فصل: فصل في الغبن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في الغبن:

بفتح الغين وسكون الباء الموحدة وهو عبارة عن شراء السلعة بأكثر من القيمة بكثير فيغبن المشتري أو يبيع بأقل من القيمة بكثير فيغبن البائع قاله (م) وهو يقتضي أن لكل من البائع والمشتري القيام بالغبن. ولا يقال الثمن يتبع الرغبات فقد يرغب المشتري في الشيء فيعطي فيه أكثر من قيمته بكثير، فكيف يصدق في الغبن وأنه لم يكن له رغبة فيه؟ لأنا نقول ثبوت كونه جاهلاً بالقيمة ينفي عنه إذ لا يقال زاد على القيمة للرغبة حتى يكون عارفاً بها، وإذا قلنا إن كلاً من العوضين مبيع بالآخر كما مرّ أول البيوع فيكون هذا الحد شاملاً لما تقدم في فصل بيع العروض من قوله: وبيع ما يجهل ذاتاً بالرضا إلخ. فإذا جرى العمل بالقيام بالغبن في الثمن فكذلك يجري به في المثمن كما مر التنبيه عليه والله أعلم. ثم المشهور عدم القيام بالغبن كما قال (خ) ولم يرد بغلط إن سمي باسمه ولا بغبن ولو خالف العادة إلخ. وهذا كله إذا لم يستأمنه ويخبره بجهله بالقيمة فيقول له: إن قيمته كذا والأمر بخلافه، وإلاَّ فله القيام باتفاق عند ابن رشد من غير شرط من الشروط الآتية فمحل الشروط إنما هو إذا درجنا على مقابل المشهور كما قال:
وَمَنْ بِغَبْنٍ في مَبِيعٍ قَامَا ** فَشَرْطُهُ أنْ لاَ يَجُوزَ العَامَا

(ومن يغبن في مبيع) عقاراً أو حيواناً أو غيرهما (قاما) وأراد الرد به (فشرطه) أي القيام به (أن لا يجوز العاما)
وَأَنْ يَكُونَ جَاهِلاً بِمَا صَنعْ ** وَاغَبْنُ بالثُلْثِ فَمَا زَادَ وَقَعْ

(وأن يكون) القائم (جاهلاً بما صنع) من بيعه بأقل من القيمة أو شرائه بأكثر منها (و) أن يكون (الغبن بالثلث) يتعلق بقوله وقع (فما زاد وقع) وقيل: لا قيام به إلا إذا زاد على الثلث، وقيل يقام به مطلقاً وعلى ما للناظم فالثلث هنا كثير فيزاد على قول ابن غازي:
والثلث نزر في سوى المعاقله ** وفي الجوائح وحمل العاقله

وكذا يزاد عليه ما مر في قول الناظم في عيب الأصول:
وإن يكن لنقص ثلثه اقتضى ** فما علا فالرد حتم بالقضا الخ

وظاهر النظم أنه إذا وجدت الشروط الثلاثة ثبت له القيام كان البيع بالمزايدة أو بالمساومة عرض البائع سلعته على أناس شتى أم لا. والذي في الكراس الثالث من معاوضات المعيار مسلماً ما نصه: سئل الفقيه بركات البازوي عن القيام بالغبن هل يعم جميع البيوع أو يختص بغير بيع المزايدة، وهل يتنزل منزل بيع المزايدة تعويض صاحب السلعة ببيعها على أناس شتى وترغيبه إياهم فيها وهي أصل أو غيره، وهل تنفع شهادة من عرضت عليه إن أنكر القائم ذلك؟ فأجاب: أما بيع المزايدة فلا يتصور فيه غبن وكذلك غيره في معروف المذهب ولا بيع الاستئمان، وفيه ورد الحديث: ومشهر سلعته لا غبن فيه، وشهادة من عرضت عليه حائزة. اهـ. فقوله: لا يتصور فيه غبن يعني اتفاقاً بدليل قوله: وكذلك غيره في معروف المذهب لأنه إنما حكى الخلاف في غيره وهو المساومة، وقوله: ولا بيع الاستئمان إلخ. إنما يتمشى على ما لابن عبد السلام من أن المشهور عدم القيام بالغبن، وظاهره ولو استأمنه واسترسله، وبالجملة فهذه الفتوى جارية في بيع المساومة على المشهور وفي الاستئمان على ظاهر ما لابن عبد السلام، والمقصود منها أن بيع المزايدة لا يتصور فيه غبن وما ذاك إلا لكون قيمته هي ما وقفت عليه، ولاسيما في الأصول بعد المناداة عليها الشهر والشهرين، ويؤيده ما مر عن السيوري وابن رشد في البيع على الغائب والمحجور والمفلس بعد المناداة وعدم إلغاء زائد خلافاً لما في الكراس الثاني عشر من المعيار أيضاً عن ابن البراء من أن الغائب له القيام بالغبن إذا أثبته اللهم إلا أن يحمل ما لابن البراء على أن الغرماء باعوا بغير تسويق ولا مناداة إذ ليس في السؤال أنهم باعوا الدار بعد تسويقها فيكون حينئذ موافقاً لما قبله والله أعلم. وإذا علمت هذا بطل ما يفعله أرباب البصر من شهادتهم بالغبن في الدور والأجنات التي وقع النداء عليها الشهر والشهرين ونحو ذلك، وقوله: ولا بيع الاستئمان إلخ. تقدم أن هذا محل اتفاق عند ابن رشد، وأنه لا يحتاج فيه لشرط، والاستئمان والاسترسال والاستسلام بمعنى واحد خلافاً فالظاهر (خ) وقوله: وفيه ورد الحديث يعني قوله (صلى الله عليه وسلم): (عين المسترسل ظلم) إلخ. والاسترسال أن يقول له: بعني كما تبيع الناس أو اشتر مني كما تشتري من الناس. فيقول: نشتري من الناس بكذا ونبيع منهم بكذا، ويظهر الأمر بخلاف ذلك.
تنبيهات:
الأول: كلام الناظم إنما هو في الغبن الواقع في بيع الرشيد متاع نفسه، وأما بيع الوصي والوكيل فالغبن فيه ما نقص عن القيمة نقصاً بيناً، وإن لم يبلغ الثلث. وتأمل قول (خ) في الوكالة: وتعين في المطلق نقد البلد ولائق به وثمن المثل إلخ. وانظر (ح) وشراح نظم العمل قبل جامع مسائل من أبواب قال (ق): وانظر قد نصوا أن بيت المال أولى ما يحتاط له، فالبيع عليه كالبيع على المحجور قال: وانظر إذا لم يقم المحجور إلا بعد أعوام، فقد سئل ابن لب عن دار مشتركة بين قوم منهم مالك أمر نفسه، ومنهم محجور باعوها من الغير ثم قاموا عليه بعد أعوام؟ فأجاب: بأن المالك أمر نفسه مرور العام قاطع لحكم قيامه، وأما المحجور فينظر له، لكن ترك الوصي النظر لمحجوره من غير عذر معلوم كأنه مشعر بتفريط حق المحجور بطول المدة وتصرف المشتري طول عمارته في ذلك، فالصواب أن لا يتعرض للمشتري وأن تكون التباعة للمحجور بما نقصه على الناظر عليه. اهـ. فظاهره أنه لا تباعة له على المشتري ولا ينقض البيع ولو لم يفت وهو مخالف لما في نوازل العلمي عن المجاصي وغيره من أن طول المدة لا يضر، يعني إذا قام قبل مضي العام من رشده قال: فإن فات المبيع فلا ينقض البيع فيه، وإنما تكمل القيمة على المشتري فإن تعذر تكميلها فعلى الناظر على المحجور أيّاً كان أو غيره لتفريطه وليحتفظ القاضي على عدم نقض العقود ما استطاع فإنها لا تنتقض إلا بالأمر البين. اهـ. فعلم منه أن طول المدة إنما يمنع القيام مع الفوات لا مع عدمه، وعليه يحمل قول العلمي أواخر البيوع من نوازله ما نصه: وأما السفيه يبيع عنه وصيه فله القيام ولو بعد السنة إذا باع بما لا يتغابن الناس بمثله ولو لم يبلغ الثلث. اهـ. وهذا كله إذا تحقق الغبن مع طول المدة ولم يقع فيه اشتباه ولا شك، وإلاَّ ففيه أيضاً بعد هذا عن سيدي العربي يرد له في محجور قام بالغبن ما نصه: القيام بالغبن فيما باعه الإنسان من غيره معمول به، لكن مع طول المدة وهو ضعيف من جهة عدم تحققه لأن الناس سيما العامة يغلب عليهم الميل إلى الحالة الراهنة، ويشتبه عليهم حال المدة الماضية لاسيما مع طول المدة، فإذا كان الشيء في الحال مغتبطاً به فربما توهموا أن الاغتباط فيه قديم، ففتح القيام بالغبن مع طول المدة يتسع معه الخرق، لكنني لم أقف على النص في عينها، والله أعلم.
قلت: ولعمري أن هذا لهو الحق لأن الغبن إذا كان يعتبر يوم العقد ومضت المدة المديدة فكيف يمكنهم الجزم بوجود الغبن وقت العقد ولاسيما مع قلة ديانة أرباب البصر في هذا الوقت، ولعل هذا المعنى هو الذي تلمحه ابن لب في فتواه المتقدمة حتى قال: إنه لا يتعرض للمشتري وإنما التباعة على الناظر، وما ذاك إلا لعدم تحقق وجوده مع طول المدة المديدة، وإلاَّ فيفسخ البيع إن لم يفت فإن فات فالتباعة على المشتري أو وجد ملياً وإلا فعلى الناظر كما مر فالناظر متأخر في الغرامة قطعاً لأنه كواهب لمال غيره والله أعلم.
الثاني: قال سيدي محمد بن عبد الصادق في شرحه على المختصر ما نصه: الغبن على القول به إنما يعتبر يوم البيع فلا يعتبر تغير الأسواق بعد ذلك، وعليه فما وقع في عصرنا هذا في شراء الغلة الصيفية وكذلك شراؤهم ورق التوت ومن يشتري ذلك الغالب عليهم أنهم من أهل المعرفة بأثمان ذلك، فحصل كساد كبير أذهب رؤوس الأموال لأربابها فقاموا بذلك فأفتوا بأنهم لا قيام لهم لأنه ليس بجائحة، ولأن الغبن يعتبر فيه وقت العقد، ولأن المشتري لذلك من أهل المعرفة. اهـ.
الثالث: ما تقدم من أن الناظر يغرم هو أحد قولين. قال البرزلي عقب قول ابن رشد: والوصي قد أخطأ على مال الأيتام يعني حيث باعه بغبن ما نصه: يريد بعد اجتهاد فلا ضمان عليه ويغرم من حصل تحت يده مع الفوت كما إذا أنفق التركة على الأيتام، ثم ظهر دين ويتخرج على ما في كتاب ابن المواز من كتاب الوصايا أن الوصي هنا يغرم ولا يغرم من حصل في يده لأنه جعل الوصي يغرم في الخطأ وهو يجري على الخلاف في المجتهد يخطئ هل يعزر بخطئه أم لا. اهـ. فتأمله مع ما تقدم عن ابن لب والمجاصي وقال (ز) في باب الغصب: لا شيء على مجتهد أتلف شيئاً بفتواه ويضمن غيره إن انتصب وإلا فقولان. وانظر القسم الثالث من تبصرة ابن فرحون قال فيه ما يخالفه.
وَعِنْدَ ذَا يُفْسَخُ بِالأَحْكَامِ ** وَلَيْسَ لِلْعَارِفِ مِنْ قِيَامِ

(وعند ذا) أي عند اجتماع الشروط المذكورة (يفسخ) البيع (بالأحكام) وظاهره ولو تمم المشتري القيمة وهو كذلك ومحل فسخه ما لم يفت بيد مشتريه بشيء من مفوتات البيع الفاسد، وإلاَّ فيتعين الرجوع بتمام القيمة كما مرّ وقاله ابن رشد وصرح به ابن سلمون وغيره خلاف ما يوهمه (ح) في آخر كلامه حيث قال: وأما القيام بالغبن يفوت بالبيع إلخ. فإنه يجب تأويله بأن المعنى والقيام بفسخ البيع بالغبن يفوت بالبيع إلخ. لا الرجوع بتمام القيمة فإنه لا يفوته، ثم إذا فسخ البيع حيث لم يفت فلا شفعة لمن رجعت له حصته فيما باع شريكه بعد الغبن وقبل نقضه ولا لشريكه شفعة أيضاً فيما رجع لمالكه قاله ابن رشد، (ح) والبرزلي وابن عرفة وغيرهم. (وليس للعارف) بقيمة المبيع (من قيام) بالغبن إلا أن يستأمنه ويسترسله فله القيام، ولو كان عارفاً كما مر، وهذا مفهوم قوله: وأن يكون جاهلاً بما صنع.