فصل: فصل في الجائحة في ذلك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في الجائحة في ذلك:

أي في الثمار وما ألحق بها.
وكُلُّ مَا لاَ يُسْتَطَاعُ الدَّفْعُ لَهْ ** جَائْحَةٌ مِثْلُ الرِّياح المُرْسَلَه

(وكل ما) أي شيء (لا يستطاع الدفع له) والاحتراز منه إذا أصاب الثمر فأتلف ثلثها فأكثر فهو (جائحة) لها وذلك (مثل الرياح المرسله) تسقط الثمرة بها والثلج والبرد والمطر الغالب والعفن والجراد والدود والطير والفأر والنار وغاصب وسارق.
وَالجَيْشُ مَعْدُودٌ مِع الجَوائِحِ ** كَفِتْنَةٍ وكالعَدُوِّ الكاشِحِ

(والجيش) يمر بالنخل ليأخذ ثمرته (معدود من الجوائح) لأنه لا يستطاع دفعه (كفتنة) تقع في البلد فينجلي عنه أهله أو يقل وارده بسببها فلا يجد مشتري الثمرة من يبيعها له كمن اكترى فندقاً أو حماماً فانجلى أهل البلد عنه أو قل وارده ولم يجد من يسكنه فلا كراء علية انظر شرح الشامل. (وكالعدو الكاشح) يمنع مشتري الثمرة من الوصول إليها حتى سقطت الثمرة وتلفت، والكاشح المضمر للعداوة ولبعضهم في نظم الجوائح ما نصه:
جوائح أشجار الثمار كثيرة ** وعدتها ست وعشر فهاكها

فقحط وثلج ثم غيث وبردها ** وعفن وريح والجراد وفارها

ودود وطير غاصب ثم سارق ** وغرق وجيش والمحارب نارها

والمحارب داخل في العدو، والكاشح وقد ذكر (خ) منها أموراً زائدة على هذا فانظر ولابد ومحل كون السارق والجيش جائحة ما لم يعرف السارق أو واحد من الجيش وإلا اتبع السارق بقيمة ما سرق ولو معدماً ولا يكون جائحة، وكذا الواحد من الجيش يتبع بالجميع لأنهم كالحملاء عن بعضهم بعضاً ما لم يكن ذلك الواحد معدماً غير مرجو يسره عن قرب، فالأظهر أنه جائحة قاله ابن عرفة.
فإنْ يَكُنْ مِنْ عَطَشٍ ما اتَّفَقَا ** فالوَضْعُ لِلثَّمن فِيهِ مُطْلَقَا

(وإن يكن من عطش ما اتفقا) أي وإن يكن ما وقع من الجائحة حصل من العطش (فالوضع للثمن فيه مطلقا) بلغ الثلث أو لا. كأن المجاح ثمرة أو ما ألحق بها من بقول ونحوه لأنه لما كان سقي الثمرة على البائع أشبه ما فيه حق توفية قاله في ضيح.
وإنْ تَكُنْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِي الثَّمَرْ ** ما بَلَغَ الثُّلْثَ فَأَعْلَى المُعْتَبرْ

(وإن تكن) الجائحة (من غيره) أي العطش (ففي الثمر) والفول الأخضر والفريك ونحوها لا يوضع منها إلا (ما بلغ الثلث) من مكيله (فأعلى) لأن ثلث المكيلة فأكثر هو (المعتبر) عندهم في وضعها مما ذكر (خ) وتوضع جائحة الثمار إلى قوله: إن بلغت ثلث المكيلة إلخ. أي: ولا توضع فيما نقص عن ثلث المكيلة ولو كانت قيمته ثلثاً فأكثر كما لو أجيح سدس الثمرة الذي طاب أو لا. وقيمته لغلائه عشرة وقيمة ما بقي لرخصه بتأخيره في الطيب عشرون لم توضع على المشهور.
وَفي البُقولِ الوَضْعُ في الكَثِيرِ ** وَفي الَّذِي قَلَّ عَلَى الْمَشْهُورِ

(وفي البقول) وهي التي يؤكل ما خرج منها فوق الأرض دون الداخل فيها وذلك كالكرنب والخس والهندبا ونحو ذلك (الوضع في) المجاح (الكثير) الذي بلغ الثلث فأكثر (وفي الذي قل) عن الثلث كالسدس ونحوه (على المشهور) وإنما وضعت في البقول مطلقاً لأن غالبها من العطش وحمل ما أجيح منها بغيره عليه.
وَألْحَقُوا نَوْعَ المَقَاثي بالثَّمَرْ ** هِنَا وَمَا كالْيَاسَمِين والجَزَرْ

(وألحقوا نوع المقاثي) وهي التي تطعم بطناً بعد بطن كبطيخ وفقوس وقرع وباذنجان ونحوها (بالثمر هنا) فلا توضع الجائحة فيها إلا إذا بلغت الثلث (و) ألحقوا بها أيضاً (ما) كان (كالياسمين) والورد من كل ما يجنى ويبقى أصله (و) ألحقوا بها أيضاً مغيب الأصل كالبصل (والجزر) واللفت ونحوها. وهذا القول من أن مغيب الأصل كالجزر واللفت والفجل ملحق بالثمار. قال في المتيطية: هو الذي القضاء ومقابله أنها كالبقول وهو المشهور ومذهب الدونة، قال فيها: وأما جائحة البقول والسلق والبصل والجزر والفجل والكراث وغيرها فيوضع قليل ما أجيح منه وكثيره. اهـ. وعليه اقتصر (خ) إذ قال: وتوضع جائحة الثمار وإن قلت كالبقول والزعفران والريحان والقرط وورق التوت ومغيب الأصل كالجزر إلخ. فتحصل أن المقاثي وهي ما تطعم بطناً بعد بطن ملحقة بالثمار وأن مغيب الأصل كالبصل والكراث والجزر فيه قولان. وأن الجائحة توضع من العطش مطلقاً وإن كانت من غيره ففي الثمار والمقاثي لا يرجع بها إلا إذا بلغت الثلث، وفي البقول وهي التي يؤكل ما خرج منها فوق الأرض يرجع بها مطلقاً.
والقَصَبُ الحُلْوُ بِهِ قوْلانِ ** كَوَرَقِ التُّوتِ هُما سِيَّانِ

(والقصب الحلو به) أي فيه (قولان) مذهب المدونة، وعليه اقتصر (خ) أنه لا جائحة فيه لأنه إنما يباع بعد بدو صلاحه بظهور الحلاوة فيه فهو بمنزلة ما تناهى طيبه وما أجيح بعد تناهي الطيب لا جائحة فيه كما يأتي. وقال ابن القاسم: توضع الجائحة في القصب الحلو. ابن يونس: وهو القياس، وصحح في الشامل أنه كالبقول إذ قال: وتوضع من بقول وقصب سكر أو غيره، وإن قلت على الأصح وثالثها كالثمار. اهـ. وانظر ما مراده بقوله: أو غيره لأن غير القصب الحلو هو القصب الفارسي وهو لا جائحة فيه لأنه خشب (كورق التوت) التشبيه في القولين (هما) أي القولان (سيان) في القصب الحلو وورق التوت من غير ترجيح، وقد علمت أن المشهور منهما في القصب الحلو عدم الجائحة وأن المشهور منهما في ورق التوت هو الجائحة كما مر عن (خ).
تنبيه:
موت دود الحرير هو من جائحة ورقة كمن اكترى حماماً فلم يجد من يسكنه كم مرّ، ولما كانت الجائحة إنما توضع إذا حصلت قبل انتهاء الطيب كما قال (خ) إن تناهت الثمرة فلا جائحة إلخ. نبه الناظم على ذلك فقال:
وَكُلُّهَا البَائِعُ ضَامِنٌ لها ** إنْ كانَ ما أُجِيحَ قَبْلَ الانْتِهَا

(و) الثمار (كلها البائع ضامن لها وإن كان ما أجيح قبل الانتها)، فمفهومه إنه إذا أجيحت بعده فلا ضمان عليه وظاهره كظاهر (خ) أنها بانتهاء الطيب تخرج من ضمان البائع وإن لم يمض من الزمان ما يمكن قطعها فيه وهو أحد أقوال ثلاثة. والثاني حتى يمضي ذلك، والثالث حتى يمضي ذلك ويمضي ما يجري العرف بالتأخير إليه، وأشار إلى هذا الخلاف ابن عرفة بقوله: ففي كون ضمان الثمرة من مبتاعها بتناهي طيبها وإن لم يمض ما يمكنه فيه جذها أو بمضيها ثالثها بمضي ذلك وما يجري العرف بالتأخير إليه. اهـ. وهذا القول هو المعتمد وعليه اقتصر اللخمي فقال: وكذلك العنب إن أجيح قبل أن تستكمل عسيلته كان ضمانه من البائع، وإن استكملها وكان بقاؤه ليأخذه على قدر حاجته لئلا يفسد عليه إن قطعه دفعة واحدة كان على البائع أيضاً إن كانت العادة بقاءه لمثل ذلك، وإن كانت العادة جذه حينئذ جميعاً فأخره ليأخذه على قدر حاجته كان من المشتري. اهـ. وعليه فإذا أخرها بعد انتهاء طيبها ومضى ما يمكن جذها فيه لجريان عرف الناس بالتأخير لبقاء النضارة والرطوبة فيأخذها بقدر حاجته، فالجائحة فيها وهي رواية سحنون وهو المذهب كما يفيده (خ) وغيره، ويفيده كلام المتيطي في نهايته لقوله: إذا أجيحت بعد انتهاء طيبها وإمكان جذاذها بمضي مدة يمكنه جذها فيها قبل بلوغ الحد، الذي يعرف من التراخي في جذها فتجب الجائحة على قول مالك بالجائحة في البقول. اهـ. وأما إن كان تأخيره لشغل عرض له أو لسوق يرجو إنفاقها فلا جائحة كما في (خ) والبرزلي وغيرهما، فمفهوم الناظم فيه تفصيل بين أن تجتاح بعد انتهاء الطيب وبعد مضي ما جرت العادة بالتأخير إليه فلا ضمان على البائع وبين أن تجتاح قبل مضي ما جرت العادة بالتأخير إليه فالضمان منه، وأما منطوقه فمسلم لأن ما أجيح قبل انتهاء الطيب ضمانه من البائع اتفاقاً، ثم اعلم أن الثمار على قسمين: ما شأنه أن ييبس ويدخر ويحبس أوله على آخره كالتمر والعنب والزيتون والجوز واللوز، فهذا إذا أجيح منه ثلث المكيلة فأكثر وضع على المشتري بنسبة ذلك فإن أجيح الثلث وضع عنه ثلث الثمن أو النصف فنصف الثمن وهكذا، ولا يلتفت هنا إلى القيمة اتفاقاً وإن أجيح أقل من الثلث فلا يوضع عنه شيء. الثاني: ما لا يحبس أوله على آخره كالمقاثي والورد والياسمين والتفاح والرمان والخوخ والتين والعنب في بعض البلدان ونحو ذلك مما تختلف أسواقه في أول مجناه ووسطه وآخره فإن كان الذاهب ثلث المكيلة أو وزنه أو عدده فإنه ينسب في ذلك قيمة ما أجيح إلى قيمة ما بقي سليماً وتعتبر قيمة المجاح في زمنه وقيمة غيره في زمنه أيضاً، فإذا أجيح بطن من مقثاة اشتريت بتسعة مثلاً فإنه يحفظ عدده، ثم إذا جنى بطنين وانقطعت فإنه يحفظ عددهما أيضاً وينظر حينئذ إلى البطن المجاح من البطنين السالمين، فإن كان المجاح ثلث عدد بطون المقثاة أو ثلث وزنها إن كانت تباع وزناً فيقال حينئذ: ما قيمة البطن المجاح يوم الجائحة وما قيمة الثاني والثالث يوم جذاذهما؟ فإذا قيل قيمة الأول يوم الجائحة ثلاثة لغلائه في وقته، وقيمة الثاني في زمنه اثنان لرخصه عن الأول، وقيمة الثالث في زمنه أيضاً واحد فإنه يرجع عليه بنصف التسعة، وكذا إن كانت قيمة الثلث المجاح خمسة أسداس القيمة فإنه يرجع عليه بخمسة أسداس الثمن. وهكذا. وأما إن كان المجاح أقل من الثلث فإنه لا يوضع شيء هذا حكم ما له بطون، وكذا النوع الواحد الذي لا يحبس أوله على آخره كالعنب ونحوه في بعض البلدان لأنه قد تكون عادتهم جارية باستعجال بيع ما طاب منه وأن كل ما طاب منه شيء أتى به للسوق فيكون حكمه كذوي البطون.
تنبيهان:
الأول: قال في النهاية: فإن ادعى البائع أن المبتاع كان جذ قبل الجائحة كثيراً من الثمرة لو أضيف إلى ما بقي بعد الجائحة لم يبلغ المجاح منها الثلث فهنا يقال للمبتاع: أثبت أن ما أدركته الجائحة في الثمرة ووقف الشهود عليه هو جميع ما ابتعته منها فإن قدر على ذلك دون مدفع للبائع فيه حكم له بالجائحة وإن عجز عن إثبات ما ادعاه من أنه لم يجذ من الثمرة شيئاً أو جذ منها شيئاً يسيراً حلف له البائع ولا تحط له الجائحة وله قلب اليمين عليه. اهـ. وعن ابن الحاج أن أرباب المعرفة يتحروا التحقيق فيما جنى المبتاع قبل ويقولون في شهادتهم أن الذي أذهبت الجائحة ثلث ثمر الجنة المبيعة مع ما أكل المبتاع قبل الجائحة، فإذا شهدوا هكذا وجب الحكم بالجائحة وإن قصروا في تخمين ما أكله المبتاع. وإنما شهدوا أن الجائحة في ثلث ما بقي فهي شهادة ناقصة والواجب أن يحلف البائع أن الجائحة أقل من ثلث الباقي مع ما جنى المبتاع وتسقط الجائحة، فإن نكل حلف المبتاع أنها في الثلث وحكم بها ولو أجيحت الجنة كلها فاختلفا، فالبائع يدعي أن المبتاع جنى منها والمبتاع ينفي ذلك أو يدعي قليلاً، فإن القول للمبتاع في ذلك. ولو اختلف المقومون هل المجاح الثلث أو أقل فيحتمل أن يقضي بأعدل البينتين أو يحكم ببينة الثلث لإيجابها حكماً، وهو الأظهر إلا أن يقال ينظر للأعدل مراعاة لمن يقول لا جائحة، ولأن الشهادة في عين واحدة كالشهادة على قدم الضرر وحدوثه. اهـ. وذكر ابن فتحون أن تقدير جائحة الثمرة يكون بوجهين. أحدهما: تقديرهم ما تحمل هذه الثمرة على التوسط من حملها في السنين فيقال وهو كذا. والثاني: تقديرهم أن هذا الذي عاينوه مجاحاً ساقطاً في أصول الثمرة أو فاسداً في رؤوسها هو الثلث الذي قدروه من حملها على التوسط وأما لو قدروا هذا المجاح فيما بقي صحيحاً في رؤوس الثمرة بحسب ما أعطاهم ما عاينوه فيها من السالم أو المجاح لم يعمل هذا العقد شيئاً بمجرده وافتقر إلى تسليم البائع أن المبتاع لم يجذ من الثمرة شيئاً. اهـ. وقد تحصل من هذا كله أن الثمرة إذا أجيحت كلها فالقول للمبتاع أنه لم يجذ منها شيئاً بيمينه أو أنه جذ شيئاً قدره كذا، وأما إن أجيح بعضها وادعى البائع أن المبتاع قد جذ من الثمرة قبل الجائحة وأنكر المبتاع ذلك أو ادعى أنه جذ شيئاً يسيراً، فإن المبتاع يكلف بإثبات ذلك كما مرّ عن المتيطية، وكيفية إثباته إما بأن يشهد الشهود بأنهم عاينوا الثمرة وقت المبيع والساقط منها الآن والباقي في رؤوسها وأن ذلك كله هو القدر الذي رأوه أولاً. وإن كان الساقط هو نصف ما كان وقت البيع والباقي في رؤوسها هو ربعه فيكون ما جناه المبتاع هو الربع الآخر، وإما بأن يتحروا التحقيق فيما جنى المبتاع حيث لم يعاينوها وقت البيع كما مرّ عن ابن الحاج. وكيفية تحريه هو ما ذكره ابن فتحون فيقولون: ما تحمله هذه الثمرة على التوسط من حملها في السنين قنطاراً أو وسقاً مثلاً، وقدر الباقي منه ربعه والساقط بالجائحة نصفه فيكون الربع الآخر جناه المبتاع، وهكذا إذا أقر المبتاع بأنه قد جنى منها أو نكل عن اليمين التي قلبها عليه البائع وإن ادعى أنه لا يدري قدر ما جنى أو غاب أو مات، فإن الشهود يتحرون التحقيق فيما جناه كما قال ابن الحاج. وكيفية التحري لذلك هو ما تقدم عن ابن فتحون. هذا ما ظهر لي في فهم هذه الأنقال والتوفيق بينها، وإنما أطلت في هذه المسألة لأنها كثيرة الوقوع.
الثاني: لابد من قطع الشهود بحصول السبب الذي أجيحت ولا يكفي قولهم: ظهر لنا أنها أجيحت من العطش ونحوه إذ قد يكون إنما عطش من عدم إيصال الماء وقد قال في النهاية في صفة الشهادة بذلك ما نصه: فمن علم نزول المطر أو البرد في الجهة المذكورة وأن الجائحة كانت بسببه قيده لسائله إلخ. وقال في العطش: وإنها قحطت بذهاب سد نهرها الذي كانت تسقى منه أو بانهرار بئرها أو تغوير مائها وقد رأوأ ما ذكر من ذهاب السد وانهرار البئر وتغوير الماء إلخ.