فصل: باب الكراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.باب الكراء:

للدور والأرضين والرواحل والسفن وهي في الاصطلاح المعاوضة على منافع غير الآدمي، والإجارة والجعل؛ وهما في الاصطلاح المعاوضة على منافع الآدمي. (وما يتصل به) من الأبواب المستثناة من الأصول الممنوعة كالمساقاة والمزارعة والمغارسة والقراض وأدمج الشركة بينهما، وعقد لكل منها فصلاً يخصه كما يأتي، وغرر هذه الأبواب المستثناة ظاهر للجهل بالعوض، ولكنه اغتفر لشدة الحاجة إليها، وما تقدم من أن الإجارة والجعل لمنافع الآدمي والكراء لمنافع غيره هو مجرد اصطلاح كما مر قريباً، وقد يطلق أحدهما على الآخر. ابن عرفة: الكراء عقد على منافع غير الآدمي أو ما يبان به وينقل غير سفينة. اهـ. فأخرج بغير الآدمي منافع الآدمي، فإنها إجارة أو جعل. وقوله: أو ما يبان به معطوف على غير مدخول لمنافع، وأدخل به الدابة والثوب والفأس والمنشار ونحو ذلك، ولو قال: عقد على منافع غير آدمي من سفينة لكان أخصر وأوضح لأن ما يبان به من الدابة ونحوها داخل في غير الآدمي، وأخرج بقوله غير سفينة العقد على منافع السفينة فإن ذلك جعالة لأن كراءها إنما يكون على البلاغ فلا يستحق شيئاً إلا به كما في المدونة، فمن هذا الوجه أشبهت الجعالة وإن كان كراؤها يلزم بالعقد بخلاف الجعل، ومثل السفينة مشارطة الطبيب على البرء والمعلم على حفظ القرآن كله أو جزء معين منه، والمغارسة فإنه كلها على البلاغ لا يستحق العامل فيها شيئاً إلا بالتمام وتلزم بالعقد كالإجارة قاله ابن عبد السلام وغيره.
يَجُوزُ في الدُّورِ وَشِبْهِهَا الكِرَا ** لمُدَّةٍ حُدَّتْ وَشَيْءٍ قُدِّرَا

(يجوز في الدور وشبهها) من حوانيت وفنادق وأرحية ونحوها (الكرا) ويكون على وجهين. أحدهما: أن يكون (لمدة) معينة قد (حدت) بإشارة إليها أو تسميتها كقوله: أكتريها منك هذه السنة أو هذا الشهر أو هذا اليوم أو يقول له: أكتريها منك شهر كذا أو سنة كذا، أو يقول: أكتريها منك سنة أو سنتين أو ثلاثاً أو يومين أو ثلاثاً، أو يقول: أكتريها منك إلى وقت كذا، وهذه الألفاظ الأربعة كلها لازم الكراء فيها بالعقد إذا وقعت هكذا (وشيء) من العوض (قدرا) أي فيها لتلك المدة المعينة كدينار أو درهم ويسمى هذا الوجه من الكراء وجيبة.
وَلاَ خُرُوجَ عَنه إلاَّ بالرِّضا ** حتى يُرَى أمَدُهُ قدِ انْقَضَى

(ولا خروج عنه) لواحد منهما قبل انقضاء مدته للزومه لهما بالعقد (إلا بالرضا) منهما معاً على فسخه وإلاَّ فلا فسخ (حتى يرى أمده قد انقضى) ثم إن عين المبدأ في الوجهين الآخرين من الوجوه الأربعة التي تسمى وجيبة واضح، والأصح العقد وحمل الأمر على أن أول المدة من حين العقد لأنه لو لم يحمل على ذلك لزم فساد العقد، لأن الكراء لا يجوز على سنة ونحوها غير معينة (خ): عاطفاً على الجواز وعدم بيان الابتداء وحمل من حين العقد وعليه، فإن كان العقد في أول الشهر لزمهما الكراء في ذلك الشهر على الهلال من نقص أو تمام، وإن كان في أثناء الشهر لزمهما الكراء في ثلاثين يوماً من يوم عقداه.
تنبيه:
ظاهر قول الناظم لمدة حدت أنه يجوز ذلك ولو طالت المدة، وهو كذلك إذا كانت تبقى إليها غالباً، قال في الشامل: ويجوز كراء الدار وشبهها لمدة تبقى فيها غالباً وجاز النقد فيها إن لم تتغير غالباً إلخ. فالضابط لجواز العقد والنقد عدم التغير في تلك المدة، ولذا قال ابن عرفة: المعتبر في أجل منفعة الربع ما لا يتغير فيه غالباً فيجوز فيه العقد والنقد، وما لا يؤمن تغيره لطول مدته أو ضعف بنائه جاز فيه العقد لا النقد، وما غلب على الظن بعد بقائه لمدة لم يجز العقد عليه لتلك المدة. اهـ. والوجه الثاني من وجهي الكراء أن يكون العقد وقع بينهم مشاهرة وهو ما ى شار له بقوله:
وَجَائِزٌ أنْ يُكْتَرَى بِقَدْرِ ** مُعَيَّنٍ في العام أو في الشَّهْرِ

(وجائز أن يكترى بقدر. معين في العام أو في الشهر) كأن يقول: أكتري منك دارك كل شهر بدينار أو كل سنة بعشرة أو كل يوم بدرهم، فإذا عينا المبدأ فواضح وإلاَّ حمل من حين العقد كما مرّ في الوجيبة، والعقد على هذا الوجه يسمى مشاهرة وهو غير لازم إلا بنقد فبقدره كما قال:
وَمَنْ أرَادَ أنْ يَحُلَّ ما انْعَقَدْ ** كانَ لهُ ما لَمْ يَحُدَّ بعَدَدْ

(ومن أراد) منهما (أن يحل) عن نفسه (ما انعقد) بينهما من كراء المشاهرة (كان له) ذلك وقوله: (ما لم يحدّ بعدد) مستغنى عنه لأنه إذا حد بعدد كسنتين أو شهرين أو يومين كان من الوجه الأول الذي هو الوجيبة.
وَحَيْثُمَا حَلَّ الكِرَا يَدْفعُ مَنْ ** قَدِ اكترَى مِنْهُ بِقدْر ما سَكَنْ

(وحيثما حل) عقد (الكرا) ء وفسخ في المشاهرة لعدم لزوم العقد لهما فيها حيث لم يكن المكتري نقد شيئاً أو فسخ في الوجيبة برضاهما معاً (يدفع من قد اكترى منه) أي من الكراء (بقدر ما سكن) حيث كان سكن شيئاً من المدة، وقولي: حيث لم يكن المكتري نقد شيئاً احترازاً مما إذا كان نقد بعض مدة المشاهرة فإنه يلزمهما الكراء في قدر المنقود حيث سكن شيئاً بعد أن نقد كما قال:
كَذَاكَ إنْ بَعْضُ الكِرَاءِ قُدِّما ** فَقَدْرُهُ مِنَ الكِرَاءِ لَزِمَا

(كذاك) يلزم عقد الكراء في المشاهرة (إن بعض الكراء قدما) فيها وأرادا فسخها بعد أن سكن شيئاً من مدة النقد، فإن ذلك لا يجوز ويلزمهما إتمام مدة النقد كما قال: (فقدره) أي قدر النقد المقدم (من) مدة (الكراء لزما) لهما، وظاهره أن قدر مدة النقد لازم لهما ولو تراضيا على الفسخ، وهو كذلك إن سكن بعض مدة النقد كما قررنا، فإذا اكترى منه كل شهر بدينار وقدم له دينارين وسكن نصف شهر مثلاً لزمهما إتمام الشهرين اللذين هما قدر المنقود وليس لهما الفسخ فيما بقي من مدة النقد ولو رضيا لأن الفسخ حينئذ إقالة وهي حينئذ لا تجوز لأن المردود من النقد سلف والمقابل منه لنصف الشهر في المثال المذكور كراء فيؤدي إلى كراء والسلف وهما وإن لم يدخلا على ذلك لكن يتهمان عليه كما مر للناظم في الإقالة حيث قال:
وسوغت إقالة فيما اكترى ** ما لم يكن أعطى الكراء المكترى

وأما إذا نقدا وتقايلا برضاهما قبل أن يسكن شيئاً فذلك جائز لانتفاء العلة المذكورة، وأما إذا أراد أحدهما الفسخ بعد النقد وأبى الآخر، فإن مريده لا يجاب إليه ولو لم يكن سكن شيئاً كما تقدم أنه ظاهر عموم النظم (خ): ومشاهرة ولم يلزم لهما إلا بنقد فبقدره إلخ. وانظر الكراس الثاني من أنكحة المعيار فإنه ذكر فيه أن كراء الدابة كل يوم بدرهم لا يجوز ولابد من ضرب الأجل كشهر ونحوه، وانظر إذا أكرى الدار ثم باعها في فصل أحكام الكراء.
تنبيهات:
الأول: ظاهر قوله: ومن أراد أن يحل ما انعقد كان له إلخ. لا يلزمه في المشاهرة شيء من المدة ولو أقل ما سميا كشهر، وهو كذلك حيث لم ينقد على المشهور. ورواية ابن القاسم عن مالك وسواء سكن بعض الشهر أم لا إلا أن يكون المكتري أرضاً وحرثها أي قلبها وأحرى لو زرعها فتلزمه السنة بحراثتها، وليس للمكري إخراجه منها قبل السنة لتعلق حق المكتري بحراثتها، ومقابل المشهور لمطرف وابن الماجشون أنه يلزمهما أقل ما سمياه، فإن قال كل شهر بكذا لزمه في شهر أو كل سنة بكذا لزمه في سنة، واختاره اللخمي وابن حبيب، وثالثها رواية ابن أبي أوس عن مالك أيضاً أنه يلزمه الأقل إن شرع في السكنى وبهذه الرواية العمل بفاس، وعليه فإذا سكن بعض الشهر في المشاهرة أو بعض السنة في المسانهة لزم كلاً منها بقية الشهر والسنة وليس لأحدهما الفسخ إلا برضا صاحبه وسواء سكن يوماً أو بعض يوم.
الثاني: يقيد عدم اللزوم في كراء المشاهرة إذا لم ينقد بما إذا لم يجر العرف باللزوم كالذي يكري المطمر ليطمر فيها زرعه كل سنة بكذا، فليس للمكري أن يخرجه إلا إذا تغيرت الأسواق إلى ما العادة أن يباع بمثله قاله اللخمي، ونقله أبو الحسن والمكناسي في مجالسه. ابن رحال: وهو صحيح لأن العرف كالشرط. اهـ. ولم يلتفتوا إلى اعتراض ابن عرفة عليه انظره في شرح الشامل.
الثالث: قال ابن رشد: من اكترى داراً مشاهرة فنص في الوثيقة أو غيرها على دفع كراء شهر معين فلذلك براءة للدافع مما قبل ذلك، لأن البراءة من شيء تقتضي البراءة مما قبله. اهـ. ونقله غير واحد، ولما نقله في الالتزامات قال: ومثله يقال في الإشهاد على مستحق وقف بوصول معلوم سنة أو شهراً أنه شاهد للدافع بوصول ما قبل ذلك. اهـ. بلفظه. ثم أشار إلى ما إذا كان في الدار نخلة أو دالية ونحوهما واشترى المكتري ثمرتها فقال:
وشَرْطُ ما في الدُّورِ مِنْ نَوْعِ الثَّمَرْ ** إذَا بَدَا الصَلاَحُ فيهِ مُعَتَبَرْ

(وشرط) المكتري في عقد الكراء أن يكون له (ما في الدار من نوع الثمر) جائز (إذا) كان قد (بدا الصلاح فيه) بالزهو وظهور الحلاوة ولو في حبة منه (معتبر) شرطه لذلك مطلقاً زادت قيمته على ثلث الكراء أو نقصت، إذ غايته أنه اجتمع البيع والكراء وهو جائز فالظرف متعلق بمعتبر الذي هو خبر المبتدأ، وفهم من قوله: شرط أن المكتري إذا لم يشترطها فهي للمكري وهو كذلك سواء بدا صلاحها أم لا. وظاهره أنه يجوز اشتراطها مع بدو الصلاح كان الكراء وجيبة أو مشاهرة كانت الوجيبة تنتهي قبل طيب الثمرة أو بعد انتهائه وهو كذلك في الوجيبة، وأما المشاهرة فقد علمت أنها غير لازمة ما لم يسكن فإنه يلزمه أقل ما سماه على ما به العمل، فإذا سكن ذلك الأقل ولم يكن انتهى طيبها أو لم يسكن شيئاً وأراد الفسخ عن نفسه، فالذي يظهر أن البيع لازم في الثمرة بما ينوبها من أجرة الكراء والله أعلم. ومفهوم قوله: إذا بدا الصلاح أنه إذا لم يبد لم يجز إلا بشروط نبه الناظم على شرطين منها فقال:
وغَيْرُ بادِي الطَّيبِ إنْ قَلَّ اشْتُرطْ ** حَيْثُ يُطيبُ قَبْلَ مَالِهُ ارْتُبِطْ

(و) الثمر الذي هو (غير بادي الطيب) بأن لم يوجد أصلاً أو وجد، ولكنه لم يبد صلاحه لأن القضية السالبة لا تقتضي وجود الموضوع (إن قل) بأن كانت قيمته ثلث جملة الكراء فدون (اشترط) أي جاز اشتراطه (حيث) كان (يطيب قبل ماله ارتبط) فغير بادي الطيب مبتدأ، وجملة اشترط بالبناء للمفعول خبره والعائد ضمير المبتدأ وحيث شرطية مجردة عن الظرفية، والتقدير: وغير بادي الطيب إن قل صح اشتراطه، وجاز إن كان يطيب قبل الأمد الذي ارتبط إليه والدار أو الأرض المرهونة يجوز اشتراط ثمرتها حيث اشترط المرتهن منفعة الدار لأنها حينئذ مكتراة في الحقيقة، فهذان شرطان في كلامه أحدهما الغلة بأن تكون قيمة ثلث الكراء فدون ويعرف ذلك بالتقويم بأن يقال: ما قيمة كراء الدار بلا ثمرة فيقال عشرة مثلاً. قيل: وما قيمة الثمرة التي تطعمها هذه الشجرة أو الدالية على المعتاد المتعارف منها كل عام بعد طرح قيمة المؤنة والعمل؟ فإذا قيل خمسة فأقل جاز وإلاَّ منع، وثانيهما أن يعلم أن الثمرة ينتهي طيبها قبل انقضاء مدة الكراء وإلاَّ لم يجز اشتراطها، ويفهم من هذا أن الكراء وجيبة، فإن كان مشاهرة لم يجز لأن المدة فيها غير محدودة كما مر. وبقي عليه أن يشترط جميعها فإن اشترط بعضها لم يجز على المشهور لأن اشتراط البعض يدل على قصد المعاوضة كاشتراط بعض المأبور وخلفة القصيل كما مر في بيع الأصول لا على قصد دفع الضرر الحاصل بدخول رب الدار لإصلاح ثمرته.
تنبيه:
الأرض مثل الدار فيما ذكر وسيأتي قول الناظم في الفصل بعده:
وإن تكن شجرة بموضع ** جاز اكتراؤها بحكم التبع

(خ): وجاز كراء شجرة للتجفيف عليها لا لأخذ ثمرتها واغتفر ما في الأرض ما لم يزد على الثلث بالتقويم إلخ. فإن كانت قيمتها أكثر من ثلث جملة الكراء وكان قد زرع الأرض أو سكن الدار، فإن الثمرة لربها ويقوم على المكتري كراء الأرض والدار بغير ثمرة ويعطى أجر ما سقى به الثمرة إن كان سقاها إو كان له فيها عمل فإن فاتت الثمرة عنده غرم لربها مكيلتها إن علمت أو قيمتها إن جهلت مكيلتها لفساد الكراء. وهذا كله في الثمرة، وأما الزرع الموجود في الأرض المكتراة فيجوز اشتراطه أيضاً إن كان دون الثلث لا إن كان ثلثاً قاله في المدونة. والفرق أن الزرع أخفض رتبة من الأصول. ألا ترى أنه لا يجوز مساقاته إلا بشروط ستأتي إن شاء الله.
تنبيهان:
الأول: إذا اكترى داراً أو أرضاً سنين وبها شجر اشترط ثمرته فإن كانت قيمته في كل سنة الثلث فأقل جاز، وإن كانت في سنة الثلث فأقل، وفي سنة أكثر، وإذا نظر إلى قيمة جميعه من الكراء في المدة كانت الثلث لم يجز، ويكون الكراء فاسداً في المدة جميعها ويجري حكمه على ما فوقه.
الثاني: سئل ابن رشد عمن باع شجراً واشترط على المشتري أن لا يقبضه إلا بعد عام وليس الآن فيه ثمر هل يجوز قياساً على شراء الأرض والدار وتراخي القبض إلى هذا القدر أم لا لحدوث الثمرة؟ فأجاب: هذا يجري على الخلاف في المستثنى هل مبقي على ملك البائع فيجوز أو المشتري فلا يجوز لأنه من بيع الثمرة قبل أن تخلق أو تزهو. اهـ. وتقدم في بيع الأصول أن المستثنى مبقي على المعتمد.
وما كَنَحْلٍ أَوْ حَمَامٍ مُطْلقَا ** دُخُولُهُ في الاكترَاءِ مُتَّقى

(وما كنحل) بالحاء المهملة في جبح أو غار في الدار أو الأرض (أو حمام) في برج الدار (مطلقا) قل أو كثر (دخوله) بشرط (في) عقد (الاكتراء متقى) لقوة الغرر فيه، ولأنه ليس من نفس الدار ولا من جنسها بخلاف الشجر، وهذا في الكراء، وأما في بيع رقبة الدار ببرج حمامها أو بجباح نحلها فيجوز قاله في الطرر وانظر (ز) صدر البيوع عند قوله: وحمام ببرج إلخ. فإنه ذكر هناك فروعاً مناسبة من كون الحمام والنحل إذا أضرا بالثمار والزرع هل على رب الزرع والثمار حفظها أو يمنع ذو الحمام والنحل من اتخاذه، وأن الرجل إذا وجد نحلاً في شجرة أو صخرة لا بأس أن ينزع عسلها إذا لم يعلم أنها لأحد إلى غير ذلك، وانظر ما يأتي في فصل الضرر عند قوله: فإن يكن يضر بالمنافع إلخ.
وجازَ شَرْطُ النّقْدِ في الأرْحاءِ ** بِحَيْثُ لا يُخْشَى انقِطَاعُ الماءِ

(وجاز شرط النقد في) كراء (الأرحاء) إذا كانت (بحيث لا يخشى انقطاع الماء) عنها لكون العادة جارية بدوام جريه وعدم انقطاعه لانقضاء المدة، ومفهومه أنه إذا كان يخشى انقطاعه لم يجز اشتراط النقد وهو كذلك لتردده بين السلف والكراء، وإنما يجوز كراؤها حينئذ بدون شرط النقد، وأما تطوعاً فيجوز أمن عدم انقطاع مائها أو لو يؤمن.
تنبيهان:
الأول: إذا أكراها بشرط النقد لوجود الشرط الذي هو عدم انقطاع الماء في غالب الظن والعادة، فتخلفت تلك العادة وانقطع الماء واكتراها بغير شرط النقد وانقطاع الماء أيضاً، أو انجلى أهل ذلك المكان عنها لفتنة ونحوها، أو انقطع الطعام من البلد لمجاعة ونحوها، فإن الكراء يفسخ إذا لم يرج عوده أو يرجى عن بعد، وأما إن كان يرجى عن قرب فإنه لا يفسخ ولكن يحط عنه من الكراء بقدر ذلك، ولا يجوز فيما إذا نقد أن يخلف عوض ما انقطع مما بعد الأجل لأنه فسخ دين في دين لأن قبض الأوائل ليس كقبض الأواخر وإذا فسخه وهو يرى أنه لا يعود عن قرب فتخلف ظنه ورجع الماء قبل انقضاء المدة عادت عقدة الكراء لتبين خطئه فهو كمن خرص عليه أربعة أوسق فدفع خمسة. اللخمي: إلا أن يكون المكتري بعد الفسخ عقد موضعاً غيره بوجيبة أو غيرها فيمضي الفسخ، ولا يجبر المكتري على إتمام المدة. اهـ. وإن اختلفا في قدر مدة انقطاعه صدق ربها حيث اختلفا في ابتداء انقطاعه مثل أن يكتري منه سنة أولها المحرم فسكن المحرم وصفر فيقول المكتري: انقطع الماء في ربيع وعاد في جمادى، ويقول رب الرحا: لم ينقطع إلا في ربيع الآخر وحده فالقول لرب الرحا لأن الساكن مدع عليه في انقطاعه في ربيع الأول، فلا يصدق في إسقاط الكراء بدعواه، وأما لو اتفقا على ابتداء انقطاعه واختلفا متى عاد، فالقول للمكتري بيمينه من غير خلاف لأن رب الرحا قد أقر بانقطاع الماء وسقوط الكراء عنه مدعى عليه إيجاب الكراء بعود الماء قاله ابن يونس. قال في المدونة: وكذا إن اختلفا في انهدام الدار في بعض المدة. انظر شرح الشامل.
الثاني: قال في المدونة: ومن استأجر رحا ماء شهراً على أنه إن انقطع الماء قبل الشهر لزمه جميع الأجرة لم يجز، وفي العتبية عن ابن القاسم فيمن له موضع رحا فأعطاه رجلاً يعمل فيه رحا على أن للعامل غلة يوم وليلة من كل جمعة فعمل على ذلك نحو ثلاثين سنة ثم علم بفساده قال: تكون الغلة كلها للعامل ويغرم لصاحب الأصل كراء ذلك الموضع لجميع السنين التي انتفع بها بقدر رغبة الناس أو زهادتهم فيه على النقد، ويقال لصاحب الأصل: إن شئت أمرته بخلع النفض وإلاَّ فاعطه قيمته مقلوعاً وتكون لك الرحا.
وبالدَّقِيقِ والطّعام تُكتَرَى ** والبَدُّ بالزَّيْتِ ويُنْفَذُ الكِرَا

(وبالدقيق) كصاع منه (والطعام) كمد من حنطة أو قسط من زيت (تكترى) هي أي الرحا كما في المدونة وهو معنى قول (خ) عاطفاً على الجواز وكراء رحا ماء بطعام أو غيره، وظاهره أنه يجوز كراؤها بذلك نقداً أو إلى أجل وهو كذلك قالوا: وإنما نص على ذلك في المدونة لأنها لما كانت مثبتة في الأرض ويعمل فيها الطعام فقد يتوهم أنه من كراء الأرض بالطعام (والبدُّ) بفتح الموحدة وتشديد الدال المهملة أي المعصرة التي يعصر فيها الزيت تكترى (بالزيت) كقلة منه نقداً أو إلى أجل (وينقد) فيها (الكرا) ء بشرط أو غيره. قال في المفيد: وتجوز قبالة معصرة الزيت بالزيت الموصوفة إلى أجل كما تجوز قبالة الملاحة بالملح، ولا يجوز لصاحب اليد اشتراط النوى لأن بعضه أرطب من بعض ولا يحاط بصفته. اهـ. والمراد بالنوى الفيتور أي التفل والقبالة بفتح القاف أي الكراء ثم قال في المفيد: وإنما جاز كراء الملاحة بالملح لأن الملح ليس يخرج منها، وإنما يتولد فيها بالصناعة بجلب الماء للأحواض وتركه للشمس حتى يصير ملحاً وتجوز المعاملة فيها على الإجزاء للعامل النصف أو الثلث أو ما اتفقا عليه ولرب الملاحة النصف أو الثلث أو ما اتفقا عليه، ولا يدخل في هذا عند من أجازه كراء الأرض بما يخرج منها إذ ليست الأرض تنبت الملح ولا يخرج منها وإنما يتولد فيها. اهـ.
قلت: انظر هل يجوز كراء الرحا والمعصرة بعشر زيت ودقيق ما يطحن فيهما من القمح والزيتون كما في الملاحة أم لا؟ والظاهر عدم الجواز للجهل بالقدر ولاختلاف صفة خروج الزيت والدقيق بخلاف الملح، فإن لم يختلف الخروج وكان بقسط معلوم كمد منه أو من دقيق جاز كما قال (خ): وصاع دقيق منه أو من زيت لم يختلف إلخ. وسيأتي في فصل الإجارة عدم جواز إجارة الدلال بربع عشر الثمن ونحو ذلك، وهذا كله في الملح التي يجلب ماؤها للأحواض، وأما ملح المعادن التي لا تحتاج إلى علاج ولا إلى جلب للأحواض كملح المعدن الصحيحة فقد قال في نظم العمل تشبيهاً في الجواز: كذلك الردود للصيادة. للحوت كالملاحة المعتادة إلخ. أي: فيجوز كراؤهما لأجل رفع الحجر عنهما مدة معلومة بالملح وغيره انظر شارحه.