فصل: فصل (في) ذكر أحكام (الإيلاء والظهار):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل (في) ذكر أحكام (الإيلاء والظهار):

واختلف في معنى الإيلاء لغة فقيل: هو اليمين مطلقاً، ثم استعمل في اليمين على ترك الوطء، وقيل: هو الامتناع قال تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم} (النور: 22) وشرعاً قال ابن عرفة: حلف زوج على ترك وطء زوجته يوجب خيارها في طلاقه. اهـ. فقوله على ترك وطء زوجته الخ أخرج به ما إذا حلف على غير ترك الوطء أو على ترك وطء غير الزوجة من أجنبية أو أمة. وفي المعيار: لا يلزم الإيلاء في الأجنبية، ويلزمه الظهار فيها. وانظره مع قول القرافي في ذخيرته إذا قال لأجنبية: والله لا أطؤك وأنت علي كظهري أمي فتزوجها لزمه الإيلاء لأنها يمين لا يشترط فيها ملك المحلوف عليه دون الظهار لأن من شرطه الزوجية إلا أن يريد إن تزوجتك فيلزماه معاً اه بلفظه. وقوله: يوجب خيارها أخرج به الحلف عل ترك الوطء الذي لا يوجب لها خياراً كحلفه على تركه أربعة أشهر فدون أو كون الزوج لا يتصور منه الوطء كالعنين والمجبوب أو كون الزوجة مرضعة أو صغيرة لا يوطأ مثلها ونحو ذلك، فحلف الزوج المجبوب أو ذو الزوجة المرضعة والصغيرة على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر لا يوجب للزوجة خياراً لكونه لم يقصد بذلك ضرراً إلا أنه اعترض قوله: يوجب خيارها بأنه من إدخال الحكم في الحد. اهـ. وهو مردود لأنه يفضي للدور. وقد يجاب بما أجابوا به عن ابن مالك في قوله: الحال وصف فضلة منتصب إلخ. ولهم في ذلك أجوبة منها أن الممنوع هو الحكم قبل تصور المحدود بشيء ما من أجزائه، وهذا ليس كذلك وعرفه (خ) بقوله الإيلاء يمين زوج مسلم مكلف يتصور وقاعه وأن مريضاً يمنع وطء زوجته وإن تعليقاً غير المرضع وإن رجعية أكثر من أربعة أشهر أو شهرين للعبد ولا ينتقل للعتق بعده، كوالله لا أراجعك أو لا أطؤك.
وَمَنْ لِوَطءٍ بِيَمِينٍ مَنَعَه ** لِزَوْجَةٍ فَوْقَ شُهُورٍ أَرْبَعَهْ

(ومن) اسم شرط أو اسم موصول مبتدأ واقع على الزوج المكلف الذي يتصور وقاعه (لوطء) اللام زائدة لا تتعلق بشيء كما مر، وهو في محل نصب يمنعه من باب الاشتغال (بيمين) يتعلق بقوله: (منعه) والجملة صلة الموصول أو فعل الشرط الضمير الفاعل بمنعه (لزوجة) يتعلق بمنعه أيضاً وهو على حذف الصفة أي غير مرضعة ولا صغيرة لا يوطأ مثلها (فوق شهور) ظرف يتعلق به أيضاً (أربعه) صفة للشهور.
فَذلِكَ المُولِي وَتأْجِيلٌ وَجَبْ ** لهُ إلى فَيْئَتِهِ لِمَا اجْتَنَبْ

(فذلك) مبتدأ (المولى) خبره، والجملة من هذا المبتدأ والخبر جواب من على أنها شرطية أو خبرها على أنها موصولة ودخلت الفاء في خبر الموصول لشبهه بالشرط في العموم والإبهام (وتأجيل) مبتدأ سوغه عطف هذه الجملة على التي قبلها (وجب) خبره (له إلى فيئته) يتعلقان به (لما) يتعلق بفيئة (اجتنب) صلة ما، والتقدير: والزوج الذي منع لزوجته وطأ بيمين منعه فوق شهور أربعة للحر وشهرين للعبد فذا الحالف هو المولى، والحكم أنه يجب أن يؤجل أجل الإيلاء الآني إلى فيئته أي عوده للوطء الذي اجتنبه بيمينه المذكورة. والفيئة بفتح الفاء وكسرها قال (خ): هي تغييب الحشفة في القبل وافتضاض البكر، فإذا فاء داخل الأجل انحل عنه الإيلاء وكفر عن يمينه إن كانت مما تكفر، وإذا انقضى أجل الإيلاء الآني وهو أربعة أشهر من يوم الحلف أو الرفع في الحنث أو لم يفئ أوقفه القاضي فإما فاء وإلا طلق عليه. قال في المتيطية: وإذا آلى حر من امرأته أربعة أشهر فدون أو عبد شهرين فدون فلا حكم له فإن زاد إيلاء الحر أو العبد على ما ذكرناه أو كانت يمينه مطلقة في الزمان وقامت الزوجة بحقها في الوطء ضرب له أجل الإيلاء من يوم اليمين فإذا انقضى قيل له: إما أن تفيء وإلا طلقت عليك اه بلفظ الاختصار. وما نقله الشارح هو لفظ النهاية كما وقفت عليه فيها، ثم إن الناظم أطلق في الزوجة فيشمل المدخول بها وغيرها حرة كانت أو أمة أو كتابية كما أطلق في اليمين فشمل اليمين بالله وغيرها من نذر صلاة أو صيام أو هدي أو حج أو عتق أو بطلاقها أو بطلاق امرأة أخرى. وقوله: وتأجيل وجب الخ هذا التأجيل هو الآتي في قوله: وأجل المولى شهور أربعة إلخ. وبالجملة فلا ينعقد إيلاؤه إلا إذا حلف على تركه أكثر من أربعة أشهر وشهرين للعبد أو كانت يمينه مبهمة أي مطلقة أو في معنى المطلقة كقوله: والله لا أطؤك حتى يقدم زيد أو حتى تأتيني أو حتى أموت أو حتى تسأليني وإذا انعقد وجب تأجيله أربعة أشهر للحر ونصفها للعبد وإلى مبدأ التأجيل أشار بقوله:
وَأَجَلُ الإيلاءِ مِنْ يَوْمِ الحَلِفْ ** وحانِثٌ مِنْ يَوْمِ رَفْعِهِ ائْتُنِفْ

(وأجل الإيلاء) مبتدأ (من يوم الحلف) خبره. ومعناه أن أجل الإيلاء الآتي في قوله: وأجل المولى شهور أربعة. مبدوء من يوم الحلف. وهذا إذا كانت يمينه على بر بدليل ما بعده فيشمل والله لا أطؤك وأطلق، فإن الإطلاق يعم سائر الأزمان فهو على إطلاقه فلا يخص بوقت دون وقت إلا بدليل، وأحرى لو قال: والله لا أطؤك أبداً أو خمسة أشهر بل ظاهره ولو كانت محتملة لأقل من أربعة أشهر كوالله لا أطؤك حتى يقدم زيد أو يموت أو حتى تسأليني أو تأتيني ونحو ذلك كما هو نص المدونة خلافاً لما في (خ) من أن الأجل في المحتملة من يوم الرفع والحكم حيث قال: والأجل من اليمين إن كانت يمينه صريحة في ترك الوطء لا إن احتملت مدة يمينه أقل أو حلف على حنث فمن الرفع والحكم إلخ.
والحاصل أنه مهما دلت يمينه على ترك الوطء صراحة أو التزاماً كوالله لا ألتقي معها أو لا أغتسل من جنابة فالأجل من يوم اليمين كانت اليمين صريحة في كون المدة أكثر من أربعة أشهر حقيقة، ومنها لا وطئتك حتى يقدم فلان، وقد علم أنه لا يقدم إلا بعدها أو حكماً كلا وطئتك حتى أموت أو تموتي أو كانت غير صريحة في المدة المذكورة بل تحتمل كوالله لا وطئتك حتى يدخل زيد الدار أو حتى يموت عمرو، لاحتمال دخوله الدار أو موت عمر وأثر اليمين قبل مضي المدة إلا أنه في غير المحتملة بقسميها يحكم بإيلائه من الآن، وفي المحتملة بصورتيها لا يحكم بأنه مول حتى تنقضي الأربعة أشهر ولم يطأ ولم يقع المحلوف عليه، فهناك يحكم بأنه مول ولا يضرب له أجل آخر بل أجله قد انقضى خلافاً لما يقتضيه (خ) من أنه في المحتملة يستأنف له الأجل من يوم الرفع فمصب الصراحة عنده المدة المقدرة أي: والأجل في اليمين بشرطين أن تكون يمينه على ترك الوطء صراحة أو التزاماً، وأن تكون صريحة في المدة المذكورة وهي أكثر من أربعة أشهر للحر أو شهرين للعبد، فالصراحة منصبة على هذا الشرط الثاني المقدر بدليل قوله: لا إن احتملت مدة يمينه أقل إلخ. قاله طفي وغيره.
(وحانث) مبتدأ على حذف مضاف أي: وأجل حانث (من يوم رفعه) يتعلق بقوله (ائتنف) بالبناء للمفعول والجملة خبر المبتدأ، والمعنى أن الحالف على ترك الوطء تصريحاً أو التزاماً أجله من يوم الحلف سواء كانت يمينه صريحة في كون المدة أكثر من أربعة أشهر أو محتملة أقل كما مرّ، وإن حلف على غير ترك الوطء كقوله: إن لم أدخل الدار أو إن لم أكلم فلاناً مثلاً فأنت طالق أو عليه الطلاق ليضربن زيداً فالأجل في ذلك من يوم الرفع كما أشار له (خ) في الطلاق بقوله: وإن نفى ولم يؤجل كان لم أقدم منع منها أي ويدخل عليها الإيلاء فقول الناظم: وحانث الخ وقول (خ) وعلى حنث أي وقد حلف على غير ترك الوطء كما في طفي.
وَيَقَعُ الطَّلاقُ حَيْثُ لا يَفِي ** إلاّ عَلَى ذي العُذْرِ في التَّخَلُّفِ

(ويقع الطلاق) فعل وفاعل (حيث) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه المحذوف للدلالة عليه وفاعل (لا يفي) ضمير يعود على المولى والجملة في محل جر بإضافة حيث (إلا) استثناء مفرغ (على ذي العذر) يتعلق بيقع (في التخلف) بدل من العذر وفي سببية وهو من باب القلب أي: ويقع الطلاق على كل مول إن لم يف بعد أجله الآتي إلا على المولى ذي التخلف بسبب العذر من مرض أو غيبة أو سجن أو حيض أو إحرام، ففي الحيض والإحرام يؤخر لزوالهما إن وعد بها أو يكفر أو يعجل الحنث كما في طفي و(خ) وفيئة المريض والمحبوس بما ينحل به إيلاؤهما وبعث للغائب إن بشهرين فقوله: ويقع الطلاق أي إذا انقضى الأجل فيقال له: إما أن تفيء وإلا طلقت عليك كما مرّ عن المتيطية، فإن قال: لا أفيء طلق الحاكم عليه بلا تلوم طلقة يملك بها رجعتها إن فاء في العدة وإن وعد بالفيئة تلوم له واختبر مرة بعد مرة في مدة التلوم، فإن ادعى الوطء فيها صدق بيمين في الثيب وينظر النساء للبكر على ما به العمل فإن مضت مدة التلوم ولم يفئ أمر بالطلاق، فإن لم يفعل طلق الحاكم عليه، ومثل الحاكم من يقوم مقامه من صلحاء البله عند فقده. والفيئة اصطلاحاً هي تغييب الحشفة في القبل في الثيب وافتضاض البكر. وفي القاموس فاء المولى من امرأته كفر عن يمينه ورجع إليها. وفي ذخيرة القرافي الفيئة الرجوع ومنه الفيء بعد الزوال للظل أي: رجع بعد ذهابه فقوله: حيث لا يفئ الخ لا مانع من حمل الفيئة في كلامه على معناه اللغوي، بل هو الواجب ليعم التغييب المذكور أو تعجيل الحنث كعتق المحلوف بعتقه أو تكفير ما يكفر أو يدخل الدار ونحو ذلك (خ) وانحل الإيلاء بزوال ملك من حلف بعتقه وبتعجيل الحنث وبتكفير ما يكفر إلى أن قال وطلق عليه إن قال: لا أطأ بلا تلوم وإلا اختبر مرة بعد مرة إلخ. إلا أنه إذا انحل إيلاؤه بتعجيل الحنث ونحوه واستمر على ترك الوطء فيطلق عليه حينئذ للضرورة كما يأتي في قوله: واشترك التارك للوطء معه.
وَعَادِمٌ لِلْوَطْءِ لِلنِّساءِ ** لَيْسَ لَهُ كالشَّيْخِ مِنْ إيلاءِ

(وعادم) مبتدأ سوغه عمله في قوله (للوطء) وقوله (للنساء) يتعلق بالوطء (ليس) فعل ناقص (له) خبر مقدم، واللام بمعنى (على) (كالشيخ) خبر لمبتدأ محذوف والجملة معترضة بين ليس واسمها (من إيلاء) اسم ليس جر بمن الزائدة، والتقدير: وعادم لوطء النساء ليس عليه إيلاء وذلك كالشيخ الفاني والمجبوب والعنين والمعترض والخصي أو كانت الزوجة لا تطيق الوطء لصغرها، وهذا كله مما يدخل تحت الكاف، ومفهوم من قول (خ) يتصور وقاعه، وكذا إن كانت الزوجة مرضعاً، وزعم أن إيلائه كان لإصلاح الولد. وقال أصبغ: ينعقد إيلاؤه. اللخمي: وهو أقيس لأن لها حقاً في الوطء ولا حق للولد في تركه لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إنه لا يضر). قاله في المتيطية وشمل قوله: وعادم إلخ. ما إذا كان عادماً له وقت الإيلاء أو عند الأجل فيدخل في كلامه ما إذا آلى وهو صحيح ثم جب أو خصي أو اعترض في أثناء الأجل فإنه لا يطالب بالفيئة.
وأجَلُ الْمُولي شَهُورٌ أَرْبَعَهْ ** وَاشْتَرَكَ التَّارِكُ لِلْوَطْءِ مَعَهْ

(وأجل المولي) مبتدأ خبره (شهور أربعه) لقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} إلى قوله: سميع عليم} (البقرة: 226) وهذا للحر، وأما العبد فسيأتي أنه يؤجل نصف ذلك فإذا انقضى الأجل أوقفه القاضي حينئذ ولا يزاد على الأجل فإن قال: أنا أفيء اختبره الحاكم المرة بعد المرة كما مر، ويكون ذلك قريباً بعضه من بعض وإن قال لا أفيء طلقت مكانها إن لم ترض بالمقام معه فإن رضيت بالمقام فلها القيام بعد وتطليق نفسها من غير استئناف أجل، وكذلك امرأة المعترض لها القيام بعد الرضا ولا يستأنف له أجل بخلاف المعسر بالنفقة إذا أسقطت حقها، ثم قامت فلا تطلق إلا بعد أجل ثان. (واشترك التارك) فعل وفاعل (للوطء) يتعلق بالتارك (معه) يتعلق باشترك وضميره للحالف على ترك الوطء.
في ذاكَ حَيْث التَّرْكُ قَصْداً لِلضَّرَرْ ** مِنْ بَعْدِ زَجْرِ حَاكِمٍ وما ازْدَجَرْ

(في ذاك) يتعلق باشترك أيضاً. والإشارة للتأجيل المذكور (حيث) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه المحذوف للدلالة عليه (الترك) مبتدأ خبره محذوف أي حيث الترك موجود حال كونه (قصداً) أي مقصوداً أي بلا عذر (للضرر) يتعلق بمقدر أي فيطلق عليه للضرر بالزوجة (من بعد زجر حاكم) يتعلق بذلك المقدر أيضاً (وما ازدجر) حال وما نافية.
بَعْدَ تَلَوُّمٍ وفي الظِّهارِ ** لِمَنْ أبى التَّكْفِيرَ ذاكَ جَاري

(بعد تلوم) يتعلق بالمقدر أيضاً، ويحتمل أنه معطوف على بعد الأول بحذف العاطف وهو أظهر، والمعنى أن التارك للوطء بغير يمين يشترك مع المولى في التأجيل بأربعة أشهر حيث الترك موجود قصداً ويطلق عليه بعدها للضرر من بعد أن يزجره الحاكم ولم ينزجر ومن بعد تلوم، والبعدية ظرف متسع فتصدق بالزجر قبل التأجيل وبعده وبالتلوم قبله وبعده أيضاً، ويحتمل أن يكون قوله بعد تلوم منقطعاً عما قبله مقابلاً له على حذف القول أي: وقيل يطلق عليه بعد تلوم بالاجتهاد بلا تحديد أجل فيستفاد من كلامه قولان. أحدهما: أن التارك للوطء بلا يمين ولا عذر يلحقه بالمولى في أجله المذكور. والثاني: أنه لا يلحق به بل يتلوم له الحاكم بقدر أجل الإيلاء أو أقل أو أكثر، والقول الأول هو قول مالك ودرج عليه ابن الحاجب، والثاني هو مذهبه في المدونة وهو المشهور وعليه درج (خ) بقوله: واجتهد وطلق في لأعزلن أو لا أبيتن أو ترك الوطء ضرراً وإن غائباً إلخ. وقال ابن سلمون: فإن ترك الوطء مضاراً من غير حلف أمر بوطئها مرة بعد مرة فإن تمادى على ذلك فرق بينهما بعد التلوم، وقيل بعد أجل الإيلاء. اهـ. فاعتمد الناظم القول الأول في كلامه تبعاً لابن الحاجب، وقوله: قصداً أي بلا عذر كما مر، ولا يحترز به عما إذا لم يقصد بالترك الضرر كما هو المتبادر منه لأنه يطلق عليه بالترك سواء قصد به الضرر بها أم لا كما في المدونة وغيرها. ولذا جعلنا قوله للضرر يتعلق بمقدر لا بقوله قصداً، وأيضاً فإن ترك الوطء مع القدرة عليه تتضرر به الزوجة قصد به ضررها أم لا. وهي مصدقة في تضررها بترك وطئه كان حاضراً أو غائباً بلغته الكتابة أم لم تبلغه على ما يأتي كما تصدق أنها خشيت الزنا بترك وطئه إذ كل ذلك لا يعلم إلا منها، وقد علمت أن هذا الحكم جار في الحاضر والغائب.
وحاصله؛ أن امرأة الغائب المعلوم الموضع إذا دامت نفقتها من مال الغائب أو من متطوع عليه وقامت بحقها في الوطء فقط لا تجاب لدعواها إلا إن طالت غيبته كسنة على ظاهر المدونة أو أكثر من ثلاث سنين على ما للغرياني وابن عرفة، وحينئذ يكتب له الحاكم إن كان ممن تبلغه الكتابة إما أقدم أو رحل زوجتك إليك أو طلق كما كتب عمر بن عبد العزيز بذلك إلى قوم غابوا بخراسان فإن لم يفعل طلق عليه بعد التلوم له بالاجتهاد، ولا يطلق على غائب قبل الكتب إليه إلا إذا كان بحيث لا تبلغه الكتابة لانقطاع الطرق أو كانت تبلغه، ولكن لا يتمكن من معرفة الخط ولا نقل الشهادة، ففي الذخيرة إذا لم تتأت معرفة الخط فلها التطليق وقريب منه في الإيلاء من التوضيح أي: وهو محمول على أنه ترك القدوم لزوجته اختياراً كما للقرافي عن اللخمي، فجواب المازري المنقول في الكراس الثاني من أنكحة المعيار وقبل النفقات من البرزلي برد الحكم بطلاق زوجة الغائب الذي لم يبحث الحاكم عما يكون قد عرض له من مرض أو اعتقال ونحوهما مقابل لحمله على الاختيار المذكور. وحاصله؛ أن الحاكم حكم بطلاق امرأة وعلل حكمه بأمور منها أنه قد ثبت عنده أن الزوج الغائب بالأندلس غير ممنوع من دخول بلد الزوجة التي هي بقفصة وأن زوجته محتاجة إليه وأن عليها المضرة في بقائها بلا زوج وأنها راغبة في طلاق زوجها الرغبة الشديدة كما علله أيضاً بأنه رأى أن الإعذار لمن بالأندلس يتعذر لبعد المكان وانقطاع الطرق وقلة من يعرف خطه وينقل عنه شهادته، فسئل المازري عن ذلك؟ فأجاب بنقض الحكم المذكور لعدم بحثه عما يكون قد عرض للزوج من الموانع، وبأن قول الشهود أنها محتاجة إليه وعليها ضرر في بقائها إلخ. هو كناية على الحاجة إلى الوطء، ولكن من شرط التتميم للشهادة أن يقولوا شكت إلينا الضرر بذلك فعلمنا قصدها، وأما قولهم عليها مضرة وهي لم تشكها فغير نافع وبأن الإنسان قد يرغب في الشيء ولا يطلبه حياء منه أو علو همته عنه فقصارى ما في الشهادة بهذا الفصل إثبات الرغبة دون طلب بإيقاع ما رغبت فيه، ولم يذكروا أنها وإن طلبت الفراق لأي علة طلبته والأحكام إنما تورد بالنصوص لا بالحدس والتخمين اه باختصار وفيه طول.
قلت: وسكت رحمه الله عما علل به ثانياً من أنه رأى أن الإعذار لمن بالأندلس يتعذر إلخ. ولعله إنما سكت عنه لأن الحاكم لم يثبت عنده بطريق الشهادة التعذر المذكور من انقطاع الطريق وقلة من يعرف الخط إلخ. وإنما رآه من قبل نفسه وهو لا يعتبر ولو ثبت ذلك لصح الحكم بالطلاق كما مرّ، ولأن ثبوت كونه غير ممنوع من دخول فقصه مناقض لما رآه من انقطاع الطريق كما هو واضح، وإنما اعتنيت بتخليصه لما فيه من الفائدة ولعدم فهم كثير من الناس كلامه، وما في (ز) عند قول (خ) المتقدم من التوفيق بين نقلي المعيار والبرزلي عن المازري غير سديد إذ كل منهما نقل كلامه باللفظ الذي نقله به الآخر كما أشرنا إليه والله أعلم. وهذا في المعلوم الموضع كما هو الموضوع، وأما مجهوله فهو المفقود وسيأتي حكمه في فصله إن شاء الله.
تنبيه:
مقتضى ما مر من أنها لا تجاب لدعواها حتى تطول السنة أو أكثر من ثلاث سنين على ما مر أن الطول المذكور ليس من أمد التلوم بل يكتب إليه بعده ويتلوم له بالاجتهاد كما قررنا وهو ظاهر ما للبرزلي، وبه قرر المتن شراحه والذي لابن رشد عن ابن القاسم أنه يؤجل في مدة التلوم السنة والسنتين نقله أبو الحسن ونحوه في ضيح فانظر.
(وفي الظهار) يتعلق بالتكفير (لمن) يتعلق بجار آخر البيت (أبى) صلة والرابط ضمير الفاعل العائد على من (التكفير) مفعول به (ذاك) مبتدأ والإشارة للتأجيل بأربعة أشهر (جار) خبره، والتقدير ذاك التأجيل بأربعة أشهر جار فيمن أبى أي امتنع من التكفير في الظهار وهو قول الرجل لزوجته أو أمته أنت علي كظهر أمي أو إن لم أدخل الدار مثلاً فأنت علي كظهر أمي وامتنع من دخولها فإنه يضرب له أجل الإيلاء حيث رفعته زوجته (خ) الظهار تشبيه المسلم المكلف من تحل أو جزئها بظهر محرم أو جزئه إلخ. وقال ابن عرفة: الظهار تشبيه الزوج زوجته أو ذي أمة حل وطؤه إياها بمحرم منه أو بظهر أجنبية في تمتعه بهما والجزء كالكل والمعلق كالحاصل إلخ. فقوله في تمتعه إلخ. هو وجه الشبه وباقيه واضح.
ولما وقع خلاف في مبدأ أجله هل هو من يوم الظهار أو من يوم الرفع أو من تبين الضرر أشار إلى المشهور من ذلك فقال:
وأَجَلُ المُظاهِرِ المَأْثُورُ ** مِنْ يَوْمِ رَفْعِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ

(وأجل المظاهر) مبتدأ ومضاف إليه (المأثور) بالرفع نعت لأجل (من يوم رفعه) خبر عن المبتدأ المذكور (هو المشهور) مبتدأ وخبر فيؤجل من يوم الرفع أربعة أشهر للحر وشهرين للعبد وقيل أجله من يوم اليمين كالحالف على ترك الوطء، وقيل من تبين الضرر (خ) وهل المظاهر إن قدر على التكفير وامتنع كالأول فالأجل من اليمين وعليه اختصرت أو كالثاني وهو الأرجح أو من تبين الضرر وعليه تؤولت أقوال.
مِنْ بَعْدِ أَنْ يُؤْمَرَ بالتَّكْفِيرِ ** وَهْيَ عَلَى التَّرْتِيبِ لا التَّخْيِيرِ

(من بعد) يتعلق بالاستقرار المقدر في الخبر قبله (أن يؤمر) في تأويل مصدر مضاف إليه (بالتكفير) يتعلق بقوله يؤمر والمعنى أن المظاهر المذكور إنما يؤجل من يوم الرفع بعد أن يؤمر بالتكفير فيمتنع (وهي) مبتدأ عائد على كفارة الظهار (على الترتيب) يتعلق بالاستقرار خبر (لا) عاطفة (التخيير) معطوف على الترتيب فكفارته عتق رقبة مؤمنة سليمة من قطع أصبع وعمى وشلل وبكم وجنون بلا شوب عوض إلخ. فإن عجز عنها فصيام شهرين متتابعين فإن عجز عن الصيام فإطعام ستين مسكيناً فلا ينتقل لمرتبة الأبعد العجز عن التي قبلها لقوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم} إلى قوله: فإطعام ستين مسكيناً} (المجادلة: 4).
كَذَاكَ أَيْضاً مَا لَهُ ظِهارُ ** مَنْ لأَعْلَى الْوَطْءِ لَهُ اقْتِدَارُ

(كذاك أيضاً ما له ظهار، من لأعلى الوطء له اقتدار) كالشيخ الفاني والمجبوب ونحوهما ممن تقدم أنه لا يصح إيلاؤه فمن مبتدأ موصول ولا نافية عاملة عمل ليس واقتدار اسمها وله خبرها وعلى الوطء يتعلق بالاستقرار في خبرها، والجملة بتمامها صلة الموصول، وقوله: أيضاً مصدر آض إذا رجع وهو مع قوله كذاك منصوبان على الحال من ضمير الاستقرار في خبر ظهار وما نافية وظهار مبتدأ خبره في المجرور قبله، والتقدير: الزوج الذي لا اقتدار كائن له على الوطء فالظهار كائن عليه أيضاً كذاك والإشارة في قوله: كذاك راجعة للمولى الذي لا قدرة له، ويحتمل أن تكون من الموصولة بدلاً من الضمير المجرور باللام قبلها والتقدير ما ظهار كائن لمن لا اقتدار له على الوطء كذلك أيضاً، وهذا أقرب والله أعلم.
وَإنْ يَكُنْ مُظَاهِرٌ أَوْ مُولي ** عَبْداً يُؤَجَّلُ نِصْفَ ذَا التَّأْجِيلِ

(وإن يكن) شرط (مظاهر) اسم يكن (أو مولي) معطوف عليه (عبداً) خبر يكن (يؤجل) بسكون اللام مبنياً للمفعول ونائبه ضمير العبد (نصف) منصوب بإسقاط الخافض أي بنصف (ذا) مضاف إليه (التأجيل) نعت لذا أو بدل، ونصفه هو شهران كما مر، وظاهره أن العبد يؤجل نصف التأجيل المذكور سواء كانت زوجته حرة أو أمة وهو كذلك كما أن الحر يؤجل أربعة أشهر ولو كانت زوجته أمة.
ثُمَّ الطَّلاقُ في انْقِضَاءِ الأَجَلِ ** بَعْدَ تَقَضِّي المُوجِبَاتِ الأُوَّلِ

(ثم) للترتيب الإخباري (الطلاق) مبتدأ (في انقضاء) خبره وفي بمعنى عند (الأجل) مضاف إليه (بعد) يتعلق بالاستقرار في الخبر المذكور (تقضي الموجبات) مجروران بالإضافة إليهما (الأول) بضم الهمزة وفتح الواو المخففة نعت للموجبات أي ثم أخبرك إن الطلاق يوقعه الحاكم عند الأجل المذكور وهو شهران، لكن بعد وجوب الموجبات من ثبوت الزوجية والظهار والامتناع من التكفير والإيلاء والامتناع من الفيئة، وهذا في العبد وأما الحر فقد تقدم ذكره في قوله: ويقع الطلاق حيث لا يفي إلخ. فلا تكرار.
ولما كان هذا الطلاق رجعياً لقولهم كل طلاق يوقعه الحاكم فهو بائن إلا طلاق المولى والمعسر بالنفقة نبه الناظم على ذلك فقال:
وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فيما أصْدَرَا ** مَنْ فَاءَ في العِدَّةِ أَوْ مَنْ كَفَّرَا

(ويملك الرجعة) مفعول به (فيما) يتعلق بالفعل أو بالمصدر وما واقعة على الطلاق (أصدرا) بالبناء للفاعل أو المفعول صلة وألفه للإطلاق والعائد محذوف في المبني للفاعل أي في الطلاق الذي أصدره الحاكم والنائب في المبني للمفعول ضمير يعود على ما هو الرابط (من) واقعة على الزوج فاعل يملك (فاء) صلته (في العدة) يتعلق به (أو من) معطوف على من الأول (كفرا) صلته والعائد فاعله المستتر، والمعنى أن طلاق الحاكم الذي أوقعه على من لحقه الإيلاء رجعي فيملك الزوج رجعتها حيث فاء في العدة أي رجع عما كان عليه من الامتناع كانت يمينه على بر كحلفه لا أطؤها وطلقت بعد الأجل فارتجعها ووطئها في العدة إذ لا يحل له وطؤها إلا بعد الارتجاع لأنها مطلقة وكذا إن لم يطأ ولكن كفر عن يمينه بعد الارتجاع أو قبله في العدة، وكذا لو ظاهر منها وطلقت بعد الأجل فارتجعها ووطئها في العدة أو كفر قبل الارتجاع أو بعده فيها أيضاً أو كانت يمينه على حنث كحلفه بطلاقها ليدخلن الدار ولحقه الإيلاء وطلقت عليه فدخل الدار وارتجعها في العدة أو ارتجعها، ثم دخل الدار فيها أيضاً وطلقت فقوله: كفر أي في العدة فهو محذوف من الأواخر لدلالة الأوائل، وقوله: فاء أي بالوطء أو بتعجيل الحنث كما في الأمثلة إلا أن الوطء لا يكون إلا بعد الرجعة لأنها مطلقة وهي لا يصح الاستمتاع بها إلا بعد الارتجاع، فإن كفر قبل الارتجاع أو بعده في العدة أو عجل الحنث وارتجع فيه أيضاً، لكن استمر على الامتناع من الوطء فيهما فيطلق عليه ثانياً لا للإيلاء لأنه قد انحل بل للضرر كما مر في قوله: واشترك التارك للوطء معه الخ، وفهم من قوله فاء في العدة الخ، أنه إذا ارتجع بدون فيئة بوطء ولا تكفير ولا تعجيل حنث في العدة لا تصح رجعته وهو كذلك (خ): وتتم رجعته إن انحل وإلا ألغيت ثم إن طلاق المولى إنما يكون رجعياً في المدخول بها لا في غيرها فهو بائن كما في ابن الحاجب وغيره.