فصل: باب الصيد والذبائح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: اختلاف الأئمة العلماء



.باب نقض العهد:

واختلفوا فيما ينتقض به عهد الذمي.
فقال الشافعي وأحمد ومالك: ينتقض عهده بمنع الجزية، ويأبى أن تجري عليه أحكام الإسلام إذا حكم حاكمنا عليه بها.
وقال أبو حنيفة: لا ينتقض عهدهم إلا أن يكون لهم منعة يحاربون بها، أو يلحقوا بدار الحرب.
فإن فعل أحدهم ما يجب عليه تركه والكف، وعندهما فيه ضرر على المسلمين أو أجارهم في مال أو نفس وذلك أحد ثمانية أشياء: الاجتماع على قتال المسلمين، أو أن يزني بمسلمة أو يصيبها باسم نكاح، أو يفتن مسلما عن دينه، أو يقطع عليه الطريق، أو يأوي المشركين جاسوسا، أو يعاون على المسلمين بدلالة، وهو أن يكاتب المشركين بأخبار المسلمين، أو يقتل مسلما أو مسلمة عهدا فهل ينتقض عهدة بذلك أم لا؟
فقال أبو حنيفة: لا ينتقض عهده بهذه الأشياء الثمانية ولا بالأمرين المذكورين قبل، إلا أن يكون منعه فيغلبون على موضع ويحاربونا، أو يلحقوا بدار الحرب.
وقال الشافعي: متى قاتل المسلمين انتقض عهده سواء شرط عليه تركه في العقد أم لم يشرط، فإن فعل ما سوى ذلك من الأشياء السبعة المذكورة فإن لم يشترط عليهم الكف عن ذلك في العقد لم ينتقض العهد، وإن شرط عليهم الكف عن ذلك في العقد ففيه لأصحابه وجهان:
أحدهما: أنه لا ينتقض به العهد.
والثاني: ينتقض به العهد.
وقال مالك لا ينتقض عهدهم من ذلك بالزنا بالمسلمات، ولا بالإصابة لهن باسم النكاح. وينتقض بما سوى ذلك إلا في قطعهم للطريق فإن ابن القاسم خاصة من أصحابه قال: ينتقض عهدهم بذلك.
وعن أحمد روايتان، أظهرهما: أن عهدهم ينتقض بهذه الأشياء الثمانية المذكورة.
سواء كانت اشترطت عليهم أم لم تكن.
والرواية الثانية: لا ينتقض العهد إلا بالامتناع من بذل الجزية، وجرى أحكامنا عليهم أو بأحدهما فإن فعل أحدهم ما فيه غضاضة ونقيضه على الإسلام وهي أربعة أشياء.
- ذكر الله تعالى بما لا يليق بجلاله.
- أو ذكر كتابه المجيد.
- أو ذكر دينه القويم.
- أو ذكر رسوله الكريم بما لا ينبغي.
فهل ينتقص العهد بذلك أم لا؟
قال أحمد: ينتقض العهد بذلك، سواء شرط ترك ذلك عليهم أم لم يشرط.
وقال مالك: إذا سبوا الله أو رسوله أو دينه أو كتابه بغير ما كفروا به، فإنه ينتقض عهدهم بذلك، وسواء شرط عليهم تركه أو لم يشرط.
وقال أكثر أصحاب الشافعي: إذا فعل من ذلك شيئا فحكمه حكم ما فيه ضرر للمسلمين.
وهي الأشياء السبعة، فإن لم يشترط في العقد الكف عنه، لم ينتقض العهد.
وإن شرط الكف عنه فعلى الوجهين.
وقال أبو إسحاق المروزي: حكمة حكم الثلاثة الأولى وهي الامتناع عن التزام الجزية والتزام أحكام المسلمين والاجتماع على قتالهم.
وقال أبو حنيفة: لا ينتقض العهد بشيء من ذلك إلا أن يكون لهم منعة يقدرون معها على المحاربة، أو يلحقوا بدار الحرب.
واختلفوا فيمن انتقض عهدة منهم بما ينتقض به عند كل منهم على أصله، ماذا يصنع به؟
فقال أبو حنيفة: متى انتقض عهدهم أبيح قتلهم متى قدر عليهم.
وقال مالك في رواية ابن وهب وابن نافع وهو المشهور عنه: أنهم يقتلون ويسبون كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني أبي الحقيق.
وقال الشافعي في أحد قوليه وهو الأظهر، وأحمد: لا يرد من انتقض عهده منهم إلى مأمنه.
والإمام فيه مخير بين الاسترقاق وبين القتل.
وقال الشافعي في القول الآخر: يلحق بمأمنه.
واتفقوا على أنه يمنع الكافر من دخول الحرم.
إلا أبا حنيفة فإنه قال: يجوز له دخوله وأن يقيم فيه مقام المسافر ولا يستوطنه، ويجوز عنده دخول الواحد منهم الكعبة أيضا.
ثم اختلفوا هل يمنع الكافر والذمي من استيطان الحجاز وهي مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها؟
قال الأصمعي: سمي مجازاً لأنه حاجز بين تهامة ونجد.
فقال أبو حنيفة: لا يمنع.
وقال الشافعي وأحمد ومالك: يمنع.
ومن دخل منهم تاجرا أقام ثلاثة أيام ثم انتقل ولا يقيم إلا بإذن الإمام.
واختلفوا فيما سوى المسجد الحرام من المساجد.
فقال أبو حنيفة: يجوز دخولها للمشركين بلا إذن.
وقال الشافعي: لا يجوز لهم دخولها إلا بإذن المسلمين.
وقال مالك وأحمد: لا يجوز لهم الدخول بحال.
واتفقوا على أنه لا يجوز لهم إحداث كنيسة ولا بيعة في المدن والأمصار في بلاد الإسلام.
ثم اختلفوا هل يجوز إحداث ذلك فيما قارب المدن؟
فقال مالك وأحمد والشافعي: لا يجوز أيضا.
وقال أبو حنيفة: إن كان الموضع قريبا من المدينة بحيث يكون حكمه حكم المصر بحيث يجوز فيه صلاة الجمعة أو العيدين، وهو قدر ميل أو أقل، وهو ثلث فرسخ فلا يجوز فيه إحداث ذلك، وإن كان الموضع أبعد من هذا المقدار جاز.
فأما إذا كان بين البيوت وكان ذلك الموضع دون ثلث فرسخ فهو في حكم البلد لا يجوز إحداث البيع فيه.
واختلفوا فيما تشعث من بيعهم وكنائسهم في دار الإسلام أو تهدم، هل يرم أو يجدد بناؤه؟
فقال أبو حنيفة والشافعي: يجوز واشترط أبو حنيفة في الجواز أن يكون ذلك في أرض فتحت صلحا، فأما إن كانت أرض عنوة فلا يجوز.
فإن كانت في الصحاري، ثم صارت مصرا، ثم خربت البيع والكنائس فظاهر مذهبه يقتضي أنهم يمنعون من إعادتها بيعا أو كنائس بل على هيئة البيوت والمساكن.
ويمنعون أيضا من صلاتهم فيها واجتماعهم.
وقال أحمد في اظهر رواياته: لا يجوز لهم ذلك بمرمة ولا تجديد بناء على الإطلاق.
وهي اختيار أكثر أصحاب أحمد، ومن أصحاب الشافعي أبو سعيد الإصطخري، وأبو علي بن أبي هريرة وغيرهما، والرواية الثانية عن أحمد: يجوز عمارة ما تشعث منها بالمرمة، فإما إن استولى عليها الخراب فلا يجوز بناؤها.
وهي اختيار الخلال من أصحابه.
والثالثة عنه: جواز ذلك على الإطلاق.

.باب الصيد والذبائح:

واتفقوا على أن الله أباح الصيد.
وكذلك اتفقوا على أن قوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] أمر أباحه لا أمر وجوب.
واتفقوا على أن الله حرم صيد الحرم ومنع منه.
واتفقوا على أن المحرم لا يباح له أن يصيد.
واتفقوا على أنه لا يحل للمحرم أن يأكل مما صيد لأجله.
إلا أبا حنيفة فإنه قال: ما صيد لأجله بغير أمره وهو من غير صيد الحرم: يجوز له أكله، وإن صيد بأمره فعنه فيه روايتان.
واتفقوا على أنه يجوز الاصطياد بالجوارح المعلمة، إلا الأسود البهيم من الكلاب.
فإنهم اختلفوا في جواز الاصطياد به.
فأجاز الاصطياد به أبو حنيفة ومالك والشافعي.
وأباحوا أكل ما قتل ومنع من جواز ذلك أحمد وحدة فقال: لا يجوز الاصطياد به، ولا يباح أكل ما قتل اتباعا للحديث.
وهو مذهب إبراهيم النخعي وقتادة بن دعامة.
واتفقوا على أن من شرط تعليم سباع البهائم أن تكون إذا أرسله استرسل وإذا زجره انزجر.
ثم اختلفوا فيما وراء ذلك من ترك الأكل هل هو من شرط التعليم في سباع البهائم؟
فاشترطه الكل ما عدا مالكا، فإنه لم يشترطه بل قال: متى كان إذا أمره ائتمر وإذا زجره انزجر جاز أكل ما صاده وإن أكل منه الكلب إذا مات الصيد.
ثم اختلف مشترطو التعليم في حده.
فقال أبو حنيفة: حقيقة كونه معلما لا أعرفه، وإنما يعرف كونه معلما بالظاهر.
ومتى يحكم بكونه معلما في الظاهر عنه فيه روايتان.
إحداهما: وهي رواية الأصول أنه متى قال أهل الخبرة بذلك هذا معلم، حكمنا بكونه معلما ظاهرا.
والثانية: إذا ترك الأكل ثلاث مرات ممسكا له على صاحبة صار معلما ظاهرا، وحل أكل صيده.
الثالث: مع شرطه لإمساكه.
وقال صاحباه: إنما يحل أكل صيده الرابع لا الثالث.
وقال الشافعي: متى صار إذا أرسله استرسل وإذا زجره انزجر وأمسك ولم يأكل وتكرر منه ذلك صار معلما، ولم يقدر أصحابه عدد المرات وإنما اعتبروا العرف.
وقال أحمد: حد التعليم في الكلب أن لا يأكل مما اصطاده حتى يطعمه صاحبه.
وفائدة الخلاف بين أحمد وأبي حنيفة في هذه المسألة يظهر في صورة وهو أنه متى أكل الكلب من الصيد بعدما حكم بكونه معلما ظاهرا.
فعند أبي حنيفة: لا يحل أكل ما أكل منه، ولا ما بقي عنده من صيد صاده قبل ذلك، وقد بطل تعليمه الأول ولا يؤكل من صيده حتى يعلم تعليما ثانيا.
وعن أحمد روايتان، إحداهما: حل ذلك.
وكذلك في تحريم ما صاده الكلب قبل ذلك، فإن الأظهر من مذهبة حل ذلك.
والثانية من الروايتين: لا يحل فيهما كمذهب أبي حنيفة.
وعن الشافعي في حل الصيد الذي أكل منه الكلب بعد أن حكم بكونه معلما قولان.
واتفقوا على أن سائر الجوارح سوى الكلب لا يعتبر في حد تعليمه ترك الأكل مما صاده، وإنما هو أن يرجع على صاحبه إذا دعاه.
واتفقوا على أن من قصد صيدا بعينه فرماه بسهم فأصابه فإنه يباح.
ثم اختلفوا فيما إذا أصاب غيره.
فقال أحمد وأبو حنيفة: يباح على الإطلاق.
وقال مالك: لا يباح على الإطلاق.
وقال الشافعي: إن كان في السمت الذي أرسل فيه كلبه، أو رمى فيه بسهمه حل.
وإن في غير السمت فلأصحابه وجهان.
واختلفوا فيما إذا ترك التسمية على رمي الصيد أو إرسال الكلب.
فقال أبو حنيفة: إن ترك التسمية في الحالين ناسيا حل الأكل منه، وإن تعمد تركها، لم يبح.
وقال مالك: إن تعمد تركها لم يبح في الحالين، وإن تركها ناسيا في الحالين فهل يباح أم لا؟ فيه عنه روايتان.
وعنه رواية ثالثة: أنه يحل أكلها على الإطلاق في الحالين، سواء تركها عمدا أو سهوا.
وقال الشافعي إن تركها عامدا أو ناسيا في الحالين حل الأكل منه.
وعن أحمد ثلاث روايات أظهرها: أنه إن ترك التسمية على إرسال الكلب والرمي لم يحل الأكل منه على الإطلاق سواء كان تركه التسمية عمدا أو سهوا.
والرواية الثانية: إن ترك التسمية ناسيا حل أكله، وإن تعمد تركها لم يحل أكله، كمذهب أبي حنيفة.
والثالثة إن تركها على إرسال السهم ناسيا أكلها وإن تركها على إرسال الكلب والفهد ناسيا لم يأكل فأما التسمية على الذبائح والأضاحي.
فقال أبو حنيفة: إن ترك الذابح التسمية عمدا فالذبيحة ميتة لا تؤكل، وإن تركها ناسيا أكلت.
ومذهب أصحاب مالك فيما ظهر عنهم أن تارك التسمية عامدا غير متأول لا تؤكل ذبيحته.
ومنهم من يقول: إنها سنة، ومنهم من يقول: إنها شرط مع الذكر.
وقال الشافعي: يجوز أكلها إذا تركها، أي التسمية عليها، عمدا أو سهوا.
وقال أحمد: إن ترك التسمية على الذبيحة عمدا لم تؤكل، وإن تركها ناسيا فروايتان، إحداهما: لا تؤكل كالصيد.
والثانية: تؤكل.
واختلفوا هل يشترط ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الذبيحة؟
فقال الشافعي: يستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الذبيحة.
وهو اختيار ابن شاقلا أبي إسحاق من أصحاب أحمد.
وقال الباقون: لا تشرع.
واختلفوا فيما إذا أرسل كلبه المعلم، ورمى بسهمه بعد أن سمى عليها، ثم غاب عنها فلم يدرك الصيد إلا بعد يوم أو يومين، ولا أثر به غير سهمه.
فقال مالك: لا يباح في الكلب.
وفي السهم روايتان.
وقال الشافعي في الأم في هذه المسألة: القياس أن لا يحل أكله إلا أن يكون ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك خبر فيسقط كل ما خالفه.
وقال أبو حنيفة: إن تبعه ولم يقصر في طلبه، ثم أصابه ميتا لم يأكل.
وقال أحمد: يباح له أكله، وعنه إن كان الجراحة موجبه، حل، وإن لم تكن موجة لم يحل.
وعنه: إن وجده في يومه حل، وإن وجده بعد ذلك لم يحل، وكذلك في الكلب.
وأجمعوا على أنه إن وجده في ماء، أو تردى من جبل فإنه لا يحل أكله لجواز أن يكون الجبل والماء هما اللذان قتلاه.
واختلفوا فيما إذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة، فلم يقدر على ذبحة من غير تفريط، حتى مات.
فقال أحمد والشافعي ومالك: يباح أكله على الإطلاق.
وقال أبو حنيفة: إن كان لم يتمكن من الذبح لعدم الآلة أو لضيق الوقت، فإنه لا يباح أكله، وإن كان معه آله لكنه إلى أن يأخذها ويذبحه يموت. فيه روايتان، إحداهما: أنه يحل لأنه غير مفرط، والأخرى: لا يحل أكله.
واختلفوا فيمن صاد صيدا، ثم أفلت منه، ثم صاده آخر.
فقال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة: هو باق لصائدة الأول، ولم يزل ملكه عنه، وإن اختلط بالوحش وعاد إلى البرية.
وقال مالك: هو لمن صاده ثانيا، إذا توحش وعاد إلى البرية وتأبد، فأما إن صاده على اثر انفلاته ومعه بقية من التأنس فهو للأول.
واختلفوا في الحيوان الأهلي إذا توحش.
وكذلك اختلفوا إذا وقع بعيرا أو بقرة أو شاة في بئر فلم يقدر عليه إلا بأن يطعن في سنامه أو غيره، هل ينتقل ذكاته من الذبح والنحر إلى العقر؟
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: تنتقل ذكاته في ذلك كله إلى العقر.
ومن أصحاب أبي حنيفة من قال: لابد من أن يرميه بجرح يعلم أنه مات منه، وإلا فلا يحل.
وقال المراوزة من الشافعية: لابد من جرح في الخاصرة مذفف.
ومن أصحاب الشافعي من اشترط الجرح المذفف مطلقا.
وقال مالك: لا تنتقل ذكاته ولا يستباح بعقر في موضع في بدنه.
وإنما يستباح بالذبح والنحر ولا ذكاة إلا في الحلق واللبة.
وروى ابن حبيب خاصة عنه أنه يكون له حكم الوحش فيستباح بما يستباح به الوحش، فإن أصاب منه العاقر أبيح به.
واختلفوا فيما يصاد بالمنجل والسكين فيجرح فقتلت الصيد فيقتله.
فقال أبو حنيفة ومالك: إن كان معلقا في شبكة أو حباله، فقتل لم يحل أكله، وإن رماه بسكين أو منجل حل أكله.
وقال الشافعي: لا يحل أكله على الإطلاق.
وقال أحمد: يحل أكله على الإطلاق.
واتفقوا على أن الذكاة بالسن والظفر المتصلين لا يجوز.
واختلفوا فيما إذا كانا منفصلين.
فقال مالك والشافعي وأحمد: لا يجوز أيضا.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
وعن مالك رواية أخرى ذكرها الطحاوي عنه أنه كلما أبضع من عظم أو غيره ففرى الأوداج فلا بأس به وهي مشهورة عنه.
واتفقوا على أن ذكاة المجنون وصيده لا يستباح أكله.
واتفقوا على أن ما لا يحتاج من الأطعمة على ذكاة كالنبات وغيرة من الجامدات والمائعات فإنه يحل أكله ما لم يكن نجسا أو مخالطا لنجس أو ضارا.
فأما الحيوان فهو على ضربين: بري وبحري.
فأما البري: فإنهم أجمعوا على أن ما أبيح أكله منه لا يستباح إلا بالذكاة، وإنها مختلفة باختلاف أنواعه، ما بين ذبح ونحر وعقر، على ما سيأتي بيانه فيما بعد.
وقد مضى منه ما بين.
وأما البحري: فما أبيح منه كالسمك فلا يحتاج إلى ذكاة، وأما غيره فسيأتي ذكر خلافهم فيه.
وأجمعوا على أن الذبائح المعتد بها، ذبيحة المسلم العاقل والمسلمة العاقلة القاصدين للتذكية، الذين يتأتى منهما الذبح.
وكذلك أجمعوا على أن ذبائح أهل الكتاب العقلاء مباحة معتد بها.
واختلفوا في ذبائح نصارى العرب من تنوخ وبهراء وتغلب وفهر.
فقال مالك وأبو حنيفة: يجوز.
وقال الشافعي: لا يجوز.
وعن أحمد روايتان كالمذهبين، أظهرهما: إنها لا يجوز.
وأجمعوا على أن ذبائح الكفار من غير أهل الكتاب غير مباحة.
وأجمعوا على أن الذكاة تحل بكل ما ينهر الدم، ويحصل به القطع جرحا كالمحدد من السيف والسكين والرمح والحربة والزجاج والحجر والقصب الذي له حد يصنع ما يصنع السلاح المحدد.
واتفقوا على أنه يصح تذكية الحيوان الحي غير المأيوس من بقائه، فإن كان الحيوان قد أصابه ما يوئس معه من بقائه مثل أن يكون موقوذا أو منخنقا أو مترديا أو نطيحا أو مأكولا بسبع.
فإنهم اختلفوا في استباحته بالذكاة.
فقال أبو حنيفة: متى أدركت ذكاتها قبل أن تموت حلت.
وقال مالك في إحدى الروايتين وأحمد في أظهرهما أي الروايتين: متى علم بمستمر العادة أنه لا يعيش حرم أكله، ولا يحل بالتذكية، ولا يصح تذكيته.
وفي الرواية الثانية عن مالك: أن الذكاة تبيح منه ما وجد فيه حياة مستقرة وينافي الحياة عنده أن يندق عنقه أو يسيل دماغه أو تجرح حشوته العليا، أو تفرى أوداجه أو ينبت نخاعه.
وقال الشافعي: متى كانت فيه حياة مستقرة حل أكله مع التذكية.
واتفقوا على إباحة أكل السمك.
واختلفوا فيما طفا منه.
فقال أبو حنيفة: لا يباح.
وقال الباقون يباح.
واختلفوا فيما يباح من دواب البحر، وما لا يباح.
فقال أبو حنيفة: لا يباح شيء منه سوى السمك.
وقال مالك: يباح جميعه سواء كان مما له شبه في البر أو مما لا شبه له من غير احتياج إلى ذكاة وسواء تلف بنفسه أو بسبب، وسواء أتلفه مسلم أو مجوسي، طفا أو لم يطف، وتوقف في خنزير الماء خاصة.
فقال أحمد: يؤكل جميع ما في البحر إلا الضفدع والتمساح والكوسج، ومن أصحابه من منع من كلب الماء وخنزيرة وحيته وفأرته وعقربه، وأن كل ما له شبه في البر لا يؤكل، فإنه لا يؤكل في البحر. وهو أبو علي النجاد. ويفتقر عند أحمد إباحة غير السمك من ذلك إلى الذكاة كخنزير الماء وكلبه وإنسانه ونحو ذلك.
واختلف أصحاب الشافعي، فمنهم من قال: يؤكل جميعه إلا الضفدع، ومنهم من منع إباحة الكل سوى السمك كقول أبي حنيفة، ومنهم من قال كقول النجاد من أصحاب أحمد.
وقال أبو الطيب الطبري منهم: لا يحل النسناس. لأنه على خلقة الآدمي.
واتفقوا على إباحة الجراد إذا صاده المسلم.
واختلفوا فيه إذا مات بغير سبب.
فقال الشافعي وأبو حنيفة: يحل أكله.
وقال مالك: لا يؤكل الجراد إلا إذا تلف بسبب.
قال عبد الوهاب في الثقلين: ومن أصحابنا من لا يراعى فيه السبب.
وعن أحمد روايتان، أظهرهما: حله من غير اعتبار السبب، والثانية: اعتبار السبب في حلة.
واختلفوا فيما يجري قطعه من العروق في الذبح.
فقال أبو حنيفة: يجب قطع الحلقوم والمريء وإحدى الودجين لا بعينه، فمتى قطع هذه الثلاثة حل أكله.
وعنه رواية أخرى أنه إن قطع التركل عرق من الأربعة حل أكله، وإن قطع النصف مما دون من الأربعة لم يحل أكله.
وعنه رواية أخرى أنه متى قطع الثلاثة، أي ثلاثة كانت من الأربعة أجزأ.
وقال مالك: لابد من استيفاء قطع الحلقوم والودجين في قطع واحد.
وقال الشافعي وأحمد في إحدى روايتيه.
وهي التي اختارها الخرقي إذا قطع الحلقوم والمريء أجزأ ولا يحتاج إلى الأوداج.
وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يباح إلا أن يقطع الحلقوم والمريء وعرقان من الجانبين من كل جانب واحد.
واتفقوا على ألسنة نحر الإبل وذبح ما عداها، فإن ذبح ما ينحر أو نحر ما يذبح.
فقال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة: يباح. إلا أن أبا حنيفة كرهه مع الإباحة.
وقال مالك: إن نحر شاه أو ذبح بعيرا من غير ضرورة لم يؤكل لحمها، وقد حمله بعض أصحابه على الكراهة وهو عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون.
واتفقوا على أن الجنين يذكى بتذكية أمه، فإن نحر بعير أو ذبحت شاة أو بقرة فوجد في بطنها جنين تام الخلقة فإنه يكون ذكيا بذكاة أمه.
إلا أبا حنيفة فإنه قال: لا يتذكى بذكاة أمه، فإن خرج الجنين ولم ينبت شعره ويتم خلقه.
فقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز أكله.
وقال أحمد والشافعي: يجوز أكله.
واتفقوا على أنه إذا خرج حيا يعيش مثله لم يبح إلا بذبح.
واتفقوا على أن أكل كل ذي مخلب من الطير إذا كان قويا يعدوا به على غيره كالبازي والصقر والعقاب والباشق والشاهين، وكل ما لا مخلب له من الطير إلا أنه يأكل الجيف كالنسر والرخم والغراب الأبقع والغراب الأسود الكبير، حرام.
إلا مالكا فإنه أباح ذلك كله على الإطلاق.
واتفقوا على أن كل ذي ناب من السباع يعدوا به على غيره كالأسد والذئب والنمر والفهد والثعلب والضبع والكلب والسنور البري والأهلي والفيل حرام إلا مالكا فإنه قال: يكره ذلك ولا يحرم.
واختلفوا في الضبع والثعلب.
فقال أبو حنيفة لا يحل أكلهما.
وقال مالك والشافعي: هما مباحان.
وقال أحمد: الضبع مباح، رواية واحدة.
وفي الثعلب روايتان، إحداهما: تحريمه، وهي التي اختارها الخلال، والأخرى: أباحته، وهي اختيار عبد العزيز.
واختلفوا في الضب واليربوع.
فقال أبو حنيفة وأحمد: يكره أكلهما.
وقال مالك والشافعي: هما مباحان.
وقال أحمد: الضب مباح رواية واحدة.
وفي اليربوع روايتان.
واتفقوا على أن حشرات الأرض محرمة.
إلا مالكا فإنه كرهها من غير تحريم في إحدى الروايتين وفي الأخرى قال: هي حرام.
واتفقوا على أن البغال والحمير الأهلية حرام أكلها إلا مالكا فإنه اختلف عنه فروي عنه أنها مكروهة إلا إنها مغلظة الكراهة جدا، فوق كراهية كل ذي ناب من السباع.
وقيل عنه: إنها محرمة بالسنة دون تحريم الخنزير.
واتفقوا على أن الأرنب مباح أكله.
واختلفوا في لحوم الخيل.
فقال أبو حنيفة: يحرم أكلها.
وقال مالك: هي مكروهة إلا أن كراهيتها عنده دون كراهية السباع.
وقال أحمد والشافعي: هي مباحة.
واختلفوا في أكل لحوم الجلالة وشرب لبنها وأكل بيضها.
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: يباح ذلك، وإن لم تحبس مع استحبابهم حبسها وكراهيتهم لأكلها دون حبسها.
وقال أحمد: تحرم إلا أن يحبس الطير ثلاثة أيام رواية واحدة عنه.
واختلفت الرواية عنه في الإبل والبقر والغنم فروي عنه ثلاثة أيام كالطير. وهو الأظهر. والثانية: أربعون يوما.
واختلفوا في أكل القنفذ وابن عرس.
فقال أبو حنيفة وأحمد: يحرم أكله.
وقال مالك والشافعي: يباح أكله.
واختلفوا في أكل الزرع والثمار والبقول إذا كان يسقيها بالماء النجس وعلفها بالنجاسات.
فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة: هي مباحة.
وقال أحمد: يحرم أكلها ويحكم بنجاستها.
واختلفوا في ابن آوى.
فقال أحمد وأبو حنيفة: هو حرام.
وقال مالك: هو مكروه.
ولأصحاب الشافعي وجهان.
واختلفوا في الهر الوحشي.
فقال أبو حنيفة: حرام.
وقال مالك: مكروه كراهية مغلظة.
وعن أحمد روايتان، إحداهما: أنه مباح، والأخرى: أنه محرم.
ولأصحاب الشافعي وجهان.
واتفقوا على أن للمضطر أن يأكل الميتة بمقدار ما يمسك رمقه إذا لم يكن الميتة لحم بني آدم ولم يجد المضطر غيرها.
فقال مالك في المشهور عنه، وأحمد: لا يجوز له أكله.
وقال أصحاب أبي حنيفة والشافعي: يجوز له ذلك.
واختلفوا هل يجوز للمضطر أن يأكل من الميتة غير ميتة الآدمي حتى يشبع.
فقال أبو حنيفة: لا يشبع منها.
وعن مالك وأحمد روايتان، إحداهما: يجوز له الشبع، وزاد مالك: جواز التزود منها.
والأخرى: مقدار الجواز من ذلك المسبلة، ولا ينتهي إلى الشبع.
وعن الشافعي قولان كالروايتين.
واختلفوا فيما إذا وجد المضطر ميتة غير الآدمي وطعاما للغير، ومالك الطعام غائب.
فقال مالك وأكثر أصحاب الشافعي، وبعض أصحاب أبي حنيفة يأكل من مال الغير بشرط الضمان.
وقال أحمد وبقية أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب الشافعي يأكل من الميتة.
واختلفوا في الشحوم التي حرمها الله على اليهود بقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146] هل إذا تولى ذبحه يهودي يكره للمسلمين أكله أم لا؟
فقال الشافعي وأبو حنيفة: هو مباح للمسلمين وإن تولى ذبحه اليهود.
وعن مالك روايتان، إحداهما: هي مكروهة إذا تولى ذبحها اليهود، والأخرى: هي محرمة على المسلمين إذا ذبحها اليهود.
وعن أحمد روايتان أيضا.
اختار الأول منها وهي التي يقول فيها بالتحريم.
كذلك أيضا، أبو بكر عبد العزيز، وأبو الحسن التميمي، وأبو حفص البرمكي، واختار الكراهة وهي الرواية الثانية للخرقي وابن حامد.
واتفقوا على أن هذه الشحوم إذا تولى لذبحها المسلمون فإنها غير محرمة عليهم، ولا مكروهة لهم.
واختلفوا فيما إذا جار على بستان غيره، وهو غير محوط، وفيه فاكهة رطبة.
فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: لا يباح له الأكل من غير ضرورة إلا بإذن مالكه، ومع الضرورة يأكل بشرط الضمان.
واختلف الرواية عن أحمد فقال في إحدى الروايتين: يباح له الأكل من غير ضرورة ولا ضمان عليه، وقال في الرواية الأخرى: يباح له الأكل عند الضرورة بشرطها لا غير، ولا ضمان عليه.
فأما إن كان عليه حائط فإنه لا يجوز له الأكل إجماعا إلا بإذن مالكة.
واختلفوا هل تجب الضيافة على المسلمين بعضهم لبعض بالقرى وغير رواد الأسواق، على المقيم منهم للمسافر إذا مر بهم.
فقال أحمد: تجب.
وقال الباقون: هي غير واجبة، ومدة الواجب عنده ليلة والمستحب ثلاثة، وهي إذا امتنع المقيم من أهل القرى من ذلك كان دينا عليه عند أحمد، كما ذكرنا.