فصل: باب البيوع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.باب البيوع:

أتى بجمع الكثرة لتعدد أنواع البيع لأن الذوات المبيعة إما عيناً بعين أو عرضاً بعرض أو عيناً بعرض وبالعكس، فالعين بالعين إن كانت نوعاً واحداً كالفضة بمثلها والذهب بمثله يشترط فيهما أمران: التناجز والتساوي، ثم إن بيعت بالميزان سمي ذلك مراطلة، وإن بيعت بالعدد سمي مبادلة، وإن كانت نوعين كذهب بفضة اشترط فيهما التناجز فقط ويسمى صرفاً وحكم بيع الطعام بالطعام كالعين في الشروط المذكورة، كما يأتي للمصنف في فصلي بيع الطعام وبيع النقدين؛ وأما العرض بالعرض وهو ما سوى العين والطعام وما سوى الأصول أيضاً على ما عند الناظم كما يأتي في فصله، فيشترط أن لا يؤجلا معاً لأنه من الدين بالدين المنهى عنه فإن عجلا معاً صح بجميع وجوهه كان أجل أحدهما وعجل الآخر، ويسمى حينئذ سلماً إن توفرت شروطه كما يأتي في فصل السلم، وكذا حكم العين بالعرض يمنع تأجيلهما، ويجوز تعجيلهما وإن عجلت العين دون العرض يسمى سلماً، وبالعكس يسمى بيعاً لأجل قاله ابن بشير وغيره، فعبر الناظم بلفظ الجمع إشارة إلى أنه أنواع ستة المذكورة في قوله: ما يستجاز بيعه إلخ. وكلها داخلة في التقسيم المتقدم وتكون صحيحة وفاسدة، ثم إن البيع مما يتعين الاهتمام بمعرفة أحكامه لعموم الحاجة إليه إذ لا يخلو المكلف من بيع وشراء فيجب أن يعلم حكم الله فيه قبل التلبس به، قال ابن العربي في القبس على موطأ مالك بن أنس: البيع والنكاح عقدان يتعلق بهما قوام العالم لأن الله سبحانه خلق الإنسان محتاجاً إلى الغذاء ومفتقراً إلى النساء وخلق له ما في الأرض جميعاً، ولم يتركه سدى أي هملاً يتصرف كيف شاء فيجب على كل مكلف أن يعلم ما يحتاج إليه من بيع أو غيره، ثم يجب عليه أن يعمل بما علم فيتولى أمر شرائه وبيعه بنفسه إن قدر وإلاَّ فغيره بمشورته ولا يتكل على من لا يعرف الأحكام أو يعرفها ويتساهل في العمل بمقتضاها. اهـ. وفي القباب: لا يجوز للإنسان أن يجلس في السوق حتى يتعلم أحكام البيع والشراء فإن علم ذلك حينئذ فرض واجب عليه، ولا يجوز أن يعطي قراضاً لمن لا يعرف أحكامه، ولا أن يوكل الذمي على البيع ونحوه. ولا أن يشاركه إلا إذا لم يغب عنه.
والبيع لغة مصدر باع الشيء إذا أخرجه عن ملكه بعوض أو أدخله فيه فهو من أسماء الأضداد يطلق على البيع والشراء كالقرء يطلق على الحيض والطهر، لكن لغة قريش كما للزناتي في شرح الرسالة استعمال باع إذا أخرج واشترى إذا أدخل. قال: وهي أفصح. وعلى ذلك اصطلح العلماء تقريباً للفهم. وقال الجزولي في شرح الرسالة: إن كل واحد من المتعاوضين بائع لما خرج من يده مشتر لما أخذ من يد غيره، واصطلح الفقهاء أن آخذ العوض يسمى مشترياً وآخذ العين يعني الدنانير والدراهم يسمى بائعاً. اهـ. قال ابن عبد السلام: ومعرفة حقيقته ضرورية حتى للصبيان أي: وما كان كذلك لا يحتاج إلى تعريف إذ إنما يحتاج للتعريف الأمور النظرية. ورده ابن عرفة بأن المعلوم ضرورة هو وجوده عند وقوعه لكثرة تكرره ولا يلزم منه علم حقيقته ثم قسمه إلى أعم وإلى أخص فقال: البيع الأعم عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة فتخرج الإجارة والكراء والنكاح وتدخل هبة الثواب والصرف والمراطلة والسلم ثم قال: والغالب عرفاً أخص منه بزيادة ذو مكايسة أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة معين غير العين فيه فتخرج الأربعة. اهـ. وقوله: ولا يلزم منه علم حقيقته إلخ. قد يقال: يلزم من وجود الحقيقة وتكرر وقوعه بين يديه علمها فتأمله. ولما ذكر البرزلي حد ابن عرفة واعتراضه على ابن عبد السلام وعلى من عرفه بأنه دفع عوض في عوض، وبأنه نقل الملك بعوض قال ما نصه: ظاهر هذه الاعتراضات تدل على طلب علم حقيقة الشيء وماهيته في هذا الباب وغيره مع أن حقائق الأشياء لا يعلمها إلا الله فهو المحيط بها من جميع الجهات فهو العالم بما يصلحها والمطلوب في معرفة الحقائق الشرعية وغيرها إنما هو تمييزها من حيث الجملة عما يشاركها في بعض حقائقها حتى يخرج منها ما يسري إلى النفس دخوله مثل أن يقال: ما الانسان؟ فيقال: منتصب القامة فيحصل له تمييزه عن بقية الحيوانات التي يسرع إلى النفس دخولها في الإنسان لا عن كل حقيقة لأنه يدخل فيه الحائط والعمود وكل منتصب القامة، لكن لما كان غير مقصود بهذا الكلام ولم يقع الاحتراز منه. قال بعض حذاق المنطقيين: وهذا المعنى كثيراً ما يقع من حكماء المتقدمين لأن قصدهم التنبيه على ما يحسن به التمييز في النفس ولو بأدنى خاصية فيعترض عليهم المتأخرون لاعتقادهم أنهم يأتون بالحقائق التي تشتمل على جميع الذاتيات وهم لا يقصدن ذلك لأنه لا يعلم حقائق الأشياء إلا الله سبحانه، فكل من عرف البيع ونحوه بما عرفه به إنما هو تصور معرفة الماهية من حيث الجملة لا من جميع جهاتها والله أعلم اه كلام البرزلي. وبه يسقط اعتراض ابن عرفه على غيره، واعتراض غيره عليه في بعض حدوده كاعتراض (ح) عليه في حده المتقدم وغيره. الغرناطي: تذكر في الوثيقة تسمية المتبايعين وما به يعرفان من صفاتهما وتذكر البيع وموضعه وحدوده وتذكر حقوقه ومرافقه وشجره وشرب ما له شرب ووصف المبيع وعدم شرط الثنيا والخيار وقدر الثمن وصفته، وقبض البائع له أو حلوله أو تأجيله إلى مدة لا تجاوز أربعين عاماً، ومعرفة المتبايعين بقدر ذلك وحلول المبتاع محل التبايع، والتبرئ من العيوب ورضا المبتاع بما حاشا الوظائف فلا تعقد التبرئ منها إلا بعد تمام البيع كالثنيا وتذكر عقد الإشهاد على المتبايعين ووصفهما بالطوع والصحة والجواز، وتضمن في بيع الأب على ابنه الصغير معرفة صغر الابن أو كونه في حجره بتجديد سفه أو تقديم قاض إن كان كبيراً، وإن باع ذلك لنفسه ذكرت معرفة حاجته، ولابد أن تقول فيه ممن يعرف أصل المال للابن وابتياعه بمال وهبه له جائز، وإن لم تعرف الهبة قبل ذلك ولا يثبت التوليج إلا بإقرار المشتري وتضمن في بيع الوصي معرفة الإيصاء ومعرفة السداد في الثمن والوجه الذي يبيع ذلك لأجله، وتضمن في بيع الحاضن معرفة الحاضنة وصغر المحضون وفاقته وتفاهة المبيع. وأنه أحق ما يباع عليه، والسداد في الثمن وأنه عشرون ديناراً فأقل ومعاينة قبض الثمن، وتضمن في بيع الوكيل معرفة الوكالة ولابد من معاينة القبض في كل من قبض لغيره كالوصي والوكيل والحاضن، وكذلك قبض المحجور نفقته أو مالاً لاختباره في التجر، وقبض العانس صداقها والأصم والأبكم. اهـ.
أما تسمية المتبايعين فلابد منها لأنهما ركنان فإن سقط واحد منهما بطل الرسم، وأما ما يعرفان به من صفاتهما فإنما ذلك عند عدم معرفتهما فإن سقطت المعرفة والتعريف والوصف بطل الرسم كما مر عند قوله: وغالب الظن به الشهادة. الخ (خ): ولا على من لا يعرف إلا على عينه وصفته وحليته، وأما ذكر المبيع وموضعه فلابد منه، فإن سقط بطل الرسم. وأما حدوده فإن سقوطها لا يضر كما يأتي في قوله: وناب عن حيازة الشهود إلخ. لأنه قد يشهد بالحدود غيرهما فلا يفسد البيع بعدم ذكر الحدود كما يأتي قريباً في التنبيه الثاني، وأما ذكر حقوقه ومرافقه فلا يضر سقوطها بحال، وكذا ذكر شجره لأن ذكر الأرض يتناولها كما يأتي عند قوله: كذا قليب الأرض للمبتاع. وأما شرب الماء فلابد من ذكره وإلاَّ لم يدخل إلا إن كان عيناً أو بئراً في وسط الأرض، كما يأتي في البيت المتقدم. وأما وصف المبيع فإنما يحتاج إليه إذا كان غائباً عن موضع العقد، فإن وصف حينئذ وإلاَّ بطل البيع، وأما عدم شرط الثنيا والخيار فلا يضر سقوطه أيضاً لأن الأصل عدم ذلك، وأما قدر الثمن فلابد من ذكره، فإن سقط فيجري على ما مر عند قوله في الشهادة: ولم يحقق عند ذاك العدد. وأما قبض البائع له. فلا يضر سقوطه والأصل هو بقاؤه كما يأتي في اختلاف المتبايعين، وكما يأتي في التنبيه الثالث عند قوله: بأضرب الأثمان والآجال. وأما حلوله أو تأجيله فإنهما إن سقطا لم يضر، ويحمل على الحلول كما يأتي في اختلاف المتبايعين أيضاً، وكذا حلول المبتاع محل البائع لا يضر سقوطه أيضاً لأن العقد يوجبه كما يأتي في الاعتصار عند قوله: وحيث جاز الاعتصار يذكر إلخ. وكذا التبرئ من العيوب لأن الأصل عدم وجودها وسيأتي عند قول الناظم: والبيع مع براءة إن نصت إلخ. فراجعه هناك. وأما قوله: ورضا المبتاع بما حاشا الوظائف إلخ. الوظائف: جمع وظيفة وهي ما قدر على الأرض من الخراج والمغرم، فلا يجوز بيع الأرض بشرط أن يتحمل المبتاع ما عليها من المغرم والخراج على مذهب ابن القاسم، وبه العمل كما في ابن سلمون، وإذا لم يجز ذلك في صلب العقد فيجوز التطوع به كالثنيا كما يأتي ذلك في فصلها إن شاء الله. وأما قوله: وتذكر عقد الإشهاد على المتبايعين إلخ. فمراده أنك تقول في آخر الوثيقة شهد على إشهادهما بما فيه عنهما إلخ. فإن لم تذكر إشهاداً لا في صلب الوثيقة ولا في آخرها، وإنما قلت تشهد بمعرفة فلان وأنه قد باع أو ابتاع كذا أو شرط كذا أو تطوع بكذا فإن شهادته لا تجوز إن لم يقل إن علمه لذلك بإشهاد فلان له عليه به إلا إن كان عالماً بما تصح به الشهادة، وكان من أهل العلم والتبريز فتجوز حينئذ، ويحمل على أنه علم ذلك بإشهادهما كما قاله في أوائل هذه الوثائق، وتقدم الكلام على هذا عند قوله: وغالب الظن به الشهادة. وسيأتي في الحبس أنه لابد من الإشهاد في كل ما ليس فيه معاوضة، وأما ذكر الطوع والجواز والصحة فإنه لا يضر سقوطه لأنه الأصل ومن ادعى خلافها فعليه البيان كما يأتي في اختلاف المتبايعين حيث قال:
وبيع من رشيد كالدار ادعى ** بأنه في سفه قد وقعا

إلخ.
وكما تقدم في تعارض البينتين عند قوله: وقدم التاريخ ترجيح قبل إلخ. وأما معرفة صغر الابن في بيع الأب عليه، فالظاهر أنه لا يضر سقوطه أيضاً لأن المشتري يدعي صحة العقد بسبب صغر الابن والابن يدعي فساده، وتقرر أن القول لمدعي الصحة كما يأتي في قوله: والقول قول مدع للأصل. وكما تقدم في تعارض البينتين أيضاً، وأما معرفة حاجة الابن في شراء الأب متاع ابنه فلابد منها للتهمة كما يأتي في فصل مسائل من أحكام البيع عند قوله: وفعله على السداد يحمل. إلخ. وأما معرفة أصل مال الابن فلا يضر سقوطها كما نبه عليه بقوله: وابتياعه بمال وهبه إلخ. انظر فصل التوليج من اللامية، وانظر ما يأتي عند قوله: وبيع من حابى من المردود إلخ. وأما معرفة الإيصاء ومعرفة السداد في الثمن فسقوطها مضر كما يأتي في قوله:
وبيع من وصي للمحجور ** إلا لمقتضى من المحظور

وكذا معرفة الحاضنة لابد منها مع شروط أخر تأتي عند قوله: وجاز بيع حاضن إلخ. وأما صغر المحضون؛ فيجري فيه ما تقدم قريباً، وأما معاينة القبض في كل من قبض لغيره حاضناً كان أو غيره فلابد منها وإلا لم يبرأ الدافع من الثمن كما قال (خ) في الوكالة: وإن قال قبضت وتلف برئ ولم يبرأ الغريم إلا ببينة إلخ. وكذا لابد من معاينة القبض في بيع الأصم والأبكم وإلاَّ لم يبرأ الدافع، وكذا لابد من معرفة الوكالة ولابد أن تكون بإشهاد من الموكل، وإلا لم تصح كما يأتي في الحبس عند قوله: ونافذ تحبيس ما قد سكنه إلخ. قال: أعني الغرناطي أول وثائقه: والإشهاد واجب على كل من باع شيئاً لغيره، فإن لم يشهد ضمن. اهـ. وتقدم نحو هذا في باب اليمين عند قوله: والبالغ السفيه بان حقه إلخ. وأن كل من ولي معاملة لغيره فإنه يحلف إن توجهت عليه اليمين وإلاَّ غرم وما ذاك إلا لعدم إشهاده. (وما شاكلها) أي شابهها في كونه عقد معاوضة وذلك كالمقاصة والحوالة والشفعة والقسمة والإقالة والتولية والتصيير والسلم، ونحو ذلك مما أدمجه الناظم في هذا الباب، وفصل بين أنواعه بالفصول دون الأبواب، وليس المراد بما شاكلها الفصول الستة المشار لها بقوله: أصول أو عروض أو طعام. إلى قوله: أو حيوان، لأن هذه الفصول الستة هي التي جمعها أولاً بقوله البيوع خلافاً ل (ت) ومتبوعه حيث أدخل الصرف هاهنا.
ما يُسْتَجَازُ بَيْعُهُ أَقْسَامُ ** أصُولٌ أَوْ عُروضٌ أَوْ طَعَامُ

(ما يستجاز) أي ما يعد بيعه جائزاً أو ما يوجد بيعه جائزاً، فالسين والتاء للعد أو للإصابة والوجدان كاستحسنه واستعظمه واستغفله أي وجده كذلك أو عده قاله (ت) عن التسهيل. ويحتمل أن يكونا زائدتين أي ما يجوز (بيعه) في نظر الشارع صلوات الله وسلامه عليه. (أقسام) ستة (أصول) كالدور والأرضين والبساتين والفنادق والحوانيت ونحوها (أو عروض) كالثياب والسلاح ونحوهما (أو طعام) كالبر والسمن ونحوهما من بصل وملح وغيرهما.
أَوْ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ ثَمَرُ ** أَوْ حَيَوانٌ والْجميعُ يُذْكَرُ

(أو ذهب أو فضة) بأن يباع أحدهما بصنفه وهو المراطلة أو المبادلة أو أحدهما بالآخر وهو الصرف كما مر قريباً. (أو ثمر) كالفواكه والمقاثي والبقل، وأفردها عن الطعام لما اختصت به من اشتراط بدو الصلاح في جواز بيعها، وغير ذلك. (أو حيوان) كالرقيق والدواب والأنعام والطير والوحش (والجميع) أي: وكل واحد منها (يذكر) في فصل على حدته مع الأحكام المختصة به كالعيوب الموجبة للقيمة في الأصول والرد في العهدتين في الرقيق والحيوان والربا في النقدين والطعامين ونحو ذلك، فهذه فائدة تقسيم المبيعات إلى الأقسام الستة المذكورة، ثم إن أصل البيع الجواز إجماعاً لقوله تعالى: {وأحل الله البيع} (البقرة: 275) وقد يعرض له الوجوب كمن اضطر لشراء طعام أو شراب المشار له بقول (خ) في الزكاة: وترك مواساة وجبت وفضل طعام أو شراب لمضطر وعمد وخشب فيقع الجدار وله الثمن إن وجد إلخ. والندب كمن أقسم على إنسان أن يبيع له سلعته لا ضرورة عليه في بيعها فيندب إلى إجابته لأن إبرار المقسم فيما ليس فيه ضرورة مندوب إليه، والكراهة كبيع الهر والسبع لا لجلده والتحريم كالبيوع المنهي عنها قاله (ح). وأركانه خمسة. المتعاقدان والثمن والمثمن والصيغة. وهي راجعة إلى ثلاثة: العاقد والمعقود عليه والصيغة. ولكل شروط. فالصيغة هي كما قال (خ): ما يدل على الرضا وإن بمعاطاة بأن يعطيه المشتري الثمن ويعطيه البائع المثمن من غير لفظ، وانظر إذا ادعى أحدهما الهزل في البيع عند قول الناظم: والخلف في مطلق هزلاً إلخ. وأما العاقد؛ فشرط صحة عقده التمييز وشرط لزومه التكليف كما في (خ) وغيره. وأما المعقود عليه فشرطه كما في (خ) وغيره الطهاره والانتفاع به والقدرة على تسليمه وعدم جهل بمثمن أو ثمن إلى غير ذلك، ولم يتعرض الناظم لهذه الأركان ولا لشروطها إلا ما ذكره من بعض شروط المعقود عليه في قوله: وتحبس صفقته محظورة. ومن شروط العاقد في قوله في بيع الأصول: ممن له تصرف في المال.
فرع:
يجوز شراء الملاحة وإن كان ما يخرج منها مجهول القدر والصفة، لأن ذلك في مقابلة رفع اليد عنها، وكذا يجوز أخذ شيء من الدراهم ونحوها في مقابلة إباحة صيد من بركة ماء أو واد ونحوهما قاله (ز) عند قول المتن في السلم لا فيما يمكن وصفه كتراب المعدن إلخ. قلت: وفي المواق عند قول المصنف: وجاز سؤال البعض ليكف عن الزيادة أنه يجوز للإنسان أن يقول لآخر: كف عني ولك دينار ويلزمه الدينار اشترى أم لا. ومن هذا المعنى بيع الجلسة والجزاء الذي جرى به عمل المتأخرين المشار له بقول ناظم العمل: وهكذا الجلسة والجزاء إلخ. انظر شرحه.

تنبيهات:
الأول: من الجهل في الثمن جمع الرجلين سلعتهما في البيع لأن ذلك من الجهل في التفصيل كما في (خ) حيث قال: ولو تفصيلاً إلخ. وقال في الشامل: ولو جهل كعبدين لرجلين بثمن واحد فالأشهر المنع وفسخ إن نزل فإن فات مضى بالثمن مفضوضاً على القيمة، فإن سميا لكل ثمناً أو قوما أو دخلا على التساوي قبل التقويم أو بعده جاز. اهـ. ونحوه في شراح المتن. قلت: من هنا يعلم أن قولهم: ولا يجوز التمسك بأقل استحق أكثره أو عيب أكثره لأنه من التمسك بثمن مجهول إلخ. معناه أنه لما استحق الأكثر أو عيب انتقض البيع فيه، والأقل تابع فلا يجوز التمسك قبل أن يعلم ما ينوب الباقي من الثمن، فإن كان التمسك بعد التقويم صح لما مر من أن للرجلين أن يجمعا سلعتهما في البيع بعد التقويم فالتمسك عقد ثان، وبهذا ينتفي الإشكال وهو أنه لا يعمل الأكثر من الأقل إلا بالتقويم، وإذا قوِّم فيجوز التمسك فما وجه المنع؟ والجواب: أن العلّة وهي الجهل بالثمن سابقة على التمسك ضرورة إن كل علة سابقة على معلولها فحرمة التمسك إنما هي للجهل ولا يقع إلا قبل التقويم بأن يقطع ابتداء بأن هذ المستحق هو الأكثر أو المعيب، فيتمسك بالأقل قبل أن يعرف ما ينوبه، وأما بعد التقويم فلم يتمسك إلا بعد معرفته لما ينوبه، وبالجملة فالتمسك بالأقل بعد التقويم لا يكون إلا برضاهما لأن الفرض أن العقد قد انفسخ ويبعد كل البعد أن يمنع التمسك بعد التقويم بما ينوبه إذ لو منع ذلك لمنع بيعه بيعاً مستأنفاً وهو لا يقوله أحد، وأما إن استحق الأقل أو عيب، فإن البيع لا ينقض في الأكثر والأقل تابع له فلا ينفسخ العقد فالتمسك به قبل التقويم غير ممنوع لقلة الغرر فيه هذا هو التحرير في هذه المسألة والله أعلم. وقد نص شراح (خ) عند قوله في الشفعة: وبما يخصه إن صاحب غيره إلخ. على أن التمسك بأقل بعد التقويم جائز، وقالوا أيضاً عند قوله في الشفعة: وإن اتحدت الصفقة وتعددت الحصص إلخ. أن حرمة التمسك بأقل إنما هو إذا تمسك قبل التقويم والله أعلم.
الثاني: من اشترى ملكاً وقال في عقد شرائه: يحده قبلة فلان وجنوباً فلان وشرقاً فلان، واختلف المشتري مع جيرانه فالحكم في ذلك أنه إن خالفهم البائع والمشتري معاً فالبيع صحيح ويجري ما استحق من تلك الحدود على حكم الاستحقاق إذا حكم به، والذي يخاصم هو المشتري إلا أن يسلم بينة الاستحقاق من أول الأمر فيخاصم البائع حينئذ كما بيناه في حاشية اللامية، وإن صدقهم البائع وخالفهم المشتري فلا كلام للبائع ولا شهادة له، ولكن ينظر فإن علم ما عمره كل واحد منهم من تلك الحدود فالقول للحائز مع يمينه، وإلا تحالفا وقسم بينهما، إن البيع لا يفسده إدخال البائع غير ملكه في المبيع عند تحديده لأن غرضه أن مبيعه لم يخرج عن تلك الحدود لا أنه ملك جميع محدوده والله أعلم. قاله بعض الموثقين يعني: ولكن المشتري إن كان يعتقد أنه يملك الجميع فالقول له ويخير والله أعلم، ويصدق في أنه كان يعتقد ذلك إذ لا يعلم إلا من قوله.
الثالث: لابد من تسمية الخط المشاع وبيان قدره وإلاَّ فسد البيع لأنه مجهول كما في نوازل العلمي وابن سلمون، وبه تعلم فساد ما يقع كثيراً من بيع بعض الورثة نصيبه في الميراث من غير بيان قدره، ولاسيما مع تناسخ الوراثات وهو لا يعرف ضرب الحساب فإنه يصدق مدعي جهله من المتعاقدين ويفسخ البيع، ولو نص في الوثيقة على أنهما عرفا قدره إذ لا تمكنه معرفته إلا بضرب حساب، والفرض أنه لا يعرفه. وما ذكره ابن رشد وغيره من أن الموثق إذا نص في الوثيقة على معرفتهما بقدر المبيع لا يصدق مدعي الجهل منهما ولا يمين له على صاحبه إنما ذلك فيما إذا كان مثله ممن يعرف قدر المبيع، وبالجملة إذا سقط من الوثيقة معرفة القدر فإنهما يحملان على المعرفة لأن القول لمدعي الصحة ما لم تكن قرينة تدل على صدق مدعي الجهل كبيع جميع النصيب في الوراثة وهو لا يعرف الحساب، فإنه يصدق في ذلك ولو كتب الموثق معرفة القدر لأن شاهد الحال يكذبه. وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في حاشيتنا على (ز) وعلى مثل هذه المسألة يحمل قول شارح العمل عند قوله:
والقول قول زوجة في عدم ** القبض للصداق بعد القسم

ما نصه: إن قول الموثق عرفاً قدره جار مجرى التلفيق إلخ. لا أنه من التلفيق مطلقاً وإلا لم يقف عقد على ساق، وفي جواب للقوري نقله العلمي: أنه من لا يعمل بمقتضى المسطرة والتلفيق إلا في الموثق الذي عرف منه أنه لا يقدر معرفة القدر على المتبايعين.
فرع:
قال (ح) عن ابن فرحون: المتعاقدان محمولان على المعرفة حتى يثبت الجهل، وعلى جواز الأمر حتى يثبت السفه، وعلى الرضا حتى يثبت الإكراه وعلى الصحة حتى يثبت السقم، وعلى الملاء حتى يثبت الفقر، وعلى الحرية حتى يثبت الرق، وعلى الإسلام حتى يثبت الكفر، وعلى العدالة حتى يثبت الجرح، والغائب محمول على الحياة حتى يثبت الموت قال (خ): وما قاله ظاهر إلا ما قاله في مسألة العدالة فالمشهور العكس.
والبَيْعُ والشَّرْطُ الْحَلالُ إنْ وَقَعْ ** مُؤَثِّراً في ثَمَنٍ مِمَّا امْتَنَعْ

(والبيع) مبتدأ (والشرط) معطوف عليه لا منصوب على المعية لفقد الجملة قبله (الحلال) نعت (إن وقع) ذلك الشرط حال كونه (مؤثراً) جهلاً (في ثمن مما امتنع) خبر المبتدأ وجواب الشرط محذوف للدلالة عليه، ومثال ما أشار له الناظم أن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع ذلك الشيء المبيع ولا يهبه فنفس الشرط، وهو كون المشتري يتمسك بما اشترى ولا يبيعه ولا يهبه حلال جائز، واشتراط الدخول عليه ممنوع لأنه يؤثر في الثمن جهلاً إذ البيع على هذا الوجه لا يخلو عن نقص في الثمن غالباً لو لم يكن ذلك الشرط، ومقدار ما انتقص من الثمن لأجل الشرط المذكور مجهول وفيه علة أخرى للمنع وهي كون ذلك المؤثر من باب اشتراط ما يوجب الحكم خلافه لأن الحكم يوجب جواز تصرف المشتري في مشتراه على أي وجه شاء، فالتحجير عليه بأن لا يبيع ولا يهب شرط مناقض لمقتضى عقد البيع فيفسد البيع به، وعلى هذه العلة اقتصر (خ) حيث قال: وكبيع وشرط يناقض المقصود كأن لا يبيع إلخ. وهي أظهر لئلا يرد علينا اشتراط الرهن والحميل فإنه مؤثر جهلاً مع أنه جائز كما يأتي، ومثل اشتراطه أن لا يبيع اشتراطه أن لا يخرجها من البلد أو لا يجيزها البحر أو على أن يتخذ الجارية أم ولد أو على أن يعزل عنها أو على أنه إن باعها فهو أحق بها بالثمن الذي تباع به، أو الذي باعها به الآن كما يأتي في فصل الإقالة، فكل ذلك مما يؤثر في الثمن جهلاً. ومن الشرط المناقض كما مرّ. وهذا إذا اشترط أن لا يبيعه عموماً أو إلاَّ من نفر قليل، وأما على أن لا يبيع من شخص معين أو من بني فلان وهم قليلون فيجوز، وإذا وقع شيء من هذه الشروط فيفسخ البيع إلاَّ أن يسقط ذو الشرط شرطه فيصح كما قال (خ): وصح إن حذف شرط السلف أو حذف شرط كالتدبير، وهذا إذا لم يفت وإلاَّ فقد قال أيضاً: وفيه إن فات أكثر الثمن والقيمة. وقال أيضاً: وإنما ينتقل ضمان الفاسد بالقبض ورد ولا غلة تصحبه، وظاهره: ولو كان المشتري عالماً بالفساد وهو كذلك انظر ما يأتي في الحبس عند قوله: ومن يبيع ما عليه حبساً إلخ. وهذا كله إذا كان التحجير في مسألة أن لا يبيع من البائع على المشتري، وأما العكس فقد قال ابن رشد في مسألة الأنكحة من أجوبته: لو اشترى رجل من رجل نصف بقعة على أن لا يقسمها معه ولا يبيعها ويشتركان في حرثها لوجب أن يجوز البيع ويبطل الشرط ولا يفسد البيع بالتحجير على البائع. اهـ. ونقله البرزلي فظاهره أن الشرط باطل في هذه ولو تمسك به المشتري، ولا تتوقف صحة البيع على إسقاط المشتري شرطه.
وكلُّ ما لَيْسَ لَهُ تَأثيرُ ** في ثَمَنٍ جَوَازُهُ مَأْثورُ

(وكل ما) أي شرط (ليس له تأثير في) جهل (ثمن) كشرط رهن أو حميل أو كون الثمن إلى أجل معلوم غير بعيد جداً (جوازه) مبتدأ ثان خبره (مأثور) والجملة خبر الأول أي: مروي صحيح، ويشمل كلامه ما يقتضيه العقد كشرط تسليم المبيع والرجوع بدرك العيب والاستحقاق فإن اشتراط ذلك مؤكد.
فإن قلت: شرط الأجل مما يزيد في الثمن وشرط الرهن والحميل مما ينقص منه ومقدار الزيادة والنقصان مجهول. قلت: شرط أن لا يبيع ونحوه لا يعود بمصلحة على أحدهما، بل بمضرة على المشتري بخلاف الحميل والرهن والأجل، فإن لكل منهما فيه مصلحة من توثق ونقص في الثمن وزيادته ولا ترد علينا مسألة إن باعها فهو أحق بها بالثمن لأن فيها تحجيراً أو نفعاً لأن النفع الذي للبائع في الشرط المذكور غير محقق لأن السلعة قد تؤول إلى رخص فيبيعها المشتري بأقل من الثمن الأول، فإذا أخذها البائع بالثمن الأول لم يكن له نفع والنفع الغير المحقق كلا نفع وأحرى لو كان على أن يأخذها بما بيعت به، إذ لا يدري بأي ثمن تباع، وأما مسألة اشتراط السلف في البيع ولو ضمناً كبيعه ممن له عليه دين على شرط أن ينقده الثمن ولا يقاصه به مع حلول دينه، فالمنع فيها ليس لخصوص التأثير في الثمن، بل لما فيها من الربا لأن المسلف ينتفع على سلفه بنقص الثمن أو زيادته وذلك عين الربا، ولذا كان يظهر لنا نقص في قول (خ): أو يخل بالثمن كبيع وسلف إلخ. وأن حقه أن يقول: أو يخل بالثمن وفيه ربا كبيع وسلف لتخرج مسألة الأجل وما معها لأنها تخل بالثمن، ولكن لا ربا فيها بل فيها مصلحة لأن هذا انتفع بالأجل والآخر انتفع بزيادة في الثمن أو التوثق. ولذا ورد الشرع بجوازها هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل والله أعلم. فلو قال الناظم:
والبيع والشرط المنافي إن وقع ** لما من التحجير ذا فيه امتنع

وكل ما ليس فيه تحجير ** ولا ربا جوازه مأثور

لتنزل على ما ذكرنا.
وَالشَّرْطُ إنْ كانَ حَرَاماً بَطَلاَ ** بهِ المبيعُ مُطْلَقاً إنْ جُعِلا

(والشرط إن كان حراماً) كشرط عدم منع الجارية الرفيعة من الدخول والخروج أو شرط أنها مغنية وقصد بذلك الزيادة في الثمن بإقرار أو بينة لا أن قال: قصدت بذلك التبرئ من عيب الغناء أو شرط الخيار إلى أمد بعيد لا يجوز مثله في تلك السلعة، أو بيع الدار على شرط أن تكون مجمعاً لأهل الفساد أو باعها على شرط أجل مجهول كقوله: لا نؤديك الثمن حتى تبيع سلعتك أو أشتري سلعة بثمن مؤجل على أنه إن مات فالثمن صدقة عليه، أو اشتري جارية على أنه إن وطئها فهي حرة أو عليه دينار أو باع الدابة ونحوها على شرط الحمل، أو باع الثوب على شرط أن لا يقلبه ولا ينشره أو على أنه بعشرة نقداً أو أكثر لأجل بشرط الإلزام، وهي مسألة بيعتين في بيعة، أو يبيعه على أن يعطيه شيئاً من الثمن ويشترط على المشتري أنه إن كره البيع لم يعد إليه ما دفعه، وإن أحبه حاسب به من الثمن وهي مسألة بيع العربان وتصويرهم لها يدل على أن البيع وقع على الخيار كما ترى، وهو نص المتيطية. وأما إن كان على اللزوم ويدفع بعض الثمن ويترك السلعة تحت يد البائع حتى يكمل له، فهذا لا يمنع وهو الواقع في زمننا كثيراً فإذا لم يرجع المشتري فهو ظالم فيرفع البائع أمره إلى الحاكم فيبيع السلعة ويقبضه بقية ثمنها بعد أن يثبت الشراء على الحلول وغيبة المشتري ويتبعه بالباقي إن لم يوف متى لقيه أو اشتراه على شرط أن البائع إذا أتاه بالثمن فالمبيع مردود عليه وهي مسألة الثنيا، وستأتي. فهذا كله مما يدخل في النظم فإذا وقع شيء من ذلك (بطلا به المبيع) بمعنى البيع فهو من إطلاق المفعول وإرادة المصدر كالمفتون بمعنى الفتنة، وتقدم نظير ذلك قبيل باب اليمين (مطلقاً) حذف الشرط أم لا أثر في الثمن خللاً أم لا. وإن كان الشرط من حيث هو في الحقيقة لا يخلو عن تأثير لأنه إن كان من البائع أثر الزيادة، وإن كان من المشتري أثر النقصان، ولا يقصد المتبايعان في الغالب، إلى اشتراط ما لا يترتب عليه نقص أو زيادة والله أعلم. (إن جعلا) أي وقع وقد تحصل مما مرّ أن الشرط الحرام يبطل معه البيع ولو حذف، والشرط المنافي للمقصود وشرط السلف في البيع يبطل معه البيع ما لم يحذف الشرط، وإذا بطل فيرد ولا غلة تصحبه، ولو علم المشتري بالفساد كما يأتي في الحبس والشرط الحلال الذي لا ينافي العقد بل يعود عليه بمصلحة كالرهن ونحوه يصح فيه البيع والشرط؛ فهذه ثلاثة أقسام وبقي قسم رابع فيصح فيه البيع ويبطل الشرط وهو ما أشار له (خ) في التناول بقوله: والعبد ثياب مهنته. وهل يوفي بشرط عدمها وهو الأظهر أو لا. كمشترط زكاة ما لم يطب وأن لا عهدة أي إسلام من عيب أو استحقاق أو لا مواضعة أو لا جائحة، أو إن لم يأت بالثمن لكذا فلا بيع إلخ. أي: فالبيع في ذلك كله صحيح والشرط باطل، ومعنى الأخير منها ما قاله أبو الحسن في شرح خلع المدونة عند قولها: أو الوعد إن ورطها. قال: يقوم منها أن من باع سلعة بشرط أن لا ينعقد البيع إلا عند دفع الثمن أن ذلك جائز كما قال في الخلع بخلاف ما إذا انعقد البيع بينهما، ثم قال: إن لم تأت بالثمن لكذا فلا بيع؛ فهذا يبطل فيه الشرط ويصح فيه البيع. اهـ. ابن عرفة: والبيع بشرط أن لا يبيع إن لم ينعقد إلى أجل قريب في فسخه وتمامه بشرطه تمامه بإبطاله. رابعها: يوقف المشتري إن نقد مضى وإلا رد ثم قال في البيوع الفاسدة منها لمالك: من اشترى سلعة على أن لم ينقد ثمنها إلى ثلاثة أيام، وفي موضع آخر إلى عشرة أيام، فلا بيع بيننا لا يعجبني البيع على هذا فإن نزل جاز البيع وبطل الشراء. اهـ. وضمان السلعة وإن كانت حيواناً من البائع حتى يقبضها المبتاع بخلاف البيع الصحيح تحبس فيه بالثمن، فإن هلاكها من المبتاع بعد عقده البيع اه كلامه. فظاهره أن السلعة إذا هلكت قبل قبضها في المسألة المذكورة فإن ضمانها من المبتاع لحكمه لصحة البيع فيها على هذا القول، ولا معنى للصحة إلا ترتيب آثارها عليها وغيره فتأمله والله أعلم.
تنبيه:
بيع الجارية لمن يعلم أنه يسامحها في الزنا ولا يمنعها الدخول والخروج ممنوع، وإن لم يشترط البائع ذلك عليه، وكذا بيع العنب لمن يعصرها خمراً وبيع السلاح من الكفرة وعصاة الإسلام وغير ذلك من كل ما يتأذى به مسلم، وكذا بيع الدار لمن يعلم أنه يتخذها مجمعاً لأهل الفساد وإن لم يشترط عليه أن يتخذها أو يتخذها كنيسة، وكذا الخشبة لمن يتخذها صليباً والنحاس لمن يتخذه ناقوساً وكل شيء يعلم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز. ولما ذكر أنه لا يجوز اجتماع البيع مع الشرط الحرام أو المنافي للمقصود ذكر أنه لا يجوز أيضاً اجتماعه مع شيء من عقود ستة فقال:
وَجَمْعُ بَيْعٍ مَعَ شَرْكةٍ وَمَعْ ** صَرْفٍ وَجُعْل وَنِكاحٍ امْتَنعْ

وَمَعْ مُسَاقَاةٍ وَمَعْ قِرَاضِ ** وَأَشْهَبُ الجَوازُ عَنْهُ مَاضِ

أي: لا يجوز اجتماع البيع مع واحد من هذه العقود الستة خلافاً لأشهب لتنافي أحكامها لأن حكم الصرف المناجزة، ويجوز في البيع التأخير والمناجزة، وإذا استحقت السلعة المبيعة مع الصرف لم يجز التمسك بالصرف، ولا يجوز الخيار في الصرف، ويجوز في البيع ويجوز التصديق في البيع ولا يجوز في الصرف. وأما الجعل؛ فحكمه عدم اللزوم بخلاف البيع ولا يكون في الجعل أجل بخلاف البيع والجعل على الأمانة بخلاف البيع، ويجوز فيه الغرر المنفرد به بخلاف البيع. وأما النكاح؛ فعلة عدم اجتماعه أيضاً مع البيع أن النكاح على المكارمة والبيع على المكايسة، ويجوز أن لا يدخل بالمرأة إلى سنة لموجب من صغر ونحوه، ولا يجوز تأخير القبض في المبيع المعين الحاضر. وأما المساقاة فلأنه يجوز فيها الغرر دون البيع وفيها بيع التمرة قبل الطيب، ولا يجوز ذلك في البيع وهي مستثناة من الإجارة المجهولة والبيع أصل في نفسه. وأما الشركة؛ فلأنها على الأمانة ولا كذلك البيع، ويجوز فيه الأجل دون الشركة فلا تكون إلى أجل. وأما القراض؛ فلأنه على الأمانة دون البيع وهو مستثنى من الإجارة المجهولة بخلاف البيع فهو أصل في نفسه. هذا معنى تنافي الأحكام، ووجه قول أشهب بجواز اجتماع هذه العقود أنه لما جاز كل عقد على انفراده جاز مجتمعاً. ابن الحاج: من اشترى نصف كرم واشترط على البائع زيادة في الغرس والتزريب لا يجوز لأن المغارسة من ناحية الجمل قارنها بيع فلا يجوز اجتماعهما، فإن فاتت وجب تصحيحها بالقيمة في نصف الكرم يوم القبض على المبتاع وغراسه له، وللمبتاع قيمة الغرس في النصف الآخر على البائع قائماً يوم الحكم على حاله اه من البرزلي. القرافي: ويجمعها قولك: جص مشنق ونظمها بعضهم فقال:
عقود منعناها مع البيع ستة ** ويجمعها في اللفظ جص مشنق

فجعل وصرف والمساقاة شركة ** نكاح قراض منع هذا محقق

وزاد أبو الحسن القرض أي السلف، فلا يجتمع مع البيع، ويمكن أن يكون استغنى عنه الناظم بدخوله فيما قبله من الشرط الحرام، وكما لا يجتمع البيع مع واحد من هذه السبع بزيادة القرض، كذلك لا يجتمع اثنان منها في عقد واحد لافتراق أحكامها كما علمته مما مرّ أيضاً، وعليه فينبغي أن يقال: ثمانية عقود لا يجتمع اثنان منها في عقد واحد ونظمها (ح) فقال:
عقود منعن اثنين منها بعقدة ** لكون معانيها معاً تتفرق

فجعل وصرف والمساقاة شركة ** نكاح قراض قرض بيع محقق

قال: وقرض يقرأ بغير تنوين ومعاً بمعنى جميعاً. قلت: وكما لا يجتمع الصرف مع واحد مما ذكر كذلك لا يجتمع مع الهبة. البرزلي: وكذا لا يجتمع بيع الخيار وبيع البت ولا بيع السلم وبيع النقد قال:
وَنَجَسٌ صَفْقَتُهُ مَحْظُورَه ** وَرَخَّصُوا فِي الزِّبْلِ لِلضَّرُورَه

(ونجس) بفتح الجيم أي عين النجاسة كالميتة وجلدها ولو دبغ أو متنجس لا يقبل التطهير كالزيت المتنجس ونحوه من سائر المائعات التي حلتها النجاسة (صفقته محظورة) أي ممنوعة على المشهور، وقيل: بجواز بيعه وهي رواية ابن وهب انظر شارح العمل عند قوله: والغسل بالصابون قد صنعه إلخ. وأما المتنجس الذي يقبل التطهير كالثوب المتنجس فيجوز بيعه مع البيان إن كان جديداً مطلقاً كغيره إن أفسده الغسل، وإن لم يبين فلمشتريه الرد لأنه عيب، فإن كان غير جديد ولا يفسده الغسل فليس بعيب، ولكن يجب البيان خشية أن يصلي فيه خصوصاً إن كان بائعه ممن يصلي قال (ح): وانظر أواخر بيوع العلمي فإنه ذكر أن العمل جار على جواز بيع الزيت المتنجس ممن يصلح به القناة أو يستصبح به أو يعمل منه الصابون، وذلك كله إذا كان المشتري ممن يوثق به ولا يغش، ونحوه في العلميات حيث قال: والغسل بالصابون إلخ. (ورخصوا في الزبل) أي فضلات الدواب الغير المأكولات اللحم ورجيع بني آدم (للضرورة) أي الانتفاع به، والماء المضاف بالنجاسات كالزبل في جواز بيعه للسقي به لضرورة الناس إليه قاله في المقرب. قال ابن القاسم: سمعت مالكاً يكره بيع رجيع بني آدم ولم أسمع منه في الزبل شيئاً ولا أرى به بأساً. اهـ. وفي النوادر عن ابن القاسم: لا بأس بأكل ما زبل به أي برجيع بني آدم. وقال أشهب: أكره بيع رجيع بني آدم إلا من اضطر إليه، والمبتاع أعذر في شرائه من بائعه. قال (ح): ويتحصل في بيع العذرة أربعة أقوال. المنع لمالك على فهم الأكثر من أن الكراهة على التحريم والكراهة على فهم أبي الحسن وهو ظاهر اللخمي من أن الكراهة على بابها والجواز لابن الماجشون. والفرق بين الاضطرار فيجوز وعدمه فيمنع لأشهب. قال: وأما الزبل ففيه ثلاثة أقوال. قاسه ابن القاسم على العذرة في المنع عند مالك، وعليه درج (خ) في قوله: لا كزبل إلخ. وقول ابن القاسم بجوازه، وقول أشهب المتقدم وأن المشتري أعذر من البائع، وعلى ما ذكره أبو الحسن وهو ظاهر اللخمي من أن الكراهة على بابها تكون الأقوال في الزبل أربعة أيضاً. اهـ. ببعض اختصار، وزيادة في الإيضاح، وعليه فلا يبعد أن يكون الناظم أراد بالزبل ما يشمل العذرة كما قررنا، وأما بيع زبل المأكول اللحم وهو الأنعام من بقر وإبل وغنم فجائز اتفاقاً في المذهب.
تنبيه:
ما تقدم من عدم جواز بيع جلد الميتة ولو دبغ هو المشهور، وقال ابن وهب: يجوز بيعه بعد الدبغ بشرط البيان، وعلى المشهور من عدم جواز بيعه فإن وقع واشترى بثمنه غنماً مثلاً فتوالدت وتعذر رده فإنه يتصدق بالثمن فقط نقله (ح). ومن استهلكه قبل الدبغ أو بعده فعليه قيمته. قال ابن ناجي في آخر كتاب الضحايا عند قولها: وإن كان أي الكلب مأذوناً في اتخاذه وقته غرم قيمته ما نصه: يقوم منها أن من قتل أم ولد رجل يغرم قيمتها، وأن من استهلك لحم أضحية فكذلك، وكذلك من استهلك زيتاً نجساً أو جلد ميتة أو زرعاً قبل بدو صلاحه. اهـ. وانظر تكميل المنهج أول البيوع.