فصل: فصل (في الصلح على المحجور):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل [في الصلح على المحجور]:

وَلِلأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ ** وَلَوْ بِدُونِ حَقِّهِ المَأْثُورِ

(وللأب) خبر مقدم (الصلح) مبتدأ (عن المحجور) يتعلق به (ولو) إغيائية وكان مقدرة بعدها لقول ابن مالك: ويحذفونها ويبقون الخبر الخ (بدون) خبر كان المقدرة واسمها ضمير يعود على الصلح (حقه) مضاف إليه (المأثور) صفة له.
إنْ خَشِيَ الفَوْتَ عَلَى جَمِيعِ ما ** هُوَ بِهِ يَطْلُبُ مَنْ قَدْ خَصَمَا

(إن خشي) شرط (الفوت) مفعوله (على جميع) يتعلق به (ما) مضاف إليه (هو) مبتدأ يعود على الأب (به) يتعلق بقوله (يطلب) بضم اللام مبنياً للفاعل (من) مفعول يطلب وجملة (قد خصما) صلة والرابط محذوف. والجملة من يطلب ومعموله خبر المبتدأ والجملة من المبتدأ والخبر صلة ما. والرابط هو المجرور بالباء وجواب الشرط محذوف للدلالة عليه. والمعنى أن الأب يجوز له الصلح عن محجوره الصغير أو السفيه ذكراً أو أنثى حيث سلم من الموانع المتقدمة ولو كان الصلح بأقل من حقه إن خشي أي الأب فوات جميع الحق الذي الأب يطلب به من قد خصمه لكونه منكراً ولا بينة أصلاً أو يخشى تجريحها وسقوطها وصلحه محمول في ذلك على النظر وهو مصدق فيما يذكر ولا فرق في ذلك بين أن يصالح عنه فيما طلب له من حقه أو فيما طلب به إذا خشي أيضاً أن يثبت عليه جميع الحق فيعطي بعض ما يطلب به كما في البرزلي أوائل البيوع، ومفهوم الشرط أنه إن كان الحق لا خصام فيه أو فيه خصام، لكن ببينة لا يخشى عليها لا يجوز صلحه بأقل لأنه ليس بنظر، فإن فعل كان للمحجور القيام ببقية حقه على الغريم، ثم لا رجوع للغريم على الأب إلا أن يكون ضمن له الدرك فيرجع عليه حينئذ وإن كان الغريم عديماً فللمحجور الرجوع على الوالد قاله مالك وجميع أصحابه نقله ابن سلمون ونحوه في المفيد وفهم من هذا أن تحمل الأب من باب الحمل لا من باب الحمالة، وإلاَّ لم يكن للولد رجوع على أبيه إذ لو رجع عليه لرجع الأب عليه. وقال البرزلي في نوازل الصلح: وإن خاف المدعى عليه أن يولج المدعي الدعوى إلى غيره، فليأخذ منه بالصلح كفيلاً على أنه متى أدركه فيه درك من توليج أو رفع إلى غيره فالحميل ضامن بذلك فإن كان كذلك لزم الضامن دعوى المدعى عليه. اهـ. وقد علمت بهذا أن التحمل من الأب وغيره في مثل هذا محمول على الحمل إذ لا يقصد به غيره في مثل ذلك لأن الخصم يقصد بذلك التحصين لنفسه فلا معنى لحمله على الحمالة لكون المقام ينبو عنه. وقد قال (خ) في النكاح: ولا يرجع أحد منهم إلا أن يصرح بالحمالة أو يكون بعد العقد إلخ. ولا فرق بين الصلح وقيام الزوجة بضررها بعد الخلع وغير ذلك كما مرّ تحصيله في باب الضمان. وفي أواخر الكراس الأول من أنكحة اختصار البرزلي فيمن تزوج امرأة لها دار فأباح له والدها أو أمها أو وصيها السكنى طول العصمة والتزم أحدهم ضمان الدرك في ذمته ثم توفي الضامن فإنه يوقف من تركته بقدر أقل الزوجين عمراً ونحوه في فصل المتعة أوائل النكاح من ابن سلمون ثم قال البرزلي: وهذا إذا فسرنا الدرك بأنه ضمان المال وإن قلنا ضمان الدرك هو العهدة فيما يلحق من درك المحجورة فينظر في هذا حينئذ هل هو صلاح لها أم لا؟ فذكر أن ضمان الدرك على وجهين فانظره.
تنبيه:
قال في الطرر: إن صالح الأب عن ابنه الصغير استغنيت في قطع الدعاوى عن ذكر الاسترعاء وبيناته لأن استرعاءه لا يعمل في الصغير لأن إقرار أبيه غير لازم، وإنما يحسن الاسترعاء أن يستجلب به إقرار من يلزمه إقراره لغيره، وكذا الوصي فيمن يلي عليه. البرزلي: ولهذا لا يبرأ عنه إلا في المعينات ولا يعمم الإبراء، وكذا في الأحباس ومن فعل ذلك فهو جهل منه. اهـ. وانظر آخر الإقرار من (ح) وسيأتي حكم الوصي ثم استثني من مفهوم الشرط ما إذا عفا الأب عن نصف صداق البكر لأنه وإن لم يكن استثناء صريحاً فهو في قوته فقال:
والبِكْرُ وَحْدَهَا تُخَصُّ هَا هُنَا ** بِعَفْوِهِ عَنْ مَهْرِهَا قَبْلَ الْبِنَا

(والبكر) مبتدأ (وحدها) حال من الضمير في قوله: (تخص) بالبناء للمفعول عملاً بقول ابن مالك. والحال إن عرف لفظاً فاعتقد تنكيره إلخ. والجملة خبر (هاهنا) اسم إشارة للمكان يتعلق بتخص لأنه ظرف (بعفوه) يتعلق بتخص أيضاً (عن مهرها قبل البنا) ء يتعلقان بعفوه وضميره البارز يعود على الأب فيخرج بذلك غيره من جد ووصي ونحوهما فهذا البيت هو قوله في الخلع:
وللأب الترك من الصداق ** أو وضعه للبكر في الطلاق

وظاهره جواز عفوه قبل البناء سواء طلقها الزوج أو أراد إمساكها وهو كذلك فيما بعد الطلاق اتفاقاً ظهرت مصلحة أم لا لقوله تعالى: {إلا أن يعفون أو يعفو الذي} (البقرة: 237) الآية وكذا فيما إذا أراد إمساكها وظهرت المصلحة فيتفق على جواز عفوه كما يتفق على المنع إن تحقق عدمها فإن جهل الحال فمنعه مالك لأن الأصل عدم المصلحة وأجازه ابن القاسم لأن أفعاله محمولة على المصلحة حتى يظهر خلافها. هذا أحد التأويلين والتأويل الآخر يقول: كل من مالك وابن القاسم يقول بجواز عفوه عند جهل الحال لأن فعله حينئذ محمول على المصلحة، ويحمل ظاهر قول مالك لعدم جوازه قبل الطلاق على ما إذا تحقق عدمها كما مرّ، وعلى هذا التأويل فلا خلاف بين الإمامين أصلاً، وبهذا تعلم أن التأويل بالوفاق أرجح لمساعدته لما قالوه في غير ما موضع من أن أفعال الأب محمولة على المصلحة، ولهذا أطلق الناظم رحمه الله ولم يقيد بكونه بعد الطلاق ولا قبله وإلى هذه المسألة أشار (خ) بقوله وجاز عفو أبي البكر عن نصف الصداق قبل الدخول وبعد الطلاق. ابن القاسم: وقبله لمصلحة وهل وفاق: تأويلان إلخ. وفهم من قوله قبل البناء أنه ليس له العفو بعده وأحرى بعد الموت إلا أن يكون المحيط بإرثها فإن فعل فلها أو لوارثها نقضه كانت رشيدة أو سفيهة. ثم أشار إلى حكم الوصي وأنه لا يجوز له العفو وإن كان مجبراً وإنما يجوز له الصلح إن كان نظراً فقال:
ولِلْوصِيِّ الصُّلْحُ عَمَّن قَدْ حَجَرْ ** يَجُوزُ إلاَّ مَعَ غَبْنٍ أَوْ ضَرَرْ

(وللوصي) يتعلق بيجوز بعده (الصلح) مبتدأ (عمن) يتعلق بالصلح (قد حجر) صلة من والرابط محذوف أي حجره (يجوز) خبر المبتدأ (إلا) استثناء (مع غبن) يتعلق بيجوز أي الصلح عن المحجور للسالم من الموانع المتقدمة يجوز للوصي في كل حال إلا مع غبن أو بخس في حقه الذي يطلبه (أو ضرر) في الصلح عما يطالب هو به، وشمل النظم صلحه عن محجوره في يمين القضاء حيث رأى عزيمة الغريم عليها وتعرف عزيمته بقرائن الأحوال. وحاصل البيت أن صلح الوصي عن اليتيم فيما طلب له من حق أو طلب به بأن يأخذ بعض حقه الذي يطلب له إذا خشي أن لا يصلح له ما ادعاه أو يعطي من ماله بعض ما يطلب به إذا خشي أن يثبت عليه جميع ما يطلب به جائز خلافاً لابن الماجشون في أنه يجوز فيما طلب له لا فيما طلب به. ابن رشد: والصواب أن لا فرق بين الموضعين كمذهب ابن القاسم نقله البرزلي في الوكالات وأوائل البيوع ونحوه في الشارح والمفيد وابن سلمون قالوا: وصلحه محمول أبداً على السداد والنظر حتى يثبت خلافه فإن قام أحد يتعقبه نظر فيه السلطان فإن رآه نظراً وسداداً أمضاه وإلاَّ نقضه. وفي المعيار ما معناه أن المحجور إما أن يكون طالباً أو مطلوباً فالأول إن ثبت حقه في الحال أو يرجى ثبوته في المآل، فالصلح ممنوع وإن كان غير ثابت ولا يرجى ثبوته فالصلح مشروع والثاني إن كان ما يطالب به غير ثابت ولا مرجو الثبوت لم يجز الصلح، وإن كان ثابتاً أو مرجو الثبوت جاز بمثل الحق فأقل على الراجح وهو قول ابن القاسم. وهذا هو معنى ما مرّ عن البرزلي وغيره، وهذا التفصيل يجري في الأب أيضاً فإن صالح الوصي بغير النظر جرى على ما مرّ في الأب وسواء كان صلحهما عن إقرار أو إنكار إذ الصلح بيع فيجري فيه قول (خ): والولي والأب له البيع مطلقاً وإن لم يذكر سببه ثم وصيه وهل كالأب أو إلا الربع فببيان السبب خلاف إلخ. وسيأتي مثله للناظم في فصل مسائل من أحكام البيع ثم لا ضمان على الوصي إن باع أو صالح بغبن بعد الاجتهاد إن حصل مفوت ولم يمكن تداركه لذهاب من عليه الحق وهو محمول على الاجتهاد حتى يثبت تقصيره كما أنه إذا أنفق التركة على الأيتام ثم ظهر دين فلا غرم عليه قال معناه البرزلي أيضاً، ثم إن مقدم القاضي كالوصي قال في المدونة: وإن لم يكن للطفل اليتيم وصي فأقام له القاضي خليفة كان كالوصي في جميع أموره. اهـ. لكن يستثنى من كلامها كما في (ح) عن نص (خ) المتقدم أيضاً أنه أي مقدم القاضي لا يوكل على خلاف فيه تقدم في باب الوكالة، وإذا كان كالوصي فيجري صلحه على صلح الوصي المتقدم إلا أن صلحه محمول على غير السداد كبيعه حتى يثبت السداد، ولا يبعد أن يكون الناظم أطلق الوصي وأراد ما يشمل مقدم القاضي، وأما ناظر المساكين فيظهر أنه كمقدم القاضي إن تبين السداد مضى صلحه ولا يعكر عليه ما في نوازل الصلح من المعيار عن ابن رشد من أنه لا يصالح عنهم إلا من ماله الخاص به لأن ذلك مع ثبوت الحق والله أعلم.
وأما وكيل الغائب فليس له أن يصالح عن موكله الغائب إلا أن ينص له على ذلك وليس للقاضي عزله عن الوكالة ما دام الموكل حياً ولو ثبت ببينة أنه سيئ النظر كما في وكالات البرزلي ونحوه في المعيار، وأما الشريك في الدابة ونحوها يصالح مستحقها مثلاً على مال يدفعه من يده ويسلمها للمستحق، أو بالعكس فإن ذلك لا يلزم الشريك الآخر إلا أن يكونا متفاوضين قاله البرزلي والمعيار أيضاً.
وَلاَ يَجُوزُ نَقْضُ صُلْح أُبْرِمَا ** وَإنْ تَرَاضَيا وَجَبْراً أُلْزِمَا

(ولا) نافية (يجوز نقض) فاعل (صلح) مضاف إليه (أبرما) بضم الهمزة مبنياً للمفعول من أبرمه إذا أحكمه صفة لصلح (وإن تراضيا) مبالغة في عدم الجواز (وجبراً) مصدر بمعنى المفعول حال من الضمير في (ألزما) بالبناء للمفعول ونائبه ألف التثنية العائد على المتصالحين ومفعول الثاني محذوف، والجملة معطوفة على جملة أبرما والمبالغة مؤخرة عنهما في التقدير، ومعناه أنه لا يجوز نقض صلح عن إنكار انبرم بينهما على الوجه الجائز وألزماه جبراً وإن تراضيا على نقضه، ففي البرزلي إذا ثبت الصلح بوجه جائز بعد أن تناكرا، لم يجز نقضه لأنه رجوع عن معلوم إلى مجهول، ومن أحكام ابن حبيب عن مطرف: كل مصطلحين تم صلحهما وأشهدا عليه، ثم أرادا نقضه ويرجعان للخصومة لا يجوز لأنه من وجه المخاطرة، وأجمع أصحابنا عليه اه باختصار وعنه أفصح (خ) في الاستحقاق بقوله: وإلاَّ ففي عوضه كالإنكار على الأرجح لا إلى الخصومة واحترزت بقولي عن إنكار عما إذا كان عن إقرار فإنه يجوز نقضه بتراضيهما لأنه إقالة وعنه وقع الاحتراز في النقل بقوله: بعد أن تناكرا وقوله يرجعان للخصومة الخ، إذ لا تناكر ولا رجوع للخصومة في الإقرار وبقولي بوجه جائز عما إذا وقع على وجه فاسد ولو على دعوى أحدهما أو ظاهر الحكم كسلف جر نفعاً أو بيع ذهب بذهب مع أحدهما غيره أو ضع وتعجل، ونحو ذلك فإنه ينقض ولو تراضيا على عدم نقضه وما يقتضيه كلام صاحب المعيار في نوازل الصلح منه أنه نقضه إذا وقع بذهب مع أحدهما غيره إنما هو إذا لم يشهد كل واحد منهما أو أحدهما في وثيقة الصلح بإبطال كل دعوى يقوم بها أو بينة يستظهر بها وإلاَّ فلا ينقض. ولو قام أحدهما بنقضه قائلاً ولا فرق في ذلك بين حق الله وحق العبد لأنه قد كذب دعواه وأبطل بينته الخ غير ظاهر لأنه يسلم أن كل ما فسد على دعواهما أو دعوى أحدهما فسد على ظاهر الحكم، وإذا فسخ الفاسد على ظاهر الحكم مع اتفاقهما على صحته في الظاهر كما مرّ، فكذلك ما كان فاسداً على دعواهما أو أحدهما إذ لا أقل أن يكون بعد رجوع مدعي الفساد إلى صحته بمنزلة الفاسد على ظاهر الحكم الذي نفيا عنه الفساد في الظاهر فإبطال الدعاوى والبينات حينئذ التي توجب نقضه لا يسقط ما أوجبته دعواه أولاً من الفساد ولو كان إسقاط دعواه ثانياً يوجب تكذيب دعواه أولاً ولو في حق الله كما قال: للزم أن المرأة إذا ادعت انقضاء العدة ثم كذبت نفسها أن تصدق في تكذيبها نفسها وأن الرجل إذا استلحق ولداً ثم أراد أن ينفيه بلعان يمكن من ذلك إلى غير ذلك مما يطول جلبه وللزم أيضاً أن تمكنه من أكل الربا الثابت بدعواه الأولى، وأيضاً لا يلزم من إسقاط الدعاوى والبينات تكذيب نفسه فيما ادعاه أولاً كما هو واضح، وقد علمت أن الفاسد على ظاهر الحكم يفسخ على المشهور المعمول به، ولو لم يقم بفسخه أحدهما مع اتفاق دعواهما على صحته في الظاهر لحق الله تعالى فأحرى، هذا وإبطال الدعاوى والبينات إنما يعمل به في حق العبد الذي له إسقاطه بالتزام عدم القيام فيه لا في حق الخالق سبحانه فتأمله منصفاً فالصواب فيما يظهر ما أفتى به غيره من وجوب نقض الصلح المذكور، وبه كنت أفتيت قبل الوقوف على ما للمعيار وغيره في عين النازلة وهي أن وارثاً ادعى في التركة ذهباً وأثاثاً وصالح عن الجميع بذهب، وأسقط الدعاوى والبينات، وهذه المسألة تقع كثيراً وفيها من الربا المعنوي ما أشار له (خ) بقوله: كدينار أو درهم وغيره بمثلها إلخ.
ثم استثنى مما قبله فقال:
وَيُنْقَضُ الواقِعُ فِي الإنْكَارِ ** إنْ عَادَ مُنْكِرٌ إلَى الإقْرَارِ

(وينقض) بالبناء للمفعول (الواقع) نائبه على حذف الموصوف أي الصلح الواقع (في الإنكار) يتعلق بالواقع (إن عاد) شرط (منكر) فاعل بعاد (إلى الإقرار) يتعلق بعاد، وجواب الشرط محذوف للدلالة عليه ولو قال:
ما لم يقم بعد بكالإقرار ** فإنه في النقض بالخيار

لكان أصرح في الاستثناء، وأفاد أن موضوع البيت الأول في الإنكار وأن النقض غير واجب بل رب الحق بالخيار وأن مثل الإقرار قيام البينة على ما يأتي والله أعلم. وحاصله أن محل عدم نقض الصلح بعض الحق في الإنكار إذا لم يقم المدعي بإقرار المنكر أو يقيم بينة بالحق لم يعلمها ونحو ذلك، وإلاَّ فله نقض الصلح والرجوع بباقي حقه بعد يمينه أنه لم يعلم بها أو نسيها، وفي معنى ذلك وجود الوثيقة بالحق بعده ولم يكن علم بها وقته أو علم بالبينة وهي بعيدة كخراسان من إفريقية، وأشهد معلناً عند الحاكم أنه يقوم بها أو ادعى تلف الوثيقة، وأشهد معلناً أيضاً أنه يقوم بها إن وجدها، بل ظاهر ابن فتوح والمقصد المحمود وغيرهما أن له النقض في هذه وإن لم يشهد، وكذا إن صالح لبعد بينة جداً وأشهد سراً أنه يقوم بها وفي معناها أيضاً فيما يظهر ما إذا تقدم شعور بالوثيقة وأشهد سراً أنه يقوم بها إن ظفر بها، وكذا إن كان المقر يقر سراً ويجحد علانية خوف أن يطلبه به عاجلاً فأشهد الطالب بينة سراً أو علانية على إنكاره، وعلى أنه إنما يصالحه على التأخير سنة مثلاً ليقر له بالحق علانية ثم صالحه على التأخير المذكور، فإن ذلك التأخير لا يلزمه وله أن يأخذه بحقه عاجلاً، وقد علمت أن المدعى عليه في هذه مقر حال الصلح، ولذلك لم يمكن المدعي من نقض الصلح إلا بتقديم بينة الاسترعاء لاحتمال أن يكون أقرّ له قبل عقد الصلح والتأخير وقع طوعاً وهذا كله يدخل تحت الكاف في قوله بكالإقرار إلخ. وقد ألم (خ) بهذه الأمور حيث قال: ولا يحل لظالم فلو أقر بعده أو شهدت بينة لم يعلمها أو أشهد وأعلن أنه يقوم بها أو وجد وثيقة بعده فله نقضه كمن لم يعلن أو يقر سراً فقط على الأحسن لا أن علم ببينة ولم يشهد، أو ادعى ضياع الصك فقيل له: حقك ثابت فأت به فصالحه ثم وجده إلخ. والمراد بالبينة ما يشمل الشاهد واليمين كما هو ظاهره، وما قاله الشيخ بناني في حاشيته من أن المراد بها الشاهدان فقط لا يعول عليه لأنه خلاف مذهب ابن القاسم، وقد نقل هو بنفسه عند قول (خ) في القضاء فلا بينة إلا لعذر كنسيان أن المراد بها ما يشمل الشاهد واليمين على مذهب ابن القاسم، ولأن الصلح مآل أو آيل إليه.
واعلم أن كل بينة أشهدتها بغير علم الخصم أن ما تفعله معه فيما يستقبل من صلح أو نكاح أو خلع أو هبة أو بيع فإن ما تفعله ليقر لك أو خوفاً منه أو لغيبة بينتك ونحو ذلك تسمى بينة سر واستحفاظ واسترعاء فقولهم: أشهد سراً أي أستحفظ وأسترعي ثم إن هذا الاستحفاظ ينفع في التبرعات كالعتق والطلاق بغير عوض والحبس والهبة ونحو ذلك مطلقاً ثبتت التقية أم لا. ويصدق المسترعي فيما يذكره، ولو لم يعرف إلا من قوله كما في ابن سهل وغيره. وأما المعاوضات ومنها طلاق الخلع فإذا أثبت أنه باع له قهراً أو زوجه قهراً أو خالعها قهراً ونحو ذلك بالضرب والسجن أو أنه كان يخوفه بهما حتى عقد معه ما ذكر سواء استمر التخويف إلى العقد أو انقطع قبله بنحو الشهر والشهرين، ثم وقع العقد لأن الأصل الاستصحاب فله نقض ذلك ولو لم يسترع إذ لا يحتاج له مع ثبوت الاستطالة والقهر بالسجن والضرب أو التهديد بهما، وإن لم يثبت القهر بما ذكر بل ثبت في الجملة أنه من ذوي الاستطالة والتعدي أو أنه كان يجحده أو أنه كان يحوز النساء بغير نكاح ونحو ذلك، فهذا لا يقبل من البائع ولا من الولي ولا من المصالح أنه فعل ذلك لجحده أو خوفاً من سطوته إلا بتقدم استرعاء لأنه لا يلزم من جحده وسطوته أن يكون فعل معه ذلك على غير رضا، بل حتى يقوم الدليل عليه من الاسترعاء المذكور، ولابد من القيام بفور زوال التقية من سطوة ونحوها في جميع الأقسام المذكورة، فإذا سكت بعد زوالها السنة ونحوها فلا قيام له كما في ابن سهل وابن سلمون وغيرهما.
قلت: والذي يوجبه النظر أن الفور هو ما دون الشهر لأن من بيع ماله بحضرته أو وهب وهو ساكت بلا مانع يمضي عليه ذلك بسكوته ولو سكت أقل من شهر وليس له إلا الثمن، وهذا أحرى منه لأنه هو المتولي لتفويته بنفسه.
تنبيه:
محل القيام ببينات السر والإعلان التي تقدمت إذا لم يلتزم في وثيقة الصلح أنه متى قام عليه بدعوى أو بينة فدعواه باطلة وبيناته زور المسترعاة وغيرها، وإلا فلا تسمع لهذا المدعي بينة كان عارفاً بها حين الصلح أم لا. بعيدة الغيبة أو قريبة استرعائية أو غيرها قاله في المتيطية أي: لأن الحق في مثل هذا للمدعي والصلح وقع على وجه جائز، فلذا لزمه ما التزمه من إسقاط الدعاوى والبينات بخلاف ما تقدم في البيت قبل هذا والله أعلم. وهذه المسألة أعني مسألة الاسترعاء طويلة الذيل فلنكتف منها بما مر، ومن تعلق له غرض بها، فليراجع الباب الخامس والثلاثين من التبصرة الفرحونية، ونوازل الصلح من المعيار، وشراح نظم العمل عند قوله: وفي المعاوضات الاسترعاء مع الخ وشراح اللامية وغير ذلك.
والتَّرِكَاتُ مَا تكُونُ الصُّلْحُ ** مَعْ عِلْمِ مِقْدَارٍ لَها يَصِحُّ

(والتركات) مبتدأ (ما) موصولة (تكون) بمعنى توجد صلتها والموصول صفة للتركات أي والتركات التي توجد ويجوز أن تكون ما خبر تكون الناقصة واسمها ضمير التركات والجملة في محل نصب حال أي والتركات أي شيء تكون أي كائنة أي شيء عيناً أو عرضاً أو طعاماً أو مختلفة (الصلح) مبتدأ ثان (مع) بسكون العين يتعلق بالصلح (علم مقدار) مخفوضان بالإضافة (لها) يتعلق بمقدار أو بمحذوف صفة له (يصح) خبر المبتدأ الثاني والثاني وخبره خبر الأول والرابط الضمير في لها وشمل كلامه صلح الزوجة وغيرها من سائر الورثة إذ ما قيل في الزوجة يقال في غيرها وحينئذ فإذا كانت التركة نوعاً واحداً كطعام أو عرض مثلاً جاز أن يصالح به في ذلك النوع بعد معرفة قدره بأقل أو أكثر من حظه فيأخذ بعض حظه ويسلم الباقي أو يأخذ فيه شيئاً من عند الوارث إن جاز بيعه به لا نحو حيوان بلحمه من جنسه كما مرّ، وإن كانت التركة أنواعاً ففي المدونة: ومن مات وترك زوجة وولداً وخلف دنانير ودراهم حاضرة وعروضاً حاضرة وغائبة وعقاراً فصالح الولد الزوجة على دراهم من التركة، فإن كانت قدر موروثها من الدراهم فأقل جاز. اهـ. اللخمي: لأنها أخذت حظها أو بعضه في الدراهم ووهبت نصيبها في الدنانير والعروض الحاضرة والغائبة والعقار فيراعى فيها الحوز أبو الحسن: وكذا إن صالحها على عروض قدر موروثها فأقل أو على دنانير كذلك، وقولها ودراهم حاضرة يؤخذ منه أن النوع المأخوذ منه لابد من حضوره وهو كذلك، لأنه إن كان بعضه غائباً لزم النقد بشرط في الغائب. نعم إن صالحت على أن تأخذ ما صالحت به من الحاضر والغائب جاز ذلك، ولو كان الغائب ديناً والمدين غير مقر لأنها حينئذ تبعت ميراثها في ذلك النوع وتركت ما سواه بغير عوض، وأما غير النوع المأخوذ منه فلا يشترط حضوره ولا معرفة قدره ولا إقرار المدين الذي هو في ذمته كما يفهم من قولها: وعروضاً حاضرة وغائبة. وقد صرح بذلك اللخمي وذلك لأنه هبة وهبة المجهول والغالب جائزة، وقد تبين بهذا أن علم المقدار إنما يشترط في النوع المأخوذ منه لا في غيره خلاف ظاهر إطلاق الناظم، وظاهره أيضاً جواز الصلح مع علم المقدار كانت نوعاً واحداً أو أنواعاً من التركة أو من غيرها وليس كذلك، فإنه إذا كانت أنواعاً كما في المثال لا يجوز الصلح من غيرها مطلقاً كان المصالح به ذهباً أو فضة أقل من نصيبها أو أكثر وعن ذلك احترز في المدونة بقوله: من التركة وذلك لما فيه من بيع ذهب بذهب مع أحدهما غيره إن كان الصلح بذهب أو بيع فضة بفضة كذلك إن كان الصلح بها. نعم إن وقع صلحها في المثال المذكور بعرض من غيرها جاز إن عرفت الزوجة والولد قدر جميع التركة وحضر جميعها حقيقة في العين والعرض، ولو حكماً بأن كان قريب الغيبة وأقر المدين بما عليه إن كان فيها دين وحضر المدين وقت الصلح كما أشار لذلك (خ) بقوله: لا من غيرها مطلقاً إلا بعرض إن عرفا جميعها وحضر وأقر المدين وحضر إلخ. وانظر بقية ما يتعلق بذلك في شروحه ونحوه قول المدونة: فأما على عروض من ماله نقداً فذلك بعد معرفتها وحضور أصنافها وحضور من عليه الدين وإقراره وإن لم يقفا على معرفة ذلك كله لم يجز اه ابن ناجي: وظاهرها يتناول أنهم لو اتفقوا على أنهم اطلعوا على جميع التركة ولم ينصوا عليها بالتسمية أنه كافٍ، وأفتى شيخنا رحمه الله غير ما مرة بعدم الجواز إلا مع التسمية وهو بعيد. اهـ. قال (ح): انظر لو صالحها على عرض من التركة مع وجود الشروط التي ذكر في معرفتها لجميع المتروك إلخ. فذلك جائز والله أعلم. اهـ. ولعله لذلك أطلق (خ) في العرض. ومفهوم قوله: مع علم مقدار أنه إذا جهل قدرها وهي نوع واحد أو جهل قدر المأخوذ منه أو كانت أنواعاً لم يجز وهو كذلك لما قدمه من أن الصلح مثل البيع، ومن جملة ما يتقي في البيع الجهل، ولذا كان الأنسب أن يذكر هذا البيت في الأبيات المذكورة قبل هذا الفصل لأنه باعتبار مفهومه من جملة ما امتنع في البيع.
تنبيه:
إن سقطت معرفة القدر من وثيقة الصلح أو البيع أو غيرهما مما يتقى فيه الجهل فلا يمين لمدعيه على نافيه بحال إلا أن يدعي على نافيه أنه كان عالماً بجهله فتجب له اليمين عليه. فإن حلف وإلاَّ حلف مدعيه وفسخ العقد عن نفسه، فإن اعترف الخصم أنه كان عالماً بجهل صاحبه عند العقد وجب الفسخ لفساد العقد حينئذ ولو تراضيا على إتمامه وهذا إذا عين مدعي العلم قدره، وإلاَّ فيسأل مدعي العلم عن قدره كحظ من ميراث يحتاج في جمعه إلى إعمال حساب وفريضة، وليست الفريضة عندهما فيقول الموثق باع له جميع حظه المنجز له بالإرث من كذا. وفي الوراثة مناسخات فإن عرفه مدعي العلم جرى على ما مرّ وإلاَّ فيفسخ من غير يمين كذا ينبغي ولم أره منصوصاً، وتقع هذه المسألة كثيراً في البوادي وبعض الحواضر إذ كثيراً ما يبيعون حظوظ المواريث قبل حسابها وضرب فريضتها ويكتب موثقوهم باع له جميع حظه، ولا يبين قدره فتأمل هذا مع ما تقدم عن ابن ناجي وشيخه، فلعل ما قاله شيخه إنما هو عند النزاع أي لابد من التسمية منهما معاً حينئذ، وإلا فلا. وحينئذ فلا فرق في مثل هذا بين أن يقول في الوثيقة عرفاً قدره أم لا والله أعلم.
وَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ بِاقْتِسَامِ ما ** في ذِمَّةٍ وإنْ أَقَرَّ الغُرمَا

(ولا يجوز الصلح) فعل وفاعل (باقتسام) يتعلق بيجوز (ما) موصول مضاف إليه وهي واقعة على الدين عيناً كان أو غيره (في ذمة) يتعلق بمحذوف صلة (وإن أقر الغرما) ء جملة شرطية إغيائية حذف شرطها للدلالة عليه، وظاهره أنه لا يجوز ذلك، ولو اتحدت الذمة وليس كذلك. فلو قال بذمم بدل قوله في ذمة لطابق النقل. قال في المدونة: وإن ترك ديناً على رجال لم يجز للورثة أن يقتسموا الرجال فيصير ذمة بذمة وليقتسموا ما على كل رجل قال مالك: سمعت بعض أهل العلم يقول: الذمة بالذمة من وجه الدين بالدين. وقولها وليقتسموا ما على كل رجل إلخ. زاد الأجهوري كما في طفي أي حيث جاز بيعه كما هو الظاهر. اهـ. أي بأن يكون الدين مختلفاً جنسه كعين وعرض مثلاً على واحد فيأخذ أحدهما العين والآخر العرض، فإن كان عيناً فقط كذهب وفضة فلا يجوز قسمه على أن يأخذ هذا الذهب والآخر الفضة لما فيه من الصرف المؤخر، وأما إن كان نوعاً واحداً كعرض فقط أو ذهب فقط مثلاً أو أنواعاً على رجل أو رجال، واتفقوا على أن كلاًّ يقتضي نصيبه من النوع الواحد أو النوعين، فيجوز كما يدل له ما في المدونة في الشركاء يشخص أحدهم للاقتضاء بعد الإعذار إليهم في الخروج أو التوكيل فيمتنعون من أنهم لا يدخلون مع الشاخص فيما اقتضى ولو توى ما على الغريم. أبو الحسن: دلت هذه المسألة على جواز قسمة ما على الغائب. اهـ. وكذا صرح به ابن حبيب. وتوى: بالتاء المثناة فوق التلف والهلاك لا بالمثلثة لأنه من الإقامة، ومفهوم قوله باقتسام ما في ذمة إلخ. أن الصلح باقتسام العرض الحاضر بما في الذمة جائز فمن ترك عروضاً حاضرة وديوناً جاز أن يأخذ بعض الورثة العروض والآخر الديون إن حضر الغرماء وأقروا، أو جمع بينه وبينهم والأحكام تنالهم وهم أملياء (خ): وجاز أخذ وارث عرضاً وآخر ديناً إن جاز بيعه إلخ.
تنبيه:
إذا وقع الصلح باقتسام ما في الذمة أو الذمم على الوجه الفاسد فاقتضى أحدهم حصته فللآخرين الدخول معه، كما إذا اقتضى أحدهم حقه من غير قسمة أصلاً أو صالح عنها إلا أن يكون المقتضي أو المصالح أعذر إليهم في الخروج أو التوكيل فامتنعوا كما مرّ عن المدونة وهو قول (خ) وإن صالح أحد وليين وارثين وإن عن إنكار فلصاحبه الدخول معه إلخ. وإذا دخل معه وطلب الشاخص أجرة الاقتضاء من صاحبه وجبت له بعد حلفه أنه ما خرج لذلك متطوعاً كما لابن الحاج. قال البرزلي: إلا أن تشهد العادة أن مثله لا يأخذ الأجرة فيما ولى فعله. اهـ. وهذه المسألة والتي بعدها لهما تعلق ببابي الصلح والقسمة وفي القسمة ذكرهما أكثرهم.
والزَّرْعُ قَبْلَ ذَرْوِهِ والثَّمَرْ ** مَا دَامَ مُبْقَى فِي رُؤُوسِ الشَّجَرْ

(والزرع) بالخفض عطف على ما أي لا يجوز الصلح باقتسام ما في الذمة ولا باقتسام الزرع (قبل ذروه) والظرف يتعلق باقتسام (والثمر) معطوف على ما قبله يليه (ما) ظرفية مصدرية تتعلق باقتسام (دام) صلتها واسم دام يعود على الثمر (مبقي) بسكون الباء خبرها (في رؤوس الشجر) يتعلق بمبقي ومعناه أنه لا يجوز قسم الزرع في الأندر قبل تصفيته ولا الثمر في رؤوس الأشجار بعد بدو صلاحه بالتحري لأنهما ربويان والشك في التماثل كتحقق التفاضل بل حتى يصفى الزرع ويجنى الثمر ويقسم كل بمعياره فإن وقع واقتسموه جهلاً لم يجز، وكان على الشركة وما أصابه من جائحة فبينهم وشمل قوله قبل ذروه قسمه في فدانه بعد بدو صلاحه، ولو قسم بأرضه أو قتاً أو زرعاً للعلة المذكورة، وأما قبل البدو فيجوز قسم كل من الزرع والثمر على الجد لا على التبقية، ولا مفهوم لقوله في رؤوس الشجر بل قسمه كذلك في جرينه أو غيره بالتحري للعلة السابقة ويستثنى من قوله ما دام مبقي إلخ. أما إذا اختلفت حاجة أهله مع بقية الشروط المشار لها بقول (خ) إلا الثمر والعنب إذا حل بيعهما، واختلفت حاجة أهلهما وإن بكثرة أكل وقل وحل بيعه واتحد من بسر ورطب لا تمر وقسم بالقرعة بالتحري.
ولاَ بِإعْطَاءٍ مِنَ الوُّرَّاثِ ** لِلعَيْنِ فِي الكالِئ والمِيْرَاثِ

(ولا بإعطاء) معطوف على قوله باقتسام في البيت قبله ولا لتأكيد النفي أي: ولا يجوز الصلح باقتسام بما في الذمة ولا بإعطاء (من الوراث) يتعلق بإعطاء (للعين في الكالئ) بالهمز يتعلقان بإعطاء أيضاً والمجرور الأول مفعول ثان لإعطاء، ومفعوله الأول محذوف تقديره الزوجة (والميراث) معطوف على الكالئ وموضوع النظم أنه ليس في التركة ذهب ولا ورق ولا دين على غائب ولا سلم في طعام ولا شيء غائب ووقع الصلح بعد المعرفة بجميع ما في التركة من عقار وأثاث ورقيق وحيوان ونحو ذلك بدنانير أو دراهم من عند الوارث في الكالئ والميراث صفقة واحدة كما في المتيطية والوثائق المجموعة والعلة في ذلك الجهل بالقدر المشترك كما يأتي، ولا مفهوم للصلح ولا للكالئ بل المدار على وجود الدين، ففي الوثائق المجموعة أوائل بيوعها ما نصه: وإذا أوصى بقطيع من ماله أو كان عليه دين لم يجز لأحد من الورثة قبل أداء الدين أو تنفيذ الوصية بيع شيء من التركة لا مشاعاً ولا مقسوماً وإن باع شيئاً وإن قل فسخ البيع لقوله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين} (النساء: 12) اه وقال فيها أيضاً في باب الصلح: ولا يجوز الصلح بدنانير أو دراهم صفقة واحدة عن الكالئ والميراث لأن الجهل يدخله إذ لا ميراث إلا بعد أداء الدين، وينبغي أن يباع من التركة بقدر الدين ويعرف ما بقي بعد ذلك ويقع الصلح على نصيبها منه ولعله يباع في الكل ثلث العقار أو ربعه أو سدسه أو من العبيد والإماء والوطاء وغير ذلك، فلا يدري كم يباع في الدين من التركة فإذا لم يعرف وقع الجهل في نصيبها من الباقي. اهـ. ونحوه في المتيطية قائلاً: وهكذا روى أشهب وقاله ابن العطار وابن زرب وفضل بن مسلمة وغيرهم من الموثقين، وفهم من قول الناظم في الكالئ والميراث إلخ. أنها أعطيت أكثر من مبلغ صداقها إذ حينئذ تكون العين في مقابلة الكالئ والميراث. وأما إن كان ما أعطيته قدر كالئها فأقل فيجوز لأنها أخذت صداقها أو بعضه ووهبت الباقي قاله أبو الحسن في بعض أجوبته.
قلت: لأنه يجوز للوارث أن يؤدي الدين من عنده لتسلم له التركة إذ رب الدين لا حق له في عينها وهنا كذلك لأنهم أدوا الدين أو بعضه لتسلم الزوجة لهم فيما عداه، وظاهر قوله من الوراث أن العين من عندهم وهو كذلك لأن الموضوع أنه لا عين في التركة كما مرّ، فإن كان فيها عين وصالحوها على عين من عندهم فلا يجوز أيضاً كما مرّ عند قوله: والتركات ما تكون الصلح. إلخ. وما أحسن تقديم هذا البيت هناك لما بينهما من الارتباط ولأن هذا مفهوم ما هناك وإن صالحها على عين منها فإن كان قدر كالئها فأقل جاز، وكذا إن كان بأكثر من كالئها، ومن ميراثها في العين لأنهم أدوها كالئها وميراثها في العين من العين والزائد على ذلك في مقابلة ما ينوبها في غيرها، والفرض أنهم أحاطوا بمعرفة جميع المتروك ولا دين ولا سلم في طعام كما مرّ ومفهوم قوله للعين أنه إذا كان بإعطاء عرض فإن كان من عندهم فكذلك لأن العلة السابقة تأتي فيه، وإن كان منهما جاز لأنه إن كانت قيمته قدر الكالئ أو أقل فواضح وإن كانت أكثر فالظاهر الجواز أيضاً في الموضوع المذكور لأنها اشترت العرض بكالئها وبنصيبها من الميراث في غيره فتأمله، ومفهوم قوله في الكالئ والميراث أنه إذا كان في صفقتين جاز أيضاً، وكيفية وثيقتها أشهدت فلانة وبنوها فلان وفلان وهم المحيطون معها بوارثة المتوفى فلان أنها طلبت بنيها المذكورين بميراثها في أبيهم المذكور وبكالئها عليه قدره كذا، وقد خلف داراً في محل كذا حدودها كذا وأملاكاً بقرية كذا مجاورة لكذا ومملوكة تسمى كذا ونعتها كذا وطعاماً قمحاً وشعيراً مبلغ القمح كذا والشعير كذا بكيل كذا ودواب بغلاً كذا وصفته كذا وفرساً كذا وصفته كذا. وتنازعوا في بعض ذلك ثم صالحت عن كالئها المذكور بعرض كذا صفته كذا وقبضته بعد معرفتها بقدره ومبلغه ثم صالحت عن ميراثها المذكور بكذا وكذا ديناراً قبضتها منهم على فرائضهم في المتوفى، وبحسب ذلك يكون اشتراكهم فيما خرجت لهم عنه على البراءة من العهدة في الرقيق المذكورين وقبض المصالحون المذكورون جميع التركة المذكورة وقطعت فلانة حجتها عنهم فيها وفي كالئها، ولم يبق لها دعوى ولا مطلب حق بوجه بعد معرفتهم أجمعين بقدر ما تصالحوا عليه وما قطعت عنهم الدعوى فيه وتساقطوا البينات المسترعاة وغيرها. والاسترعاء في الاسترعاء واعترف جميعهم أنه ليس في التركة ذهب ولا ورق ولا دين على غائب ولا سلم في طعام ولا شيء غائب فمتى قام أحدهم بدعوى متقدمة على هذا فهي باطلة وبيناته زور آفكة شهد عليهم إلخ. هكذا في الوثائق المجموعة والمتيطية ثم قال بإثر ذلك: ولا يجوز الصلح بدنانير أو دراهم في صفقة واحدة عن الكالئ والميراث إلى آخر ما تقدم، وقد علمت أنه إذا وقع صفقتين لا فرق بين أن يكتب في كتاب واحد ويوم واحد كما هنا أو كتابين ويومين، وظاهرهما أن العرض الذي أعطيته في الكالئ كان من التركة أو من عندهم وهو ظاهر لأنهم أدوا الدين لتسلم لهم التركة وظاهرهما أيضاً أنهم إن صالحوها عن ميراثها بعرض منها أو من غيرها لم يمنع، وأنه لا مفهوم للدنانير والدراهم إذ المدار على تعداد الصفقة لانتفاء الجهل بتعددها، وينبغي أن يقيد المنع مع اتحادها بما إذا لم يقوم كل فرد من أفراد المتروك على حدته أما إن قومت وضعت قيمتها وعلم قدر جملتها فيجوز في الموضوع المذكور لانتفاء علة المنع حينئذ والله أعلم.
تنبيهان:
الأول: بما مر من النص المتقدم يظهر لك ما في قول أبي الحسن في شرح المدونة ما محصله قالوا: لا يجوز الصلح على الكالئ والميراث صفقة واحدة وإنما يجوز صفقتين ولا فرق عندي بين الصفقة الواحدة والصفقتين لأنه مجهول حتى الآن إلا أن يخرج ما ينوب الكالئ فحينئذ يصح هذا. اهـ. لما علمت من أنه لا يمكن تصوره صفقتين إلا بإخراج ما ينوب كل واحد منهما كما مر فتأمله.
الثاني: ظاهر الوثائق المجموعة أوائل البيوع حسبما مرَّ أن البيع يفسخ إن وقع قبل أداء الثمن وإن التزمه الورثة وكان في الباقي وفاء بالدين وهو رواية أشهب عن مالك، وقال ابن القاسم: لايفسخ إن التزم الورثة الدين. ابن رشد: وهو أظهر لأنه اختلف في فساد البيع إذا طابقه نهي فكيف إذا لم يطابقه، وفي المعيار والدر النثير عن أبي الحسن في ورثة باع أحدهم نصيبه من الملك قبل أن يخرج الدين ما نصه: إن التزم الورثة الدين الآن فقال ابن القاسم: لا يبطل البيع ولا تضرهم الجهالة. وقال أشهب: يبطل ثم إن لم يلتزم الورثة الدين فحينئذ يباع من التركة بمقدار الدين ويبقى الباقي له منه ما اشترى ويرجع لما استحق من يده. اهـ. وقال في الشامل: وأصله للمازري ومنع وارث من بيع قبل وفاء دين فإن فعل ولم يقدر الغرماء على أخذ دينهم إلا بالفسخ فلهم ذلك إلا أن يدفعه الوارث من ماله على الأشهر. اهـ. زاد المازري. لأن النهي عن البيع لحق المخلوقين وقد سقط. اهـ. وهذا إذا علموا بالدين أو كان الميت مشهوراً به وإلاَّ لم ينقض البيع ويتبع الغرماء الورثة بالثمن كما في المدونة والقسمة كالبيع انظر (ح) وشرح الشامل في الفلس والقسمة، وسيأتي نص المازري الذي اختصره في الشامل آخر الفلس، وقد أشرنا في باب القسمة من هذا الشرح إلى أن بيع الورثة ماض كان بمحاباة أم لا؟ فانظره هناك. وإذا تقرر هذا فلا يفسخ الصلح المذكور في النظم على ما لابن القاسم لأن الورثة قد أسقطوا حقهم، وهذا على فرض كون الصلح في مسألتنا كالبيع ولم يظهر لي لأنه إذا فرضنا أن التركة ثلاثة أثواب وفرس مثلاً والأولاد سبعة ذكور والزوجة لها عليه من الكالئ ثلاثة دنانير فصالحوها بأربعة دنانير صفقة عن الجميع فقطعاً هي قد باعت نصيبها بعضه للدين وهو ثلاثة أرباعه وبعضه لغيره وهو الربع في المثال المذكور، ولا علينا كان نصيبها يساوي ذلك أو يزيد عليه أو ينقص عنه لأن ذلك راجع للغبن وهو جائز، وكذا الأولاد باعوا ثلاثة أرباع أنصبائهم للدين وبقي لهم الربع واشتروا ثلاثة أرباع أنصبائهم لأنفسهم كما اشتروا نصيب الزوجة المبيع للدين ولغيره فهم بائعون مشترون وهي بائعة فقط فلا جهل لا من جهتها ولا من جهتهم إلا من جهة كون قيمة المبيع قدر الثمن أو أقل أو أكثر، وذلك لا يضر في البيعات وإذا صح هذا في المثال المذكور فكذلك غيره في الأمثلة فأي جهل حينئذ يؤدي لفسخ الصلح المذكور، وقديماً كنت متأملاً في فسخ الصلح وأدائه للجهل فلم يتبين لي وجه الجهل فيه بحال لأن كون الأمر آل في المثال المذكور إلى أن المبيع للدين ثلاثة أرباع المتروك وبقي ربعه باعت الزوجة نصيبها منه بدينار إذ ما زاد على الدين هو ثمن باقي واجبها. وأما مسألة بيع الورثة قبل الدين فليست كهذه كما هو واضح ومنشأ الخلاف فيها هل النهي عن البيع قبل الدين لحق الله أو لحق المخلوقين؟ وذكر ابن عرفة في باب الفلس القولين، ونقل عن ابن محرز أن كونه لحق المخلوقين أشبه بظاهر الكتاب، وكلام الشامل مع كلام أبي الحسن المتقدم أول التقرير وفتواه المذكورة هنا يدلان على أرجحيته، ولذلك فرعنا عليه بعض ما تقدم، وإذا علمت هذا فتأمل وجه كون الصلح في مسألتنا مثل البيع قبل الدين مع أن رواية أشهب إنما هي في منع البيع قبل الدين كما في ابن عرفة وغيره لا في الصلح الذي مرّ تفسيره، وإن كان نقل المتيطي يقتضي أنها في الصلح وأن الموثقين قالوا بها كما مرّ لأنهم إن قالوا ذلك إجراء فلم يظهر وجه المساواة إذ البيع في الصلح هنا للدين لا قبله، والزوجة قد بقي لها من نصيبها فباعته بنسبة ما زيد لها على الدين ونسبة ذلك قد بقي لكل وارث مما بيده كما رأيته وذلك لا جهل فيه، ولعله لذلك عبر في الوثائق المجموعة بقوله: وينبغي أن يباع إلخ. المؤذنة بعدم الوجوب، ولو فرضنا أن الصلح وقع بالدين فقط لكان المبيع فيه هو جميع المتروك، ولو كان فيه فضل لأن ذلك الفضل يسلك فيه بالنسبة للزوجة سبيل المحاباة والهبة، وكذا لو أخذت بعض دينها لكان جميع المتروك مبيعاً بذلك البعض أيضاً، وإن كانوا قالوا ذلك لكون روايته في صلح النازلة بالخصوص فليس لنافيه إلا محض التقليد، والتمسك حينئذ بمذهب ابن القاسم أولى لأنه إذا كان مذهبه أرجح في البيع قبل الدين فكذلك هذا الصلح أو أحرى لأنه بيع للدين، ولهذا والله أعلم لم يعرج (خ) ولا ابن عرفة ولا غيرهما من غالب المحققين على مسألة الصلح المذكورة.
وَحَيْثُ لاَ عَيْنَ وَلاَ دَيْنَ وَلاَ ** كالِئ سَاغَ مَا مِنْ إرْثٍ بُذِلاَ

(وحيث) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه (لا) نافية للجنس (عين) اسمها وخبرها محذوف أي موجودة في التركة (ولا دين) إعرابه كالذي قبله والجملة معطوفة على الجملة قبلها (ولا كالئ) يقال فيه ما قيل في الذي قبله (ساغ) جواب حيث (ما) فاعل ساغ (من إرث) بيان لما (بذلا) بالبناء للمفعول صلة ما والمعنى أنه إذا لم يكن شيء مما ذكر في التركة فإنه يجوز الإرث الذي أعطي للزوجة من التركة قلّ أو كثر صلحاً عن واجبها فيها كما لو كان فيها عرض وطعام وعقار فأعطيت العرض أو بعضه صلحاً عن اتباع نصيبها فيما عداه كانت قيمته أقل من قيمة نصيبها في الجميع أو أكثر أو مساوية، ويجوز أن تكون من ليست بياناً لما بل بمعنى عن تتعلق بقوله بذلا أي ساغ الشيء الذي بذل لها عن إرثها من عند الوارث سواء كان المبذول عيناً أو غيرها بشرط أن يجوز بيعه بها لا بلحم مثلاً من غيرها، وفيها حيوان من جنسه أو العكس كما مرّ فأطلق اتكالاً على ذلك. ومفهوم ولا عين أنه إذا كان فيها عين لم يجز بعين من عند الوارث، بل بعرض كما مرّ تفصيله مع مفهوم قوله: ولا دين عند قوله: والتركات ما تكوّن إلخ. ولذا كان الأنسب تقديم هذا البيت، والذي قبله هناك، ومفهوم ولا كالئ هو البيت الذي قبله حيث لم يكن فيها عين أو دين، وإلاَّ فقد تقدم تفصيله أيضاً.
وَإنْ يَفُتْ ما الصُّلْحُ فِيهِ يُطْلَبُ ** لَمْ يَجْزِ إلاَّ مَعْ قَبْضٍ يَجِبُ

(وإن يفت) شرط وفعله (ما) موصولة فاعل يفت (الصلح) مبتدأ (فيه) يتعلق بقوله (يطلب) بالبناء للمفعول خبر المبتدأ والجملة صلة ما والرابط المجرور بفي (لم يجز) جواب الشرط وفاعله ضمير يعود على عقد الصلح (إلا) استثناء من مقدر أي لم يجز مع حال من الأحوال إلا (مع) يتعلق بيجز كقولك: ما مررت إلا مع زيد (قبض) مضاف إليه (يجب) في محل الصفة لقبض، والمعنى أنه إذا فات الشيء الذي الصلح يطلب فيه وهو المصالح عنه لم يجز عقد الصلح فيه إلا مع قبض يجب للمصالح به كما إذا غصبه عبداً أو سرقه ثوباً، وفات ذلك بذهاب عينه ونحو ذلك فلا يجوز الصلح في ذلك إلا بقبض المصالح به ناجزاً لأنه لما فات ترتبت قيمته ديناً في ذمة المتعدي فالصلح عنه صلح عن القيمة فلا يجوز بالتأخير إلا بدراهم قدر قيمته أو أقل أو ذهب كذلك وهو مما يباع به كما مرّ مستوفى تفصيله في التنبيه قبل هذا الفصل، ومفهوم أن يفت أنه لو كان قائماً جاز ولو بالتأخير وهو كذلك.
وَجَائِزٌ تَحَلُّلٌ فيما ادُّعِي ** وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي

(وجائز) خبر عن قوله (تحلل) سوغ الابتداء به تعلق (فيما ادعي) به ويجوز أن يكون جائز مبتدأ وتحلل أغنى عن الخبر على مذهب من لا يشترط الاعتماد وادعى صلة ما والعائد محذوف أي به وجملة قوله: (ولم تقم بينة للمدعي) حالية أي لم تقم له بينة أصلاً مع جهلهما بقدره، فإن قامت به ورجع أحدهما لقولها: فالصلح حينئذ حقيقي يعتبر في جوازه الشروط المتقدمة فقوله فيما ادعى الخ يدخل فيه ما إذا جهل أو نسي كل منهما قدر المدعي به مع اعترافهما بأصل وجوده أو به بينة ولم يرجع أحدهما لقولها، وما إذا علماه وسماه المدعي دون الآخر، ولا بينة أيضاً أو به بينة ولم تعين قدره على القول بعدم قبولها كما مرّ عند قوله: ولم يحقق عند ذاك العددا إلخ. وسواء كان المدعى به حظاً في عقار أو غيره لا في هذا ولا فيما إذا جهلا معاً لكن فيما إذا سماه المدعي وعلمه دون الآخر لابد من اعتبار شروط الصلح، لأن الآخر إما أن يكون منكراً لما ادعى به عليه جملة فيكون افتداءاً من اليمين أو مقراً به لا بقدره أو به وبقدره والكل داخل في قوله:
وهو كمثل البيع في الإقرار ** كذاك للمحجور في الإنكار

فيجب إخراج هذا من عموم كلامه هنا لئلا يؤدي للتكرار ولأنه عبر بالتحلل وهو إنما هو منقول فيما إذا جهلاه معاً أما إن علمه وسماه أحدهما فهو وإن عبر عنه بعضهم بالتحلل أيضاً باعتبار المدعى عليه، لكن المنصوص في المدونة وهو الأول وهو التحلل الحقيقي فإن علمه المدعي ولم يسمه لم يجز الصلح وإن وقع بطل إذا علم المدعى عليه بعلم المدعي المدعى وأما إن لم يعلم بعلمه وقت العقد فهي كالصبرة يعرف البائع كيلها دون المبتاع فيخير حينئذ في الفسخ وعدمه قاله أبو الحسن. وإنما جاز الصلح فيما جهلاه أو نسياه مع أن الصلح بيع يشترط فيه عدم الجهل لأن اشتراط الشيء إنما هو مع القدرة عليه ولا قدرة هنا فيجوز الصلح على وجه التحلل في حظ من دار لا يعرفان قدره، وكذا في دراهم لا يعرفان عددها بعرض أو ذهب أو دراهم عاجلاً لا بالتأخير، وتأمل لم لم يشترطوا هنا تحقق التماثل في الدراهم بالدراهم؟ لأن ذلك على وجه التحلل. أبو الحسن: كل موضع لا يقدران على الوصول إلى معرفة ذلك فالصلح فيه جائز على معنى التحلل، ومثله بيع الصبرة لا يعرفان كيلها، ومثله لابن القاسم في المتجاعلين على حفر بئر أي جهلا جميعاً صفة الأرض من رخو أو صلابة. اهـ. أو يقال وهو الظاهر محل جوازه في الدراهم بالدراهم في المسألة المذكورة كما في المدونة إن كان لا يشك أن المأخوذ من الدراهم الآن أقل من المدعي بها، وإلاَّ منع كما قالوا فيمن استهلك صبرة من قمح مثلاً لا يصالح على التحري بمكيله من جنسه إلا أن يتحقق أن المأخوذ أدنى من كيل الصبرة لأنه أخذ لبعض الحق وقيمة للباقي كما في (ق) أول باب الصلح، ثم إن هذا البيت كالاستثناء من قوله: فيما مر وكل ما اتقى بيعاً يتقي إلخ. لكن جاز الجهل في بعض أفراد الصلح على وجه التحلل كما جاز في بعض أفراد البياعات كالصبرة ونحوها.
وَالصُّلح فِي الكالِئِ حَيْثُ حَلاَّ ** بِالصَّرْفِ فِي العَيْنِ لِزَوْجٍ حَلاَّ

(والصلح) مبتدأ (في الكالئ) بالهمز يتعلق به (حيث) ظرف زمان هنا على قلة فيه مجرد عن معنى الشرط يتعلق بالصلح، ويجوز أن يكون ظرف مكان مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه والأول أظهر معنى (حلا) جملة فعلية في محل جر بإضافة حيث على كلا الوجهين (بالصرف) يتعلق بالصلح على الأول أو بحل آخر البيت على الثاني لا بالصلح لما يلزم عليه من الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي (في العين) يتعلق بالصرف (لزوج) يتعلق بقوله: (حلا) الذي هو جواب حيث على الثاني، والجملة من حيث وجوابها خبر المبتدأ. وحلا الأول ضد أحل، والثاني ضد حرم وبينهما جناس تام، والمعنى على الأول والصلح في الكالئ وقت حلول أجله بالصرف في العين جائز لزوج، وعلى الثاني والصلح في الكالئ إذا حل أجله جائز للزوج بالصرف في العين وأشعر قوله لزوج أن المراد بالكالئ في كلامه دين الزوجة من صداقها، وإنما جاز لأنه من باب صرف ما في الذمة وعليه فلا خصوصية لدين الزوجة ولا الزوج، بل كل دين من عين في الذمة يجوز صرفه بعد حلول أجله لا إن لم يحل كما أشار له (خ) بقوله في الصرف عاطفاً على المنع أو بدين تأجل، وإن من أحدهما فمفهوم قوله: إن تأجل هو قول الناظم هنا حل أي يجوز صرف ما حل منه كلاً أو بعضاً بمعجل لا بمؤجل، فإنه لا يجوز ولو تعجله لوقوعه فاسداً باشتراط تأخيره كما في المدونة؛ وانظر لو وقع بدنانير عن دراهم أو بالعكس وجعل التأخير بدون شرط، ونقل أواخر الصلح من المعيار جواز ذلك.
قلت: ومثله يقال في تأخير الحوز في التصيير بغير شرط بل هو أحرى ومحل النظم إن اتفقا على الحلول أو قامت به بينة، فإن اختلفا في الحلول وعدمه ولا بينة فسد لأنه صرف مستأخر بالنسبة لمنكره كما مرّ، ويحتمل أن يعمم في كلامه أولاً فيراد بالكالئ مطلق الدين المؤخر كان لزوجة أو غيرها طعاماً كان أو عرضاً أو عيناً. وقوله: بالصرف في العين لزوج إشارة لحكم بعض ما شمله العموم المذكور إذ لا مفهوم حينئذ للصرف ولا للزوج، فيكون كقول (خ) في الصلح: وجاز عن دين بما يباع به إلخ. وقد تقدم هذا عند قوله: وكل ما اتقى بيعاً يتقي. اهـ.