثاً من قبل البناء (وبعده) معطوف على الظرف قبله (الرد) مبتدأ ثان (به) يتعلق بالخبر الذي هو قوله (تعينا) وتعلق الظرفين بذلك المحذوف كما قررنا أولى من تعلقهما بقوله تعينا إذ المقصود أن العيب الموجود أو الحادث قبل البناء وبعده يتعين به الرد وحذف معمول تعين يؤذن بالعموم أي تعين الرد به قبل البناء وبعده أيضاً فحذفه من الثاني لدلالة الأول عليه، ولو قال تبينا بالباء والياء المثناة تحت لكان أولى لما يقتضيه لفظ التعيين من وجوب الرد وإن رضيت. ومعناه أن العيب الكائن بالرجال سواء حدث بعد العقد أو كان موجوداً قبله أو حدث بعد البناء فإن للزوجة الرد به فقوله: من قبل البناء شامل لما حدث قبل العقد أو بعده وقبل البناء لأن القبلية ظرف متسع وعليه فيكون قوله الآتي: وبالقديم الزوج والكثير إلخ. مستغنى عنه بما هنا، ويحتمل أن يكون تكلم هنا على الحادث بعد العقد كان قبل البناء أو بعده وفيما يأتي على ما كان موجوداً قبل العقد، لكن يكون الصواب إسقاط قوله الآتي: والحادث إلا أن يراد به ما كان حادثاً قبل العقد، ويراد بالقديم ما كان خلقة، وما ذكره الناظم هو الراجح من أحد أقوال أربعة. / ثانيها: لا خيار لها فيما حدث بعد العقد. ثالثها: لها الخيار إلا أن حدث به برص فتخير. رابعها: ليس لها الخيار إلا في البرص اليسير.
ولما دخل في قوله: وبعده عيب الاعتراض الحادث بعد البناء والوطء وهو لا يرد به استثناء بقوله:
إلاّ اعْتِراضاً كان بعْدَ ما دَخَلْ ** والوَطْءِ مِنْهُ هَبْهُ مَرَّةً حَصَلْ

(إلا) حرف استثناء (اعتراضاً) منصوب على الاستثناء والأقرب أنه على نزع الخافض، إذ المعنى ويرد الزوج بكل عيب إلا بعيب الاعتراض (كان) تامة بمعنى وجد وحدث وفاعله ضمير الاعتراض (بعد) يتعلق بكان (ما) مصدرية (دخل) صلتها أي بعد دخوله (والوطء) بالجر عطف على المصدر المؤول (منه) يتعلق بحصل (هبه) فعل أمر وضميره مفعوله الأول (مرة) تمييز (حصل) في محل نصب على أنه مفعول ثان لهب، والتقدير إلا اعتراضاً حدث بعد دخوله وبعد وطئه هب أن الوطء حصل منه مرة واحدة فلا ردّ به وهي مصيبة نزلت بها، وهذا إذا لم يتسبب في إدخاله على نفسه كشربه دواء ليقطع به لذة النساء أو شربه لعلاج علة وهو عالم أو شاك أنه يذهب منه ذلك أو قطع ذكره عمداً أو لعلة نزلت به فإن لها الخيار باتفاق كما في ضيح، ومثل الاعتراض الجب والخصاء والكبر المانع من الوطء حيث لم يدخل ذلك على نفسه لأنه لم يقصد الإضرار بها، فلو قال: إلا كجب إلخ. لشمل ذلك ونزلت مسألة وهي أن رجلاً كان يطأ زوجته وطأ معتاداً ثم إنه عرض له ما منعه الإيلاج بحيث إذا أراده سبقه الماء وزال إنعاظه فأفتيت فيها بما في النظم واختلف فيمن أراد استحداداً فترامت يده فقيل لها القيام، وقيل: لا قيام لها لأنه لم يتعمد. وظاهر كلامهم رجحانه وانظر ما يأتي في الإيلاء عند قوله: واشترك التارك الموطء معه إلخ.
وبالقدِيمِ الزَّوْجُ والكَثِيرِ ** يَرُدُّ والحادِثِ واليَسِيرِ

(وبالقديم) يتعلق بيرد (الزوج) مبتدأ (والكثير) معطوف على القديم (يرد) بالبناء للمفعول خبر المبتدأ (والحادث واليسير) معطوفان على قوله: القديم. وهذا البيت مستغنى عنه إلا على الاحتمال الثاني المتقدم فلو حذفه وأبدل قوله:
إلاّ حَدِيثَ بَرَصٍ مَنْزورِ ** فَلاَ طَلاَقَ مِنْهُ فِي المَشْهُورِ

(إلا) بقوله كذا (حدوث برص منزور فلا طلاق منه في المشهور) لأجاد، ويتحصل من كلامه أنه يستثنى من العيب الحادث بالزوج بعد العقد شيئان الاعتراض بعد الوطء والبرص اليسير فلا خيار فيهما للزوجة وهو معنى قول (خ) ولها فقط الرد بالجذام البين والبرص المضر الحادثين بعده لا بكاعتراض إلخ. فمفهوم قوله: المضر أي المؤذي برائحته أن غير المضر لا خيار به وهو ما في النظم، ومفهوم قوله: الحادثين بعده أي بعد العقد أن البرص القديم بالرجل يرد به قليلاً كان أو كثيراً، وهو ظاهر تعليل الناظم أيضاً لأنه إنما نفى خيارها في القليل الحادث بعد العقد، وقيل: لا خيار لها في البرص القليل مطلقاً، وأما الجذام فلا فرق بين قليله وكثيره وإنما المدار على تحقق وجوده كما مرّ عند قوله: كذاك في الجنون والجذام إلخ.
وَزَوْجَةُ بِسَابِقٍ لِعَقْدِهِ ** وهْوَ لِزَوْجٍ آفَةٌ مِنْ بَعْدِهِ

(وزوجة) مبتدأ وسوغه العطف على المعرفة وهو الزوج في البيت قبله (بسابق) يتعلق بمحذوف خبر أي ترد بسابق (لعقده) يتعلق بسابق (وهو) مبتدأ عائد على العيب المذكور (لزوج) يتعلق بالخبر الذي هو قوله (آفة من بعده) حال من المبتدأ أي والعيب حال كونه حادثاً بالزوجة بعد العقد آفة للزوج لأنه قادر على الفراق والحاصل: أن الزوجة ترد بالقديم من الجنون والجذام والبرص قليلاً كان ذلك أو كثيراً كما هو ظاهر النظم، وكذا ترد بالقديم من داء الفرج من عفل ونحوه، ولا ترد بالعيب الحادث بعد العقد داء فرج كان أو غيره قليلاً كان أو كثيراً وهو مصيبة نزلت بالزوج، وأما الزوج فإنه يرد بالقديم من العيوب ولو جذاماً أو برصاً قل على ظاهم النظم و(خ) وهو أحد قولين كما مر، وكذا يرد بالحادث منها بعد العقد إلا أن يكون نحو اعتراض حصل بعد الوطء أو برصاً قليلاً، ثم أشار إلى تفصيل داء الفرج بالنسبة للمرأة فقال:
والرَّتْقُ دَاءُ الفَرْجِ في النساءِ ** كالقَرْنِ ثُمَّ الْعَقْلِ والإِفْضَاءِ

(والرتق) بسكون التاء للضرورة مبتدأ (داء الفرج) خبره (في النساء) يتعلق بالرتق أو في موضع الحال منه، ويحتمل أن يكون داء الفرج مبتدأ، وفي النساء يتعلق به والرتق خبره (كالقرن) تشبيه وكاف التشبيه لا تتعلق بشيء كما مرّ (والعفل) معطوف عليه وكل منهما بسكون العين للضرورة والأصل الفتح كالرتق (والإفضاء) معطوف أيضاً، والمعنى أن الرتق من داء فرج النساء كما أن القرن والعفل والإفضاء كذلك، فيثبت للزوج الخيار بسابق العقد من ذلك، والرتق انسداد مسلك الذكر والتحامه بحيث لا يمكن معه الوطء إلا أنه إن انسد بلحم أمكن علاجه وبعظم فلا. والقرن شيء يبرز في فرج المرأة يشبه قرن الشاة تارة يكون عظماً فيعسر علاجه وتارة لحماً فلا يعسر، والعفل لحم يبرز في قُبلها يشبه أدرة الرجل ولا يسلم غالباً من رشح، والإفضاء اختلاط مسلكي الذكر والبول حتى يصيرا مسلكاً واحداً وأجرى مسلك البول والغائط، وظاهر النظم أنه يخير بما ذكر ولو قل ذلك وخف وهو كذلك خلافاً لابن حبيب.
واعلم أن مسلك الذكر هو مخرج الحيض والولد والمني، وفوق مسلك الذكر ثقب مثل إحليل الرجل وهو مخرج البول، وبين هذا الثقب ومدخل الذكر جلدة رقيقة فإن زالت فهي الإفضاء، وفوق مخرج البول جلدة رقيقة مثل ورقة بين الشفرين والشفران محيطان بالجميع فتلك الجلدة الرقيقة يقطع منها في الختان للمرأة، وفهم من اقتصار النظم على الأربعة أنه لا خيار له بالاستحاضة ولا بقطع الشفرين ولا بحرق النار ولا بكونها عجوزاً فانية أو صغيرة جداً، ولا بالبخر الذي هو نتن الفرج، لكن المذهب في الأخير أنه عيب خلافاً للأئمة الثلاثة. واقتصر في المتيطية أيضاً على أن الاستحاضة وحرق النار يوجبان الخيار، وكذا نقل البرزلي عن اللخمي. وأما نتن الفم فلا خيار له به على المشهور خلافاً للخمي بخلاف البيع، وتقدم الكلام على العذيطة أول الفصل فانظره هناك.
تنبيهات:
الأول: سكت الناظم هنا عن تأجيل الرتقاء ونحوها للدواء لتقدم الإشارة إليه في قوله:
وفي سواها لا يكون الأجل ** لهن إلا ما يرى المؤجل

وتقدم قول (خ) وأجلت الرتقاء للدواء بالاجتهاد ولا تجبر عليه إن كان خلقة إلخ. قال في المتيطية: وإذا كان الرتق من جهة الختان أي الخفاض فإنه يبط على ما أحبت المرأة أو كرهت إذا قال النساء: إن ذلك لا يضرها وإن كان خلقة فلا تجبر على البط إن أبته، ويخير الزوج فإن رضيت بالبط فلا خيار له. اهـ. ونحوه في التبصرة الفرحونية، وللخمي زيادة تفصيل وهو إن لم يكن عليها في القطع ضرر ولا عيب في الإصابة بعده كان القول قول من دعي إليه منهما فإن طلقها بعد رضاها به لزمه النصف وإن كرهت فطلق فلا شيء عليه، وإن كان في القطع ضرر ولا عيب بعده خيرت دونه وعكسه خير دونها وإن كان فيه ضرر وبعده عيب في الإصابة خير كل منهما وذكره في الشامل مقتصراً عليه والقرن كالرتق في التفصيل المذكور.
الثاني: إذا ادعى أنها رتقاء وادعت هي عنته وأنها لا عيب بها فإن النساء ينظرن إليها، فإن صدقته كان له الخيار، إلا أن تريد التداوي فتؤجل بالاجتهاد قاله ابن عتاب ونقله البرزلي.
الثالث: قال في التبصرة: وإذا فعل الزوج بزوجته ما يوجب القصاص لها منه وكان شديداً يخاف عليها منه إذا اقتصت منه فإنها تطلق عليه يعني: ويقتص منه أي ففعله ذلك يوجب لها الخيار كالعيوب السابقة.
ولا تُرَدُّ مِنْ عَمًى ولا شَلَلْ ** ونَحْوِهِ إلاَّ بِشَرْطٍ يُمْتَثَلْ

(ولا ترد) بالبناء للمفعول (من عمى) يتعلق به (ولا شلل ونحوه) معطوفان عليه (إلا بشرط) استثناء مفرغ والباء بمعنى مع (يمتثل) بالبناء للمفعول صفة لشرط أي: لا ترد المرأة بشيء من العمى والشلل والعور والإقعاد ونحو ذلك من غير العيوب الأربعة التي هي الجنون والجذام والبرص وداء الفرج إلا مع اشتراط السلامة من ذلك الشيء الخاص كاشتراطه كونها سليمة من العمى أو البكم أو العرج أو الإقعاد، فيجدها بخلاف ذلك، أو اشترط أنها سليمة في جسمها ولم يزد فله ردها حينئذ كما في المتيطية بما مرّ من العمى ونحوه، بل ولو بالسواد على ما للمتيطي، ورده ابن عرفة بأن لفظ السلامة من الجسم لا يدل على نفي السواد. ابن عرفة: وفيها إن وجدها سوداء أو عوراء أو عمياء لم ترد، ولا ترد بغير العيوب الأربعة إلا أن يشترط السلامة منه.
قلت: فإن شرط أنها صحيحة فوجدها عمياء أو شلاء أو مقعدة أيردها بذلك؟ قال: نعم إذا اشترطه على من أنكحه إياها. اهـ. فقوله: نعم إذا اشترطه إلخ. أي إذا اشترط الزوج على الولي الصحة باللفظ، وثبت ذلك بأداء عدلين، وأما لو لم يعلم الشرط إلا من قوله في الوثيقة صحيحة العقل والبدن فتوجد على خلاف ذلك وتعذر سؤال العدلين أو لم يتعذر، ولكن لم يحققوا كون الزوج اشترط ذلك باللفظ ففي ثبوت الرد بذلك وعدم ثبوته لجري العادة أنه من تلفيق الموثق تردد للباجي وابن أبي زيد وإلى المسألة من أصلها أشار (خ) بقوله: وبغيرها أي العيوب الأربعة إن شرط السلامة ولو بوصف الولي عند الخطبة. وفي الرد إن شرط الصحة تردد لا بخلف الظن كالقرع والسواد من بيض ونتن فم إلخ. وظاهر النظم كالمدونة والمختصر أن العرف ليس كالشرط هنا وهو ظاهر بخلاف البيع، ولعل الفرق أن النكاح مبني على المكارمة.
تنبيه:
اشتراط كونها ذات مال قدره كذا أو جميلة ولو بوصف الولي يوجب الخيار للزوج إذا وجدها على خلاف ذلك كما في ابن عرفة:
والزَّوْجُ حَيْثُ لَمْ يَجِدْهَا بِكْرا ** لَمْ يَرْجِع إلاَّ بِاشْتِرَاطٍ عَذْرا

(والزوج) مبتدأ (حيث) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه: (لم يجدها) في محل جر بإضافة حيث (بكرا) مفعول ثان ليجد وجملة (لم يرجع) جواب حيث ومعموله محذوف أي بالثيوبة (إلا باشتراط) استثناء مفرغ (عذرا) مفعول باشتراط، والجملة من حيث وجوابها في محل رفع خبر المبتدأ، والمعنى أن الزوج إذا تزوج امرأة فوجدها ثيباً فإنه لا يردها بالثيوبة في حال من الأحوال سواء لم يشترط شرطاً أو اشترط أنها بكر إلا في حال اشتراط كونها عذراء وهي التي لا زالت بخاتم ربها ولم تسقط بمزيل أصلاً، فإن اشترط ذلك أو اشترط ما في معناه عرفاً ولو بوصف الولي عند الخطبة كما في ابن عرفة كطفلة أو بنت أو كان العرف إطلاق البكر على العذراء كما عندنا اليوم فوجدها ساقطة العذرة بنكاح أو غيره من وثبة ونحوها كان له الرد على المشهور خلافاً للقابسي، والعرف كالشرط فإذا أصدقها صداق البكر وصنع لها ما يصنع للبكر ثم وجدها ثيباً فله الرد وإن لم يشترط ثيباً.
واعلم أن البكر في اللسان كما في ابن عرفة عن ابن رشد ونحوه في الشارح هي التي لم يكن لها زوج ولو لم تكن لها عذرة وقال بعض شراح (خ) هي عند الفقهاء التي لم توطأ بعقد صحيح أو فاسد جار مجرى الصحيح، وعلى هذا الأخير يحمل الناظم بدليل البيت بعده، وظاهر النظم أن الزوج لا يعذر بالجهل وأنه جهل معنى البكر في اللغة، بل ظنها أنها العذراء وذلك مما يجهله أبناء جنسه وهو كذلك حيث لا عرف في إطلاق البكر على العذراء كما يفيده ابن عرفة، وإنما كان لا يرجع إذا اشترط البكارة ولا عرف في إطلاقها على العذراء لأنه من حيث لا عرف ينصرف اللفظ إلى معناه لغة أعم من أن تكون عذرتها سقطت بزنا أو بقفزة أو وثبة أو تكرر حيض أو غير ذلك، ولا يقال حمله على معناه لغة يقتضي الرد بمجرد تقدم عقد النكاح لأنا نقول تقدم عقد النكاح بمجرده من غير وطء لا غرضية فيه، فلا فائدة لاشتراط انتفائه فانصرف الشرط للتي لم توطأ بنكاح.
ولما كان ما قبل الاستثناء صادقاً بصورتين بما إذا اشترط البكارة، وبما إذا لم يشترط شيئاً كما مر، وكانت البكر هي التي لم توطأ بنكاح أخرج من صورة الاشتراط فقط ما إذا وطئت بنكاح فقال:
ما لَمْ يُزِلْ عَذْرَتَهَا نِكاحُ ** مُكْتَتَمٌ فالرَّدُّ مُسْتَبَاحُ

(ما) ظرفية مصدرية (لم يزل) صلتها وهو مضارع أزال الرباعي (عذرتها) مفعول به والعذرة بضم العين ساتر رقيق على المحل (نكاح) فاعل يزل (مكتتم) صفة لنكاح (فالرد مستباح) مبتدأ وخبر، والجملة جواب شرط مقدر أي فإن أزالها نكاح فالرد إلخ. والمعنى أن الزوج إذا اشترط البكارة فلا رد له ما لم يزل عذرتها نكاح مكتوم عنه وله الرد حينئذ لأنه اشترط البكارة وهي التي لم توطأ بنكاح، وهذه قد وطئت به فتحصل من كلامه أنه إذا لم يشترط شيئاً وظنها بكراً فلا رد له وطئت بنكاح أو بزنا أو سقطت عذرتها بغير وطء، وإن اشترط البكارة فلا رد له أيضاً إلا إن زالت عذرتها بنكاح كتم عنه، فإن لم يكتم عنه فلا رد له أيضاً، وإن اشترط عذراء أو ما في معناه ردها بكل ثيوبة (خ) عاطفاً على ما لا رد به، والثيوبة إلا أن يقول عذراء، وفي بكر تردد الخ فاقتصر الناظم في البكر على أحد الترددين لأنه المنصوص لمالك وأشهب وابن حبيب ومقابله أن اشتراط البكارة كاشتراط العذراء لابن العطار، وبعض الموثقين، فقوله: إن لم يجدها بكراً أي لم يجدها موطوءة بنكاح فلا رد له بالثيوبة مع اشتراط البكارة، ومع عدم اشتراط شيء أصلاً ما لم يزل عذرتها نكاح كتم عنه فيردها مع اشتراط البكارة. وقوله: مكتتم أي كتمته هي أو وليها أو هما، وظاهره أنه لا يردها بثيوبة غير النكاح ولو علم بها الولي وكتمها والذي في (خ) أنه إذا علم وكتم فللزوج الرد على الأصح، وبما قررنا سقط الاعتراض عنه بأن كلامه يوهم أن له الرد يتقدم عقد نكاح عليها ولو لم توطأ فيه لأنهم حملوا البكر على معناه لغة وليس ذلك مراد الناظم، وإلاَّ أدى للتدافع في كلامه لأنه إن حملنا البكر على المعنى اللغوي اقتضى أن يردها بتقدم عقد نكاح عليها، ولو كانت لا زالت عذراء الآن. وقوله ما لم يزل عذرتها نكاح إلخ. يقتضي أنه لا رد له بتقدم عقد النكاح حيث كانت عذرتها قائمة فالمخلص من ذلك هو حمل البكر في كلامه على البكر التي لم توطأ بنكاح لأن تقدم عقد النكاح بمجرده لا يفوت غرضاً فلا وجه لاشتراط انتفائه والله أعلم.
تنبيهات:
الأول: لا حد على الزوج فيما حكاه عنها أنها غير عذارء ولا لعان لأن العذرة قد تزول بسقطة ونحوها إلا أن يقول: زالت بزنا أو يقول: وجدتها مفتضة لأن لفظ الافتضاض يشعر بفعل الفاعل قاله (ق) وقد بحث فيه بأن الافتضاض لا يستلزم الزنا حتى يكون قذفاً لجواز أن يكون من زوج.
الثاني: إذا كذبته في دعوى الثيوبة، وزعمت أنها عذراء الآن وهو أزال عذرتها، فالمشهور أنها تصدق في الصورتين بيمين (خ) وحلفت هي أو أبوها إن كانت سفيهة ولا ينظرها النساء إلخ. والذي به العمل أن النساء ينظرن إليها في الصورتين كما مر قال في اللامية: والفرج للنسوة انجلا. ولا مفهوم للنسوة بل فرج الرجل ينظر إليه الرجال أيضاً كما مر عن ابن فتحون أول الباب، وبه أفتى ابن علوان كما مر.
الثالث: إذا اشترط أنها عذراء أو ما في معناه أو أصدقها صداقاً على ما مر فسقطت عذرتها بوثبة أو زنا ونحوهما فإن تصادقا على حدوث ذلك بعد العقد أو قامت به بينة فهي مصيبة نزلت بالزوج، ويلزمه جميع الصداق إن دخل، ونصفه إن طلق قبل الدخول كما في جواب لابن أبي زيد المنقول في (ق) وغيره. ويدل له أيضاً قول الناظم فيما مر: وهو لزوج آفة من بعده. وفي المدونة في كتاب الرجم عن مالك إن ظهر بالمرأة حمل قبل البناء وأنكره زوجها وصدقته بأنها زنت وأنه ما وطئها حدت ولا يلحقه الولد ولا لعان فيه. ابن القاسم: وهي زوجة إن شاء طلق وإن شاء أمسك. المتيطي فقول ابن القاسم: إن شاء طلق ولم يقل إن شاء رد يدل على أنه لا قيام له بالعيب إلا أن يقال: إنه لم يطلبه ابن عرفة: والأظهر أنه حادث بعد العقد أو محتمل الحدوث. اهـ. أي: والقول للولي والزوجة في محتمل الحدوث أنه حادث وإلاَّ لو كان القول للزوج لقال إن شاء رد فتأمله منصفاً فقولها: إن شاء طلق يعني وعليه النصف كما تقدم عن ابن أبي زيد، وقولها: إن ظهر بها حمل يدل على أنه طرأ بعد العقد، وإلاَّ فالنكاح فاسد فليست زوجة حينئذ. وقولها: ولا يلحق به الولد يعني إذا أتت به لدون ستة أشهر من يوم العقد وإلاَّ فلا ينتفي عنه إلا بلعان ولو تصادقا على نفيه كما في (خ) وغيره لكنه يعكر عليه قوله: وهي زوجة لأنها إذا أتت به لدون ستة أشهر، فالنكاح فاسد وعليه فقوله: ولا لعان فيه إنما يتمشى على المردود عليه بلو في قول (خ) ولو تصادقا إلخ. وأما إن اختلفا في حدوث الحمل وزوال عذرتها بوثبة ونحوها فادعت الحدوث وادعى هو القدم فيجري على ما يأتي في البيت بعده.
الرابع: ظاهر النظم أنه إذا اشترط البكارة واطلع بعد الدخول بها أنها ثيب بنكاح أن له الرد لأنه مغرور فلا يترك لها إلاَّ ربع دينار وهو ظاهر نقل ابن عرفة عن الباجي حيث قال: لو وجدها ثيباً من زوج فله الرد. اهـ. وفي اختصار البرزلي: إذا تزوجها بكراً فوجدها ثيباً من رجلين فإن دخل بها مضى النكاح بصداق مثلها وإن كان قبل البناء خير في الإقامة ولزوم كل الصداق أو الفراق ولا شيء عليه فقد أمضاه مع الدخول بصداق المثل.
الخامس: قال ابن زرب: فإذا أقرت الجارية بعد دخول زوجها بها أن بها جنوناً أو أنها غير عذراء لم يقبل قولها لأنها أقرت بما يخرج بعض مالها، وكذا لو اشترط عذرتها وادعى أنه لم يجدها كذلك وصدقته لم يقبل قوله، وعليه جميع الصداق. كذا نقل البرزلي. وفي اختصار المتيطية ما نصه: قال ابن زرب في اختصاره الثمانية: فإن صدقته الزوجة وهي في ولاية أبيها لم يقبل قولها لأنها أقرت بما يخرج بعض مالها من يد أبيها. وقال ابن حبيب: يقبل قولها. اهـ. ابن عرفة: وفي قبول تصديقها له وهي في ولاية أبيها قولا ابن حبيب. وابن زرب: لأن مالها بيد أبيها قال ابن عرفة: وإنما قال ابن حبيب بالتصديق لأنه أمر لا يعلم من غيرها ولها نظيره في إرخاء الستور. اهـ. ورأيت في نوازل الزياتي أن من تزوج امرأة على أنها بكر أي وعرفهم أنها العذراء فوجدها ثيباً فسئلت عن ذلك فأقرت أنها زنت منذ خمسة أشهر فهل تصدق أم لا؟ فقال: المتبادر أنها تصدق إذ لا يعلم ذلك إلا من قبلها، وقد طال بحثي على النص في النازلة فما وفقت على شيء. اهـ. قلت: ما استظهره جار على قول ابن حبيب لا على قول ابن زرب الذي هو المعتمد، إذ المحجور لا يقبل إقراره فيما يرجع لماله والقول حينئذ قول وليها أن ذلك حدث بعد العقد أو أن ذلك من فعل الزوج كما مرّ، وكما يأتي في البيت بعده. وفي البرزلي فيمن تزوج بكراً فقال: وجدتها ثيباً وأخبر في حينه بذلك فقال ابن أبي زيد: ينظرها النساء فإن قلن القطع جديد لم يقبل منه، وإن قلن قديم فإن زوَّجها أخوها أو أبوها فعليه صداقها ويرجع به عليها، وإن كان غيرهما فهي الغارة فيرجع عليها به إلا ربع دينار. اهـ. قال البرزلي عقبه: لعل هذا إذا اشترط أنها بكر عذراء ويحتمل الإطلاق لما جرت العادة أن البكر هي العذراء على مذهب المتأخرين وعلى مذهب المتقدمين لا يضر ذلك وبه العمل اه من اختصاره.
السادس: من تزوج امرأة على أنها بكر فوجدها ثيباً فأقر أبوها أنها كانت تكنس البيت فنزل بها شيء أذهب عذرتها ورد للزوج الصداق فقال أشهب: يرجع الأب على الزوج بما دفعه إليه ولا شيء للزوج، وقال أصبغ: لا يرجع لأنه إن كان شرط عليه ذلك فله الرد كاشتراط البياض والجمال، وإن لم يشترطه فقد طاع الأب بالرد فلا رجوع له بالجهالة ولا يصدق، ويحمل على أنه أراد الستر على ابنته لأن ذلك يكون به الفرقة وترجع البنت على أبيها. قال بعض الموثقين: وهذا يدل على أن أشهب لا يرى له الرجوع بذلك العيب يعني لأنه الجاري على ما مر من أن اشتراط البكارة لا يوجب الرد بالثيوبة. ابن رشد: رد الأب المهر للزوج إن كان على شرط الفراق لم يتبع به الزوج لأنه عوض، وتتبع البنت أباها لأنه أتلفه بغير حق وإن رده على بقائها في عصمته رجع به عليه لابنته إذ هبة الأب مال ولده الصغير لا تجوز على مذهب ابن القاسم، وإن رده على غير بيان الفرقة أو عدمها فحمله أشهب على غير الفرقة فأوجب له الرجوع على الزوج، وحمله أصبغ على الفرقة فأمضاه الزوج ويغرمه الأب لابنته، وهذا كله على عدم حمله أنها بكر على شرط العذرة، وأما إذا حمل عليه فرد الأب ماض ولا غرم عليه لابنته نقله ابن عرفة والمتيطية.
السابع: من حلف بطلاق زوجته أن بفلانة عيباً مما لا يطلع عليه الرجال وشهدت أربع نسوة بنفيه، فإنه لا يحنث قاله السوداني في باب الزنا عند قوله: فلا يسقط بشهادة أربع نسوة ببكارتها.
الثامن: قال المتيطي: ينبغي لأولياء المرأة تذهب عذرتها بغير نكاح أن يشيعوا ذلك ويشهدوا به ليرتفع عنها العار عند نكاحها. ابن عرفة: إنما يرتفع عارها إذا نزل بها ذلك وهي في سن من لا توطأ أو كانت سقطتها بمحضر جمع، وينبغي أن يثبت ذلك بشهادة ذلك الجمع ولو كان ذا سترة قاصرة عن التعديل أو نساء، وكيفية الشهادة بذلك أشهد فلان بن فلان شهيديه أنه كان مما قدر الله إن نزل بوليته فلانة التي في حجره أنها سقطت من كذا أو وثبت فسقطت عذرتها إلخ. فإذا زوجها وليها لزمه إعلام الزوج بذلك فإن لم يعلمه جاء القولان في شرط البكارة. اهـ. قلت: أصح القولين أن له الرد كما تقدم عن (خ). والله أعلم.
التاسع: لا عبرة بنظر القوابل إلى البنت بعد أيام من دخول الزوج وإن شهدن بأن القطع قديم فلا حجة للزوج في ذلك لأنه قد يكون الافتضاض في أول دخوله ويبرأ الجرح في الأيام بدمل لأن العادة أنه يبرأ بالقرب، وإنما يعتبر ذلك إذا نظرن إليها صبيحة ليلة دخوله وما قرب منها جداً بحيث لا يمر من الزمان ما يكون البرء فيه عادة قاله ابن لب في جواب له نقله الشارح. ويفهم منه أن الزوج إذا مكث معها نحو الثلاثة الأيام وادعى أنه لم يصبها إلا في الليلة الثالثة مثلاً فوجدها ثيباً وادعت هي أو وليها أنه أصابها في الليلة الأولى فالقول لها ولوليها. وشهادة القوابل بعدم القطع عن ذلك لا تنفع والله أعلم. بل لو اعترفت بأنها لا زالت عذراء واعترف هو بوطئها فوجدها ثيباً ونظر النساء إليها بعد يوم ونحوه من دخوله فوجدنها ثيباً لوجب عليه الغرم للصداق باعترافه لموجبه عليه ولا عبرة باعترافها ببقاء عذرتها. وانظر لو اعترف بالوطء وكذبته فيه وشهد النساء ببقاء عذرتها فهل يؤاخذ بإقراره لأنه كذب شهادة النساء إلا أن يرجع لقولها كما يدل له قول (خ) في فصل الصداق وإن أقرّ به فقط أخذ إن كانت سفيهة وهل إن أدام الإقرار لرشيدة كذلك أو إن كذبت نفسها؟ تأويلان إلخ.
العاشر: ظاهر إطلاقات الأشياخ أن النساء ينظرن إلى نفس الفرج وهو الذي عليه عمل الناس اليوم فيما شاهدناه من غير نكير من القضاة وأهل العلم، والذي اقتصر عليه في المتيطية وابن فرحون في التبصرة: أن تجعل المرآة أمام فرجها وتفتح فخذيها وتجلس امرأتان من خلفها ينظران في المرآة وهي تفتحها بيدها فما نظرتا فيه شهدتا به.
والقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ قَبْلَ الابتِنَا ** في قِدَمِ العَيْب الَّذِي تَبَيَّنَا

(والقول) مبتدأ (قول الزوج) خبر (قبل الابتناء) ظرف لمصدر دل عليه الخبر المذكور أي القول قول الزوج عند الاختلاف قبل الابتناء إذ لا يقال القول لفلان إلا عند الاختلاف (في قدم العيب) يتعلق بالخبر (الذي تبينا) نعت للعيب ومعموله محذوف أي الذي تبين قبل البناء.
وَالقَوْلُ بَعْدَ في الحُدُوثِ قَوْلَ الأبْ ** والزَّوْجُ إذْ ذَاكَ بَيانُهُ وَجَبْ

(والقول) مبتدأ (بعد) ظرف للاختلاف المقدر أيضاً مبني على الضم لقطعه عن الإضافة لفظاً (في الحدوث) يتعلق بالخبر الذي هو (قول الأب والزوج) مبتدأ (إذ) ظرف زمان ماض يتعلق بوجب (ذاك) مبتدأ خبره محذوف تقديره كذلك، والجملة في محل جر بإضافة إذ لقوله: وألزموا إضافة إلى الجمل. حيث وإذ إلخ. (بيانه) مبتدأ ثان وجملة (وجب) خبره، والجملة من المبتدأ والخبر خبر الأول، والمعنى أن الزوجين إذا اختلفا في قدم العيب وحدوثه فادعى تقدمه على العقد ليكون له الرد، وادعت الزوجة أو وليها حدوثه بعد العقد ليكون مصيبة نزلت به كما مرّ في قوله: وهو لزوج آفة من بعده. فإن كان ذلك الاختلاف قبل البناء فالقول قول الزوج في قدمه وعلى الزوجة إثبات كونه حادثاً، وإن كان اختلافهما بعد البناء فالقول قول الزوجة في حدوثه وعلى الزوج بيان قدمه. وما ذكّره الناظم هو ملخص ما لابن رشد في البيان مقيداً به إطلاق ابن القاسم حيث قال في سماع عيسى وأصبغ من زوج ابنته على أنها صحيحة فتجذمت بعد سنة أو نحوها. فقال الأب: تجذمت بعد النكاح. وقال الزوج: قبله فالأب مصدق وعلى الزوج البينة. ابن رشد: إنما يصدق إن تداعيا بعد البناء وقبله القول قول الزوج كما أن القول قول المبتاع في عيب عبد ظهر قبل قبضه يحتمل الحدوث والقدم. اهـ. فأنت تراه في الرواية أطلق، وقيده ابن رشد بما ترى وتبعه على التفصيل المذكور ابن سلمون والناظم، والذي لابن فتحون أن القول للزوجة وأبيها مطلقاً كان النزاع قبل البناء أو بعده وهو ظاهر (خ) وابن شاس والمقرب.
قلت: وهو الموافق لنص ابن القاسم المتقدم فيمن ظهر بها حمل قبل البناء وأنه إن شاء أمسك وإن شاء طلق لكون الحمل حادثاً بعد العقد، أو محتمل الحدوث على ما استظهره ابن عرفة كما مرّ في التنبيه الثالث قبل هذين البيتين. وحاصله؛ أن ابن القاسم في سماع عيسى وأصبغ قال: إن القول للأب وعلى الزوج البينة وأطلق فظاهره كان نزاعهما قبل البناء أو بعده واعتمد إطلاقه غير ابن رشد ممن تقدم، وهذا الإطلاق هو الموافق لما مر قريباً عن المدونة في كتاب الرجم، ولذا أطلق (ح) وغيره ممن تقدم قال ابن رحال: وهو الصواب وتقييد ابن رشد وإن تبعه عليه غيره غير ظاهر وكم من تقييد أهمل، وقد أطلق ابن يونس كما أطلق ابن شاس اه باختصار.
تنبيهان:
الأول: إذا كان القول للأب فبيمينه (خ) وحلفت هي أو أبوها إن كانت سفيهة إلخ. ابن رشد: الأخ كالأب أي وأحرى الابن وغيرهم من الأولياء لا يمين عليهم، بل عليها، وينبغي أن تكون يمين الولي على العلم انظر ابن عرفة و(ح).
الثاني: قال الشارح: انظر هل يريد بالبينة إقامة شهادة بأن العيب بها قديم أو حادث أو شهادة أهل المعرفة بأنه قديم أقدم من أمد العقد أو حادث بعد العقد أو محتمل كالشهادة في الرقيق والدواب. اهـ. قلت: الجاري على ما مر في مسألة البكارة أن المراد شهادة أهل المعرفة بأنه أقدم من أمد العقد وأحرى إذا أقام بينة تشهد بالقطع بأنه كان بها قديماً، وربما يستروح هذا أيضاً من تشبيه. ابن رشد: المسألة بعيب عبد ظهر قبل قبضه الخ فتأمله والله أعلم.
كَذَا بَرَدَ ذِي انْتِسَابٍ أُلْفِيَا ** لِغيَّةٍ أَوْ مُسْتَرَقًّا قُضِيَا

(كذا) تشبيه راجع لقوله قضى آخر البيت (برد ذي انتساب) يتعلق بقضى المذكور (ألفيا) بالبناء للمفعول بمعنى وجد وألفه للإطلاق ونائبه المفعول الأول ضمير يعود على ذي انتساب (لغية) بكسر لام الجر وفتح الغين وكسرها يتعلق بألفى في محل المفعول الثاني له يقال فلان لغية إذا كان لغير رشدة أي ابن زنا (أو مسترقاً) معطوف على محل لغية (قضيا) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير يعود على الزوجة أي: قضى لها فحذفت لام الجر فاتصل الضمير واستتر والتقدير قضى للزوجة برد ذي انتساب ألفته منسوباً لغية أو مسترقاً كذلك أيضاً كما قضى لها برده بالعيب، فإذا تزوجته على أنه ذو نسب فوجدته ولد زنا أو تزوجته على أنه حر فوجدته رقيقاً أو ذا شائبة رق فلها رده إن شاءت، وظاهره أن مجرد الظن كاف وإن لم يكن هناك شرط فقوله: ذي انتساب أي اشتراطاً أو ظناً فإذا تزوجته ظانة أنه نسيب أو أنه حر، فإذا هو لغية أو رقيق فلها رده لأن العرف أن النسيبة لا تتزوج إلا النسيب، والحرة لا تتزوج إلا الحر والعرف كالشرط، فإن لم يكن عرف بذلك فلا رد إلا مع الشرط الصريح وعكس المسألتين كذلك وهو تزوجه إياها ظاناً أو مشترطاً أنها لرشدة فإذا هي لغية أو ظاناً أو مشترطاً أنها حرة فإذا هي أمة، ويفهم منه أنه إذا تزوجها يظنها حرة فإذا هو وهي رقيقان لا رد لها ولا له لأن كلاًّ منهما من مناكح الآخر. نعم لو تزوجها العبد أو تزوجته على شرط الحرية فتبين خلافه فلها وله الرد، وإن كان كل منهما من مناكح الآخر لأنه خلاف الشرط المدخول عليه، وانظر لو تزوجها أو تزوجته على أنها أو أنه لرشدة فإذا هما لغية هل يجري على حكم ما إذا كان العيب بهما معاً كما مر في أول الفصل أو إلى المسألة الأخيرة، وعكسها الشارح بقوله: وإلاَّ تزوج الحر الأمة والحرة العبد بخلاف العبد مع الأمة والمسلم مع النصرانية إلا أن يغرا أو إلى ما يتضمن الأولى أشار بقوله: وللعربية رد المولى المنتسب. إلخ. فيستروح منه أن الذي لغية يرد بالأحرى ولو لغير العربية، وفي المتيطية وللمرأة أن ترد الرجل إذا انتسب لها فوجدته لغية وكذلك إن كان عبداً إلخ.
تنبيه:
سكت الناظم عما يكون للزوجة في الرد قبل البناء أو بعده، وأشار له (خ) بقوله: ومع الرد قبل البناء فلا صداق وبعده فمع عيبه المسمى ومعها رجع بجميعه انظر تفصيله فيه.