فصل: 40 - مَسْأَلَةٌ : وَالْحَسَنَاتُ تُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ بِالْمُوَازَنَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


بسم الله الرحمن الرحيم

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ رضي الله عنه‏:‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏,‏ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ‏,‏ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُصْحِبَنَا الْعِصْمَةَ مِنْ كُلِّ خَطَإٍ وَزَلَلٍ ‏,‏ وَيُوَفِّقَنَا لِلصَّوَابِ فِي كُلِّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ‏.‏ آمِينَ آمِينَ‏.‏

أَمَّا بَعْدُ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِطَاعَتِهِ ‏,‏ فَإِنَّكُمْ رَغِبْتُمْ أَنْ نَعْمَلَ لِلْمَسَائِلِ الْمُخْتَصَرَةِ الَّتِي جَمَعْنَاهَا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ ‏"‏ بِالْمُحَلَّى ‏"‏ شَرْحًا مُخْتَصَرًا أَيْضًا ‏,‏ نَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى قَوَاعِدِ الْبَرَاهِينِ بِغَيْرِ إكْثَارٍ ‏,‏ لِيَكُونَ مَأْخَذُهُ سَهْلاً عَلَى الطَّالِبِ وَالْمُبْتَدِئِ ‏,‏ وَدَرَجًا لَهُ إلَى التَّبَحُّرِ فِي الْحِجَاجِ وَمَعْرِفَةِ الاِخْتِلاَفِ وَتَصْحِيحِ الدَّلاَئِلِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِمَّا تَنَازَعَ النَّاسُ فِيهِ وَالإِشْرَافِ عَلَى أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَالْوُقُوفِ عَلَى جَمْهَرَةِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَمْيِيزِهَا مِمَّا لَمْ يَصِحَّ ‏,‏ وَالْوُقُوفِ عَلَى الثِّقَاتِ مِنْ رُوَاةِ الأَخْبَارِ وَتَمْيِيزِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى فَسَادِ الْقِيَاسِ وَتَنَاقُضِهِ وَتَنَاقُضِ الْقَائِلِينَ بِهِ ‏,‏ فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَمَلِ ذَلِكَ ‏,‏ وَاسْتَعَنْته تَعَالَى عَلَى الْهِدَايَةِ إلَى نَصْرِ الْحَقِّ ‏,‏ وَسَأَلْته التَّأْيِيدَ عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ وَتَقْرِيبِهِ‏,‏ وَأَنْ يَجْعَلَهُ لِوَجْهِهِ خَالِصًا وَفِيهِ مَحْضًا آمِينَ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَلْيَعْلَمْ مَنْ قَرَأَ كِتَابَنَا هَذَا أَنَّنَا لَمْ نَحْتَجَّ إلاَّ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ مُسْنَدٍ ، وَلاَ خَالَفْنَا إلاَّ خَبَرًا ضَعِيفًا فَبَيَّنَّا ضَعْفَهُ ‏,‏ أَوْ مَنْسُوخًا فَأَوْضَحْنَا نَسْخَهُ‏.‏ وَمَا تَوْفِيقُنَا إلاَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى‏.‏

* * *

التَّوْحِيدِ

1 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ أَوَّلُ مَا يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ ، وَلاَ يَصِحُّ الإِسْلاَمُ إلاَّ بِهِ أَنْ يَعْلَمَ الْمَرْءُ بِقَلْبِهِ عِلْمَ يَقِينٍ وَإِخْلاَصٍ لاَ يَكُونُ لِشَيْءٍ مِنْ الشَّكِّ فِيهِ أَثَرٌ وَيَنْطِقَ بِلِسَانِهِ ، وَلاَ بُدَّ بِأَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ ‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حدثنا رَوْحٌ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ ‏,‏ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى هَذَا مُسْنَدًا مُعَاذٌ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُم‏.‏ْ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ‏}

وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ‏.‏

وَأَمَّا وُجُوبُ عَقْدِ ذَلِكَ بِالْقَلْبِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏‏.‏ وَالإِخْلاَصُ فِعْلُ النَّفْسِ‏.‏

وَأَمَّا وُجُوبُ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ ‏,‏ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ الْمُخْرِجَةُ لِلدَّمِ وَالْمَالِ مِنْ التَّحْلِيلِ إلَى التَّحْرِيمِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَكُونُ إلاَّ بِاللِّسَانِ ضَرُورَةً‏.‏

2 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ ‏:‏ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إلَهُ كُلِّ شَيْءٍ دُونَهُ ‏,‏ وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ دُونَهُ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّ الْعَالَمَ بِكُلِّ مَا فِيهِ ذُو زَمَانٍ لَمْ يَنْفَكَّ عَنْهُ قَطُّ ‏,‏ وَلاَ يُتَوَهَّمُ ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْلُوَ الْعَالَمُ عَنْ زَمَانٍ‏.‏

وَمَعْنَى الزَّمَانِ هُوَ مُدَّةُ بَقَاءِ الْجِسْمِ مُتَحَرِّكًا أَوْ سَاكِنًا وَمُدَّةُ وُجُودِ الْعَرَضِ فِي الْجِسْمِ ‏,‏ وَإِذْ الزَّمَانُ مُدَّةٌ كَمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ عَدَدٌ مَعْدُودٌ ‏,‏ وَيَزِيدُ بِمُرُورِهِ وَدَوَامِهِ ‏,‏ وَالزِّيَادَةُ لاَ تَكُونُ أَلْبَتَّةَ إلاَّ فِي ذِي مَبْدَأٍ وَنِهَايَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى مَا زَادَ فِيهِ‏.‏ وَالْعَدَدُ أَيْضًا ذُو مَبْدَأٍ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَالزَّمَانُ مُرَكَّبٌ بِلاَ شَكٍّ مِنْ أَجْزَائِهِ ‏,‏ وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ فَهُوَ بِيَقِينٍ ذُو نِهَايَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَمُنْتَهَاهُ وَالْكُلُّ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا غَيْرَ أَجْزَائِهِ ‏,‏ وَأَجْزَاؤُهُ كُلُّهَا ذَاتُ مَبْدَأٍ ‏,‏ فَهُوَ كُلُّهُ ذُو مَبْدَأٍ ضَرُورَةً ‏,‏ فَلَمَّا كَانَ الزَّمَانُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ مَبْدَأٍ ضَرُورَةً ‏,‏ وَكَانَ الْعَالَمُ كُلُّهُ لاَ يَنْفَكُّ عَنْ زَمَانٍ وَالزَّمَانُ ذُو مَبْدَأٍ ‏,‏ فَمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَا الْمَبْدَأِ فَهُوَ ذُو مَبْدَأٍ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ فَالْعَالَمُ كُلُّهُ جَوْهَرُهُ وَعَرَضُهُ ذُو مَبْدَأٍ وَإِذْ هُوَ ذُو مَبْدَأٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ ‏,‏ وَالْمُحْدَثُ يَقْتَضِي مُحْدِثًا ضَرُورَةً إذْ لاَ يُتَوَهَّمُ أَصْلاً ، وَلاَ يُمْكِنُ مُحْدَثٌ إلاَّ وَلَهُ مُحْدِثٌ ‏,‏ فَالْعَالَمُ كُلُّهُ مَخْلُوقٌ وَلَهُ خَالِقٌ لَمْ يَزَلْ ‏,‏ وَهُوَ مَلِكُ كُلِّ مَا خَلَقَ ‏,‏ فَهُوَ إلَهُ كُلِّ مَا خَلَقَ وَمُخْتَرِعُهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ‏.‏

3 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

قال أبو محمد ‏:‏ هُوَ اللَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ ‏,‏ وَأَنَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ ، وَلاَ يَزَالُ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ مَخْلُوقٌ ، وَأَنَّ لَهُ خَالِقًا وَجَبَ أَنْ لَوْ كَانَ الْخَالِقُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَرَهُمَا الْعَدَدُ ‏,‏ وَكُلُّ مَعْدُودٍ فَذُو نِهَايَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا ‏,‏ وَكُلُّ ذِي نِهَايَةٍ فَمُحْدَثٌ‏.‏

وَأَيْضًا فَكُلُّ اثْنَيْنِ فَهُمَا غَيْرَانِ ‏,‏ وَكُلُّ غِيَرَيْنِ فَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَعْنًى مَا صَارَ بِهِ غَيْرَ الآخَرِ ‏,‏ فَعَلَى هَذَا كَانَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا ، وَلاَ بُدَّ مُرَكَّبًا مِنْ ذَاتِهِ وَمِمَّا غَايَرَ بِهِ الآخَرَ ‏,‏ وَإِذَا كَانَ مُرَكَّبًا فَهُوَ مَخْلُوقٌ مُدَبَّرٌ فَبَطَلَ كُلُّ ذَلِكَ وَعَادَ الأَمْرُ إلَى وُجُوبِ أَنَّهُ وَاحِدٌ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَأَنَّهُ بِخِلاَفِ خَلْقِهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ ‏,‏ وَالْخَلْقُ كَثِيرٌ مُحْدَثٌ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى بِخِلاَفِ ذَلِكَ ‏,‏ وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ ‏,‏ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏‏.‏

4 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ لِغَيْرِ عِلَّةٍ أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُقَ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا فَعَلَ لِعِلَّةٍ لَكَانَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ إمَّا لَمْ تَزَلْ مَعَهُ‏.‏

وَأَمَّا مَخْلُوقَةً مُحْدَثَةً ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ ‏,‏ فَلَوْ كَانَتْ لَمْ تَزَلْ مَعَهُ لَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَانِ مُمْتَنِعَانِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعَهُ تَعَالَى غَيْرَهُ لَمْ يَزَلْ ‏,‏ فَكَانَ يُبْطِلُ التَّوْحِيدَ الَّذِي قَدْ أَبَنَّا بُرْهَانَهُ آنِفًا‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ إذْ كَانَتْ عِلَّةُ الْخَلْقِ لَمْ تَزَلْ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ لَمْ يَزَلْ ‏,‏ لاَِنَّ الْعِلَّةَ لاَ تُفَارِقُ الْمَعْلُولَ ‏,‏ وَلَوْ فَارَقَتْهُ لَمْ تَكُنْ عِلَّةً لَهُ ‏,‏ وَقَدْ أَوْضَحْنَا آنِفًا بُرْهَانَ وُجُوبِ حُدُوثِ الْعَالَمِ كُلِّهِ‏.‏

وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ هَهُنَا عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَ لَكَانَ مُضْطَرًّا مَطْبُوعًا أَوْ مُدَبِّرًا مَقْهُورًا لِتِلْكَ الْعِلَّةِ ‏,‏ وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الإِلَهِيَّةِ ‏,‏ وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مُحْدَثَةً لَكَانَتْ ، وَلاَ بُدَّ إمَّا مَخْلُوقَةً لَهُ تَعَالَى‏.‏

وَأَمَّا غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ فَقَدْ أَوْضَحْنَا آنِفًا وُجُوبَ كَوْنِ كُلِّ شَيْءٍ مُحْدَثٍ مَخْلُوقًا ‏,‏ فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ‏.‏ وَإِنْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً وَجَبَ ، وَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً لِعِلَّةٍ أُخْرَى أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ ‏,‏ فَإِنْ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً لِعِلَّةٍ أُخْرَى وَجَبَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا أَبَدًا ‏,‏ وَهَذَا يُوجِبُ وُجُوبَ مُحْدِثِينَ لاَ نِهَايَةَ لِعَدَدِهِمْ‏.‏ وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَبِأَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ إلَى الْفِعْلِ فَقَدْ حَصَرَهُ الْعَدَدُ ضَرُورَةً بِمِسَاحَتِهِ أَوْ بِزَمَانِهِ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَكُلُّ مَا حَصَرَهُ الْعَدَدُ فَهُوَ مُتَنَاهٍ‏.‏ فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا وَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ‏.‏

وَإِنْ قَالُوا ‏:‏ بَلْ خُلِقَتْ الْعِلَّةُ لاَ لِعِلَّةٍ‏.‏ سَأَلُوا ‏:‏ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَخْلُقَ الأَشْيَاءَ لِعِلَّةٍ وَيَخْلُقَ الْعِلَّةَ لاَ لِعِلَّةٍ ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ‏.‏

5 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ النَّفْسَ مَخْلُوقَةٌ‏.‏

بُرْهَانُ هَذَا ‏:‏ أَنَّنَا نَجِدُ الْجِسْمَ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ لاَ يَحُسُّ شَيْئًا ، وَأَنَّ الْمَرْءَ إذَا فَكَّرَ فِي شَيْءٍ مَا فَإِنَّهُ كُلَّمَا تَخَلَّى عَنْ الْجَسَدِ كَانَ أَصَحَّ لِفَهْمِهِ وَأَقْوَى لاِِدْرَاكِهِ ‏,‏ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْحَسَّاسَ الْعَالِمَ الذَّاكِرَ هُوَ شَيْءٌ غَيْرُ الْجَسَدِ وَنَجِدُ الْجَسَدَ إذَا تَخَلَّى مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَوْجُودًا بِكُلِّ أَعْضَائِهِ ، وَلاَ حِسَّ لَهُ ، وَلاَ فَهْمَ إمَّا بِمَوْتٍ ، وَإِمَّا بِإِغْمَاءٍ ، وَإِمَّا بِنَوْمٍ‏.‏فَصَحَّ أَنَّ الْحَسَّاسَ الذَّاكِرَ هُوَ غَيْرُ الْجَسَدِ ‏,‏ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي اللُّغَةِ نَفْسًا وَرُوحًا ‏,‏

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ فَكَانَتْ النُّفُوسُ كَمَا نَصَّ تَعَالَى كَثِيرَةً ‏,‏

وَكَذَلِكَ وَجَدْنَاهَا نَفْسًا خَبِيثَةً وَأُخْرَى طَيِّبَةً ‏,‏ وَنَفْسًا ذَاتَ شَجَاعَةٍ وَأُخْرَى ذَاتَ جُبْنٍ ‏,‏ وَأُخْرَى عَالِمَةً وَأُخْرَى جَاهِلَةً‏.‏

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ لِكُلِّ حَيٍّ نَفْسًا غَيْرَ نَفْسِ غَيْرِهِ ‏,‏ فَإِذَا تَيَقَّنَ ذَلِكَ وَكَانَتْ النُّفُوسُ كَثِيرَةً مُرَكَّبَةً مِنْ جَوْهَرِهَا وَصِفَاتِهَا ‏,‏ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِ ‏,‏ وَهِيَ مَا لَمْ يَنْفَكَّ قَطُّ مِنْ زَمَانٍ وَعَدَدٍ فَهِيَ مُحْدَثَةٌ مُرَكَّبَةٌ ‏,‏ وَكُلُّ مُحْدَثٍ مُرَكَّبٍ مَخْلُوقٌ‏.‏ وَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِمَّا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ مَخْلُوقٍ فَقَدْ خَالَفَ اللَّهَ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ وَخَالَفَ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَمَا قَامَ بِهِ الْبُرْهَانُ الْعَقْلِيُّ‏.‏

6 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَهِيَ الرُّوحُ نَفْسُهُ ‏,‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّهُ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ كَمَا ذَكَرْنَا بِأَنَّ هَهُنَا شَيْئًا مُدَبِّرًا لِلْجَسَدِ هِيَ الْحَيُّ الْحَسَّاسُ الْمُخَاطَبُ ‏,‏ وَلَمْ يَقُمْ بُرْهَانٌ قَطُّ بِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ ‏,‏ فَكَانَ مَنْ زَعَمَ بِأَنَّ الرُّوحَ غَيْرُ النَّفْسِ قَدْ زَعَمَ بِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ وَقَالَ مَا لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِصِحَّتِهِ ‏,‏ وَهَذَا بَاطِلٌ‏.‏

قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ فَمَنْ لاَ بُرْهَانَ لَهُ فَلَيْسَ صَادِقًا‏.‏فَصَحَّ أَنَّ النَّفْسَ وَالرُّوحَ اسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلاَلٍ ‏:‏ اكْلأْ لَنَا اللَّيْلَ فَغَلَبَتْ بِلاَلاً عَيْنَاهُ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلاَ بِلاَلٌ ، وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمْ الشَّمْسُ ‏,‏ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَهُمْ اسْتِيقَاظًا فَقَالَ ‏:‏ يَا بِلاَلُ فَقَالَ ‏:‏ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏‏.‏

وحدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ هُوَ الْجَهْضَمِيُّ ، حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، حدثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ ، حدثنا خَالِدُ بْنُ سُمَيْرٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ حَدَّثَنِي أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَ فِيهِ نَوْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ ‏,‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ أَلاَ إنَّا نَحْمَدُ اللَّهَ أَنَّا لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا يَشْغَلُنَا عَنْ صَلاَتِنَا ‏,‏ وَلَكِنَّ أَرْوَاحَنَا كَانَتْ بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَرْسَلَهَا أَنَّى شَاءَ فَعَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَنْفُسِ وَبِالأَرْوَاحِ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ ‏,‏ وَلاَ يَثْبُتُ عَنْهُ عليه السلام فِي هَذَا الْبَابِ خِلاَفٌ لِهَذَا أَصْلاً‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ‏.‏

7 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَالْعَرْشُ مَخْلُوقٌ ‏;‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ‏}‏ وَكُلُّ مَا كَانَ مَرْبُوبًا فَهُوَ مَخْلُوقٌ‏.‏

8 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَلاَ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ‏.‏ قَدْ مَضَى الْكَلاَمُ فِي هَذَا ‏,‏ وَلَوْ تَمَثَّلَ تَعَالَى فِي صُورَةِ شَيْءٍ لَكَانَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ مِثْلاً لَهُ وَهُوَ تَعَالَى يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}‏‏.‏

9 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ النُّبُوَّةَ حَقٌّ ‏;‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّ مَا غَابَ عَنَّا أَوْ كَانَ قَبْلَنَا فَلاَ يُعْرَفُ إلاَّ بِالْخَبَرِ عَنْهُ‏.‏ وَخَبَرُ التَّوَاتُرِ يُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَلَوْ دَخَلَتْ فِي نَقْلِ التَّوَاتُرِ دَاخِلَةٌ أَوْ شَكٌّ لَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ الشَّكُّ هَلْ كَانَ قَبْلَنَا خَلْقٌ أَمْ لاَ ‏;‏ إذْ لَمْ نَعْرِفْ كَوْنَ الْخَلْقِ مَوْجُودًا قَبْلَنَا إلاَّ بِالْخَبَرِ ‏,‏ وَمَنْ بَلَغَ هَهُنَا فَقَدْ فَارَقَ الْمَعْقُولَ وَبِنَقْلِ التَّوَاتُرِ الْمَذْكُورِ صَحَّ أَنَّ قَوْمًا مِنْ النَّاسِ أَتَوْا أَهْلَ زَمَانِهِمْ يَذْكُرُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ الْخَلْقِ أَوْحَى إلَيْهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِإِنْذَارِ قَوْمِهِمْ بِأَوَامِرَ أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهَا ‏,‏ فَسَأَلُوا بُرْهَانًا عَلَى صِحَّةِ مَا قَالُوا ‏:‏ فَأَتَوْا بِأَعْمَالٍ هِيَ خِلاَفٌ لِطَبَائِعِ مَا فِي الْعَالَمِ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا مَخْلُوقٌ ‏,‏ حَاشَا خَالِقَهَا الَّذِي ابْتَدَعَهَا كَمَا شَاءَ ‏,‏ كَقَلْبِ عَصًا حَيَّةً تَسْعَى ‏,‏ وَشَقِّ الْبَحْرِ لِعَسْكَرٍ جَازُوا فِيهِ وَغَرِقَ مَنْ اتَّبَعَهُمْ ‏;‏ وَكَإِحْيَاءِ مَيِّتٍ قَدْ صَحَّ مَوْتُهُ ‏,‏ وَكَإِبْرَاءِ أَكْمَهٍ وُلِدَ أَعْمَى ‏,‏ وَكَنَاقَةٍ خَرَجَتْ مِنْ صَخْرَةٍ ‏,‏ وَكَإِنْسَانٍ رُمِيَ فِي النَّارِ فَلَمْ يَحْتَرِقْ ‏,‏ وَكَإِشْبَاعِ عَشَرَاتٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ ‏,‏ وَكَنَبَعَانِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ إنْسَانٍ حَتَّى رُوِيَ الْعَسْكَرُ كُلُّهُ‏.‏ فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَهِدَ لَهُمْ بِمَا أَظْهَرَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَصِحْ مَا أَتَوْا بِهِ عَنْهُ وَأَنَّهُ تَعَالَى صَدَّقَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ‏.‏

10 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولُ اللَّهِ إلَى جَمِيعِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ ‏,‏ كَافِرِهِمْ وَمُؤْمِنِهِمْ ‏,‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّهُ عليه السلام أَتَى بِهَذَا الْقُرْآنِ الْمَنْقُولِ إلَيْنَا بِأَتَمِّ مَا يَكُونُ مِنْ نَقْلِ التَّوَاتُرِ ‏,‏ وَأَنَّهُ دَعَا مَنْ خَالَفَهُ إلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ فَعَجَزُوا كُلُّهُمْ عَنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَأَنَّهُ شُقَّ لَهُ الْقَمَرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ‏}‏‏.‏ وَحَنَّ الْجِذْعُ إذْ فَقَدَهُ حَنِينًا سَمِعَهُ كُلُّ مَنْ حَضَرَهُ ‏,‏ وَهُمْ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ ‏;‏ وَدَعَا الْيَهُودَ إلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ ‏;‏ وَأَخْبَر هُمْ أَنَّهُمْ لاَ يَتَمَنَّوْنَهُ فَعَجَزُوا كُلُّهُمْ عَنْ تَمَنِّيهِ جِهَارًا‏.‏ وَدَعَا النَّصَارَى إلَى مُبَاهَلَتِهِ فَأَبَوَا كُلُّهُمْ‏.‏ وَهَذَانِ الْبُرْهَانَانِ مَذْكُورَانِ جَمِيعًا فِي نَصِّ الْقُرْآنِ ‏,‏ كَمَا ذُكِرَ فِيهِ تَعْجِيزَهُ جَمِيعَ الْعَرَبِ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ أَوَّلَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ ‏;‏ وَنَبَعَ لَهُمْ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ ‏,‏ وَأَطْعَمَ مِئِينَ مِنْ النَّاسِ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ وَجَدْيٍ ‏,‏ وَأَذْعَنَ مُلُوكُ الْيَمَنِ وَالْبَحْرَيْنِ وَعُمَانَ لاَِمْرِهِ لِلآيَاتِ الَّتِي صَحَّتْ عِنْدَهُمْ عَنْهُ ‏,‏ فَنَزَلُوا عَنْ مُلْكِهِمْ كُلِّهِمْ طَوْعًا دُونَ رَهْبَةٍ أَصْلاً ‏,‏ وَلاَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَغْزُوَهُمْ ، وَلاَ بِرَغْبَةٍ رَغَّبَهُمْ بِهَا ‏,‏ بَلْ كَانَ يَتِيمًا فَقِيرًا‏.‏ وَهُنَاكَ قَوْمٌ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ كَصَاحِبِ صَنْعَاءَ وَكَصَاحِبِ الْيَمَامَةِ ‏,‏ كِلاَهُمَا أَقْوَى جَيْشًا وَأَوْسَعُ مِنْهُ بِلاَدًا ‏,‏ فَمَا الْتَفَتَ لَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُ قَوْمِهِمَا ‏,‏ وَكَانَ هُوَ أَضْعَفَهُمْ جُنْدًا وَأَضْعَفَهُمْ بَلَدًا وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ بِلاَدِ الْمُلُوكِ دَارًا ‏,‏ فَدَعَا الْمُلُوكَ وَالْفُرْسَانَ الَّذِينَ قَدْ مَلَئُوا جَزِيرَةَ الْعَرَبِ وَهِيَ نَحْوُ شَهْرَيْنِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ إلَى إقَامَةِ الصَّلاَةِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَإِسْقَاطِ الْفَخْرِ وَالتَّجَبُّرِ ‏,‏ وَالْتِزَامِ التَّوَاضُعِ وَالصَّبْرِ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا مِنْ كُلِّ حَقِيرٍ أَوْ رَفِيعٍ دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَالٌ ، وَلاَ عَشِيرَةٌ تَنْصُرُهُ ‏,‏ بَلْ اتَّبَعَهُ كُلُّ مَنْ اتَّبَعَهُ مُذْعِنًا لِمَا بَهَرَهُمْ مِنْ آيَاتِهِ ‏;‏ وَلَمْ يَأْخُذْ قَطُّ بَلْدَةً عَنْوَةً وَغَلَبَةً إلاَّ خَيْبَرَ وَمَكَّةَ فَقَطْ وَفِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعًا

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ‏}‏‏.‏

11 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

نَسَخَ عَزَّ وَجَلَّ بِمِلَّتِهِ كُلَّ مِلَّةٍ وَأَلْزَمَ أَهْلَ الأَرْضِ جِنَّهُمْ وَإِنْسَهُمْ اتِّبَاعَ شَرِيعَتِهِ الَّتِي بَعَثَهُ بِهَا ، وَلاَ يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهَا ‏;‏ وَأَنَّهُ عليه السلام خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ ‏;‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ‏}‏‏.‏

حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ ‏,‏ فَجَزَعَ النَّاسُ فَقَالَ ‏:‏ قَدْ بَقِيَتْ مُبَشِّرَاتٌ وَهُنَّ جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ‏.‏

12 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

إلاَّ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام سَيَنْزِلُ وَقَدْ كَانَ قَبْلَهُ عليه السلام أَنْبِيَاءُ كَثِيرَةٌ مِمَّنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهُمْ لَمْ يُسَمِّ ‏;‏ وَالإِيمَانُ بِجَمِيعِهِمْ فَرْضٌ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ ؛ مَاحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ‏;‏ قَالُوا ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، وَ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ ‏:‏ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ‏:‏ لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏ قَالَ ‏:‏ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ ‏:‏ تَعَالَ صَلِّ لَنَا‏.‏ فَيَقُولُ ‏:‏ لاَ ‏,‏ إنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ ‏,‏ تَكْرِمَةُ اللَّهِ هَذِهِ الآُمَّةِ‏.‏ وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ آدَمَ وَنُوحًا وَإِدْرِيسَ وَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ وَيُونُسَ وَاَلْيَسَع وَإِلْيَاسَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَأَيُّوبَ وَعِيسَى وَهُودًا وَصَالِحًا وَشُعَيْبًا وَلُوطًا‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا‏}‏‏.‏

13 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ جَمِيعَ النَّبِيِّينَ وَعِيسَى وَمُحَمَّدًا عليهم السلام عَبِيدًا لِلَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقُونَ ‏;‏ نَاسٌ كَسَائِرِ النَّاسِ ‏;‏ مَوْلُودُونَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ‏;‏ إلاَّ آدَمَ وَعِيسَى ‏;‏ فَإِنَّ آدَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ تُرَابٍ بِيَدِهِ ‏;‏ لاَ مِنْ ذَكَرٍ ، وَلاَ مِنْ أُنْثَى ‏;‏ وَعِيسَى خُلِقَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ‏.‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الرُّسُلِ عليهم السلام أَنَّهُمْ قَالُوا ‏:‏ ‏{‏إنْ نَحْنُ إلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ‏.‏‏}

وَقَالَ تَعَالَى عَنْ جِبْرِيلَ عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ لِمَرْيَمَ عليها السلام ‏:‏ ‏{‏إنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لاَِهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغْيًا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا‏}‏‏.‏

14 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ دَارٌ مَخْلُوقَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلاَ يَدْخُلُهَا كَافِرٌ أَبَدًا ‏;‏ قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ‏}‏‏.‏

15 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ دَارٌ مَخْلُوقَةٌ لاَ يَخْلُدُ فِيهَا مُؤْمِنٌ‏.‏

قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏لاَ يَصْلاَهَا إلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى‏}‏‏.‏

16 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ رَجَحَتْ كَبَائِرُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ‏.‏

قَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهُونَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فأما مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو غَسَّانِ الْمِسْمَعِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ ، حدثنا مُعَاذٌ ، هُوَ ابْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ ، حدثنا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ ، حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً ‏,‏ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً ‏,‏ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إلَه إلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً‏.‏

17 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

لاَ تَفْنَى الْجَنَّةُ ، وَلاَ النَّارُ ، وَلاَ أَحَدٌ مِمَّنْ فِيهِمَا أَبَدًا‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُخْبِرًا عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ وَمَنْ فِيهِمَا ‏:‏ ‏{‏خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا‏}‏‏.‏ وَ ‏{‏خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ نَامِي ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ الْجُلُودِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ ‏(‏يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ فَيُقَالُ ‏:‏ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ ‏:‏ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ ‏,‏ وَيُقَالُ ‏:‏ يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُونَ ‏:‏ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ ‏,‏ فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ ثُمَّ يُقَالُ ‏:‏ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ ‏,‏ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ‏.‏ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ‏)‏‏.‏

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ ‏:‏ ‏{‏لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلاَّ الْمَوْتَةَ الآُولَى‏}‏ وَقَالَ فِي أَهْلِ النَّارِ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ، وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

18 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَطَئُونَ وَيَلْبَسُونَ وَيَتَلَذَّذُونَ ، وَلاَ يَرَوْنَ بُؤْسًا أَبَدًا ‏;‏ وَكُلُّ ذَلِكَ بِخِلاَفِ مَا فِي الدُّنْيَا ‏;‏ لَكِنْ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ‏;‏ وَحُورُ الْعِينِ حَقٌّ نِسَاءٌ مُطَهَّرَاتٌ خَلَقَهُنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ‏.‏

قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ، وَلاَ يُنْزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ‏}‏ مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ ‏;‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ ، وَلاَ يَتَمَخَّطُونَ ، وَلاَ يَبُولُونَ ‏,‏ وَلَكِنَّ طَعَامَهُمْ ذَلِكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ ‏,‏ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ خِلاَفُ مَا فِي الدُّنْيَا‏.‏

19 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَهْلُ النَّارِ يُعَذَّبُونَ بِالسَّلاَسِلِ وَالأَغْلاَلِ وَالْقَطِرَانِ وَأَطْبَاقِ النِّيرَانِ ‏;‏ أَكْلُهُمْ الزَّقُّومُ وَشُرْبُهُمْ مَاءٌ كَالْمُهْلِ وَالْحَمِيمِ ‏;‏ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏إنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيرًا‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ‏}‏‏.‏

20 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَكُلُّ مَنْ كَفَرَ بِمَا بَلَغَهُ وَصَحَّ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ مِمَّا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ عليه السلام فَهُوَ كَافِرٌ ‏;‏ كَمَا قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ‏}‏‏.‏

21 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي فِي الْمَصَاحِفِ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ أُمِّ الْقُرْآنِ إلَى آخِرِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ كَلاَمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَوَحْيُهُ أَنْزَلَهُ عَلَى قَلْبِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ فَهُوَ كَافِرٌ‏.‏

قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا‏}‏‏.‏

وَكُلُّ مَا رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَأُمَّ الْقُرْآنِ لَمْ تَكُنْ فِي مُصْحَفِهِ فَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ لاَ يَصِحُّ ‏;‏ وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَنْهُ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ

22 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ خَبَرٍ عَنْ نَبِيٍّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ أَوْ مَسْخٍ أَوْ عَذَابٍ أَوْ نَعِيمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ حَقٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ لاَ رَمْزَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ‏,‏ قَالَ تَعَالَى ‏{‏قُرْآنًا عَرَبِيًّا‏}‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ‏}‏ وَأَنْكَرَ تَعَالَى عَلَى قَوْمٍ خَالَفُوا هَذَا فَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ‏}‏‏.‏

23 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَلاَ سِرَّ فِي الدِّينِ عِنْدَ أَحَدٍ ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا‏}‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ‏}‏‏.‏

24 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ حَقٌّ ‏;‏ وَهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُكْرَمُونَ كُلُّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ‏}‏‏.‏

25 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

خُلِقُوا كُلُّهُمْ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ آدَم مِنْ مَاءٍ وَتُرَابٍ وَخُلِقَ الْجِنُّ مِنْ نَارٍ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ خُلِقَتْ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَم مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ‏}‏‏.‏

26 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَالْمَلاَئِكَةُ أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى ‏;‏ لاَ يَعْصِي أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي صَغِيرَةٍ ، وَلاَ كَبِيرَةٍ وَهُمْ سُكَّانُ السَّمَاوَاتِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ‏}‏ فَهَذَا تَفْضِيلٌ لَهُمْ عَلَى الْمَسِيحِ عليه السلام‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مَنْ خَلَقْنَا‏.‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ بَنِي آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ خَلْقٍ سِوَى الْمَلاَئِكَةِ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْمَلاَئِكَةُ ‏,‏ وَإِسْجَادُهُ تَعَالَى الْمَلاَئِكَةَ لاِدَمَ عَلَى جَمِيعِهِمْ السَّلاَمُ سُجُودُ تَحِيَّةٍ ‏;‏ فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا أَفْضَلَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضِيلَةٌ فِي أَنْ يُكَرَّمَ بِأَنْ يُحَيُّوهُ‏.‏

وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا الْبَابَ فِي كِتَابِ الْفِصَلِ غَايَةَ التَّقَصِّي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ‏}‏‏.‏

27 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ الْجِنَّ حَقٌّ وَهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏;‏ فِيهِمْ الْكَافِرُ وَالْمُؤْمِنُ ‏;‏ يَرَوْنَنَا ، وَلاَ نَرَاهُمْ ‏;‏ يَأْكُلُونَ وَيَنْسِلُونَ وَيَمُوتُونَ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ‏}

وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ ‏{‏وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ‏}‏‏.‏

حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ‏;‏ قَالَ أَحْمَدُ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ‏;‏ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ‏:‏ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ‏;‏ ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ قَالاَ ‏:‏ حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ دَاوُد الطَّائِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ تَسْتَنْجُوا بِالْعِظَامِ ، وَلاَ بِالرَّوْثِ فَإِنَّهُمَا زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ‏.‏

28 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ ‏;‏ وَهُوَ وَقْتٌ يَنْقَضِي فِيهِ بَقَاءُ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا فَيَمُوتُ كُلُّ مَنْ فِيهَا ‏;‏ ثُمَّ يُحْيِي الْمَوْتَى ‏;‏ يُحْيِي عِظَامَهُمْ الَّتِي فِي الْقُبُورِ وَهِيَ رَمِيمٌ وَيُعِيدُ الأَجْسَامَ كَمَا كَانَتْ وَيَرُدُّ إلَيْهَا الأَرْوَاحَ كَمَا كَانَتْ ‏;‏ وَيَجْمَعُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يُحَاسَبُ فِيهِ الْجِنُّ وَالإِنْسُ فَيُوَفَّى كُلُّ أَحَدٍ قَدْرَ عَمَلِهِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏قُلْ إنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ‏}‏‏.‏

29 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَإِنَّ الْوُحُوشَ تُحْشَرُ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ‏.‏

30 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ وَهُوَ طَرِيقٌ يُوضَعُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فَيَنْجُو مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَهْلِكُ مَنْ شَاءَ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حدثنا أَبِي ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثٍ وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ

وَقَالَ عليه السلام فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا ‏:‏ وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ‏,‏ هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلاَّ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ ‏,‏ يَعْنِي الْمُوبَقَ بِعَمَلِهِ ‏,‏ وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ حَتَّى يُنَجَّى وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ‏.‏

31 - مَسْأَلَةٌ

وَأَنَّ الْمَوَازِينَ حَقٌّ تُوزَنُ فِيهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ ‏;‏ نُؤْمِنُ بِهَا ، وَلاَ نَدْرِي كَيْفَ هِيَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فأما مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ‏}‏‏.‏

32 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ الْحَوْضَ حَقٌّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا‏.‏

حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ ‏:‏ قُلْتُ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ قَالَ ‏:‏ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ ‏;‏ آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ ‏,‏ عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَا بَيْنَ عَمَّانَ إلَى أَيْلَةَ ‏;‏ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ‏.‏

33 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ شَفَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ حَقٌّ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاَّ بِإِذْنِهِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ ، حدثنا مُعَاذٌ يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيَّ ، حدثنا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ ، حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَاهَا لاُِمَّتِهِ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لاُِمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ ‏:‏ حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لاَ يَمُوتُونَ فِيهَا ، وَلاَ يَحْيَوْنَ ‏,‏ وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ ‏,‏ أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ ‏,‏ فَأَمَاتَهُمْ اللَّهُ إمَاتَةً حَتَّى إذَا كَانُوا فَحْمًا أَذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ‏,‏ ثُمَّ قِيلَ ‏:‏ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ‏)‏‏.‏

34 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ الصُّحُفَ تَكْتُبُ فِيهَا أَعْمَالَ الْعِبَادِ الْمَلاَئِكَةُ حَقٌّ نُؤْمِنُ بِهَا ، وَلاَ نَدْرِي كَيْفَ هِيَ‏.‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏إذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏إنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَكُلَّ إنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ‏}‏‏.‏

35 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ النَّاسَ يُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏;‏ فَالْمُؤْمِنُونَ الْفَائِزُونَ الَّذِينَ لاَ يُعَذَّبُونَ يُعْطَوْنَهَا بِأَيْمَانِهِمْ ‏;‏ وَالْكُفَّارُ بِأَشْمَلِهِمْ وَالْمُؤْمِنُونَ أَهْلُ الْكَبَائِرِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏فأما مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ ، وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ‏}‏‏.‏

36 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَإِنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ حَافِظَيْنِ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ يُحْصِيَانِ أَقْوَالَهُ وَأَعْمَالَهُ

قَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏إذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏‏.‏

37 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً ‏;‏ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا‏.‏ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَإِنْ تَرَكَهَا لِلَّهِ تَعَالَى كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً ‏;‏ فَإِنْ تَرَكَهَا بِغَلَبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ ‏,‏ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ إذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ ‏,‏ فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ‏,‏ وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا ‏,‏ فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ ‏:‏ رَبِّ ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ فَقَالَ اُرْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إسْلاَمَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ‏,‏ وَكُلُّ سَيِّئَةٍ تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ،‏.‏

38 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَمَنْ عَمِلَ فِي كُفْرِهِ عَمَلاً سَيِّئًا ثُمَّ أَسْلَمَ ‏;‏ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى تِلْكَ الإِسَاءَةِ حُوسِبَ وَجُوزِيَ فِي الآخِرَةِ بِمَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ فِي شِرْكِهِ وَإِسْلاَمِهِ ‏;‏ وَإِنْ تَابَ عَنْ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَمِلَ فِي شِرْكِهِ‏.‏ وَمَنْ عَمِلَ فِي كُفْرِهِ أَعْمَالاً صَالِحَةً ثُمَّ أَسْلَمَ جُوزِيَ فِي الْجَنَّةِ بِمَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ فِي شِرْكِهِ وَإِسْلاَمِهِ ‏;‏ فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ جُوزِيَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ فِي الآخِرَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ ، وَاللَّفْظُ لَهُ قَالاَ ، حدثنا حَجَّاجٌ ، وَ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ‏:‏ أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا ‏,‏ ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ‏:‏ إنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إلَيْهِ لَحَسَنٌ ‏,‏ وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَتْ ‏:‏ وَاَلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ، وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالْحَقِّ ، وَلاَ يَزْنُونَ وَمِنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَلَمْ يُسْقِطْ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، تِلْكَ الأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ إلاَّ بِالإِيمَانِ مَعَ التَّوْبَةِ مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ أُنَاسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الإِسْلاَمِ فَلاَ يُؤَاخَذُ بِهَا وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلاَمِ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ‏:‏ قلنا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلاَمِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ‏,‏ وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإِسْلاَمِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ ، حدثنا يَعْقُوبُ ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حدثنا عَنْ صَالِحٍ ، هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْت أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ أَفِيهَا أَجْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَسْلَمْت عَلَى مَا أَسْلَفْت مِنْ خَيْرٍ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ‏}‏‏.‏ وَقَوْلَهُ عليه السلام لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ‏,‏ وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَإِنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا ‏:‏ إنَّ كَلاَمَهُ عليه السلام لاَ يُعَارِضُ كَلاَمَهُ ، وَلاَ كَلاَمَ رَبِّهِ ‏,‏

وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ مِنْ هَذَا لَمَا كَانَ بَعْضُهُ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَلَبَطَلَتْ حُجَّةُ كُلِّ أَحَدٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْهُ‏.‏

وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ لاَ يُعَارِضُ الْقُرْآنَ ، وَلاَ السُّنَّةَ‏.‏

قَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا‏}

فأما قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ‏}‏ فَنَعَمْ هَذَا هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا ‏:‏ إنَّ مَنْ انْتَهَى غُفِرَ لَهُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ فَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَغْفِرُهُ لَهُ ‏,‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالآيَةِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام ‏:‏ إنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ فَحَقٌّ

وَهُوَ قَوْلُنَا ‏;‏ لاَِنَّ الإِسْلاَمَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى جَمِيعِ الطَّاعَاتِ ‏,‏ وَالتَّوْبَةُ مِنْ عَمَلِ السُّوءِ مِنْ الطَّاعَاتِ‏.‏

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام فِي الْهِجْرَةِ إنَّمَا هِيَ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ‏,‏ كَمَا صَحَّ عَنْهُ عليه السلام الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَر وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ ‏:‏ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ‏,‏ فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهُ قَالَ ‏:‏ لاَ يَنْفَعُهُ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا مُسْلِمٌ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ ‏(‏إنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ ‏,‏ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعْطَى بِحِسَابِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إذَا أَفْضَى إلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا‏)‏‏.‏

39 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ وَمُسَاءَلَةَ الأَرْوَاحِ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ ، وَلاَ يَحْيَا أَحَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ غُنْدَرٌ ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ‏.‏ قَالَ ‏:‏ نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ ‏,‏ يُقَالُ لَهُ ‏:‏ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّي اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، حدثنا بُدَيْلٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ إذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا ‏,‏ وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ ‏:‏ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ ‏,‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ ‏,‏ فَيَنْطَلِقُوا بِهِ إلَى رَبِّهِ ثُمَّ يَقُولُ ‏:‏ انْطَلِقُوا بِهِ إلَى آخِرِ الأَجَلِ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ يَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ ‏:‏ رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إلَى آخِرِ الأَجَلِ‏.‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ‏:‏ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ‏}‏ فَصَحَّ أَنَّهُمَا حَيَاتَانِ وَمَوْتَانِ فَقَطْ ‏,‏ وَلاَ تُرَدُّ الرُّوحُ إلاَّ لِمَنْ كَانَ ذَلِكَ آيَةً ‏,‏ كَمَنْ أَحْيَاهُ عِيسَى عليه السلام ‏,‏ وَكُلُّ مَنْ جَاءَ فِيهِ بِذَلِكَ نَصٌّ ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ ، حدثنا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ ‏"‏ دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ الْمَسْجِدَ فَأَبْصَرَ ابْنَ الزُّبَيْرِ مَطْرُوحًا قَبْلَ أَنْ يُصْلَبَ ‏,‏ فَقِيلَ لَهُ هَذِهِ أَسْمَاءُ ‏,‏ فَمَالَ إلَيْهَا وَعَزَّاهَا وَقَالَ ‏:‏ إنَّ هَذِهِ الْجُثَثَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ وَإِنَّ الأَرْوَاحَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏,‏ فَقَالَتْ لَهُ أَسْمَاءُ ‏:‏ وَمَا يَمْنَعُنِي وَقَدْ أُهْدِيَ رَأْسُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا إلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ رَدَّ الرُّوحِ إلَى الْجَسَدِ إلاَّ الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو ‏,‏ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ‏.‏

40 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَالْحَسَنَاتُ تُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ بِالْمُوَازَنَةِ ‏,‏ وَالتَّوْبَةُ تُسْقِطُ السَّيِّئَاتِ وَالْقِصَاصُ مِنْ الْحَسَنَاتِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ‏}‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ ، وَلاَ مَتَاعَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا ‏,‏ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ‏,‏ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ‏}‏‏.‏

41 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ عِيسَى عليه السلام لَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ يُصْلَبْ وَلَكِنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَفَعَهُ إلَيْهِ‏.‏

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏إنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إلَيَّ‏}‏ وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ ‏{‏وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا‏}‏ فَالْوَفَاةُ قِسْمَانِ ‏:‏ نَوْمٌ وَمَوْتٌ فَقَطْ وَلَمْ يُرِدْ عِيسَى عليه السلام بِقَوْلِهِ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي وَفَاةَ النَّوْمِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى وَفَاةَ الْمَوْتِ ‏,‏ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ عليه السلام قُتِلَ أَوْ صُلِبَ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ حَلاَلٌ دَمُهُ وَمَالُهُ لِتَكْذِيبِهِ الْقُرْآنَ وَخِلاَفِهِ الإِجْمَاعَ‏.‏

42 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، رضي الله عنهم ، إلاَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا رَجَّعَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ‏.‏ هَذَا إجْمَاعُ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ الْمُتَّقِينَ قَبْلَ حُدُوثِ الرَّوَافِضِ الْمُخَالِفِينَ لاِِجْمَاعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ الْمُبَدِّلِينَ لِلْقُرْآنِ الْمُكَذِّبِينَ بِصَحِيحِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُجَاهِرِينَ بِتَوْلِيدِ الْكَذِبِ الْمُتَنَاقِضِينَ فِي كَذِبِهِمْ أَيْضًا ‏,‏

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ‏}‏ فَادَّعَوْا مِنْ رُجُوعِ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَا لاَ يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ مِثْلَهُ لِعُمَرَ أَوْ لِعُثْمَانَ أَوْ لِمُعَاوِيَةَ ، رضي الله عنهم ، أَوْ لِغَيْرِ هَؤُلاَءِ ‏:‏ إذَا لَمْ يُبَالِ بِالْكَذِبِ وَالدَّعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ مِنْ مَعْقُولٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

43 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَنَّ الأَنْفُسَ حَيْثُ رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ أَرْوَاحُ أَهْلِ السَّعَادَةِ عَنْ يَمِينِ آدَمَ عليه السلام ‏,‏ وَأَرْوَاحُ أَهْلِ الشَّقَاءِ عَنْ شِمَالِهِ عِنْدَ سَمَاءِ الدُّنْيَا ‏,‏ لاَ تَفْنَى ، وَلاَ تَنْتَقِلُ إلَى أَجْسَامٍ أُخَرَ ‏,‏ لَكِنَّهَا بَاقِيَةٌ حَيَّةٌ حَسَّاسَةٌ عَاقِلَةٌ فِي نَعِيمٍ أَوْ نَكَدٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَتُرَدُّ إلَى أَجْسَادِهَا لِلْحِسَابِ وَلِلْجَزَاءِ بِالْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ ‏,‏ حَاشَا أَرْوَاحِ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام وَأَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ فَإِنَّهَا الآنَ تُرْزَقُ وَتُنَعَّمُ‏.‏

وَمَنْ قَالَ بِانْتِقَالِ الأَنْفُسِ إلَى أَجْسَامٍ أُخَرَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا هَذِهِ الأَجْسَادَ فَقَدْ كَفَرَ‏.‏

بُرْهَانُ هَذَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ‏:‏ كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ ‏(‏فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ‏,‏ فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا‏.‏ قَالَ جِبْرِيلُ عليه السلام لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا افْتَحْ ‏,‏ قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ ‏,‏ قَالَ هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ مَعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ فَفَتَحَ فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ ‏,‏ فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ ‏,‏ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ ‏,‏ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا آدَم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ ‏,‏ فَأَهْلُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ ‏,‏ فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى ‏,‏ قَالَ ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ عليه السلام حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ‏.‏ قَالَ أَنَسٌ ‏:‏ فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَاوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَعِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ صلوات الله عليهم وَلَمْ يَثْبُتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ‏)‏‏.‏ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

فَفِي هَذَا الْخَبَرِ مَكَانُ الأَرْوَاحِ ‏,‏ وَأَنَّ أَرْوَاحَ الأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ‏.‏

وَأَمَّا الشُّهَدَاءُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ فِي أَنَّ الأَنْبِيَاءَ عليهم السلام أَرْفَعُ قَدْرًا وَدَرَجَةً وَأَتَمُّ فَضِيلَةً عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَعْلَى كَرَامَةً مِنْ كُلِّ مَنْ دُونَهُمْ ‏,‏ وَمَنْ خَالَفَ فِي هَذَا فَلَيْسَ مُسْلِمًا‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ‏,‏ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَالْجَنَّةُ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَالنَّارُ ‏,‏ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ ‏:‏ هَذَا مَقْعَدُكَ الَّذِي تُبْعَثُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الأَرْوَاحَ حَسَّاسَةٌ عَالِمَةٌ مُمَيِّزَةٌ بَعْدَ فِرَاقِهَا الأَجْسَادَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الأَرْوَاحَ تُنْقَلُ إلَى أَجْسَادٍ أُخَرَ فَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ التَّنَاسُخِ ‏,‏ وَهُوَ كُفْرٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏