فصل: فصل فيما يهديه الزوج ثم يقع الطلاق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل فيما يهديه الزوج ثم يقع الطلاق:

لو قال فيما يرسله ثم يقع الفراق كان صواباً لما علمت من تقسيمه المرسل إلى هديه وغيرها وتقسيمه الفراق إلى طلاق وفسخ قاله (ت). قلت: والظاهر أن هذا الفصل هو مفهوم قوله: فيما مر لأنه كهبة لم تقبض كما مرّ التنبيه عليه، فإن الفراق بين ما هنا وبين ما مرّ أن ما التزمه من الزيادة على أنه من الصداق يجري على ما مر سواء كان معيناً أو في الذمة وما هنا لم يلتزمه على ذلك، بل طاع على وجه الهدية، وأما العارية والإرسال ليحسب من الصداق فليس من المزيد عليه كما هو واضح، ولهذا كان الأنسب بهذا الفصل أن يذكره عقب ما مرّ لأنه مرتبط به غاية.
وَكلُّ مَا يُرْسِلُهُ الزَّوْجُ إلَى ** زَوْجَتِهِ مِنَ الثِّيَابِ وَالْحُلَى

(وكل) مبتدأ (ما) مضاف إليه (يرسله الزوج) صلة ما (إلى زوجته) يتعلق بيرسله (من الثياب) بيان لما يتعلق بيرسل أيضاً (والحلى) معطوف قال في الصحاح: الحلى حلي المرأة، وجمعه حلى مثل ثدي وثدى على وزن فعول، وقد تكسر الحاء وحلية السيف جمعها حلى مثل لحية ولحى وربما ضم اه نقله (ت) وقوله: فعول أي لأن فعل يجمع على فعول كفلس وفلوس اجتمعت الواو والياء، وسبق أحدهما بالسكون فقلبت الواو ياء وقلبت الضمة فتحة لتسلم الياء من القلب واواً ثانياً، ثم قلبت الياء المدغمة ألفاً واستثقلت الضمة على الياء الأخيرة فحذفت، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين فصار حلى، والخبر عن كل محذوف أي فيه تفصيل.
فَإنْ يَكُنْ هَدِيّةً سَمَّاهَا ** فَلاَ يَسُوغُ أَخْذُهُ إيَّاهَا

(فإن يكن) شرط واسمه ضمير يعود على ما (هدية) خبر يكن أو مفعول ثان لقوله (سماها) والجملة هي الخبر (فلا يسوغ) جواب الشرط (أخذه) فاعل يسوغ (إياها) مفعول يأخذ.
إلاَّ بِفَسْخٍ قَبْلَ أَنْ يَبْتَنِيَا ** فإنَّهُ مُسْتَخْلِصٌ مَا بَقِيَا

(إلا) استثناء من مقدر يتعلق بأخذ (بفسخ) يتعلق بأخذ وهو في الحقيقة بدل من ذلك المقدر أي لا يسوغ أخذه إياها بوجه من الوجوه إلا بفسخ من (قبل) يتعلق بفسخ (أن يبتنيا) في تأويل مصدر مضاف إليه وألفه للإطلاق أو للتثنية (فإنه) أي الزوج (مستخلص) خبر إن (ما) مفعول بما قبله (بقيا) صلة ما والعائد محذوف أي منه ومعناه أنه إذا سمى ما أرسله هدية فلا يرتجعه مطلقاً طلق قبل البناء أو بعده ولو لعسره بالنفقة فيهما أو مات كذلك أو بقيت العصمة إلا أن يفسخ النكاح قبل البناء فإنه يرتجع ما بقي منها قائماً بعينه ولم يفت، ومفهوم هدية أنه إن سماها صداقاً فهو ما مرّ في قوله: وزائد في المهر بعد العقد إلخ. كما مر التنبيه عليه، وهذا كله في الهدية بعد العقد وقبل البناء وهو أحد روايتين في قول (خ) وفي تشطر هدية بعد العقد وقبل البناء أو لا شيء له وإن لم يفت إلا أن يفسخ قبل البناء فيأخذ القائم منها لا أن فسخ بعده. روايتان فدرج الناظم على الرواية الثانية لأنها الرجح، بل حكى ابن رشد عليه الاتفاق فإن كانت الهدية بعد البناء وبعد طوله معها كسنتين فلا رجوع فيها أيضاً إن طلقها فإن لم يطلق فله أخذ هديته قاله في الشامل. وهذا كله في الهدية المتطوع بها ولم تشترط ولا جرى عرف بها، وأما إن اشترطت في العقد أو قبله أو جرى بها عرف فهي كالصداق كما مرّ لأن العرف كالشرط.
وَإنْ يَكُنْ عَارِيَةً وَأَشْهَدَا ** مِنْ قَبْلُ سِرًّا فَلَهُ مَا وَجَدَ

(وإن يكن) شرط واسمه ضمير يعود على ما أيضاً (عارية) خبر يكن (وأشهدا) فاعله ضمير الزوج (من قبل) يتعلق به (سراً) منصوب على نزع الخافض أو حال، والجملة من أشهدا وما بعده حال من الزوج أيضاً (فله) خبر عن قوله (ما وجدا) والجملة جواب الشرط أي: وإن سمى ما أرسله عارية والحال أنه أشهد بها سراً من قبل إرساله وأحرى جهراً فله استرجاع ما وجد منها قائماً لم يفت طلق أو مات أو فسخ أو بقيت العصمة ولا شيء فيما فات منها إلا إن كانت مما يغاب عليه والزوجة رشيدة عالمة بها ولا بينة على الهلاك فتضمن حينئذ فيما يظهر وهو الموافق لما يأتي في الأب يشهد بالعارية لابنته وهي مرشدة عالمة تأمل. وفهم من قوله: وأشهد سراً أنه إذا سكت حين الإرسال وادعى العارية ولم تقم بينة له بها لا شيء له وهو كذلك كما في ابن سلمون. وفي آخر الكراس الرابع من أنكحة المعيار فيمن كسا زوجته ثياباً، ولما توفيت ادعى أن ذلك عارية أن القول له بيمينه إن ثبت بالعدول أو اعترافها في حياتها أنه هو الذي جاء بتلك الثياب بعينها فانظره مع قول الناظم في التداعي في الطلاق: فالقول قول زوجة في الأنفس. وانظر أيضاً آخر فصل الاختلاف في متاع البيت.
وَمُدَّعٍ إرْسَالَها كَيْ تُحْتَسَبْ ** مِنْ مَهْرِهَا الْحَلْفُ عَلَيْهِ قَدْ وَجَبْ

(ومدع) مبتدأ (إرسالها) مفعول به وضميره للثياب والحلى (كي) جارة تعليلية (تحتسب) منصوب بأن مقدرة بعد كي (من مهرها) يتعلق به (الحلف) مبتدأ ثان (عليه) يتعلق بالخبر الذي هو (قد وجب). والجملة من الثاني وخبره خبر الأول.
ثُمَّ لَهَا الْخِيَارُ في صَرْفٍ وَفِي ** إمْسَاكِهَا مِنَ الصَداقِ فَاعْرِفِ

(ثم) للترتيب الإخباري (لها) خبر عن قوله (الخيار في صرف) يتعلق به (وفي إمساكها) معطوف على ما قبله (من الصداق) يتعلق بما قبله (فاعرف) أمر من العرفان تتميم للبيت ومعنى ذلك أنه إن ادعى إرسال ذلك ليحسب من الصداق فإنه يحلف على ذلك، ثم تخير الزوجة في أن تصرف ذلك للزوج وترده له، وفي أن تمسك ذلك وتحسبه من الصداق، وهذا ظاهر إذا كان قائماً كانت رشيدة أو سفيهة ويأخذه من يدها على ما وجده إن لم يرسل ذلك عند حدوث سبب وإلاَّ جرى فيه ما يأتي عن أبي الحسن، وسواء ادعى أنه بين ذلك لها عند الإرسال فأنكرته أم لا. فإن هلك أو شيء منه فلا ضمان على الزوجة فيه كما يفهم من قوله الخيار لها إلخ. لأنه لم يرسله لها إلا على أنها بالخيار فيه فهي قبل أن تختار أحد الأمرين أمينة فيه كما هي قاعدة البيع بالخيار والله أعلم. وسواء أيضاً كانت رشيدة أو سفيهة حيث لم تصن السفيهة به مالها ولم تصرفه الرشيدة في مصالحها وإلا لزمتها قيمة المقوم ومثل المثلى ويتقاصان فإن كان الإرسال عند حدوث سبب من وليمة لأقاربها أو عيد وموسم ونحو ذلك فقال أبو الحسن: جرت عادة الناس أن الرجل إذا صنع وليمة يشتري شيئاً لزوجته على وجه الهبة لها والاستئلاف لمودتها لا بأن يكون محسوباً لها من كالئها. اهـ. فيفهم منه أنه قبل البناء كذلك مع العادة المذكورة، وفهم من النظم أيضاً أن من دفع لمدينه شيئاً وادعى دفعه ليحسب من الدين وقال الآخر: بل تبرع أن القول للدافع بل لو أتفقا على التبرع لم يصح لأنه هدية مديان، وكذا لو خدمه خدمة وادعى أنه لم يفعل ذلك إلا ليسقط بعض الدين فإن القول له. ولا يصح التبرع بها عليه، وإنما صح ذلك في النكاح حيث لم يحلف الزوج لما بين الزوجين من المكارمة والله أعلم. ومن ذلك أيضاً ما إذا شور الأب ابنته ولها دين عليه ومات فقالت البنت: شورني من ماله، وقال الورثة: بل بالدين الذي لك عليه. فالقول للورثة قالوا: ولو أخرج تلك الأسباب التي شورها بها من عنده ويحمل على أنه عوضها ذلك من الدين الذي عليه، ونظم ذلك في العمل المطلق فقال:
وإن بدين بنته شورها ** فمات والشورة ما ذكرها

فقالت البنت أبي تفضلا ** من ماله بها وقال الغير لا

بل هي دينك الذي عليه لك ** فالقول قول وارث الذي هلك

وَمُدَّعِي الإرْسَالِ للثَّوَابِ ** شَاهِدُهُ الْعُرْفُ بِلاَ ارْتِيَابِ

(ومدعي) مبتدأ (الإرسال) مضاف إليه (للثواب) يتعلق به (شاهده) مبتدأ ثان (العرف) خبره ويجوز العكس وهو الأظهر (بلا ارتياب) يتعلق بشاهد على الاحتمالين أي فينظر لعرف البلد فإن كان عرفهم أن الزوج يهدي لزوجته لتكافئه على ذلك وعكسه مثل أن تعطي جاريتها الفارهة لزوجها الموسر وتدعي استغرار عطيته ونحو ذلك فالقول لمدعي الثواب منهما وإن لم يكن في البلد عرف بالمكافأة ولا وجد وقت العطية ما يدل على إرادتها فلا شيء لمدعي الثواب (خ) في باب الهبة: وصدق واهب فيه إن لم يشهد عرف لضده في غير المسكوك وفي غير هبة أحد الزوجين للآخر إلخ. وظاهر المصنف أن مدعي الإرسال مصدق ولو طال، وفي الكراس الثامن من أنكحة المعيار أن من قصد بهديته الثواب له المثوبة ما لم يطل إلخ. وهو ظاهر لأن الطول شاهد عرفاً لعدم قصده للثواب. وانظر ما يأتي عن المعيار في البيت بعده، ومن هذا المعنى ما في دعاوى المعيار أيضاً من أن أخوين لهما دار ورثاها فتزوج أحدهما وساق جميعها لزوجته وحضر أخوه المذكور فسلم الدار المذكورة المسوقة للزوجة، واعترف أنه لا حق له مع أخيه فيها، ثم قام الأخ المسلم يطلب أخاه الزوج المذكور بثمن حظه من الدار المذكورة قائلاً: إنما سلمت على أن يعطيني ثمن حظي أو عوضاً منه في أصل ملك أو غيره. وقال الزوج: إنما سلمت فيه لزوجتي من غير ثمن ولا عوض. فقال ابن لب: هذا من باب العطية المطلقة يدعي معطيها بعد خروجها من يده الثواب عليها والحكم أن يحلف الواهب على ما ادعى ويقضى له بالثواب.
تنبيه:
قال البرزلي: لو وهبته صداقها وادعت أن ذلك للثواب لم تصدق ولا يدخل الخلاف إلا في هبتها غير الصداق. اهـ.
وَشَرْطُ كِسْوَةٍ مِنَ الْمَحْظُورِ ** لِلزَّوْجِ فِي الْعَقْدِ عَلى الْمَشْهُورِ

(وشرط) مبتدأ (كسوة) مضاف إليه (من المحظور) بالظاء المشالة بمعنى الممنوع خبر المبتدأ (للزوج في العقد) يتعلقان بشرط (على المشهور) يتعلق بالاستقرار في الخبر، والمعنى أن شرط الزوج كسوة في نفس العقد ممنوع على مشهور المذهب لأنه جمع بين البيع والنكاح لأنه لا يدري ما ينوب الكسوة مما ينوب البضع كما مر التنبيه عليه عند قوله:
ويفسد النكاح بالإمتاع في ** عقدته وهو على الطوع اقتفي

وهو معنى قول (خ) وباجتماعه مع بيع إلخ. وحينئذ فيفسخ قبل ولا شيء فيه ويثبت بعد بصداق المثل كما مرّ، وظاهر النظم كغيره أنه يكون فاسداً ولو عيناً ما ينوب المهر مما ينوب تلك الكسوة ونحوها أو لم يعينا، وكان في المهر فضل كثير على ما أعطته المرأة وهو ما يقتضيه كلام ابن رشد وغيره من تنافي أحكام البيع والنكاح. هذا وذكر ابن سلمون في فصل المتعة أوائل النكاح أنهما إذا عينا ذلك أو كان في المهر فضل جاز الشرط المذكور وبنى على ذلك وثيقة فقال: فإن شرط الزوج لنفسه كسوة تخرجها الزوجة أو وليها في الشوار للباسه على ما جرت به العادة.
قلت: والتزم والد الزوجة أو وليها أن يخرج الزوج عند بنائه بها جبة كذا قيمتها كذا أو غفارة كذا قيمتها كذا التزاماً تاماً لما له وذمته قال: وحكمها حكم الصداق تثبت بثبوته وتسقط بسقوطه، وإذا وقع التزام ذلك من الزوجة في العقد كما ذكر فلابد أن يكون في الصداق زيادة على قيمة ذلك مقدار أقل الصداق فأكثر وإلاَّ فسد النكاح لأنه قد يكون نكاحاً بلا صداق قال: فإن لم يقع التزام ذلك وأخرجت الزوجة في شوارها مثل الغفارة والقميص ولبس ذلك الزوج أو لم يلبسه وأرادت الزوجة أو وليها أخذ ذلك بعد زاعمين أنهما كانتا عارية على طريق التزين لا على سبيل العطية فقال ابن رشد: إن كان بتلك الثياب عرف في البلد جرى به العمل واستمر عليه الأمر حكم به وإلاَّ فالقول للمرأة أو وليها أنه عارية أو على وجه التزين. اهـ. فأنت تراه اقتصر في جواز اشتراط ذلك على مقابل المشهور وهو معنى قول الشارح، وفي ابن سلمون تقرير العمل في هذه المسألة وكأنه ارتكب فيها غير المشهور، وربما يكتب بعض الناس بإزاء ذلك طرة بأنها من المسائل المختلة في ذلك الكتاب يعني بذلك والله أعلم على المشهور والأولى أن يقال: إنه اعتمد فيها غير المشهور. اهـ. فمعنى كلام الشارح هذا والله أعلم أن ابن سلمون قرر جواز ما يعمله الناس من الاشتراط المذكور وأن الأولى أن يقال: إنه اعتمد في ذلك غير المشهور لا أن ذلك في المسائل المختلة لأن التعبير بالاختلال يوهم أنه لم يصادف في ذلك قولاً لقائل، وليس كذلك وبهذا تعلم بطلان ما نسبه الشيخ بناني في فصل التفويض لهذا الشارح من أن ما لابن سلمون خلاف المشهور، لكن جرى به العمل إلخ. إذ الشارح لم يقل جرى به العمل كما ترى، فقد تقوَّل عليه ما لم يقله، وكذا ابن سلمون لم يقل إن العمل جرى بذلك كما ترى، ولا يلزم من اقتصاره واعتماده عليه جريان العمل به عند الحكام إذ العمل يقدم على المشهور، ولم يقل به أحد في هذه المسألة والله أعلم. وظاهر النظم أن شرط الكسوة ونحوها من العروض ممنوع، ولو كان ذلك من مال الولي وهو كذلك كما مرّ في قول (خ): كدار دفعتها هي أو أبوها، ومفهوم الكسوة أنه لو شرط دنانير أو دراهم كقوله أتزوجها بمائة على أن تعطيني عشرين درهماً منها جاز إن كان ذلك على معنى المقاصة فإن قال بمائة دينار على أن تعطيني عشرين درهماً امتنع لأنه نكاح وصرف، وكذا يمتنع النكاح مع القرض أو القراض أو الشركة أو الجعالة أو المساقاة في عقد واحد، وفي المعيار في المرأة تخرج أثواباً لزوجها عند البناء ثم تطلب ذلك عند مشاجرة زوجها أو طلاق أو لغير سبب ما نصه: ما أهداه أحدهما لصاحبه قبل العقد، ثم وقع النكاح لا رجوع فيه قبل الفراق ولا قبل البناء ولا بعده، فإن كان ذلك بعد العقد نظر فإن كان ذلك على وجه الاستعزاز وطلب الثواب فله الثواب، وإن لم يكن على ذلك فلا ثواب له لأنه استجلاب للمودة أو تأكيدها فإن طلقها بقرب العطية فترجع هي في عطيتها لا هو، وإن بعد ما بين العطية والطلاق لم ترجع. اهـ. وتقدم في النظم ما إذا ادعى هو العارية. وفي كلام ابن سلمون: ما إذا ادعت هي ذلك وظاهرهما أنه لا يفرق في العارية بين طول وعدمه، وتقدم في البيت قبله أن من ادعى الثواب من الزوجين له المثوبة ما لم يطل.