فصل: فصل في كراء الرواحل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في كراء الرواحل:

جمع راحلة وهي الناقة النجيبة الكاملة الخلق الحسنة المنظر المدربة على الركوب والسير والحمل، بهذا فسر عياض قوله عليه الصلاة والسلام: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) عياض: وأصلها من الرحل الموضوع عليها. اهـ. والمراد بها هنا الدابة من حيث هي من فرس وبغل وحمار وجمل. (والسفن) جمع سفينة.
وفي الرَّوَاحِلِ الكِرَاءُ والسُّفُنُ ** عَلَى الضَّمانِ أَوْ بِتَعْيِينِ حَسَنُ

(وفي الرواحل الكراء) مبتدأ والمجرور قبله متعلق به (والسفن) جمع سفينة عطف على الرواحل (على الضمان) خبر (أو بتعيين حسن) عطف عليه: والمعنى أن الكراء في الرواحل والسفن كائن على وجهين إما على الضمان كأكتري منك ركوب دابة أو سفينة إلى موضوع كذا، أو أكتري منك دابتك البيضاء أو السوداء أو التي عندك أو أكري لك دابتي وليس لي غيرها، فهذه الصور كلها من المضمون، وإما على التعيين كأكتري منك دابتك هذه إلى محل كذا، فالكراء المعين هو ما وقع العقد فيه على مشار إليه والمضمون ما كان بخلافه. ابن المواز: ولو اكترى منه دابة أو سفينة ليحمله لبلد كذا ولا يعلم له غيرها وقد أحضرها ربها عند العقد ولم يقل تحملني على هذه، فهو على الضمان وعلى المكري خلفها إذا هلكت حتى يصل الغاية. اهـ. قالوا: لأن الكراء المضمون كشراء سلع مضمونة إذا هلكت قبل القبض أو استحقت مطلقاً لزمه أن يأتيه بمثلها، وإذا قدم فيه المكري دابة للمكتري فركبها فليس له أن يزيلها من تحته إلا برضاه والكراء المعين إذا هلك قبل الغاية انفسخ الكراء ولا يلزمه أن يأتيه بغيرها لأنه كشراء السلعة المعينة من مكيل وموزون إذا هلك قبل أن يوفيه كيله أو وزنه انفسخ البيع، فإذا تراضيا بعد الفسخ في المعينة على أن يخلفها بغيرها وكان لم ينقد جاز لأنه كراء مستأنف، وإن كان نقد لم يجز لأنه فسخ دين في دين إلا أن يكون في مفازة أي محل لا يجد فيه دابة للكراء، فيجوز حينئذ وإن أدى لفسخ الدين قال ابن المواز: ولا يجوز استئجار عبد أو دابة أو سفينة بعينه على أنه إن هلك أتاه بمثله كما أنه لا يجوز بيع شيء بعينه على أنه إن هلك قبل القبض ضمن البائع مثله سواء كان المبيع حيواناً أو طعاماً أو عرضاً. اهـ. وإذا وقع الكراء على الضمان فلابد أن يذكر جنس الدابة ككونها من الخيل أو البغال ونوعها من برذون وعربي وذكورة وأنوثة كما قال (خ): وإن ضمنت بجنس ونوع وذكورة إلخ. وإذا كانت معينة واكتراها للركوب فينبغي أن يختبر سيرها ليعلم سرعتها من بطئها، فرب دابة كما قال مالك المشي خير من ركوبها، فإن لم يختبرها لم يلزمه الكراء، ثم محل ذكر الجنس والنوع في المضمونة إنما هو إذا أكريت للركوب، وأما على كرائها للحمل ونحوه فلا يحتاج لذلك لعدم تعلق الأغراض به إلا في حمل زجاج ونحوه كدهن فيحتاج لوصفها خوف أن تكون جموحاً أو عثوراً فتفسده، وإذا قدم له جموحاً أو عثوراً وهو عالم بأنه يحمل عليها ذلك، فالظاهر ضمان المكري حيث لم يعلم المكتري بكونها جموحاً أو عثوراً والله أعلم.
تنبيهات:
الأول: قال البرزلي: من اكترى دواب بأحلاسها وغرائرها فهربت دابة بحملها فتبعها فرجع فوجد الأخرى قد ذهبت فلا ضمان عليه في الأولى ولا فيما عليها إلا أن يتبين كذبه ولا ضمان عليه في الثانية أيضاً ولا فيما عليها إن تركها عند ثقة وإلا ضمن. اهـ.
قلت: قوله: وإلاَّ ضمن إلخ. نحوه قوله في الدر النثير في الراعي تذهب الشاة فيتبعها ولا يترك الغنم عند أحد فتضيع كلها أو بعضها: أنه ضامن لأنه مفرط حين علم أنه موضع الخوف فرجع إلى الأقل وترك الأكثر لأنه مأمور بحفظ الأكثر. اهـ. ومفهوم قوله حين علم أنه موضع الخوف إلخ. أنه إذا علم أو غلب على ظنه أنه محل أمن لا ضمان عليه، ومفهوم قوله فتبعها أنه إذا لم يتبعها ولا طلبها لا ضمان عليه، ولا يكون عدم طلبها تفريطاً يوجب الضمان وهو كذلك حيث خاف على الباقي لكونه في غير محل أمن وإلاَّ ضمن كما في ابن عرفة.
الثاني: قال ابن القاسم في الدمياطية في مكتري الدابة يشترط عليه الضمان: أنه لا ضمان عليه قال: والمناجل وآلة الحرب يضمنها. ابن رشد قوله بضمان المناجل ونحوها مما يغاب عليه شذوذ ولا أعلم خلافاً أنه لا ضمان عليه ولو مع الشرط، وظاهر كلامه في اشتراط ضمان الدابة عليه أنه كراء فاسد وعليه كراء المثل في الفوات قال: وحكم كراء العروض على شرط الضمان حكم بيع الثنيا يفسخ إلا أن يسقط الشرط، فإن لم يعثر على ذلك حتى فات الكراء ففيه الأكثر من المسمى وكراء المثل دون شرط. اهـ. وبه تعلم ما في اشتراط تضمين الماشطة ما تلف بيدها مما اكترته من حلى الأعراس انظر (م) في البيت بعد هذا.
الثالث: قال الوانوغي: وفي سماع أشهب فيمن يتكارى دابة لمكة كل يوم بدرهم؟ قال: ما هذا من بيوع الناس ولعله يمكث بذلك شهرين ولو ضرب لذلك أجلاً كاكترائه لها شهراً كل يوم بدرهم، فلا إشكال في الجواز. وأما إذا اكتراها منه إلى مكة كل يوم بدرهم فلم يجز ذلك هنا، وأجاز في المدونة كراء الراحلة بعلفها إلى موضع كذا، وهذا اختلاف من القول إذ لا فرق بين المسألتين لأنه إذا أبطأ في السير كثر عليه العلف، وإن عجل قل عليه العلف، فآل ذلك إلى الجهل بمبلغ الكراء، ولو أكرى منه الدابة بعلفها إلى مكة أو كل يوم بدرهم أسرع أو أبطأ في السير لم يجز اتفاقاً، فالخلاف إنما هو إذا وقع الكراء مبهماً دون بيان، فحمله في هذه الرواية على الظاهر من الوصول إلى مكة قرب أو بعد، وحمله في المدونة على الوصول على السير المتعارف فأجازه. اهـ. واقتصر في الكراس الثامن من أنكحة المعيار على أن كراء الدابة كل يوم بدرهم لا يجوز إلا مع الأجل كالشهر ونحوه. ثم أشار الناظم إلى وجوب تعجيل الأجر في الكراء المضمون دون المعين فإنه يجوز فيه التعجيل والتأجيل فقال:
ويُمْنَعُ التَّأجِيلُ في المَضْمُونِ ** وَمُطْلَقاً جَازَ بذِي التعْيين

(ويمنع التأجيل) للأجر (في) الكراء (المضمون) وظاهره منع التأجيل ولو شرع في السير وليس كذلك، بل إذا شرع ولو حكماً كتأخير شروعه اليومين والثلاثة لم يمنع تأجيله، وإنما كان الشروع حكماً كالشروع بالفعل لأن حكم الكراء المضمون حكم السلم في جواز التأخير ثلاثة أيام كما في المقدمات، وإنما جاز التأجيل مع الشروع ولو حكماً لأن قبض أوائل المنفعة قبض لأواخرها، فلا يلزم ابتداء الدين بالدين المرتب على التأجيل وعدم الشروع، وهذا إذا كان العمل المشروع فيه يسيراً كما في المقدمات، فإن كان كثيراً وجب تعجيل الأجر سواء شرع أم لا. إذ لا يكون قبض الأوائل كقبض الأواخر إلا في اليسير، وظاهر النظم أيضاً أن التأجيل ممنوع ولو للبعض وليس كذلك، بل كل كراء مضمون لا يركب فيه إلا في وقت معلوم، ووقع العقد قبل حصول وقته كان كراء حج أو غيره يكتفي فيه بتعجيل اليسير، ويجوز تأجيل ما بقي كما قاله مالك لاقتطاع الأكرياء أموال الناس، وأما إن وقع بعد حصول وقته فلابد من الشروع ولو حكماً أو تعجيل جمع الأجر إذ لا ضرورة حينئذ تستدعي تعجيل اليسير فقط، (ومطلقاً جاز بذي التعيين) أي وجاز عقد الكراء مطلقاً كان الأجر معجلاً أو مؤجلاً في الدابة المعينة أو السفينة المعينة كهذه الدابة أو السفينة ونحو ذلك، ومحل الجواز مع التعجيل إذا كان يستوفي المنافع في الحال أو يؤخر استيفاءها الأيام القلائل كالعشرة وإلاَّ لم يجز لتردد النقدين الكراء إن لم تهلك والسلف إن هلكت كما قال (خ) في الخيار عاطفاً على المنع وأجير تأخر شهراً وأما مع التأجيل للنقد فيجوز تأخير استيفائها الشهر ونحوه كما قال في الإجارة وكراء دابة شهراً إن لم ينقد.
تنبيه:
وكما يجب التعجيل للأجر في الكراء المضمون الذي لم يشرع فيه كذلك يجب تعجيل الأجر المعين كثوب مثلاً. وحاصله؛ أن الأجرة إذا كانت معينة كثوب بعينه أو دراهم بعينها فإنه يجب تعجيلها ويقضى به لحق الله تعالى سواء اشترط التعجيل أم لا. كان المستوفي منه المنفعة معيناً أم لا. والإجارة صحيحة مع الشرط ولو لم يعجل بالفعل، وكذا مع عدمه إن كان عرفهم التعجيل فإن كان عرفهم التأخير أو لا عرف أصلاً ولم يشترط التعجيل فسدت ولو عجلت بالفعل، وأما إن كانت الأجرة غير معينة كدراهم أو ثوب في الذمة، فإنما يجب التعجيل إن كان المستوفى منه مضموناً لم يشرع في استيفاء منافعه فإن كان معيناً فلا يجب التعجيل ولا يقضي به عند طلبه إلا إذا اشترطه أو جرى العرف به، لأن أصل ابن القاسم أن الثمن في الإجارة على التأخير إلى تمام العمل إلا أن يشترطه أو يجري العرف به فيقضي له بتعجيله حينئذ، وبالجملة مهما اشترط التعجيل أو جرت العادة به ففي المعين يجب التعجيل مضمونة كانت أم لا. وكذا غير المعين في المضمونة لابد فيه من التعجيل لحق الله في الجميع للزوم بيع معين يتأخر قبضه في الأولين وللزوم ابتداء الدين بالدين في الثالث، وأما غير المعين في غير المضمونة ففي الشرط أو العادة يقضي به فقط لأن الحق حينئذ للآدمي، وهذا معنى قول (خ): وعجل إن عين بشرط أو عادة أو في مضمونه لم يشرع فيها إلاَّ كراء حج فاليسير إلى قوله: وفسدت إن انتفى عرف تعجيل المعين إلخ. إلا أن عبارته رحمه الله غير موفية بالمراد، فلو قال: وعجل بشرط أو عادة في المعين مطلقاً كغيره في المضمونة وتفسد بعدمه كانتفاء عرف تعجيل المعين لا غيره في غيرها، ويقضي به فقط مع الشرط أو العادة لأجاد والله أعلم.
وحيثُ مُكْتَرٍ لعُذْرٍ يَرْجِعُ ** فَلاَزِمٌ لهُ الكِرَاءُ أَجْمَعُ

(وحيث مكتر) دابة ليزف عليها عروساً أو ليشيع عليها رجلاً أو ليركبها لموضع كذا أو اكتراها لحج أو ليركبها في يوم كذا فتركها حتى مضى اليوم (لعذر) من مرض أو عدم رفقة أو سقط أو مات أو حبسه غريم في دينه ونحو ذلك من الأعذار التي عاقته عن العمل عليها (يرجع) عن ذلك الزفاف ونحوه (فلازم له الكراء أجمع) إن كان حياً أو لورثته إن مات وله أو لوارثه كراء الدابة في مثل ما اكتراها له حيث كان الزمان الذي اكتراها للركوب فيه باقياً قاله في المدونة ونحوه قول ابن سلمون: ومن اكترى دابة إلى موضع فرجع بها من الطريق فالكراء لازم له يعني: وله أن يكريها في مثله، وبالجملة فكل ما تستوفى به المنفعة لا تنفسخ الإجارة بتلفه أو وجود عائق كموت المكتري للدابة ومرضه وحبسه وعدمه رفقة ونحو ذلك كتلف المتاع المحمول على الدابة أو أخذ اللصوص له أو موت الأمة المبعوثة معه بأجر ليوصلها لفلان، سواء تلف أو غصب قبل الخروج أو بعده، وكل ما تستوفى منه المنفعة تنفسخ الإجارة بتلفه كموت الدابة المعينة وانهدام الدار المكتراة، ونحو ذلك كما مرّ في البيت قبله، والناظم تكلم على الكلية الأولى وسكت عن الثانية و(خ) تكلم عليهما معاً حيث قال: وفسخت بتلف ما يستوفى منه لا به واستثنوا من الكلية التي تعرض لها الناظم أربع مسائل وهي صبيان وفرسان صبي التعليم والرضاعة وفرس النزو والرياضة فقالوا: إن الإجارة تنفسخ فيها وله من الكراء بحساب ما عمل مع كونها مما تستوفي بها المنفعة وألحقوا بذلك كما في الشامل وغيره المؤاجرة على الحصاد فيتلف الزرع وليس لربه غيره وعلى بناء حائط فيمنع من البناء مطر ونحوه وثوب يدفع لخياط أو غزل يدفع لنساج فيتلف كل منهما وليس لربهما غيره، والطبيب يؤاجر لمداواة العليل مدة فيموت العليل قبلها والمؤاجرة على ثقب جوهر نفيس فينكسر وعلى الحراثة فينكسر المحراث ونحو ذلك قال في ضيح: والعلة فيها كلها تعذر الخلف غالباً. اهـ. وعليه فالمدار على تعذر خلف المستوفى به فلا مفهوم للمسائل الأربع ولا لما ألحقوه بها والحق أنهما قولان. مذهب المدونة وهو الذي شهره في البيان أن الإجارة لا تنفسخ في ذلك وعليه جميع الكراء وله أن يستعمله في مثله، وهو ما درج عليه الناظم و(خ) وصححه ابن شاس وابن الحاجب، والقول الآخر إنها تنفسخ وعليه درج في المتيطية في تخلفه عن زفاف العروس، واستظهره (م) في البيت بعده وشهره في المقدمات قائلاً: المشهور انفساخ الإجارة إذا تلف ثوب الخياطة، ومراده إذا كان اللباس يتعذر خلفه حينئذ لا للتجارة ولعدم تعذر خلفه، فهما قولان. شهر كل منهما، لكن محل الخلاف إذا لم يجر العرف بالفسخ عند تعذر المستوفى به، وإلاَّ فيعمل بالعرف لأنه كالشرط فكأنه اشترط عليه أنه إن عاقه عائق انفسخ العقد بينهما، وربما يرشد إليه قول ابن عرفة: لا يدخل هذا الخلاف في نوازل وقتنا بتونس لأن العرف تقرر عندهم بفسخ الإجارة بكثرة المطر ونزول الخوف. اهـ. والعرف عندنا بفاس اليوم الفسخ بحصول العذر حتى إنك لا تجد اثنين يختلفان في ذلك والله أعلم. وهذا كله في تخلف المكتري للعذر المذكور، وأما لو خالف المكري فلم يأت بالدابة فقال فيها: وإن اكترى دابة إلى بلد ليركبها في غده فأخلفه المكري ولم يأته بها إلا بعد يومين أو ثلاثة فليس له إلا ركوبه، ولو فاته ما كان يرومه أي من تشييع رجل ونحوه، وإن اكتراها أياماً معينة انتقض الكراء فيما غاب منها كالعبد المستأجر شهراً بعينه يمرض فيه فتفسخ إجارته. اهـ. فقولها: ولو فاته ما كان يرومه إلخ. قال ابن المواز: لأن ذلك كشراء سلعة بعينها أو مضمونة يدفعها غداً فما له بذلك حتى فات ما يريد فلا حجة له، وإنما له السلعة. وقال مالك في الأضاحي: يسلم فيها فيأتيه بها بعد أيام النحر. اهـ. وهو معنى قول (خ) عاطفاً على ما لا تنفسخ فيه أو خلف رب الدابة في غير معين وحج، وإن فات مقصده إلخ.
تنبيه:
إذا ضلت الدابة بالمتاع فلا كراء لصاحبها فإن أدى جعلا لمن جاء بها فالجعل على رب الدابة وإن ضلت بتفريطه فغرم قيمتها، ثم وجدت بعد ذلك ولم تتغير فأراد ربها أخذها ورد القيمة فليس له ذلك وهي للذي غرم قيمتها كما في ابن سلمون. وفي المدونة وكل ما عطب من سبب حامله من دابة أو غيرها فلا كراء فيه إلا على البلاغ، ولا يضمن الجمال إلا أن يغر أي يتعدى، وكذلك ما حمله الرجل على ظهره فعطب فلا كراء له ولا ضمان عليه، وكذلك السفينة إذا غرقت في ثلثي الطريق فلا كراء لها ولا ضمان عليه في شيء مما فيها. ورأى مالك أن ذلك على البلاغ. ابن يونس: وجه قول مالك إنه إنما دفع إليه الكراء ليحصل له غرضه فلم يحصل له شيء فأشبه ذلك الجعل الذي بطلان تمامه من أجل الأجير، وأيضاً العرف قد جرى بين الناس أن الكراء في ذلك على البلاغ فكان المكري دخل عليه إلا أن يشترط عليه كل ما سار شيئاً أخذ بحسابه فله ذلك. اهـ.
وَوَاجِبٌ تَعْيينُ وَقْتِ السَّفَرِ ** في السُّفُنِ وَالْمَقَرِّ لِلّذِي اكتُرِي

(وواجب تعيين وقت السفر في) كراء (السفن) بسكون الفاء لضرورة الوزن، وكذا يجب تعيين وقت السفر في كراء الدابة أيضاً لاختلاف الأسفار غلاء ورخصاً باختلاف الأوقات في كرائهما معاً فلا مفهوم للسفن في وجوب التعيين (و) وجب أيضاً تعيين (المقر) الذي ينتهي إليه السير ويوضع المتاع فيه (للذي اكتري) ولا يضربا لذلك أجلاً لاختلاف الرياح والسير في الدابة فإن ضرباه فسد الكراء كما قال (خ): وهل يفسد إن جمعهما أي العمل والأجل وتساويا أو مطلقاً خلاف.
وَهُوَ عَلَى الْبَلاَغِ إنْ شَيءٌ جَرَى ** فيها فَلاَ شَيْءَ لَهُ مِع الْكِرَا

(وهو) أي كراء السفن عند مالك وابن القاسم (على البلاغ إن شيء جرى فيها) أي السفن (فلا شيء له) أي لربها (من الكرا) ء لأنها كالجعل الذي لا يستحق الأجر فيه إلا بتمام العمل فمحل كرائها على الجعالة إلا أن يشترط أن له بحساب ما سار فتكون إجارة كما مرّ بالإشارة إلى ذلك قبل هذا البيت، وتقدمت الإشارة إليه أيضاً أول كراء الدور، وظاهره أنه يجوز النقد فيها وهو كذلك على المشهور، وظاهره أنه لا كراء لربها ولو غرقت بمرسى محل النزول وهو كذلك إلا أن يفرط رب المتاع فلم ينقل متاعه بفور النزول حتى غرقت، فإنه يلزمه الكراء كله حينئذ، وكذا لو شرعوا في التفريغ فغشيهم الموج ومنعهم منه حتى غرق بعضه وسلم البعض الآخر، فإن كراء السالم لازم، وكذا لو غرقت في أثناء الطريق وسلمت حملاتها كلها أو بعضها فاكترى رب المتاع سفينة أخرى وحمل متاعه فيها، فإن لرب السفينة الأولى من الكراء بقدر ما انتفع به رب المتاع السالم ببلوغه إلى الموضع الذي غرقت فيه كما قالوا في البئر يحفر بعضها ثم يترك ويكملها غيره أن للأول بقدر ما انتفع به رب البئر، ولا فرق على ما درج عليه الناظم من أن كراءها على البلاغ بين وقوع الكراء على قطع البحر أو الريف أمكنهم النزول في قرية حاذوها أم لا. كانوا مسافرين بالريح أو بغيره. وقال ابن نافع: كراؤها ككراء الدابة فإذا غرقت أو ردّها الريح أو اللصوص فيلزمه من الكراء بحسب سيرها. وقال أصبغ: إن وصلت لمحل يمكن السفر منه أو حاذوه فردتهم الريح أو اللصوص فكالدابة وإلا فعلى البلاغ، وعلى المشهور من أنها على البلاغ لو زادت به الريح على المحل المقصود فلا كراء له إلا أن يرده المقصود، وإن عرض لهم العدو أو هول في البحر فليقصدوا موضعاً للنزول فيه حتى يتهيأ لهم السفر، ومن أراد منهم أن ينزل أو ينزل متاعه فذلك له وعليه أداء الكراء كله. انظر ابن سلمون.
تنبيه:
ويجب طرح ما ترجى به نجاة المركب من المتاع لخوف غرق ولا يطرح الآدمي ولو ذمياً. وقال اللخمي: إذا خشوا الهلاك إن لم يخفف من المركب فيقرع على من يرمى حتى من الآدمي والرجال والعبيد، وأهل الذمة في ذلك سواءْ ابن عرفة: ونسبة بعضهم لخرق الإجماع إذ لا يرمى الآدمي لنجاة غيره ولو ذمياً، وقاعدة الإجماع على وجوب ارتكاب أخف الضررين لدرء أشدهما شاهدة لقول اللخمي وهي هنا، وإن كانت لإتلاف النفس فهي فيه لحفظها. اهـ.