فصل: (فرع: المساقاة على عوض مجهول)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: مدة عقد المساقاة]

قال الشافعي: (وتجوز المساقاة سنة)، وقال في (الإجارة) في موضع: (لا تجوز الإجارة أكثر من سنة)، وقال في موضع: (يجوز أن يؤاجر عبده وداره ثلاثين سنة)، وقال في (الدعوى والبينات): (يجوز ما شاءَا).
ولا يختلف أصحابنا في أن المساقاة والإجارة في ذلك واحدة، واختلفوا في أكثر مدتهما على وجهين:
فـالأول: منهم من قال: في المسألتين ثلاثة أقوال:
أحدهما: لا تجوز أكثر من سنة؛ لأنهما عقدان على غرر، فكان القياس يقتضي أن لا يصحا، وإنما حكم بصحتهما للحاجة، والحاجة لا تدعو إلى أكثر من سنة؛ لأن منافع الأعيان تتكامل فيها.
والثاني: تجوز ثلاثين سنة، ولا يجوز أكثر منها؛ لأنها مدة كثيرة، ولأنها نصف العمر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين». فالأشياء لا تبقى على حالة واحدة أكثر منها.
والثالث: يجوز العقد على كل عين ما بقيت، وبه قال أكثر أهل العلم، وهو الصحيح.
قال الشيخ أبو حامد: فإن كان عبدًا.. جازت إجارته ستين سنة، وإن كانت دابة.. فمن خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة، وإن كانت دارًا.. فما بين مائة سنة ومائة وخمسين، وإن كانت أرضًا.. فخمسمائة سنة وأكثر، كما يصح أن يبيعه بثمن مؤجل إلى ذلك الوقت.
والوجه الثاني منهم من قال: المسألة على قولين:
أحدهما: لا تجوز أكثر من سنة.
والثاني: تجوز ما بقيت العين.
فأما الثلاثون: فإنما ذكرها الشافعي على سبيل التكثير، لا على سبيل التحديد.
إذا ثبت هذا: فإن ساقاه على نخل سنة بنصف ثمرتها، أو أجره عينًا لسنة بأجرة معلومة.. لم يجب ذكر قسط كل شهر من العوض المشروط؛ لأن شهور السنة لا تختلف.
وإن أجره عينًا سنتين بعوض، وقلنا: يصح.. فهل يحتاج إلى أن يبين قسط كل سنة من ذلك العوض؟ فيه قولان:
أحدهما: وهو اختيار المسعودي [في "الإبانة" ق \ 327] أنه لا يفتقر إلى ذلك، كما إذا اشترى منه أعيانًا بثمن واحد، فإنه لا يفتقر إلى تبيين قسط كل عين منها.
والثاني: يفتقر، وهو اختيار الشيخ أبي حامد؛ لأن عقد الإجارة معرض للفسخ بتلف المعقود عليه، فإذا أطلق الأجرة لجميع المدة.. ربما لحقها فسخ، فاحتيج إلى تقسيط الأجرة على المدة، وذلك يشق ويتعذر، فشرط ذلك في عقد الإجارة؛ ليستغني عن ذلك.
وإن ساقاه على أصول سنتين.. فهل يجب ذكر قسط كل سنة؟ من أصحابنا من قال: فيه قولان، كالإجارة. ومنهم من قال: يجب ذكره، قولًا واحدًا؛ لأن الثمار تختلف باختلاف السنين.

.[فرع: حدوث الثمرة بعد انقضاء مدة المساقاة]

وإن ساقاه عشر سنين، فانقضت العشر، ثم أطلعت الثمرة.. فلا حق للعامل فيها؛ لأنها حادثة بعد انقضاء المدة، وإن أطلعت في آخر العشر.. ملك العامل جزءًا منها؛ لأنها حدثت قبل انقضاء المدة.

.[مسألة: حصة عامل المساقاة تجب من الثمرة]

ولا تصح المساقاة إلا أن يشترط للعامل جزءًا معلومًا من الثمرة، كالنصف والثلث وما أشبههما؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج من النخل والشجر»، ولأن المقصود من المساقاة على أن يقتسم رب المال والعامل الثمرة، فإذا لم يعلم ما للعامل.. لم يمكنهما القسمة.
فإن قال: ساقيتك على هذه النخل، على أن لك نصيبًا من ثمرتها، أو قسطًا، أو جزءًا.. لم يصح؛ لأن ذلك مجهول؛ لأنه يقع على القليل والكثير.
وإن قال: ساقيتك على أن لك نصف الثمرة، وسكت عن الباقي.. صح ذلك، وجهًا واحدًا؛ لأن جميع الثمرة لرب المال، فإذا شرط للعامل نصفها.. بقي الباقي على ملكه.
وإن قال: ساقيتك على أن لي نصف الثمرة، وسكت عما للعامل.. فقد قال المزني، وعامة أصحابنا: لا تصح المساقاة؛ لأن جميع الثمرة لرب المال، وإنما يستحق العامل بعضها بالشرط، ولم يشرط له شيئًا. وحكي عن أبي العباس: أنه قال: يصح، ويكون الباقي للعامل؛ لأن قوله: ساقيتك.. يقتضي اشتراكهما في الثمرة، فإذا شرط لنفسه شيئًا من الثمرة.. بقي الباقي للعامل. والأول أصح.
فإذا قلنا بالأول: فعمل العامل.. فهل يستحق أجرة؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يستحق؛ لأنه رضي أن يعمل بغير عوض.
والثاني: يستحق أجرة المثل؛ لأن المساقاة تقتضي العوض.
وإن قال: ساقيتك على هذه النخيل، على أن الثمرة كلها لي.. لم يستحق العامل شيئًا من الثمرة؛ لأنه لم يشترط له منها شيئًا، فإن عمل الأجير.. فهل يستحق أجرة؟ على الوجهين.
وإن قال: ساقيتك على أن الثمرة كلها لك.. لم يصح؛ لأن هذا شرط ينافي مقتضى المساقاة، فإن عمل الأجير.. استحق أجرة المثل، وجهًا واحدًا؛ لأنه لم يرض بغير عوض.
وإن قال رب النخيل لرجل: اعمل لي على هذه النخلة، والثمرة كلها لي.. قال الشيخ أبو حامد: فإن ذلك كالبضاعة، فتكون الثمرة كلها لرب النخيل.
وإن قال له: خذ هذه النخيل، واعمل عليها، والثمرة كلها لك.. قال الشيخ أبو حامد: فإن ذلك يكون قرضًا للنخيل، كما لو قال: اعمل لي على هذه الدراهم، والربح كله لك.
ولعل الشيخ أبا حامد أراد: أن النخيل تكون مقبوضة بحكم القرض الفاسد؛ لأن اقتراض النخيل لا يصح، واقتراض الثمرة على النخل لا يصح، والذي يقتضي المذهب: أنه أباح له ثمرة النخل؛ لأن الإباحة تصح في الموجود والمعدوم، والمعلوم والمجهول.

.[فرع: تعليق مساقاة على مساقاة]

وإن قال: ساقيتك على هذا البستان بالنصف، على أن أساقيك على البستان الآخر بالثلث.. لم يصح؛ لأنه في معنى بيعتين في بيعة.
وإن كان بين رجلين نخل، فقالا: ساقيناك على أن لك نصف الثمرة.. صح، ويكون النصف الآخر بينهما على قدر أملاكهما، وسواء عرف العامل نصيب كل واحد منهما أو لم يعرفه؛ لأن نصيبه معلوم، وهو النصف من نصيب كل واحد منهما، فصح، كما لو قالا له: بعناك هذه الدار بألف.. فإنه يصح وإن لم يعلم قدر نصيب كل واحد منهما.
وإن شرطا له النصف من نصيب أحدهما، والثلث من نصيب الآخر، فإن عرف العامل نصيب كل واحد منهما.. صح؛ لأنه عوض معلوم، وإن لم يعرف ذلك.. لم يصح؛ لأنه مجهول.
فإن ساقى رجل رجلين على نخل له، وقال: ساقيتكما على أن لكما نصف الثمرة بينكما.. صح، ويكون النصف بينهما نصفين؛ لأن الإضافة تقتضي التسوية، وإن قال: ساقيتكما على أن لهذا نصف الثمرة، وللآخر سدس الثمرة.. صح ذلك؛ لأن ذلك عوض معلوم.

.[فرع: المساقاة على نصف أنواع الثمر]

وإن كان لرجل بستان فيه أنواع من النخيل، وساقى رجلًا على أن له نصف الثمرة.. صح، وإن لم يعرف كل نوع فيه؛ لأن ذلك عوض معلوم، وإن قال: على أن لك من النوع الفلاني النصف، ومن الفلاني الثلث، ومن الفلاني السدس، فإن عرف العامل ورب المال قدر كل واحد من الأنواع.. صح؛ لأن لكل واحد منهما سهمًا معلومًا، وإن لم يعلما ذلك، أو أحدهما.. لم يصح؛ لأن نصيب كل واحد منهما يقل ويكثر.

.[فرع: ساقاه سنين على أن لكل سنة حصة ونصيبًا خاصًا]

فإن ساقاه ثلاث سنين، على أن للعامل في السنة الأولى نصف الثمرة، وفي السنة الثانية ثلث الثمرة، وفي السنة الثالثة سدس الثمرة.. ففيه طريقان:
الطريق الأول قال أبو علي بن أبي هريرة: يصح ذلك، قولًا واحدًا، كما لو ساقاه على أنواع، وجعل له من كل نوع نصيبًا معلومًا وإن اختلف الأنصباء وهما يعلمان الأنواع.
والطريق الثاني من أصحابنا من قال: فيه قولان، كما لو أسلم دينارًا على قفيز حنطة، وقفيز شعير.
وإن ساقاه على أن له صاعًا من الثمرة، والباقي لرب المال، أو للعامل ثمرة نخلة أو نخلات بعينها.. لم يصح؛ لأنه قد لا يحمل في البستان إلا ما اشترطه للعامل، فيؤدي إلى أن يستبد العامل بجميع الثمرة، أو قد لا يحمل النخل التي عينها للعامل، فيستضر العامل.

.[فرع: مساقاة أحد الشريكين الآخر]

وإن كانت نخل بين الثمرة رجلين نصفين، فقال أحدهما للآخر: ساقيتك على هذه النخل، على أن لك ثلثي الثمرة ولي الثلث.. صح؛ لأنه شرط للعامل ثلث نصيبه بالعمل؛ لأن العامل يستحق نصف الثمرة بحق الملك، فصح، فهو كما لو قال: ساقيتك على نصيبي، على أن لك ثلث نصيبي من الثمرة.
وإن قال: ساقيتك على أن لك نصف الثمرة.. لم يصح؛ لأنه لم يشرط للعامل شيئًا من الثمرة بحق العمل.
وإن قال: ساقيتك على أن لك ثلث الثمرة ولي الثلثين.. لم يصح؛ لأنه لم يشرط للعامل شيئًا من ثمرته بحق العمل، ولأنه شرط أن يأخذ من نصيب الآخر سهمًا بغير عوض، وذلك لا يجوز.
فإن عمل العامل في هاتين المسألتين.. فهل يستحق أجرة المثل؟ فيه وجهان، مضى ذكرهما.
فإن كانت بحالها، وساقى أحدهما صاحبه على أن يعملا جميعًا في النخل، ويكون لأحدهما ثلث الثمرة، وللآخر الثلثان.. لم يصح؛ لأن مقتضى المساقاة أن يكون من أحدهما المال، ومن الآخر العمل، وهاهنا من كل واحد منهما مال وعمل، فإن عملا.. كانت الثمرة بينهما نصفين بحق الملك، فإن تساويا في العمل.. لم يرجع أحدهما على الآخر بشيء، وإن عمل من شرط له الثلثان أكثر.. رجع على شريكه بفضل عمله في ماله؛ لأنه لم يعمل على مال شريكه إلا بعوض، ولم يسلم له، وإن كان عمل الآخر أكثر.. فهل يستحق أجرة الزيادة؟ على الوجهين للمزني وأبي العباس.

.[فرع: المساقاة على عوض مجهول]

وإن قال: ساقيتك على هذه النخل، على أنك إن سقيتها بماء سماء أو سيح - وهو السيل - فلك ثلث الثمرة، وإن سقيتها بنضح - وهو الغرب - فلك نصف الثمرة.. لم يصح؛ لأنه عوض مجهول؛ لأنه لا يدري: أيسقيها بالسيح، أو بالنضح؟ وإن ساقاه على فسيل نخل، على أن له نصف الفسيل، ونصف الثمرة.. لم يصح؛ لأن مقتضى المساقاة أن يكون الأصل لرب المال، والثمرة بينهما، فإذا شرط للعامل شيئًا من الأصل، كان ذلك ينافي مقتضاها.. فلم يصح.

.[فرع: اشتراط ما لا يصح شرعًا في المساقاة]

وإن ساقاه عشر سنين، وشرط له ثمرة سنة الإحدى عشرة.. لم يصح؛ لأنه شرط له ثمرة سنة لا يستحق عليه فيها عملًا، وإن شرط له ثمرة السنة العاشرة.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يصح؛ لأنه شرط عليه عملًا في مدة تثمر فيها، ولا يستحق شيئًا من ثمرتها.
والثاني: يصح، كما يصح أن يعمل في جميع السنة وإن كانت الثمرة في بعضها.

.[مسألة: صيغ المساقاة]

وتنعقد المساقاة بلفظ المساقاة؛ لأنه لفظ وضع لها، وتنعقد بما يؤدي معناها، بأن يقول: اعمل على هذه النخيل ولك نصف ثمرتها، وقال المسعودي [في "الإبانة": ق \ 325] وكذلك إذا قال: تعهد نخلي، أو اسق نخلي ولك نصف ثمرتها.. صح؛ لأنه يؤدي عن معنى المساقاة.
وإن قال: ساقيتك على هذه النخل، على أن لك نصف ثمرتها عوضًا عن عملك، أو أجرة عن عملك.. صح؛ لأن ما يأخذه العامل في الحقيقة هو عوض وأجرة عن عمله، فلا يضره ذكره.

.[فرع: المساقاة بلفظ الاستئجار]:

وإن قال: استأجرتك على أن تعمل على هذه النخل بنصف ما يخرج من ثمرتها.. لم يصح؛ لأن الإجارة تفتقر إلى أن تكون الأجرة معلومة القدر، والأجرة هاهنا مجهولة القدر، فلم يصح.
وإن كانت الثمرة قد ظهرت، فاستأجره ليعمل له على نخيله، أو ليبني له بيته، أو يخيط له ثوبه بتلك الثمرة أو ببعضها.. نظرت:
فإن كان قد بدا فيها الصلاح، فاستأجره ليعمل على النخل، أو يبني له، أو يخيط له، أو غير ذلك، ببعض الثمرة أو بجميعها.. صح من غير شرط القطع؛ لأن بيعها في هذه الحالة يصح من غير شرط القطع، فصح أن يكون عوضًا في الإجارة.
وإن لم يبد صلاحها، فإن استأجره بجميعها بشطر القطع.. صح، كما يصح بيعها، وإن لم يشترط قطعها.. لم يصح، كما لا يصح بيعها. وإن استأجره ببعضها.. لم يصح، سواء شرط القطع فيها أو لم يشترطه؛ لأنه إن لم يشترط القطع.. لم يصح، كما لا يصح بيعها بغير شرط القطع، وإن شرط القطع.. أيضًا لم يصح؛ لأنها مشاعة بينه وبين شريكه، فلا يمكنه قطع نصيبه إلا مع قطع نصيب شريكه، فلم يصح.

.[فرع: لا خيار في عقد المساقاة]

ولا يثبت في المساقاة خيار الثلاث، وفي خيار المجلس وجهان، وقد مضى ذلك في البيع، فإذا انعقدت المساقاة.. كانت لازمة من الطرفين؛ لأنها تفتقر إلى مدة معلومة، فكانت لازمة، كالإجارة، وعكسها القراض، والشركة، والوكالة، لما لم تفتقر إلى مدة.. كانت جائزة.

.[مسألة: ما يشترط على عامل المساقاة]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وكل ما فيه مستزاد في الثمرة من إصلاح الماء وطريقه، وتصريف الجريد، وإبار النخل، وقطع الحشيش المضر بالنخل ونحوه.. جاز شرطه على العامل، فأما سد الحظار: فليس فيه مستزاد وإصلاح في الثمرة، فلا يجوز شرطه على العامل). وهذا كما قال: كل عمل كان فيه زيادة الثمرة ونماؤها، فهو على العامل، وذلك مثل:
(تلقيح النخل): وهو تأبيرها، و(تصريف الجريد): وهو قطع السعف اليابس، وتمييله على جانب؛ لتتدلى الثمرة، وقطع الحشيش المضر بالنخل، وإصلاح (أجاجينها) التي يقف الماء فيها في أصولها، و(إصلاح الماء): وهو فتح الساقية، وإصلاح طريقه، وإدارة الدولاب.
وأما جذاذ الثمرة: ففيه وجهان، حكاهما في "المهذب":
أحدهما: لا يجب على العامل؛ لأن ذلك يحتاج إليه بعد تكامل النماء في الثمرة.
والثاني - ولم يذكر الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ غيره -: أنه يجب على العامل؛ لأن ذلك من مصلحة الثمرة.
قال الشيخ أبو حامد: وكذلك (المنجل) الذي يقطع به الشوك من السعف على العامل.
قال الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ: وعلى العامل إصلاح الجرين، وحمل الثمرة إلى الجرين، وتجفيفها إن كانت مما يجفف؛ لأن ذلك من مصلحة الثمرة.
وأما حفظ الثمرة على النخل وفي الجرين: ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول الشيخ أبي حامد، والمسعودي [في "الإبانة" ق \ 327]-: أنه لا يجب على العامل، وهو المنصوص.
والثاني - وهو قول ابن الصباغ، والصيمري -: أن ذلك يجب على العامل. وأما الأعمال التي فيها حفظ الأصل: فهي على رب النخل. قال الشافعي: (وذلك مثل: سد الحظار، وهي: الحيطان التي تكون حول البستان؛ ليمنع من الدخول إليها، وكذلك: حفر الآبار والأنهار، وكذلك: الدولاب والبقر التي يدار عليها، والكش الذي يلقح به؛ لأن هذه الأشياء يحتاج إليها لحفظ الأصل).
فإن شرط شيئًا من الأعمال التي تجب على العامل على رب المال، أو ما يكون على رب المال على العامل.. بطلت المساقاة؛ لأن ذلك شرط ينافي مقتضاها، فأبطلها، هذا هو المشهور.
وقال القاضي أبو الطيب في " المجرد ": كسح الأنهار، والبقر التي يدار عليها الدولاب لا يتعلق بصلاح الأصول والثمرة، ويكون ذلك على من شرط أنه يكون عليه، وحكي عن أبي إسحاق: أنه قال: إذا أهملا ذلك، ولم يشترطاه على أحدهما.. لم تصح المساقاة. والأول أصح.

.[مسألة: شرط عمل رب المال في المساقاة]

يفسدهاوإن ساقاه على نخل، وشرط العامل أن يعمل معه رب المال بعض الأعمال التي تلزم العامل.. لم تصح المساقاة؛ لأن موضوع المساقاة: أن يكون العمل من العامل، والمال من رب المال، فإذا شرط شيئًا من عمل العامل على رب المال.. فقد شرط ما ينافي مقتضى المساقاة، فأبطلها.
وإن شرط العامل على رب المال أن يعمل معه غلمان رب المال.. فالمنصوص: (أنه يصح). واختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: لا يصح؛ لأن غلمان رب المال كرب المال، بدليل: أنه يحكم للسيد بما في يد عبده، فلما لم يجز أن يشترط العامل العمل على رب النخل.. فكذلك لا يجوز أن يشترط عمل غلمانه، وحمل هذا القائل نص الشافعي على أنه أراد: إذا شرط العامل على رب النخل عمل غلمانه في الأعمال التي تلزم رب المال، مثل: سد الحظار، وما أشبهها.
ومنهم من قال: يصح، قال الشيخ أبو حامد: وهو المذهب؛ لأن غلمان رب المال مال له، فإذا دفعهم ليعملوا مع العامل.. فكأنه ضم ماله إلى ماله، فهو كما لو ضم إليه نخلًا أخرى، وساقاه عليها، ولأن رب المال يلزمه بإطلاق المساقاة عمل، مثل: سد الحظار، وحفر الآبار، فجاز أن يلزم غلمانه بالشرط، بخلاف رب المال؛ لأنه لا يجوز أن يكون تابعًا لماله، والغلمان ماله، فجاز أن يكونوا تابعين لماله.
فإذا قلنا بهذا: فلا بد أن يكون الغلمان معلومين، إما بالتعيين، أو بالوصف، ويكون الغلمان تحت تدبير العامل في العمل، فيلقحون متى شاء، ويسقون متى شاء؛ لأن الغلمان تبع له.
ولا يجوز أن يشترط عملهم إلا في النخل الذي لسيدهم، فإن شرط أن يعملوا في نخل للعامل، أو يعملوا له عملًا غير ذلك.. لم يصح؛ لأن العامل في المساقاة إنما يستحق جزءًا من الثمرة بعمله على النخل، ولا يستحق شيئًا آخر.
فإذا شرط أن يعمل الغلمان في نخل له.. فقد شرط أن يأخذ شيئًا من الثمرة، وشيئًا آخر من غيرها.. فلم يصح.

.[فرع: نفقة غلمان صاحب النخل]

وأما نفقة الغلمان: فإن شرط أنها على سيدهم.. صح، وكانت عليه، وإن شرط أنها على العامل.. صح، وكانت عليه؛ لأنهم يعملون فيما يلزم كل واحد منهما، فجاز أن يشترط نفقتهم على كل واحد منهما، فإن شرطاها على العامل.. فليس من شرط ذلك تقديرها.
وقال محمد بن الحسن: لا يجوز حتى يقدرها.
دليلنا: أنه لو وجب ذكر مقدارها.. لوجب ذكر صفتها.
وإن أطلقا نفقة الغلمان، ولم يشترطاها على أحدهما.. ففيه ثلاثة أوجه، ذكرها في "المهذب":
أحدها - ولم يذكر في "التعليق" و"الشامل" غيره -: أنها على المالك؛ لأنه يملكهم، فكانت نفقتهم عليه بحق الملك.
والثاني: أنها على العامل؛ لأن العمل مستحق عليه، فكانت نفقتهم عليه.
والثالث: أنها في الثمرة؛ لأنهم يعملونها، فكانت نفقتهم فيها.

.[فرع: شرط أجرة عمال العامل من الثمرة مفسد للمساقاة]

إذا ساقى رجلًا على نخل، وشرط العامل أن أجرة من يستأجره من الأجراء ليعملوا معه تكون من الثمرة.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فالمساقاة فاسدة).
واختلف أصحابنا في تعليله:
فقال أبو إسحاق: إنما لم تصح؛ لأن الإجارة لا تصح إلا بأجرة معلومة، إما معينة، أو في الذمة، وهاهنا الأجرة مجهولة.
ومنهم من قال: إنما فسدت؛ لأن العمل مستحق على العامل، وأجرة من يعمل عليه، فإذا شرط أجرة من يعمل ذلك من الثمرة.. فقد شرط لنفسه جزءًا من الثمرة ينفرد به، فلم تصح، كما لو شرط لنفسه صاعًا من الثمرة والباقي بينهما.
ويفارق: إذا شرط غلمان رب المال يعملون معه، وتكون نفقتهم على رب النخل؛ لأن هذا ضم ماله إلى ماله.
وقال القفال: إن شرط أن يكون أجرة الأجراء من الثمرة.. لم تصح؛ لأن ذلك مجهول، وإن قالا: ثلث الثمرة يكون مصروفًا إلى أجرة الأجراء، والباقي بيننا، أو قال رب النخل: لك ثلث الثمرة، وللأجير الذي تستأجره ثلث الثمرة، ولي ثلثها.. صح ذلك، كما لو قال: على أن للعامل ثلثي الثمرة.