فصل: فصل في مسائل من أحكام البيع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في بيع المضغوط:

وهو من أكره على البيع أو على سببه قال في القاموس: الضغطة بالضم الضيق والإكراه والشدة، (وما أشبهه) من بيع المغصوب منه للشيء المغصوب.
وَمَنْ يَبِعْ فِي غَيْرِ حَقَ شَرْعِي ** بالْقَهْرِ مَا لاَ تَحْتَ ضَغْطٍ مَرْعِي

(ومن يبع في غير حق شرعي بالقهر) متعلق بقوله يبع (ما لا) مفعول كان ذلك المال أصلاً أو غيره (تحت ضغط) أي ضيق وشدة (مرعي) أي معتبر بأن يكون كما في (خ) بخوف مؤلم من قتل أو ضرب أو سجن أو قيد أو صفع لذي مروءة بملأ أو قتل ولده أو أخذ ماله، وهل إن كثر تردد. اهـ.؟ فإذا خاف نزول شيء به من هذه الأمور حالاً أو مآلاً فباع، وأحرى لو نزل به بعضها بالفعل فإن بيعه غير لازم لعدم تكليفه لأنه مكره والمكره غير مكلف. قال الشارح: والإهانة الملزمة لمن لا تليق به إكراه قال في نوازل الكفالة من البرزلي في قوم تضامنوا لعداوة كانت بينهم: إن ما ذهب لأحدهم ضمنه الآخران الكفالة غير لازمة لوجود الإكراه بالخوف من رجوع العداوة، وسواء استمر التخويف بما تقدم حتى وقع عقد البيع أو لم يستمر بل وقع الإكراه على نفس البيع أو على سببه، ثم تراخى البيع إلى نحو الشهر والشهرين مثلاً كما قاله ولد الناظم، وهو المعتمد خلافاً لما لابن لب من أنه لا ضغط حيث تأخر العقد عنه واحترز بقوله: مرعي مما بيع حياء أو رغبة أو على مال تافه، وأما الخوف على أجنبي فصصح ابن بشير قول أشهب: بأنه لا إكراه، وقال ابن بزيزة: إنه المشهور وأحرى خوفه على قتل أبيه أو عمه، بل صرح ابن فرحون بأن المعرة إكراه ولا يخفى أن قتل الأجنبي عند المؤمن أعظم من صفع قفاه ومفهوم قوله في غير حق شرعي: إن ما إكراه على بيعه لحق شرعي ليس بأكراه كقضاء دين أو لتوسيع مسجد ونحوهما من النظائر التي ذكرها الشارح عند قول (خ): لا إن أجبر عليه جبراً حراماً إلخ. وانظر الباب الثاني من التبصرة و(ح) أول الغصب وسائر الشروح عند قوله: ولو عين السرقة أو أخرج القتيل.
فَالْبَيْعُ إنْ وَقَعَ مَرْدُودٌ وَمَنْ ** بَاعَ يَجُوزُ المُشْتَرَى دُونَ ثَمَنْ

(فالبيع إن وقع) على وجه الضغط المذكور سواء باع المضغوط بنفسه أو وكل عليه (مردود) على بائعه بإجماع فيما إذا أكره على نفس البيع ويرد الثمن للمشتري إلا أن تقوم البينة على تلفه عند البائع بغير سببه، فإن تقم البينة بذلك بل ادعاه البائع فقط ففي تصديقه قولان لسحنون، ويظهر رجحان الأول لأن الثمن لم يقبضه البائع لحق نفسه إذ هو غير راض به فهو عنده كالأمانة فيصدق في تلفها بغير سببه، وأما إن أكره على سبب البيع كما إذا أكره على إعطاء مال ظلماً فباع أمتعته لذلك، فالمشهور أنه مردود أيضاً ويأخذ البائع شيئه بلا ثمن كما قال: (ومن باع يجوز) الشيء (المشتري) منه (دون ثمن) يدفعه للمشتري، وظاهره أنه يأخذه بلا ثمن ولو لم يعلم المشتري بالضغط وهو الذي لابن رشد في البيان، واقتصر عليه ابن سلمون و(ح) وغير واحد من شراح (خ) قال في الشامل: إلا أن العالم آثم كالغاصب وعليه الضمان مطلقاً ولا غلة له ولغيره الغلة ولا يضمن العقار ويضمن ما أكل أو لبس ويبطل عتقه ووقفه. اهـ. خلافاً لما لابن رشد في نوازله من أنه إنما يأخذه دون ثمن إن علم المشتري بالضغط وإلاَّ فلا يأخذه إلا بالثمن، وظاهره أيضاً أنه يأخذه دون ثمن علم أن الظالم أو وكيله قبضه من المضغوط أو من المشتري أو جهل هل دفعه المشتري للظالم أو لوكيله أو لرب المتاع أو هل دفعه المضغوط للظالم أو بقي عنده، وهل صرفه في مصالحه أو لا؟ وهو كذلك في الجميع ووجهه أنه لما ثبت أصل الضغط حمل على أخذ الظالم له عند الجهل اللهم إلا أن علم ببينة أو إقرار أنه صرفه في مصالح نفسه أو أتلفه عمداً أو خطأ فإنه يأخذه بالثمن حينئذ.
تنبيهان:
الأول: ما درج عليه الناظم من أن المبيع مردود عليه بلا ثمن فيما إذا أكره على سبب البيع هو المشهور، وقال ابن كنانة: البيع لازم نافذ والمشتري منه مأجور لأنه أنقذه من العذاب، وبه أفتى السيوري واللخمي، وعليه العمل بفاس ونواحيها قال ناظمه: وبيع مضغوط له نفوذ إلخ. وعليه فإذا أسلم للمضغوط في زيتون ونحوه فالسلم لازم له، وإذا تسلف مالاً لفكاك نفسه أو أعطى حميلاً فغرم الحميل عنه فإن المسلف والحميل يرجعان عليه ولا مقال له، وهذا إذا كانت الحمالة والسلف بسؤال من المضغوط وإلاَّ فلا إذا كان يرجى فكاكه بدون مال، وإذا لزمه البيع على ما به العمل فأحرى أن يلزم أباه أو أخاه أو عمه أو أجنبياً إذا باعوا متاع أنفسهم لفكاكه ويرجعون عليه بما غرموا عنه إذ غايته أنهم مسلفون، بل لو أكره الظالم يتيماً مراهقاً أو سفيهاً على إعطاء مال فباع كافله شيئاً من أمتعته لفكاكه وكان البيع على وجه السداد لكان ماضياً عليه كما قاله اللخمي ونقله اليزناسني وغيره، وكذا لو أكره رجلاً على أن يغرم عن أخيه الغائب مالاً فباع الرجل شيئاً من متاع أخيه فالبيع نافذ كما قاله في الاستحقاق من المعيار في رجل أكرهه السلطان على أن يغرم مالاً عن أخيه فباع متاعه ومتاع أخيه أن البيع نافذ ويرجع على أخيه بما غرمه. اهـ. وكذا وقفت عليه لبعض فقهاء الفاسيين في امرأة أكرهها الحاكم على أن تؤدي عن ولدها الغائب ثمناً فباعت شيئاً من متاع الولد أن البيع لازم، واحتج بما عن المعيار. قلت: وعليه فلو أخذ السلطان رجلاً بمال ظلماً أو في جناية اتهم بها فهرب فأخذت جماعة بسببه فباعوا أملاكه على وجه السداد لأداء ما أخذوا به، فالبيع لازم له فتأمله، وما مر عن المعيار نحوه له في الوصايا منه أيضاً في وصي أخذ بسبب محجوره حتى أدى مالاً فإن ذلك يكون في مال المحجور، ومثله في الأقضية منه. وانظر ما كتبناه في أجوبتنا لحاج عبد القادر محيي الدين على الحديث الكريم الذي رواه مسلم، ونقله ابن فرحون وغيره في أحكام السياسة في كون الرجل يؤاخذ بجريرة قومه، وهي أجوبة نفيسة مشتملة على نحو الخمس كراريس تعينك على ضبط هذا الباب وتفيدك عدم معارضة الحديث الكريم لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام: 164) أي لا تؤاخذ نفس بذنب غيرها، وفيها الكلام على حكم الفكاك الواقع بين القبائل والله أعلم.
الثاني: الضغط على الشراء كالضغط على البيع، ففي المعيار عن القلشاني أن من اشترى سلعة معينة يدفعها في مظلمة والبائع يعلم بضغطه هو بمنزلة بيع المضغوط ويرجع بائعها بالثمن أو بأعيانها إن وجدت على الضاغط. اهـ. وعلى ما به العمل يكون الشراء لازماً للمشتري المضغوط على شرائها.
قلت: ويبقى النظر إذا أكرها معاً هذا أكره على البيع والآخر أكره على الشراء والثمن يأخذه الضاغط، وذلك لأن الضاغط أراد أن يغرم البائع مالاً فلم يجد البائع من يشتري منه فضغط المشتري أيضاً على الشراء ليدفع الثمن للبائع فيأخذه الضاغط والمشتري عالم بالضغط أو يكون الضاغط إنما أراد أخذ مال المشتري فيكرهه على شراء دار فلان مثلاً، فعلى المشهور لا شك أن البائع لا يلزمه البيع ويرجع المشتري بثمنه على الضاغط فإن تلف المبيع بيده فلا يضمنه البائع، وأما على ما به العمل فانظر هل يكون البيع لازماً له هاهنا أيضاً نظراً للسبب أو لا يكون لازماً نظراً إلى كون المشتري مكرهاً، فهو قد دفع الثمن لينقذ نفسه من العذاب فهو المكره في الحقيقة وإكراه الآخر صوري فقط وهو الظاهر، ووقعت هذه المسألة أيام الفتنة سنة ست وثلاثين من هذا القرن فبيعت على الوجه المذكور دور وحوانيت لا تحصى حتى إنهم باعوا حوانيت الأحباس ودور الأيتام ولا يخفى أن المكره في حوانيت الأحباس والأيتام هو المشتري فقط لعدم تعلق الإكراه بالأحباس والأيتام الصغار، وانظر حاشيتنا على (ز): وإذا زال الإكراه فعلى المشهور لابد من القيام بفور زواله، كما مر في بيع الفضولي إذ زال عذر مالكه والله أعلم. وانظر أواخر الكراس الأول من بيوع البرزلي فإنه ذكر أنه لا يتعرض لنقض معاملة الملوك لقيام الفتنة بذلك، وإن كان الوالي جائراً وذلك راجع إلى كون المضغوط ينفذ بيعه وشراؤه إلخ.
وَالخُلْفُ في الْبَيْعِ لِشَيْءٍ مُغْتَصَبْ ** ثَالِثُهَا جَوَازُهُ مِمَّنْ غَصَبْ

(والخلف في البيع لشيء مغتصب) على ثلاثة أقوال جوازه مطلقاً ومنعه مطلقاً (ثالثها) وهو المشهور (جوازه ممن غصب) (خ) ومغصوب أي لا يجوز بيعه إلا من غاصبه زاد: وهل إن رد لربه مدة تردد، واقتصر في باب الغصب على الجواز بدون الشرط المذكور حيث قال: وملكه إن اشتراه ولو غاب إلخ. فيستروح منه عدم اشتراط الشرط المذكور وهو الذي ارتضاه ابن رحال أي: لا يشترط الرد ولا الغرم عليه، ومفهوم قوله ممن غصب أنه لا يجوز بيعه من غير الغاصب قبل قبضه من الغاصب على هذا القول المشهور وهو كذلك، ولو كانت عليه بينة بالغصب وهو ممن تأخذه الأحكام لأنه شراء ما فيه خصومة والمشهور منعه.

.فصل في مسائل من أحكام البيع:

لو قال في أحكام مسائل من البيع قاله (ت).
أَبٌ عَلَى بَنِيهِ فِي وِثَاقِ ** حجْرٍ لهُ يَبِيعُ بِالإطْلاَقِ

(أب) مبتدأ سوغه قصد الجنس (على بنيه في وثاق حجر له يبيع) خبر المبتدأ وعلى بنيه متعلق به، وفي وثاق حال من بنيه (بالإطلاق) ذكر السبب الذي وقع البيع لأجله أم لا. كان السبب أحد الأسباب التي يبيع لها الوصي أم لا كبيعه ليتجر له بثمنه ونحو ذلك، وشمل قوله: يبيع إلخ. هبة الثواب لأنها بيع بخلاف الوصي فليس له أن يهب للثواب، وليس المراد بالإطلاق أنه يبيع لسبب ولغير سبب أصلاً كما قد يتبادر، إذ لا يجوز فيما بينه وبين الله أن يبيع لغير سبب أصلاً.
وَفِعْلُهُ عَلى السَّدَادِ يُحْمَلُ ** وَحَيْثُ لا رَدَّ ابْنُهُ مَا يَفْعَلُ

(وفعله على السداد يحمل) حتى يثبت خلافه إلا أن يكون هو المشتري لمال ابنه أو يشتري لولده من نفسه أن يبيع لأجنبي ليصرف الثمن في مصالح نفسه أو لينفق منه على نفسه لفقره في زعمه فإنه يحمل حينئذ على غير السداد ويرد كان الأب موسراً أو معدماً وليس له بيعه للإنفاق منه على نفسه إلا بعد إثبات العدم، وظاهره أنه يحمل على ما ذكر من السداد وأنه باع لمصلحة الولد، ولو باع باسم نفسه ولم يذكر أنه باع عن ولده وهو كذلك كما في ابن سلمون وضيح عن ابن القاسم وأحرى إذا ذكر أنه يبيعه عن ولده ولا يدري هل باعه لمصلحة نفسه أو لولده كما في المفيد، وظاهر هذا أنه يمضي بيعه ويمكن من قبض ثمنه ولو كان فقيراً، والذي لابن عرفة في نكاح التحكيم ونقله أواسط الكراس الثالث من أنكحة المعيار ونحوه في الفائق عنه، وبه حكم ابن عبد الرفيع أنه لا يمكن من قبض مال ولده حيث كان فقيراً وعليه عول في لامية الزقاق حيث قال:
هكذا منع والد ** فقير من أخذ المال للولد اعملا

وحينئذ فيقيد ما مر عن ضيح والمفيد بما إذا كان الأب موسراً لأنه إذا كان فقيراً فالغالب أنه يبيعه لمصلحة نفسه فلا يحمل على السداد وعلى فرض وجود السداد فلا يمكن من قبضه، وهذا شاهد لنزع الوصي الفقير من التقديم كما هو ظاهر ولا يشمل قوله وفعله إلخ. الصدقة بمال ولده، وفي معناها البيع بالمحاباة فإن ذلك يرد ابن رشد حكم ما باعه الأب من مال ولده الصغير لمصلحة نفسه أو حابى به حكم ما وهبه أو تصدق به يفسخ في القيام كان الأب موسراً أو معدماً، وحكمه في الفوات ما ذكرته في الهبة والصدقة غير أنه إذا غرم يرجع على الأب بالثمن. اهـ. وقال قبل هذا: فرق ابن القاسم بين أن يعتق الرجل عبد ابنه الصغير أو يتصدق به أو يتزوج به فقال: إن العتق ينفذ إذا كان موسراً ويغرم القيمة ويرد إن كان معدماً إلا أن يطول الأمد. قال أصبغ: لاحتمال أن يكون حدث له أثناء ذلك يسر لم يعلم به، وأما إن علم أنه لم يزل عديماً في ذلك الطول فإنه يرد وقال: إن الصدقة ترد كان موسراً أو معدماً فإن تلفت الصدقة بيد المتصدق عليه بأمر من السماء لم يلزمه شيء وغرم الأب القيمة وإن فاتت بيده باستهلاك أو أكل والأب عديم لزمه غرم قيمتها ولم يكن له على الأب رجوع. وقال في التزويج: إن المرأة أحق به دخل بها أم لا معسراً كان الأب أو موسراً ويتبع الابن أباه بقيمته. اهـ. من طفي، ثم قال: فالحاصل على مذهب ابن القاسم لا فرق بين يسر الأب وعسره في رد البيع والهبة وعدم رد ما يتزوج به، وإنما الفرق بين اليسر والعسر في العتق وهذا هو مراد (خ) بقوله: كأبيه إن أيسر إلخ. قال: وأطال (ح) بجلب كلام الأخوين وترك مذهب ابن القاسم الذي هو المعتمد وما كان ينبغي له ذلك، ثم إذا وقع البيع بالمحاباة والأب عديم وفات فإن المشتري يضمن المحاباة هذا ما يظهر من كلام ابن رشد المتقدم. وإذا غرمها فلا يرجع على الأب كما هو ظاهر والله أعلم. قال في وكالات المعيار: إذا باع الأب بالمحاباة بالأمر البين وظهر سوء نظره لم يجز بيعه ونقض ولم يمكنه القاضي بعد من النظر في مال ولده. اهـ. باختصار.
(وحيث لا) سداد بأن باع لمصلحة نفسه أو بمحاباة وغبن أو جهل، هل باع لمصلحة نفسه أو لولده وهو فقير على ما تقدم عن ابن عرفة (رد ابنه) إن رشد أو القاضي إذا اطلع عليه وكان الابن لم يرشد (ما يفعل) إن كان المبيع قائماً وإن فات فيجري على ما تقدم.
تنبيهان:
الأول: إذا شهدت بينة أن البيع عليه سداد وشهدت أخرى أنه غير سداد فإن بينة السداد تقدم حيث نودي عليه المدة المعتبرة في بيع الأصل. قاله في شهادات المعيار ونحوه في البرزلي.
الثاني: ما تقدم من أن الأب إذا اشترى مال ولده لنفسه محمول على غير السداد هو الذي في المتيطية وضيح، واقتصر عليه في الشامل، والذي لابن سهل في أحكامه أن العمل جرى عندهم على أن الأب إذا باع من ابنه أو ابتاع من ماله لنفسه لم يعترض ويحمل أمره على التمام إلا أن يثبت الغبن الذي لا يتغابن الناس بمثله، بخلاف الوصي إذا باع من اليتيم أو ابتاع من ماله لنفسه فالبيع مفسوخ إلا أن يثبت السداد. اهـ. ونحوه في الفشتالي قائلاً: وإن عاوض الأب ولده الصغير من نفسه جاز ذلك كالبيع، وبه مضى العمل. اهـ. ونحوه لابن مغيث. ونقل ذلك كله ناظم العمل المطلق في شرحه فتأمل ذلك، والذي ينبغي أن يحمل ما في المتيطية وضيح على ما إذا كان الأب ممن يتهم لكونه غير متسع المال، وما في ابن سهل ومن معه على ما إذا كان متسع المال والله أعلم.
وَبَيْعُ مَنْ وصِّيَ لِلْمَحْجُورِ ** إلاّ لِمُقْتَضِ مِنَ المَحْظُورِ

(وبيع من وصي) مبتدأ (للمحجور) يتعلق ببيع واللام بمعنى (على) (إلا) استثناء (لمقتض) يتعلق ببيع مقدر (من المحظور) خبر المبتدأ، والتقدير: وبيع الوصي على محجوره ممنوع إلا أن ببيع لمقتض وموجب أي حاجة لنفقة أو كسوة فيجوز كان المبيع عقاراً أو غيره، ولا يحتاج إلى إثبات الحاجة للنفقة والكسوة إذ لا يعلم ذلك إلا من قوله: وأما إن باع لغيرها من غبطة كما في (خ) أي كثرة في الثمن أو لكونه موظفاً ليوظفه بما لا توظيف عليه، أو لكونه حصة ليبدله بكامل أو لقلة غلته ليبدله مما كثرت غلته، أو لكونه بين ذميين أو جيران سوء وهو للسكنى لا للغلة أو لإرادة شريكه بيعاً ولا مال له يضم به صفقة البيع أو لخشية انتقال العمارة أو لخوف الخراب ولا مال له أو له، والبيع أولى فهل لابد من إثباته الوجه الذي يبيع له من هذه الوجوه كما هو ظاهر النظم. ولا يكفي مجرد ذكره باللسان كما في (ق) عن ابن رشد وهو قول أبي عمران وغيره، ومعناه في المدونة كما لأبي الحسن، وعليه فلا يتم البيع حتى يضمن الشهود في الوثيقة معرفة الغبطة والتوظيف ونحو ذلك، وإلا كان على المشتري إثبات ذلك وإلا نقض البيع ولا يحتاج إلى إثبات الوجه الذي يبيع له، بل يكفي ذكره له بلسانه، وإن لم يذكره كان البيع ماضياً لأنه كالأب فيتم بيعه، وإن لم يذكر السبب وعلى المحجور إثبات أنه باع لغير سبب وهو قول الأندلسيين. الجزيري: وهو المشهور. ابن عاث: وهو قول الشيوخ قديماً وبه العمل، ونحوه لأبي الحسن والبرزلي وغيرهم فهما قولان شهر كل منهما (خ): ثم وصيه وهل كالأب أو إلا الربع فببيان السبب خلاف، ورجح ابن رحال في الحاشية هاهنا أنه كالأب فمحل هذا الخلاف إذا باع عقار اليتيم كما ترى، وإلاَّ فلا يحتاج لبيان السبب اتفاقاً، ولكن الذي يجب اعتماده في زماننا هذا هو قول أبي عمران لقلة ديانة الأوصياء وهو ظاهر النظم كما مر. ولذلك قال البرزلي: وقع في أحكام ابن زياد أنه إذا أقيم فيما باعه الوصي كان على المشتري إثبات أنه ابتاع بيعاً صحيحاً، وأنه باع لغبطة أو فاقة أو حاجة ويتم الشراء. اهـ.
قلت: ولقلة ديانتهم جرى العمل بإدخال مال الأيتام في ذمتهم فيقولون في زمام التركة وما صار للمحجور فلان هو في ذمة حاجره فلان إلى أن يبرأ منه بموجب شرعي، وقد نصوا على أنهم إنما أدخلوها في ذمتهم خشية ادعاء ضياعها لقلة ديانتهم والله أعلم. وفي الدر النثير عن أبي الحسن: أن الوصي إذا باع لغير حاجة بل لتزليج الدار فإن بيعه ينقض، وانظر إذا باع المحجور بمحضر وليه في آخر اختلاف المتبايعين عند قوله: وعكس هذا لابن سحنون نمي إلخ.
تنبيهات:
الأول: قال في الوصايا من المتيطية عن بعض الموثقين ما نصه: الذي جرى به العمل أن حكم مقدم القاضي حكم الوصي في جميع أموره. اهـ. وكذا قال ابن رحال في الحاشية: أنه كالوصي، ويظهر منه أنه يجري فيه الخلاف الذي في الوصي هل لابد من إثبات السبب أم لا؟ وفيه شيء إذ الذي عول عليه (خ) أنه ليس كالوصي لأنه جعل مرتبته بعد مرتبته وشرط فيه شروطاً لم يشترطها في الوصي حيث قال: ثم حاكم وباع بثبوت يتمه وإهماله وملكه لما بيع وأنه الأولى وحيازة الشهود له والتسوق وعدم إلغاء زائد والسداد في الثمن، وفي تصريحه بأسماء الشهود قولان إلخ. فعلم منه أن هذه الأمور شروط صحة في بيعه وأن القاضي أو نائبه يبيع لواحد من الأسباب المتقدمة بعد ثبوته اتفاقاً أو على المشهور، إذ حيث كان يجب عليه أن يثبت أنه أولى ما يباع عليه مثلاً ونحوه ولا يصدق في ذلك، فأحرى أنه يجب عليه إثبات السبب الذي وقع البيع لأجله من كونه قد قلت غلته أو بين ذميين ونحو ذلك، ويبعد كل البعد أن يقال يصدق في كون الربع قد قلت غلته على ما للأندلسيين في الوصي حيث قلنا إنه كهو ولا يصدق في التسوق وأنه أولى ما يباع عليه مثلاً على أن الشيخ طفي قال: إنما يبيع للأسباب المتقدمة الوصي، وأما القاضي أو نائبه فإنما يبيعان للحاجة وهو معترض بما ل (ت) في شرح اللامية وبما في الدر النثير حسبما نقله الشيخ الرهوني في حاشيته والله أعلم. ثم إن المراد بالسداد في الثمن إلخ. أن لا يباع بالمحاباة وأن يكون الثمن عيناً لا عرضاً، ولا يشترط بلوغه القيمة كما يأتي في البيع على الغائب، والظاهر أن المراد بإثبات ملكه إثبات أنه محوز بيده لأن الأصل فيمن حاز شيئاً يدعي ملكيته له أنه له كما يأتي في بيع الغائب.
الثاني: يفهم من كون الأمور المذكورة شروط صحة في بيع الحاكم أنه إذا باع تركة لقضاء الديون أو لحاجة الأيتام ونحو ذلك قبل إثبات الموجبات فإنه ينقض البيع، وإن فات لزمه المثل في المثلى والقيمة في المقوم يوم تعدي، وكذا إذا باع وفرط في قبض الثمن حتى غاب المشترون. اهـ. قال السيوري: فظاهره أنه محمول على غير وجودها وهو الصواب خلاف ما في الكراس الأول من معاوضات المعيار ونوازل ابن رشد من أن بيع القاضي محمول على استيفاء الموجبات وعلى من ادعى انخرامها إثباته إلخ. ولما نقل بعضهم ما في المعيار أعقب ذلك بقوله: ولكن ما ذكر في غير قضاة الوقت أما هم فيحمل أمره على عدم إثبات الموجبات لأن قصارى أمر بيعهم أن يكون بمنزلة تصريح القاضي بأنه ثبت عندي ما يوجب البيع، وقد ذكروا أن القاضي لا يصدق في قوله ثبت عندي على المعمول به، وإن كان في المتيطية ذكر أنه يصدق، لكن قال الجلاب وابن القصار: لا يصدق ومال إليه المازري وقال اللخمي: أنه الأشبه بقضاة الوقت. قال النالي وابن حجوا: هو المعمول به، ثم قال المتعقب المذكور ثم اطلعت على أوائل مسائل الصلح من المازونية فوجدته ذكر أجوبة متعددة عن سؤال مضمنها أنه يجب على المشتري من القضاة إثبات موجبات البيع فإن لم يثبت ذلك رد البيع. اهـ. والأجوبة في المازونية لسيدي علي بن عثمان وسيدي سعيد العقباني وأبي الفضل العقباني. زاد أبو الفضل: إذا علم المشتري بأن القاضي باع منه قبل إثبات الموجبات فإنه يرد الغلة. اهـ. من خط أبي العباس الملوي رحمه الله، وينبغي أن يقيد بغير إثبات ملكه لأن الأصل فيمن حاز شيئاً أنه يملكه كما يأتي في البيع على الغائب، وفي باب القسمة أيضاً وأن يقيد أيضاً بغير البيع للحاجة للإنفاق وإلاَّ فهو مصدق إذ لا يعلم ذلك إلا من قوله كما مر، لكن لابد من ثبوت التسوق وعدم إلغاء زائد إلخ.
قلت: ولابد في بيعه للملوك الذي غاب سيده أن يكلفه إثبات كون سيده لم يترك له نفقة، وأنه ليس له صنعة تقوم بنفقته كما يأتي في أواخر فصل البيع على الغائب، وقوله: ينقض البيع إلخ. محله إذا لم يثبت المشتري الموجبات من كونه باع لحاجة أو غبطة وإلاَّ صح البيع كما في ضيح، وسيأتي نحوه في بيع الحاضن، وإذا صح ذلك في بيع الحاضن فأحرى أن يصح في الحاكم لأنه أقوى منه، وقوله لزمه المثل في المثلى والقيمة في المقوم إلخ. يعني إذا كانت القيمة أكثر من الثمن يضمن الزائد، والظاهر أن محل ضمانه حيث كان من قضاة العدل وأهل العلم إذا تحقق تعديه كما لو تبين أنه باع ما ليس أولى بالبيع مثلاً وإلاَّ بأن بقي الأمر محتملاً فلا، كما بيناه في حاشية اللامية.
الثالث: مقدم القاضي كهو في كونه لا يبيع إلا بعد إثبات الموجبات المتقدمة، ويزاد أنه لا يبيع ربع الأيتام إلا بمشورة القاضي لأنه كوكيل مخصوص على شيء بعينه وهو قول القاضي إسماعيل، وبه العمل اليوم قال ناظم العمل المطلق:
وليس كالوصي ذا التقديم ** فلا يبع ربعاً على اليتيم

إلا إذا ما أذن القاضي له ** فيه وإلا فيرد فعله

وقيده ابن كوثر بما إذا أمكنه الرفع إلى القاضي ولم يفعل، وقيده ابن الحاج بما إذا لم يثبت عند القاضي ما يوجب البيع وإلاَّ فلا يرد بيعه كما في المعيار في نوازل الصلح منه.
الرابع: إذا زعم الوصي أو مقدم القاضي أنه دفع عن اليتيم العشر والمغارم والجعائل للمخزن فإنهما يصدقان إذا كان ذلك معروفاً بالبلد وادعيا ما يشبه قاله ابن زرب، ونقله العلمي في البيوع.
وَجَازَ بَيْعُ حَاضِنٍ بِشَرْطِ أَنْ ** أُهْمِلَ مَحْضُونٌ وَلا يَعْلُو الثَّمَنْ

(وجاز بيع حاضن) أو حاضنة عقار يتيمه كان الحاضن قريباً أو أجنبياً في بدو أو حضر (بشرط أن) بفتح الهمزة (أهمل) بالبناء للمفعول (محضون) أي بأن لا يكون له ولي من وصي أو مقدم (و) أن (لا يعلو الثمن) بل لابد أن يكون يسيراً مثل.
عِشْرِينَ دِينَاراً مِنَ الشَّرْعِيِّ ** فِضَيَّةً وَذَا عَلَى المَرْضِيِّ

(عشرين ديناراً) فدون عند ابن العطار وعليه الأكثر، ولابن زرب ثلاثون، ولابن الهندي عشرة وأن يثبت السداد في الثمن، وأنه أولى ما يباع عليه، وأنه محتاج إلى بيعه لكونه لا يمكنه التوصل إلى معيشته بصناعة ولا بتصرف ما فلابد أن تشهد بينة معتبرة بهذه الشروط كلها، فحينئذ يصح البيع ويتم للمشتري ملكه، وإذا اختل شرط منها فلا يتم للمشتري ملكه إلا بإثباته، وإلاَّ فللمحضون إذا كبر الخيار في رد البيع أو إمضائه قاله أبو الحسن وابن رشد وغيرهما. زاد في المفيد وأصله لابن رشد عن ابن العطار: إن من الشروط أن تشهد البينة أن الحاضن أنفق الثمن على اليتيم وأدخله في مصالحه وإلاَّ فللمحجور القيام وهو شرط غريب أسقطه كثير من المحققين فلم يذكره في الوثائق المجموعة، ولا أبو الحسن ولا ابن هلال ولا إسحاق بن إبراهيم بن إسحاق، وإنما ذكروا ما عداه من الشروط المتقدمة، وذلك يدل على ضعفه قاله أبو العباس الملوي رحمه الله.
قلت: وصدق رحمه الله في كونه شرطاً ضعيفاً وإن نقله في ضيح والشامل والتبصرة وسلموه، إذ لا وجه لاشتراطه مع عسر الشهادة به، وغايته أنه حيث جاز بيعه فهو كالمقوم ولا يشترط في المقوم إلا ما مر عن (خ) من ثبوت يتمه وإهماله إلخ. وظاهر النظم أن بيع الحاضن بالشروط المذكورة جائز ولو كان القاضي بالبلد ولا يحتاج إلى أن يرفع الأمر إليه ولا إلى ثبوت ملكه لما بيع ولا إلى التسوق وعدم إلغاء زائد وهو كذلك. ابن رشد: لما رأى الفقهاء أن اليتيم ربما ضاع قبل إثبات ذلك عند القاضي أجازوا للحاضن البيع دون مطالعته إذ لو طولع بذلك لم يكن له بد من ثبوت تلك الموجبات التي تشترط في بيع القاضي (من) الدينار (الشرعي) عند أهل قرطبة وصرفه عندهم ثمانية دراهم وزنة الدرهم الواحد وقت حكمهم في المسألة ست وثلاثون حبة. قال في المتيطية: ولذا قال (غ): المراد بالدينار هنا هو ثمانية دراهم من دراهم دخل أربعين، ومعناه أن مائة وأربعين منها تعدل مائة كيلاً أي شرعية وزنة الدرهم الواحد منها ست وثلاثون حبة وهو خمسة أسباع درهم الكيل ودرهم الكيل منها مثل وخمسا المثل، وهو معنى قوله: (فضية) أي فالدينار هنا أقل منه في باب الزكاة لأن صرفه هناك عشرة دراهم وهنا ثمانية فينقص الخمس، ثم وزن الدرهم هناك خمسون وخمسا حبة وهنا ست وثلاثون بنقص سبعيه، فصارت العشرون ديناراً قرطبية أحد عشر ديناراً شرعية وثلاثة أسباع الدينار، وبيانها أن صرف العشرين ديناراً شرعية في الزكاة مائة درهم شرعي، وصرف العشرين ديناراً قرطبية في الحضانة مائة وستون درهماً لأن صرفه هناك عشرة وصرفه هنا ثمانية فقد نقصت الخمس عن صرفها في الزكاة، ثم هذه المائة والستون يحط سبعاها لأن كل درهم منها ينقص سبعين عن الدرهم الشرعي وسبعاها ستة وأربعون درهماً يبقى بعد حط ما ذكر مائة درهم وأربعة عشر درهماً فمائة وعشرة بأحد عشر ديناراً، والأربعة دراهم الباقية هي ثلاثة أسباع الدينار والله أعلم. (وذا) أي ما ذكر من جواميع الحاضن بالشروط المذكورة (على) القول (المرضي) من أقوال أربعة: الجواز مطلقاً والمنع مطلقاً والجواز في بلد لا سلطان فيه والجواز في اليسير الذي قدره عشرون ديناراً وهو المرضي المعمول به.
تنبيه:
القول بالجواز مطلقاً رجحه ابن سهل في أحكامه الكبرى كما في (ق) آخر القسمة، وبه أفتى أبو الحسن في آخر مسألة من نوازله، ثم نقل رواية ابن غانم عن مالك أن الكافل بمنزلة الوصي، ونقل عن شيخه أبي الفضل راشد أن أبا محمد صالحاً قال: هذه الرواية جيدة لأهل البادية لإهمالهم الإيصاء والتقديم. اهـ. وقال ابن هلال: وبذلك أقول وأتقلد الفتوى به في بلدنا اليوم لأنه كالبادية، فالصواب الآن العمل بقول من أنزل الكافل بمنزلة الوصي في البيع والقسمة وغير ذلك. اهـ. انظر شرح الشامل.
وَمَا اشْتَرَى المَرِيضُ أَوْ مَا بَاعَا ** إنْ هُوَ مَاتَ يَأْبَى الامْتِنَاعَا

(وما اشترى المريض) في مرضه ولو مخوفاً، وتقدم بيانه في الخلع وسيأتي أيضاً في فصل الصدقة والهبة إن شاء الله (أو ما باعا) في مرضه (إن هو مات) منه، وأحرى إذا مات بعد أن صح منه (يأبى) ذلك البيع (الامتناعا) والفسخ، بل يجب نفوذه ومضيه بالثمن الذي وقع به إن لم يكن فيه محاباة إذ لا حجر على المريض في المعاوضات كما أفاده (خ) بمفهوم قوله: وحجر على مريض في غير مؤنته وتداويه ومعاوضة مالية إلخ.
فَإنْ يَكُنْ حَابَى بِهِ فَالأَجْنَبي ** مِنْ ثُلْثِهِ يَأْخُذُ مَا بِهِ حُبِي

(فإن يكن حابى به) أي فيه بأن باع أقل من القيمة بكثير بقصد نفع المشتري أو يشتري بأكثر من ذلك بقصد نفع البائع فما نقص عن القيمة أو زاد عليها أو هبة يجري على حكمها فإن لم يكن ذلك بقصد نفع من ذكر بل للجهل بالقيمة فهو الغبن الآتي قاله ميارة، فإن كانت المحاباة المذكورة لأجنبي (فالأجنبي من ثلثه) أي الميت (يأخذ ما به حُبي) لأن المحاباة عطية والعطية في المرض المخوف حكمها حكم الوصية تجري على حكمها، وأما في غير المخوف فحكمها حكم العطية في الصحة تفتقر للحيازة قبل حصول المانع وإلاَّ بطلت، وعليه فإذا زادت المحاباة في المخوف على الثلث فإنه ينفذ منها ما حمله الثلث ويبطل الزائد، ولو حازه الأجنبي قبل الموت إذ لا حكم لحيازة العطية في المخوف، فإن أجاز الورثة له ذلك الزائد فهو ابتداء عطية تفتقر للحوز على المشهور.
وَمَا بِهِ الْوَارِثَ حَابَى مُنِعَا ** وَإنْ يُجزْهُ الوَارِثُونَ اتُّبِعَا

(وما به الوارث) مفعول بقوله (حابى) زاد ما حابى به على الثلث أو نقص (منعا) أي منعت المحاباة فقط، ويصح ما عداها فإذا باعه بمائة ما يساوي مائتين مثلاً فيكون للوارث نصف المبيع فقط ويبطل النصف الآخر، وأما في الأجنبي فإنه لا يبطل النصف الآخر بل يكون له منه ما حمله الثلث، وإنما بطلت في الوارث لأنها وصية له وهي ممنوعة. (وإن يجزه الوارثون اتبعا) فعلهم في الوارث والأجنبي وهو ابتداء عطية منهم يعتبر فيها الحوز.
تنبيهات:
الأول: ظاهر قوله: يأخذ ما به حُبي إلخ. بل صريحه أنه لا يبطل البيع وهو معارض لما يأتي في الإقرار حيث قال:
وبيع من حابى من المردود ** أو ثبت التوليج بالشهود

فصرح هناك بأنه يبطل، وظاهره لو كان لوارث أو غيره في الصحة أو في المرض، فإذا باعه بمائة ما يساوي مائتين ولم يجزه حتى مات، فإنه يبطل الجميع ويرد إلى المشتري ما دفع من الثمن، وهو الذي في الفائق عن ابن القاسم قائلاً: إن للورثة نقض البيع كله لأنه أراد به التوليج، ولو أتم هو بقية الثمن ما كان ذلك له لأن أصل البيع على التوليج إليه. اهـ. ونحوه لأبي الحسن وابن هلال في الدر النثير، ومثله في المعاوضات من المعيار في الكراس الحادي عشر من مسألة الوصايا اختلف فيها أهل بجاية، والذي لابن عرفة وابن ناجي عن ابن القاسم أيضاً أنه يكون له من المبيع بقدر ما دفع من الثمن ويبطل الزائد في الوارث، ويكون للأجنبي منه ما حمله الثلث. هذا كله إذا لم يجزه حتى مات كما مر، وأما إن حازه المشتري في الصحة حوزاً تاماً فيختص به على الراجح لا أن حازه في المرض فكأنه لم يجزه حتى مات، ثم ما للناظم هنا هو الموافق لما لابن عرفة وابن ناجي كما ترى، وهو الذي عول عليه (خ) وشراحه وغيرهم، فتحصل أنهما قولان بالبطلان مطلقاً وبالصحة مطلقاً درج الناظم هنا على الثاني، وفي باب الإقرار على الأول، وللشيخ الرهوني في حاشيته بعد نقول تحرير عجيب ملخصه ما ذكرنا، إلا أنه رجح في المحاباة في الصحة ما تضمنه الناظم في باب الإقرار وهو ما للفائق ومن معه، ورجح في المحاباة في المرض للوارث، والأجنبي ما للناظم هنا وهو ما لابن عرفة ومن معه، ولكن يلزم من رجح البطلان في الصحة أن يرجح البطلان في المرض بالمساواة أو بالأحرى فالأولى التمسك بما عليه ابن عرفة و(خ) وشراحه.
الثاني: ما تقدم للناظم إنما هو في المحاباة في ثمن المبيع كما مرّ في التقرير، وأما إن كانت المحاباة في عين المبيع مثل أن يقصد إلى خيار دوره أو عبيده فيبيعه من ولده بمثل الثمن أو أكثر فللورثة نقض البيع في ذلك قاله اللخمي والتونسي، ومثله في سماع أبي زيد قال محمد: وهذا أحسن نقله في الفائق وغيره مسلماً. الثالث: محاباة المريض للأجنبي وتبرعه لا ينفذ إلا بعد موته (خ): ووقف تبرعه له إلا لمال مأمون وهو العقار فإن مات فمن الثلث وإلا مضى إلخ.
وَكُلُّ مَا الْقَاضِي يَبِيعُ مُطْلَقَا ** بَيْعُ بَرَاءَةٍ بِهِ تَحَقَّقَا

(وكل ما القاضي يبيع) من حيوان أو عقار أو غيرهما (مطلقا) باعه على مفلس أو يتيم أو غائب (بيع براءة به تحققا) فليس للمشتري رده بعيب يجده قديماً فيه وأما بالاستحقاق فإنه يرجع بثمنه ولا إشكال، وظاهره أنه لا رد للمشتري ولو أتى العيب على جل ثمنه وهو كذلك قاله في المتيطية، وما ذكره الناظم من أنه بيع براءة في كل شيء هو أحد روايتين عن مالك، والمشهور أنها خاصة بالرقيق، فعلى الناظم الدرك في اعتماده غير رواية ابن القاسم، قال في النهاية: وأما ما باعه السلطان على مفلس أو في مغنم أو لقضاء دين أو ورثة أو على صغير فهو بيع براءة وإن لم يشترطه وليس للمبتاع رده بعيب قديم ولا في ذلك عهدة ثلاث ولا سنة. هذا قول مالك المشهور المعمول به في المدونة وغيرها، ثم قال: فإن قلنا بالقول المشهور المعمول به فهل يكون بيع السلطان بيع براءة في كل شيء أو في بيع الرقيق خاصة؟ عن مالك في ذلك روايتان. أحدهما: أنها في كل شيء رواها ابن حبيب عن مالك وهو قول ابن الماجشون ومطرف وأصبغ وغيرهم، والأخرى أنها لا تكون إلا في الرقيق خاصة رواها ابن القاسم وأشهب عنه وهو قول ابن القاسم. اهـ. فوجب صرف التشهير والعمل لرواية ابن القاسم لأنها مقدمة على رواية غيره، ولذا عول عليها (خ) حيث قال: ومنع منه أي من الرد بالعيب بيع حاكم ووارث رقيقاً فقط بين أنه إرث إلخ. ومحل كون بيع القاضي بيع براءة إذا لم يعلم هو أو المفلس بالعيب وإلاَّ فللمشتري الرد، وعن اللخمي أنه لا يكون من الحاكم بيع براءة حتى يسأل المبيع عليه هل علم عيباً أم لا. اهـ. وإذا ثبت علمه بالعيب بعد البيع فهل يرجع المشتري بجميع الثمن على الغرماء أو بقيمة العيب؟ روايتان. ففي الموازية يرجع بالثمن، وفي المدونة بقيمة العيب فقط ويرجعون هم به على المفلس، وقاله ابن القاسم وابن نافع في المتيطية.
وَالخُلْفُ فِيما باعَهُ الوَصِيُّ ** أَوْ وَارثٌ وَمَنْعُهُ المَرْضِيُّ

(والخلف فيما باعه الوصي) للإنفاق على اليتيم أو لقضاء دين أو تنفيذ وصية لا أن باع مال نفسه (أو وارث) باع لما ذكر أيضاً لا أن باعوه للانفصال من شركة بعضهم بعضاً ونحو ذلك فإنه لا يكون بيع براءة إلا أن تشترط كما مر في بيع الرقيق (ومنعه) أي منع كون بيع من ذكر بيع براءة هو (المرضي) المعمول به في كل شيء.
إلاَّ بِمَا الْبَيْعُ بِهِ يَكُونُ ** برَسْمِ أَنْ تُقْضَى بِهِ الدُّيُونُ

(إلا بما البيع به) الباء الأولى والثانية ظرفيتان أي: إلا في الشيء الذي البيع فيه (يكون برسم أن تقضى به) أي بثمنه (الديون) هذا محل الخلاف، فلو حذف هذا البيت وأبدل البيت الأول بقوله ما نصه:
كذلك الوارث والوصي ** جوازه أن بينا المرضي

لأجاد وأفاد شرط كون بيع الوصي والوارث بيع براءة إذا بينا أن المبيع إرث بخلاف الحاكم فإنه لا يشترط ذلك فيه، ومفهوم قولنا للإنفاق أو لقضاء دين أو تنفيذ وصية إلخ. أنه إذا باع للتجارة لليتيم فإن العهدة عليه إذا لم يكن لليتيم مال. قال في المتيطية: فإن تجر الوصي ليتيمه أتبعت ذمته كالوكيل المفوض إليه وهذا بخلاف ما يبيعه للإنفاق على اليتيم لأن ذلك ضرورة. اهـ. وأشار الناظم بقوله: ومنعه المرضي إلخ. إلى قوله في المتيطية أيضاً. وأما ما باعه الوصي لأيتامه أو الورثة الكبار لقضاء دين الميت أو وصاياه فلا يكون بيع براءة إلا أن يشترطها الوصي، أو يصرح بأنها ميراث، أو يعلم بذلك المبتاع فيكون بيع براءة، وإن لم يعلم المبتاع بأنه بيع ميراث أو سلطان فهو مخير في الرد والإمساك. اهـ. وهو معنى قول (خ) وخير مشتر ظنه غيرهما. اهـ. قال ابن شاس: وإنما حمل بيع الوارث والحاكم والوصي على البراءة لكون الديون والوصايا يجب تعجيلها لأهلها إن طلبوها فهم مطالبون باستعجال الحق لأهله غير عالمين بأحوال المبيع، فلذلك حمل بيعهم على البراءة بخلاف بيع الإنسان مال نفسه.
تنبيهان:
الأول: ظاهر النظم و(خ) أنه لا يعذر إن جهل كون بيع الحاكم أو الوارث بيع براءة. وقال اللخمي: وأرى إن علم المشتري أنه بيع سلطان أو ميراث وجهل أن ذلك بيع براءة أن تكون له العهدة. اهـ. ونقله في المتيطية مسلماً.
قلت: وهو جار على القاعدة المتقدمة آخر بيع الفضولي، وإذا ادعى المشتري على الوارث أو الوصي أنهما عالمان بالعيب فعليهما اليمين لأنهما المتوليان للمعاملة إلا أن يشترطا سقوط اليمين عنهما في العقد كما مرّ في فصل بيع الرقيق عند قوله:
والبيع مع براءة إن نصت ** على الأصح بالرقيق اختصت

الثاني: قال في المتيطية. إثر ما مر عنه: وأما الوصي إذا باع لمن يلي لنفقته أو لغير ذلك من مؤنة وبين ذلك فلا تباعة عليه ويرجع المبتاع في عين ذلك الثمن إن كان قائماً فإن أنفقه على الأيتام لم يكن عليه شيء وبيع القاضي كبيع الوصي في أن لا تباعة عليه. قال اللخمي: ويفترق الجواب فيمن أصرف إليه الثمن فإن كان البيع للإنفاق على الأيتام أو الصدقة رجع على من قبض الثمن إن كان قائماً في الاستحقاق والعيب وإن أنفقه لم يرجع عليه بشيء ولو اشترى به رقبة فأعتقت ففي رد العتق قولان. ففي المدونة يرد العتق ولا شيء على الوصي، وفي الموازية لا يرد ويغرم الوصي قال: والأول أحسن وإن كان البيع لإنفاذ ديون على مفلس رجع على قابض المال كان المال قائماً أو استهلكوه أو ضاع منهم. اهـ. ونقل بعضه (م): وفي فصل بيع الوصي من ابن سلمون ما نصه: فإن استنفد الثمن في نفقات المحجور ثم استحق المبيع فإنه لا يرجع على الوصي بشيء ويرجع بذلك في مال المحجور إن كان له مال، فإن لم يكن له مال فلا شيء على الوصي فقوله أي المتيطي لا تباعة على الوصي يعني: وإنما التباعة في مال الأيتام. وقوله في الاستحقاق: والعيب يعني في غير عيب الرقيق أو فيه، ولكنه علم بعيبه وكتم وإلاَّ فلا رجوع له على الوصي ولا على الأيتام لأنه بيع براءة كما مر. وانظر هذا كله مع قول ناظم العمل:
ومال ميت إذ ما باعه ** وصيه بين كي ينفعه

فإنه جار على المشهور مع أنه بصدد نظم ما به العمل المخالف للمشهور، اللهم إلا أن يكون مراده أنه ينفعه ذلك في الرقيق وغيره، وفي الاستحقاق والعيب فيكون العمل برواية ابن حبيب المتقدمة لأن تعليل ابن شاس المتقدم يدل على جريانها في الوصي والوارث أيضاً أي: فيكون بيع براءة في الرقيق وغيره، وفي الاستحقاق والعيب وإنما العهدة في مال الأيتام إن كان وإلاَّ فلا تباعة على الوصي والوارث حيث بينا وكان البيع للإنفاق أو الدين لا للتجارة كما مرّ.