فصل: فصل (فيمن له الإجبار) من الأولياء (وما يتعلق به):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل (فيمن له الإجبار) من الأولياء (وما يتعلق به):

كمنعه من الضرر واستحباب إذن البكر ذات الأب وإنكاح غير الأب وكون الصمت في البكر إذناً ونحو ذلك.
ولما كان الأب لا يجبر في القليل من الصور قدم الكلام عليه ليتفرغ لصور الجبر فقال:
ثُيُوبَةُ النِّكاحِ وَالْمِلْكِ مَعَا ** لِلأبِ الإحْبَارُ بِهَا قَدْ مُنِعَا

(ثيوبة) مبتدأ (النكاح) مضاف إليه (والملك) معطوف على النكاح أي وثيوبة الملك (معا) حال (للأب) يتعلق بمنع آخر البيت (الإجبار) مبتدأ ثان (بها) يتعلق به والباء سببية أو بمعنى مع وضميره للثيوبة (قد) للتحقيق (منعا) بالبناء للمفعول خبر المبتدأ الثاني والثاني وخبره خبر الأول والرابط الهاء في بها والنائب في منع ضمير الإجبار، والمعنى أن الأب الحر قد منع إجباره في بنته الحرة البالغة الثيبة بنكاح صحيح أو فاسد كما سيصرح به في قوله: وكالصحيح ما بعقد فاسد إلخ. وفي بنته القن إذا عتقت بعد أن ثيبت بوطء السيد وهي بالغ فلا جبر له في هاتين الصورتين ومفهوم النكاح أن ثيوبة غيره كالزنا لا تمنع إجباره وهو كذلك على الراجح من الخلاف الآتي في قوله: وبالحرام الخلف فيها يجري إلخ. ثم إن قيد البلوغ معتبر في الصورتين كما قررنا بدليل قوله:
كما لهُ ذلِكَ في صِغَارِ ** بَنَاتِهِ وَبالِغ الأبْكَارِ

(كما) الكاف بمعنى مثل وما مصدرية (له) خبر عن قوله (ذلك) والإشارة للإجبار (في صغار) يتعلق بالاستقرار في الخبر (بناته) مضاف إليه من إضافة الصفة للموصوف (وبالغ) معطوف على صغار (الأبكار) مضاف إليه إضافة الصفة للموصوف أيضاً والمعنى لا إجبار للأب مع الثيوبة مماثلاً لإجباره صغار البنات اللائي لم يبلغن ثيبات كن أو أبكاراً أو بالغ الأبكار فالنفي المفهوم من المنع مسلط على المقيد بقيده الذي هو المماثلة لا على القيد فقط أي لا إجبار له على الثيبات مثل كونه له على صغار البنات والأبكار البالغات، وكذا يجبر التي ثيبت بزنا كما مر والمجنونة ولو ثيبت بنكاح ومحل جبره إذا لم يرد تزويج من ذكر من ذي عاهة وإلاَّ فلا كما يأتي في قوله: والأب إن زوجها من عبد إلخ. ومحله أيضاً في البكر البالغ إذا لم يرشدها ولم تقم ببيتها سنة وإلا بأن رشدها أو أقامت ببيتها مع زوجها سنة من غير مسيس فلا جبر (خ): وجبر المجنونة والبكر ولو عانساً إلا لكخصي على الأصح والثيب إن صغرت أو بعارض أو بحرام إلا بفاسد وبكراً رشدت أو أقامت ببيتها سنة إلخ. وأما من ثيبت بنكاح أو ملك قبل البلوغ وما تأيمت أو عتقت إلا بعده فهي داخلة في قوله: ثيوبة النكاح الخ إذ يصدق عليها أنها بالغ ثيبت بنكاح أو ملك ولا يعول على ظاهر قوله الآتي: كواقع قبل البلوغ الوارد إلخ.
ويُسْتَحَبُّ إذْنُهَا والسَّيِّدُ ** بالجَبْرِ مُطْلقاً لَهُ تَفَرُّدُ

(ويستحب) مضارع مبني للمفعول (إذنها) بالرفع نائبه أي يستحب للأب أن يستأذن ابنته البكر البالغ عند تزويجها أي يشاورها فيه ويكون بواسطة من لا تستحي منه فقد لا تريده أو يكون بها عيب يمنعها منه. ولما قدم أن الأب يجبر صغار البنات وبوالغ الأبكار وأنه يستحب له استئذان الأبكار البوالغ نبه على أن السيد له الجبر لأرقائه مطلقاً ذكوراً أو إناثاً ثيبات أو أبكاراً فقال: (والسيد) مبتدأ (بالجبر) يتعلق بتفرد آخر البيت (مطلقاً) حال من ضمير الاستقرار في الخبر (له) خبر عن قوله (تفرد) مصدر تفرد بمعنى انفرد أي وللسيد التفرد بالجبر عن سائر الأولياء كائن له مطلقاً ولا يدخل في الإطلاق كانت مضرة في التزويج أم لا إذ لا جبر له مع الضرر (خ) وجبر المالك أمة وعبداً بلا إضرار أي كتزويجها من أبرص أو مجذوم ونحوهم ولا يدخل فيه أيضاً كان ذا شائنة أم لا إذ لا جبر له في ذي الشائبة من الإناث على ما اختاره اللخمي والمراد بالسيد الجنس فيشمل الواحد والمتعدد والحر والعبد والذكر والأنثى إلا أن الأنثى لا تعقد بنفسها بل توكل، كما أن السيد العبد نحو المكاتب كذلك (خ) ووكلت مالكة ومكاتب في أمة طلبت فضلاً ولا يدخل فيها أيضاً كان مالك الكل أو البعض إذ لا جبر لمالك البعض وإن كان هو كمالك الجميع في الولاية على الأمة وفي رد نكاح العبد والأمة إن تزوجا بغير إذنه لأن ذلك يعيبه كما له رد تزوج نكاح المكاتب أو المكاتبة بغير إذنه للعلة المذكورة بل يتحتم الرد في الأمة ولو عقد لها أحد الشريكين دون الآخر.
تنبيه:
للوصي أن يزوج رقيق محجوره بالمصلحة كما في ابن الحاجب، وظاهره أنه يجبره على ذلك لأنه نائب المالك.
والأَبُ إنْ زوَّجهَا مِنْ عَبْدِ ** فَهْوَ مَتَى أَجْبَرَ ذُو تَعَدِّ

(والأب) مبتدأ (إن زوجها) شرط والضمير المنصوب يعود على مجبرته (من عبد) يتعلق به (فهو) مبتدأ (متى أجبر) شرط (ذو تعد) خبر المبتدأ الثاني، والجملة منه ومن خبره جواب إن ودخلت الفاء عليه لكونه لا يصلح أن يكون شرطاً، والجملة من الشرط والجواب خبر المبتدأ الأول، وأما الشرط الثاني وهو قوله: متى أجبر فجوابه محذوف للدلالة عليه والمعنى أن الأب إذا أجبر مجبرته على التزويج من عبد ونحوه كمبروص ومجذوم فهو متعد في ذلك الجبر قال في المعين: وليس للأب أن يزوج ابنته من عبد لما يلحقها في ذلك من المعرة. وقال سحنون في السليمانية: إذا أراد الأب أن يزوج ابنته مجنوناً أو مجذوماً أو أبرص أو أسود أو من ليس لها بكفء وأبت الابنة ذلك كان للسلطان منعه لأن ذلك ضرر اه بنقل الشارح. وفي الطرر قال المشاور: ولا يزوج ابنته البكر من المجذوم إلا برضاها ولا يكون صمتها في هذا رضا ولابد لها من الكلام لأنه عيب، ثم قال بعد أسطر: وقال سحنون في السليمانية: إن أراد أبوها أن يزوجها من أسود أو أبرص أو أجذم أن السلطان يمنعه من ذلك لأن ذلك ضرر، وقول سحنون في هذا أحسن. اهـ. بنقل (ت) وقال: أعني (ت) إثره ما نصه: فلم يقيد يعني سحنوناً فيما نقل عنه صاحب الطرر ذلك بما إذا أبت الابنة كما قيده بذلك في نقل المعين.
قلت: الظاهر أنه لا مخالفة بين النقلين لأن قوله في الطرر أن السلطان يمنعه دليل على أن الابنة قد أبت وإلا لم يكن للسلطان كلام لأن لهما ترك الكفاءة كما قال (خ) ولها وللولي تركها كما أنه لا مخالفة بين كلام سحنون المنقول في الطرر والمعين وبين كلام المشاور أيضاً لأن المشاور قيد ذلك برضاها فيستفاد منه أنها إذا لم ترض لم تزوج وهو قول سحنون، إذا أبت كان للسلطان أي عليه منعه، فاللام بمعنى على لا للتخيير إذ من وظيفته رفع الضرر. وقال ابن أبي زمنين: إن الأب إذا زوج ابنته البكر عنيناً أو خصياً أو مجبوباً جاز ذلك عليها علمت أم لا إذا كان ذلك نظراً لها. اهـ. وما ذكره أصله لابن حبيب ولما نقله في المتيطية، ونقل قول سحنون المتقدم قال ما نصه: وقول سحنون أجرى على الأصول وأقوى عند ذوي التحصيل من قول ابن حبيب. اهـ. ولهذا قال في الطرر: وقول سحنون أحسن إلخ. وبالجملة فما لابن أبي زمنين خلاف الأصح المشار إليه بقول (خ): إلا لكخصي على الأصح إذ ما ذكره سحنون، والمشاور كله داخل تحت الكاف من قوله: إلا لكخصي كما لشراحه وما لابن أبي زمنين مقابل له ثم ظاهر ما مرّ أنه لا يجبرها من الأبرص ولو قل برصه وهو المعتمد خلافاً لما أفتى به السيوري من أن البرص القليل لا كلام لها فيه، وقد قال بعض لامرأة كثرت شكواها من زوجها وتعذر عليها إثبات ضرره: ادعي عليه أن به برصاً في دبره فإنه يستحي أن يكشف نفسه للرجال ويطلقك ففعلت وطلقها، والغالب أن البرص في الدبر لا يكون إلا قليلاً إذ لو انتشر عنه لجازت رؤيته، وكذا الجذام المحقق ولو قل لأنه أشد ضرراً ولأن القليل قد ينتشر، ومفهوم قول الناظم متى أجبر أنها إذا رضيت لم يكن متعدياً وهو كذلك كما مرّ، لكن يقيد بما إذا كانت رشيدة ولا عصبة لها فإن كانت سفيهة أو كان لها عصبة فلا عبرة برضاها في الأولى، وللعصبة منعها في الثانية قاله اليزناسني. وأصله في المفيد كما في (م) وهو قيد صحيح جار في جميع مسائل الكفاءة على ما يقتضيه جواب العبدوسي في وصي مجبر زوج أخت مجبرته من غير كفء فقام إخوته وأرادوا فسخ النكاح بعد أن أثبتوا بشهادة الشهود أنه غير كفء لها فقال: شهادتهم بأنه غير كفء لها شهادة مجملة لابد من استفسارها فإن قالوا مثلاً هو سكير شريب أو مستغرق المال بالربا والغصوبات أو غير ذلك مما يقدح في الكفاءة شرعاً فإنه يعذر في ذلك للوصي والزوج فإن لم يكن عندهما مدفع فسخ النكاح انتهى باختصار، فتأمل قوله: أو غير ذلك مما يقدح في الكفاءة إلخ. فإنه شامل لجميع الأوصاف التي تقدح فيها وأفهم كلام العبدوسي أن الفاسق بالجارحة كالزاني وكثير الأيمان بالطلاق غير كفء وهو المعتمد كما يفهم من جواب اليزناسني نقله في المعيار قبل جواب العبدوسي المتقدم قال: فيه الكفاءة معتبرة في الدين بلا خلاف وإن كان فاسقاً فلا خلاف منصوص أن تزويج الوالد منه لا يصح، وكذلك غيره من الأولياء وإن كان وقع ذلك فللزوجة ولمن علم لها فسخ النكاح، وكان بعضهم يهرب من الفتوى بذلك ويرى أنه يؤدي إلى فسخ كثير من الأنكحة. اهـ. وأصل حاصل هذا الكلام لابن بشير كما في (ح) وابن سلمون وغيرهما، وظاهر كلامهم أنه نكاح فاسد يتحتم فسخه وهو ما يقتضيه نص اللخمي الآتي وهو م فهمه (ح) أيضاً من قول ابن بشير لا يصح. اهـ. وظاهر كلام اليزناسني أنه حمل قوله: لا يصح على أنه لا يلزم بدليل قوله فلزوجة، ولمن قام لها إلخ. لأنه جعل ذلك لهما، وهو ظاهر قول الشامل فلها فسخ نكاح الفاسق بجارحة، ونحوه قول ابن الحاجب أيضاً لا خلاف أن للزوجة ولمن قام لها فسخ نكاح الفاسق، ونقل (ح) عن الفاكهاني أن المشهور صحة نكاح الفاسق وأنه لا يفسخ، وذكر في المعيار عن أبي الفضل العقباني أن فسقه إن كان بكثرة الأيمان بالطلاق فعيب أو باستغراق ذمته بالحرام، فهذان الوجهان يوجبان الفسخ لأن المرأة تكون معه في زنا في الوجه الأول وتبقى تحت مضيعة في الوجه الثاني وذلك أعظم الضرر قال: وهناك وجوه أخر من الفسق لا توجب ما أوجبه هذا من الفسخ ثم قال في جواب آخر عن نكاح الفاسق: إن التعرض لفسخه أمر عسير لأن تغيير المنكر إن أدى إلى منكر أعظم منه سقط الأمر عنه، ونحن نميل في هذه الأزمنة لما مال إليه من قال من الشيوخ: لو أخذ بهذا لفسخت أكثر الأنكحة إذ قل من يخلو عن الفسق بالجوارح الخ فقوله: وذلك من أعظم الضرر دليل على أن النكاح صحيح لو لم تقم هي أو بعض أوليائها بالفسخ في الوجه الثاني، وكذا في الوجه الأول لأنه علله بأن كثرة الأيمان منه عيب يوجب لها ولمن قام لها الفسخ، وبالجملة فظاهر كلام ابن بشير أن الفاسق بأي وجه كان فسقه بزنا أو بشرب خمر أو كثرة أيمان أو غير ذلك لا يصح نكاحه، وهل معنى قوله لا يصح نكاحه لا يلزم وهو ظاهر ما مرّ عن الشامل والعقباني واليزناسيني وابن الحاجب، أو معناه أنه فاسد فلا يصح ولو رضيت هي وأولياؤها وهو ما فهمه منه (ح) وقوة كلامه تعطي أنه الراجح ويدل له ظاهر كلام اللخمي الآتي ففي نهاية المتيطي عنه ما نصه: يؤمر الأب في تزويج ابنته بأربع، أن يكون الزوج كفأ في ديته وماله وحسبه سالماً من العيوب التي يجتنبها النساء فإن كان كسبه حراماً أو كثير الأيمان بالطلاق، أو ممن يشرب الخمر لم يكن له أن يزوجها منه فإن فعل فرق الحاكم بينهما لأن الأب وكيل لابنته وإذا فعل الوكيل ما ليس بنظر رد فعله. اهـ. وفي (تت) عند قوله: وجبر وصي أمره به أب أو عين الزوج الخ ما نصه: إذا قال له زوجها من فلان بعد عشرين سنة ألزمها الولي النكاح أن فرض فلان مهر المثل ولم يكن فاسقاً ولا حجة لها في كونه الآن ذا زوجة، وكان وقت الإيصاء عزباً. اهـ. ومثل الفاسق بالجارحة الفاسق بالاعتقاد كما يأتي، وعلى هذا فقول (خ) ولها وللولي تركها الخ مقيد بما مر عن المفيد ويقال: إن المراد بالولي الجنس أي ولها ولجميع الأولياء وأما إرجاع الضمير في تركها لخصوص الحال كما في (خ) فخلاف المتبادر وبعد هذا يكون بحسب ظاهره ماشياً على ظاهر ما لابن الحاجب والعقباني وغيرهما، ثم إذا قلنا بتحتم الفسخ على ما في (ح) أو بعدم تحتمه على ظاهر من تقدم فظاهر كلامهم أنه يفسخ قبل الدخول وبعده، وإن كان ابن زرب جزم بعدم فسخه بعد الدخول والمراد بالحال في كلام (خ) السلامة من العيوب إلا النسب والحسب بدليل قوله: والمولى وغير الشريف الأقل جاهاً كفء إلخ. وما تقدم من أن العبد ليس بكفء هو المعتمد من أحد التأويلين في قوله: وفي العبد تأويلان إلخ. قال (تت) واقتصر (خ) على أن الكفاءة الدين والحال لأنه قول مالك وزاد ابن القاسم: المال. قيل: واتفق عليه أصحاب مالك اه ونحوه. لابن فتوح، وفي النهاية عن اللخمي أنه إن كان عاجزاً عن السعي يرى أنها تكون معه في ضيعة أو يسعى من وجه يدركها منه معرة كالذي يتكفف الناس فإن الأب يمنع من تزويجها له ويفسخ نكاحه إن فعل له. اهـ. وفي الوثائق المجموعة ومختصر المتيطية أن الكفاءة المعتبرة عند ابن القاسم في الحال والمال وبه القضاء وعند ابن الماجشون في الحال والمال والدين. اهـ. وممن ذكر أن المال معتبر في الكفاءة ابن هلال في نوازله والعبدوسي صدر أنكحة المعيار، ولذا صدر به (خ) حيث قال: وللأم التكلم في تزوج الأب الموسرة المرغوب فيها من فقير إلخ. وقال ابن عرفة: الكفاءة المماثلة والمقاربة مطلوبة بين الزوجين وفي كونها حقاً للولي والزوجة أو للزوجة الثيب دون وليها فيصح إسقاطها. ثالثها: حق لله تعالى وبه القضاء. اهـ. وأصله في المتيطية قال فيها، ولابن الماجشون أنها شرط في صحة النكاح وهو اختيار ابن القاسم وبه القضاء والفتوى، ونقله في معتمد الناجب في شرح ابن الحاجب قال بعضهم: وانظر كيف يلتئم كونها شرطاً في صحة النكاح على المعمول به مع قولهم لها وللولي تركها، اللهم إلا أن يقال قد تبدل العمل وإلاَّ فشرط الصحة ليس لأحد تركه.
قلت: كونها حقاً للزوجة والولي هو المشهور كما يقتضيه تصدير ابن عرفة به واقتصار (خ) وغيره عليه ولا يلزم من كونه مشهوراً أن يكون معمولاً به، وحينئذ ف (خ) يدور مع المشهور وإن كان العمل بغيره ثم قال ابن عرفة: إثر ما مر وفي كونها في الحال والمال أو فيهما، وفي الدين أو في الحال والدين أو في الدين فقط. خامسها: في النسب لا المال الأول للمتيطي مع ابن فتحون عن ابن القاسم قائلين به الحكم الخ، ففهم منه أن المعتمد عنده هو الأول، ولذا صدر به وهو خلاف ما مرّ عن (خ) من أنها الدين والحال فقط، وأن هذا قول مالك وقد تبين من جميع ما مرّ أن المعتبر في الكفاءة الدين الشامل للإسلام بلا خلاف، وهل يعتبر فيها الدين بمعنى عدم الفسق أيضاً وهو المعتمد كما مرّ عن ابن بشير وابن الحاجب وغيرهما. وهو ظاهر إطلاق (خ) لأن قوله: الدين الشامل للإسلام وعدم الفسق أو لا يعتبر الدين بمعنى عدم الفسق وهو ما شهره الفاكهاني، وبه القضاء عند المتيطي ومن معه، وتصدير ابن عرفة به يؤذن بترجيحه، ولكن فتاوى المتأخرين إنما هي على الأول كما مر فيتعين المصير إليه لاعتمادهم إياه، ولهذا لم يعرج (خ) ولا ابن الحاجب ولا صاحب التلقين ولا صاحب الشامل ولا غيرهم من الفحول على الثاني بل قولهم لها وللولي تركها دليل على أن الكفاءة ليست شرط صحة وأن المرأة والولي في نكاح الفاسق بالخيار، إذ لو كان نكاحه صحيحاً لازماً كما للفاكهاني ما كان لها أو لوليها الخيار والقيام بفسخه إذا وقع. وفي الحديث: (من زوج كريمته من فاسق وهو يعلم فقد قطع رحمها) أي: خؤولة ولدها منه وذلك أنه يطلقها ثم يصير معها على السفاح فيكون ولدها لغير رشدة فذلك قطع الرحم، وفي جواب لأبي يحيى السراج في رجل ثبت أنه مدمن على شرب الخمر أنكحه رجل ابنته غير عالم بأنه على الصفة المذكورة ثم إن والدها توفي فقام بعض أولاده بالفسخ لإدمان الزوج على الخمر المؤدي للأيمان الحانثة ما نصه: إنه يقبل قوله ويفسخ النكاح بذلك. اهـ. وظاهره ولو بعد الدخول ولو مأموناً عليها وهو ظاهر لأن الشرب المؤدي للأيمان عيب كما مرّ عن العقباني وكذا زناه على ما في (ح) عن ابن خويز منداد بل فسقه من حيث هو عيب يوجب لها الخيار حيث لم تعلم به ولو بعد الدخول خلافاً لما مر عن ابن زرب، وبهذا كله تعلم أنه لا يتحتم فسخ نكاح الفاسق كما يقتضيه كلام (م) لأن ما كان لها وللولي تركه لا يتحتم عليها فسخه، وعبارة الشامل: وللمرأة والولي على الأصح ترك كفاءة غير إسلام فلها فسخ نكاح الفاسق إلخ. وفي البرزلي عن المدونة: ليست الكفاءة بشرط في النكاح خلافاً لسفيان فوجب حينئذ أن يكون الضمير في قول (ح) تركها عائداً على الكفاءة كما هو المتبادر منه وأن معنى قول ابن بشير لا يصح أي لا يلزم كما مر، وقد يقال وهو الظاهر أن ما ل (خ) من تحتم الفسخ وهو ظاهر كلام اللخمي المتقدم إنما هو إذا كانت البنت غير رشيدة لأن رضاها حينئذ لا يعتبر، وعليه يحمل قول من قال إن الكفاءة شرط صحة، ثم إن المعتبر فيها أيضاً الحال أي السلامة من العيوب والمال بأن لا يكون فقيراً لأن فقره مظنة عجزه عن الصداق والنفقة وغيرهما من حقوق الزوجة، والمعتبر فيها أيضاً الحرية، فهذه الأربع لابد منها على الراجح وإن كان الخلاف في جميعها ما عدا الإسلام فلو قال الناظم:
والأب إن زوج من كعبد. لشمل الأربعة. وزيد عليها النسب، وقد تقدم اعتباره في قول (خ) والمولى وغير الشريف كفء إلخ. وزيد أيضاً الصنعة فذو الصنعة الدنيئة كالحياكة والحجامة والفران والحمامي ليس كفأ لمن صنعته لأهل المروءة كالنجارة والحرارة والبناية ونحوها كما في ابن عرفة، وقد نظم الإمام القصار هذه الست مع قطع النظر عن الراجح فيها فقال:
شرط الكفاءة ستة قد حررت ** ينبيك عنها بيت شعر مفرد

نسب ودين صنعة حرية ** فقد العيوب وفي اليسار تردد

هذا وفي شرح ابن رحال ما نصه: قول المصنف والمولى وغير الشريف كفء إلخ. وهو الذي صرحوا بتشهيره، ولكن تقدم في كلامهم ما يدل على أن المعتبر هو المعرة بحسب العادة في البلد والأشخاص والأزمان، وإذا ثبت ذلك فالمولى وهو المسمى في عرفنا بالحرطاني في تزويجه معرة عظيمة فلا يكون كفأ قطعاً وأحرى العبد، فليتنبه الفقيه لهذه القاعدة فهي المعتمد المشهور، وكذا من قرب إسلامه أو إسلام أبيه فإن فيه عند الأكابر معرة، وكذا الفقير باعتبار الأغنياء والتجار وكذا أهل الحرف الدنيئة كالمداحين في الأسواق والذين يتكلمون بالملحون في الولائم المسمون بالشعراء ونحو ذلك. وهذا كله يدل عليه كلام الناس، ولاسيما كلام اللخمي فإنه مشتمل على ما ذكرناه قطعاً انتهى باختصار. ونقل قبل ذلك عن اللخمي كلاماً يدل على أن المدار على المعرة وعلى هذا فالأمور الستة كلها معتبرة والله أعلم. وأما الفسق بالاعتقاد فعلى ثلاثة أوجه ما هو كفر بإجماع فيجب فيه الفراق والفسخ بغير طلاق ويثبت ذلك ببينة علمت بذلك حين العقد أو بإقرار الزوج أو إقرارها مع تصديق زوجها وإن لم يصدقها لم يقبل قولها، لكن يستحب أن يفارقها وما ليس بكفر بإجماع فلا يجب عليه فراقها ويجب عليه إرشادها وتعليمها وما هو مختلف فيه، فينظر إلى الزوجين فإن اتفقا على القول بعدم التكفير جاز لهما البقاء، وإن أخذا بالقول بالتكفير وجب عليهما الفراق، وكذا إن أقر الزوج خاصة وجب الفراق قاله العبدوسي، والمراد بالمختلف فيه كل من دخل تحت قول (خ) في الإمامة وأعاد بالوقت في كحروري إذ قد دخل في ذلك القدري والشيعي والمعتزلي وغيرهم ممن اختلف في تكفيره، ولذا كان لا يقضى على الزوج بفراقها إن أخذت بتكفيره، والمراد بمن وقع الإجماع على كفره منكر علم الله أي أن الله لا يعلم الأشياء تفصيلاً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وكذا منكر البعث والشاك فيه ونحو ذلك من عدم التفريق بين الله تعالى ورسوله، فإذا وجد أحد الزوجين صاحبه يعتقد ذلك فقبل الدخول يجدد العقد بغير استبراء بعد التعليم ويجدده بعد الدخول بعد الاستبراء. وقوله وإن لم يصدقها إلخ. يعني إن زعمت أنها حين العقد كانت مبتدعة بما يوجب كفرها، وأما الآن فهي على خلاف ذلك لا أنها مبتدعة الآن لأنها حينئذ تكون مرتدة والعياذ بالله، والمراد بما ليس بكفر بإجماع ذو الهوى الخفيف كتفضيل علي رضي الله عنه على الشيخين رضي الله عنهما، وفهم من قول (ح): كحروري الخ أن المشهور فيهم أنهم فساق وإلا لبطلت الصلاة خلفهم وفي المدونة لا يزوج القدري.
تنبيه:
إذا قلنا إن الفسق عيب على ما مر فانظر هل لا فرق فيه بين وجوده حين العقد أو طروه بعده فهو حينئذ كالجنون يطرأ على الزوج فلها الفسخ بسببه فتأمله فإن الزوج إذا طرأ عليه كثرة الحلف بالأيمان أو استغراق ذمته لا يلزمها أن تقيم معه على أن يطعمها من حرام مع وجود الأحكام، ولعل ما في البرزلي من أن المرأة الصالحة تكون عند ذوي الغصوبات في الأموال تسأله طلاق نفسها فإن أبى أكلت من ماله ولا حرج محله إذا فقدت الأحكام وإلاَّ فهي مكلفة بترك الحرام لأن أكل المغصوب مع العلم به غصب والله أعلم.
فائدة:
قال ابن عرفة: قد امتحن التونسي في فتواه لمن تعلقت نفسه بشيعية جميلة بقوله من تشيعه بتفضيل علي على أبي بكر دون سب فليس بكافر فشنع عليهم تقسيمهم لغير كافر. قال ابن الحاج: ووافق فقهاء عصره على استتابته سداً للذريعة. قال البرزلي: لما قسمهم التونسي في فتواه إلى قسمين من يفضل علياً على غيره دون سب للغير فليس بكافر، ومن يفضله ويسب غيره فهو بمنزلة الكافر لا تحل مناكحته. قالت عامة القيروان: هو بتقسيمه الشيعة إلى قسمين كافر وأفتوا باستتابته سدّاً للذريعة فأبى أن يتوب فقال له شيخ من الفقهاء:
ما لك ذنوب سابقة تتوب منها؟ فصعد المنبر وقال: إنما أتوب من ذنوبي أو نحو هذا فقالت العامة: لما ارتد التونسي صار وجهه كأنه وجه كافر، ولما تاب صار وجهه وجه مؤمن ثم قال عن بعضهم: إن الشيعة على ثلاثة أقسام، القسمان الأولان والثالث القائلون أن جبريل عليه السلام أخطأ في الوحي، وإنما الرسول علي، وهذا القسم كافر بإجماع. وذكر ابن شرف أنه شاهد قصة التونسي وأنه طلب منه الرجوع على عيون الأشهاد على المنبر فأبى، ثم طلب منه أن يرجع على أيدي الخاصة فأبى، ثم طلب منه أن يرجع على يد القاضي وشهوده فأبى، قال عياض في المدارك: والذي أفتى به هو الحاوي على الفقه والحق إلاَّ أنهم أرادوا حسم هذا الباب في الشيعة لتقع النفرة منهم اه باختصار. وقوله في القسم الثاني: منزل منزلة الكافر خلاف المشهور من أنه ليس بكافر والواجب أدبه بالاجتهاد كما قال (خ): أو سب من لم يجمع على نبوته أو صحابياً إلخ. ثم على ظاهر ما ذكره الفقهاء من سد الذريعة بفسخ نكاح الفاسق بالاعتقاد مطلقاً سداً للذريعة ولا يفصل فيه التفصيل المتقدم لأن المطلوب حسم هذه البدعة من أصلها وإنكاحهم يؤدي إلى إقرارها وزيادة انتشارها ولهذا قال في المدونة: لا يزوج القدري وظاهره مطلقاً. وانظر هل يقال ببطلان الصلاة خلفهم على هذا أي سداً للذريعة أيضاً.
وكَالأبُ الوصِيُّ فِيما جَعَلاَ ** أبٌ لَهُ مُسوَّغٌ ما فَعَلاَ

(وكالأب) خبر عن قوله (الوصي) وقوله (فيما) يتعلق بالاستقرار في الخبر (جعلا) صلة ما وألفه للإطلاق والرابط بينه وبين الموصول محذوف أي جعله (أب) فاعل (له) يتعلق بجعل وضميره للوصي (مسوغ) خبر عن قوله (ما). وقوله: (فعلا) صلة وألفه للإطلاق أيضاً، وفاعله ضمير الوصي والرابط محذوف، والجملة من المبتدأ والخبر في معنى التأكيد لما أفادته الجملة الخبرية قبلها، ومعناه أن الوصي ووصي الوصي كائن كالأب سائغ فعله فيما جعل له الأب من جبر البنات صراحة أو ضمناً كزوّجها صغيرة أو كبيرة أو قبل البلوغ وبعده أو عين له الزوج فيجبرها الوصي ووصيه وإن سفل في ذلك كله على المشهور. وهي للزوج المعين في الأخيرة إذ بذل لها مهر المثل ولم يكن فاسقاً ولا حجة لها في كونه ذا زوجة أو سرية الآن، وكان يوم الإيصاء عزباً فإن أبى أن يبذل مهر المثل أو كان فاسقاً أو به عيب سواء كان فسقه أو عيبه حين الوصية أو طرأ بعدها لم تجبر عليه، وكذا إن أراد الوصي أن يجبرها في الصور الأول من فاسق ونحوه كما مر في البيت قبله، وهذا يدل على أن الوصي ليس كالأب من كل وجه، بل إنما هو مثله في الجبر في التزويج بمهر المثل قاله (ز) وتأمله مع قول (خ) وجاز الرضا بدونه أي المثل للمرشدة وللأب ولو بعد الدخول وللوصي قبله لا المهملة إلخ. فإن لم ينص له على الجبر صراحة ولا ضمناً بل قال له: زوجها ممن أحببت أو زوجها وأطلق أو أنت وصي على بناتي أو على بضع بناتي أو على بعض بناتي إذ البعض مبهم ففي الجبر في كل من الصور الخمس قولان مشهوران أشار لذلك (ح) بقوله: وجبر وصي أمره أب به أو عين الزوج وإلا فخلاف. قال (ز) والراجح الجبر في الجميع إذا أتى في الصيغتين الأوليين من الخمس بلفظ التزويج أو بلفظ الإنكاح وإلا لم يجبر وأما إن قال وصي فقط أو على مالي فلا جبر اتفاقاً. اهـ. أي: وإن كان له العقد قبل الأولياء كما مرّ، لكن قال بعضهم: الصواب قصر الخلاف في لفظ (خ) على الصيغتين الأوليين قال: وما ذكر من ترجيح الجبر صحيح كما يفيده ابن أبي زمنين وغيره: وإن كان ابن رحال رجح عدم الجبر قائلاً هو الظاهر من كلام الناس لأنه إذا اختلف في الجبر الموصى به صراحة فكيف بغيره فانظر ذلك.
وَحَيْثُمَا زَوَّجَ بِكْراً غَيْرُ الأبْ ** فَمَعْ بُلُوغٍ بَعْدَ إثْبَاتِ السَّبَبْ

(وحيثما) ظرف مكان مضمن معنى الشرط (زوج) فعل الشرط (بكراً) مفعول (غير) بالرفع فاعل (الأب) مضاف إليه (فمع) بالفاء وسكون العين جواب الشرط وهي داخلة على مبتدأ محذوف مع خبره أي فشرط تزويجه كونه مع وجود (بلوغ) وقوله (بعد إثبات السبب) معطوف بحذف العاطف على الظرف قبله من عطف العام على الخاص إذ البلوغ من جملة الأسباب، والظرفان يتعلقان بذلك المحذوف أي مع بلوغ بعد إثبات السبب، والمعنى أن البكر إذا زوجها أخوها أو عمها أو كافلها أو وصيها غير المجبر، ونحو ذلك ممن لا جبر له عليها كالقاضي ونحوه، فشرط صحة تزويجه كونه مع وجود بلوغها وبعد إثبات باقي الأسباب غير البلوغ من توكيلها وكفاءة الزوج ورضاها به وبالصداق، وأنه صداق مثلها وأنها يتيمة لا أب لها ولا وصي لها أو لها أب مفقود أو أسير أو بعيد كإفريقية من مصر وأنها خلو من زوج وعدة، وأنها صحيحة غير محرمة بحج أو عمرة ولا محرمة على الزوج فإن اختل واحد من هذه الأسباب بإقرار الزوج أو بينة فسد النكاح فيما عدا صداق المثل أما هو فيخير الزوج في تكميله أو يفسخ ولا عبرة برضاها إن كانت مهملة غير رشيدة فإذا لم يعثر عليه حتى دخل كمله وجوباً وإن كانت رشيدة مضى عليها قبله وبعده كما مرّ وإن لم يقر الزوج ولا شهدت البينة وسقط من الوثيقة شيء من ذلك ففي التوكيل والرضا بالزوج القول لها في عدم ذلك إن كان النزاع قبل الدخول لا بعده كما مرّ في التنبيه الثالث عند قوله: فالصيغة النطق بما كأنكحا إلخ. وفي البرزلي عن ابن رشد على ما يعطيه سياقه أوائل الأنكحة فيمن زوج ابنته من خمسة عشر سنة وادعت بعد الدخول عدم البلوغ أن النكاح ماض ولا يقبل قول وليها أنها غير بالغ، وظاهره أنه لا ينظرها النساء لأن نظرهن مقصور على الإنبات أو معرفة ذلك في وجهها وقدها والبلوغ لا ينحصر في ذلك كما مرّ عند قوله: والمهر والصيغة إلخ. وفي السادس عشر من الفائق أنها تكلف بإثبات عدم بلوغها ولا يقبل في ذلك أقل من امرأتين وإن بينة البلوغ وعدمه إن تعارضتا صير للترجيح، وقد تقدم هناك عن ابن المكوى أن النكاح على الصحة والسلامة وإلا سقط من رسمه خلو من زوج وعدة يعني: وكذلك الكفاءة واليتم لأن الأصل في العقود الصحة وفي الوثائق الفشتالية أنه إن سقط من الرسم في نكاح الثيب خلو من عدة وادعت بعد العقد أنها حامل أو لم يأتها قرء فمنهم من قال يقبل قولها ويفسخ النكاح، وبه قال ابن عتاب، ومنهم من قال لا يقبل قولها، وبه قال ابن القصار والأول أبين. اهـ. فما مر عن ابن المكوى جار على ما لابن القصار إذ الظاهر أنه لا فرق بين البكر والثيب ولا بين تزويج القاضي وغيره ممن لا جبر له في هذا، وكذا فيما عداه من البلوغ والكفاءة واليتم وغير ذلك من الأسباب مما عدا الرضا والتوكيل فيجري في ذلك كله الخلاف المذكور لأن الكل موانع فما قيل في أحدها يقال في الآخر وبه تعلم ما في قول (ح) لم أر فيه نصاً، ومفهوم قوله: فمع بلوغ إلخ. أن غير البالغ لا يصح تزويجها وهو كذلك (خ) إلا يتيمة خيف فسادها وبلغت عشراً وشوور القاضي أي فإن غير الأب ممن لا جبر له يزوج غير البالغ بهذه الشروط الثلاثة، وسواء كانت فقيرة أو غنية إذ مع خوف الفساد لا يشترط فقرها خلافاً ل (ز) فإن اختلت أو واحد منها صح إن دخل وطال، وإذا فسخ حيث لم يطل فهو طلاق وفيه الميراث إن مات أحدهما قبل الفسخ وفيه جميع المسمى إن دخل أو مات ونصفه إن طلق والطول بمضي مدة تلد فيها ولدين فأكثر بالفعل أو قدرها إن لم تلدهما والسنة والولد الواحد لغو كما في ابن عرفة. وفي الفشتالية وأبي الحسن أن المشهور فسخه أبداً، ويؤيده أن الباجي عزاه لمالك وأصحابه وعزا الآخر لابن القاسم وحده في الموازية.
وحُيْثُمَا العَقْدُ لِقَاضٍ وُلِّي ** فَمَعْ كُفْءٍ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ

(وحيثما) شرط كالذي قبله (العقد) نائب فاعل فعل مقدر يفسره ما بعده (لقاض) يتعلق بقوله (ولي) المفسر لذلك المقدر (فمع) الفاء داخلة على محذوف جواب الشرط كما مرّ نظيره فى البيت قبله أي: فشرط صحته كونه مصحوباً لوجود (كفء) و(بصداق المثل) وغير ذلك من باقي الأسباب ففيه حذف الواو مع ما عطفت لدلالة ما في البيت قبله عليه، وليس هذا البيت بضروري الذكر مع الذي قبله لأن غير الأب يشمل حتى القاضي كما مرّ، وإنما ذكره عقبه لئلا يتوهم قصور الحكم في الذي قبله على ولي النسب قاله (م).
تنبيهان:
الأول: إنما تكون الولاية للقاضي إن كان يقيم السنة ويهتبل بما يجوز به العقد، وإلاَّ فلا قاله ابن لبابة ونقله (ق).
الثاني: إذا شهد الشهود بأنه كفء أو غير كفء فلا تقبل شهادتهم إلا بعد استفسارها لأن الكفاءة تختلف في نظر العلماء فلا تقبل مجملة حتى يقولوا هو كفء لها في الحال والمال والدين والحرية على نحو ما مرّ قبل هذين البيتين، أو يقولوا هو غير كفء لها لكونه فاسقاً بالجارحة أو بالاعتقاد أو لكونه عبداً أو فقيراً أو نحو ذلك، وإن تعارض شهود الكفاءة وعدمها أو غير ذلك من الأسباب فقد تقدم حكم ذلك آخر الشهادات ثم لا فرق بين أن تكتب الأسباب المذكورة في رسم على حدته ويكتب رسم النكاح تحتها أو حولها أو عرضها ويحال عليها، وبين أن تضمن في رسم النكاح نفسه بأن يقولوا في آخر الوثيقة المتقدمة كيفيتها عند قوله: والمهر والصيغة إلخ. ما نصه: شهد عليهما أو عليهم وهم بأتمه وعرفهم من يعرف وجود جميع الأسباب المنصوصة في هذا الرسم معرفة عيان لا سماع أو شبه ذلك فإن لم يقولوا هذا كان ذكرهم تلك الأسباب في الرسم مجرد حكاية محتمل لمعرفتهم إياها معرفة العيان أو السماع فلا تعارض حينئذ شهادتهم البينة بعدم البلوغ ونحوه إن كانوا من غير أولي العلم كما مرّ هناك، وكذا إن كان الناكح لها وصياً أو مقدم القاضي أو كافلها لابد أن تكتب رسمي الإيصاء والكفالة، ثم رسم النكاح تحتهما أو تضمن ذلك في رسم النكاح فتقول: شهد عليهما وهما بأتمه من يعرف الإيصاء أو التقديم أو بإشهاد والد الزوجة أو والد الزوج على أنفسهما بذلك في عهده الذي توفي فيه كل واحد منهما أو بإشهاد القاضي فلان بذلك مع معرفته بالمتوفي أو بالقاضي عيناً واسماً قاله في طرر ابن عات، ونقله في الفشتالية قالا: وإذا اقتصرت على قولك من يعرف الإيصاء ولم تفسره بإشهاد الموصيين أو القاضي احتمل أن تكون معرفة سماع أي: وهي لا تفيد إلا بشروط، وكذا تقول في الكفالة من يعرف كفالته لها عشراً أو أربعاً ونحو ذلك معرفة عيان، وهذا كله مبني على أن الإرسال في مستند العلم من غير أولي العلم مضر، وقد تقدم ما في ذلك من الخلاف في باب الشهادات وعلى أنه مضر درج ابن فتوح فإنه لما ذكر أنه إذا عقد في وثيقة مثل اشترى فلان من فلانة جميع الملك الكذا المتصير إلى البائعة بالابتياع من فلان أو بالميراث من أبيها أو بالصدقة من فلان قال: فإن تضمن الإشهاد معرفة الشهود بذلك ثبت التصيير المذكور، وإلا لم يصح ذلك ثم قال: وتحصين ذلك أن تقول: شهد على إشهاد المبتاع والبائعة على أنفسهما من عرفهما وهما بحال الصحة وجواز الأمر ممن عرف أن جميع المبيع المذكور تصير إلى البائعة فلانة بالابتياع من فلان بإشهادهما بذلك على أنفسهما أو بالصدقة من فلان بإشهاده على نفسه بذلك أو بالميراث المذكور وعرف موت أبيها فلان وأن أهل الإحاطة بميراثه في علمهم أبناء فلان وفلانة المذكوران المالكان لأنفسهما وعرف اقتسامها مع أخيها، وأن المبيع المذكور صار إليها بالاقتسام المذكور بإشهادهما بذلك على أنفسهما. اهـ. فانظر كيف التزم التصريح فيما أراد إثباته ببيان مستند الشهادة، وذلك إشهاد المتبايعين والمتصدق والمقتسمين وما ذاك إلا لكون الشهادة المرسلة عنده ناقصة، وقد قال في الفائق: اعلم أن مدار الوثائق على ما يتضمنه الإشهاد وما يأتي فيها من خبر وحكاية لم يتضمنه معرفة الشهود فليس يثبت بثبوت الوثيقة إلخ. ولذلك لم يثبت التصيير ونحوه بقولهم المتصير إلى البائعة بالابتياع بل حتى يقولوا تصير لها من فلان بإشهادهما أي ومعرفته إياهما عيناً واسماً كما مر، ثم إذا لم يثبت التقديم ولا الإيصاء ولا الكفالة للإجمال والإرسال فإن كان الشهود أحياء استفسروا وإلا بطل كل من ذلك إن لم يكونوا من أولي العلم وينظر في النكاح فإن كانت المرأة دنيئة صح لقول (خ) وصح بها في دنيئة مع خاص لم يجبر كشريفة دخل وطال إلخ. إذ كل من هؤلاء أجنبي حينئذ.
وَتَأْذَنُ الثَّيِّبُ بِالإِفْصَاحِ ** والصَّمْتُ إذْنُ البِكْرِ فِي النِّكَاحِ

(وتأذن) مضارع أذن (الثيب) فاعله (بالإفصاح) تعلق بتأذن (والصمت) مبتدأ (إذن البكر) خبره (في النكاح) يتعلق بالخبر. ولما كانت الثيب البالغ الحرة لا تتزوج إلا برضاها كما مرّ إذ لا جبر عليها، وكذا البكر التي لا جبر عليها نبه على أن الرضا من الثيب بالزوج والصداق والتوكيل هو ما وقعت الدلالة منها عليه بالنطق والإفصاح وأن الرضا من البكر بما ذكر يكفي في الدلالة عليه صمتها وسكوتها لقوله (صلى الله عليه وسلم): (البكر تستأمر وإذنها صمتها والثيب تعرب عن نفسها) (خ): وندب إعلامها به أي بأن صمتها إذن ورضا بأن يقال لها: فلان خطبك بصداق قدره كذا ونقده ومؤخره كذا فإن رضيت فاصمتي وإن كرهت فانطقي يقال لها ذلك مرة واحدة وقيل ثلاثاً فإن صمتت أو ضحكت أو بكت زوجت ولا يقبل منها بعد ذلك أنها جهلت أن الصمت رضا في تأويل الأكثر إلا أن تكون معروفة بالبله وقلة المعرفة على قول: فإن تكلمت وأفصحت بالرضا فقد تكلفت ما لا يلزمها ولا يضرها ذلك نقله القلشاني وابن سلمون وغيرهما. وقد علق بحفظي أنها تجري عندهم على من فرضهم المسح فغسل إلخ. لا إن منعت أو نفرت فلا تزوج ويفسخ ولو بعد طول، وما تقدم من أنه لابد من إذنها في التوكيل بعد الرضا بالزوج والصداق ظاهر مع تعدد الولي وتساويه ابن زرب: إن كان لها ولي واحد ورضيت بالزوج والصداق فلا يحتاج ذلك الولي للإذن له في العقد وظاهر قول (خ) المتقدم أنه لا يعقد عليها إلا بإذنها له ولو اتحد قال في ضيح، وهو قول ابن القاسم. ولما كان قوله: والصمت إلخ. شاملاً لجميع الأبكار وكان بعضهن لابد فيه من الإذن بالقول حسبما قاله أهل المذهب نبه على ذلك فقال:
واسْتُنْطِقَتْ لِزَائِدٍ في العَقْدِ ** كَقَبْضِ عَرْضٍ أَوْ كَزَوْجِ عَبْدِ

(واستنطقت) بالبناء للمفعول ونائبه البكر (لزائد) يتعلق به ولامه للتعليل وهو اسم فاعل أريد به المصدر أي لزيادة (في العقد) مخالفة لصريح العادة (كقبض عرض) خبر لمبتدأ محذوف أي وذلك كقبض عرض في صداقها أي زوجت بعرض كثوب أو دار مثلاً لأن العادة أن الأصدقة من النقود فإذا خولفت هذه العادة وزوجت بغير النقد فلابد من رضاها به بالقول، سواء كان العرض كل الصداق أو بعضه لأنها بائعة مشترية والشراء لا ينعقد بالصمت، فإن كانت عادتهم التزوج بالعروض فلا يحتاج لنطقها (وكزوج عبد) معطوف على ما قبله يليه والإضافة على معنى من أي وكتزويجها من عبد ويجوز قراءة زوج بالتنوين وعبد صفة له أي ذو عبودية وظاهره: ولو قل جزء رقه ولا يتكرر هذا مع قوله: والأب إن زوجها من عبد إلخ. لأن هذا من حيث النطق، وما تقدم من حيث الجبر أي أن رضاها الذي لا يكون متعدياً به لابد أن يكون بالنطق فالرضا أعم من النطق فما تقدم لا يفهم منه ما هنا، وأشعرت الكاف أن ذلك لا ينحصر في المثالين المذكورين وهو كذلك (خ): والثيب تعرب كبكر رشدت أو عضلت أو زوجت بعرض أو رق أو عيب أو يتيمة قبل البلوغ أو افتيت عليها إلخ. ونظمها ابن غازي، وزاد فيها العنس تبعاً للمتيطي وغيره فقال:
سبع من الأبكار بالنطق خليق ** من زوجت ذا عاهة أو من رقيق

أو صغرت أو عنست أو أسندت ** معرفة العرض لها أو رشدت

أو رفعت لحاكم عضل الولي ** أو رضيت ما بالتعدي قد ولي

وإنما كانت سبعاً لأن ذا العاهة والرقيق قسم واحد كما في المتيطية لأنها زوجت من غير كفء فيها، وظاهر لفظ (خ) أن العانس كغيرها يكفي في إذنها الصمت وهو ظاهر لأن له جبرها على المشهور كما مرّ، وسيأتي حد التعنيس في قوله في الأوصياء:
والسن في التعنيس من خمسينا ** فيما به الحكم إلى الستينا

وهذه السبع المتقدمة كلهن يتيمات ما عدا المعضولة والمرشدة والمعنسة، ومن زوجت من ذي عاهة أو رق فلابد من نطقهن كن ذوات أب أو وصي أم لا. وقوله: أو عضلت أي عضلها الولي أب أو غيره، وثبت ذلك وأراد الحاكم أن يزوجها لا الأب وإلاّ فلا يحتاج لنطقها ولا ترتفع ولاية الأب عنها حتى يتقدم له في ذلك فيقال له: إما أن تزوجها وإلا زوجناها عليك فإن زوجها الحاكم من غير تقدم له في ذلك فهو باطل، وليس من العضل ولا من الضرر بها حلق ضفيرتها وتهديدها بالسكين وأولى ضربها كما في المعيار أوائل الأنكحة. وقول الناظم: كقبض عرض إلخ. يعني وهي يتيمة مهملة لا مرشدة لأن المرشدة لابد من نطقها مطلقاً زوجت بعرض أو غيره على المشهور واليتيمة المهملة هي التي فيها التفصيل بين العرض وغيره قال في المتيطية: واليتيمة يساق لها مال نسبت معرفته لها إذا لم يكن لها وصي لابد من نطقها بالرضا بذلك. اهـ. ونحوه في ابن سلمون عن ابن الحاج قال طفي: ومعنى ذلك أن اليتيمة التي لا وصي لها ينسب معرفة قدر المهر إليها فإن كان عرضاً فلابد من تسميته ووصفه وتنسب المعرفة والرضا به إليها نطقاً. اهـ. فالمراد بالمال في كلام المتيطي وغيره خصوص العرض كما هو واضح خلافاً لمن فهم شموله للعين، وقوله: يساق أي يصدق إلخ.
تنبيهات:
الأول: ذكر ابن لب حسبما في أواخر معاوضات المعيار ما نصه: الغرض منه إذا صارت الدمنة المذكورة صداقاً انعقد عليها لزمت برضا الزوج والزوجة والولي ورضا الزوجة هو الاستئمار على سنته لا يضر سكوتها فيه مع أن الصداق أصل ملك كما لا يضر في العروض وهو الصحيح من القولين وعليه العمل. اهـ. ونحوه لابن عات في طرره مقتصراً عليه من غير ذكر عمل قال: فإن كان في المهر سياقة قلت في الاستئمار ما ذكره ابن الطلاع في وثائقه: أنكحه إياها أخوها فلان بعد أن استأمرها في ذلك بفلان زوجاً وبما بذل لها مهراً وبما ساق إليها، ووصف ذلك وصفاً قام مقام العيان فصمتت عند ذلك راضية بهذا النكاح بعد أن عرفت أن إذنها صماتها وهي بكر يتيمة. اهـ. وهو مقابل لما مر سواء قلنا إنه في اليتيمة المهملة كما هو ظاهرها أو في المرشدة، وقوله: ووصف ذلك إلخ. يعني إذا لم يمكن إحضاره كحائط مثلاً ولم تتقدم رؤيته.
الثاني: قال في المتيطية: فإن لم تتكلم يعني المرشدة فعليها أن تحلف أن سكوتها لم يكن رضا. اهـ. وهذا يجري في كل مستنطقة من الأبكار فإن لم يعلم إذنها بصمت ولا غيره، ففي الطرر قال ابن فتحون: إنما فسخ نكاح محمد بن نصر لأن أباها زوجها بعد أن رشدها ولم يعلم إذنها بصمت ولا غيره فكان ذلك بمنزلة ابنته الثيب ولم يستأمرها. اهـ.
الثالث: قال في الطرر: ولا يلزم الزوجة بيع السياقة ولا ما يصدقها من عرض أو حيوان لتتجهز بثمن ذلك، ولها إن شاءت ذلك. اهـ. فقول (خ) ولزمها التجهيز على العادة بما قبضته يعني عيناً لا عرضاً.
وَثَيِّبٌ بِعَارِضٍ كَالْبِكْرِ ** وبالْحَرَامِ الْخُلْفُ فِيها يجْرِي

(وثيب) مبتدأ سوغه كونه صفة لمحذوف أي وبكر ثيب أو تعلق (بعارض) به (كالبكر) خبر أي أن الثيب بعارض كحمل شيء ثقيل أو قفزة أو عود أو كثرة ضحك أو تكرر حيض، ونحو ذلك حكمها حكم البكر في أن إذنها صماتها، وفي بقاء الجبر عليها إن كان لها مجبر ولم تكن من الأبكار المتقدمات فالتشبيه تام أي: كالبكر التي لم تثيب بشيء فلا يلزم عليه تشبيه الشيء بنفسه ودفع بهذا ما يتوهم أن الثيب بعارض تستنطق كما يستنطق غيرها، ثم ينبغي للإنسان إذا زالت بكارة بنته بشيء مما مر أن يشهر ذلك، ويأتي بشهود يشهدهم بذلك. وكذا إذا خلقت بنته يوم عاشوراء فإنهم قالوا تخلق بلا بكارة نص عليه ابن حبيب في الواضحة (و) بكر ثيب (بالحرام) يتعلق بمقدر مبتدأ كما ترى (الخلف) مبتدأ ثان (فيها) يتعلق بالخبر الذي هو (يجري) والجملة من الثاني وخبره خبر الأول، والمعنى أن الثيب بالحرام كزنا وغصب جرى خلاف في كونها كالبكر فإذنها صماتها وينسحب جبر الأب أو وصيه عليها وهو المعتمد، ومذهب المدونة أو ليست كالبكر بل كالثيب فتعرب عن نفسها ولا جبر عليها وهو لابن الحاجب، وفيها قول ثالث ابن عرفة: وفي ثيوبة الزنا. ثالثها: إن تكرر ثم شبه في الخلاف المذكور فقال:
كَوَاقِعٍ قَبْلَ البُلُوغِ الْوَارِدِ ** وكالصَّحِيحِ مَا بِعَقْدٍ فَاسِدِ

(كواقع) نعت لمحذوف مع تقدير مضاف إليه مع صفته والوارد بمعنى الحادث أي الذي من شأنه أن يحدث ويرد أي وثيوبة بالحرام جرى فيها خلاف كجريانه في ثيوبة نكاح صحيح واقعة (قبل البلوغ الوارد) أي الذي من شأنه أن يرد ويحصل بحيض أو غيره من العلامات، ثم يموت الزوج أو يطلق بعد تلك الثيوبة فترجع للأب قبل البلوغ. وظاهره سواء أراد أن يزوجها قبل البلوغ أيضاً أو بعده. ابن عرفة: وفي جبر مطلقة قبل البلوغ ثيباً. ثالثها: قبله لسحنون وأبي تمام واللخمي مع أشهب، واعتمد (خ) الثالث فقال: والثيب إن صغرت فمفهوم صغرت أنها إن بلغت لا يجبرها، ولابد من إعرابها وهو كذلك على الراجح، وقيل: يجبرها أيضاً وهو الأول في كلام ابن عرفة: فإطلاق الناظم شامل للصورتين أي أراد تزويجها قبل البلوغ أو بعده كما قررنا وليس لغير من الأولياء أن يزوجها إلا بعد بلوغها كما مرّ إلا أن يخشى فسادها فلابد من نطقها حينئذ كما مرّ أيضاً، وإنما ذكر الوصف في قوله: كواقع لأن الثيوبة معنى لا فرج لها حقيقي فيجوز التذكير والتأنيث، وإنما حملناه على الثيوبة بالنكاح الصحيح لأن الثيوبة بالعارض أو بالحرام تقدمتا وبالفاسد هو ما أشار لها بقوله: (وكالصحيح) خبر مقدم (ما) مبتدأ واقعة على الثيوبة (بعقد) يتعلق بمحذوف صلة (فاسد) نعت لعقد أي الثيوبة التي ثبتت بعقد نكاح فاسد كالثيوبة بالنكاح الصحيح في كونها تعرب عن نفسها وفي سقوط الجبر عنها. واعلم أن مقصود الناظم بهذين البيتين التنبيه على أن الثيب بشيء مما مر هل هي كالثيب في وجوب إعرابها عن نفسها أو هي كالبكر لأن سياق الكلام إنما هو في ذلك فالبيتان حينئذ في قوة الاستثناء من عموم قوله: وتأذن الثيب بالإفصاح إلخ. أي اتفاقاً إلا التي ثيبت بعارض فهي كالبكر وإلاَّ التي ثيبت بحرام أو قبل البلوغ ففيهما خلاف. وقد علمت الراجح ما هو من ذلك الخلاف كما أن قوله: واستنطقت لزائد إلخ. في قوة الاشتثناء من قوله: والصمت إذن البكر إلخ. وليس مراده أن التي ثيبت بما ذكره هل تجبر أو لا تجبر كما قرره به شراحه لأنه خلاف ما يعطيه السياق ولأنه مستغنى عنه حينئذ بمفهوم قوله: فيما مر ثيوبة النكاح إلخ. كما مرّ ولأنه لو كان غرضه ذلك لقدمها هناك عقب قوله وبالغ الأبكار فتأمل ذلك والله أعلم.
وإنْ يُرْشدْهَا الْوَصِيُّ مَا أُبِي ** فيها ولايَةُ النِّكاحِ كالأبِ

(وأن يرشدها) شرط (الوصي) فاعل (ما) نافية (أُبي) بضم الهمزة للبناء للمفعول بمعنى منع (فيها) يتعلق به (ولاية) نائب الفاعل (النكاح) مضاف إليه (كالأب) خبر لمبتدأ محذوف أي وهو كالأب، ويحتمل أن الكاف للتعليل أي لأنه بمنزلة الأب يرشد ابنته فلا تسقط ولايته عنها، وإنما يسقط عنها جبره كما مرّ، والجملة من قوله: ما أُبي إلخ. جواب الشرط حذفت معه الفاء شذوذاً كقوله: من يفعل الحسنات الله يشكرها. وقوله (صلى الله عليه وسلم)، وشرف وكرم: (فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها) والمعنى أن الوصي إذا رشد محجورته بعد الدخول بها لا قبله إذ ليس له ذلك كما قال (خ): وللأب ترشيدها قبل دخولها كالوصي بعده إلخ. أنها إذا تأيمت بعد الترشيد لا تنقطع ولاية الوصي عنها وهو مقدم على سائر الأولياء لأنه بمنزلة الأب يرشد ابنته، فكما أن الأب لا تنقطع ولايته عن مرشدته فكذلك وصيه، اللهم إلا أن يكون لها ابن فإنه يتقدم عليه كما يتقدم على الأب أيضاً كما مر. هذا هو المنصوص لابن القاسم وأشهب، وأفتى به ابن رشد. وذهب سحنون وابن الماجشون إلى أن الولي أحق من الوصي واختاره اللخمي، ولكل مذهب حجة. انظر الشارح وسيعيد الناظم هذه المسألة في باب الحجر حيث قال:
وحيث رشد الوصي من حجر ** ولاية النكاح تبقى بالنظر

والله أعلم وأحكم.