فصل: فصل في القراض:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في القراض:

بكسر القاف مأخوذ من القرض وهو ما يجازى عليه الرجل من خير أو شر، لأن المتقارضين قصد كل واحد منهما إلى منفعة الآخر فهو مقارضة من الجانبين، وقيل: من القرض وهو القطع لأن رب المال قطع من ماله قطعة دفعها للعامل بجزء من الربح الحاصل بسعيه، وأهل العراق يسمونه مضاربة من قوله تعالى: {وآخرون يضربون في الأرض} (المزمل: 20) ابن عرفة: وهو تمكين مال لمن يتجر به بجزء من ربحه لا بلفظ إجارة فيدخل بعض الفاسد كالقراض بالدين والوديعة ويخرج عنه قولها: من أعطى رجلاً مالاً يعمل به على أن الربح للعامل ولا ضمان على العامل لا بأس به. اهـ. ومراده بالتمكن الإذن لا الإعطاء بالفعل وإلاَّ لم يشمل القراض بالدين، وأخرج بقوله: بجزء من ربحه الأبضاع والإجارة، وكذا الشركة لأن الربح في الشركة نشأ عن المالين فلم يأخذ كل منهما إلا ربح ماله. وقوله: لا بلفظ إجارة أخرج به ما إذا قال: آجرتك على التجر في هذا المال بجزء من ربحه فإنه لا ينعقد بذلك فإن عمل فيجري على الإجارة الفاسدة، ويفهم من قوله: ولا ضمان على العامل إلخ. أنه إذا لم ينف الضمان عنه ولم يسمه قراضاً فإن الضمان يكون على العامل وهو كذلك (خ): وضمنه في الربح له إن لم ينفه ولم يسم قراضاً إلخ. وقريب من هذا التعريف قول الناظم:
إعْطَاءُ مالِ مَنْ بِهِ يُتَاجِرُ ** لِيَسْتَفِيدَ دَافِعٌ وَتَاجِرُ

(إعطاء مال) من إضافة المصدر لمفعوله الثاني وكمل بالأول الذي هو قوله (من به يتاجر) واللام في (ليستفيد) لام كي التعليلية (دافع) فاعل (وتاجر) عطف عليه.
مِمَّا يُفَادُ فيه جُزْءاً يُعْلَمُ ** هُو القِرَاضُ وَبِفعْلٍ يَلْزَمُ

(مما) متعلق بيستفيد وما واقعة على الربح (يفاد) بمعنى يحصل صلة ما أو صفة (فيه) متعلق بيفاد (جزءاً) مفعوله يستفيد (يعلم) صفة له (هو القراض) مبتدأ وخبر والجملة خبر إعطاء، والتقدير: إعطاء مال لمن يتجر به لأجل أن يستفيد ربه والعامل من ربح يحصل فيه جزءاً معلوماً كنصف لكل منهما أو ربع للعامل والباقي لربه، ونحو ذلك من الأجزاء هو المسمى بالقراض اصطلاحاً، ولك أن تقول: هو إعطاء مال لمن يتجر به ليستفيد كل من ربحه جزءاً معلوماً وأقرب منه وأخصر لو قال:
توكيل في تجر بجزء علما ** من ربحه هو القراض فاعلما

وأشار بقوله: (وبفعل يلزم) إلى أنه من العقود الجائزة التي تلزم بالشروع في العمل لا قبل الشروع فيه بسفر أو إنفاق للمال فلكل منهما فسخه (خ): ولكل فسخه قبل عمله وإن تزود لسفر إن لم يظعن وإلا فلنضوضه. ولما كان قوله إعطاء مال شاملاً للعروض وللعين الغائبة والجزاف نبه على أن القراض لا يجوز بشيء من ذلك فقال:
وَالنَّقْدُ وَالحُضُورُ وَالتَّعْيِينُ ** مِنْ شَرْطِهِ وَيُمْنَعُ التَّضْمِينُ

(والنقد) أي الذهب والفضة مسكوكين، ومثل المسكوك التبر الذي يتعامل به فإن كان لا يتعامل به ووقع ونزل ودفع التبر قراضاً مضى بالعمل ويرد مثله عند المفاصلة إن عرف وزنه وإلاَّ فيرد ما بيع أو ما خرج في ضربه (والحضور) أي كون النقد حاضراً عند العقد (والتعيين) لعدده أو وزنه إن تعامل به وزناً (من شرطه) أي القراض راجع للأمور الثلاثة، واحترز بالنقد من القراض بالعروض والطعام فإنه لا يجوز فإن وقع فله أجر بيعه وقراض مثله في ربحه، ومثل العروض الفلوس إلا أن يكون التعامل بها كالنقد ولا يتغير سعرها غالباً كما عندنا اليوم فيجوز وبالحضور من القراض بالدين فإنه لا يجوز سواء كان الدين على العامل فقال: اعمل بالدين الذي لي في ذمتك قراضاً أو كان على غيره كقوله: أقبض الدين الذي لي على فلان واعمل به قراضاً، فإن وقع ففي الوجه الأول يستمر ديناً عليه والربح له والخسارة عليه، وفي الوجه الثاني يكون له أجر مثله في قبضه وقراض مثله في ربحه، وبالتعيين من الجزاف كما لو دفع له صرة من الذهب أو الفضة قراضاً فإنه لا يجوز لأن الجهل بالمال يؤدي إلى الجهل بالربح، وهذا يغني عنه قوله فيما مر جزءاً يعلم الخ: فإن وقع فانظر هل يصدق العامل في عدده أو وزنه ويكون له قراض مثله في ربحه كمن قال: اعمل بهذا المال الذي عدده كذا ولك جزء من ربحه، وهو الظاهر لأن العامل أمين أو لا يصدق في عدده ولا وزنه لأنه يتهم على أن يجلب بذلك نفعاً لنفسه في كثرة الربح. (ويمنع التضمين) أي: لا يجوز أن يشترط في العقد على العامل ضمان رأس المال إذا تلف أو خسر، أو أنه غير مصدق إن ادعى ضياعه أو تلفه، فإن وقع فالشرط باطل. وقوله مقبول في التلف والخسر. ابن القاسم: ويكون فيه على قراض المثل، ومثل الشرط ما إذا طاع العامل بالضمان قبل أن يشرع لأن العقد غير لازم فهو كاشتراطه في العقد، فإن طاع بعد الشروع في العمل ففي لزوم غرمه وعدمه قولان لابن عتاب وغيره، ونظمها في اللامية فقال: وطوع بغرم في قراض نعم ولا. ابن رحال: ويظهر من إيضاح المسالك رجحان عدم اللزوم. اهـ.
قلت: بل هو المتعين لأنه هدية مديان كما يقتضيه قول (خ) في القراض وحرم هدية لم يتقدم مثلها كرب القراض وعامله ولو بعد شغل المال على الأرجح.
وَلاَ يَسُوغُ جَعْلُهُ إلى أَجَلْ ** وَفَسْخُهُ مُسْتَوْجبٌ إذَا نَزَلْ

(ولا يسوغ جعله) أي القراض (إلى أجل) كقوله: اعمل به سنة من الآن ولا تعمل به بعدها، أو إن جاء رأس الشهر أو السنة الفلانية فاعمل به فإن وقع فله قراض مثله، وأما إن قال له: لا تعمل به إلا في الصيف أو الشتاء أو موسم العيد ونحو ذلك فهو وإن كان فاسداً أيضاً لكن الراجح أن فيه أجرة المثل. والفرق أن أجرة المثل في الذمة وقراض المثل في الربح كما يأتي. (وفسخه) أي ما ذكر من التضمين والأجل وعدم الحضور والنقد والتعيين (مستوجب) بفتح الجيم (إذا) وقع و(نزل) شيء من ذلك كما مَّر.
تنبيهات:
الأول: قال اللخمي: ما أفسده الشرط تفسده العادة يعني لأنها كالشرط فلو أخذ القراض من عادته السفر وليس شأنه التجر في المقام فاشترى ما يجلس به للتجارة لكان متعدياً، وكذلك إذا أخذ المال بزاز صاحب دكان فاشترى غير صنعته وما لا يخزن لكان متعدياً. انظر ما بقي من نحو هذه المسائل في شرحنا للشامل عند قوله أو قال لا تعامل إلا فلاناً إلخ.
الثاني: تقدم أنه إذا قال له: إن جاء الشهر الفلاني فاعمل فهو فاسد ومثله إذا قال: إن وصلت البلد الفلاني فاعمل به (خ): أو لا يشتري إلى بلد كذا إلخ. وفي المتيطية: إن شرط عليه التجر في بلد معين فإن كان حيث عين القراض وكان لا يعدم فيها التجر لعظم البلد فذلك جائز وإلاَّ فالمنع، فإن شرط عليه الخروج لبلد يتجر فيه فيجوز أيضاً فإن شرط عليه هل السلع من بلده إلى بلد آخر للبيع هناك أو يجلبها منه فيبيعها ببلده فلابن القاسم عن مالك المنع وقاله ابن حبيب. وروى أصبغ عن ابن القاسم في العتبية الجواز وقاله ابن الماجشون. اهـ.
قلت: وعلى رواية أصبغ عمل عامة الناس اليوم ولا يردهم عن ذلك راد فلا يشوش عليهم بمذهب مالك في المدونة، وقد استظهر ابن رحال رواية أصبغ المذكورة واحتج لها بما يطول ذكره.
الثالث: قال في المدونة: وإن نهيته عن شراء سلعة فالربح بينهما والخسارة عليه وحده لأنه فر بالمال من القراض حين تعدى ليكون له ربحه، وكذلك إن تسلف من المال ما ابتاع به سلعة لنفسه ضمن ما خسر وما ربح كان بينهما. اهـ. ويفهم من قوله: لأنه فرَّ بالمال إلخ. أن من نهاه عن التجر في بلد معين فتجر فيه فالربح بينهما والخسارة عليه ويبقى النظر فيما إذا سمى له بلداً وسكت عن غيرها فذهب العامل إلى غيرها فهل مجرد التسمية نهي عن الغير وهو ما يقتضيه قول الجوهري في باب الوكالة لو قال للوكيل: بع من زيد فلا يبع من غيره لأن القراض توكيل أو لا يكون ذلك نهياً عن الغير كما قالوا فيمن اكترى أرضاً ليزرع فيها صنفاً سماه فله أن يزرع فيها غيره مما هو مثله أو دونه لا أضر منه، وكما قالوا أيضاً فيمن اكترى دابة ليحمل عليها شيئاً سماه فله أن يحمل مثله ودونه وبه كنت أفتيت.
الرابع: قال ابن عرفة في الوكالة: إن تأخير سلعة القراض لما يرجى لها من السوق واجب فإن باع قبله ضمن لأن مخصصات الموكل معتبرة. اهـ. وهو معنى قول (خ): هناك تخصص وتقيد بالعرف إلخ.
الخامس: إذا اختلفا في تعجيل بيع السلعة وتأخيرها فإنه يعتبر معتاد وقت بيع تلك السلعة في ذلك البلد كما في المدونة (خ): وإن استنضه فالحاكم إلخ. وتقدم نحو هذا في الشريكين.
وَلاَ يَجُوزْ شَرْطُ شَيْءٍ يُنْفَرَدْ ** بِهِ مِنَ الرِّبْحِ وَإنْ يَقَعْ يُرَدْ

(ولا يجوز) لأحد المتقارضين (شرط شيء) لنفسه (ينفرد به) ويختص كدرهم ونحوه (من الربح) والباقي بينهما لأنه قد لا يحصل في الربح إلا ذلك الدرهم المشترط فيذهب عمل العامل باطلاً (وإن يقع) ذلك الشرط فإن القراض (يرد) ويفسخ ويكون للعامل بعد العمل أجر مثله والربح لرب المال والنقصان عليه، ومثله ما إذا قلت له: بع سلعتي فما بعتها به من شيء فهو بيني وبينك، أو قلت له فما زاد على مائة فهو بيننا فذلك كله لا يجوز والثمن لك وله أجر مثله. قال ابن غازي في التكميل: ومن معنى المسألة الثانية تقوم ثمرة الحائط على المساقي أو غيره بمائة مثلاً ويقول له: بعه وما زاد على القيمة فبيننا مناصفة أو أرباعاً ونحو ذلك، فإن ذلك لا يجوز وللعامل أجر مثله. اهـ. وهذه تقع كثيراً في زيتون بلدنا فاس وعنبها وهذا بخلاف ما إذا قال: جذ نخلي أو انفض زيتوني ولك نصفه فإنه جائز كما تقدم في الجعل والإجارة، وظاهر النظم عدم الجواز. ولو كان المشترط معلوم الجزئية كقوله: لي دينار من كل عشرة من الربح والباقي بيننا نصفان مثلاً وليس كذلك لأنه يؤول الأمر في هذا المثال ونحوه إلى أن يكون للمشترط من الربح قل أو أكثر خمسة أجزاء ونصف وللعامل أربعة أجزاء ونصف قاله ابن شاس وغيره. ولا مفهوم لقوله من الربح بل شرط الانفراد بشيء من غيره كذلك ابن المواز. قال مالك وأصحابه: لا يجوز مع القراض شرط سلف ولا بيع ولا كراء ولا شرط قضاء حاجة ولا كتاب صحيفة ولا شرط أحدهما لنفسه شيئاً خالصاً، ولا أن يولى العامل شيئاً ولا أن يكافئ في ذلك، فإن نزل هذا كله فالعامل أجير إلا أن يسقط الشرط قبل العمل. اهـ. وقد ذكر الناظم من شروط القراض ثلاثة: النقد والحضور والتعيين، ومن الموانع ثلاثة: الضمان والأجل واشتراط شيء ينفرد به أحدهما والشرط ما يطلب وجوده والمانع ما يطلب عدمه، وقد بقي عليه شروط أخر وموانع أخر انظرها في (خ) وغيره.
وَالقَوْلُ قَوْلُ عَامِلٍ إنْ يُخْتَلَفْ ** في جُزْءِ القِراضِ أَوْ حَالِ التَّلَفْ

(والقول قول عامل أن يختلف) بالبناء للمجهول (في جزء القراض) بعد العمل كما لو قال: وهو عندي بنصف الربح. وقال الآخر: بالثلث لشروط أحدهما: إن يشبه أشبه الآخر أم لا. ثانيها: أن يكون المال كله أو ربحه فقط أو الحصة التي يدعيها منه بيده أو يد نائبه أو وديعة عند أجنبي أو عند ربه بأن دفعه له على وجه الإيداع حتى يقتسماه وصدقه ربه أو قامت بذلك بينة. ثالثها: أن يحلف على ما يدعيه (خ): والقول للعامل في جزء الربح إن ادعى مشبهاً والمال بيده أو وديعة وإن عند ربه وحلف ولربه إن ادعى الأشبه فقط إلخ. فإن لم يشبها حلفا معاً ووجب قراض المثل. (أو) يختلف في (حال التلف) فإذا ادعاه العامل وادعى ربه عدمه فالقول للعامل اتفاقاً بيمينه لأن ربه رضيه أميناً ولو لم يكن أميناً في الواقع، وسواء ادعاه قبل الشغل أو بعده ما لم يظهر كذبه كدعواه التلف يوم كذا فتشهد البينة أنه ريء عنده بعد ذلك أو دعواه التلف وهو في رفقة لا يخفى ذلك فيها فسئل عن ذلك أهل الرفقة فلم يعلم ذلك أحد منهم. وفي البرزلي سئل ابن الضابط عن مقارض ادعى ضياع صرة كانت وسط صرر ولم يضع سواها؟ فأجاب: بالضمان لتبين كذبه بدعواه ضياعها دون غيرها مما معها، فتأمله فإن السارق قد يختطف ما تيسر له أخذه أو تسقط ونحو ذلك.
كَذَاكَ في ادِّعَائِهِ الخَسَارَهْ ** وَكَوْنِهِ قِرَاضاً أوْ إجَارَهْ

(كذا في ادعائه الخسارة) ما لم يظهر كذبه أيضاً كأن يدعي الخسارة في سلعة لم يعلم ذلك فيها لشهرة سعرها ونحو ذلك فأنه ضامن. ونقل ابن عبد السلام عن البادي أن العامل إذا لم يبين وجه الخسارة في القراض فهو ضامن. اهـ. انظر شرح الشامل. ولا فرق في كون القول للعامل في التلف والخسر بين القراض الصحيح والفاسد كما في شراح (خ) وفي المتيطية: إذا سئل العامل عن القراض فقال هو وافر وفيه ربح فلما دعاه إلى القسمة ادعى الخسارة وأن ذلك من قوله، إنما كان لعلة أن يتركه عنده حتى يسعى في جبره لم يقبل قوله وهو ضامن ما لم تقم بينة أو دليل على ما قال. (و) القول للعامل أيضاً في (كونه) أي المال (قراضاً) وقال ربه: لكثرة ربحه بضاعة بأجر (أو) قال العامل (إجاره) أي بضاعة بأجر لفقد الربح، وقال ربه: قراض وهذا إذا أشبه وحلف وكان التنازع بعد العمل انظر شرح المتن، وأما إن ادعى رب المال أنه قرض وقال العامل: بل قراض أو وديعة فإن القول لرب المال بيمينه مطلقاً اختلفا قبل العمل أو بعده لأن العامل مقر بوضع يده الذي هو سبب الضمان مدع لدفع ذلك السبب، وكذا إذا قال رب الطعام لقابضه: بعته لك بثمن لأجل، وقال قابضه: بل أسلفته لي فالقول لمدعي السلف قاله ابن رشد ونقله الفشتالي وغيره. وكذا لو قال: أشهدكم بأنى أبرأت فلاناً من المائة دينار التي لي عليه، فلما لقي الشهود فلاناً وأخبروه بالإبراء المذكورة قال لهم: كذب ما كان له عليه شيء وإنما أسلفته المائة التي ذكرها، فالقول للمسلف مع يمينه عند ابن القاسم قاله في المفيد. ابن سهل: وإن ادعى ورثة على رجل أن موروثهم باع من المدعى عليه سلعة وبقي ثمنها عنده وقال المطلوب: لم أشترها منه وإنما أنا دلال أبيع للناس فبعتها بثمن دفعته إليه وأخذت أجرتي، فإن القول للورثة عند أكثر الأصحاب كمسألة دعوى القراض والآخر القرض وهو الصواب. اهـ. ابن يونس: وإن قال العامل: خسرت في البز فادعى رب المال أنه نهاه عنه، فالقول للعامل إنه لم ينهه بخلاف لو استدان فادعى أن رب المال أمره بذلك فإن القول لرب المال إنه لم يأمره به.
تنبيه:
القول للعامل أيضاً في دعوى رد القراض لربه إن قبضه بلا بينة مقصودة للتوثق. (خ): والقول للعامل في تلفه وخسره ورده إن قبض بلا بينة إلخ. والمقصودة للتوثق هي التي أشهدها الدافع والقابض على الدفع والقبض معاً سواء علم العامل وفهم أن رب المال قصد بهذا الإشهاد خوف دعوى الرد أم لا. فلو أشهدها القابض على نفسه بالقبض بغير حضور رب المال، وأشهدها رب المال مقراً بأن الإشهاد لا لخوف الجحود ودعوى الرد بل لخوف إنكار الورثة العامل إن مات أو حضرت البينة على سبيل الإتفاق، ولم يقل لها القابض والدافع: اشهدوا علينا فذلك كله كالقبض بلا بينة فيصدق في الرد فيه كما أفصح عن ذلك (ز) في شرحه للنص المتقدم، وبه قرار الخرشي وغيره قوله في الشركة: ولمقيم بينة بأخذ مائة إن أشهد بها عند الأخذ إلخ. ومما يوضح ذلك قول البرزلي ما نصه: وما يفعله الناس اليوم إذا أعطاه قراضاً أو بضاعة يأتون إلى العدول ويكتبون رسماً بذلك هي البينة المقصودة للتوثق. اهـ. واحترز بالمقصودة للتوثق من البينة الحاضرة على وجه الاتفاق. قال ابن يونس: ومن أخذ الوديعة بمحضر قوم ولم يقصد إشهادهم عليه فهو كقبضه بلا بينة حتى يقصد الإشهاد عليه. اهـ. وبهذا كله تعلم أن ما في (ح) وابن رحال في باب الوديعة من اشتراط حكم المودع عنده وفهمه عند الإشهاد أنه لا تقبل دعواه الرد إلا ببينة، فحينئذ تكون مقصودة للتوثق خلاف النقل كما في (ق) وغيره. وقد أوضحناه في شرح الشامل فانظره. وقولي: مقراً بأن الإشهاد إلخ. احترازاً مما إذا سكت عند الإشهاد وادعى بعد ذلك أنه قصد به التوثق وخوف دعوى الرد فإنه يصدق.
وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ في غَيْرِ السَّفَرْ ** نَفَقَةٌ والتَّرْكُ شَرْطٌ لا يُقَرْ

(وليس للعامل في غير السفر نفقة) من مال القراض ولا كسوة قال فيها: وإذا كان العامل مقيماً في أهله فلا نفقة له من المال ولا كسوة اللخمي: وهذا إذا لم يشغله العمل في القراض عن الوجوه التي كانت تقوم منها نفقته وإلاَّ فله النفقة كالمسافر به، وتقييد اللخمي معتبر ومفهوم غير السفر أنه إذا سافر تكون له الكسوة والنفقة بالمعروف بشرط أن يحتمل المال ذلك، وأن لا يسافر لأجل غزو أو حج أو زوجة بنى بها أو صلة رحم، وإلاَّ فلا نفقة له ذهاباً وإياباً لأن ما لله لا يشارك به غيره. (خ): وأنفق إن سافر ولم يبن بزوجة واحتمل المال لغير أهل وحج وغزو بالمعروف وتكون نفقته في القراض فقط، فلو أنفق من غيره ثم تلف المال أو زادت عليه لم يتبع رب المال بشيء واكتسى إن بعد ووزع إن خرج لحاجة وإن أخذه بعد أن اكترى للحاجة وتزود لها، ومعروف المذهب عند اللخمي وغيره أنه لا نفقة له في هذه الحالة لأنه بمنزلة من سافر لأهله.
تنبيهان:
الأول: اختلف في المال الكثير الذي يحمل الإنفاق والقليل الذي لا يحمله، فعن مالك السبعون ديناراً يسير لا ينفق منها، وعنه أيضاً ينفق في الخمسين فجمع بينهما بحمل الأول على السفر البعيد فإن الإنفاق يجحف بالمال والثاني على القريب، ولو كان أخذ قراضاً بالفسطاط وله بها أهل وخرج إلى بلد له بها أهل أيضاً فلا نفقة له في ذهابه ولا إيابه، فإن لم يكن له أهل في البلد التي أخذ فيها القراض فلا نفقة له في ذهابه وله النفقة في رجوعه. البساطي: يؤخذ من هذا أنه إذا سافر عن وطنه لا نفقة له في الرجوع إليه. وفي المدونة نفقة العامل ذاهباً وراجعاً، وفيها أيضاً: لا نفقة له في رجوعه من غير بلده. البساطي: فيحمل الأول على الذهاب والرجوع لغير وطن. اهـ. فإن سافر لتنمية المال بزوجته فله النفقة على نفسه فقط في سفره ذهاباً وإياباً، وأما في إقامته في بلده للتجارة فهل له النفقة في مدة الإقامة بناء على أن الدوام كالابتداء؟ وظاهر كلامهم أنه ليس كالابتداء قاله الأجهوري.
الثاني: لو قال العامل بعد المقاسمة ودفع المال لربه بربحه: أنفقت من مالي ونسيت الرجوع به قبل القسمة أو نسيت الرجوع بالزكاة ونحو ذلك، فإنه لا يصدق بمنزلة من ادعى الغلط بعد المحاسبة قاله ابن يونس وابن رشد. البرزلي: وسواء قام بالقرب أو بعد طول وهو الصواب بخلاف الجمال يدفع الحمولة ثم يطلب الكراء بالقرب. اهـ. وكذلك الوصي يحاسب نفسه ثم بعد ذلك يدعي أنه غلط في الحساب وأنه نسي أجرته ونحو ذلك، فإنه لا يصدق قياساً على مسألة القراض قاله العبدوسي.
(و) شرط (الترك) للإنفاق من المال الكثير الذي يحتمل الإنفاق (شيء لا يقر) لعدم جوازه، فإن وقع ونزل وشرط عليه عدم الإنفاق منه وفات بالعمل فالعامل أجير قاله ابن سلمون.
وَعِنْدَما مَاتَ وَلاَ أَمِينَ في ** وُرَّاثِهِ وَلاَ أَتَوْا بالخَلْفِ

(وعندما مات) العامل قبل نضوضه (ولا أمين في وراثه) يقوم مقامه ويكمل عمله (ولو أتوا) أي الوراث (بالخلف) أي بأمين كموروثهم في الأمانة.
رُدَّ إلى صاحِبِهِ المالُ وَلا ** شيْءٌ مِن الرِّبْحِ لِمِنْ قَدْ عَمِلاَ

(رد إلى صاحبه المال) وسلموه له مجاناً (ولا شيء من الربح لمن قد عملا) ولم يتم عمله وهو الموروث أي: فليس لوارثه شيء مما عمل، ومفهومه أنه لو كان فيهم أمين ولو دون موروثهم في الأمانة أو أتوا بأمين أجنبي مثل الموروث فيها بصيراً بالبيع لا يخدع فيه، فإنه يقضي لهم بتكميله ويستحقون ما كان لموروثهم من الربح (خ): وإن مات فلوارثه الأمين أن يكمله وإلا أتى بأمين كالأول وإلا سلموه هدراً إلخ. وظاهره كالناظم أن الوارث محمول على عدم الأمانة حتى يثبتها لأن الأصل عدمها وهو كذلك، قال أبو الحسن: حملهم يعني في المدونة على غير الأمانة وفي المساقاة على الأمانة لأن القراض مما يغاب عليه والعمل فيه تعلق بعين العامل بخلاف المساقاة، فإن العمل تعلق بذمة العامل فإذا مات أخذ من ماله ما يستأجر به على كمال عمله وقوله ولا شيء من الربح إلخ. نحوه المساقي يعجز أو يموت كما مّر في المساقاة، وهذا كله إذا مات عامل القراض، وأما لو مات ربه فإن العامل يبقى على قراضه فإن أراد الورثة أخذه فلهم ذلك إن كان قد نض وإلاَّ صبروا لنضوضه، فإن حركه العامل بعد نضوضه وقبل علمه بموته مضى على القراض حتى ينض ولا ضمان عليه، كالوكيل يتصرف قبل علمه بموت موكله، وقيل: يضمن لخصمه على مال الوارث فإن حركه بعد علمه بموته ضمن والربح لهما إلا أن يتجر لنفسه فالربح له وحده لأنه حينئذ كالمودع عنده تجر بالوديعة ويصدق في أنه اشترى لنفسه إن نازعه الوارث كما يصدق الوكيل في الشراء لنفسه إن نازعه الموكل كما في (ز) آخر الوكالة. والقراض توكيل. وتقدمت الإشارة إليه آخر اختلاف المتبايعين.
وهوَ إذَا أَوْصَى بِهِ مُصَدَّقُ ** في صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ يُسْتَوْثَقُ

(وهو) أي العامل (إذا أوصى به) أي بالقراض ومثله الوديعة (مصدق) سوء أوصى به (في صحة أو مرض يستوثق) المريض به ويهلك بسببه، وظاهره التصديق سواء عين ذلك كهذا قراض لزيد أو وديعة أو بضاعة أو لم يعين شيئاً، وسواء عرف أصل ذلك أم لا. كان عليه دين فلس فيه أم لا. وهو كذلك على تفصيل فيه، فإنه إذا عينه فإن المعين له يأخذه ويقدم على سائر الغرماء الثابتة ديونهم ببينة أو إقرار في صحة أو مرض ما لم يعين ذلك حين تفليسه أو قيام الغرماء عليه، وإلاَّ فلا يقبل قوله إلا أن قامت بينة بأصله تشهد أن عنده لفلان وديعة أو قراضاً، فإن قامت بذلك قبل قوله ولو لم يتهم عليه، وأما إن لم يعين شيئاً بل قال: عندي قراض أو وديعة لزيد قدرهما كذا فإن لم يكن مفلساً قبل إقراره ويؤخذ ذلك من تركته، وإن كان مفلساً بطل إقراره ما لم تكن على أصله بينة وإلاَّ حاصص به الغرماء كما في العتبية عن ابن القاسم. هذا كله إذا أقر بما هو فيه أمين، وأما إن أقر بدين في ذمته فإن كان أقر بمجلس قيام الغرماء أو بقربه قبل إقراره وحاص الغرماء إن كانت ديونهم ثابتة بإقرار لا ببينة (خ): في الفلس وقبل إقراره بالمجلس أو بقربه إن ثبت دينه بإقرار لا ببينة، ثم قال: وقبل تعيينه القراض والوديعة إن قامت بينة بأصله. وقال في القراض وتعين بوصية وقدم في الصحة والمرض إلخ. فكلام الناظم مقيد بغير المفلس وإلاَّ فلا يصدق إلا إن قامت بينة بأصل ما يوصى به، ومفهوم أوصى به أنه إذا لم يوص بشيء فإنه يؤخذ من تركته ما ثبت عليه منه بإقرار أو بينة، وإن لم يوجد وحاص غرماءه لكن محله إذا لم يتقادم عهده كعشرة أعوام كما قال (خ) في الوديعة: وضمن بموته ولم يوص ولم يوجد إلا لكعشر سنين وما لم يدع ما يسقطه من تلف ونحوه قبل موته أو لم يدع الورثة أن موروثهم رده لربه أو تلف منه قبل موته فإنهم يصدقون لأن الوارث قائم موروثه كما مّر في الاختلاف في متاع البيت وكما قالوه عند قول (خ) في الوديعة: وبدعوى الرد على وارثك، وما لابن رحال في باب القراض من عدم تصديق الورثة لا يلتفت إليه، وإنما كان يؤخذ من تركته إذا لم يوجد ويحاصص به حيث لم يتقادم عهده مع احتمال كونه تلف أو خسر فيه أو رده لربه، لأن الأصل والغالب هو السلامة وعدم الخسر والرد، ولهذا أوجبوا أخذه من تركته وعمروا به ذمته حتى صار ربه يحاصص به كما مّر، وبه نعلم سقوط ما في حاشية الشيخ الرهوني من اعتبار ذلك الاحتمال قائلاً: لأن الأصل براءة الذمم ولا تعمر إلا بيقين إلخ. لأنا نقول كما لا تعمر إلا بيقين لا تبرأ إلا به، وهنا عمرت بيقين واحتمال طرو التلف وما معه كاحتمال طرو القضاء في الدين الثابت فهو خلاف الأصل، والغالب الذي هو استصحاب ما كان على ما كان وما ذكره من البحث أصله في البرزلي عن بعضهم، ولكن قد علمت ما فيه، ولهذا قال في المعيار قبل نوازل الهبات فيمن سافر بالقراض لبلد السودان بإذن ربه وطال مقامه إحدى عشرة سنة قال: إن هذا العامل قد تعدى بإبطائه هذه المدة التي سافر فيها الناس وجاؤوا فيجوز لرب المال القيام عليه ويضمنه ما ثبت من رأس المال ويحاصص به غرماءه. اهـ. باختصار. فهو قد ضمنه رأس المال مع احتمال التلف والخسر وما ذاك إلا لكونهما خلاف الأصل والغالب، وبه كنت أفتيت في عامل غاب بالقراض مدة طويلة ووافقني عليه مفتي قاض شيخنا سيدي محمد بن إبراهيم وغيره ووقع الحكم به، وهذه المسألة كثيرة الوقوع في هذه البلدان ويفهم من قوله: ويضمنه ما ثبت من رأس المال أنه لا يضمنه شيئاً من الربح وهو كذلك لأن الأصل عدم وجوده إلا أن تقوم بينة بأنه قد ربح بمحضرهم كذا أو أقر عندهم بذلك فإنه يحاصص بحصته منه أيضاً لأن الأصل حينئذ بقاؤه، ولذا قال البرزلي: ولا يقضى على التركة بالربح إلا أن يتحقق إلخ. ثم ذكر عن ابن عرفة بعد هذا بورقة ونحوها أنه حكم فيها بالمال وبما يقدر له من الربح فانظر ذلك فيه.
وأجْرُ مِثْلٍ أوْ قِرَاضُ مِثْلِ ** لعامِلِ عند فَسَادِ الأَصْلِ

(وأجر مثل أو قراض مثل) يجب أحدهما (لعامل عند فساد الأصل) أي القراض. وأو في كلامه بمعنى قيل لأنهما قولان مرويان عن مالك ومنشؤهما هل ما فسد من العقد يرد إلى صحيح نفسه أو إلى فاسد أصله كما مَّر مثله في المغارسة والجعل لأن القراض مستثنى من الإجارة، والفرق بينهما أن أجرة المثل في الذمة وقراض المثل في الربح فإن لم يكن ربح فلا شيء له، وأجرة المثل يحاص بها الغرماء، وقراض المثل يقدم فيه عليهم وما فيه قراض المثل لا يفسخ بالشروع فيه كما يأتي، وفي المسألة رواية ثالثة بالتفصيل وهي رواية ابن القاسم أن القراض إذا كان بالعرض أو بجزء مبهم أو إلى أجل أو بدين أو بضمان أو قال له: اشتر سلعة فلان ثم اتجر في ثمنها أو شرط عليه أن لا يتجر إلا في سلعة كذا وهي يقل وجودها أو لا يشترى إلا بدين أو أعطاه دنانير وشرط عليه أن يصرفها ثم يتجر في ثمنها، فهذه تسعة كلها فيها قراض المثل، وزيدت عاشرة وهي ما إذا اختلفا في الربح ولم يشبها فإنهما يردان إلى قراض المثل كما مر في قول الناظم:
والقول قول عامل إن يختلف إلخ. وفيما فسد مما عدا هذه المذكورات أجرة المثل، وعلى هذه الرواية درج (خ) إذا قال: كفلوس وعرض إن تولى بيعه كأن وكله على دين أو ليصرف ثم يعمل فأجر مثله في توليه، ثم قراض مثله في ربحه كلك شرك ولا عادة أو مبهم أو أجل أو ضمن أو اشتر سلعة فلان ثم أتجر في ثمنها أو بدين أو ما يقل كاختلافهما في الربح وادعيا ما لا يشبه وفيما فسد غيره أجرة مثله. وقد تقدم في النظم بعض ما فيه قراض المثل وبعض ما فيه أجرة المثل مشروحاً فراجعه فيما مّر.
تنبيه:
ذكر ابن مغيث وصاحب النهاية أن العمل جرى بقراض المثل في أربعة فقط وهي: القراض بالعروض أو بالجزء المبهم أو إلى أجل أو بضمان، ويجمعها قولك: ضمن العروض إلى أجل مبهم، وما عدا هذه الأربع فيه أجرة المثل. وذكر البرزلي عن ابن يونس أن كل ما يرجع لقراض المثل يفسخ ما لم يشرع في العمل فيمضي وكذا المساقاة وكل ما يرجع إلى أجر المثل يفسخ أبداً.