فصل: فصل في أحكام من الكراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في أحكام من الكراء:

لو قال في كراء العروض وأحكام من الكراء لأنهما المذكوران في هذا الفصل لوفى بالمراد.
والعَرْضُ إنْ عُرِفَ عيناً فالكِرا ** يَجُوزُ فيهِ كالسُّروجِ وَالفِرَا

(والعرض إن عرف عيناً) تمييز محول عن النائب أي إن عرفت عينه بحيث لا يلتبس رده برد مثله (فالكرا يجوز فيه كالسروج) للدواب (والفرا) بكسر أوله وبالمد وقصره ضرورة جمع فرو بفتح الفاء وسكون الراء، قال في الخلاصة: فعل وفعلة فعال لهما. قال الجوهري: الفرو الذي يلبس والجمع الفراء نقله (م) أي: وهو ثوب معلوم يلبسه أهل مصر وغيرهم، ومفهوم الشرط أن العرض الذي لا يعرف بعينه كقدور الفخار يسودها الدخان حتى لا تعرف بعينها لا يجوز كراؤها، وهو كذلك على ما لابن العطار وابن الفخار، ونقله في ضيح مسلماً، واقتصر عليه في الشامل وابن سلمون قائلاً: لا تجوز فيما لا يعرف بعينه كالدراهم والدنانير وقدور الفخار. اهـ. وظاهر المدونة جواز كرائها كانت تعرف بعينها أم لا. وهو ظاهر إطلاق (خ) أيضاً حيث قال: وإجارة ماعون كقصعة وقدر إلخ. ابن ناجي: ويجاب بأن قولها عام قابل للتخصيص فيقال معناه فيما يعرف بعينه. اهـ. وعليه فيخصص كلام (خ) بذلك أيضاً، لكن لا يظهر وجه لما قاله ابن العطار ومن وافقه من منع كرائها والتعليل بكونه قد يرد مثلها فيكون سلفاً جر نفعاً لا يتم لأنه إن كان النفع هو عين الأجرة فيتهمان على قصد السلف لأخذ الأجرة. قلنا: كذلك إذا كان العرض يعرف بعينه لأن العرض يجوز فيه رد العين المستقرضة فيكون سلفاً بمنفعة أيضاً، فما لزم على العرض الذي لا يعرف بعينه يلزم على غيره، ولعله لذلك ضعف شراح (خ) قول ابن العطار الذي درج عليه الناظم، وتمسكوا بظاهر المدونة و(خ) وقالوا: إنه المعتمد المشهور والفرق بين الدنانير والقدور التي لا تعرف أن الدنانير والدراهم لا ينتفع بها إلا باستهلاك عينها فتحقق فيها السلف بنفع بخلاف القدر والله أعلم.
ومُكْترٍ لِذاكَ لا يَضْمَنُ ما ** يَتْلَفُ عِنْدَهُ سِوَى أنْ ظَلَمَا

(ومكتر لذاك) العرض (لا يضمن ما يتلف عنده) منه (سوى أن ظلما) بفتح الهمزة أي إلا أن يظلم بتعد أو تفريط باعترافه أو بالبينة عليه فيضمن حينئذ، وظاهره أنه لا ضمان عليه مع عدم التفريط ولو شرط عليه الضمان وهو كذلك كما يأتي النص بذلك في فصل كراء الرواحل، وأما إن لم يثبت تعديه ولا تفريطه.
وهْو مُصَدَّقٌ مَعَ اليَمِين ** وإنْ يَكُنْ مَنْ لَيْسَ بالمأْمُونِ

(فهو مصدق مع اليمين) لقد ضاع وما أخفاه وأن ضياعه لم يكن بتعد منه ولا تفريط. هذا إذا كان مأموناً بل (وإن يكن) المكتري (من) بفتح الميم (ليس بالمأمون) فإنه يصدق أيضاً لأنه لما أكراه منه فقد أمنه عليه، ثم إذا صدق في الضياع بيمينه فإنه يلزمه الكراء كله على المشهور، وقول ابن القاسم: إلا أن يأتي ببينة على وقت الضياع فإذا ادعى تلفها قبل انقضاء مدة الكراء وثبت ذلك ببينة أو ثبت أنه نشدها في ذلك الوقت وحلف على ما ذكر سقط عنه الضمان، ويغرم من الكراء بقدر ما انتفع إلى وقت التلف، وقيل: إنه مصدق في الضياع، وفي الوقت الذي ضاع فيه ولا يلزمه من الكراء إلا بقدر ما انتفع. ابن يونس: وجه قول ابن القاسم أن الأشياء المستأجرة يصدق مكتريها في ضياعها ولا يصدق في دفع كرائها وزواله من ذمته إلا ببينة، فلما اجتمعا في هذه المسألة أجرى كل على أصل بابه فيرفع عنه الضمان وإغرامه الكراء إلا أن يقيم بينة بما يوجب رفع الكراء عنه، ووجه قول غيره أنه لما صدقه في الضياع كان ذلك كقيام البينة عليه فوجب أن يسقط عنه كراء ما زاد على الوقت الذي ادعى الضياع فيه وهو الصواب اه باختصار. وقوله: إن الأشياء المستأجرة إلخ. يشمل حتى الدابة إذا ادعى ضياعها في أثناء المسافة فإنه لا يضمنها ويلزمه جميع الكراء على المشهور إلا أن يأتي ببينة على وقت الضياع. ابن سلمون: ولا ضمان على المكتري فيما يتلف عنده من الحلى والثياب وغير ذلك إلا أن يتعدى أو يفرط، ومن اكترى ثوباً يلبسه فسقط عليه شيء أفسده فهو ضامن، وكذلك إن سقط من يده على جليسه فإن ادعى أنه ضاع أو سرق فالقول قوله بيمينه ويغرم الكراء كاملاً إلا أن تقوم بينة أنه ادعى تلفها قبل مدة الكراء ونشدها إذ ذاك فيغرم من الكراء بقدر ما انتفع، وكذلك يصدق في رد ذلك إلى صاحبه مع يمينه إلا أن يكون قبضه بإشهاد فلا يبرأ إلا به، ومن ادعى في حلى ضاع عنده أنه استأجره وقال ربه: بل أعرته إياك فإن كان رب الحلى مثله ممن يكريه فالقول للذي ضاع عنده وإلاَّ فالقول لرب الحلى أنه أعاره ويلزم الآخر ضمانه كما قال: قرض والآخر قراض اه باختصار. ونحوه في نوازل العارية من المعيار، وانظر مسألة من ضلت له دابة من دواب اكتراها فتبعها فوجد الأخرى قد ضاعت في فصل كراء الرواحل الآتي.
والمُكْتَرِي إنْ ماتَ لَمْ يحِنْ كِرَا ** واسْتُؤْنِفَ الكِراءُ كَيْفَ قُدِّرا

(والمكتري) داراً سنة أو دابة وجيبة بعشرة مثلاً (إن مات) أو فلس قبل أن يسكن أو سكن بعض المدة (لم يحن كرا) ء أي لم يبلغ حينه أي لم يحل عليه بالفلس أو الموت إذ لا يحل عليه شيء لم يقبض عوضه الذي هو المنفعة، فإذا اكترى ذلك لسنة وسكن ستة أشهر ثم مات أو فلس فإنما يحل عليه كراء الأشهر الستة الماضية دون الباقية، وإذا مات أو فلس قبل السكنى لم يحل عليه شيء ابن رشد: هذا أصل ابن القاسم لأنه لا يرى قبض أوائل المنافع قبضاً لأواخرها، وعلى هذا فإذا كان على المكتري ديون فإن رب الدار إنما يحاصص بكراء ما سكن المكتري فقط، ويأخذ داره في الفلس ويتنزل الورثة منزلته في الموت لأن من مات عن حق فلوارثه، فإذا أرادوا أن يلتزموا الكراء في أموالهم فلهم ذلك إلا أن يقول رب الدار: لا أرضى بذممهم فيكون له الفسخ، وإن لم يلتزموا الكراء في أموالهم فالحكم أن تكرى الدار لما بقي من المدة المضروبة مع الميت فإن نقص عن العشرة التي وقع الكراء بها للميت وقف من التركة قدر النقصان كما قال: (واستؤنف الكراء) للدار في المدة أو ما بقي منها (كيف قدرا) أي بما أمكن من قليل أو كثير.
حَيْثُ أَبَى الوارِثُ إتْمامَ الأمَدْ ** واسْتَوْجَبُو أَخْذَ الْمَزِيدِ في العَدَدْ

(حيث أبى الوارث إتمام الأمد) على أن الكراء في ذمتهم، ومفهومه أنهم إذا أرادوا إتمام المدة على أن الكراء في ذمتهم لكان لهم ذلك كما مر (واستوجبوا) أي استحقوا (أخذ المزيد في العدد) الذي اكتريت به للميت كما لو اكتريت في المثال المذكور بخمسة عشر فالخمسة لهم.
والنَّقْصُ بَيْنَ العَدَدَيْن إنْ وُجِدْ ** لهُ وَفَاءٌ مِن تُرَاثِ مَنْ فُقِد

(والنقص بين العددين إن وجد) كما لو اكتريت بثمانية (له) أي لذلك النقص (وفاء من تراث من فقد) أي مات فيؤخذ من التركه قدر النقصان ويدفع للمكري عند وجوبه له، وبالجملة إذا أبى الورثة من إتمام المدة على أن الكراء في ذمتهم فإن الدار تكرى بما أمكن من قليل أو كثير والزيادة لهم والنقصان يوقف من التركة بقدره إن كان فيها وفاء به، ويدفع للمكري عند انقضاء المدة فإن لم يكن فيها وفاء به فقد ضاع الباقي على المكري لعدم وجود من يرجع به عليه هذا كله في الموت.
وأما في الفلس فللمكري أخذ داره كما مرّ، وما ذكره الناظم تبع فيه ابن رشد في فتواه بذلك، والمشهور خلافه (خ): وحل به وبالموت ما أجل ولو دين كراء إلخ. وإذا قلنا بالمشهور وإنه يحل غير المستوفي منفعته ففي الموت يبقى الكراء لازماً للمكري والورثة ويحاصص المكرى به إن كانت عليه ديون ولا خيار له، وأما في الفلس فيخير المكري بين أن يسلم المنفعة للغرماء ويحاصص بالكراء، وبين أن يرجع في عين شيئه كله إن لم يستوف بشيء من المنفعة، فإن استوفى بعضها حاص بما يقابل ما استوفى منها ويخير فيما إذا لم يستوف في الرجوع فيما بقي من المنفعة وفي إسلامه والمحاصة بما ينوبه من الكراء، فإذا اكتراها سنة مثلاً باثني عشر ديناراً ونقده ستة دنانير وسكن ستة أشهر وفلس، فإنه يخير في إسلامه بقية السكنى ويحاصص بالستة دنانير الباقية، وأخذ بقية السكنى ورد منابها مما قبض وحاص بما رد، فإن لم ينقده شيئاً فإنه يحاصص بما يقابل ستة أشهر التي سكنها من غير خلاف ويخير في الستة الباقية إن شاء رجع فيها، ويحاصص بما يقابل الستة المسكونة فقط، وإن شاء أسلمها وحاص بما يقابلها أيضاً، ويأخذ ما نابه في الحصاص معجلاً على المنصوص في المدونة، وهو المشهور فمحل الخلاف والتشهير إنما هو فيما لم تستوف منفعته، وأما ما استوفيت منفعته فمحل اتفاق.
فرع:
إن باع صاحب الدار داره بعد عقد الكراء فيها وقبل انقضاء مدته فإما أن يبيعها من المكتري أو أجنبي، فإن باعها من أجنبي فإن لم يعلم بالكراء فهو عيب إن شاء رد أو تمسك، وإن علم به فلا رد له ولا كراء إلا أن يشترطه وإن اشترطه، فإن وجب الكراء للبائع أو بعضه بمضي المدة فلا خلاف في المنع إذا بيعت الدار بذهب وهو ذهب ولا بالورق على قول ابن القاسم إلا أن يكون الثمن نقداً، ويكون أقل من صرف دينار وإن لم يجب شيء من الكراء على المشتري للبائع المذكور لكونه لم يمض من المدة شيء واشترطه في العقد، ففي جوازه قولان. فابن رزقون يجيزه ووافقه غيره، ابن رشد: وهو الأصح، ومنهم من منعه ونسبه لابن القاسم في الدمياطية، ومنهم من قال: هو للمبتاع اشترطه أم لا. وأما إن باعها من المكتري فقال أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو عمران الفاسي: هو جائز وهو فسخ لما تقدم من الكراء في قول ابن عبد الرحمن، ولما بقي من المدة من قول أبي عمران بن سهل، وجواب أبي بكر أميل إلى الصواب. اهـ. ونقله ابن سلمون إثر ما ذكره الناظم، وكذا نقله (ح) مع زيادة عند قول (خ) في الإجارة واستئجار مؤجر إلخ. فانظر. ثم ما تقدم في الأجنبي إنما يقول إذا ثبت عقد الكراء فيها قبل بيعها ببينة، وأما إذا لم تقم بينة وإنما أقر ربها بعقد الكراء فيها قبل بيعها فإن قوله لا يمضي على المشتري لأن ربها يتهم على فسخ البيع فيها كما أشار له (خ) في الإجارة بقوله: لا بإقرار المالك إلخ. وانظر شرح الشامل عند قوله: أواخر الإجارة، ولا تنفسخ الإجارة بإقرار ربها ببيعها ونحوه إلخ. وانظر الكراس الخامس من بيوع مختصر نوازل البرزلي فيمن باع سلعة بعد بيعها من آخر، فقد أطال فيها. ومثله إذا واجرها ثم باعها، وأنه إذا ثبت ذلك ببينة فهي للأول مطلقاً، وبه تعلم أن ما في معاوضات المعيار عن ابن أبي زمنين من أنها للأول إلا أن يقبضها الثاني، ويحلف أنه غير عالم بشراء الأول فيكون له خلاف الأصول لأن العاقد هنا متحد وبسبب اتحاده لا يتصور فيه أنه غير عالم بالبيع الأول، فلا يصح قياسها على ذات الوليين ولا على قول (خ) في الوكالة: وإن بعت وباع فالأول إلا لقبض إلخ. فلا تغتر بما لابن أبي زمنين، وقد ذكر (ح) في الضمان عند قوله: ولم يبعد إثباته أن من أخذ كفيلاً بدينه فأقام شخص آخر ببينة أنه كان استأجره قبل ذلك أن الإجارة أولى به، ولا يحبس في الدين، وما ذاك إلا لأنه باع منافعه أولاً من زيد فلا عبرة بما يعقده ثانياً مع عمرو مما يؤدي إلى إبطال حق الأول، وذكر في موت أحد الظئرين عن اللخمي: أن الظئر إذا ثبت أنها تكفلت قبل الإجارة ووجب سجنها سجنت، وإن تكفلت بعد الإجارة لم تسجن.
وفي امْرِئ مُمَتَّعٍ في المَالِ ** يَمُوتُ قَبْلَ وَقْتِ الاسْتِغْلاَلِ

(وفي امرئ) خبر مقدم عن قوله قولان بعده (ممتع في المال) أي متعته زوجته بعد عقد النكاح بأرض يحرثها مثلاً على أنه لم يشترط عليها ذلك التمتيع أو انطوت ضمائرهما عليه في العقد، وإلاَّ فسد النكاح كما مرّ في قوله:
ويفسد النكاح بالإمتاع في عقدته وهو على الطوع اقتفي (يموت) صفة بالجملة بعد المفرد (قبل وقت الاستغلال) الذي هو طيب الزرع وحصاده وبعد الزراعة.
وقامَتِ الزَّوْجَةُ تَطْلُبُ الكِرا ** قَوْلاَنِ والفَرْقُ لِمَنْ تَأَخَّرَا

(وقامت الزوجة تطلب الكرا) الواجب لأرضها في الأيام الباقية بعد موت الزوج إلى طيب الزرع لأنها إنما متعت الزوج لا ورثته (قولان) أحدهما لا كراء لها. وهو قول ابن حبيب في العمرى التي هي كالتمتيع في هبة المنفعة لمدة مجهولة تنتهي بوقوع أمر مجهول الوقت، فلا فرق بين أن يسكنه عمره أو حياة فلان، أو إلى قدومه، أو يمتعه كذلك فما قيل في أحد هذه الوجوه يقال في بقيتها كما في (م). والقول الثاني لها ما ينوبها من كراء الجملة في المدة التي بين الموت والطيب، وهو لابن حبيب عن غيره. قال الشارح: ووجهه ظاهر. (و) ثالثها (الفرق) بين أن يموت بعد فوات أبان الزراعة فلا كراء لها أو قبل فواته فلها الكراء، وهذا القول (ل) بعض (من تأخرا) وهو محمد بن بكر شيخ أبي سعيد كما يأتي، ثم ذكر الناظم أن القول بمنعها من الكراء هو الظاهر، وأن شيخه أبا سعيد بن لب رحمه الله رجحه فقال:
وحالَةُ المَنْع هِيَ المُسْتَوْضَحَة ** وَشَيْخُنا أبُو سعيدٍ رَجّحَه

(وحالة المنع) من الكراء (هي المستوضحة) الظاهرة (وشيخنا أبو سعيد) وهو فرج بن قاسم بن لب الثعلبي الأندلسي شيخ شيوخ غرناطة وخطيب جامعها الأعظم انفرد برئاسة العلم، وكان إليه المفزع في الفتوى كتب إليه بعض ملاعين اليهود ما نصه:
أيا علماء الدين ذمي دينكم ** تحير دلوه بأوضح حجة

اذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم ** ولم يرضه مني فما وجه حيلتي

قضى بضلالي ثم قال ارض بالقضا ** فها أنا راض بالذي فيه شقوتي

دعاني وسد الباب دوني فهل إلى ** دخولي سبيل بينوا لي قصتي

إذا شاء ربي الكفر مني مشيئة ** فهل أنا عاص باتباع المشيئة

وهل لي اختيار أن أخالف حكمه ** فبالله فاشفوا بالبراهين علتي

فأجابه أبو سعيد رحمه الله بنظم طويل حسبما في جامع المعيار وهذا منه:
قضى الرب كفر الكافرين ولم يكن ** ليرضاه تكليفاً لدى كل ملة

نهى خلقه عما أراد وقوعه ** وإنفاذه والملك أبلغ حجة

فنرضى قضاء الرب حكماً وإنما ** كراهتنا مصروفة للخطيئة

إلى أن قال:
دعا الكل تكليفاً ووفق بعضهم ** فخص بتوفيق وعم بدعوة

إلخ.
ومعنى قوله: فنرضى قضاء الرب إلخ. أي: نرضى بقضائه سبحانه من جهة حكمه ونكرهه من جهة كونه خطيئة، فالرضا بقضائه بالمعصية وحكمه بها مصروف لما مضى من الزمان، وبالنسبة للمستقبل يجب الإقلاع عنها وعدم الثبات عليها لأن المعصية لم يرض الله تعالى أن يتدين بها عباده، والإقلاع عنها في طوقهم قال تعالى: {ولا يرضى لعباده الكفر} (الزمر: 7) وقال: إنا كل شيء خلقناه بقدر} (القمر: 49) (رجحه) لأنه بحرث الأرض وزراعتها حاز منفعة السنة كلها، فلم يمت إلا والمنفعة في ملكه، ثم بين القول الثالث المتقدم في قوله: والفرق لمن تأخر فقال:
وشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بنُ بَكرِ ** إلى الوَفاةِ مَالَ عِنْدَ النَّظَرِ

(وشيخه) أي شيخ أبي سعيد وهو القاضي أبو عبد الله (محمد بن بكر) بفتح الموحدة وتشديد الكاف المفتوحة (إلى الوفاة مال عند النظر) أي مال عند نظره في المسألة إلى اعتبار وقت الوفاة، ورجح اعتبار ذلك وقال به فالمجرور بإلى يتعلق بالنظر.
فإنْ تَكُنْ وَالاِزْدِرَاعُ قَدْ مَضَى ** إبَّانُهُ فَلاَ كِرَاءَ يُقْتَضَى

(فإن تكن) الوفاة (و) الحال أن (الازدراع قد مضى أبانه فلا كراء يقتضى.
وإنْ تَكُنْ وَوقْتُ الازْدرَاعِ ** باقٍ فمَا الكِرَاءُ ذُو امْتنَاعِ

وإن تكن ووقت الازدراع. باق فما الكراء ذو امتناع). ووجه هذا القول الحمل على الاستحقاق، والظاهر أن القول الأول لا يخالف في هذا إلا أن يقال: إن هذا ينظر لفوات الأبان وعدمه والأول ينظر للزراعة فإذا زرعها فلا كراء عليه ولو لم يفت الأبان والله أعلم.
وفي الطّلاَقِ زرْعُهُ لِلزَّارِعِ ** ثُمَّ الكِرَاءُ ما لَهُ مِنْ مَانِعِ

(وفي الطلاق) يقع من الزوج الممتع بعد أن زرع الأرض، وقبل الطيب الثلاثة الأقوال المتقدمة اقتصر الناظم فيها على الثاني منها وهو أن (زرعه للزارع) وهو الزوج (ثم الكراء) لباقي المدة أي ما ينوبها من كراء الجملة (ما له من مانع) يمنع وجوبه على الزوج لأن التمتيع وقع في تحسين العشرة وليس بعد الطلاق عشرة يصانع عليها، فالأقوال الثلاثة التي في موت الزوج جارية في طلاقه، وباقتصار الناظم على وجوب الكراء هنا يعلم أن الراجح في الموت هو وجوبه أيضاً فحقه أن يقتصر عليه هناك أو يقول: وحالة الكرا هي المستوضحة إلخ. فما رجحه أبو سعيد هنالك لا يخلو عن بحث كما قاله الشارح في موت الزوجة. هذا كله إن طلق بعد الزراعة وإن طلق قبل أن يزرعها.
وخُيِّرَتْ في الْحرْثِ إلى إعْطاءِ ** قِيمَتِهِ والأخْذِ لِلْكِرَاءِ

(و) بعد أن حرثها أي قلبها (خيرت) الزوجة (في الحرث) أي (في إعطاء قيمته) وتأخذ أرضها وفي تركه للزوج (والأخذ للكراء) واللام للتعدية كقوله تعالى: {فعال لما يريد} ومصدقا لما معكم} (النساء: 47) وفي إعطاء بدل مما قبله هذا حكم موت الزوج وطلاقه، وأما إن ماتت الزوجة فهو قوله:
وَحَيْثُمَا الزَّوْجَةُ مَاتَتْ فالكِرا ** عَلَى الأصَحِّ لازِمٌ مَنْ عَمَّرَا

(وحيثما الزوجة) التي متعت زوجها (ماتت) بعد الحرث وقبل الزراعة أو بعد الزراعة وقبل الطيب (فالكرا) ء كله في الأولى أو ما ينوب باقي المدة (على الأصح لازم من عمرا) الأرض وحرثها وهو الزوج لأنها إنما أمتعته منفعة ما تملكه، وقد زال ملكها بموتها، اللهم إلا أن يشاء وارثها في موتها بعد الحرث وقبل الزراعة أن يدفع لها قيمة حرثه فله ذلك كما مرّ في الطلاق، ومقابل الأصح قولان عدم لزوم الكراء أصلاً والفرق بين فوات الأبان وعدم فواته، فالأقوال الثلاثة التي في موت الزوج جارية في موت الزوجة أيضاً كما في ابن سلمون، ونقله الشارح قائلاً: ومن هنا يظهر أن من أوجب الكراء في موته يوجبه في موتها لأن الحق قد انتقل للغير في الصورتين، فما رجحه أبو سعيد في موت الزوجة لا يخلو من بحث. اهـ. بمعناه. ثم إذا قلنا بلزوم الكراء في هذه الصورة فإنما يلزمه من كراء الجملة.
بِقَدْرِ مَا بَقِيَ للحَصَادِ ** مِنْ بَعْدِ رَعْي حَظِّهِ الْمُعْتَادِ

(بقدر) ما ينوب (ما بقي) من المدة بعد الموت والطلاق (للحصاد) كما مر تقريره إلا أنه في موتها يراعي إرثه منها فيحط عنه من ذلك الكراء اللازم له قدر إرثه منه كما قال: (من بعد رعي حظه المعتاد) له في إرثه منها وهو النصف مع فقد الولد والربع مع وجوده فيحط عنه ويلزمه الباقي فقوله: بقدر ما بقي إلخ. راجع لجميع ما مرّ وقوله: من بعد رعى حظه إلخ. خاص بموت الزوجة، وقد تبين أن الناظم رجح لزوم الكراء في الطلاق وموتها دون موته هو، وقد علمت أن عدم لزومه في موته مبحوث فيه.
وإنْ تَقَعْ وَقَدْ تَنَاهَى الفُرْقَه ** فالزَّوْجُ دُونَ شَيْءٍ اسْتَحَقَّهُ

(وأن تقع) الفرقة بموتها أو موته أو طلاقه (و) الحال أنه (قد تناهى) الزرع وطاب ويبس فقوله (الفرقه) فاعل تقع (فالزوج) أو وارثه (دون شيء) من الكراء (استحقه) أي الزرع قاله ابن سلمون وغيره.
وَنُزِّلَ الوَارِثُ في التَّأْنِيثِ ** وَعَكْسِهِ منْزِلَة المَوْرُوثِ

(ونزل الوارث في التأنيث) وهو موت الزوجة (وعكسه) وهو موت الزوج (منزلة الموروث) فلا كراء إن كان الموت بعد الطيب وتجري الأقوال الثلاثة فيما إذا كان قبله. وهذا البيت قليل الجدوى لعلم حكمه مما مر.
تنبيه:
فإن أمتعت الزوجة زوجها بكرم أو ثمرة فإن وقعت الفرقة بشيء مما ذكر بعد بدو الصلاح في الكرم أو طيب الثمرة فالغلة للزوج أو لورثته، وإن كان الفراق قبل ذلك فالغلة للزوجة أو لورثتها قاله ابن سلمون في فصل المتعة أوائل النكاح منه قال: وهكذا حكم الحبس والعمرى المراعى فيهما بدو الصلاح وظهور الطيب، وكذلك حكم الاستحقاق والرد بالعيب ومراده بالحبس الحبس الموقت بحياة المحبس عليه قال: إلا أن الزوج متى كانت الغلة للزوجة أو ورثتها لا يرجع بما سقى وعالج. اهـ. واختار أبو سعيد بن لب أنه يرجع بقيمة سقيه وعلاجه كما في الشارح واليزناسني.