فصل: كِتَابُ الذَّبَائِحِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية



.كِتَابُ الذَّبَائِحِ:

(سُئِلَ) فِي ذَبِيحَةِ الذِّمِّيِّ الْكِتَابِيِّ هَلْ تَحِلُّ مُطْلَقًا أَوْ لَا؟
(الْجَوَابُ): تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا كَوْنُ الذَّابِحِ صَاحِبَ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ حَقِيقَةً كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى كَالْكِتَابِيِّ وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِكِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ فَصَارَ كَالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ فِي الْكِتَابِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا حَرْبِيًّا أَوْ عَرَبِيًّا أَوْ تَغْلِبِيًّا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وَالْمُرَادُ بِطَعَامِهِمْ مُذَكَّاهُمْ قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي صَحِيحِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الطَّعَامِ غَيْرِ الْمُذَكَّى يَحِلُّ مِنْ أَيِّ كَافِرٍ كَانَ بِالْإِجْمَاعِ فَوَجَبَ تَخْصِيصُهُ بِالْمُذَكَّى وَهَذَا إذَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الْكِتَابِيِّ أَنَّهُ سَمَّى غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَسِيحِ وَالْعُزَيْرِ، وَأَمَّا لَوْ سُمِعَ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وَهُوَ كَالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْيَهُودِيِّ أَنْ يَكُونَ إسْرَائِيلِيًّا وَفِي النَّصْرَانِيِّ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ وَبِهِ أَفْتَى الْجَدُّ فِي الْإِسْرَائِيلِيِّ وَشَرَطَ فِي الْمُسْتَصْفَى لِحِلِّ مُنَاكَحَتِهِمْ عَدَمَ اعْتِقَادِ النَّصْرَانِيِّ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ فِي الْمَبْسُوطِ، فَإِنَّهُ قَالَ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا إلَهٌ وَلَا يَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ لَكِنْ فِي الْمَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ.
وَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ النَّصْرَانِيِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَالَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَا وَمُقْتَضَى الدَّلَائِلِ وَإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْجَوَازُ كَمَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْكُلَ ذَبِيحَتَهُمْ وَلَا يَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْإِنْعَامِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْأَنَامِ قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي رَسَائِلِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَمَنْ دَانَ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ الصَّابِئَةِ وَالسَّامِرَةِ أُكِلَ ذَبِيحَتُهُ وَحَلَّ نِسَاؤُهُ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ كُتِبَ إلَيْهِ فِيهِمْ أَوْ فِي أَحَدِهِمْ فَكَتَبَ مِثْلَ مَا قُلْنَا، فَإِذَا كَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّصَارَى فِرَقٌ فَلَا يَجُوزُ إذَا جَمَعَتْ النَّصْرَانِيَّةُ بَيْنَهُمْ أَنْ نَزْعُمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَنِسَاؤُهُ وَبَعْضَهُمْ يَحْرُمُ إلَّا بِخَبَرٍ مُلْزِمٍ وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خَبَرًا فَمَنْ جَمَعَتْهُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّة فَحُكْمُهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ. اهـ.
بِحُرُوفِهِ.
(سُئِلَ) فِي الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ هَلْ هُمَا طَاهِرَانِ قَبْلَ الْغَسْلِ أَوْ لَا؟
(الْجَوَابُ): الطِّحَالُ وَالْكَبِدُ طَاهِرَانِ قَبْلَ الْغَسْلِ حَتَّى لَوْ طَلَى بِهِمَا وَجْهَ الْخُفِّ وَصَلَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلٍ فِي النَّجَاسَةِ الَّتِي تُصِيبُ الثَّوْبَ أَوْ الْخُفَّ وَهُمَا حَلَالَانِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَدَمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ}. اهـ.
وَهُوَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا مِنْ الشَّاةِ سَبْعٌ الْفَرْجُ وَالْخُصْيَةُ وَالْغُدَّةُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَالْمَرَارَةُ وَالْمَثَانَةُ وَالذَّكَرُ وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ إذَا مَا ذُكِّيَتْ شَاةٌ فَكُلْهَا سِوَى سَبْعٍ فَفِيهِنَّ الْوَبَالُ فَفَاءٌ ثُمَّ خَاءٌ ثُمَّ غَيْنٌ وَذَالٌ ثُمَّ مِيمَانِ وَدَالُ. (أَقُولُ) وَقَدْ كُنْتُ نَظَمْتهَا بِقَوْلِي إنَّ الَّذِي مِنْ الشِّيَاهِ يَحْرُمُ يَجْمَعُهُ حُرُوفُ فَخْذٌ مُدْغَمٌ (سُئِلَ) فِي الْعَقِيقَةِ كَيْفَ حُكْمُهَا وَكَيْفُ تُفْعَلُ؟
(الْجَوَابُ): قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ مَا نَصُّهُ مَسْأَلَةٌ الْعَقِيقَةُ تَطَوُّعٌ إنْ شَاءَ فَعَلَهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَهِيَ أَنْ يَذْبَحَ شَاةً إذَا أَتَى عَلَى الْوَلَدِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سِتَّةٌ ثُمَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعُقَّ عَنْ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ يَذْبَحُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلسُّرُورِ بِالْمَوْلُودِ وَهُوَ بِالْغُلَامِ أَكْثَرُ وَلَوْ ذَبَحَ عَنْ الْغُلَامِ شَاةً وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً جَازَ؛ لِأَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا} وَلَا يَكُونُ فِيهِ دُونَ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيِّ مِنْ الْمَعْزِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا السَّلِيمَةُ مِنْ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّهُ إرَاقَةُ دَمٍ شَرْعًا كَالْأُضْحِيَّةِ وَلَوْ قَدَّمَ يَوْمَ الذَّبْحِ قَبْلَ يَوْمِ السَّابِعِ أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ جَازَ إلَّا أَنَّ يَوْمَ السَّابِعِ أَفْضَلُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْصِلَ لَحْمَهَا وَلَا يَكْسِرَ عَظْمَهَا تَفَاؤُلًا بِسَلَامَةِ أَعْضَاءِ الْوَلَدِ وَيَأْكُلُ وَيُطْعِمُ وَيَتَصَدَّقُ. اهـ.
وَفِي فُصُولِ الْعَلَّامِيِّ الْمُسَمَّى بِالْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْفَصْلِ 36 وَيَعُقُّ عَنْهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ الْوِلَادَةِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْعَقِيقَةُ حَقٌّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ} وَقَدْ {عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَمَا بُعِثَ نَبِيًّا}.
وَيَقُولُ عِنْدَ ذَبْحِهِ اللَّهُمَّ هَذِهِ عَقِيقَةُ ابْنِي، فَإِنَّ دَمَهَا بِدَمِهِ وَلَحْمَهَا بِلَحْمِهِ وَعَظْمَهَا بِعَظْمِهِ وَجِلْدَهَا بِجِلْدِهِ وَشَعْرَهَا بِشَعْرِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا فِدَاءً لِابْنِي مِنْ النَّارِ وَلَا يُكْسَرُ لِلْعَقِيقَةِ عَظْمٌ وَيُعْطِي الْقَابِلَةَ فَخْذَهَا وَيَطْبُخُ جَمِيعَهَا ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَا يُكْسَرُ مِنْهَا شَيْءٌ. اهـ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ عِبَارَةَ شَرْحِ الشِّرْعَةِ بِطُولِهَا وَهِيَ فِي مَعْنَى مَا مَرَّ ثُمَّ قَالَ وَرَأَيْتُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ كِتَابٌ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُمْ مَا مُلَخَّصُهُ بِاخْتِصَارٍ وَاقْتِصَارٍ عَلَى بَعْضِ الْمَقْصُودِ مَعَ التَّصَرُّفِ فِي بَعْضِ الْعِبَارَةِ وَذَكَرْتُهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ قَالَ وَوَقْتُهَا بَعْدَ تَمَامِ الْوِلَادَةِ إلَى الْبُلُوغِ فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَهَا وَذَبْحُهَا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ يُسَنُّ وَالْأَوْلَى فِعْلُهَا صَدْرَ النَّهَارِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَعْدَ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِلتَّبَرُّكِ بِالْبُكُورِ وَلَيْسَ مِنْ السَّبْعَةِ يَوْمُ الْوِلَادَةِ خِلَافًا لِلشَّيْخَيْنِ وَلَوْ وُلِدَ لَيْلًا حُسِبَتْ الذَّبِيحَةُ مِنْ صَبِيحَتِهِ وَيُسَنُّ أَنْ يَعُقَّ عَنْ نَفْسِهِ مَنْ بَلَغَ وَلَمْ يُعَقَّ عَنْهُ وَحُكْمُهَا كَأَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ يُسَنُّ طَبْخُهَا وَبِحُلْوٍ تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِ الْمَوْلُودِ وَحَمْلُ لَحْمِهَا مَطْبُوخًا لِلْفُقَرَاءِ وَلَا بَأْسَ بِنَدْبِهِمْ إلَيْهَا وَتُعْطَى الْقَابِلَةُ رِجْلَهَا لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِإِعْطَائِهَا إيَّاهَا وَالْيُمْنَى أَوْلَى وَلَا يُكْسَرُ عَظْمُهَا، وَإِنْ كُسِرَ لَمْ يُكْرَهْ.
وَيُسَنُّ عَنْ الذَّكَرِ شَاتَانِ مُسْتَوِيَتَانِ وَعَنْ الْأُنْثَى وَاحِدَةٌ وَعَنْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَاحِدَةٌ وَالِاحْتِيَاطُ ثِنْتَانِ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ لَكَ وَإِلَيْكَ عَقِيقَةُ فُلَانٍ لِخَبَرٍ وَرَدَ وَيُكْرَهُ لَطْخُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ مِنْ دَمِهَا وَيُنْدَبُ تَسْمِيَةُ الْمَذْبُوحِ لِلْمَوْلُودِ نَسِيكَةً أَوْ ذَبِيحَةً لَا عَقِيقَةً فَيُكْرَهُ وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ أَبِي دَاوُد وَهُوَ حَسَنٌ
{أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلسَّائِلِ عَنْهَا لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ} وَفِي رِوَايَةٍ {لَا أُحِبُّ لِلَّهِ الْعُقُوقَ}. اهـ.
نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَنَسْأَلُهُ حُسْنَ النَّشْأَتَيْنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْمَعُونَةُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ مُعَلِّمِ الْخَيْرِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
(أَقُولُ) هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هُنَا كِتَابَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَذَكَرَ مَسَائِلَ مِنْهُ عَامَّتُهَا اسْتِطْرَادِيَّةٌ غَيْرُ مَسْئُولٍ عَنْهَا وَذَكَرَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ جِنْسِهَا آخِرَ الْكِتَابِ فَأَحْبَبْتُ تَأْخِيرَ الْكُلِّ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِتَكُونَ كَالْفَاكِهَةِ بَعْدَ الطَّعَامِ.

.كِتَابُ الشُّرْبِ:

(سُئِلَ) فِي دَارٍ مَعْلُومَةٍ جَارِيَةٍ فِي مِلْكِ زَيْدٍ وَفِيهَا بِرْكَةٌ لَهَا حَقُّ شِرْبٍ مَعْلُومٍ مِنْ طَالِعِ مَاءٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى ثَلَاثَةِ فُرُوضٍ مَعْلُومَةِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ فَرْضٌ يَجْرِي لِبِرْكَةِ زَيْدٍ وَفَرْضَانِ لِسَبِيلِ كُلِّ ذَلِكَ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ عَمَدَ رَجُلٌ الْآنَ وَوَسَّعَ فَرْضَيْ السَّبِيلِ وَغَيَّرَهُمَا عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ بِدُونِ إذْنٍ مِنْ زَيْدٍ وَلَا وَجْهٍ شَرْعِيٍّ أَصْلًا وَيُرِيدُ إعَادَتَهُمَا كَمَا كَانَا عَلَيْهِ قَدِيمًا بَعْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ شَرْعًا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ.
(سُئِلَ) فِي أَرْضٍ لِرَجُلٍ لَهَا حَقُّ شِرْبٍ مَعْلُومٍ يَجْرِي إلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ فِي مَجْرًى مَعْلُومٍ فِي أَرْضِ زَيْدٍ يُرِيدُ زَيْدٌ الْآنَ أَنْ لَا يَجْرِيَ الْمَاءُ فِي أَرْضِهِ فَهَلْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَبْقَى الْقَدِيمُ عَلَى قِدَمِهِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَرْضٌ وَلِآخَرَ فِيهَا نَهْرٌ فَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ لَا يَجْرِيَ النَّهْرُ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَيُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ تَنْوِيرٌ مِنْ الشِّرْبِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا أَجْرَى زَيْدٌ الْمَاءَ فِي أَرْضِهِ إجْرَاءً لَا يَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهِ بَلْ يَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِ جَارِهِ فَتَعَدَّى الْمَاءُ وَتَلِفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ زَرْعُ جَارِهِ الْمَوْضُوعُ فِي أَرْضِهِ فَهَلْ يَضْمَنُ؟
(الْجَوَابُ): حَيْثُ أَجْرَاهُ كَمَا ذُكِرَ يَضْمَنُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ رَجُلٌ سَقَى أَرْضَ نَفْسِهِ فَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ الْجَارِ قَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إنْ أَجْرَى الْمَاءَ فِي أَرْضِهِ إجْرَاءً لَا يَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِ جَارِهِ كَانَ ضَامِنًا، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ يَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ إنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ جَارُهُ بِالسَّكْرِ وَالْإِحْكَامِ وَلَمْ يَفْعَلْ كَانَ ضَامِنًا وَتَكُونُ هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْحَائِطِ الْمَائِلِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ حَتَّى تَعَدَّى لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضُهُ صُعُودًا وَأَرْضُ جَارِهِ هُبُوطًا يُعْلَمُ أَنَّهُ إذَا سَقَى أَرْضَهُ يَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ كَانَ ضَامِنًا وَيُؤْمَرُ بِوَضْعِ الْمُسَنَّاةِ عِمَادِيَّةٌ مِنْ الْفَصْلِ 32 فِي أَنْوَاعِ الضَّمَانَاتِ وَتَمَامُ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ فِيهَا وَمِثْلُهُ فِي الْفُصُولَيْنِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا اخْتَصَمَ جَمَاعَةٌ فِي شِرْبٍ بَيْنَهُمْ فَهَلْ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمْ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيهِمْ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُلْتَقَى وَالتَّنْوِيرِ مِنْ الشِّرْبِ. (أَقُولُ) وَهَذَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ الْكَيْفِيَّةُ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَادِمِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَلَوْ عُلِمَتْ يَبْقَى الْقَدِيمُ عَلَى قِدَمِهِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِبُسْتَانِ وَقْفٍ حَقُّ شِرْبٍ قَدِيمٍ مِنْ نَهْرٍ قَدِيمٍ مُشْتَرَكٍ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْفَلِ طَوَاحِينُ دَوَرَانُهَا مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُ سَقْيُ الْبُسْتَانِ إلَّا بِالسِّكْرِ وَنُظَّارُ وَقْفِهِ مُتَصَرِّفُونَ بِشِرْبِهِ بِالسِّكْرِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ إلَى الْآنَ بِلَا مُعَارِضٍ لَا يُعْرَفُ إلَّا هَكَذَا مِنْ الْقَدِيمِ وَالْآنَ قَامَ أَرْبَابُ الطَّوَاحِينِ يُعَارِضُونَ نَاظِرَ وَقْفِ الْبُسْتَانِ بِالسِّكْرِ وَيُرِيدُونَ مَنْعَهُ عَنْهُ بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَهَلْ حَيْثُ كَانَ السَّقْيُ بِالسِّكْرِ قَدِيمًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَبْقَى الْقَدِيمُ عَلَى قِدَمِهِ وَيُمْنَعُ الْمُعَارِضُ فِي ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ كَتَبَهُ الْفَقِيرُ مُحَمَّدٌ الْعِمَادِيُّ الْمُفْتِي بِدِمَشْقِ الشَّامِ الْجَوَابُ كَمَا بِهِ الْعَمُّ الْمَرْحُومُ أَجَابَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ (صُورَةُ دَعْوَى) وَرَدَتْ مِنْ طَرَفِ مُحَافِظِ الشَّامِ وَحَاكِمِ الشَّرْعِ سَنَةَ 1146 مَذْكُورٌ فِي وَقْفِ الْأُمَوِيِّ مُصَرِّحٌ فِي الصَّرِيحِ أَنَّهُ فُتُوحٌ غَيْرُ سُدُودٍ وَيَدَّعِي وَاضِعُوا الْيَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدِيمٌ وَمَنْ قَبْلَهُمْ مُتَصَرِّفُونَ فِيهِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ وَوُجِدَ تَارِيخُ الصَّرِيحِ أَزْيَدَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ فَأَنْكَرَ أَهْلُ عَرْبِيلَ وُجُودَ الْمَاصِيَةِ وَقِدَمَهَا وَأَنَّهَا مُحْدَثَةٌ أَحْدَثَهَا صَادِقُ أَغَا مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَهَلْ يُعْمَلُ بِالتَّصَرُّفِ الْقَدِيمِ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْحُدُوثِ فِي دَعْوَى الْمَاءِ فَكَيْفَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ اُكْتُبُوا لَنَا الْجَوَابَ مُفَصَّلًا.
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى حَيْثُ وُجِدَ التَّصَرُّفُ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ وَإِلَى الْآنَ يُعْمَلُ بِهِ لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ التَّصْرِيحِ فِي الصَّرِيحِ بِذَلِكَ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْحُدُوثِ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِنَّ تَارِيخَ مُدَّعِي الْقِدَمِ أَسْبَقُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي عَيْنٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ ادَّعَيَاهُ مِلْكًا بَيْنَهُمَا أَوْ مِيرَاثًا أَوْ شِرَاءً مِنْ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ أَرَّخَا تَارِيخًا وَاحِدًا أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقْضِي لِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْبَحْرِ وَالتَّنْوِيرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهَا.
وَفِي الرَّحِيمِيَّةِ سُئِلَ فِي جَمَاعَةِ يَهُودٍ يَجْرِي مَاءُ بَسَاتِينِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَهْرٍ قَدِيمٍ فِي أَرْضٍ بِيَدِهِمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَمْنَعُوا إجْرَاءَ الْمَاءِ مِنْهَا إلَى تِلْكَ الْبَسَاتِينِ هَلْ لَهُمْ ذَلِكَ أَجَابَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَالْقَدِيمُ وَحْدَهُ الَّذِي لَا يُحْفَظُ إقْرَانُهُ وَرَاءَ هَذَا الْوَقْتِ كَيْفَ كَانَ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ يَبْقَى الْقَدِيمُ عَلَى قِدَمِهِ وَيَثْبُتُ أَيْضًا حَقُّ الْإِجْرَاءِ بِإِثْبَاتِ الْجَرْيِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْمِلْكِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَيُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِهِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي تَصَرُّفِ الْإِمَامِ بِالرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ (تَنْبِيهٌ) إذَا كَانَ فِعْلُ الْإِمَامِ مَبْنِيًّا عَلَى مَصْلَحَةٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْعَامَّةِ لَمْ يَنْفُذْ أَمْرُهُ شَرْعًا إلَّا إذَا وَافَقَهَا، فَإِنْ خَالَفَهَا لَا يَنْفُذُ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ مِنْ بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إلَّا بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ. اهـ.
وَفِي الْعِمَادِيَّةِ فِي آخِرِهَا مِنْ بَحْثِ مَا يُحْكَمُ بِهِ الْحَالُ مَا نَصُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ نَهْرٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ أَوْ مِيزَابٌ فِي دَارِ رَجُلٍ فَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالدَّارِ ثُبُوتَ حَقِّهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ أَنَّ لَهُ حَقَّ التَّسْبِيلِ لِإِجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا زَمَانَ الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ زَمَانَ الْخُصُومَةِ إلَّا أَنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ يَجْرِي الْمَاءُ إلَى أَرْضِ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ هَذَا النَّهْرِ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ صَاحِبِ الْمَاءِ. اهـ.
وَقَالَ فِي شِرْبِ التَّنْوِيرِ وَتَصِحُّ دَعْوَى الشِّرْبِ بِغَيْرِ أَرْضٍ اسْتِحْسَانًا. اهـ.
ثُمَّ أَرْسَلْتُ صُورَةَ الدَّعْوَى وَمَكْتُوبٌ فِيهَا مَا صُورَتُهُ أَبْرَزَ الْمُدَّعُونَ حُجَّةً مُتَعَلِّقَةً بِذَوِي مَاصِيَةٍ مُحْدَثَةٍ وَضَمَّنَهَا فَتْوَى مِنْ أَحْمَدَ أَفَنْدِي الْمِهْمَنْدَارِي بِأَنَّ بَيِّنَةَ الْحُدُوثِ مُقَدَّمَةٌ وَالْحُجَّةُ وَاصِلَةٌ إلَيْكُمْ فَالْمَرْجُوُّ تَمْيِيزُ ذَلِكَ وَكِتَابَةُ الْجَوَابِ الْجَوَابُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فِي الْحُجَّةِ الْمُرْسَلَةِ لَمْ يَذْكُرْ الْمُدَّعِي وَلَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَارِيخًا أَصْلًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا فَمَذْكُورٌ فِيهَا أَنَّ ذَا الْيَدِ أَرَّخَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ إذَا أَرَّخَا يَقْضِي بِهَا لِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا قَالَ فِي الْبَحْرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَبْقَ التَّارِيخِ أَرْجَحُ مِنْ الْكُلِّ وَمِثْلُهُ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ وَأَيْضًا فِي الْحُجَّةِ الْمُرْسَلَةِ الْحَالُ شَاهِدٌ بِالْحُدُوثِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا وَأَنَّهُ وَجَدَ ثُقْبًا مَخْرُوقًا غَيْرَ مُسْتَدِيرٍ وَلَا مُسْتَوٍ وَلَا هُوَ كَفَمِ سَائِرِ الْمَوَاصِي وَأَيْضًا الْمُدَّعِي مُسْتَنِدٌ إلَى كِتَابِ الْوَقْفِ وَأَبْرَزَهُ مِنْ يَدِهِ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَأَيْضًا لَيْسَ لَهُ أَرْضٌ أَصْلًا يَسْقِي بِهِ الْمَاءَ الْمَذْكُورَ فَكُلُّ ذَلِكَ شَاهِدٌ بِأَنَّهَا حَادِثَةٌ وَالْفَتْوَى بُنِيَتْ عَلَى ذَلِكَ.
وَأَمَّا مُجَرَّدُ بَيِّنَةِ الْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ مِنْ دُونِ تَارِيخٍ فَفِيهَا خِلَافٌ قَالَ فِي الْحَاوِي لَهُ كَنِيفٌ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَزَعَمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ مُحْدَثٌ وَزَعَمَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ قَدِيمٌ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مُحْدَثٌ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ وِلَايَةَ النَّقْضِ وَقَالَ رَامِزًا إلَى بِمَ الْقَوْلُ فِي هَذَا قَوْلُ الْمُدَّعِي بِالْقِدَمِ. اهـ.
وَذَكَرَ الْعَلَائِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ لِلشَّيْخِ غَانِمٍ الْبَغْدَادِيِّ أَنَّ بَيِّنَةَ الْقِدَمِ فِي الْبِنَاءِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْحُدُوثِ. اهـ.
هَذَا مَا تَيَسَّرَ نَقْلُهُ وَظَهَرَ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَالسَّلَامُ قَالَ الْمُؤَلِّفُ ثُمَّ إنِّي رَأَيْتُ فَتْوَى مِنْ الْمَرْحُومِ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَفَنْدِي الْفَرْفُورِيُّ مُدْرَجَةً فِي حُجَّةِ مُؤَرِّخِهِ فِي خَامِسَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى سَنَة 1072 مَضْمُونُهَا فِيمَا إذَا كَانَ سَبِيلُ مَاءٍ مَعْلُومٌ مُسْتَمَدٌّ مِنْ نَهْرٍ مَعْلُومٍ مَفْتُوحًا غَيْرَ مَسْدُودٍ وَفَائِضُ مَاءِ السَّبِيلِ الْمَذْكُورِ يَسْقِي بِهِ أَرَاضِيَ بَسَاتِينَ مَعْلُومَةٍ مِنْ الزَّمَنِ الْقَدِيمِ بِمُوجِبِ تَمَسُّكَاتٍ شَرْعِيَّةٍ وَادَّعَى أَصْحَابُ النَّهْرِ الْمَزْبُورِ أَنَّ مَجْرَى السَّبِيلِ الْمَزْبُورِ مُحْدَثٌ وَسَدُّوهُ وَأَصْحَابُ الْبَسَاتِينِ الْمَزْبُورِ مُدَّعُونَ أَنَّهُ قَدِيمٌ فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْقِدَمِ عَلَى بَيِّنَةِ الْحُدُوثِ وَيُمْنَعُ أَصْحَابُ النَّهْرِ الْمَزْبُورِ مِنْ مُعَارَضَةِ أَصْحَابِ الْبَسَاتِينِ الَّتِي تُسْقَى أَرَاضِيهَا مِنْ فَائِضِ مَاءِ السَّبِيلِ الْمَزْبُورِ أَوْ لَا.
الْجَوَابُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْقِدَمِ عَلَى بَيِّنَةِ الْحُدُوثِ وَيُمْنَعُ أَصْحَابُ النَّهْرِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ لَهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَيَبْقَى ذَلِكَ بِيَدِ الْمُدَّعِينَ الْمَزْبُورِينَ الْمُومِي إلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُمْ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ وَإِلَى الْآنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(أَقُولُ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ عَلَى تَعَارُضِ بَيِّنَةِ الْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ وَذَكَرْنَا تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْحُدُوثِ فِي الْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ وَقَدْ أَفَادَ الْمُؤَلِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا فَائِدَةً حَسَنَةً وَهِيَ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي مُجَرَّدِ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ قَدِيمٌ أَوْ حَادِثٌ بِدُونِ ذِكْرِ تَارِيخٍ أَمَّا إذَا ذُكِرَ التَّارِيخُ بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ مِلْكِي أَوْ حَقِّي مِنْ سَنَةِ كَذَا وَادَّعَاهُ آخَرُ كَذَلِكَ مِنْ سَنَةِ كَذَا، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَرْجِيحِ الْأَسْبَقِ تَارِيخًا عَلَى مَا جُزِمَ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ فَتَنَبَّهْ.
(سُئِلَ) فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ يَجْرِي عَلَى حَافَّةِ بُيُوتٍ بِصَالِحِيَّةِ دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةِ يَسْتَقِي مِنْهُ أَهْلُ الْبُيُوتِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ وَفِي النَّهْرِ الْمَزْبُورِ مَوْضِعٌ مَكْشُوفٌ مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ طُولًا وَعَرْضًا يَسْتَقِي مِنْهُ الْعَامَّةُ مِنْ الْقَدِيمِ وَيُرِيدُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى النَّهْرِ الْمَزْبُورِ بِنَاءً وَيَجْعَلَهُ بَيْتًا وَيُدْخِلَهُ إلَى دَارِهِ بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لِلْعَامَّةِ وَيُضَيِّقُ مَحَلَّ الِاسْتِقَاءِ وَتَغْيِيرُ الْقَدِيمِ فَهَلْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَيْسَ لِلرَّجُلِ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَبْقَى الْقَدِيمُ عَلَى قِدَمِهِ.
(سُئِلَ) فِي نَهْرٍ قَدِيمٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَبِبَاطِنِهِ بَسْطٌ قَدِيمٌ مَبْنِيٌّ بِالْحِجَارَةِ فِيهِ لِكُلٍّ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ مَقْسَمٌ مُخْتَصٌّ بِشِرْبِ أَرَاضِيِهَا وَكُلٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْقَرْيَتَيْنِ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى حَقِّهِ الْمَذْكُورِ وَمُتَصَرِّفٌ بِهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ وَإِلَى الْآنَ بِلَا مُعَارِضٍ وَلَا مُنَازِعٍ وَالْآنَ عَمَدَ أَهْلُ إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ فَغَيَّرُوا الْبَسْطَ عَنْ أَصْلِهِ وَأَرَادُوا مَنْعَ أَهَالِيِ الْقَرْيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِمْ مِنْ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ إلَى أَنْ يُبْرِزُوا لَهُمْ سَنَدًا أَوْ حُجَّةً تَشْهَدُ لَهُمْ بِذَلِكَ فَكَيْفَ الْحُكْمُ؟
(الْجَوَابُ): وَضْعُ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفُ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ وَلَا يُكَلَّفُ ذُو الْيَدِ إلَى إظْهَارِ سَنَدٍ يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ مَعَ وَضْعِ يَدِهِ فَيُعْمَلُ بِوَضْعِ يَدِ أَصْحَابِ الْقَرْيَةِ الثَّانِيَةِ وَتَصَرُّفِهِمْ مِنْ الْقَدِيمِ وَيُمْنَعُ الْمُعَارِضُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَيَبْقَى الْقَدِيمُ عَلَى قِدَمِهِ حَيْثُ الْحَالُ مَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعَلِيمُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِهِنْدٍ بِرْكَةُ مَاءٍ فِي دَارِهَا يَجْرِي إلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ فَائِضٍ قَدِيمٍ فِي بِرْكَةِ دَارِ زَيْدٍ فَسَدَّ زَيْدٌ الْفَائِضَ وَامْتَنَعَ مِنْ فَتْحِهِ إلَّا أَنْ تُكَلِّسَ هِنْدٌ بِرْكَتَهُ فَهَلْ لَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): حَيْثُ كَانَ لَهَا مَا فَاضَ مِنْ الْمَاءِ وَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِي الْبِرْكَةِ لَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ وَلَا يُلْزَمُ زَيْدٌ بِتَكْلِيسِ الْبِرْكَةِ أَيْضًا لِعَدَمِ جَبْرِ الْإِنْسَانِ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ فِي دَارِ زَيْدٍ مَسِيلُ مَاءٍ بِمَعْنَى حَقِّ الْأُجَرَاءِ دُونَ رَقَبَةِ الْمَسِيلِ فَأَسْقَطَا حَقَّهُمَا مِنْ ذَلِكَ لَدَى بَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَهَلْ يَسْقُطُ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ قَالَ صَاحِبُ الْمَسِيلِ أَبْطَلْت حَقِّي مِنْ الْمَسِيلِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ إجْرَاءِ الْمَاءِ دُونَ الرَّقَبَةِ بَطَلَ حَقُّهُ قِيَاسًا عَلَى حَقِّ السُّكْنَى، وَإِنْ كَانَ لَهُ رَقَبَةُ الْمَسِيلِ لَا يَبْطُلُ بِالْإِبْطَالِ رَسَائِلُ الزَّيْنِيَّةِ مِنْ رِسَالَةِ مَا يَسْقُطُ مِنْ الْحُقُوقِ بِالْإِسْقَاطِ وَمِثْلُهُ فِي الْأَشْبَاهِ.
(سُئِلَ) فِي أَرْضٍ مَعْلُومَةٍ لَهَا شِرْبٌ مَعْلُومٌ وَهِيَ جَارِيَةٌ مَعَ الشِّرْبِ الْمَزْبُورِ تَحْتَ تَوْلِيَةِ زَيْدٍ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَآجَرَ الْمُتَوَلِّي الشِّرْبَ الْمَذْكُورَ وَحْدَهُ بِدُونِ الْأَرْضِ لِعَمْرٍو لِيَسُوقَ الشِّرْبَ إلَى أَرْضِ نَفْسِهِ فَهَلْ تَكُونُ الْإِجَارَةُ الْمَذْكُورَةُ غَيْرَ جَائِزَةٍ؟
(الْجَوَابُ): لَا تَصِحُّ إجَارَةُ الشِّرْبِ وَحْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي بَيْعِ الشِّرْبِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا بَاعَ شِرْبَ يَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأُسْتَاذُهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يُجَوِّزُوا ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَاءَ لَا يَجُوزُ وَإِذَا بَاعَهُ أَوْ آجَرَهُ مَعَ الْأَرْضِ فَهُوَ جَائِزٌ وَيَدْخُلُ الشِّرْبُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ أَلَا يَرَى أَنْ أَطْرَافَ الْعَبِيدِ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَلَا تَدْخُلُ مَقْصُودًا. اهـ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ حَقُّ شِرْبٍ مَعْلُومٍ مِنْ نَهْرٍ فَبَاعَ الشِّرْبَ وَحْدَهُ بِدُونِ أَرْضٍ فَهَلْ يَكُونُ الْبَيْعُ الْمَزْبُورُ غَيْرَ جَائِزٍ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَكَذَا صَحَّ بَيْعُ الشِّرْبِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَوَحْدَهُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخِي؛ لِأَنَّهُ نَصِيبٌ مِنْ الْمَاءِ وَلَمْ يَجُزْ فِي أُخْرَى وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بُخَارَى لِلْجَهَالَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الشِّرْبِ رَجُلٌ اشْتَرَى شِرْبًا بِغَيْرِ أَرْضٍ وَفِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ تُبَاعُ الْمِيَاهُ بِغَيْرِ أَرْضٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ، فَإِنْ بَاعَ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْخَرَاجُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فَلَوْ أَنَّهُ بَاعَ الْمَاءَ بِدُونِ الْأَرْضِ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الشِّرْبَ ثُمَّ بَاعَ الشِّرْبَ مَعَ أَرْضٍ لَهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الشِّرْبِ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْ الشِّرْبَ بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الشِّرْبِ بَيْعٌ لَا يَقَعُ عَلَى مَوْجُودٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ وَالشِّرْبَ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُنْقَطِعًا وَقْتَ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْبَيْعُ فِي الْمَاءِ عَلَى مَا يَحْدُثُ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ، فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِ شَيْئًا مَوْجُودًا لَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعِنْدِي هَذَا الْجَوَابُ مُشْكِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فِي الشِّرْبِ حُكْمَ بَيْعٍ فَاسِدٍ لَا حُكْمَ بَيْعٍ بَاطِلٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الشِّرْبِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ.
وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِ الشِّرْبِ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، فَإِذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ رَجُلٌ بَاعَ الشِّرْبَ بِعَبْدٍ وَقَبَضَ الْعَبْدَ وَأَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشِّرْبُ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ لَمَا جَازَ عِتْقُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ وَقَبَضَهُ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ. اهـ. مِنَحُ الْغَفَّارِ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
(سُئِلَ) فِي مَجْرَى مَاءٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مَعْلُومِينَ خَاصٍّ بِهِمْ احْتَاجَ الْمَجْرَى إلَى الْكَرْيِ الضَّرُورِيِّ فَكَرَاهُ الْبَعْضُ وَصَرَفَ عَلَى ذَلِكَ مَبْلَغًا مَعْلُومًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَأَبَى الْبَعْضُ عَنْ ذَلِكَ الْكَرْيِ وَيُرِيدُ الرُّجُوعَ عَلَى الْآبِي بِمَا أَنْفَقَ حَيْثُ كَانَ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَهَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ فَصْلِ كَرْيِ الْأَنْهَارِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْخَاصُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَرْيُهُ عَلَى أَهْلِهِ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ قِيلَ يُجْبَرُ الْآبِي وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الضَّرَرَيْنِ خَاصٌّ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ عَنْهُمْ بِالرُّجُوعِ عَلَى الْآبِي بِمَا أُنْفِقَ فِيهِ إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي إلَخْ وَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِالرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ أَخَّرَهُ مَعَ دَلِيلِهِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ كَرْيِ الْأَنْهَارِ وَتَكَلَّمُوا فِي النَّهْرِ الْخَاصِّ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ النَّهْرُ لِعَشَرَةٍ فَمَا دُونَهَا أَوْ عَلَيْهِ قَرْيَةٌ وَاحِدَةٌ يَفْنَى مَاؤُهُ فِيهَا فَهُوَ نَهْرٌ خَاصٌّ تُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ كَانَ النَّهْرُ لِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ فَهُوَ نَهْرٌ عَامٌّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ لِمَا دُونَ الْمِائَةِ فَهُوَ خَاصٌّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ لِمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ نَهْرٌ خَاصٌّ، وَإِنْ كَانَ لِأَرْبَعِينَ فَهُوَ عَامٌّ.
وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ حَتَّى يَخْتَارَ أَيَّ الْأَقْوَالِ شَاءَ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَمُؤْنَةُ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى أَهْلِ النَّهْرِ الْكَائِنِينَ مِنْ أَعْلَاهُ أَيْ أَعْلَى النَّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى إذَا جَاوَزَ أَرْضَ رَجُلٍ مِنْهُمْ تَسْقُطُ عَنْهُ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ وَقَالَا كَرْيُ النَّهْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ عَلَى الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَعْلَى يَحْتَاجُ إلَى مَا وَرَاءَ أَرْضِهِ لِيَسِيلَ مَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ لِئَلَّا تَغْرَقَ أَرْضُهُ وَلَهُ أَنَّهُ لِلْحَاجَةِ إلَى سَقْيِ الْأَرْضِ وَلَمْ تَبْقَ لَهُ حَاجَةٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَنْ لَهُ حَقُّ تَسْيِيلِ مَاءِ سَطْحِهِ عَلَى سَطْحِ جَارِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ عِمَارَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِاعْتِبَارِ تَسْيِيلِ الْمَاءِ فِيهِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى مَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ جَاوَزَ الْكَرْيُ أَرْضَ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَرِئَ الرَّجُلُ مِنْ الْكَرْيِ لِمَا ذَكَرْنَا. اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّةِ، وَإِذَا جَاوَزَ فُوَّهَةَ رَجُلٍ هَلْ تُرْفَعُ عَنْهُ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُرْفَعُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَرْضَهُ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا احْتَاجُوا إلَى إصْلَاحِ جَانِبَيْ النَّهْرِ. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الْخَاصُّ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ إذَا اُحْتِيجَ إلَى إصْلَاحِهِ فَإِصْلَاحُ أَوَّلِهِ عَلَيْهِمْ إجْمَاعًا، فَإِذَا بَلَغُوا دَارَ رَجُلٍ قِيلَ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي النَّهْرِ وَقِيلَ يُرْفَعُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى مَا وَرَاءَ دَارِهِ بِوَجْهٍ مَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُهَا بِخِلَافِ النَّهْرِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَسْيِيلِ الْمَاءِ إذْ لَوْلَاهُ لَغَرِقَتْ أَرْضُهُ حَالَ كَثْرَةِ الْمَاءِ وَمَنْ جَاوَزَ الْكَرْيُ أَرْضَهُ وَأَرَادَ فَتْحَ رَأْسِ النَّهْرِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَهُ ذَلِكَ لِزَوَالِ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ عَنْهُ وَقَالَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ نَهْرًا عَظِيمًا عَلَيْهِ قُرًى يَشْرَبُونَ مِنْهُ فَبَلَغُوا بِالْكَرْيِ فُوَّهَةَ نَهْرِ قَرْيَةٍ قَالَ فِي النَّوَادِرِ يُرْفَعُ عَنْهُ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ إجْمَاعًا وَعَلَى قِيَاسِ النَّهْرِ الْخَاصِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُرْفَعَ حَتَّى يُجَاوِزَ الْكَرْيُ أَرَاضِيَ قَرْيَتِهِمْ. اهـ.
(سُئِلَ) فِي مَجْرَى أَوْسَاخٍ يَنْصَبُّ فِيهِ أَوْسَاخُ بُيُوتِ جَمَاعَةٍ مِنْ مَحَلَّاتٍ مِنْ أَعْلَاهُ إلَى أَسْفَلِهِ وَاحْتَاجَ إلَى التَّعْزِيلِ فَقَامَ أَهْلُ مَجْرَى أَوْسَاخِ الْأَعْلَى يُكَلِّفُونَ بَعْضَ أَهَالِيِ الْأَسْفَلِ إلَى تَعْزِيلِهِ مَعَهُمْ مِنْ الْأَعْلَى الَّذِي لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ أَوْسَاخٌ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِمْ بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَهَلْ لَيْسَ لِأَهَالِي مَحَلَّةِ أَوْسَاخٍ الْأَعْلَى ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ. (أَقُولُ) هَاهُنَا فَائِدَةٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهَا فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ وَهِيَ أَنَّ نَهْرَ الْأَوْسَاخِ يُخَالِفُ نَهْرَ الشُّرْبِ مِنْ حَيْثُ إنَّ نَهْرَ الْأَوْسَاخِ إذَا احْتَاجَ إلَى الْكَرْيِ وَالتَّعْزِيلِ مِنْ أَعْلَاهُ فَكُلَّمَا جَاوَزَ دَارَ رَجُلٍ لَا تُرْفَعُ عَنْهُ الْمُؤْنَةُ بَلْ يُشَارِكُ مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ وَهَكَذَا كُلَّمَا وَصَلَ التَّعْزِيلُ إلَى دَارِ رَجُلٍ يَدْخُلُ فِي الْمُؤْنَةِ وَيُشَارِكُهُ جَمِيعُ مَنْ قَبْلَهُ حَتَّى يَصِلَ التَّعْزِيلُ إلَى آخِرِ النَّهْرِ فَمَنْ كَانَ فِي أَعْلَى النَّهْرِ كَانَ أَكْثَرَهُمْ كُلْفَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي إجْرَاءِ أَوْسَاخِهِ إلَى جَمِيعِ النَّهْرِ ثُمَّ دُونَهُ مَنْ تَحْتَهُ وَهَكَذَا فَيَكُونُ الْآخِرُ أَقَلَّهُمْ كُلْفَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي إجْرَاءِ أَوْسَاخِهِ إلَى مَا بَعْدَ دَارِهِ مِنْ النَّهْرِ وَهُوَ آخِرُ النَّهْرِ دُونَ مَا قَبْلَهُ بِخِلَافِ نَهْرِ الشُّرْبِ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ إنَّمَا يَحْتَاجُ مِنْ النَّهْرِ إلَى مَا قَبْلَ أَرْضِهِ مِنْ أَعْلَى النَّهْرِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَاءُ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَبْقَ مُحْتَاجًا إلَى شَيْءٍ مِنْ النَّهْرِ مِمَّا بَعْدَ أَرْضِهِ، فَإِذَا جَاوَزَ الْكَرْيُ أَرْضَهُ تُرْفَعُ عَنْهُ الْمُؤْنَةُ وَيَبْقَى دَاخِلًا فِيهَا جَمِيعُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ النَّهْرِ ثُمَّ كُلَّمَا جَاوَزَ أَرْضَ رَجُلٍ آخَرَ تُرْفَعُ عَنْهُ وَتَبْقَى عَلَى مَنْ بَعْدَهُ وَهَكَذَا فَمَنْ كَانَ فِي أَسْفَلِ النَّهْرِ يَكُونُ أَكْثَرَهُمْ كُلْفَةً لِاحْتِيَاجِهِ إلَى جَمِيعِ النَّهْرِ ثُمَّ مَنْ فَوْقَهُ ثُمَّ وَثُمَّ عَلَى عَكْسِ نَهْرِ الْأَوْسَاخِ وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ صَاحِبَ الشِّرْبِ يَحْتَاجُ إلَى كَرْيِ مَا قَبْلَ أَرْضِهِ لِيَصِلَهُ الْمَاءُ وَصَاحِبُ الْأَوْسَاخِ يَحْتَاجُ إلَى مَا بَعْدَ أَرْضِهِ لِيَذْهَبَ وَسَخُهُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِأَهَالِي مَحَلَّةٍ مَسَاقِيطُ عَلَى نَهْرٍ مُخْتَصٍّ بِجَمَاعَةٍ فَاحْتَاجَ إلَى التَّعْزِيلِ لِكَثْرَةِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنْ أَوْسَاخِ الْمَسَاقِيطِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ تَكُونُ مُؤْنَةُ تَعْزِيلِ الْأَوْسَاخِ مِنْ النَّهْرِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَصْحَابِ الْمَسَاقِيطِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ أَهْلِ النَّهْرِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا أَحْدَثَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ مَسَاقِيطَ عَلَى النَّهْرِ الْمَذْكُورِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِ النَّهْرِ الْمَرْقُومِ وَيُطَالِبُ أَهْلُ النَّهْرِ أَصْحَابَ الْمَسَاقِيطِ الْمُحْدَثَةِ بِسَدِّهَا عَنْ النَّهْرِ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُمْ مُطَالَبَتُهُمْ بِذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): الْحَمْدُ لِلَّهِ يَسُوغُ لَهُمْ ذَلِكَ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ كَتَبَهُ الْفَقِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ عُفِيَ عَنْهُ.
(سُئِلَ) فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ يَمْتَدُّ مِنْ أَعْيُنٍ يَشْرَبُ مِنْهُ أَهَالِي قُرًى بَعْضُهَا مِنْ جِهَةِ أَسْفَلِهِ يَجْرِي لِتِلْكَ الْقُرَى فِي أَنْهُرٍ خَاصَّةٍ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ الْكَبِيرِ وَفِي بَعْضِ السِّنِينَ يَقِلُّ مَاءُ النَّهْرِ الْكَبِيرِ فَيَسْكُرُ أَهَالِي الْقُرَى الْعَالِيَةِ مَاءَ النَّهْرِ الْكَبِيرِ الْمُشْتَرَكِ لِيَرْتَفِعَ الْمَاءُ إلَى أَنْهُرِهِمْ الْخَاصَّةِ فَيَسْقُوا أَرَاضِيَهُمْ بِحَيْثُ إنَّ الْمَاءَ لَمْ يَبْقَ فِي النَّهْرِ الْكَبِيرِ يَجْرِي إلَى أَهَالِيِ الْأَسْفَلِ إلَّا قَلِيلًا جِدًّا وَيَحْصُلُ بِذَلِكَ غَايَةُ الضَّرَرِ عَلَى أَهَالِيِ الْقُرَى الَّتِي مِنْ الْأَسْفَلِ مُتَعَلِّلِينَ بِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ السِّكْرَ الْمَزْبُورَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْقُومِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ وَأَنَّ الْقَدِيمَ يَبْقَى وَيُتْرَكُ عَلَى قِدَمِهِ، وَإِنْ خَالَفَ الشَّرِيعَةَ الْمُطَهَّرَةَ فَهَلْ لِأَهَالِي الْقُرَى الْأَسَافِلِ أَنْ يُكَلِّفُوا أَهَالِيَ الْقُرَى الْأَعَالِي أَنْ يُزِيلُوا السِّكْرَ لِيَسْقِيَ أَهَالِي الْقُرَى الْأَسَافِلِ أَرَاضِيَهُمْ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَسْكُرُوا فِي بَاطِنِ النَّهْرِ الْكَبِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِدُونِ إذْنِهِمْ وَرِضَاهُمْ؟
(الْجَوَابُ): لَيْسَ لِأَهَالِي الْأَعْلَى أَنْ يَسْكُرُوا الْمَاءَ عَلَى أَهَالِيِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّهُمْ أُمَرَاءُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْوَوْا كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمُعَظَّمُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَإِنْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي بَاطِنِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ بِدُونِ إذْنِ الشُّرَكَاءِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ شَرْعًا وَفِعْلُ غَيْرِ الْجَائِزِ مَانِعٌ مِنْ فِعْلِهِ الشَّرْعُ فَلَا عِبْرَةَ بِمَا فَعَلَهُ أَهَالِي الْأَعْلَى مِنْ السَّكْرِ قَدِيمًا عَلَى أَهْلِ الْأَسْفَلِ وَإِذْنِهِمْ لِأَهْلِ الْأَعْلَى بِالسَّكْرِ عَلَيْهِمْ لَا يَجْرِي عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ رِضَا الْمُتَقَدِّمِينَ رِضَا الْمُتَأَخِّرِينَ فَلِلْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَسْفَلِ مَنْعُ أَهَالِي الْأَعْلَى مِنْ السَّكْرِ فِي بَاطِنِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ حَتَّى يَسْقِيَ أَهَالِي الْأَسْفَلِ أَرَاضِيِهِمْ، فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِهِمْ حَتَّى يَرْوَوْا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمِيعُ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَتَاوَى الْمَرْحُومِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ مُفْتِي الشَّامِ عُفِيَ عَنْهُ.
وَأَجَابَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ بِمَا حَاصِلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِأَهَالِي الْقَرْيَةِ السُّفْلَى حَقُّ شِرْبٍ فِي النَّهْرِ الْمَذْكُورِ فَلِأَهَالِي الْقَرْيَةِ الْعُلْيَا حَبْسُ جَمِيعِ مَاءِ النَّهْرِ الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِهَا حَتَّى يَرْوَوْا ثُمَّ يُطْلِقُونَهُ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ السُّفْلَى إنْ شَاءُوا، وَإِنْ كَانَ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ السُّفْلَى حَقُّ شِرْبٍ مِنْ النَّهْرِ الْمَزْبُورِ فَلَيْسَ لِأَهَالِي الْقَرْيَةِ الْعُلْيَا حَبْسُ مَاءِ النَّهْرِ عَنْ أَهَالِيِ الْقَرْيَةِ السُّفْلَى بَلْ يُبْدَأُ بِأَهْلِ السُّفْلَى حَتَّى يَرْوَوْا لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَهْلُ أَسْفَلِ النَّهْرِ أُمَرَاءُ عَلَى أَهْلِ الْأَعْلَى حَتَّى يَرْوَوْا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(أَقُولُ) وَأَفْتَى بِذَلِكَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي خُصُوصِ نَهْرِ دِمَشْقَ الْمُسَمَّى بِبَرَدَا وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتُونِ كَالْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَتَبِعَهُ الْعَلَائِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ أَنْ يَقْسِمَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمْ بِالْأَيَّامِ. اهـ.
أَيْ إذَا لَمْ يَصْطَلِحُوا وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِلَا سَكْرٍ فَيَسْكُرُ كُلٌّ فِي نَوْبَتِهِ وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِهَذَا إنْ لَزِمَ قَصْرُ الضَّرَرِ عَلَى أَهْلِ الْأَعْلَى، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَشْرَبُ أَهْلُ الْأَسْفَلِ جَمِيعَ النَّهْرِ فَيَلْزَمُ أَنْ تَيْبَسَ زُرُوعُ أَهْلِ الْأَعْلَى مَعَ أَنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي النَّهْرِ تَأَمَّلْ.
(فَائِدَةٌ):
رَأَيْتُ فِي الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ السُّبْكِيّ مَا حَاصِلُهُ لَا أَشُكُّ فِي نَهْرِ بَرَدَى فِي دِمَشْقَ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدِيمٌ بِأَرْضِهِ وَالْعَيْنُ الَّتِي يَجْرِي الْمَاءُ فِيهِ مِنْهَا إمَّا مُبَاحَةٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِمَّا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْكُفَّارِ وَانْتَقَلَتْ عَنْهُمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَيْسَ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَبَقِيَّةُ أَنْهَارِهَا الظَّاهِرُ أَنَّهَا كَذَلِكَ وَأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ وَيُحْتَمَلُ حُدُوثُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا كَانَ بِانْخِرَاقٍ فِي مَوَاتٍ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَمَا كَانَ بِحَفْرٍ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ حَافِرُهُ الْإِبَاحَةَ فَكَذَلِكَ أَوْ نَفْسَهُ فَمِلْكٌ لَهُ لَكِنَّا لَا نَعْلَمُهُ الْآنَ هُوَ وَلَا وَرَثَتَهُ فَهُوَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَخْصِيصُ طَائِفَةٍ بِجَمِيعِهِ وَلَا بَيْعُهُ بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُنْتَقِلَةِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ الَّتِي يَبِيعُ مِنْهَا وَيُعْطِي نَفْسَهَا، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ نَفْعُهَا عَامٌّ دَائِمٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيتُهَا عَلَيْهِمْ بِالتَّخْصِيصِ وَالْبَيْعِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَمَتَى جُهِلَ الْحَالُ هَلْ هِيَ بِانْخِرَاقٍ أَوْ حَفْرٍ فَهُوَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا. اهـ.
مَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ الْإِمَامِ السُّبْكِيّ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مَا كَانَ مُبَاحًا لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُنَافِي دُخُولَهُ فِي الْمِلْكِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حُفْرَةَ بَرَدَى وَبَقِيَّةِ الْأَنْهَارِ السِّتَّةِ الْمُتَشَعِّبَةِ مِنْهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ، وَأَمَّا مِيَاهُهَا فَغَيْرُ مَمْلُوكَةٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، وَإِنَّمَا لِأَهْلِ الْأَرَاضِي حُقُوقٌ مُسْتَحَقَّةٌ فِيهَا وَأَغْلَبُ أَرَاضِي دِمَشْقَ الْمُسْتَحِقَّةُ مِنْهُ مِنْهَا أَوْقَافٌ وَمِنْهَا سُلْطَانِيَّةٌ وَبَعْضُهَا مِلْكٌ لِأَرْبَابِهَا وَكُلُّ أَرْضٍ لَهَا حَقٌّ مِنْهُ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ قَبْلِهِ.
وَكَذَلِكَ الدُّورُ فِي دِمَشْقَ كُلُّ دَارٍ لَهَا حَقٌّ مَعْلُومٌ مِنْهَا يَدْخُلُ فِي حُقُوقِهَا حِينَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ وَغَيْرِهَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ بِلَا مُنَازِعٍ وَلَا مُعَارِضٍ وَلَا إنْكَارٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلُ الْمِلْكِيَّةِ بِسَبْقِ الْيَدِ لِوَاضِعِ الْيَدِ الْأَوَّلِ وَاسْتِمْرَارُ ذَلِكَ إلَى زَمَانِنَا فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى حَقِّ أَحَدٍ مِنْ ذَلِكَ بِلَا مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ وَلَا أَنْ يُحْدِثَ فِي أَصْلِ هَذَا النَّهْرِ الْعَامِّ مَا يُضِرُّ بِأَهْلِ هَذِهِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النَّهْرُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْمَقَاسِمِ وَالْكُوَى الْمَمْلُوكَةِ أَمَّا بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهَا فَقَدْ صَارَ مِلْكًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلِذَا كَانَ كَرْيُهُ عَلَى أَصْحَابِ الْمَقَاسِمِ لَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيُوَضِّحُ مَا قُلْنَاهُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ مُفْتِي طَرَابُلُسَ بِقَوْلِهِ سُئِلَ فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ يَنْبُعُ مِنْ سَفْحِ جَبَلٍ عَظِيمٍ يَمُرُّ فِي وَادٍ قَدِيمٍ يُسَمَّى ذَلِكَ النَّهْرُ بِالْعَاصِي يَشْرَبُ مِنْهُ أَرَاضٍ وَبَسَاتِينُ وَمَزَارِعُ وَقُرًى تَحْوِي خَلْقًا كَثِيرًا لَيْسَ لِتِلْكَ الْأَرَاضِي وَالْقُرَى شِرْبٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا النَّهْرِ وَتَشْتَمِلُ تِلْكَ الْأَرَاضِي عَلَى عُلْيَا مِنْ جِهَةِ مَنْبَعِ الْمَاءِ وَسُفْلَى تَحْتَهَا وَهَكَذَا وَتَسْتَحِقُّ فِيهِ جِهَاتُ أَوْقَافٍ وَبَيْتُ الْمَالِ وَغَيْرُهُمَا وَلَا يُمْكِنُ السَّقْيُ مِنْهُ إلَّا بِدَوَالِيبَ يُدِيرُهَا الْمَاءُ كَالرَّحَى لِتَسَفُّلِهِ وَارْتِفَاعِ الْأَرْضِ عَنْهُ وَمِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ بَنَى كُلُّ أَهْلِ نَاحِيَةٍ فِي وَسَطِهِ سَدًّا بِالْمُؤَنِ وَالْأَحْجَارِ وَفَتَحُوا فِيهِ كُوًى عَلَى قَدْرِ الدَّوَالِيبِ الْمُمْكِنَةِ وَجَعَلُوا بَيْنَ كُلِّ سَدَّيْنِ مَسَافَةً مُقَدَّرَةً بِالْهَنْدَسَةِ بِحَيْثُ إذَا انْحَصَرَ الْمَاءُ فِي السَّدِّ الْأَسْفَلِ لَا يُضِرُّ بِالسَّدِّ الْأَعْلَى فَهَلْ إذَا أَرَادَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْأَرَاضِي أَنْ يُحْدِثَ فِي جَانِبٍ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ سَدًّا يَسْكُرُ النَّهْرَ لَيَتَمَكَّنَ بِذَلِكَ مِنْ نَصْبِ دُولَابٍ يَأْخُذُ بِهِ الْمَاءَ إلَى أَرْضِهِ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لَوْ حَصَلَ لِلْأَعْلَى مِنْهُ أَوْ الْمُسَاوِي ضَرَرٌ بِعَدَمِ دَوَرَانِ دُولَابِهِ أَوْ قِلَّةِ دَوَرَانِهِ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيُمْنَعُ عَنْهُ شَرْعًا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.
(الْجَوَابُ): لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ حَالَ هَذَا النَّهْرِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا اشْتِرَاكًا خَاصًّا بِأَهْلِ تِلْكَ الْأَرَاضِي فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ حِينَئِذٍ إحْدَاثُ شَيْءٍ فِيهِ إلَّا بِرِضَا الْجَمِيعِ سَوَاءٌ أَضَرَّ ذَلِكَ بِأَحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَوْ لَمْ يُضِرَّ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَاقِعٌ فِي بَطْنِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَبَعْضُ الشُّرَكَاءِ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَحَلِّ الْمُشْتَرَكِ إلَّا بِرِضَا بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ سَوَاءٌ تَضَرَّرُوا أَوْ لَمْ يَتَضَرَّرُوا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِيهِ أَنْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى أَوْ دُولَابًا فِي أَرْضٍ لَهُ مُلَاصِقَةٍ لِذَلِكَ النَّهْرِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ ضَرَرٍ بِالنَّهْرِ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ يَتَغَيَّرَ الْمَاءُ عَنْ سُنَنِهِ وَلَا يَجْرِي كَمَا كَانَ يَجْرِي قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا اشْتِرَاكًا عَامًّا بَيْنَ جَمِيعِ النَّاسِ فَيَمْتَنِعُ إحْدَاثُ ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ وُجُودِ الضَّرَرِ الْمَذْكُورِ.
فَقَدْ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الشِّرْبِ إنَّ أَبَا يُوسُفَ سُئِلَ عَنْ نَهْرِ مَرْوَ وَهُوَ نَهْرٌ عَظِيمٌ إذَا دَخَلَ مَرْوَ يَرْتَوِي مِنْهُ أَهْلُهَا بِالْحِصَصِ لِكُلِّ قَوْمٍ كُوَّةٌ مَعْرُوفَةٌ فَأَحْيَا رَجُلٌ أَرْضًا مَيْتَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا شِرْبٌ فِي هَذَا النَّهْرِ فَكَرَى لَهَا نَهْرًا مِنْ فَوْقِ مَرْوَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ وَسَاقَ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ الْعَظِيمِ قَالَ إنْ كَانَ هَذَا النَّهْرُ الْحَادِثُ يُضِرُّ بِأَهْلِ مَرْوَ ضَرَرًا بَيِّنًا فِي مَائِهِمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَمْنَعُهُ السُّلْطَانُ عَنْ ذَلِكَ وَكَذَا لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّ مَاءَ النَّهْرِ الْعَظِيمِ حَقُّ الْعَامَّةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَامَّةِ رَفْعُ الضَّرَرِ. اهـ.
وَفِي فَتَاوَى الْكَرْدَرِيِّ الْمِيَاهُ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ فِي غَايَةِ الْعُمُومِ كَالْأَنْهَارِ الْعِظَامِ مِثْلُ دِجْلَةَ وَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ فَيَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ سَقْيَ دَوَابِّهِ وَأَرْضِهِ وَنَصْبَ الطَّاحُونِ وَالدَّالِيَةِ وَالثَّانِيَةِ وَاِتِّخَاذِ الْمَشْرَعَةِ وَالنَّهْرِ إلَى أَرْضِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُضِرَّ بِالْعَامَّةِ، فَإِنْ أَضَرَّ مُنِعَ، فَإِنْ فَعَلَ فَلِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ مَنْعُهُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَالْمُكَاتَبُ فِيهِ سَوَاءٌ. اهـ.
وَاَللَّهُ الْعَلِيمُ وَكَتَبَهُ مُحَمَّدٌ الْمُفْتِي بِطَرَابُلُسِ الشَّامِ عُفِيَ عَنْهُ.
(سُئِلَ) فِي بِرْكَةِ مَاءٍ قَائِمَةِ الْبِنَاءِ فِي دَارِ زَيْدٍ يَجْرِي مَا فَاضَ مِنْهَا بِحَقٍّ شَرْعِيٍّ فِي مَجْرًى إلَى طَالِعٍ قَائِمِ الْبِنَاءِ فِي دَارِ عَمْرٍو وَيَنْقَسِمُ الْمَاءُ شَطْرَيْنِ أَحَدُهُمَا لِدَارِ عَمْرٍو وَالْآخَرُ لِدَارِ بَكْرٍ وَيُرِيدُ بَكْرٌ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَاءِ شَطْرَهُ الْمُخْتَصَّ بِهِ مِنْ الْبِرْكَةِ الْقَائِمَةِ بِدَارِ زَيْدٍ وَلَيْسَ بَيْنَ بَسْطِ الطَّالِعِ وَالْبِرْكَةِ مُخَالَفَةٌ وَالْمُعَادَلَةُ مُمْكِنَةٌ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى عَمْرٍو وَيَنْتَفِعُ كُلٌّ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يَسُوغُ لِبَكْرٍ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ. (أَقُولُ) قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ الْكَلَامَ عَلَى قِسْمَةِ الْمَاءِ فَرَاجِعْهُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ وَرَجُلَيْنِ طَالِعُ مَاءٍ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ لِضِيقِ جِدَارِ عَمْرٍو فَتَهَدَّمَ الطَّالِعُ وَصَارَ الْمَاءُ يَجْرِي إلَى أَرْضِ دَارِ عَمْرٍو وَحِيطَانِهَا وَتَضَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ وَخَرِبَ بَعْضُ الدَّارِ وَطَلَبَ عَمْرٌو مِنْهُمْ إصْلَاحَ الطَّالِعِ فَهَلْ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الشِّرْبِ نَهْرٌ فِي أَرْضِ قَوْمٍ فَانْبَثَقَ وَخَرَّبَ بَعْضَ الْأَرَاضِي لِمُلَّاكِ الْأَرَاضِي مُطَالَبَةُ أَرْبَابِ النَّهْرِ بِإِصْلَاحِ النَّهْرِ دُونَ عِمَارَةِ الْأَرَاضِي.
(سُئِلَ) فِي مَاءٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ قَرْيَةٍ مِيرِيَّةٍ وَمَزْرَعَةِ وَقْفٍ لِلْقَرْيَةِ الثُّلُثَانِ وَلِلْمَزْرَعَةِ الثُّلُثُ فَتَرَكَ أَصْحَابُ الْمَزْرَعَةِ زِرَاعَتَهَا وَمَاءَهَا مُدَّةَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ فَسَقَى زُرَّاعُ الْقَرْيَةِ الْمَزْبُورَةِ أَرَاضِيَهُمْ بِالْمَاءِ الْمَزْبُورِ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَامَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى الْمَزْرَعَةِ يَزْعُمُ أَنَّ زُرَّاعَ الْقَرْيَةِ يَضْمَنُونَ حِصَّةَ الْمَزْرَعَةِ مِنْ الشِّرْبِ فِي الْمُدَّةِ الْمَرْقُومَةِ فَهَلْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَلَا يَضْمَنُ مَنْ سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ وَابْنُ كَمَالٍ عَنْ الْخُلَاصَةِ. اهـ.
وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَسَاقٍ بِشِرْبِ الْغَيْرِ لَيْسَ بِضَامِنٍ وَضَمَّنَهُ بَعْضٌ وَمَا مَرَّ أَظْهَرُ.
(سُئِلَ) فِي نَهْرٍ قَدِيمٍ يَجْرِي مِنْهُ قَدْرٌ مِنْ الْمَاءِ فِي مَاصِيَةٍ قَدِيمَةٍ تَسْقِي أَرَاضِيَ وَبُيُوتًا كَثِيرَةً بِحَقٍّ قَدِيمٍ شَرْعِيٍّ بِلَا مُعَارِضٍ وَيَلِي الْمَاصِيَةَ طَاحُونَةٌ رَاكِبَةٌ عَلَى النَّهْرِ لَهَا حَجَرٌ وَاحِدٌ وَمِيزَابَانِ يَصُبُّ مِنْهُمَا مَاءُ النَّهْرِ وَيُدِيرُ أَحَدُهُمَا الْحَجَرَ الْمَزْبُورَ وَهُمَا مَفْتُوحَانِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ بِلَا مُعَارِضٍ ثُمَّ قَلَّ مَاءُ النَّهْرِ فَصَارَ مُسْتَأْجِرُ الطَّاحُونَةِ يَسُدُّ أَحَدَ الْمِيزَابَيْنِ بِأَمْرِ صَاحِبِهَا بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَقَلَّ انْحِدَارُ الْمَاءِ فِي الْمَاصِيَةِ جِدًّا وَصَارَ لَا يَبْلُغُ رُبْعَ انْحِدَارِهِ وَصَبِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَتَضَرَّرَ أَصْحَابُ حُقُوقِهِ ضَرَرًا كُلِّيًّا بِسَبَبِ السَّدِّ الْمَذْكُورِ وَقِلَّةِ الْمَاءِ وَيُرِيدُونَ مَنْعَ مُسْتَأْجِرِ الطَّاحُونَةِ وَصَاحِبِهَا مِنْ سَدِّ الْمِيزَابِ الْمَذْكُورِ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ فَهَلْ لَهُمْ ذَلِكَ وَيَبْقَى الْقَدِيمُ عَلَى قِدَمِهِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِرْكَتَانِ يَجْرِي إلَيْهِمَا الْمَاءُ فِي مَجْرًى خَاصٍّ مِنْ طَالِعٍ مَعْلُومٍ مُشْتَرَكٍ الْمَاءُ بَيْنَهُمَا احْتَاجَ طَرِيقُ الْمَاءِ مِنْ أَعْلَاهُ إلَى التَّعْمِيرِ فَهَلْ يَكُونُ تَعْمِيرُهُ عَلَيْهِمَا؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ. (أَقُولُ) أَفْتَى شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ مَاءٌ لِبِرْكَةٍ لِجَمَاعَةٍ لِأَحَدِهِمْ ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ السُّدُسُ بِأَنَّ كُلْفَتَهُ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ لِقَوْلِ الْأَشْبَاهِ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ وَلِقَوْلِ الذَّخِيرَةِ الْغَرَامَةُ الَّتِي لِتَحْصِينِ الْأَمْلَاكِ تُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ حَيْثُ سُئِلَ فِي نَهْرٍ يَسْقِي بَسَاتِينَ وَقُرًى انْهَدَمَ جَانِبٌ مِنْهُ وَاحْتَاجَ إلَى التَّعْمِيرِ فَأَجَابَ تَعْمِيرُهُ عَلَى أَرْبَابِهِ جَمِيعًا عَلَى حَسَبِ حُقُوقِهِمْ مِنْ أَعْلَاهُ. اهـ.
لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِنْ أَسْفَلِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ مِنْ أَعْلَاهُ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ جِهَةٍ أَعْلَى النَّهْرِ قَبْلَ مَوْضِعِ الِانْهِدَامِ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْمِيرِ بِخِلَافِ مَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ أَسْفَلِهِ إلَى مَوْضِعِ الِانْهِدَامِ، فَإِنَّ الِانْهِدَامَ يُنْقِصُ عَلَيْهِمْ الْمَاءَ فَهُمْ الْمُحْتَاجُونَ إلَى تَعْمِيرِهِ وَنَظِيرُهُ كَرْيُ النَّهْرِ، فَإِنَّهُ كُلَّمَا جَاوَزَ الْكَرْيُ أَرْضَ رَجُلٍ رُفِعَتْ عَنْهُ الْمُؤْنَةُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَى كَرْيِ مَا بَعْدَ أَرْضِهِ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَاءُ يَنْزِلُ إلَى بِرْكَةِ رَجُلٍ ثُمَّ يَخْرُجُ مَا فَاضَ عَنْهُ إلَى بِرْكَةِ رَجُلٍ آخَرَ وَاحْتَاجَ أَصْلُ الْمَاءِ إلَى التَّعْمِيرِ فَكَيْفَ تُقْسَمُ الْكُلْفَةُ بَيْنَهُمَا لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهِ فِي دِيَارِنَا وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّ صَاحِبَ الْفَائِضِ يَغْرَمُ الثُّلُثَ.
(سُئِلَ) فِي نَهْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ لَهُمْ مِنْهُ حَقُّ الشُّرْبِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ يَسْقِي أَرَاضِيَهُمْ بِحَسَبِ نَصِيبِهِمْ مِنْهُ أَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَسُوقَ نَصِيبَهُ مِنْ النَّهْرِ الْمَرْقُومِ بِلَا رِضَاهُمْ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى لَيْسَ لَهَا مِنْ النَّهْرِ الْمَزْبُورِ حَقُّ شِرْبٍ فَهَلْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ وَالْمُلْتَقَى وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ دَارٌ فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَفِي دَاخِلِ الدَّارِ بِئْرٌ بَالُوعَةٌ قَدِيمٌ يَنْزِلُ فِيهِ مَسَاقِيطُ الدَّارِ وَمَسَاقِيطُ أَهْلِ الزُّقَاقِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ وَقَدْ امْتَلَأَتْ الْبِئْرُ لِكَثْرَةِ مَا اجْتَمَعَ فِيهَا مِنْ أَوْسَاخِ الْمَسَاقِيطِ وَتَضَرَّرَ زَيْدٌ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ تَكُونُ مُؤْنَةُ تَعْزِيلِ الْأَوْسَاخِ عَلَى زَيْدٍ وَبَقِيَّةِ أَصْحَابِ الْمَسَاقِيطِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا مُعْتَادًا وَفِي الْأَرْضِ ثُقْبٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِيهِ وَنَفَذَ إلَى أَرْضِ جَارِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ وَيَزْعُمُ جَارُهُ أَنَّ الْمَاءَ أَفْسَدَ لَهُ حِنْطَةً فِي الْأَرْضِ الْمَرْقُومَةِ وَأَنَّ الرَّجُلَ يَضْمَنُهَا فَهَلْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَفِي فَوَائِدِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ سُئِلَ عَمَّنْ سَقَى أَرْضَهُ وَفِيهَا ثُقْبٌ يُضِرُّ بِأَرْضِ جَارِهِ وَيُفْسِدُ زَرْعَهُ وَلَا يُوقَفُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ سَبِيلُهُ سَبِيلُ الْحَائِطِ الْمَائِلِ أَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ فَمَا أَضَرَّ بَعْدَ التَّقْدِيمِ يُضْمَنُ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ عِمَادِيَّةٌ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّمَانَاتِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ بِرْكَةُ مَاءٍ فِي دَارِهِ يَجْرِي فَائِضُهَا إلَى طَالِعٍ قَدِيمٍ فِي طَرَفِ الدَّارِ ثُمَّ مِنْهُ إلَى بِرْكَةٍ فِي دَارِ عَمْرٍو وَعَمْرٌو مُتَصَرِّفٌ فِيهِ لِنَفْسِهِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ مِنْ مُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً بِلَا مُعَارِضٍ وَفِي الطَّالِعِ ثُقْبٌ قَدِيمٌ مَسْدُودٌ لَا يُعْلَمُ حَالُ سَدِّهِ وَلَا جَرَى الْمَاءُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ لِأَحَدٍ يُرِيدُ زَيْدٌ الْمَزْبُورُ الْآنَ فَتْحَهُ وَإِجْرَاءَ قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ مَاءِ الطَّالِعِ إلَى مَطْبَخٍ فِي دَارِهِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ لَهُ وَعَمْرٌو يُنْكِرُ ذَلِكَ وَمَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَدَّعِ زَيْدٌ بِذَلِكَ فَهَلْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؟
(الْجَوَابُ): يُعْمَلُ بِتَصَرُّفِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ بِذَلِكَ وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَرْقُومَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.