فصل: 2114 - مسألة: من جناية الكلب وغيره , ونفار الدابة وغير ذلك , من الباب الذي قبل هذا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


2113 – مسألة‏:‏ جنايات الحيوان ‏,‏ والراكب ‏,‏ والسائس ‏,‏ والقائد

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ قَدْ ذَكَرْنَا الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ لِشُرَيْحٍ إنَّ شَاةَ هَذَا قَطَعَتْ غَزْلِي فَقَالَ ‏:‏ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا ‏,‏ فَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَقَدْ بَرِئَ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لَيْلاً فَقَدْ ضَمِنَ ‏,‏ ثُمَّ قَرَأَ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ قَالَ ‏:‏ إنَّمَا كَانَ النَّفْشُ بِاللَّيْلِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ قَالَ مَالِكٌ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏:‏ مَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي لَيْلاً فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى أَهْلِهَا ‏,‏ وَمَا أَفْسَدَتْ نَهَارًا فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمَا ‏:‏ لاَ ضَمَانَ عَلَى أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ فِيمَا أَفْسَدَتْ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا‏.‏ وَلاَ يَضْمَنُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَاشِيَةِ

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ مَا أَصَابَتْ نَهَارًا‏.‏ وَقَالَ اللَّيْثُ ‏:‏ يَضْمَنُ أَهْلُ الْمَاشِيَةِ مَا أَصَابَتْ لَيْلاً ‏,‏ وَلاَ يَضْمَنُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَاشِيَةِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ احْتَجَّ الْمُضَمِّنُونَ مَا جَنَتْ لَيْلاً ‏:‏ بِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةُ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ نَاقَةً لأََهْلِ الْبَرَاءِ أَفْسَدَتْ شَيْئًا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ حِفْظَ الثِّمَارِ عَلَى أَهْلِهَا بِالنَّهَارِ ‏,‏ وَضَمَّنَ أَهْلَ الْمَاشِيَةِ مَا أَفْسَدَتْ مَاشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ ‏,‏ فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الأَمْوَالِ بِحِفْظِهَا بِالنَّهَارِ وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ أَنَّ نَاقَةً دَخَلَتْ فِي حَائِطِ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْهُ فَذَهَبَ أَصْحَابُ الْحَائِطِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الأَمْوَالِ حِفْظُ أَمْوَالِهِمْ بِالنَّهَارِ ‏,‏ وَعَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ حِفْظُ مَوَاشِيهِمْ بِاللَّيْلِ وَعَلَيْهِمْ مَا أَفْسَدَتْهُ‏.‏ وَذَكَرَ بَعْضُ النَّاسِ ‏:‏ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ ‏:‏ أَنَّ الْبَرَاءَ أَخْبَرَهُ‏.‏

قال علي ‏:‏ هذا خَبَرٌ مُرْسَلٌ ‏,‏ أَحْسَنُ طُرُقِهِ ‏:‏ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ ‏,‏ وَمَعْمَرٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏:‏ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ‏.‏ وَمَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ ‏:‏ أَنَّ نَاقَةً دَخَلَتْ‏.‏ فَلَمْ يُسْنِدْ أَحَدٌ قَطُّ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَوْ أُسْنِدَ مِنْهُمَا ‏,‏ أَوْ مِنْ إحْدَاهُمَا لَكَانَ حُجَّةً يَجِبُ الأَخْذُ بِهَا ‏,‏ وَإِنَّمَا اُسْتُنِدَ مِنْ طَرِيقِ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ مَرَّةً عَنْ أَبِيهِ ، وَلاَ صُحْبَةً لأََبِيهِ وَمَرَّةً عَنْ الْبَرَاءِ فَقَطْ ‏,‏ وَحَرَامُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ إِلاَّ الزُّهْرِيُّ ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ لِلزُّهْرِيِّ عَنْهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ ‏,‏ وَلَمْ يُوَثِّقْهُ الزُّهْرِيُّ وَهُوَ قَدْ يَرْوِي عَمَّنْ لاَ يُوَثَّقُ ‏,‏ كَرِوَايَتِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَرْمٍ ‏,‏ وَنَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ ‏,‏ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَجَاهِيلِ ‏,‏ وَالْهَلْكَى‏.‏

وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقْطَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّينِ إِلاَّ بِمَنْ تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ اُخْتُصِمَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي ثَوْرٍ نَطَحَ حِمَارًا فَقَتَلَهُ ‏,‏ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ‏:‏ إنْ كَانَ الثَّوْرُ دَخَلَ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَقَدْ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ الْحِمَارُ دَخَلَ عَلَى الثَّوْرِ فَقَتَلَهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَهَذَا حُكْمٌ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي هَذَا كُلِّهِ هُوَ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ عَنْهُ مِنْ أَنَّ الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ وَعَمَلُهَا جُبَارٌ فَلاَ ضَمَانَ فِيمَا أَفْسَدَهُ الْحَيَوَانُ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ لاَ لَيْلاً ، وَلاَ نَهَارًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ فَإِنْ أَتَى بِهَا وَحَمَلَهَا عَلَى شَيْءٍ ‏,‏ وَأَطْلَقَهَا فِيهِ ‏:‏ ضَمِنَ حِينَئِذٍ ‏,‏ لأََنَّهُ فِعْلُهُ لَيْلاً كَانَ أَوْ نَهَارًا‏.‏

وَأَمَّا الْحَيَوَانُ الضَّارِيَةُ فَقَدْ جَاءَتْ فِيهَا آثَارٌ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ بِرَدِّ الْبَعِيرِ ‏,‏ أَوْ الْبَقَرَةِ ‏,‏ أَوْ الْحِمَارِ ‏,‏ أَوْ الضَّوَارِي ‏,‏ إلَى أَهْلِهِنَّ ثَلاَثًا إذَا حُظِرَ الْحَائِطُ ‏,‏ ثُمَّ يُعْقَرْنَ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي خِلاَفَتِهِ إلَى الْحَجَّاجِ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنْ يُحَصَّنَ الْحَائِطُ حَتَّى يَكُونَ إلَى نَحْوِ الْبَعِيرِ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ وَسَمِعْت عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْمُرُ بِالْحَائِطِ أَنْ تُحْظَرَ وَيُسَدَّ الْحَظْرُ مِنْ الضَّارِي الْمُدِلِّ ‏,‏ ثُمَّ يُرَدَّ إلَى أَهْلِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ‏,‏ ثُمَّ يُعْقَرَ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ وَقُلْت لِعَطَاءٍ ‏:‏ الْحَظْرُ يُسَدُّ ‏,‏ وَيُحَصَّنُ عَلَى الْحَائِطِ ‏,‏ ثُمَّ لاَ يُمْتَنَعُ مِنْ الضَّارِي الْمُدِلِّ ‏,‏ أَبَلَغَك فِيهِ شَيْءٌ قَالَ ‏:‏ لاَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَهَذَا حُكْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏:‏ يُرَدُّ الضَّارِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ إلَى صَاحِبِهِ دُونَ تَضْمِينٍ ‏,‏ وَلَمْ يَخُصَّ لَيْلاً ، وَلاَ نَهَارًا ثُمَّ يُعْقَرُ‏.‏ فَخَالَفُوا كِلاَ الْحُكْمَيْنِ مِنْ حُكْمِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَهُمْ يُعَظِّمُونَ أَقَلَّ مِنْ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الصَّنْعَانِيُّ ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ يَطَأُ جَمْرَةً يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ ‏,‏ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ‏:‏ وَمَا كَانَ ذَنْبُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏:‏ كَانَتْ لَهُ مَاشِيَةٌ يَعِيثُ بِهَا الزَّرْعَ وَيُؤْذِيهِ ‏,‏ وَحَرَّمَ اللَّهُ الزَّرْعَ وَمَا حَوْلَهُ غُلاَةَ سَهْمٍ ‏,‏ فَاحْذَرُوا أَنْ لاَ يَسْحَبَ الرَّجُلُ مَالَهُ فِي الدُّنْيَا وَيُهْلِكَ نَفْسَهُ فِي الآخِرَةِ ‏,‏ فَلاَ تَسْحَبُوا أَمْوَالَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَتُهْلِكُوا أَنْفُسَكُمْ فِي الآخِرَةِ‏.‏

قال علي ‏:‏ وهذا مُرْسَلٌ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ ‏,‏ وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي هَذَا أَنَّ الْحَيَوَانَ أَيَّ حَيَوَانٍ كَانَ إذَا أَضَرَّ فِي إفْسَادِ الزَّرْعِ أَوْ الثِّمَارِ ‏,‏ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُؤَدَّبُ بِالسَّوْطِ وَيُسْجَنُ ‏,‏ إنْ أَهْمَلَهُ ‏,‏ فَإِنْ ثَقَّفَهُ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ ‏,‏ وَإِنْ عَادَ إلَى إهْمَالِهِ بِيعَ عَلَيْهِ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ أَوْ ذُبِحَ وَبِيعَ لَحْمُهُ ‏,‏ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ أَعْوَدَ عَلَيْهِ أُنْفِذَ عَلَيْهِ ذَلِكَ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏}‏ ‏,‏ وَمِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ‏:‏ الْمَنْعُ مِنْ أَذَى النَّاسِ فِي زَرْعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ‏.‏ وَمِنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ‏:‏ إهْمَالُ ذَلِكَ‏.‏ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ بِمَا فِيهِ حِمَايَةُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا لاَ ضَرَرَ فِيهِ عَلَى صَاحِبِ الْحَيَوَانِ بِمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَصْلَحَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَأَمَّا مَنْ زَرَعَ فِي الشَّعْوَاءِ ‏,‏ أَوْ حَيْثُ الْمَسْرَحُ ‏,‏ أَوْ غَرَسَ هُنَالِكَ غَرْسًا فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ أَنْ يُحْظَرَ عَلَى زَرْعِهِ وَغَرْسِهِ بِمَا يَدْفَعُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ إذْ لاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ‏,‏ بَلْ الْحَائِطُ لَهُ ‏,‏ وَدَفْعُ الْإِضَاعَةِ عَنْ مَالِهِ‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ عَنْ إرْعَاءِ مَوَاشِيهِمْ هُنَالِكَ ‏,‏ كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ هُوَ مِنْ إحْيَاءِ مَا قَدَرَ عَلَى إحْيَائِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوَاتِ ‏,‏ وَلَيْسَ فِي طَاقَةِ أَحَدٍ مَنْعُ الْمَوَاشِي عَنْ زَرْعٍ ‏,‏ أَوْ ثَمَرٍ فِي وَسَطِ الْمَسْرَحِ ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لَيْسَ فِي الْوُسْعِ فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يُكَلَّفُوا ضَبْطُهَا ‏,‏ أَوْ مَنْعُهَا ‏:‏ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏ ‏,‏ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا تَعَذَّرَ عَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَنْعُ مَاشِيَتِهِمْ مِنْهُ فِي مُرُورِهَا فِي طَرِيقِهَا إلَى الْمَسْرَحِ بَيْنَ زَرْعِ النَّاسِ وَثِمَارِهِمْ ‏,‏ فَإِنَّ أَهْلَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ يُكَلَّفُونَ هَاهُنَا بِحَظِيرِ مَا وَلِيَ الطَّرِيقَ مِنْ زُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ‏.‏

وَأَمَّا الثِّمَارُ الْمُتَّصِلَةُ مِنْ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ الَّتِي لاَ مَسْرَحَ فِيهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ تَكْلِيفُ الْحَظْرِ ‏,‏ فَإِنْ أَطْلَقَ مَوَاشِيَهُ هُنَالِكَ عَامِدًا ‏,‏ أَوْ مُهْمِلاً ‏:‏ أُدِّبَ الأَدَبَ الْمُوجِعَ ‏,‏ وَبِيعَتْ عَلَيْهِ مَوَاشِيهِ إنْ عَادَ ‏,‏ وَضَمِنَ مَا بَاشَرَ إطْلاَقَهَا عَلَيْهِ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَلاَ يُعْقَرُ الْحَيَوَانُ الضَّارِي أَلْبَتَّةَ ‏,‏ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إِلاَّ لِمَأْكَلِهِ ‏,‏ وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ‏,‏ وَالْعَقْرُ إضَاعَةٌ فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ‏,‏ وَفِيمَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا الْقَائِدُ ‏,‏ وَالرَّاكِبُ ‏,‏ وَالسَّائِقُ فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ الْهَرَوِيُّ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْفَارِسَ مَا أَوْطَأَتْ دَابَّتُهُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ ‏,‏ وَيُبَرِّئُهُ مِنْ النَّفْحَةِ‏.‏ قَالَ هُشَيْمٌ ‏:‏ وَحَدَّثَنَا يُونُسُ ‏,‏ وَالْمُغِيرَةُ ‏,‏ قَالَ يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏,‏ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُمَا كَانَا يُضَمِّنَانِ مَا أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ ‏,‏ وَلاَ يُضَمِّنَانِ مِنْ النَّفْحَةِ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ ‏,‏ وَشُرَيْحٍ أَنَّهُمَا قَالاَ ‏:‏ إذَا نَفَحَتْ الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا فَإِنَّ صَاحِبَهَا لاَ يَضْمَنُ‏.‏ وَقَالَ الْحَكَمُ وَالشَّعْبِيُّ ‏:‏ يَضْمَنُ ، وَلاَ يُطَلُّ دَمُ الْمُسْلِمِ‏.‏ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلاً شَرَدَ لَهُ بَعِيرَانِ فَأَخَذَهُمَا رَجُلٌ فَقَرَنَهُمَا فِي حَبْلٍ فَأَخْنَقَ أَحَدَهُمَا فَمَاتَ فَقَالَ شُرَيْحٌ ‏:‏ إنَّمَا أَرَادَ الْإِحْسَانَ ‏,‏ لاَ يَضْمَنُ إِلاَّ قَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ‏.‏ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ فِي الدَّابَّةِ أُفْزِعَتْ فَوَطِئَتْ يَضْمَنُ صَاحِبُهَا ‏,‏ وَإِذَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْزَعَ لَمْ يَضْمَنْ‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْثَقَ عَلَى الطَّرِيقِ فَرَسًا عَضُوضًا فَعَقَرَ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ ‏:‏ يَضْمَنُ ‏,‏ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْبِطَ كَلْبًا عَضُوضًا عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏,‏ وَشُرَيْحٍ قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ يَضْمَنُ الرَّاكِبُ ‏,‏ وَالسَّائِقُ ‏,‏ وَالْقَائِدُ‏.‏ وَعَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا يَنْشُرَانِ ثَوْبًا فَمَرَّ رَجُلٌ فَدَفَعَهُ آخَرُ فَوَقَعَ عَلَى الثَّوْبِ فَخَرَقَهُ ‏,‏ فَارْتَفَعُوا إلَى شُرَيْحٍ فَضَمَّنَ الدَّافِعَ ‏,‏ وَأَبْرَأَ الْمَدْفُوعَ ‏,‏ بِمَنْزِلَةِ الْحَجَرِ‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ هُمَا شَرِيكَانِ يَعْنِي الرَّاكِبَ وَالرَّدِيفَ‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَيْضًا قَالَ ‏:‏ مَنْ أَوْقَفَ دَابَّتَهُ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ وَضَعَ شَيْئًا فَهُوَ ضَامِنٌ بِجِنَايَتِهِ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ ‏,‏ قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ مَنْ رَبَطَ دَابَّتَهُ فِي طَرِيقٍ فَهُوَ ضَامِنٌ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ فَرَسًا فَرَكَضَهُ حَتَّى قَتَلَهُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ لَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ ‏,‏ لأََنَّ الرَّجُلَ يُرَكِّضُ فَرَسَهُ‏.‏ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ ‏:‏ يُغَرَّم الْقَائِدُ ‏,‏ وَالرَّاكِبُ ‏,‏ عَنْ يَدِهَا مَا لاَ يُغَرَّمَانِ عَنْ رِجْلُهَا ‏,‏ قُلْت ‏:‏ كَانَتْ الدَّابَّةُ عَادِيَةً فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا إنْسَانًا وَهِيَ تُقَادُ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ وَيُغَرَّم الْقَائِدُ ‏,‏ قُلْت ‏:‏ السَّائِقُ يُغَرَّمُ عَنْ الْيَدِ وَالرَّجُلِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ زَعَمُوا ‏,‏ فَرَادَدْته قَالَ ‏:‏ يَقُولُ ‏:‏ الطَّرِيقَ الطَّرِيقَ‏.‏ وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ ‏:‏ يُغَرَّمُ الْقَائِدُ مَا أَوْطَأَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ ‏,‏ فَإِذَا نَفَحَتْ لَمْ يُغَرَّمْ ‏,‏ وَالرَّاكِبُ كَذَلِكَ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ بِالْعَنَانِ فَتَنْفَحُ فَيُغَرَّمُ‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ يُضَمَّنُ الرَّدِيفُ مَعَ صَاحِبِهِ‏.‏ وَعَنْ شُرَيْحٍ قَالَ ‏:‏ يُضَمَّنُ الْقَائِدُ ‏,‏ وَالسَّائِقُ ‏,‏ وَالرَّاكِبُ ‏,‏ وَلاَ يُضَمَّنُ الدَّابَّةُ إذَا عَاقَبَتْ ‏,‏ قُلْت ‏:‏ وَمَا عَاقَبَتْ قَالَ ‏:‏ إذَا ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَأَصَابَتْهُ‏.‏ وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ ‏:‏ رَكِبَتْ جَارِيَةٌ جَارِيَةً فَنَخَسَتْهَا أُخْرَى فَوَقَعَتْ فَمَاتَتْ فَضَمَّنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ النَّاخِسَةَ وَالْمَنْخُوسَةَ‏.‏

وقال مالك ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏:‏ يُضَمَّنُ السَّائِقُ ‏,‏ وَالْقَائِدُ ‏,‏ وَالرَّاكِبُ مَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ تَرْمَحَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِمْ ‏,‏ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِمْ‏.‏

وقال مالك ‏,‏ وَأَبُو حَنِيفَةَ ‏:‏ يَضْمَنُ الرَّدِيفُ مَعَ الرَّاكِبِ‏.‏ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ لاَ يَضْمَنُ الرَّدِيفُ‏.‏

وقال أحمد ‏:‏ أَرْجُو أَنْ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ أَمَامَهُ مَنْ يُمْسِكُ الْعَنَانَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا ‏,‏ إذْ يَقُولُ تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ‏}‏ ‏,‏ فَنَظَرْنَا فِي الرَّاكِبِ فَوَجَدْنَاهُ مُصَرِّفًا لِدَابَّتِهِ حَامِلاً لَهَا فَمَا أَصَابَتْ مِمَّا حَمَلَهَا عَلَيْهِ ‏,‏ فَإِنْ عَمَدَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونِهَا ‏,‏ لأََنَّهُ مُتَعَدٍّ مُبَاشِرٌ لِلْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يَضْمَنُهُ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَهُوَ إصَابَةُ خَطَأٍ يَضْمَنُ الْمَالَ ‏,‏ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ فِي النَّفْسِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ‏,‏ لأََنَّهُ قَاتِلُ خَطَأٍ ‏,‏ وَمَا أَصَابَتْ بِرَأْسِهَا ‏,‏ أَوْ بِعَضَّتِهَا ‏,‏ أَوْ بِذَنَبِهَا ‏,‏ أَوْ بِنَفْحَتِهَا بِالرِّجْلِ ‏,‏ أَوْ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا فِي غَيْرِ الْمَشْيِ ‏:‏ فَلَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ‏.‏

وَأَمَّا الْقَائِدُ ‏:‏ فَإِنْ كَانَ يَمْسِكُ الرَّسَنَ أَوْ الْخِطَامَ فَهُوَ حَامِلٌ لِلدَّابَّةِ عَلَى مَا مَشَتْ عَلَيْهِ ‏,‏ فَإِنْ عَمَدَ فَالْقَوَدُ كَمَا

قلنا وَالضَّمَانُ فِي الْمَالِ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَعْمِدْ فَهُوَ قَاتِلُ خَطَأٍ ‏,‏ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ ‏,‏ وَيَضْمَنُ الْمَالَ ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ الدَّوَابُّ مَقْصُورَةً بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ ‏,‏ فَكَذَلِكَ أَيْضًا ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَقُودَةِ رَاكِبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ‏:‏ لاَ ضَمَانَ عَلَى الرَّاكِبِ ‏,‏ إِلاَّ إنْ حَمَلَهَا أَوْ أَعَانَ ‏,‏ فَهُوَ وَالْقَائِدُ شَرِيكَانِ ‏,‏ وَإِلَّا فَلاَ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ الْقَائِدُ لاَ رَسَنَ بِيَدِهِ ‏,‏ وَلاَ عِقَالَ ‏,‏ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّ شَيْئًا ‏,‏ وَلاَ بَاشَرَ فِيمَا أَتْلَفَ مِنْ دَمٍ ‏,‏ أَوْ مَالٍ شَيْئًا أَصْلاً وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام وَالْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ‏.‏

وَأَمَّا الرَّدِيفُ فَإِنْ كَانَ يُمْسِكُ الْعِنَانَ هُوَ وَحْدَهُ ، وَلاَ يُمْسِكُهُ الْمُتَقَدِّمُ ‏:‏ فَحَابِسُ الْعِنَانِ هُوَ الضَّامِنُ وَحْدَهُ ‏,‏ وَعَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ ‏,‏ وَفِي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةُ ‏,‏ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ وَلاَ ضَمَانَ ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يُعِينَ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا السَّائِقُ فَإِنْ حَمَلَهَا بِضَرْبٍ ‏,‏ أَوْ نَخْسٍ ‏,‏ أَوْ زَجْرٍ عَلَى شَيْءٍ مَا ‏,‏ فَإِنْ عَمَدَ فَالْقَوَدُ وَالضَّمَانُ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَعْمِدْ فَهُوَ قَاتِلُ خَطَأٍ كَمَا

قلنا ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهَا عَلَى شَيْءٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ‏.‏ وَمَنْ أَوْثَقَ دَابَّتَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ ‏,‏

وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَهَا وَهُوَ يَمْشِي ‏,‏ وَلَيْسَ كُلُّ مُسِيءٍ ضَامِنًا‏.‏ وَقَدْ عَلِمْنَا وَعَلِمَ كُلُّ مُسْلِمٍ ‏:‏ أَنَّ عَامِلَ السِّلاَحِ ‏,‏ وَبَائِعَهَا فِي الْفِتَنِ ‏:‏ فَمُخَالِفٌ ظَالِمٌ ‏,‏ وَمُسِيءٌ ‏,‏ وَمُعِينٌ بِذَلِكَ عَلَى قَتْلِ النَّاسِ ‏,‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ إنَّ غَيْرَهُ هُوَ الْمُتَوَلِّي قِيلَ لَهُمْ ‏:‏ وَالدَّابَّةُ هِيَ الْمُتَوَلِّيَةُ أَيْضًا ‏,‏ وَجُرْحُهَا جُبَارٌ ‏,‏

وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَّ دَابَّةً ‏,‏ أَوْ طَائِرًا عَنْ رِبَاطِهَا ‏:‏ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا أَصَابَتْ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ ‏,‏ وَلاَ بَاشَرَ ‏,‏ وَلاَ تَوَلَّى‏.‏

وَأَمَّا مَنْ رَكِبَ دَابَّتَهُ وَلَهَا فِلْوٌ يَتْبَعُهَا فَأَصَابَ الْفِلْوُ إنْسَانًا ‏,‏ أَوْ مَالاً ‏:‏ فَهُوَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ ‏,‏ فَإِنْ عَمَدَ فَالْقَوَدُ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَعْمِدْ فَهُوَ قَاتِلٌ خَطَأً‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّهُ فِي إزَالَتِهِ أُمَّهُ عِنْدَ مُسْتَدْعٍ لَهُ إلَى الْمَشْيِ وَرَاءَهَا ‏,‏ فَهُوَ مُبَاشِرٌ لأَسْتِجْلاَبِهِ ‏,‏ فَلَوْ تَرَكَ الْفِلْوُ اتِّبَاعَ أُمِّهِ ‏,‏ وَأَخَذَ يَلْعَبُ ‏,‏ أَوْ خَرَجَ عَنْ اتِّبَاعِهَا ‏,‏ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى رَاكِبِ أُمِّهِ أَصْلاً‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَدْعَى بَهِيمَةً بِشَيْءٍ تَأْكُلُهُ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّ فِي طَرِيقِهَا مَتَاعًا تُتْلِفُهُ ‏,‏ أَوْ إنْسَانًا رَاقِدًا فَأَتَتْهُ ‏,‏ فَأَتْلَفَتْ فِي طَرِيقِهَا شَيْئًا ‏,‏ فَالْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ ‏,‏ وَهُوَ قَاتِلٌ خَطَأً إنْ لَمْ يَعْمِدْ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ أَشْلَى أَسَدًا عَلَى إنْسَانٍ أَوْ حَنَشًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ أَطْلَقَهُمَا دُونَ أَنْ يَقْصِدَ بِهِمَا إنْسَانًا‏.‏ لأََنَّهُ فِي إطْلاَقِهِمَا عَلَى الْإِنْسَانِ مُبَاشِرٌ لأَِتْلاَفِهِ ‏,‏ قَاصِدٌ لِذَلِكَ وَلَيْسَ فِي إطْلاَقِهِمَا جَانِيًا عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَصْلاً‏.‏

وَأَمَّا مَا قَالَهُ شُرَيْحٌ فِي قَارِنِ الْبَعِيرَيْنِ فَصَحِيحٌ ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَى مَنْ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ فِعْلُهُ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ‏.‏

وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي تَضْمِينِ النَّاخِسَةِ فَصَحِيحٌ ‏,‏ لأََنَّهَا هِيَ الْمُلْقِيَةُ لِلْأُخْرَى فِي الأَرْضِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2114 - مسألة‏:‏ من جناية الكلب وغيره ‏,‏ ونفار الدابة وغير ذلك ‏,‏ من الباب الذي قبل هذا

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَسْرِي بِأُمِّهِ فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ يَرْكُضُ فَنَفَرَ الْحِمَارُ مِنْ وَقْعِ حَافِرِ الْفَرَسِ فَوَثَبَ فَوَقَعَتْ الْمَرْأَةُ فَمَاتَتْ فَاسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه‏:‏ ضَرَبَ الْحِمَارُ فَقَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ أَصَابَ الْحِمَارَ مِنْ الْفَرَس شَيْءٌ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أُمُّك أَتَتْ عَلَى أَجَلِهَا فَاحْتَسِبْهَا‏.‏ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الزِّنَادِ عَنْ عَقْلِ الْكَلْبِ ‏,‏ أَوْ الْفَهْدِ ‏,‏ أَوْ السَّبْعِ الدَّاجِنِ ‏,‏ أَوْ الْكَبْشِ النَّطَّاحِ ‏,‏ أَوْ نَطْحِ الثَّوْرِ ‏,‏ أَوْ الْبَعِيرِ ‏,‏ أَوْ الْفَرَسِ الَّذِي يَعَضُّ ‏,‏ فَيَعْقُرُ مِسْكِينًا ‏,‏ أَوْ زَامِرًا ‏,‏ أَوْ عَابِدًا فَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ ‏:‏ إنْ قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الدَّوَابِّ ‏,‏ أَوْ أَصَابَ كَسْرَ يَدٍ ‏,‏ أَوْ رِجْلٍ ‏,‏ أَوْ فَقَأَ عَيْنًا ‏,‏ أَوْ أَيَّ أَمْرٍ جَرَحَ مِنْ ذَلِكَ بِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ هَدْرٌ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْعَجْمَاءَ جُرْحُهَا جُبَارٌ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَعْدَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ فَأَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِإِيثَاقِ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ ‏,‏ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ مَا حَرَجَ بِالنَّاسِ

فأما مَا أُصِيبَ بِهِ الدَّابَّةُ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهَا ‏,‏ فَلَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ يَتَقَدَّمُ إلَى صَاحِبِهِ ‏,‏ فَإِنَّ عَلَى مَنْ أَصَابَهَا غُرْمُ مَا أَصَابَهَا بِهِ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ فِيمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا فِي دَارِ الْبَادِيَةِ فَعَقَرَ ذَلِكَ الْكَلْبُ إنْسَانًا ‏:‏ إنَّهُ إنْ اقْتَنَاهُ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ يَفْتَرِسُ النَّاسَ فَعَقَرَهُمْ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا فَرَسَ الْكَلْبُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ فَمَعْنَاهَا صَحِيحٌ وَبِهِ نَأْخُذُ ‏,‏ لأََنَّ مَنْ لَمْ يُبَاشِرْ ، وَلاَ أَمَرَ ‏:‏ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَالدَّابَّةُ إذَا نَفَرَتْ فَلَيْسَ لِلَّذِي نَفَرَتْ مِنْهُ ذَنْبٌ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ نَفَّرَهَا عَامِدًا ‏:‏ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ فِيمَا قَتَلَتْ إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ أَنْ تَطَأَ الَّذِي أَصَابَتْ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَدَ ذَلِكَ فَهُوَ قَاتِلٌ خَطَأً ‏,‏ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ ‏,‏ وَيَضْمَنُ الْمَالَ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ ‏,‏ إذَا تَعَمَّدَ تَنْفِيرَهَا ‏,‏ لأََنَّهُ الْمُحَرِّكُ لَهَا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الزِّنَادِ فَصَحِيحٌ كُلُّهُ ‏,‏ لأََنَّ جُرْحَ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَمْ يَتَعَمَّدْ إشْلاَءَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ إِلاَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ‏,‏ وَتَقَدُّمُ السُّلْطَانِ لاَ يُوجِبُ غَرَامَةً لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا السُّلْطَانُ مُنَفِّذٌ لِلْوَاجِبِ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ فَقَطْ ‏,‏ وَلَيْسَ شَارِعًا شَرِيعَةً‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ أَيْضًا ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ عِلْمُ الْمُقْتَنِي لِلْكَلْبِ بِأَنَّهُ يَفْتَرِسُ النَّاسَ بِمُوجِبٍ عَلَيْهِ غَرَامَةً لَمْ يُوجِبْهَا الْقُرْآنُ ، وَلاَ السُّنَّةُ ‏,‏ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِاقْتِنَائِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ شَيْئًا فِي الَّذِي أَتْلَفَهُ الْكَلْبُ‏.‏ وَهَكَذَا مَنْ آوَى رَجُلاً قَتَّالاً مُحَارِبًا فَجَنَى جِنَايَةً ‏,‏ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِإِيوَائِهِ إيَّاهُ فَلَيْسَ مُبَاشِرًا عُدْوَانًا فِي الْمُصَابِ‏.‏ وَكُلُّ هَذَا بَابٌ وَاحِدٌ ‏,‏ وَلَيْسَ قِيَاسًا ‏,‏ وَلَكِنَّ خُصُومَنَا يَقُولُونَ بِقَوْلِهِ وَيُخَالِفُونَهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ نَفْسِهِ ‏,‏ فَإِذَا جَمَعْنَا لَهُمْ الْقَوْلَيْنِ لاَحَ لَهُمْ تَنَاقُضُهُمْ فِيهَا فَعَلَى هَذَا نُورِدُ مِثْلَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لاَ عَلَى أَنَّهَا حُجَّةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا ‏,‏ وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ كَعْبِ بْنِ سَوَّارٍ ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً كَانَ عَلَى حِمَارٍ فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ عَلَى بَعِيرٍ فِي زُقَاقٍ فَنَفَرَ الْحِمَارُ فَصُرِعَ الرَّجُلُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَمْ يُضَمِّنْ كَعْبُ بْنُ سَوَّارٍ صَاحِبَ الْبَعِيرِ شَيْئًا

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا كَمَا

قلنا وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقٍ قَالَ ‏:‏ كُنْت عِنْدَ شُرَيْحٍ فَأَتَاهُ سَائِلٌ فَقَالَ ‏:‏ إنِّي دَخَلْت دَارَ قَوْمٍ فَعَقَرَنِي كَلْبُهُمْ وَخَرَقَ جِرَابِي فَقَالَ ‏:‏ إنْ كُنْت دَخَلْت بِإِذْنِهِمْ فَهُمْ ضَامِنُونَ ‏,‏ وَإِنْ كُنْت دَخَلْت بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ إذَا كَانَ الْكَلْبُ فِي الدَّارِ فَأَذِنَ أَهْلُ الدَّارِ لِلرَّجُلِ فَعَقَرَهُ الْكَلْبُ ضَمِنُوا ‏,‏ وَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَعَقَرَهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَأَيُّمَا قَوْمٍ غَشَوْا غَنَمًا فِي مَرَابِضِهَا فَعَقَرَتْهُمْ الْكِلاَبُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى أَصْحَابِ الْغَنَمِ ‏,‏ وَإِنْ عَرَضَتْ لَهُمْ الْكِلاَبُ فِي الطَّرِيقِ فَعَقَرَتْهُمْ الْكِلاَبُ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنُوا‏.‏

وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ ‏,‏ وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ ‏,‏ وَالشَّافِعِيَّ ‏,‏ وَأَبَا سُلَيْمَانَ ‏,‏ قَالُوا ‏:‏ مَنْ كَانَ فِي دَارِهِ كَلْبٌ فَدَخَلَ إنْسَانٌ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَتَلَهُ الْكَلْبُ فَلاَ ضَمَانَ فِي ذَلِكَ

وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ‏.‏ وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ نَحْوَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ إنْ اتَّخَذَ الْكَلْبَ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ يَعْقِرُ النَّاسَ ضَمِنَ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ إِلاَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ

قال أبو محمد ‏:‏ اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ السُّلْطَانِ ‏,‏ أَوْ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ عَقُورٌ لاَ مَعْنَى لَهُ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ هَذَا نَصُّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ إجْمَاعٌ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ إنَّهُ بِاِتِّخَاذِهِ الْكَلْبَ الْعَقُورَ مُتَعَدٍّ

وَكَذَلِكَ هُوَ بِاِتِّخَاذِهِ حَيْثُ لَمْ يُبَحْ لَهُ اتِّخَاذُهُ مُتَعَدٍّ أَيْضًا

قلنا ‏:‏ هُوَ مُتَعَدٍّ فِي اتِّخَاذِهِ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ ظَالِمٌ إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُتَعَدِّيًا فِي إتْلاَفِ مَا أَتْلَفَ الْكَلْبُ ‏,‏ وَلاَ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ عَلَى ظَالِمٍ غَرَامَةً مُطْلَقَةً‏.‏ وَقَدْ

قلنا ‏:‏ إنَّ التَّعَدِّيَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ ‏,‏ أَوْ لِلْقَوَدِ ‏,‏ أَوْ لِلدِّيَةِ ‏,‏ هُوَ مَا سُمِّيَ بِهِ الْمَرْءُ ‏"‏ قَاتِلاً ‏,‏ أَوْ مُفْسِدًا ‏"‏ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ‏,‏ إِلاَّ بِالْمُبَاشَرَةِ ‏,‏ أَوْ بِالأَمْرِ ‏,‏ وَهِيَ فِي اتِّخَاذِهِ الْكَلْبَ ‏,‏ كَمَنْ عَمِلَ سَيْفًا وَأَعْطَاهُ لِظَالِمٍ ‏,‏ أَوْ اقْتَنَى خَمْرًا فِي خَابِيَةٍ فَجَلَسَ إنْسَانٌ إلَيْهَا فَانْكَسَرَتْ فَقَتَلَتْ الْإِنْسَانَ فَكُلُّ هَذَا لَيْسَ يُسَمِّي هَذَا الظَّالِمَ ‏"‏ قَاتِلاً ‏,‏ وَلاَ مُتْلِفًا ‏"‏ فَلاَ ضَمَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ فَقَتَلَ رَجُلاً ‏,‏ قَالَ ‏:‏ يَضْمَنُ ‏,‏ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي رَمَى بِسَهْمِهِ طَائِرًا فَأَصَابَ رَجُلاً فَقَتَلَهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ إذَا جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُحَرِّكُ لَهُ ‏,‏ الْمُغَالِبُ لَهُ ‏,‏ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كُلَّ مَا جَنَى بِتَحْرِيكِهِ إيَّاهُ ‏,‏ فِي الْقَصْدِ الْقَوَدُ وَفِيمَا لَمْ يَقْصِدْهُ ضَمَانُ الْخَطَأ

وَأَمَّا إذَا غَلَبَتْهُ دَابَّتُهُ فَلَمْ يَحْمِلْهَا عَلَى شَيْءٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلاً فِي كُلِّ مَا أَصَابَتْ‏.‏ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً اتَّبَعَ حَيَوَانًا لِيَأْخُذَهُ فَكُلُّ مَا أَفْسَدَ الْحَيَوَانُ فِي هُرُوبِهِ ذَلِكَ ‏,‏ مِمَّا هُوَ حَامِلُهُ عَلَيْهِ ‏,‏ مِمَّا يُوقَنُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ إنَّمَا يَرَاهُ وَيَهْرُبُ عَنْهُ ‏:‏ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ مَا عَمَدَ وَقَصَدَ بِالْقَوَدِ ‏,‏ وَمَا لَمْ يَقْصِدْ ‏:‏ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ

وَأَمَّا مَا أَتْلَفَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ فِي جَرْيِهِ وَهُوَ لاَ يَرَاهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى مُتَّبِعِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2115 - مسألة‏:

وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا هَيَّجَ كَلْبًا ‏,‏ أَوْ أَطْلَقَ أَسَدًا ‏,‏ أَوْ أَعْطَى أَحْمَقَ سَيْفًا فَقَتَلَ رَجُلاً ‏:‏ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُهَيِّجِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى الْمُطْلِقِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى الْمُعْطِي السَّيْفَ ‏;‏ لأََنَّهُمْ لَمْ يُبَاشِرُوا الْجِنَايَةَ ‏,‏ وَلاَ أَمَرُوا بِهَا مَنْ يُطِيعُهُمْ‏.‏ فَلَوْ أَنَّهُ أَشْلَى الْكَلْبَ عَلَى إنْسَانٍ ‏,‏ أَوْ حَيَوَانٍ فَقَتَلَهُ ‏:‏ ضَمِنَ الْمَالَ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ مِثْلُ ذَلِكَ ‏,‏ وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ كَلْبٌ مِثْلُهُ حَتَّى يَفْعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْكَلْبُ بِإِطْلاَقِهِ ‏,‏ لأََنَّهُ هَاهُنَا هُوَ الْجَانِي الْقَاصِدُ إلَى إتْلاَفِ مَا أَتْلَفَ الْكَلْبُ بِإِغْرَائِهِ‏.‏ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً حَفَرَ حُفْرَةً وَغَطَّاهَا ‏,‏ وَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يَمْشِيَ عَلَيْهَا ‏,‏ فَمَشَى عَلَيْهَا ذَلِكَ الْإِنْسَانُ مُخْتَارًا لِلْمَشْيِ عَالِمًا ‏,‏ أَوْ غَيْرَ عَالَمٍ ‏:‏ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى آمِرِهِ بِالْمَشْيِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى الْحَافِرِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى الْمُعْطِي ‏,‏ لأََنَّهُمْ لَمْ يُمْشُوهُ ‏,‏ وَلاَ بَاشَرُوا إتْلاَفَهُ ‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ بَاشَرَ شَيْئًا بِاخْتِيَارِهِ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا بَيْنَ مَنْ غَرَّ إنْسَانًا فَقَالَ لَهُ ‏:‏ طَرِيقُ كَذَا أَمْنٌ هُوَ فَقَالَ لَهُ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ هُوَ فِي غَايَةِ الأَمْنِ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّ فِي الطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ أَسَدًا هَائِجًا ‏,‏ أَوْ جَمَلاً هَائِجًا ‏,‏ أَوْ كِلاَبًا عَقَّارَةً ‏,‏ أَوْ قَوْمًا قَطَّاعِينَ لِلطَّرِيقِ ‏,‏ يَقْتُلُونَ النَّاسَ فَنَهَضَ السَّائِلُ مُغْتَرًّا بِخَبَرِ هَذَا الْغَارِ لَهُ ‏,‏ فَقُتِلَ وَذَهَبَ مَالُهُ‏.‏

وَكَذَلِكَ ‏:‏ مَنْ رَأَى أَسَدًا فَأَرَادَ الْهُرُوبَ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ إنْسَانٌ مَنْ غَرَّ بِهِ ‏:‏ لاَ تَخَفْ ‏,‏ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ فَاغْتَرَّ بِقَوْلِهِ وَمَشَى ‏,‏ فَقَتَلَهُ الأَسَدُ فَهَذَا كُلُّهُ لاَ قَوَدَ عَلَى الْغَارِّ ‏,‏ وَلاَ ضَمَانَ أَصْلاً فِي دَمٍ ، وَلاَ مَالٍ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ شَيْئًا ‏,‏ وَلاَ أَكْرَهَ فَلَوْ أَنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى الْمَشْيِ عَلَى الْحُفْرَةِ فَهَلَكَ فِيهَا ‏,‏ أَوْ طَرَحَهُ إلَى الأَسَدِ أَوْ إلَى الْكَلْبِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ‏.‏ فَلَوْ طَرَحَهُ إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ ‏,‏ أَوْ الْبُغَاةِ فَقَتَلُوهُ ‏:‏ فَهُمْ الْقَتَلَةُ لاَ الطَّارِحُ بِخِلاَفِ طَرْحِهِ إلَى مَنْ لاَ يَعْقِلُ ‏,‏ لأََنَّ مَنْ لاَ يَعْقِلُ آلَةٌ لِلطَّارِحِ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ أَمْسَكَهُ لأََسَدٍ فَقَتَلَهُ ‏,‏ أَوْ لِمَجْنُونٍ فَقَتَلَهُ ‏,‏ فَالْمُمْسِكُ هَاهُنَا هُوَ الْقَاتِلُ بِخِلاَفِ إمْسَاكِهِ إيَّاهُ لِقَتْلِ مَنْ يَعْقِلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2116 - مسألة‏:

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ طَلَب دَابَّةً فَنَادَى رَجُلاً ‏:‏ احْبِسْهَا عَلَيَّ ‏,‏ فَصَدَمَتْهُ فَقَتَلَتْهُ ‏,‏ أَوْ رَمَاهَا فَقَتَلَهَا فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ ‏:‏ كِلاَهُمَا يُغَرَّمُ‏.‏ وَبِهِ إلَى ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، وَابْنُ لَهِيعَةَ ‏:‏ أَنَّ هِشَامًا كَتَبَ فِي رَجُلٍ ضَمَّ جَارِيَةً إلَيْهِ مِنْ دَابَّةٍ فَضَرَبَتْهَا فِي حِجْرِهِ ‏:‏ أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ دِيَتَهَا قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ ‏:‏ وَالرَّجُلُ مَوْلًى لَنَا كَتَبَ تَوْبَةُ بْنُ نَمِرٍ قَاضِي أَهْلِ مِصْرَ إلَى هِشَامٍ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ بِهَذَا ‏,‏ فَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْنَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ‏:‏ أَنَّ هِشَامًا كَتَبَ فِي رَجُلٍ حَمَلَ صَبِيًّا فَخَرَّ فِي مَهْوَاةٍ ‏,‏ فَمَاتَ الصَّبِيُّ ‏:‏ أَنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْحَامِلِ ‏,‏ قَالَ اللَّيْثُ ‏:‏ وَعَلَى هَذِهِ الْفُتْيَا النَّاسُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ وَبَلَغَنِي عَنْ رَبِيعَةَ ، أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ ‏:‏ فَإِنْ هَلَكَا جَمِيعًا فَلاَ عَقْلَ لَهُمَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ مَخْلُوقٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

فأما الَّذِي قَالَ لِلرَّجُلِ ‏:‏ احْبِسْ لِي الدَّابَّةَ فَصَدَمَتْهُ فَقَتَلَتْهُ ‏:‏ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ بِحَبْسِهَا ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهِ ‏,‏ وَلاَ بَاشَرَ فِيهِ إتْلاَفَهُ‏.‏ فَلَوْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِحَبْسِ الدَّابَّةِ رَمَاهَا فَقَتَلَهَا ‏,‏ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ‏,‏ لأََنَّهُ فَعَلَ مِنْ إتْلاَفِهَا ‏,‏ وَمِنْ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِعْلَهُ ‏,‏ فَهُوَ مُتْلِفٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَجَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ ‏,‏ وَمُبَاشِرٌ لِذَلِكَ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا‏}‏ ‏,‏

وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهَا ‏,‏ أَوْ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا فَفَعَلَ لَضَمِنَ ‏,‏ لأََنَّهُ أَمَرَهُ بِمَا لاَ يَحِلُّ ‏,‏ وَبِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ ‏,‏ فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِالأَمْرِ ‏,‏ وَالْمَأْمُورُ أَيْضًا مُتَعَدٍّ بِالأَئْتِمَارِ ‏,‏ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمُبَاشَرَتِهِ الْجِنَايَةَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ ضَمَّ صَبِيَّةً مِنْ دَابَّةٍ فَرَمَحَتْهَا الدَّابَّةُ فَقَتَلَتْهَا ‏:‏ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ إتْلاَفَهَا ‏,‏ وَ ‏"‏ جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ ‏"‏‏.‏

وَأَمَّا الَّذِي حَمَلَ صَبِيًّا فَسَقَطَ فِي مَهْوَاةٍ فَمَاتَ الصَّبِيُّ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ مِنْ وُقُوعِ حَامِلِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ ضَامِنٌ ‏,‏ وَالضَّمَانُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ‏,‏ لأََنَّهُ قَاتِلٌ خَطَأً وَإِنْ كَانَ مَاتَ مِنْ الْوَقْعَةِ لاَ مِنْ وُقُوعِ حَامِلِهِ عَلَيْهِ ‏,‏ فَلاَ ضَمَانَ فِي ذَلِكَ‏.‏ فَلَوْ مَاتَ الْحَامِلُ حِينَ وُقُوعِهِ عَلَى الصَّبِيِّ ‏,‏ أَوْ قَبْلَ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ ‏:‏ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ جِنَايَةَ عَلَى مَيِّتٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2117 - مسألة‏:‏ اللص يدخل على الإنسان هل له قصد قتله

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ ‏:‏ أَصْلَتَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى لِصٍّ بِالسَّيْفِ ‏,‏ فَلَوْ تَرَكْنَاهُ لَقَتَلَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ حُجَيْرِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ ‏:‏ قُلْت لِعِمْرَانِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَرَأَيْت إنْ دَخَلَ عَلَيَّ دَاخِلٌ يُرِيدُ نَفْسِي وَمَالِي قَالَ عِمْرَانُ ‏:‏ لَوْ دَخَلَ عَلَيَّ دَاخِلٌ يُرِيدُ نَفْسِي وَمَالِي لَرَأَيْت أَنْ قَدْ حَلَّ لِي قَتْلُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَوْفٍ ، هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ ‏:‏ اُقْتُلْ اللِّصَّ ‏,‏ وَالْحَرُورِيَّ ‏,‏ وَالْمُسْتَعْرِضَ‏.‏ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ تَرَكَ قِتَالَ رَجُلٍ يَقْطَعُ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ أَوْ يَطْرُقُهُ فِي بَيْتِهِ تَأَثُّمًا مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ ‏:‏ إذَا دَخَلَ اللِّصُّ دَارَ الرَّجُلِ فَقَتَلَهُ فَلاَ ضِرَارَ عَلَيْهِ‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ الرَّجُلُ مُحَارِبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَاقْتُلْهُ ‏,‏ فَمَا أَصَابَك مِنْ شَيْءٍ فَعَلَيَّ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ قُلْت لِعُبَيْدَةَ ‏:‏ أَرَأَيْت إنْ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ يُرِيدُ بَيْتِي قَالَ ‏:‏ إنَّ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَيْك بَيْتَك لاَ يَحِلُّ لَهُ مِنْك مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ‏,‏ وَلَكِنْ يَحِلُّ لَك نَفْسُهُ‏.‏ وَعَنْ مَنْصُورٍ أَنَّهُ سَأَلَ إبْرَاهِيمَ عَنْ الرَّجُلِ يَعْرِضُ لِلرَّجُلِ يُرِيدُ مَالَهُ أَيُقَاتِلُهُ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ ‏:‏ لَوْ تَرَكَهُ لَقَتَلَهُ

قال أبو محمد ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏:‏ أَرَأَيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي قَالَ ‏:‏ فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي قَالَ ‏:‏ قَاتِلْهُ‏.‏ قَالَ ‏:‏ أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَأَنْتَ شَهِيدٌ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ قَالَ ‏:‏ هُوَ فِي النَّارِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَمَنْ أَرَادَ أَخْذَ مَالِ إنْسَانٍ ظُلْمًا مِنْ لِصٍّ ‏,‏ أَوْ غَيْرِهِ ‏,‏ فَإِنْ تَيَسَّرَ لَهُ طَرْدُهُ مِنْهُ وَمَنْعُهُ ‏:‏ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ ‏,‏ فَإِنْ قَتَلَهُ حِينَئِذٍ ‏:‏ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَإِنْ تَوَقَّعَ أَقَلَّ تَوَقُّعٍ أَنْ يُعَاجِلَهُ اللِّصُّ ‏:‏ فَلْيَقْتُلْهُ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ‏,‏ لأََنَّهُ مَدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ اللِّصُّ مُحَارِبٌ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحَارِبِ

قلنا ‏:‏ فَإِنْ كَابَرَ وَغَلَبَ فَهُوَ مُحَارِبٌ ‏,‏ وَاخْتِيَارُ الْقَتْلِ فِي الْمُحَارِبِ إلَى الْإِمَامِ لاَ إلَى غَيْرِهِ ‏,‏ أَوْ إلَى مَنْ قَامَ بِالْحَقِّ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ إمَامٌ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُكَابِرْ ، وَلاَ غَلَبَ ‏,‏ لَكِنْ تَلَصَّصَ ‏:‏ فَلَيْسَ مُحَارِبًا ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ أَصْلاً‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

صَاحِبُ الْمَعْبَرِ يَعْبُرُ بِدَوَابَّ فَغَرِقَتْ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ ‏,‏ قَالَ لِي ‏:‏ فَغَرِقَتْ قَالَ ‏:‏ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَهُوَ كَمَا قَالَ إِلاَّ أَنْ يُبَاشِرَ تَعْطِيبَ الْمَعْبَرِ ‏,‏ أَوْ تَعْطِيبَ السَّفِينَةِ ‏,‏ فَيَضْمَنُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

صَاحِبُ الْمَعْبَرِ يَعْبُرُ بِدَوَابَّ

2118 - مسألة‏:‏ من استعان صبيا أو عبدا بغير إذن أهله فتلف

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ أَعْطَى صَبِيًّا فَرَسًا فَقَتَلَهُ قَالَ ‏:‏ يَضْمَنُ الرَّجُلُ‏.‏ وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ ‏:‏ مَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَعَنِتَ فَهُوَ ضَامِنٌ‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ فِي عَبْدِ رَجُلٍ أَكْرَهَهُ رَجُلٌ فَحَمَلَهُ عَلَى دَابَّةٍ فَأَوْطَأَ رَجُلاً فَقَتَلَهُ قَالَ ‏:‏ يَغْرَمُ الَّذِي حَمَلَ الْعَبْدَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ مَنْ اسْتَعَانَ صَغِيرًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَعَنِتَ ‏,‏ فَهُوَ ضَامِنٌ‏.‏ وَمَنْ اسْتَعَانَ كَبِيرًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَعَنَتْ فَهُوَ غَيْرُ ضَامِنٍ ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ أَعْطَى رَجُلاً فَرَسًا فَقَتَلَهُ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا‏.‏ وَعَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ كَانَ عُمَرُ بْنُ حَيَّانَ الْحِمَّانِيُّ يَصْنَعُ الْخَيْلَ ‏,‏ وَأَنَّهُ حَمَلَ ابْنَهُ عَلَى فَرَسٍ فَخَرَّ ‏,‏ فَتَقَطَّرَ مِنْ الْفَرَسِ فَمَاتَ ‏,‏ فَجُعِلَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ زَمَانَ زِيَادٍ بِالْبَصْرَةِ‏.‏ وَعَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ ‏:‏ مَنْ حَمَلَ غُلاَمًا لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَسَقَطَ فَمَاتَ ‏,‏ فَقَدْ غَرِمَ‏.‏ وَعَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا وَقَالَ ‏:‏ يَغْرَمُ دِيَتَهُ لَوْ جَرَحَهُ‏.‏ وَعَنْ رَبِيعَةَ ‏,‏ وَأَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُمَا قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ مَنْ اسْتَعَانَ غُلاَمًا لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَهُوَ لِمَا أَصَابَهُ ضَامِنٌ وَقَالاَ فِي الْحُرِّ يَمْلِكُ نَفْسَهُ ‏:‏ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ اسْتِعَانَةُ شَيْءٍ إذَا أَتَى ذَلِكَ طَائِعًا قَالَ رَبِيعَةُ ‏:‏ إِلاَّ أَنْ يُسْتَغْفَلَ ‏,‏ أَوْ يُسْتَجْهَلَ‏.‏ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ وَسَمِعْت اللَّيْثَ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي الزِّنَادِ‏.‏ وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْغُلاَمِ يَسْتَعِينُهُ رَجُلٌ وَلَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ ‏:‏ فَهُوَ ضَامِنٌ حَتَّى يَرْجِعَ ‏,‏ وَإِنْ اسْتَعَانَهُ بِإِذْنِ أَهْلِهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ ‏:‏ مَنْ اسْتَعَانَ مَمْلُوكًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ ضَمِنَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَحَصَلَ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ مَنْ اسْتَعَانَ غُلاَمًا لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ ‏,‏ فَإِنْ بَلَغَ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَإِنْ اسْتَعَانَهُ بِإِذْنِ أَهْلِهِ ‏,‏

وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه‏.‏ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَنْ حَمَلَ غُلاَمًا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَسَقَطَ فَمَاتَ فَقَدْ غَرِمَ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَنْهُمَا‏.‏ أَمَّا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ‏,‏

وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ عَنْهُ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ‏.‏ وَحَصَلَ عَنْ الشَّعْبِيِّ ‏:‏ مَنْ أَعْطَى صَبِيًّا فَرَسًا فَقَتَلَهُ ‏,‏ فَالْمُعْطِي ضَامِنٌ وَعَنْ رَبِيعَةَ ‏,‏ وَأَبِي الزِّنَادِ ‏,‏ نَحْوُ ذَلِكَ‏.‏ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ نَحْوُ ذَلِكَ‏.‏ فَلَمْ يُفَرِّقْ هَؤُلاَءِ بَيْنَ إذْنِ أَهْلِهِ ‏,‏ وَلاَ بَيْنَ غَيْرِ إذْنِهِمْ‏.‏ وَحَصَلَ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ ‏:‏ مَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا بَالِغًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ‏,‏ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ تَلِفَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَعَطَاءٍ ‏,‏ نَحْوُهُ‏.‏

وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَبَا يُوسُفَ ‏,‏ وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ ‏,‏ قَالُوا ‏:‏ مَنْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ عِنْدَهُ بِحُمَّى أَوْ فَجْأَةً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ ‏,‏ أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ ‏:‏ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ ‏,‏ وَكَانَ زُفَرُ يَقُولُ ‏:‏ لاَ يَضْمَنُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ‏:‏ إذَا أَرْسَلَ صَبِيًّا فِي حَاجَةٍ فَجَنَى الصَّبِيُّ جِنَايَةً ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي أَرْسَلَهُ شَيْءٌ مِنْ جِنَايَتِهِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَإِذَا أَرْسَلَ مَمْلُوكًا فِي حَاجَةٍ فَجَنَى ‏,‏ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الَّذِي أَرْسَلَهُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَإِنْ اسْتَعْمَلَ أَجِيرًا صَغِيرًا فِي حَاجَةٍ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏.‏ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ ‏:‏ مَنْ أَمَرَ صَغِيرًا ‏,‏ أَوْ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ بِأَنْ يَسْقِيَهُ مَاءً ‏,‏ أَوْ يُنَاوِلَهُ وَضُوءًا فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَإِنْ عَنِتَا فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُمَا‏.‏

وقال مالك ‏:‏ الأَمْرُ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ مِنْهُمْ ‏:‏ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اسْتَعَانَ صَغِيرًا ‏,‏ أَوْ عَبْدًا مَمْلُوكًا فِي شَيْءٍ لَهُ بَالٌ ‏,‏ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنٍ وَإِذَا أَمَرَ الرَّجُلُ الصَّبِيَّ الْحُرَّ أَنْ يَنْزِلَ فِي بِئْرٍ ‏,‏ أَوْ يَرْقَى فِي نَخْلَةٍ ‏,‏ فَهَلَكَ فِي ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ فَإِنْ اسْتَعَانَ كَبِيرًا حُرًّا فَأَعَانَهُ ‏,‏ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يُسْتَغْفَلَ أَوْ يُسْتَجْهَلَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَقَدْ

رُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ ‏:‏ أَنَّ مَنْ غَصَبَ حُرًّا فَبَاعَهُ فَطُلِبَ فَلَمْ يُوجَدْ ‏:‏ أَنَّهُ يَضْمَنُ دِيَتَهُ

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلاَ نَعْلَمُ لَهُ فِي هَذَا قَوْلاً‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنها ، أَنَّهَا بَعَثَتْ إلَى مُعَلِّمِ الْكِتَابِ ‏,‏ ابْعَثْ لِي غِلْمَانًا يَنْفُشُونَ صُوفًا ، وَلاَ تَبْعَثْ إلَيَّ حُرًّا

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتْبَعُهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ فَابْتَدَأْنَا بِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ‏:‏

فأما الرِّوَايَةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، رضي الله عنها ، فِي طَلَبِهَا غِلْمَانًا يَنْفُشُونَ لَهَا الصُّوفَ ‏,‏ وَاشْتَرَطَتْ ‏:‏ أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِمْ حُرٌّ فَلَيْسَ فِيهِ مِنْ حُكْمِ التَّضْمِينِ قَلِيلٌ ، وَلاَ كَثِيرٌ ‏,‏ فَلاَ مَدْخَلَ لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهَا وَلَعَلَّ نَفْشَ الصُّوفِ كَانَ بِحَضْرَتِهَا فَكَرِهَتْ أَنْ يَرَاهَا حُرٌّ مِنْ الصِّبْيَانِ وَلَعَلَّهُ قَدْ قَارَبَ الْبُلُوغَ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَرُؤْيَةُ الْعَبِيدِ لَهَا مُبَاحٌ ‏,‏ وَنَفْشُ الصُّوفِ لاَ يُطِيقُهُ إِلاَّ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ مِنْ الْغِلْمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلاَ نَقْطَعُ بِهَذَا أَيْضًا إِلاَّ أَنَّنَا نَقْطَعُ أَنَّهُ لَيْسَ خَبَرُهَا هَذَا مِنْ حُكْمِ التَّضْمِينِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه الَّذِي لَمْ يَصِحَّ عَنْ صَاحِبٍ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ غَيْرُهُ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ حَدَّ مِقْدَارَ الصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ بِخَمْسَةِ أَشْبَارٍ وَقَدْ خَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ ‏,‏ وَالْمَالِكِيُّونَ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّونَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَحْتَجُّوا عَلَى خُصُومِهِمْ بِقَوْلٍ قَدْ خَالَفُوهُ هُمْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَبَقِيَتْ الأَقْوَالُ غَيْرُهَا ‏,‏ وَهِيَ تَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ ‏:‏ أَحَدُهَا تَضْمِينُ مَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا أَوْ صَغِيرًا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِمَا وَتَرْكُ تَضْمِينِهِ ‏,‏ إنْ اسْتَعْنَاهُمَا بِإِذْنِ أَهْلِهِمَا‏.‏

وَالثَّانِي تَضْمِينُهُ كَيْفَمَا اسْتَعَانَهُمَا بِإِذْنِ أَهْلِهِمَا ‏,‏ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا‏.‏ وَالثَّالِثُ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ ‏:‏ أَنَّ الْعَبْدَ الْكَبِيرَ لاَ يَضْمَنُ مَنْ اسْتَعَانَهُ ‏,‏ لَكِنْ مَنْ اسْتَعَانَ الصَّغِيرَ ضَمِنَ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ ‏;‏ لأََنَّهُ فَرَّقَ فِي الصَّغِيرِ يُغْصَبُ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ حَتْفَ أَنْفِهِ ‏,‏ أَوْ بِحُمَّى ‏,‏ أَوْ فَجْأَةً ‏,‏ فَلاَ يَضْمَنُ غَاصِبُهُ شَيْئًا ‏,‏ وَبَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِصَاعِقَةٍ تَحْرِقُهُ ‏,‏ أَوْ حَيَّةٍ تَنْهَشُهُ فَيَضْمَنُ دِيَتَهُ وَهَذَا عَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ‏.‏

وَهَذَا قَوْلٌ لاَ يَعْضُدُهُ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ مُسْتَقِيمَةٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٌ ‏,‏ وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ ‏,‏ وَلاَ مَعْقُولٌ ‏,‏ وَلاَ احْتِيَاطٌ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ ‏,‏ وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِلاَ مِرْيَةٍ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا خَطَأً ‏;‏ لأََنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ اسْتِعَانَةِ الصَّغِيرِ وَالْعَبْدِ فِي الأَمْرِ ذِي الْبَالِ فَيَضْمَنُ ‏,‏ وَمَنْ اسْتَعَانَهُمَا فِي الأَمْرِ غَيْرِ ذِي الْبَالِ فَلاَ يَضْمَنُ وَهَذَا أَيْضًا تَقْسِيمٌ لاَ يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ‏,‏ وَلاَ سَقِيمَةٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٌ ‏,‏ وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ ، وَلاَ مَعْقُولٌ ، وَلاَ يَخْلُو مُسْتَعِينُ الصَّغِيرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ ‏,‏ أَوْ لاَ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا‏.‏ ‏:‏ فَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَحُكْمُ الْعُدْوَانِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَوَاءٌ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مُتَعَدِّيًا ‏,‏ فَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ مِمَّا لَيْسَ عُدْوَانًا سَوَاءٌ ‏,‏

وَكَذَلِكَ إيجَابُ الدِّيَةِ عَلَى مَنْ بَاعَ حُرًّا فَلَمْ يُوجَدْ الْحُرُّ فَهَذَا لاَ وَجْهَ لَهُ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَخَطَأٌ أَيْضًا ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يَسْتَسْقِيَ الْمَرْءُ الصَّبِيَّ ‏,‏ وَعَبْدَ غَيْرِهِ الْمَاءَ ‏,‏ أَوْ يُكَلِّفَهُمَا أَنْ يَحْمِلاَ لَهُ وُضُوءًا ثُمَّ رَأَى عَلَيْهِ ضَمَانَهُمَا إنْ تَلِفَا فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَكَيْف يُجْعَلُ الضَّمَانُ فِيمَا حَدَثَ مِنْ فِعْلٍ قَدْ أَبَاحَهُ لِفَاعِلِهِ مِمَّا لَمْ يُبَاشِرْ هُوَ تِلْكَ الْجِنَايَةِ هَذَا ظُلْمٌ ظَاهِرٌ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ فَخَطَأٌ أَيْضًا مِنْ وُجُوهٍ ‏:‏

أَوَّلُهَا أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ يُرْسِلُ الصَّغِيرَ وَالْعَبْدَ لِغَيْرِهِ فِي حَاجَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِمَا فَجَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةً فَيَضْمَنُ الْمُرْسِلُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ ‏,‏ وَلاَ يَضْمَنُ جِنَايَةَ الْحُرِّ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلٌ لاَ يَعْضُدُهُ شَيْءٌ مِنْ الدَّلاَئِلِ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي مَنْ أَرْسَلَ صَغِيرًا فِي حَاجَتِهِ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏.‏ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا صَغِيرًا فِي عَمَلٍ شَاقٍّ فَتَلِفَ فِيهِ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ الأَجِيرُ كَبِيرًا لَمْ يَضْمَنْ فَهَذِهِ فُرُوقٌ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ

قال أبو محمد ‏:‏

فَنَظَرْنَا ‏,‏ هَلْ نَجِدُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْنَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ ‏:‏ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَنَسًا غُلاَمٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ ‏,‏ فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ ‏,‏ فَوَاَللَّهِ مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ ‏:‏ لِمَ صَنَعْتَهُ هَكَذَا ، وَلاَ لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ ‏:‏ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَخْدَمَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ يَتِيمٌ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فِي الأَسْفَارِ الْبَعِيدَةِ ‏,‏ وَالْقَرِيبَةِ ‏,‏ وَالْغَزَوَاتِ الْمُخِيفَةِ ‏,‏ وَفِي الْحَضَرِ‏.‏

فإن قال قائل ‏:‏ إنَّ ذَلِكَ كَانَ بِإِذْنِ أُمِّهِ وَزَوْجِهَا وَأَهْلِهِ

قلنا لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ قَدْ كَانَ هَذَا ‏,‏ وَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي إنَّمَا اسْتَخْدَمْته لأَِذْنِ أَهْلِهِ لِي فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَإِذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عليه الصلاة والسلام فَإِذْنُهُمْ وَتَرْكُ إذْنِهِمْ عَلَى السَّوَاءِ وَإِنَّمَا الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ حُسْنُ النَّظَرِ لِلْغُلاَمِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ مَا اسْتَعَانَهُ فِي عَمَلِهِ لِلأَجْنَبِيِّ نَظَرًا لَهُ فَهُوَ فِعْلُ خَيْرٍ أَذِنَ أَهْلُهُ وَوَلِيُّهُ أَمْ لَمْ يَأْذَنُوا وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ لَهُ فَهُوَ ظُلْمٌ ‏:‏ أَذِنَ أَهْلُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَأْذَنُوا‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ‏}‏‏.‏

وَقَوْله تَعَالَى ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى‏}‏ وَلَمْ يَأْتِ بِمُرَاعَاةِ إذْنِ أَهْلِ الْغُلاَمِ ‏:‏ لاَ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ فَبَطَلَ مُرَاعَاةُ إذْنِهِمْ بِيَقِينٍ ‏,‏ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعِينُ بِالْغُلاَمِ نَاظِرًا لِلْغُلاَمِ فِي تِلْكَ الأَسْتِعَانَةِ أَوْ غَيْرَ نَاظِرٍ لَهُ ‏:‏ فَإِنْ كَانَ نَاظِرًا لَهُ فَهُوَ مُحْسِنٌ ‏,‏ وَإِذَا هُوَ مُحْسِنٌ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا أَصَابَهُ مِمَّا لَمْ يَجْنِهِ هُوَ ‏,‏ لقوله تعالى ‏{‏مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ‏}‏ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَاظِرٍ لَهُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ ظَالِمٌ لَهُ ‏,‏ وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ ظَالِمٍ يَضْمَنُ دِيَةَ الْمَظْلُومِ‏.‏ أَلاَ تَرَاهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ ظَلَمَ إنْسَانًا حُرًّا يُسَخِّرُهُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ فَتَلِفَ هُنَالِكَ فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُهُ الظَّالِمُ لَهُ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ هَاهُنَا بَيْنَ ظُلْمٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ‏.‏ وَقَدْ

قلنا ‏:‏ إنَّهُ لاَ دِيَةَ إِلاَّ عَلَى قَاتِلٍ ‏,‏ وَالْمُسْتَعِينُ الظَّالِمُ لَمْ يُتْلِفْ الْمُسْتَعَانَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ ‏,‏ فَإِنَّ الْمُسْتَعِينَ لَهُ لاَ يُسَمَّى قَاتِلاً لَهُ ‏,‏ وَلاَ مُبَاشِرَ قَتْلِهِ ‏,‏ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ أَصْلاً صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إِلاَّ أَنْ يُبَاشِرَ ‏,‏ أَوْ يَأْمُرَ بِإِكْرَاهِهِ وَإِدْخَالِهِ الْبِئْرَ ‏,‏ أَوْ تَطْلِيعِهِ فِي مَهْوَاةٍ فَيَطْلُعُ كَرْهًا لاَ اخْتِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَهَذَا قَاتِلُ عَمْدٍ عَلَيْهِ الْقَوَدُ ‏,‏ فَظَهَرَ أَمْرُ الصَّغِيرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا الْعَبْدُ يُسَخِّرُهُ غَيْرُ سَيِّدِهِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُكْرِهْهُ لَكِنْ اسْتَعَانَهُ بِرَغْبَةٍ فَأَعَانَهُ فَتَلِفَ ‏,‏ فَإِنَّهُ أَيْضًا لَمْ يُبَاشِرْ إتْلاَفَهُ ‏,‏ وَلاَ ضَمَّهُ بِغَصْبٍ ‏,‏ فَلاَ غَرَامَةَ فِيهِ أَصْلاً ‏,‏ وَلَكِنْ عَلَيْهِ إجَارَةُ مِثْلِهِ ‏;‏ لأََنَّهُ انْتَفَعَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ وَهُوَ مَالُ غَيْرِهِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الأَنْتِفَاعُ بِمَالِ غَيْرِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ‏.‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏ فَإِنْ غَصَبَ الْعَبْدَ فَاسْتَعْمَلَهُ ‏,‏ أَوْ أَكْرَهَهُ بِالتَّهْدِيدِ ‏,‏ فَقَدْ غَصَبَ أَيْضًا ‏,‏ وَقَدْ ضَمِنَ مُغْتَصِبُهُ كُلَّ مَا أَصَابَهُ عِنْدَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ ‏,‏ وَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ مَا سَخَّرَهُ فِيهِ ‏,‏ أَوْ مِمَّا سَخَّرَهُ فِيهِ ‏,‏ وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ‏;‏ لأََنَّهُ مَالٌ تَعَدَّى عَلَيْهِ هَذَا الْمُكْرِهُ ‏,‏ فَلَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ أَوْ مِثْلِهِ إنْ فَاتَ ‏,‏ لأََنَّهُ مُتَعَدٍّ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ أَهْلِهِ فَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ ‏,‏ بِخِلاَفِ الصَّغِيرِ الَّذِي لاَ إذْنَ لَهُمْ فِيهِ ‏,‏ إِلاَّ فِيمَا هُوَ حَظٌّ لِلصَّبِيِّ فَقَطْ ‏,‏ وَإِلَّا فِي غَيْرِهِ سَوَاءٌ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2119 - مسألة‏:‏ في قول الله تعالى ‏{‏وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا‏}

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا‏}‏ قَالَ ‏:‏ مَنْ أَوْبَقَهَا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا قَالَ ‏:‏ مَنْ كَفَّ عَنْ قَتْلِهَا‏.‏ وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا قَالَ ‏:‏ مَنْ أَنْجَاهَا مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ فَقَدْ أَحْيَاهَا‏.‏ وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُولُ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا قَالَ ‏:‏ مَنْ كَفَّ عَنْ قَتْلِهَا فَقَدْ أَحْيَاهَا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ هَذَا لَيْسَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ فَيَسْلَمُ لَهُ ‏,‏ وَالرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهَا خُصَيْفٌ ‏,‏ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا حُكْمٌ إنَّمَا كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ يَكْتُبْهُ عَلَيْنَا ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ‏}‏‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَهَذَا أَمْرٌ قَدْ كُفِينَاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ إذْ لَوْ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا لاََعْلَمَنَا بِذَلِكَ ‏,‏ فَلَهُ الْحَمْدُ كَثِيرًا ‏,‏ وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَهُوَ مِنْ الْإِصْرِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا‏.‏ وَأَمَرَنَا تَعَالَى أَنْ نَدْعُوَهُ فِي أَنْ لاَ يَحْمِلَهُ عَلَيْنَا إذْ يَقُولُ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏ فَإِذْ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فَلَمْ نُكَلَّفْ مَعْرِفَةَ كَيْفِيَّتِهِ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا ‏:‏ هُوَ تَحْرِيمُ الْقَتْلِ ‏,‏ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِيهِ ‏,‏ فَفَرَضَ عَلَيْنَا اجْتِنَابَهُ ‏,‏ وَاعْتِقَادَ أَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ ‏,‏ وَهُوَ مَعَ تَرْكِ الصَّلاَةِ أَوْ بَعْدَهُ‏.‏ وَمِمَّا كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا عَلَيْنَا اسْتِنْقَاذَ كُلِّ مُتَوَرِّطٍ مِنْ الْمَوْتِ إمَّا بِيَدِ ظَالِمٍ كَافِرٍ ‏,‏ أَوْ مُؤْمِنٍ مُتَعَدٍّ ‏,‏ أَوْ حَيَّةٍ أَوْ سَبُعٍ ‏,‏ أَوْ نَارٍ أَوْ سَيْلٍ ‏,‏ أَوْ هَدْمٍ أَوْ حَيَوَانٍ ‏,‏ أَوْ مِنْ عِلَّةٍ صَعْبَةٍ نَقْدِرُ عَلَى مُعَانَاتِهِ مِنْهَا ‏,‏ أَوْ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ ‏,‏ فَوَعَدَنَا عَلَى ذَلِكَ الأَجْرَ الْجَزِيلَ الَّذِي لاَ يُضَيِّعُهُ رَبُّنَا تَعَالَى ‏,‏ الْحَافِظُ عَلَيْنَا صَالِحَ أَعْمَالِنَا وَسَيِّئَهُ‏.‏ فَفَرْضٌ عَلَيْنَا أَنْ نَأْتِيَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا ‏,‏ وَأَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْصَى أَجْرَنَا عَلَى ذَلِكَ مَنْ يُجَازِي عَلَى مِثْقَالِ الذَّرَّةِ مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ‏.‏ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ لِمَا يُرْضِيهِ بِمَنِّهِ آمِينَ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَعْتَصِمُ‏.‏

2120 - مسألة‏:‏ من شق نهرا فغرق ناسا ‏,‏ أو طرح نارا ‏,‏ أو هدم بناء فقتل

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ مَنْ شَقَّ نَهْرًا فَغَرَّقَ قَوْمًا ‏,‏ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ عَامِدًا لِيُغْرِقَهُمْ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَالدِّيَاتُ مِنْ قَتْلِ جَمَاعَةٍ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ شَقَّهُ لِمَنْفَعَةٍ أَوْ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَهُوَ لاَ يَدْرِي أَنَّهُ لاَ يُصِيبُ بِهِ أَحَدًا فَمَا هَلَكَ بِهِ فَهُوَ قَاتِلُ خَطَأٍ ‏,‏ وَالدِّيَاتُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ‏,‏ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ ‏;‏ لِكُلِّ نَفْسٍ كَفَّارَةٌ ‏,‏ وَيَضْمَنُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا أَتْلَفَ مِنْ الْمَالِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَنْ أَلْقَى نَارًا أَوْ هَدَمَ بِنَاءً ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ وَإِنْ عَمَدَ إحْرَاقَ قَوْمٍ أَوْ قَتْلَهُمْ بِالْهَدْمِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَعْمِدْ ذَلِكَ فَهُوَ قَاتِلُ خَطَأٍ‏.‏ وَلَوْ سَاقَ مَاءً فَمَرَّ عَلَى حَائِطٍ فَهَدَمَ الْمَاءُ الْحَائِطَ فَقَتَلَ ‏:‏ فَكَمَا قلنا أَيْضًا سَوَاءً سَوَاءً ، وَلاَ فَرْقَ ‏;‏ لأََنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا مُبَاشِرٌ لأَِتْلاَفِ مَا تَلِفَ ‏,‏ فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ بِذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْجَانِي ‏,‏ أَوْ تَلِفَ بِهِ مَالٌ بَعْدَ مَوْتِهِ ‏,‏ فَلاَ ضَمَانَ فِي ذَلِكَ لأََنَّ الْجِنَايَةَ حَدَثَتْ بَعْدَهُ ‏,‏ وَلاَ جِنَايَةَ عَلَى مَيِّتٍ‏.‏ وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا رَمَى حَجَرًا أَوْ سَهْمًا ثُمَّ مَاتَ إثْرَ خُرُوجِ السَّهْمِ أَوْ الْحَجَرِ فَأَصَابَ الْحَجَرُ أَوْ السَّهْمُ إنْسَانًا عَمَدَهُ أَوْ لَمْ يَعْمِدْهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ‏;‏ لأََنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَكُنْ إِلاَّ وَهُوَ مِمَّنْ لاَ فِعْلَ لَهُ ‏,‏ بِخِلاَفِ مَا خَرَجَ خَطَأً ثُمَّ مَاتَ ‏;‏ لأََنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ وَقَعَتْ وَهُوَ حَيٌّ ‏,‏ فَلَوْ جُنَّ إثْرَ رَمْيِ السَّهْمِ أَوْ الْحَجَرِ فَكَمَوْتِهِ ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ وَكَذَلِكَ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا النَّائِمُ فَبِخِلاَفِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ ‏,‏ وَالْمَجْنُونِ ‏,‏ لأََنَّهُ مُخَاطَبٌ ‏,‏ وَهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبِينَ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ عَمْدَ لَهُ ‏,‏ فَلَوْ أَنَّ نَائِمًا انْقَلَبَ فِي نَوْمِهِ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ‏,‏ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ ‏;‏ لأََنَّهُ مُخَاطَبٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2121 - مسألة‏:‏ من أوقد نارا ثم نام فاشتعلت تلك النار

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَأَمَّا مَنْ أَوْقَدَ نَارًا لِيَصْطَلِيَ ‏,‏ أَوْ لِيَطْبُخَ شَيْئًا ‏,‏ أَوْ أَوْقَدَ سِرَاجًا ثُمَّ نَامَ ‏,‏ فَاشْتَعَلَتْ تِلْكَ النَّارُ فَأَتْلَفَتْ أَمْتِعَةً وَنَاسًا ‏,‏ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَصْلاً‏.‏ وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ ‏:‏ سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ ‏,‏ وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ رَجُلٍ رَمَى نَارًا فِي دَارِ قَوْمٍ فَاحْتَرَقُوا ‏,‏ قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ لَيْسَ عَلَيْهِ قَوَدٌ ، وَلاَ يُقْتَلُ‏.‏ وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ قَالَ ‏:‏ أَحْرَقَ رَجُلٌ تِبْنًا فِي فَرَاجٍ لَهُ فَخَرَجَتْ شَرَرَةٌ مِنْ نَارٍ فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا لِجَارِهِ فَكَتَبْت فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَتَبَ إلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ وَأَرَى أَنَّ النَّارَ جُبَارٌ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ صَدَقَ رضي الله عنه‏:‏ النَّارُ عَجْمَاءُ فَهِيَ جُبَارٌ

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَنَظَرْنَا ‏,‏ هَلْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ فَوَجَدْنَا مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ قَالَ ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ الصَّمُوتُ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ‏,‏ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ النَّارُ جُبَارٌ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ النَّارُ جُبَارٌ‏.‏

قال علي ‏:‏ وهذا خَبَرٌ صَحِيحٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ ‏,‏ فَوَجَبَ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ مَا تَلِفَ بِالنَّارِ فَهُوَ هَدْرٌ ‏,‏ إِلاَّ نَارًا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى تَضْمِينِ طَارِحِهَا ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ مَا تَعَمَّدَ الْإِنْسَانُ طَرْحَهَا لِلْإِفْسَادِ ‏,‏ وَالْإِتْلاَفِ ‏,‏ فَهَذَا مُبَاشِرٌ مُتَعَدٍّ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِيمَا عَمَدَ قَتْلَهُ ‏,‏ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ‏.‏

وَأَمَّا نَارٌ أَوْقَدَهَا غَيْرَ مُتَعَدٍّ فَهِيَ جُبَارٌ ‏,‏ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إِلاَّ مَا خَصَّهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعَ إِلاَّ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَصْدِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2122- مسألة‏:

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ جَاءَ فِي الرِّجْلِ أَثَرٌ نَذْكُرُهُ ‏,‏ وَنَذْكُرُ مَا قِيلَ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَسَدٍ الْبَاهِلِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الرِّجْلُ جُبَارٌ‏.‏ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ الرِّجْلُ جُبَارٌ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَجَاءَ هَذَا أَيْضًا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ ‏,‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي ، حَدَّثَنَا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ هُوَ عُرْوَةُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ الرِّجْلُ جُبَارٌ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَقَالَ قَوْمٌ ‏:‏ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ضَعِيفٌ فِي الزُّهْرِيِّ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ وَمَا نَدْرِي وَجْهَ هَذَا وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ثِقَةٌ ‏,‏ فَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ خَطَأً فَلْيُبَيِّنْهُ وَإِلَّا فَرِوَايَتُهُ حُجَّةٌ ‏,‏ وَهَذَا إسْنَادٌ مُسْتَقِيمٌ لأَتِّصَالِ الثِّقَاتِ فِيهِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْخَبَرِ ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ مَعْنَى ‏"‏ الرِّجْلُ جُبَارٌ ‏"‏ ‏:‏ إنَّمَا هُوَ مَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ ‏:‏ هُوَ مَا أُصِيبَ بِالرِّجْلِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فِي الطَّوَافِ وَغَيْرِهِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَكِلاَ التَّفْسِيرَيْنِ حَقٌّ ‏;‏ لأََنَّهُمَا مُوَافِقَانِ لِلَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا دُونَ الآخَرِ ‏;‏ لأََنَّهُ تَخْصِيصٌ بِلاَ برهان وَدَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا جُنِيَ بِرِجْلٍ مِنْ إنْسَانٍ ‏,‏ أَوْ حَيَوَانٍ ‏,‏ فَهُوَ هَدْرٌ لاَ غَرَامَةَ فِيهِ ‏,‏ وَلاَ قَوَدَ ‏,‏ وَلاَ كَفَّارَةَ ‏,‏ إِلاَّ مَا صَحَّ الْإِجْمَاعُ بِهِ بِأَنَّهُ مَحْكُومٌ فِيهِ بِالْقَوَدِ ‏,‏ كَالتَّعَمُّدِ لِذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2123 - مسألة‏:‏ الجاني يستقاد منه فيموت أحدهما

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ إذَا مَاتَ الْمُسْتَقِيدُ ‏,‏ فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ ‏:‏ رَجُلٌ اسْتَقَادَ مِنْ رَجُلٍ قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ ثُمَّ مَاتَ الْمُسْتَقِيدُ مِنْ الَّذِي أَصَابَهُ ‏,‏ قَالَ أَرَى ‏:‏ أَنْ يُودَى قُلْت ‏:‏ فَمَاتَ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَرَى أَنْ يُودَى ‏,‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ‏:‏ أَظُنُّ أَنَّهُ سَيُودَى‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ قَالَ ‏:‏ لَوْ أَنَّ رَجُلاً اسْتَقَادَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ غَرِمَ دِيَتَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ‏,‏ وَابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ‏:‏ السُّنَّةُ أَنْ يُودَى يَعْنِي الْمُسْتَقَادَ مِنْهُ‏.‏ وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي رَجُلٍ أَشَلَّ أُصْبُعَ رَجُلٍ قَالَ يَسْتَقِيدُ مِنْهُ ‏,‏ فَإِنْ شُلَّتْ أُصْبُعُهُ ‏,‏ وَإِلَّا غَرِمَ لَهُ الدِّيَةَ‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ أَوْ غَيْرِهِ شَكَّ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي ذَلِكَ الشَّعْبِيُّ فِي رَجُلٍ جَرَحَ رَجُلاً فَاقْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ هَلَكَ الْمُسْتَقَادُ قَالَ ‏:‏ عَقْلُهُ عَلَى الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ وَيُطْرَحُ عَنْهُ دِيَةُ جُرْحِهِ مِنْ ذَلِكَ فَمَا فَضَلَ فَهُوَ عَلَيْهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ الْحَارِثِ الْعُقَيْلِيِّ فِي الَّذِي يُسْتَقَادُ مِنْهُ ثُمَّ يَمُوتُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ يَغْرَمُ دِيَتَهُ ‏;‏ لأََنَّ النَّفْسَ خَطَأٌ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ ‏:‏ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُقْتَصِّ مِنْهُ ‏:‏ أَيُّهُمَا مَاتَ وُدِيَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ ‏:‏ اسْتَأْذَنْت زِيَادَ بْنَ جَرِيرٍ فِي الْحَجِّ فَسَأَلَنِي عَنْ رَجُلٍ شَجَّ رَجُلاً فَاقْتُصَّ لَهُ مِنْهُ فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ فَقُلْت ‏:‏ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَيُرْفَعُ عَنْهُ بِقَدْرِ الشَّجَّةِ ‏,‏ ثُمَّ نَسِيتُ ذَلِكَ ‏,‏ فَجَاءَ إبْرَاهِيمُ فَسَأَلْته فَقَالَ ‏:‏ عَلَيْهِ الدِّيَةُ ‏,‏ قَالَ شُعْبَةُ فَسَأَلْت الْحَكَمَ وَحَمَّادًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ عَلَيْهِ الدِّيَةُ‏.‏ وَقَالَ حَمَّادٌ ‏:‏ وَيُرْفَعُ عَنْهُ بِقَدْرِ الشَّجَّةِ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏,‏ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ‏,‏ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ‏:‏ إذَا اقْتَصَّ مِنْ يَدٍ ‏,‏ أَوْ شَجَّةٍ ‏,‏ فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُقْتَصِّ لَهُ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏,‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ الَّذِي يُقْتَصُّ مِنْهُ دِيَتُهُ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَطْرَحُ عَنْهُ دِيَةَ جُرْحِهِ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ ‏:‏ لاَ شَيْءَ فِي هَلاَكِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ‏.‏ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ فِي الْقِصَاصِ ‏:‏ قَتَلَهُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ أَوْ حَقٌّ ‏,‏ لاَ دِيَةَ لَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏,‏ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ مَنْ مَاتَ فِي قِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ ‏,‏ فَلاَ دِيَةَ لَهُ‏.‏ وَبِهِ إلَى قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ مَنْ مَاتَ فِي قِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ ‏,‏ فَلاَ دِيَةَ لَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ وَسُفْيَانُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ‏:‏ مَا كُنْت لأَُقِيمَ عَلَى رَجُلٍ حَدًّا فَيَمُوتُ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ صَاحِبَ الْخَمْرِ ‏,‏ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ‏.‏ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏,‏ قَالاَ جَمِيعًا فِي الْمُقْتَصِّ مِنْهُ يَمُوتُ قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ قَتَلَهُ الْحَقُّ ، وَلاَ دِيَةَ لَهُ‏.‏ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُ ذَلِكَ ‏:‏ قَتَلَهُ الْحَقُّ ‏,‏ لاَ دِيَةَ لَهُ‏.‏ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرَ ‏,‏ قَالاَ ‏:‏ مَنْ قَتَلَهُ حَدٌّ فَلاَ عَقْلَ لَهُ‏.‏ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ مَنْ اُسْتُقِيدَ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا دَخَلَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ فَقَتَلَهُ الْقَوَدُ ‏,‏ فَلَيْسَ لَهُ عَقْلٌ وَلَوْ أَنَّ كُلَّ مَنْ اُسْتُقِيدَ مِنْهُ حَقٌّ قِبَلَهُ لِلنَّاسِ فَمَاتَ مِنْهُ غَرِمَهُ الْمُسْتَقِيدُ ‏:‏ رَفَضَ النَّاسُ حُقُوقَهُمْ‏.‏ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ قَالَ يُونُسُ ‏:‏ قَالَ رَبِيعَةُ ‏:‏ إنْ مَاتَ الأَوَّلُ وَهُوَ الْمُقْتَصُّ قُتِلَ بِهِ الْجَارِحُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وَإِنْ مَاتَ الآخَرُ وَهُوَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ فَبِحَقٍّ أُخِذَ مِنْهُ كَانَ مِنْهُ التَّلَفُ‏.‏ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ ‏,‏ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَهَذِهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ‏.‏ أَحَدُهَا أَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمُقْتَصُّ وُدِيَ ‏,‏ وَإِنْ مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وُدِيَ ‏,‏ وَرُفِعَ عَنْهُ قَدْرُ جِنَايَتِهِ‏.‏ وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏,‏ كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ ‏,‏ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى‏.‏ وَقَوْلٌ آخَرُ ‏:‏ أَنَّهُ يُودَى ‏,‏ وَلاَ يُرْفَعُ عَنْهُ لِجِنَايَتِهِ شَيْءٌ

وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ ‏,‏ وطَاوُوس

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ

وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ‏,‏ وَأَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏.‏ وَقَوْلٌ ثَالِثٌ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ دِيَةَ لِلْمُقْتَصِّ مِنْهُ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرَ رضي الله عنهما وَصَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ ‏,‏ وَابْنِ سِيرِينَ ‏,‏ وَالْقَاسِمِ ‏,‏ وَسَالِمٍ ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ‏,‏ وَرَبِيعَةَ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَبِي يُوسُفَ ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الْحَقُّ فَنَتْبَعَهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ ‏:‏ أَنَّهُ يُودَى جُمْلَةً ‏,‏

فأما يُرْفَعُ عَنْهُ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِ ‏,‏

وَأَمَّا لاَ يُرْفَعُ عَنْهُ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِ‏.‏ يَقُولُونَ ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى الْقَاطِعِ ‏,‏ وَالْجَارِحِ ‏,‏ وَالْكَاسِرِ ‏,‏ وَالْفَاقِئِ ‏,‏ وَالضَّارِبِ ‏:‏ الْقَوَدَ مِمَّا فَعَلُوا فَقَطْ ‏,‏ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ قَتْلاً ‏,‏ فَدِمَاؤُهُمْ مُحَرَّمَةٌ ‏,‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْمُقْتَصَّ مِنْ شَيْءٍ مِنْ هَذَا لَوْ تَعَمَّدَ الْقَتْلَ فَلَزِمَهُ الْقَوَدُ ‏,‏ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مِمَّا فَعَلَ بِهِ بِحَقٍّ ‏,‏ فَقَدْ أُصِيبَ دَمُهُ خَطَأً ‏,‏ فَفِيهِ الدِّيَةُ‏.‏ وَقَالُوا أَيْضًا ‏:‏ إنَّ مَنْ أَدَّبَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ فِيهَا الدِّيَةُ ‏,‏ وَهُوَ إنَّمَا فَعَلَ مُبَاحًا ‏,‏ فَهَذَا الْمُقْتَصُّ مِنْهُ ‏,‏ وَإِنْ مَاتَ مِنْ مُبَاحٍ فَفِيهِ الدِّيَةُ

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَاتَيْنِ

فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَسْقَطَ الدِّيَةَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَكَانَ مِنْ حُجَّتِهِمْ أَنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّ الْقِصَاصَ مَأْمُورٌ بِهِ ‏,‏ وَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ ‏,‏ وَإِذْ أَحْسَنَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ‏}‏ وَإِذْ لاَ سَبِيلَ عَلَيْهِ فَلاَ غَرَامَةَ تَلْحَقُهُ ‏,‏ وَلاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِهِ‏.‏

وَأَمَّا قِيَاسُ الْمُقْتَصِّ عَلَى مَوْتِ امْرَأَتِهِ فَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ‏;‏ لِوَجْهَيْنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قِيَاسٌ مُمَوَّهٌ وَذَلِكَ مَنْ أَدَّبَ امْرَأَتَهُ فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا وَضَعَ الأَدَبَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْ غَيْرَ مُتَعَدٍّ‏.‏ فَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَفِيهِ الْقَوَدُ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ وَضَعَ الأَدَبَ مَوْضِعَهُ ‏,‏ فَلاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ الأَدَبِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ ‏,‏ إذْ لَمْ يُبَحْ لَهُ قَطُّ أَنْ يُؤَدِّبَهَا أَدَبًا يُمَاتُ مَعَ مِثْلِهِ ‏,‏ وَمَنْ أَدَّبَ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الأَدَبِ فَهُوَ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ ‏,‏ وَالْقَوَدُ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ أَنْ يَجْلِدَ فِي غَيْرِ حَدٍّ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ جَلَدَاتٍ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لاَ يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ قَالُوا ‏:‏ فَلَمْ يُبَحْ لَهُ فِي الْعَدَدِ أَكْثَرُ مِنْ عَشْرِ جَلَدَاتٍ ‏,‏ وَلاَ أُبِيحَ لَهُ جَلْدُهَا بِمَا يَكْسِرُ عَظْمًا ‏,‏ وَيَجْرَحُ جِلْدًا ‏,‏ أَوْ يُعَفِّنُ لَحْمًا ‏;‏ لأََنَّ كُلَّ هَذَا هُوَ غَيْرُ الْجَلْدِ ‏,‏ وَلَمْ يُبَحْ لَهُ إِلاَّ الْجَلْدُ وَحْدَهُ‏.‏ وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ عَشْرَ جَلَدَاتٍ لأَمْرَأَةٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ مَرِيضَةٍ ‏,‏ وَلاَ ضَعِيفَةٍ ‏,‏ وَلاَ صَغِيرَةٍ ‏:‏ لاَ تَجْرَحُ ‏,‏ وَلاَ تَكْسِرُ ‏,‏ وَأَنَّهُ لاَ يَمُوتُ مِنْهَا أَحَدٌ‏.‏ فَإِنْ وَافَقَتْ مَنِيَّةً فِي خِلاَلِ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ ‏:‏ فَبِأَجْلِهَا مَاتَتْ ‏,‏ وَلاَ دِيَةَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ قَوَدَ ‏,‏ لأََنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَمُتْ مِنْ فِعْلِهِ أَصْلاً‏.‏ وَإِنْ تَعَدَّى فِي الْعَدَدِ أَوْ ضَرَبَ بِمَا يَكْسِرُ ‏,‏ أَوْ يَجْرَحُ ‏,‏ أَوْ يُعَفِّنُ فَعَفَنَ ‏,‏ أَوْ جَرَحَ أَوْ كَسَرَ ‏,‏ فَالْقَوَدُ فِي كُلِّ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ ‏,‏ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا ‏,‏ أَوْ الدِّيَةُ فِيمَا لَمْ يَعْمِدْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ إنَّ الْمُقْتَصَّ مِنْهُ إنَّمَا أُبِيحَ عُضْوُهُ ‏,‏ أَوْ بَشَرَتُهُ وَلَمْ يُبَحْ دَمُهُ فَصَحَّ أَنَّهُ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ خَطَأً ‏,‏ فَفِيهِ الدِّيَةُ فَإِنَّ هَذَا قَوْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ ‏;‏ لأََنَّ الْقِصَاصَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَخْذِهِ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ ‏:‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ ‏,‏ كَقَطْعِ الْيَدِ ‏,‏ أَوْ شَقِّ الرَّأْسِ ‏,‏ أَوْ كَسْرِ الْفَخِذِ ‏,‏ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ‏.‏ أَوْ يَكُونَ مِمَّا لاَ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ ‏,‏ كَاللَّطْمَةِ ‏,‏ وَضَرْبَةِ السَّوْطِ ‏,‏ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ فَذَلِكَ الَّذِي قَصَدَ فِيهِ ‏;‏ لأََنَّهُ قَدْ تَعَدَّى بِمَا قَدْ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ يُتَعَدَّى عَلَيْهِ بِمَا قَدْ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ ‏,‏ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى ذَلِكَ بَنَى فِيهِ ‏,‏ وَعَلَى ذَلِكَ بَنَى هُوَ فِيمَا تَعَدَّى فِيهِ‏.‏ وَالْوَجْهُ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَتَعَمَّدَهُ فِيهِ ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ عُدْوَانًا ‏,‏ وَإِذْ لَيْسَ عُدْوَانًا عَلَيْهِ فَلاَ قَوَدَ ‏,‏ وَلاَ دِيَةَ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ خَطَأً ‏,‏ فَإِنْ مَاتَ مِنْ عَمْدٍ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَتَعَمَّدَهُ فِيهِ ‏,‏ وَلَمْ يُكَلِّفْنَا أَنْ لاَ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا أَهْمَلَهُ ‏,‏ وَلاَ أَغْفَلَهُ ‏,‏ وَلاَ ضَيَّعَهُ ‏,‏ فَإِذْ لَمْ يُبَيِّنْ لَنَا تَعَالَى ذَلِكَ فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرِدْهُ قَطُّ‏.‏ وَإِنْ كَانَ الَّذِي اقْتَصَّ بِهِ مِنْهُ مِمَّا لاَ يُمَاتُ مِنْهُ أَصْلاً فَوَافَقَ مَنِيَّتَهُ فَإِنَّمَا مَاتَ بِأَجَلِهِ ‏,‏ وَلَمْ يَمُتْ مِمَّا عَمِلَ بِهِ ‏,‏ لاَ قَوَدَ ‏,‏ وَلاَ دِيَةَ‏.‏ فَإِنْ تَعَمَّدَ الْمُقْتَصُّ فَتَعَدَّى عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ ‏,‏ فَهُوَ مُتَعَدٍّ ‏,‏ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا ‏,‏ وَإِنْ أَخْطَأَ فَأَتَى بِمَا لَمْ يُبَحْ لَهُ عَمَلُهُ ‏:‏ فَهُوَ خَطَأٌ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ‏,‏ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي النَّفْسِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2124 - مسألة‏:‏ من أفزعه السلطان فتلف

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ وَغَيْرِهِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ ‏:‏ أَرْسَلَ عُمَرُ إلَى امْرَأَةٍ مُغَنِّيَةٍ كَانَ يُدْخَلُ عَلَيْهَا ‏,‏ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ ‏,‏ فَقِيلَ لَهَا ‏:‏ أَجِيبِي عُمَرَ فَقَالَتْ ‏:‏ يَا وَيْلَهَا مَالَهَا وَلِعُمَرَ قَالَ ‏:‏ فَبَيْنَمَا هِيَ فِي الطَّرِيقِ فَزِعَتْ ‏,‏ فَضَمَّهَا الطَّلْقُ ‏,‏ فَدَخَلَتْ دَارًا فَأَلْقَتْ وَلَدَهَا فَصَاحَ الصَّبِيُّ صَيْحَتَيْنِ فَمَاتَ فَاسْتَشَارَ عُمَرَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ ‏:‏ أَنْ لَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ ‏,‏ إنَّمَا أَنْتَ وَالٍ ‏,‏ وَمُؤَدِّبٌ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ وَصَمَتَ عَلِيٌّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ ‏:‏ مَا تَقُولُ فَقَالَ ‏:‏ إنْ كَانُوا قَالُوا بِرَأْيِهِمْ فَقَدْ أَخْطَأَ رَأْيُهُمْ ‏,‏ وَإِنْ كَانُوا قَالُوا فِي هَوَاك فَلَمْ يَنْصَحُوا لَك ‏,‏ أَرَى أَنَّ دِيَتَهُ عَلَيْك لأََنَّكَ أَنْتَ أَفْزَعْتهَا ‏,‏ وَأَلْقَتْ وَلَدَهَا فِي سَبِيلِك ‏,‏ فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَقْسِمَ عَقْلَهُ عَلَى قُرَيْشٍ يَعْنِي ‏:‏ يَأْخُذَ عَقْلَهُ مِنْ قُرَيْشٍ ‏;‏ لأََنَّهُ أَخْطَأَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَالصَّحَابَةُ ، رضي الله عنهم ، قَدْ اخْتَلَفُوا ‏,‏ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏‏.‏ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ‏}‏ ‏,‏ ‏{‏وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَدَرَ عَلَى الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ‏.‏ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَفْتَرِضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الأَئِمَّةِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَمْرًا إنْ لَمْ يَعْمَلُوهُ عَصَوْا اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ يُؤَاخِذُهُمْ فِي ذَلِكَ وَوَجَدْنَا هَذِهِ الْمَبْعُوثُ فِيهَا ‏:‏ بُعِثَ فِيهَا بِحَقٍّ ‏,‏ وَلَمْ يُبَاشِرْ الْبَاعِثُ فِيهَا شَيْئًا أَصْلاً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ عَلَيْهِ دِيَةُ وَلَدِهَا لَوْ بَاشَرَ ضَرْبَهَا أَوْ نَطْحَهَا

وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَاشِرْ فَلَمْ يَجْنِ شَيْئًا أَصْلاً‏.‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا ‏,‏ وَبَيْنَ مَنْ رَمَى حَجَرًا إلَى الْعَدُوِّ فَفَزِعَ مِنْ هُوِيِّهِ إنْسَانٌ فَمَاتَ ‏,‏ فَهَذَا لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ

وَكَذَلِكَ مَنْ بَنَى حَائِطًا فَانْهَدَمَ ‏,‏ فَفَزِعَ إنْسَانٌ فَمَاتَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2125 - مسألة‏:‏ من سم طعاما لأنسان ‏,‏ ثم دعاه إلى أكله ‏,‏ فأكله ‏,‏ فمات

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ مَنْ سَمَّ طَعَامًا وَقَدَّمَهُ إلَى إنْسَانٍ وَقَالَ لَهُ ‏:‏ كُلْ فَأَكَلَ فَمَاتَ ‏,‏ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ ‏:‏ لَيْسَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ ‏,‏ لَكِنْ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ‏.‏ قَالَ آخَرُونَ ‏:‏ لاَ قَوَدَ فِيهِ ، وَلاَ دِيَةَ ، وَلاَ كَفَّارَةَ ‏,‏ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ ضَمَانُ الطَّعَامِ الَّذِي أَفْسَدَ إنْ كَانَ لِغَيْرِهِ وَالأَدَبُ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ إيَّاهُ ‏:‏ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ

وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي إيجَارِهِ إيَّاهُ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ يَقْتُلُ ‏:‏ أَنَّ فِيهِ الْقَوَدَ وَلَهُ فِي إذَا لَمْ يُؤَجِّرْهُ إيَّاهُ قَوْلاَنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا ‏:‏ كَقَوْلِ مَالِكٍ ‏,‏ وَالآخَرُ ‏:‏ كَقَوْلِ أَصْحَابِنَا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لَعَلَّ فِي ذَلِكَ سُنَّةً جَرَتْ فَوَجَدْنَا‏.‏ مَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ‏"‏ ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أُمَّ مُبَشِّرٍ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ‏:‏ مَا نَتَّهِمُ بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏,‏ فَإِنِّي لاَ أَتَّهِمُ بِابْنِي إِلاَّ الشَّاةَ الْمَسْمُومَةَ الَّتِي أَكَلَ مَعَكَ بِخَيْبَرَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا لاَ أَتَّهِمُ بِنَفْسِي إِلاَّ ذَلِكَ فَهَذَا أَوَانُ قَطْعِ أَبْهِرِي‏.‏ قَالَ أَبُو دَاوُد ‏:‏ وَرُبَّمَا حَدَّثَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُرْسَلاً عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُبَّمَا حَدَّثَ بِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ‏:‏ أَنَّ مَعْمَرًا كَانَ يُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مَرَّةً مُرْسَلاً فَيَكْتُبُونَهُ ‏,‏ وَيُحَدِّثُهُمْ مَرَّةً فَيُسْنِدُهُ فَيَكْتُبُونَهُ ‏,‏ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَسْنَدَ لَهُ مَعْمَرٌ أَحَادِيثَ كَانَ يُوقِفُهَا‏.‏ وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا رَبَاحٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ مُبَشِّرٍ قَالَ ‏:‏ دَخَلْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ مَخْلَدِ بْنِ خَالِدٍ ‏,‏ قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ‏:‏ هَكَذَا قَالَ عَنْ أُمِّهِ ‏,‏ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ عَنْ أَبِيهِ‏.‏

وبه إلى أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْمَهْرِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ‏:‏ كَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّ يَهُودِيَّةً مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ سَمَّتْ شَاةً ‏,‏ ثُمَّ سَاقَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا وَفِيهَا ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا ‏:‏ أَسَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاةَ قَالَتْ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ فَعَفَا عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُعَاقِبْهَا ‏,‏ وَتُوُفِّيَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَكَلُوا مِنْ الشَّاةِ‏.‏ وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانِ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْيَهُودِ أَهْدَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَسْمُومَةً‏.‏ وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَدِيٍّ ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا ‏,‏ فَجِيءَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ ‏:‏ أَرَدْتُ لأََقْتُلكَ قَالَ ‏:‏ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطكِ عَلَى ذَلِكَ ‏,‏ أَوْ قَالَ عَلَيَّ ‏,‏ فَقَالُوا ‏:‏ أَلاَ تَقْتُلُهَا قَالَ ‏:‏ لاَ‏.‏ قَالَ أَنَسٌ ‏:‏ فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهْوَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَجَاءَتْ هَذِهِ الآثَارُ الصِّحَاحُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّتْ لَهُ الْيَهُودِيَّةُ لَعَنَهَا اللَّهُ شَاةً وَأَهْدَتْهَا لَهُ مُرِيدَةً بِذَلِكَ قَتْلَهُ ‏,‏ فَأَكَلَ مِنْهَا عليه السلام وَقَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَمَاتُوا مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلاَ تَقْتُلُهَا قَالَ ‏:‏ لاَ فَكَانَتْ هَذِهِ حُجَّةً قَاطِعَةً ‏,‏ وَأَنْ لاَ قَوَدَ عَلَى مَنْ سَمَّ طَعَامًا لأََحَدٍ مُرِيدًا قَتْلَهُ فَأَطْعَمَهُ إيَّاهُ فَمَاتَ مِنْهُ ، وَلاَ دِيَةَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُبْطِلَ دَمَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ وَجَبَ فِيهِ قَوَدٌ وَدِيَةٌ

فَنَظَرْنَا ‏:‏ هَلْ لِلطَّائِفَةِ الْأُخْرَى اعْتِرَاضٌ أَمْ لاَ فَوَجَدْنَا ‏:‏ مَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ ، وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ‏.‏ قَالَ أَبُو دَاوُد ‏:‏ وَحَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ‏,‏ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ ، وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ زَادَ فَأَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً سَمَّتْهَا فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا ‏,‏ وَأَكَلَ الْقَوْمُ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ ‏,‏ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْنِي ‏:‏ أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الأَنْصَارِيُّ ‏,‏ فَأَرْسَلَ إلَى الْيَهُودِيَّةِ ‏:‏ مَا حَمَلَكِ عَلَى الَّذِي صَنَعْتِ قَالَتْ ‏:‏ إنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرّكَ ‏,‏ وَإِنْ كُنْتَ مَلِكًا أَرَحْتَ النَّاسَ مَعَكَ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَتْ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ ‏:‏ فَمَا زِلْتُ أَجِدُ مِنْ الأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ ‏,‏ فَهَذَا أَوَانُ قَطْعِ أَبْهَرِي‏.‏ وَمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ، حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ نُعْمَانَ لَقِيتُهُ بِقَيْرَوَانَ إفْرِيقِيَّةَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْبَزَّازُ أَوْ الْبَزَّارُ شَكَّ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهَا يَعْنِي ‏:‏ الَّتِي سَمَّتْهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي الرِّوَايَةِ فَوَجَدْنَاهَا مَعْلُولَةً ‏:‏ أَمَّا رِوَايَةُ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ ‏,‏ فَإِنَّهَا مُرْسَلَةٌ ‏,‏ وَلَمْ يُسْنِدْ مِنْهَا وَهْبٌ فِي الْمَرَّةِ الَّتِي أَسْنَدَ إِلاَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ ، وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ‏,‏ فَقَطْ‏.‏

وَأَمَّا سَائِرُ الْخَبَرِ ‏,‏ فَإِنَّهُ أَرْسَلَهُ ، وَلاَ مَزِيدَ هَكَذَا فِي نَصِّ الْخَبَرِ الَّذِي أَوْرَدْنَا لِمَا انْتَهَى إلَى آخِرِ لَفْظِهِ ، وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَزَادَ فَأَتَى بِخَبَرِ الشَّاةِ مُرْسَلاً فَقَطْ ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ‏.‏

وَأَمَّا رِوَايَةُ قَاسِمٍ ‏,‏ فَإِنَّهَا عَنْ رِجَالٍ مَجْهُولِينَ ‏:‏ ابْنِ نُعْمَانَ الْقَيْرَوَانِيِّ لاَ نَعْرِفُهُ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْبَزَّازُ كَذَلِكَ وَأَبُو هَمَّامٍ كَثِيرٌ لاَ نَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ وَسَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ يَرْوِي مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ مُسْنَدًا إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْرِضْ لِلْيَهُودِيَّةِ الَّتِي سَمَّتْهُ وَهَذَا الْقَيْرَوَانِيُّ يَرْوِي مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَتَلَهَا ‏,‏ فَسَقَطَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ جُمْلَةً ‏;‏ لِجَهَالَةِ نَاقِلِيهَا‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ ‏;‏ لأََنَّهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا أَوْرَدْنَا ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْرِضْ لَهَا ‏,‏ وَكَانَتْ الرِّوَايَةُ لَوْ صَحَّتْ وَهِيَ لاَ تَصِحُّ مُضْطَرِبَةً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏:‏ مَرَّةً أَنَّهُ قَتَلَهَا ‏,‏ وَمَرَّةً أَنَّهُ لَمْ يَعْرِضْ لَهَا فَلَوْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَتَلَهَا ‏,‏ كَمَا قَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏:‏ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَعْرِضْ لَهَا ‏,‏ لَكَانَ الْكَلاَمُ فِي ذَلِكَ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلاَثَةٍ أَوْجُهٍ لاَ رَابِعَ لَهَا ‏:‏ إمَّا أَنْ تُتْرَكَ الرِّوَايَتَانِ مَعًا لِتَعَارُضِهِمَا ‏;‏ وَلأََنَّ إحْدَاهُمَا وَهْمٌ ‏,‏ بِلاَ شَكٍّ ‏;‏ لأََنَّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ ‏,‏ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ‏,‏ فِي سَبَبٍ وَاحِدٍ ‏,‏ وَيَرْجِعُ إلَى رِوَايَةِ مَنْ لَمْ يَضْطَرِبْ عَنْهُ ‏,‏ وَهُمَا ‏:‏ جَابِرٌ وَأَنَسٌ ‏,‏ اللَّذَانِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَقْتُلْهَا فَهَذَا وَجْهٌ‏.‏ وَالْوَجْهُ الثَّانِي ‏:‏ وَهُوَ أَنْ تَصِحَّ الرِّوَايَتَانِ مَعًا فَيَكُونَ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَقْتُلْهَا إذْ سَمَّتْهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا سَمَّتْهُ ‏,‏ فَتَصِحُّ هَذِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏,‏ وَتَكُونُ مُوَافِقَةً لِرِوَايَةِ جَابِرٍ ‏,‏ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏,‏ وَيَكُونُ عليه الصلاة والسلام قَتَلَهَا لأََمْرٍ آخَرَ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ‏.‏ أَوْ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى وَجْهٍ ثَالِثٍ وَهُوَ أَصَحُّ الْوُجُوهِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه‏:‏ قَتَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ ‏:‏ لَمْ يَعْرِضْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمَا جَمِيعًا لَفْظُ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏,‏ لاَ يَبْعُدُ الْوَهْمُ عَنْ الصَّاحِبِ‏.‏ وَحَدِيثُ أَنَسٍ هُوَ لَفْظُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ‏,‏ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ‏,‏ وَلاَ يُقِرُّهُ رَبُّهُ تَعَالَى عَلَى الْوَهْمِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى الْخَطَأِ فِي الدِّينِ أَصْلاً وَهَذَا أَنَّ إنْسَانًا ذَكَرَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَقْتُلُهَا فَقَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ فَهَذَا هُوَ الْمُغَلَّبُ الْمَحْكُومُ بِهِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ

فَصَحَّ أَنَّ مَنْ أَطْعَمَ آخَرَ سُمًّا فَمَاتَ مِنْهُ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَلاَ دِيَةَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ فِيهِ شَيْئًا أَصْلاً ‏,‏ بَلْ الْمَيِّتُ هُوَ الْمُبَاشِرُ فِي نَفْسِهِ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ غَرَّ آخَرَ يُورِي لَهُ طَرِيقًا أَوْ دَعَاهُ إلَى مَكَان فِيهِ أَسَدٌ فَقَتَلَهُ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ الْخَبَرُ ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى الَّتِي سَمَّتْهُ وَأَصْحَابَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ بَعْضُهُمْ ‏:‏ قَوَدًا ، وَلاَ دِيَةً فَبَطَلَ النَّظَرُ مَعَ هَذَا النَّصِّ‏.‏ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ سَمَّ طَعَامًا لأَخَرَ ‏,‏ فَأَكَلَهُ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ فَمَاتَ أَنَّهُ قَتَلَهُ ‏,‏ إِلاَّ مَجَازًا لاَ حَقِيقَةً ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُ ‏"‏ قَاتِلٌ ‏"‏ وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُ هَذَا الْعَوَامُّ ‏,‏ وَلَيْسَ الْحُجَّةُ إِلاَّ فِي اللُّغَةِ ‏,‏ وَفِي الشَّرِيعَةِ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا إذَا أَكْرَهَهُ وَأَوْجَرَهُ السُّمَّ ‏,‏ أَوْ أَمَرَ مَنْ يُوجِرُهُ ‏:‏ فَهُوَ قَاتِلٌ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَمُبَاشِرٌ لِقَتْلِهِ ‏,‏ وَيُسَمَّى ‏"‏ قَاتِلاً ‏"‏ فِي اللُّغَةِ ‏,‏ وَفِي الأَثَرِ ‏:‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا مُخَلَّدًا أَبَدًا ‏,‏ وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ‏,‏ مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ‏,‏ وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا مُخَلَّدًا أَبَدًا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَرِبَ السُّمَّ لِيَمُوتَ بِهِ ‏"‏ قَاتِلاً لِنَفْسِهِ ‏"‏ ‏:‏ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ ‏,‏ وَظَهَرَ خَطَأُ مَنْ أَسْقَطَ هَاهُنَا الْقَوَدَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏