فصل: فصل في بيع الثمار وما يلحق بها من المقاثي والخضر وذي النور كالورد ونحوه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في بيع الثمار وما يلحق بها من المقاثي والخضر وذي النور كالورد ونحوه:

بَيْعُ الثِّمَار والمَقاثي والْخُضَرْ ** بَدْوُ الصَّلاَحِ فِيهِ شَرْطٌ مُعْتَبَرْ

(بيع الثمار) من عنب أو تمر أو تفاح أو مشمش (والمقاثي) كالبطيخ والفقوس (والخضر) كاللفت والجزر والبصل والفجل (بدو) أي ظهور (الصلاح) (خ): وهو الزهو وظهور الحلاوة والتهيؤ للنضج، وفي ذي النور بانفتاحه والبقول بإطعامها (فيه) أي في جواز بيع جميع ما ذكر (شرط معتبر) لابد منه (خ): وصح بيع ثمر ونحوه بدا صلاحه إن لم يستتر ولا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه كما قال:
وحَيْثُ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُها امْتَنَعْ ** مَا لَمْ يَكُنْ بالشَّرْطِ لِلْقَطْعِ وَقَعْ

(وحيث لم يبد صلاحها امتنع) بيعها، وأما بدوه في بعض جنس ولو في نخلة واحدة أو دالية أو اسوداد عنقود أو حبات منه، فذلك كاف في ذلك الجنس كله وفي مجاوره إن لم تكن باكورة. (خ): وبدوه في بعض حائط كاف في جنسه إن لم تبكر إلخ. ويدخل في الثمار الحبوب كالقمح ونحوه. وبدو الصلاح فيها اليبس فإن بيع قبله فلا يجوز إلا أن يكون البيع فيه وقع بعد الإفراك على أن يتركه حتى ييبس أو يكون ذلك لعرف فيه فيمضي بقبضه كما قال (خ): ومضى بيع حب أفرك قبل يبسه بقبضه، وأما إن لم يشترط تركه ولا كان العرف ذلك فالبيع فيه جائز وإن تركه مشتريه حتى ييبس قاله ابن رشد، (ما لم يكن) البيع للذي لم يبد صلاحه (بالشرط للقطع وقع) فإنه يجوز بشروط ثلاثة. أن ينتفع به في الحين كالحصرم والفول الأخضر والفريك، وأن يضطر أي يحتاج المتبايعان أو أحدهما لبيعه كذلك، وأن لا يقع من غير أهل محله أو أكثرهم التوافق على بيعه للقطع قبل بدوه أو يعتادون ذلك، فان اختل شرط من هذه الثلاثة لم يجز لما في ذلك من الفساد وإضاعة المال فتحصل مما هنا ومما مرّ أن الثمرة يجوز بيعها قبل بدو صلاحها في ثلاثة مواضع. أحدها: إذا بيعت مفردة على شرط القطع كما هنا. ثانيها وثالثها: أن تباع مع أصلها أو تلحق به كما مرّ في قوله:
ومشتري الأصل شراؤه الثمر ** قبل الصلاح جائز فيما اشتهر

(خ): وصح بيعه قبل الصلاح مع أصله أو ألحق به أو على قطعه إن نفع واضطر له ولم يتمالأ عليه لا على التبقية أو الإطلاق.
وَخِلْفَةُ القَصيل ملْكُهُ حَرِي ** لِبَائِعٍ إلاّ بِشَرْطِ المُشْتَرِي

(وخلفة القصيل ملكه حري) أي حقيق (البائع) فإذا بيع القصيل ونحوه مما يجز ويخلف كالقرط والقضب فخلفته مملوكة للبائع، وإنما يملك المشتري الجزة الأولى (إلا بشرط المشتري) عند العقد أنه يشتري القصيل بخلفته فتكون له الخلفة حينئذ، ثم إنه يشترط في جواز شراء القصيل شرطان: أحدهما: أن يبلغ حد الانتفاع به، وثانيهما: أن لا يشترط تركه إلى أن يحبب لأنه حينئذ بيع للحب قبل وجوده، فإذا وجد الشرطان وبيع بخلفته فيشترط في جواز اشتراطها ثلاثة شروط. أن تكون مأمونة كأرض سقي بغير مطر، وأن يشترطها كلها لا بعضها، وأن لا يشترط ترك الخلفة إلى أن تجب أيضاً للعلة المتقدمة، وكذا تشترط هذه الثلاثة فيما إذا اشترى الخلفة بعد شراء القصيل، لكن إنما يجوز له شراؤها بشروطها المذكورة قبل جز القصيل لا بعده لأنه حينئذ غرر غير تابع، فإن اختل شرط من شرطي القصيل فسد العقد وفسخ إلا أن يفوت ففيه القيمة، وكذا إن اختل شرط من شروط الخلفة، وكلام (ز) فيه خلل والله أعلم. والقضب بفتح القاف وسكون الضاد ما يقضب أي يقطع مرة بعد مرة، والقرط بضم الطاء العشب الذي تأكله الدواب، ثم إن أرض المغرب ملحقة عندهم بأرض السقي، وعليه فإذا كان القصيل في فصل الشتاء بلغ حد الانتفاع به فيجوز بيعه مع خلفته التي يخلفها قبل فصل الصيف لأنهم جعلوا أرض المغرب مما يجوز كراؤها بشرط النقد كما يأتي في الإجارة إن شاء الله.
وَلا يَجُوزُ في الثِّمَار الأجَلُ ** إلاّ بِما إثْمارُه مُتَّصِلُ

(ولا يجوز في) بيع (الثمار) التي تطعم بطوناً كالمقاثي والياسمين (الأجل) كأن يبيعه ما تطعمه المقاثي أو الياسمين شهراً لاختلاف حملها قلة وكثرة كما في المدونة، بل إنما يجوز شراؤها على الإطلاق، ويكون المشتري جميع بطونها ولو لم يشترطها (إلا بما) أي إلا في الشجر الذي (إثماره متصل) لا ينقطع في سائر السنة كالموز فلابد فيه من ضرب الأجل لاستمرار إطعامه وعدم تمييز بطونه (خ): وللمشتري بطون كياسمين ومقثاة، ولا يجوز بكشهر ووجب ضرب الأجل إن استمر كالموز.
وَغَائِبٌ في الأرْضِ لا يُبَاعُ ** إلاّ إذَا يَحْصُلُ الانْتِفَاعُ

(وغائب في الأرض) كاللفت والجزر والفجل والبصل والثوم (لا يباع إلا إذا) بدا صلاحه وبدوه كما للباجي أن يستقل ورقه ويتم و(يحصل الانتفاع) به ولم يكن في قلعه فساد، وهذا فيه نوع تكرار مع ما قدمه أول الفصل.
وَجَائِزٌ في ذَاكَ أنْ يُسْتُثْنَى ** أكْثَرُ مِنْ نِصْفٍ لَهُ أَوْ أَدْنَى

(وجائز في ذاك) المبيع المتقدم من التمر والمقاثي والخضر (أن يستثنى) البائع منه (أكثر من نصف له) أي لنفسه (أو أدنى) من نصف كربع وثلث، وهذا في استثناء الشائع بدليل قوله:
وَدُونَ ثُلْثِ إنْ يَكُنْ ما اسْتُثْنِي ** بِعَدَدٍ أوْ كَيْلٍ أَوْ بِوَزْنِ

(ودون) صوابه وقدر كما في (خ) إلخ. (ثلث إن يكن ما) أي القدر الذي (استثني) معيناً محصوراً بدليل قوله: (بعدد) كأن يبيعه بستان الجوز ويستثني منه عشرة آلاف جوزة أو يبيعه مقثاة ويستثني منها مائة بطيخة (أو) محصوراً ب (كيل) كبيعه فدان زرع قائم بعد يبسه ويستثني منه وسقاً (أو بوزن) كبيعه ثمر حائطه ويستثني منه قنطاراً أو نحوه، فإن حزر أن عشرة آلاف من الجوز هي قدر ثلث البستان فدون، والمائة بطيخة قدر ثلث المقتاة فدون، والوسق قدر ثلث زرع الفدان فدون جاز الاستثناء المذكور وإلاَّ امتنع لكثرة الغرر، إذ لا يدري المشتري ما يبقى له بعد دفعه المستثنى فتحصل من النظم أن القدر الشائع يجوز استثناؤه مطلقاً وأن القدر المعين المحصور بعدد ونحوه يجوز استثناؤه إذا كان قدر ثلث فدون وإلى المسألتين أشار (خ) عاطفاً على الجائز بقوله وبيع صبرة وثمرة واستثناء قدر ثلث إلخ. ثم قال: وجزء مطلقاً.
تنبيه:
إذا كانت الثمرة أنواعاً واستثنى من نوع منها أكثر من ثلثه إلا أنه ثلث الجميع فأقل فاختلف فيه قول مالك، وأخذ ابن القاسم وأشهب بالمنع نقله (ز) قال: ومثل الاستثناء في العقد إذا أراد لما ذكر بعد العقد قبل قبض الثمن أو بعده وقبل التفرق إلخ. أي فإنه يجوز إذا كان العدد أو الوزن المشترى قدر الثلث فدون لأن اللاحق للعقد كالواقع فيه انظره.
وَإنْ يَكُنْ لِثَمَراتٍ عَيَّنا ** فَمُطْلَقاً يَسُوغُ مَا تَعَيَّنَا

(وإن يكن) البائع (لشجرات عينا) أي استثنى ثمر شجرات بأعيانها (فمطلقاً يسوغ) استثناء (ما تعينا) من الشجرات كهذه النخلة وهذه كان قدر الثلث أو أكثر لأن المبيع هو ما سواه وهو معين أيضاً، فهذه ثلاث مسائل: استثناء الجزء الشائع كربع ونحوه، واستثناء القدر المحصور بعدد أو كيل أو وزن، واستثناء نخلات بأعيانها، وبقيت مسألة رابعة لم يذكرها الناظم وهي: أن يبيعه أصل حائطه مع ثمرته أو ثمرته فقط على أن للبائع ثمر خمس نخلات أو سبع ونحوها يختارها منه، فيجوز بشرط أن تكون ثمرتها قدر الثلث فدون (خ): إلا البائع يستثنى خمساً من جنابه أي فيجوز إلا أنه لا مفهوم للخمس في كلامه، بل المدار على كون ثمرة ما يختاره ثلثاً فدون كما في المتيطية وغيرها.
وفي عَصيرِ الكَرَمِ يُشْرَى بالذَّهَبْ ** أوْ فِضَّةٍ أخْذُ الطَّعَامِ يُجْتَنَبْ

(وفي عصير الكرم) أو غيره من الأطعمة والأشربة ما عدا الماء (يشرى) أي يباع (بالذهب أو فضة) أو عرض (أخذ الطعام) كقمح أو تفاح أو غيرهما (يجتنب) لما فيه من اقتضاء الطعام عن ثمن الطعام وهو ممنوع للتهمة على بيع الطعام بالطعام نسيئة فلا مفهوم لعصير الكرم. قال في المدونة: لا يجوز لمن باع طعاماً أن يقبض فيه طعاماً من صنفه أو من غير صنفه إلا أن يأخذ منه ما باعه صفة وقدراً إن محمولة فمحمولة وإن سمراء فسمراء وهي إقالة. اهـ. وسواء أخذ ذلك قبل الأجل أو بعده. ابن عرفة في بيوع الآجال: ضابطة جعل المقتضى ثمناً للمبيع، ولذا امتنع أخذه عن كراء أرض بعين أو عرض، وكذا أخذ اللحم عن ثمن الحيوان من جنسه وعكسه. اهـ. وكذا لو أخذ الدراهم عن الذهب الذي هو ثمن الثوب وعكسه، أو أخذ ثوب القطن عن غزله إذا كان بعد مدة يمكن أن ينسج فيها لأنهما يتهمان على بيع الشيء بما يخرج منه وهو مزابنة كما مر.
تنبيه:
قال فيها أيضاً: وإن أحلت على ثمن طعام لك من له عليك مثل الثمن من بيع أو من قرض لم يجز للمحال به أن يأخذه له من الطعام إلا ما كان يجوز لك أن تأخذه من غريمك. اهـ.
تنبيه آخر:
قال البرزلي: كان شيخنا يعني ابن عرفة يجيز لمن عليه طعام أن يرسل من يشتري طعاماً بمال الطالب ثم يتقاضاه منه الطالب قال: وظاهره ولو كان من ناحيته وسببه ولعله خففه مراعاة لمن يجيز أن يقتضي من ثمن الطعام طعاماً وهو قول خارج المذهب والله أعلم. ونقله العلمي في نوازله وفي البرزلي أيضاً سئل المازري عمن اضطرته الحاجة إلى اقتضاء الطعام من ثمن الطعام؟ فأجاب بأنه لا يجوز ثم قال في آخر كلامه: ولكن إن لم يقدر على خلاص الثمن إلا بالطعام فيفعلانه على وجه سائغ يأخذ الطعام ويوكل به من يبيعه على ملك ربه فينفذه للحاضر ويقضي البائع ويفعله بإشهاد من غير تحيل على إظهار ما يجوز وإبطال ما لا يجوز.
قلت: مثله يقع اليوم عندنا يعطي الزرع للبادية فلا يجد ما يأخذه فيعطيه الحيوان والسؤال كالسؤال والجواب كالجواب. اهـ. ونقله الملوي في مسائل التصيير.