فصل: فصل في التولية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في التولية:

وهي كما لابن عرفة تصيير مشتر ما اشتراه لغير بائعه بثمنه. (والتصيير) وهو دفع شيء معين ولو عقاراً في دين سابق.
توْليةُ الْمبيعِ جَازتْ مُطْلقَا ** وَلَيْسَ في الطَّعَامِ ذاك مُتَّقَى

(تولية) الشيء (المبيع) لغير بائعه بثمنه (جازت مطلقاً) كانت قبل قبض المشتري للمبيع أو بعده (وليس ذاك في الطعام) قبل قبضه (متقى) أي ممنوعاً، بل تجوز فيه قبل قبضه كالشركة فيه والإقالة لأن الثلاثة معروف رخص فيها الشارع صلوات الله عليه كما رخص في اشتراء العرية المشار إليها بقوله. (خ): ورخص لمعير أو قائم مقامه اشتراء ثمرة تيبس أن لفظ بالعرية وبدا صلاحها وكان يخرصها ونوعها إلخ. وقولنا: لغير بائعه احترازاً مما إذا كان لبائعه فإنه إقالة. وقولنا بثمنه احترازاً مما إذا كان بأقل أو بأكثر، فإنه بيع فلا تجوز فيه قبل قبضه، وظاهره أن التولية في الطعام وغيره جائزة ولو على تأخير الثمن لأجل معلوم، وهو كذلك ما لم يكن الشيء المولى بالفتح سلماً وإلاَّ فلابد أن يتعجل المولي بالكسر رأس المال ناجزاً لئلا يدخله بيع الدين بالدين، وهو أشد من ابتداء الدين بالدين لما مر أن ابتداءه يجوز تأخره ثلاثاً، ولو بشرط.
والشَّرْطُ في التصْيير أنْ يُقَدَّرَا ** دَيْنٌ والإنْجَازُ لمَّا تَصَيَّرَا

(والشرط في) صحة (التصيير) وتمامه أمران أحدهما (أن يقدر دين) أي يعلم قدره لأنه ثمن للمصير بالفتح (و) ثانيهما (الإنجاز) لقبض (ما تصيرا) ومفهوم الشرط الأول أنه إذا لم يعرفا معاً أو أحدهما قدر الدين لم يجز، وهو كذلك لأنه مبايعة فلا يجوز مع جهل العوضين أو أحدهما إلا إذا تعذرت المعرفة بكل حال، فيجوز حينئذ على وجه التحلل كما يأتي في مسألة التمخي آخر الفصل، وكما تقدم في قوله في الصلح:
وجائز تحلل فيما ادعى ** ولم تقم بينة للمدعى

فانظر ذلك هناك، ومفهوم الشرط الثاني أنه إن تأخر القبض للشيء المصير ولو لبعضه لأن الصفقة إذا بطل بعضها بطلت كلها، فإن التصيير لا يجوز وهو كذلك إن كان الشيء المصير غير معين كأن يصير له في الدين الذي عليه عرضاً أو حيواناً أو طعاماً موصوفاً فيمنع، ولو وقع القبض في البعض دون البعض بلا خلاف لأنه فسخ دين في دين، وأما إن كان المصير معيناً كحيوان أو عرض معينين أو دار كذلك ففيه خلاف واضطراب كثير، والمشهور المعمول به كما هو ظاهر النظم المنع، ولو وقع القبض في البعض دون البعض أيضاً، وبه أفتى (خ) في قوله: وككالئ بمثله فسخ ما في الذمة في مؤخر ولو معيناً يتأخر قبضه كغائب ومواضعة ومتأخر جذاذه ومنافع عين إلخ.
واعلم أن تصيير المعين في الدين من باب بيع معين يتأخر قبضه، وقد تقدم تفصيله صدر البيوع في بيع الأصول، ولذا كان القول بعدم افتقاره للحيازة قوياً صوبه ابن سهل، ورجحه ابن يونس، وصححه المتأخرون كما لابن عبد السلام، ونقله (ز) وأفتى به اليزناسني لأنه من ناحية المعاوضات وهي لا تفتقر للحيازة لدخول المعين الحاضر في ضمان المشتري بالعقد، ومثله العقار الغائب لأنه يدخل في ضمانه بالعقد أيضاً، والقول بافتقاره لها راعى فيه شبه فسخ الدين في الدين وليس ذلك فسخاً حقيقياً، ولذا قال الشيخ (م): والجاري على القواعد أن تصيير المعين لا يفتقر إلى قبض إذ المعين لا تحمله الذمم، وإذا كان كذلك فليس من فسخ الدين في الدين. اهـ.
ولذا قال ابن سلمون أيضاً: وأما إن كانت يعني الدار المصيرة قد نظرت إليها فالتصيير جائز بلا خلاف، يعني ولو تأخر قبضها. ولعل ما ذكره من عدم الخلاف هو طريقة له، وفي أواخر الصلح من المعيار جواب لمؤلفه قال فيه ما حاصله: إذا كان التصيير في معين مؤخر والتأخير يسير كالثلاثة الأيام ففي جوازه ومنعه اضطراب، ومذهب المدونة المنع وساق كلامها ثم قال: وإن كان التأخير كثيراً فإما بشرط أو غيره، فإن كان بشرط فيبطل وإن كان بغيره فابن القاسم في المدونة يمنع وأشهب في العتبية يجيز، وبقول ابن القاسم جرى عمل الموثقين والحكام. اهـ. باختصار. ومراده بالتأخير الكثير هو ما يتغير المعين إليه غالباً كما مرّ صدر البيوع، وإذا أجاز أشهب التأخير الكثير بغير شرط فأحرى أن يجيز اليسير، وظاهرهم أن التأخير ولو في المعين الحاضر يفسد التصيير على المعمول به ولو لم يدخلا عليه، ولو كان يسيراً ويفسخ مع القيام ولو قبضه المصير إليه إلا أن يفوت ببيع صحيح ونحوه مما يفوت البيع الفاسد، وهو كذلك كما قاله سيدي مصباح حسبما في المعيار فيمن صير لزوجته أرضاً في صداقها فلم تقبضها إلا بعد أشهر أو أعوام أو يوم. قال في الجواب الذي اتصل به العمل: أن التصيير لا يتم إلا بالحوز بإثر العقد وإن تراخى القبض عن ذلك كان بيعاً فاسداً يرد مع القيام، وإن فات بما يفوت به البيع كانت فيه القيمة يوم القبض. اهـ.
قلت: فظاهر قوله في السؤال أو يوم أن التأخير اليسير لا يغتفر، وسيأتي في البيتين بعده ما يخالفه، وأيضاً كون التأخير الذي لم يدخلا عليه مفسداً للتصيير مخالف لما في صلح المعيار من أنه إذا وقع الصلح بدنانير عن دراهم أو بالعكس وتأخرت من غير شرط فالصلح جائز قال: وهو صريح قولها أول الكتاب: وإن تأخرت الدنانير من غير شرط جاز. اهـ. وإذا جاز هذا في صرف ما في الذمة مع كون باب الصرف أضيق فأحرى أن يجوز في التصيير، ولاسيما التصيير في المعين لأنه أمر جر إليه الحال ولم يدخلا عليه ولا قصداه، ولأنه من بيع المعين الذي يدخل في الضمان بالعقد ولا تحمله الذمة كما مر، وعليه فإذا حازه المصير إليه بعد ذلك التأخير الحاصل من غير شرط لم يفسخ ويجبر الآبي على حيازته، وإنما قلنا ذلك لأن العقد وقع على الصحة أي على أن يقبضه الآن، والعقد الواقع على الصحة لا يفسخ بما طرأ عليه كما قالوه في مساقاة الحائط الغائب أنه يشترط أن يصله العامل قبل طيبه، وأنه إن تراخى فوصله بعد طيبه لم تفسد، فالذي ينبغي اعتماده أو يجب عدم الفسخ فيما إذا حصل التأخير من غير شرط، ولهذا قال البرزلي في نوازل الإقرار: إذا صير الإنسان لامرأته في كالئها أو في دين يعلم سببه نصف داره وسكن معها إلى أن مات فهو تصيير جائز إذا لم يشترط عليها السكنى فيها، وقيل مردود والأول أظهر. اهـ. وقال ابن سراج كما في (ق): إذا خدم معك من لك عليه دين بغير شرط فإنه يجوز لك أن تقاصه عند الفراغ من الذي عليه، وبهذا أفتى ابن رشد لظهوره عنده إذ ما كان يخفى عليه قول ابن القاسم. اهـ. فقوله لظهوره عنده صريح في أنه اعتمد في فتواه قول أشهب، فيكون ابن القاسم على هذا لا يجيز المقاصة ولو بعد الفراغ لأنه عنده عقد فاسد لاتهامهما على تصيير الخدمة المتأخرة عند الاستيفاء في الدين فلا يصدقان في عدم القصد والشرط، وإذا فسد العقد عنده فيرجع العامل بأجرة مثله ويتحاسبان لأن مذهبه أن التأخير اليسير ممنوع، وقول الشيخ بناني معترضاً على الشيخ (ز) ما أفتى به ابن رشد من المقاصة موافق لابن القاسم لا مخالف له فيه نظر كما ترى وبعد كتبي ما تقدم عن المعيار والمدونة وقفت على مثله لأبي العباس الملوي في تحريره، فالحمد لله على الموافقة.
تنبيهات:
الأول: إذا شهدت بينة بحوز المصير له شهراً ثم رجع إلى يد المصير بعد ذلك لم يبطل التصيير قال ناظم العمل:
وللحيازة افتقر التصيير ** وحوزه شهر وذاك تكثير

وأما إن شهدت إحداهما بحوز المصير له ونزوله في الدار بالمعاينة أو الاعتراف ولم تشهد باستمرار الحيازة شهراً أو شهدت الأخرى بأنه لم يزل بيد المصير وأنه لم يخرج من يده أصلاً فإن الشهادة بعدم خروجه من يده تقدم لأنها أثبتت استمرار عدم الحيازة والأخرى لم تتعرض للاستمرار، فيمكن أن يكون رجع ليده بعد معاينة الحوز قبل مضي الشهر، وقد بينا ذلك في حاشية اللامية، وسيأتي ما فيه من الخلاف في أوائل الحبس إن شاء الله.
الثاني: إذا لم تقع حيازة في التصيير حتى مات المصير فحازه المصير له بعد موته وباعه فقام وارث المصير على المشتري محتجاً بفساد التصيير، فالجاري على ما به العمل أنه بيع فاسد وهو يفوت بالبيع الصحيح لأن الفساد حصل بمجرد التأخير سواء وقع القبض في حياة المصير أو بعد موته كما هو ظاهر من كلام سيدي مصباح المتقدم وغيره، وفتوى بعضهم بنقض البيع فيه لأن قبضه بعد الموت كالعدم فبيعه بعده تصرف في ملك الغير إلخ. غير سديد لأن هذا إنما يتم لو كان التصيير محض هبة، وقد علمت أنه معاوضة باتفاق، ولكن تأخير القبض فيه يصيره معاوضة فاسدة على المعمول به يجري على حكمها، لكن كان القياس أنه يمضي مع الفوات بالثمن لأنه بيع مختلف فيه لا بالقيمة كما قال سيدي مصباح إلا أن يقال ما في (خ) من مضي المختلف فيه بالثمن قاعدة أغلبية فقط لأنهم أوردوا على مضي المختلف فيه بالثمن مسائل قاله الملوي.
الثالث: اختلف على القول باشتراط الحيازة هل لابد من المعاينة أو يكفي فيه اعتراف المصير والمصير له؟ قولان: والثاني منهما هو المشهور المعمول به، وإذا تنازعا فادعى أحدهما الحوز على الفور وادعى الآخر التأخير جرى على الاختلاف في دعوى الصحة والفساد في البيع، وقد علمت أن القول لمدعي الصحة قاله أبو عمران، وبه أفتى العقباني وغيره كما في شرح العمل، وعليه فقولهم لابد فيه من فور الحوز أي لابد أن يثبت بالبينة أو باعترافهما أو يدعيه أحدهما، وإذا كان القول لمدعي الصحة فمحله إذا لم يغلب الفساد، وقد قال الملوي في تحريره: الغالب في التصيير للزوجة عدم حوزها فيكون القول حينئذ لمدعي عدم فور الحوز، فالتصيير مخالف للهبة. ونحوها من التبرعات إذ لابد فيها من المعاينة كالرهن ومحل هذا إذا لم يكن في التصيير محاباة وغبن وإلاَّ فلابد من المعاينة لأن المحاباة هبة، وفي الطرر: وإذا ثبت الغبن والمحاباة في التصيير ولم تصح فيه الحيازة بطل. اهـ. ومحله أيضاً إذا لم يكن الدين ثبت بإقرار وإلاَّ فلابد من المعاينة لاتهامهما على قصد الهبة والتحيل على إسقاط الحيازة فلا تنتفي التهمة إلا بالمعاينة، وهذا كله على ما مر من أن المشهور ثبوت الحوز بالاعتراف، وأما على ما صدر به في المعين من أن الاعتراف بالحوز غير كاف ونحوه في الطرر وابن سلمون قائلاً: به العمل، فلا فرق بين التصيير والتبرعات في وجوب معاينة الحوز.
الرابع: في البرزلي عن ابن حديد: إذا صير الزوج دار سكناه لزوجته ولم يخلها من متاعه وعمله فذلك دين بدين وبيع فاسد على قول ابن القاسم، وبه قال شيوخ قرطبة ابن لبابة وغيره وبه العمل. اهـ. باختصار. ونقله في المعيار أيضاً عن بعضهم ونحوه في المتيطية قائلاً: لا يجوز تصيير دار السكنى للزوجة إلا أن يخليها من سكناه وأمتعته فيتم لها قبضها هذا هو المشهور المعمول به. اهـ. وخالف ابن رحال في هذا فقال: إن التصيير في غير مسألة الزوجة شرطه الحوز وإلاَّ فسد، ومسألة الزوجة فيها خلاف والصواب هو المضي لأن مسألة الزوجة حائزة بعض الحوز ولا كذلك من لم يحز أصلاً بدليل أن الصدقة تحاز مع المصدق وتصح. اهـ. وأشار بقوله: بدليل أن الصدقة تحاز مع المتصدق إلخ. إلى ما صدر به ابن سهل حسبما في (ق) آخر القرض من أن التصيير لا يحتاج إلى حيازة، وبه أفتى ابن عتاب وابن القطان وابن مالك في مسألة تصيير نصف دار السكنى قال: وهو الصواب لأنه قول مالك فيمن وهب أجنبياً جزءاً من ماله مشاعاً واعتمر الموهوب له مع الواهب أنه جائز. اهـ. وفيه نظر لأن الزوجة في مسألة تصيير نصف الدار لها أو تصييرها كلها لها لم تعتمر لنفسها شيئاً في الحقيقة إذ سكناها على الزوج والمعتمر في الحقيقة هو الزوج بخلاف مسألة صدقة الجزء المشاع فالمتصدق عليه قد حاز لنفسه.
الخامس: تقدم في النكاح أن عادة البوادي أن يسموا في الصداق عيناً ويدفعوا عنها عرضاً أو حلياً أو شورة أو عقاراً وذلك جائز لا يفتقر لحيازة وأنه ليس من التصيير. قال أبو العباس الملوي بعد نقول ما نصه: قد بان لك من هذا أن من عقد على شيء والمقصود دفع غيره فالعبرة بذلك المقصود وكأن العقد وقع عليه ابتداء، فإذا تزوج بنقد والمقصود بالشرط أو العادة دفع عقار فكأنه تزوج بذلك العقار ابتداء فلا يحتاج إلى حيازة والعادة دفع الشورة فكأنه تزوج بالشورة ابتداء فيجري على قول (خ): وجاز بشورة الخ. اهـ. وانظر ما يأتي الأول فصل الإجارة ففيه م يوافقه.
السادس: إذا لم يحز المصير له الشيء المصير على الفور فباعه المصير، فهل يكون بيعه نقضاً للتصيير؟ قولان. والراجح كما يفيده (ح): أنه نقض للتصيير ويمضي البيع الواقع منه والهبة كالبيع، وهذا كله حيث وقع البيع قبل فواته بيد المصير له وإلاَّ فبيعه غير معتبر قاله الملوي.
السابع: في أقضية المعيار: من توفي عن زوجة وأولاد صغار فطلبت الزوجة مهرها فصير لها فيه ربع من التركة بغير نداء عليه ولا حاكم فقال: إذا لم يكن بالموضع حاكم واجتمع وجوه الموضع وعدوله وطلبوا الزيادة في مظانها أو لم يشيدوه، ولكن قوم بقيمة مستوفاة بحيث لا تمكن فيه الزيادة لرشيد فالتصيير ماض ولا مقال للورثة، ولو لم يكن شيء من ذلك فلهم القيام.
وَالْعَرْضَ صَيِّرْه بِلاَ مُنَازَعَهْ ** وَالْحَيَوَانَ حَيْثُ لا مُوَاضَعَهْ

(والعرض) بالنصب على الراجح من باب الاشتغال (صيره) في الدين (بلا منازعة) أي بلا خلاف في جواز تصييره، وإنما الخلاف في كونه يفتقر للحيازة أم لا كما مر. (والحيوان) صيره أيضاً بهيمياً كان أو عاقلاً كالرقيق (حيث لا مواضعة) تجب في الأمة المصيرة ولم يقع التصيير على عهدة الثلاث أو خيار لأحدهما في الإمضاء والرد ونحو ذلك مما يوجب تأخير قبض الشيء المصير وعدم دخوله في ضمان المصير إليه كما مر في قول (خ) ولو معيناً يتأخر قبضه كغائب ومواضعة إلخ.
وَجَائِزٌ فيهِ مزِيدُ العَيْنِ ** حَيْثُ يَقِلُّ عنه قدْرُ الدَّيْنِ

(وجائز فيه) أي في التصيير (مزيد) مصدر ميمي أي زيادة (العين) من المصير له (حيث يقل عنه) أي عن ثمن الشيء المصير (قدر الدين) بأن يكون الدين مائة ويصير له فيه داراً تساوي مائة وعشرين على أن يزيده رب الدين عشرين، وظاهر إطلاقه جواز ذلك ولو تأخرت العشرون المزيدة وهو كذلك كما لصاحب التيسير والتسهيل، وبه قررت كلام الناظم وقول ابن سلمون والمتيطية وغيرها إن كان التصيير في دين وزيادة زادها فلابد له من القبض الناجز إلخ. إنما يعنون قبض الملك المصير لا الزيادة إذ لا وجه لمنع تأخيرها لأجل معلوم خلافاً لما فهمه ابن رحال و(م) من تناجز قبض الزيادة والله أعلم. وأما عكس النظم وهو ما لو كان الدين مائة ودفع الدار في ثمانين فجائز أيضاً إن بقيت العشرون لأجلها أو قبضها بحضرة العقد وإلا بأن أخره بها عن أجلها امتنع للبيع والسلف.
وَالْخُلْفُ في تصْييرِ مَا كَالسُّكْنَى ** أوْ ثَمَرٍ مُعَيَّنٍ لِيُجْنَى

(والخلف في تصيير ما) هو منفعة (ك) تصيير (السكنى) في دار أو حانوت أو ركوب دابة أو سفينة ونحو ذلك مما لا يقبض دفعة واحدة بل شيئاً فشيئاً فابن القاسم يمنع ولو شرع في قبض المنفعة أثر العقد لأن قبض الأوائل ليس كقبض الأواخر عنده، وأشهب يجيز لأن قبض الشيء عنده قبض لجميع منافعه. قال بعض القرويين: وهو أقيس. قال ابن سراج: يجوز فسخ الدين في معين اليوم ونحوه، فإذا كان للإنسان دين على آخر فقال له: احرث معي غداً واقتطع لك من دينك، فهذا جائز على قول أشهب، ورجحه ابن يونس. وفي المتيطية يجوز في الشيء اليسير أن تعطي غريمك ثوباً يخيطه لك من دينك عليه وشبه ذلك فإن كثر العمل لم يجز. اهـ. وظاهره أن هذا على مذهب ابن القاسم، وأما على مذهب أشهب فلا فرق بين العمل القليل والكثير فيؤخذ من هذا جواز التأخير اليسير في حيازة التصيير كاليوم واليومين على مذهب ابن القاسم، إذ فسخ الدين في الدين يغتفر فيه ما قرب كما قال (خ): والأضيق صرف إلى قوله ثم إقالة عروض وفسخ الدين بناء على أن معنى الضيق والسعة في ذلك جواز التأخير اليسير فيما عدا الصرف، فالتأخير اليسير مع اشتراطه جائز على ما يقتضيه شراحه هنالك، وأما مع عدم الاشتراط فتقدم أنه لا فرق بين اليسير والكثير. (أو ثمر معين ليجنى) فابن القاسم يمنع أن يأخذ عن دينه ثمراً معيناً في رؤوس أشجاره يقتطفه بعد تناهي طيبه لأنه فسخ في معين كما مر، وأشهب يجيزه كما يجيز أخذ الدابة الغائبة والأمة التي تتواضع والعبد بالخيار ونحو ذلك كما مر.
وَامْتَنَعَ التَّصْييرُ لِلصَّبِيِّ ** إنْ لَمْ يَكُنْ ذَا أَبٍ أَوْ وَصِيِّ

(وامتنع التصيير) من مدين عليه دين (للصبي إن لم يكن) الصبي (ذا أب أو وصي) أو مقدم بل كان مهملاً، وإنما امتنع لأنه تصيير يتأخر قبضه إذا قبض الصبي كلا قبض فيدخله فسخ الدين في الدين على ما مر. والتعليل بكون قبض الصبي يتعذر لكونه كلا قبض نحوه لابن سلمون عن ابن فتحون، ومعناه أن الصبي بالخيار في إمضاء عقد التصيير إن رشد كما قال (خ) في الحجر: وله إن رشد إلخ. فيكون حينئذ تصييراً بخيار وهو ممنوع على المذهب كما مر، فقبضه حينئذ كالعدم وبهذا يفارق حكم الهبة التي يعتبر فيها قبضه كما يأتي في قوله: ونافذ ما حازه الصغير إلخ. وبهذا يعلم أنه لا مفهوم لقوله للصبي، بل المراد المحجور ولو بالغاً، ومفهوم الشرط الجواز إذا قبضه الأب أو الوصي من المصير فإن تأخر قبضهما جرى على ما مر، فإن كان الأب والوصي هما المصيران للمحجور في دين معلوم له عليهما وحازا ذلك له صح وجاز لأن كلاً منهما يحوز لمحجوره ما يعرف بعينه، وإن لم تشاهد البينة حوزهما بل إقرارهما بالحوز له كاف، وإن قدما من يحوز له فكذلك قاله في المعيار عن أبي الضياء مصباح وأبي الحسن الصغير قال أبو العباس الملوي: استفيد من ذلك أن حيازة الأب لابنه ما صيره له في دين ترتب له عليه ماض كما استفيد منه أن الاعتراف بالحوز كاف حتى فيما يحوزه الأب أو نائبه للابن، ويفهم منه أيضاً أن اعتراف المصير وحده كاف، ولكن المسألة مفروضة في التصيير للمحجور. اهـ.
قلت: تقدم أن الاعتراف بالحوز كاف على المشهور، ولو كان التصيير لغير المحجور وأنهما إذا اختلفا في فور الحيازة وعدم فوريتها فالقول لمدعي فوريتها لأن ذلك راجع لدعوى الصحة والفساد في البيع، وهو صريح في أن الاعتراف بالحيازة من أحدهما كاف ولو في غير المحجور فلا حاجة لقوله: ولكن المسألة مفروضة إلخ. وقولي في دين معلوم له عليهما احترازاً مما إذا كان الدين مجهولاً أصله أو قدره فيجوز أيضاً كما قال:
والأَبُ كَالْوَصِيِّ في التَّصْييرِ ** تَمَخِّيَاً بالجْهْلِ لِلْمَحْجُورِ

(والأب كالوصي في التصيير) للمحجور (تمخياً) أي تبرياً من تمخيت من الشيء إذا تبرأت منه وتحرجت قاله الجوهري وهو مفعول لأجله أي لأجل التمخي (ب) سبب (الجهل) بقدر ما في الذمة أو بأصله (للمحجور) يتعلق بالتصيير أي ويصير الوصي أو الأب لمحجوره ما يتحرى به براءة ذمته حيث جهل قدر الدين أو جهل أصله والأول واجب والثاني مندوب، ويصح قبضه للشيء المصير ما لم يكن دار سكناه، وإلاَّ فلابد من إخلائها كما يأتي في الحبس والهبة فإن قوم كراءها بعدلين واستمر ساكناً بها صح ذلك ولم تبطل الهبة قاله في هبات المعيار. والظاهر أن التصيير كذلك كما أن الظاهر أنه إذا استمر ساكناً بنصفها في التصيير من غير تقويم لكرائها فإنه يبطل ذلك النصف فقط، وإن سكن الجل بطل الجميع كالهبة والله أعلم. وتقدم في الشفعة أن هذا التمخي لا شفعة فيه.