فصل: كتاب اللقطة والضالة والآبق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


كِتَابُ اللُّقَطَةِ وَالضَّالَّةِ وَالآبِقِ

1383 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

مَنْ وَجَدَ مَالاً فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ، أَوْ صَحْرَاءَ فِي أَرْضِ الْعَجَمِ، أَوْ أَرْضِ الْعَرَبِ الْعَنْوَةِ أَوْ الصُّلْحِ مَدْفُونًا أَوْ غَيْرَ مَدْفُونٍ إِلاَّ أَنَّ عَلَيْهِ عَلاَمَةً أَنَّهُ مِنْ ضَرْبِ مُدَّةِ الإِسْلاَمِ أَوْ وَجَدَ مَالاً قَدْ سَقَطَ أَيَّ مَالٍ كَانَ‏:‏ فَهُوَ لُقَطَةٌ، وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ، وَأَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ عَدْلاً وَاحِدًا فَأَكْثَرَ، ثُمَّ يُعَرِّفُهُ، وَلاَ يَأْتِي بِعَلاَمَتِهِ، لَكِنَّ تَعْرِيفَهُ هُوَ أَنْ يَقُولَ فِي الْمَجَامِعِ الَّذِي يَرْجُو وُجُودَ صَاحِبِهِ فِيهَا أَوْ لاَ يَرْجُو‏:‏ مَنْ ضَاعَ لَهُ مَالٌ فَلْيُخْبِرْ بِعَلاَمَتِهِ، فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ سَنَةً قَمَرِيَّةً، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يُقِيمُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً، أَوْ مَنْ يَصِفُ عِفَاصَهُ وَيُصَدَّقُ فِي صِفَتِهِ، وَيَصِفُ وِعَاءَهُ وَيُصَدَّقُ فِيهِ، وَيَصِفُ رِبَاطَهُ وَيُصَدَّقُ فِيهِ، وَيَعْرِفُ عَدَدَهُ وَيُصَدَّقُ فِيهِ، أَوْ يَعْرِفُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ هَذَا‏.‏ أَمَّا الْعَدَدُ، وَالْوِعَاءُ، إنْ كَانَ لاَ عِفَاصَ لَهُ، وَلاَ وِكَاءَ، أَوْ الْعَدَدُ إنْ كَانَ مَنْثُورًا فِي غَيْرِ وِعَاءٍ‏:‏ دَفَعَهَا إلَيْهِ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ‏.‏ وَيُجْبَرُ الْوَاجِدُ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏ وَلَوْ جَاءَ مَنْ يُثْبِتُهُ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَصْدُقُ فِي صِفَتِهِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلاَ بَيِّنَةَ فَهُوَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ مَالٌ مِنْ مَالِ الْوَاجِدِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ، وَيُورَثُ عَنْهُ، إِلاَّ أَنَّهُ مَتَى قَدِمَ مَنْ يُقِيمُ فِيهِ بَيِّنَةً أَوْ يَصِفُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا فَيَصْدُقُ ضَمِنَهُ لَهُ إنْ كَانَ حَيًّا، أَوْ ضَمِنَهُ لَهُ الْوَرَثَةُ إنْ كَانَ الْوَاجِدُ لَهُ مَيِّتًا‏.‏ فَإِنْ كَانَ مَا وَجَدَ شَيْئًا وَاحِدًا كَدِينَارٍ وَاحِدٍ، أَوْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، أَوْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ كَذَلِكَ لاَ رِبَاطَ لَهُ، وَلاَ وِعَاءَ، وَلاَ عِفَاصَ‏:‏ فَهُوَ لِلَّذِي يَجِدُهُ مِنْ حِينِ يَجِدُهُ وَيُعَرِّفُهُ أَبَدًا طُولَ حَيَاتِهِ، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يُقِيمُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً قَطُّ‏:‏ ضَمِنَهُ لَهُ فَقَطْ هُوَ أَوْ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لَهُ، أَوْ لِوَرَثَتِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ، وَلاَ يُرَدُّ مَا أَنَفَذُوا فِيهِ‏.‏ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ فِي رُفْقَةِ قَوْمٍ نَاهِضِينَ إلَى الْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ‏:‏ عَرَّفَ أَبَدًا، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ تَمَلُّكُهُ، بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا فَإِنْ يَئِسَ بِيَقِينٍ عَنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ فَهُوَ فِي جَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ يَحْيَى، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأََحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لأََحَدٍ بَعْدِي، أَلاَ وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ، أَلاَ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لاَ يُخْبَطُ شَوْكُهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلاَّ مُنْشِدٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَكَّةُ هِيَ الْحَرَمُ كُلُّهُ فَقَطْ، وَهِيَ ذَاتُ الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ، لاَ مَا عَدَا الْحَرَمَ بِلاَ خِلاَفٍ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَصْدُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْمَحَجَّةُ مَحَجَّةً، فَالْقَاصِدُ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ هُوَ فَاعِلٌ لِلْقَصْدِ الَّذِي هُوَ الْحَجُّ إلَى أَنْ يُتِمَّ جَمِيعَ أَعْمَالِ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِذَا تَمَّتْ فَلَيْسَ حَاجًّا، لَكِنَّهُ كَانَ حَاجًّا، وَقَدْ حَجَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَرُوِّينَا هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَقْرَبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَصَابَ بَدْرَةً بِالْمَوْسِمِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَعَرَّفَهَا فَلَمْ يَعْرِفْهَا أَحَدٌ فَأَتَى بِهَا عُمَرُ عِنْدَ النَّفَرِ وَقَالَ لَهُ‏:‏ قَدْ عَرَّفْتُهَا فَأَغْنِهَا عَنِّي قَالَ‏:‏ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ قَالَ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ‏:‏ أَمْسِكْهَا حَتَّى تُوَافِيَ بِهَا الْمَوْسِمَ قَابِلاً فَفَعَلَ، فَعَرَّفَهَا فَلَمْ يَعْرِفْهَا أَحَدٌ، فَأَتَى بِهَا عُمَرُ فَأَخْبَرَهُ‏:‏ أَنَّهُ قَدْ وَافَاهُ بِهَا كَمَا أَمَرَهُ، وَعَرَّفَهَا فَلَمْ يَعْرِفْهَا أَحَدٌ، وَقَالَ لَهُ‏:‏ أَغْنِهَا عَنِّي قَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، وَلَكِنْ إنْ شِئْت أَخْبَرْتُك بِالْمَخْرَجِ مِنْهَا، أَوْ سَبِيلِهَا‏:‏ إنْ شِئْت تَصَدَّقْت بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا خَيَّرْتَهُ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمَالَ رَدَدْت عَلَيْهِ الْمَالَ، وَكَانَ الأَجْرُ لَك، وَإِنْ اخْتَارَ الأَجْرَ كَانَ لَك نِيَّتُك فَهَذَا فِعْلُ عُمَرُ فِي لُقَطَةِ الْمَوْسِمِ‏.‏ وَفَعَلَ فِي لُقَطَةِ غَيْرِ الْمَوْسِمِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ الْجُهَنِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ إسْمَاعِيلُ‏:‏ وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ لَهُ صُحْبَةً أَقْبَلَ مِنْ الشَّامِ فَوَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ مِائَةٌ فَأَخَذَهَا، فَجَاءَ بِهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ اُنْشُدْهَا الآنَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ، وَإِلَّا فَهِيَ لَك، قَالَ‏:‏ فَعَلْت فَلَمْ تُعْرَفْ، فَقَسَّمْتهَا بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لِي‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ كُنْت أَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَوَطِئْت عَلَى ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، فَلَمْ آخُذْهُ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ‏:‏ بِئْسَ مَا صَنَعْت، كَانَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَأْخُذَهُ تُعَرِّفَهُ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ رَدَدْتَهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى ذِي فَاقَةٍ مِمَّنْ لاَ تَعُولُ‏.‏

وَقَالَ فِي لُقَطَةِ غَيْرِ الْحَرَمِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ‏:‏ أَنَّ زَيْدَ بْنَ الأَخْنَسِ الْخُزَاعِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ وَجَدْت لُقَطَةً أَفَأَتَصَدَّقُ بِهَا قَالَ‏:‏ لاَ تُؤْجَرُ أَنْتَ، وَلاَ صَاحِبُهَا، قُلْت‏:‏ أَفَأَدْفَعُهَا إلَى الْأُمَرَاءِ قَالَ‏:‏ إذًا يَأْكُلُونَهَا أَكْلاً سَرِيعًا قُلْت‏:‏ وَكَيْفَ تَأْمُرُنِي قَالَ‏:‏ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ وَإِلَّا فَهِيَ لَك كَمَالِك فَهَذَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ‏:‏ بِإِيجَابِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ، وَلاَ بُدَّ، وَيَرَاهَا بَعْدَ الْحَوْلِ قَدْ صَارَتْ مِنْ مَالِ الْمُلْتَقِطِ، إِلاَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ‏.‏ وَقَوْلُنَا فِي لُقَطَةِ مَكَّةَ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، نَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنُ رِفَاعَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مِنْ قَوْلِهِ‏.‏

وَأَمَّا مَا عَدَا لُقَطَةَ الْحَرَمِ، وَالْحَاجِّ، فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ مُطَرِّفٍ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ، أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ، وَلاَ يَكْتُمُ، وَلاَ يَغِيبُ، فَإِنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْتِيهِ مَنْ شَاءَ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ‏:‏ فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَزَادَ مُسَدَّدٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَيْسَ شَكًّا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ شَيْءٌ مِمَّا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ شَكٌّ إِلاَّ بِيَقِينِ أَنَّهُ شَكٌّ، وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ الْإِسْنَادُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ‏:‏ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَعِدَّتَهَا وَوِعَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ هُوَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ‏:‏ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ‏:‏ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تُعْتَرَفْ فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ كَمِّلْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَالَ لَهُ‏:‏ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اعْرِفْ عَدَدَهَا، وَوِكَاءَهَا، وَوِعَاءَهَا، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَ عَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ، وَأَمَّا الشَّيْءُ الْوَاحِدُ الَّذِي لاَ وِكَاءَ لَهُ، وَلاَ عِفَاصَ، وَلاَ وِعَاءَ فَلأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَمَرَ بِتَعْرِيفِ السَّنَةِ فِيمَا لَهُ عَدَدٌ، وَعِفَاصٌ، وَوِكَاءٌ، أَوْ بَعْضُ هَذِهِ، فأما مَا لاَ عِفَاصَ لَهُ، وَلاَ وِعَاءَ، وَلاَ وِكَاءَ، وَلاَ عَدَدَ‏:‏ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ، وَحُكْمُهُ فِي حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ‏:‏ فَحُكْمُهُ أَنْ يُنْشَدَ ذَلِكَ أَبَدًا لِقَوْلِهِ عليه السلام لاَ يَكْتُمُ، وَلاَ يُغَيِّبُ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام هُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ فَقَدْ آتَاهُ اللَّهُ وَاجِدَهُ

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، هُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ‏:‏ كَانَ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ، وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَثَالِثٌ مَعَهُمَا فِي سَفَرٍ فَوَجَدَ أَحَدُهُمْ هُوَ سُوَيْدٌ بِلاَ شَكٍّ سَوْطًا فَأَخَذَهُ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ‏:‏ أَلْقِهِ فَقَالَ‏:‏ أَسْتَمْتِعُ بِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ أَدَّيْته إلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَأْكُلَهُ السِّبَاعُ فَلَقِيَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ‏:‏ أَصَبْت وَأَخْطَآ‏.‏ فَفِي هَذَا أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَأَى وُجُوبَ أَخْذِ اللُّقَطَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فِيمَا ذَكَرْنَا اخْتِلاَفٌ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا‏:‏ لاَ تُؤْخَذُ اللُّقَطَةُ أَصْلاً، وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مُبَاحٌ أَخْذُهَا وَتَرْكُهَا مُبَاحٌ، فأما مَنْ نَهَى عَنْ أَخْذِهَا فَلِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا‏.‏ وَكَمَا رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُ قَالَ‏:‏ كُنْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَرَأَيْت دِينَارًا فَذَهَبْت لأَخُذَهُ فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ يَدِي وَقَالَ‏:‏ مَا لَك وَلَهُ اُتْرُكْهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ تَرْفَعْ اللُّقَطَةَ لَسْت مِنْهَا فِي شَيْءٍ، تَرْكُهَا خَيْرٌ مِنْ أَخْذِهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ الْفَاكِهَةِ تُوجَدُ فِي الطَّرِيقِ قَالَ‏:‏ لاَ تُؤْكَلُ إِلاَّ بِإِذْنِ رَبِّهَا‏.‏ وَعَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَخْذَ اللُّقَطَةِ‏.‏ وَعَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ مَرَّ بِدِرْهَمٍ فَتَرَكَهُ‏.‏

وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ‏:‏ كِلاَ الأَمْرَيْنِ مُبَاحٌ، وَالأَفْضَلُ أَخْذُهَا‏.‏

وقال الشافعي مَرَّةً‏:‏ أَخْذُهَا أَفْضَلُ وَمَرَّةً قَالَ‏:‏ الْوَرَعُ تَرْكُهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا مَنْ أَبَاحَ كِلاَ الأَمْرَيْنِ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلاً، فَإِنْ حَمَلُوا أَمْرَهُ عليه السلام بِأَخْذِهَا عَلَى النَّدْبِ قِيلَ لَهُمْ‏:‏ فَاحْمِلُوا أَمْرَهُ بِتَعْرِيفِهَا عَلَى النَّدْبِ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ أَمْوَالُ النَّاسِ مُحَرَّمَةٌ قلنا‏:‏ وَإِضَاعَتُهَا مُحَرَّمَةٌ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ أَخْذِهَا فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ‏.‏

فَقُلْنَا لَهُمْ‏:‏ نَعَمْ، وَمَا أَمَرْنَاهُ بِاسْتِحْلاَلِهَا أَصْلاً، لَكِنْ أَمَرْنَاهُ بِالْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِهَا وَتَرْكِ إضَاعَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلْنَاهَا لَهُ حَيْثُ جَعَلَهَا لَهُ الَّذِي حَرَّمَ أَمْوَالَنَا عَلَيْنَا إِلاَّ بِمَا أَبَاحَهَا لَنَا، لاَ يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ أَوَامِرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، وَقَدْ كَفَرَ مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِمَّا قَضَى‏.‏ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لاَ يَأْوِي الضَّالَّةَ إِلاَّ ضَالٌّ وَبِحَدِيثِ أَبِي مُسْلِمٍ الْجَرْمِيِّ أَوْ الْحَرَمِيِّ عَنْ الْجَارُودِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ‏.‏ وَهَذَانِ خَبَرَانِ لاَ يَصِحَّانِ؛ لأََنَّ الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرٍ، وَأَبَا مُسْلِمٍ الْجَرْمِيَّ أَوْ الْحَرَمِيَّ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ، لَكِنْ ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ قَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَهَذَا لَفْظٌ مُجْمَلٌ فَسَّرَهُ سَائِرُ الآثَارِ وَهُوَ خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَوَالِّ الْإِبِلِ فَقَالَ عليه السلام‏:‏ ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ، فَأَمَرُوا بِأَخْذِ ضَوَالِّ الْإِبِلِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِمَا حُجَّةٌ؛ لأََنَّ إيوَاءَ الضَّالَّةِ بِخِلاَفِ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرْقُ النَّارِ، وَضَلاَلٌ بِلاَ شَكٍّ، وَمَا أَمَرْنَاهُ قَطُّ بِإِيوَائِهَا مُطْلَقًا، لَكِنْ بِتَعْرِيفِهَا وَضَمَانِهَا فِي الأَبَدِ، وَقَدْ جَاءَ بِهَذَا حَدِيثٌ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِهِمْ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ أَبِي سَالِمٍ الْجَيَشَانِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ ‏]‏‏:‏ مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا‏.‏وَمِنْهَا مُدَّةُ التَّعْرِيفِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه التَّعْرِيفَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ سَنَةً‏.‏ وَبِهِ يَقُولُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ‏.‏ وَيُحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي مَنْ أَرْضَى عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الضَّالَّةِ‏:‏ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَعَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا‏.‏ وَهَذَا حَدِيثٌ هَالِكٌ؛ لأََنَّ اللَّيْثَ لَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخَذَ عَنْهُ وَقَدْ يَرْضَى الْفَاضِلُ مَنْ لاَ يَرْضَى، هَذَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ‏:‏ لَمْ أَرَ أَصْدَقَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَجَابِرٌ مَشْهُورٌ بِالْكَذِبِ‏.‏ ثُمَّ هُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ‏:‏ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ يَزِيدَ لاَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ‏.‏ وَوَجْهٌ آخَرُ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الأَنْصَارِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ قَالَ‏:‏ وَجَدَ أَبِي فِي مَبْرَكِ بَعِيرٍ مِائَةَ دِينَارٍ فَسَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ‏:‏ عَرِّفْهَا عَامًا، فَعَرَّفَهَا عَامًا فَلَمْ يَجِدْ لَهَا عَارِفًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ عَرِّفْهَا ثَلاَثَةَ أَعْوَامٍ، فَلَمْ يَجِدْ لَهَا عَارِفًا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ هِيَ لَك‏.‏ وَيُحْتَجُّ لِهَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ‏:‏ الْتَقَطْتُ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَأَتَيْتُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ عَرِّفْهَا حَوْلاً فَعَرَّفْتُهَا حَوْلاً، فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَّفْتُهَا حَوْلاً فَقَالَ‏:‏ عَرِّفْهَا سَنَةً أُخْرَى فَعَرَّفْتُهَا سَنَةً أُخْرَى ثُمَّ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَّفْتُهَا سَنَةً فَقَالَ‏:‏ عَرِّفْهَا سَنَةً أُخْرَى فَعَرَّفْتُهَا سَنَةً أُخْرَى ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ عليه السلام بِذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ انْتَفِعْ بِهَا وَاعْرِفْ وِكَاءَهَا وَخِرْقَتَهَا وَاحْصِ عَدَدَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا قَالَ جَرِيرٌ‏:‏ لَمْ أَحْفَظْ مَا بَعْدَ هَذَا‏.‏ وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الرَّقِّيَّيْنِ كِلاَهُمَا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا حَدِيثٌ ظَاهِرُهُ صِحَّةُ السَّنَدِ، إِلاَّ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ أَخْطَأَ فِيهِ بِلاَ شَكٍّ؛ لأََنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِيهِ‏:‏ فَلَمْ أَجِدْ لَهَا عَارِفًا عَامَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِيهِ‏:‏ عَرِّفْهَا عَامًا قَالَ‏:‏ فَعَرَّفْتُهَا، فَلَمْ تُعْتَرَفْ، فَرَجَعْت فَقَالَ‏:‏ عَرِّفْهَا عَامًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَهَذَا شَكٌّ مِنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ‏.‏ ثُمَّ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت سُوَيْدٌ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ‏:‏ لَقِيت أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَذَكَرَ‏.‏ الْحَدِيثَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ‏:‏ عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ‏:‏ عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ‏:‏ عَرِّفْهَا حَوْلاً فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ‏:‏ قَالَ شُعْبَةُ‏:‏ فَلَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ فَقَالَ‏:‏ لاَ أَدْرِي ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلٌ وَاحِدٌ فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ بِالشَّكِّ، وَالشَّرِيعَةُ لاَ تُؤْخَذُ بِالشَّكِّ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا بَهْزُ، هُوَ ابْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت سُوَيْدٌ بْنَ غَفَلَةَ فَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ قَالَ شُعْبَةُ‏:‏ فَسَمِعْتُهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ يَقُولُ‏:‏ عَرِّفْهَا عَامًا وَاحِدًا‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ تَثَبَّتَ وَاسْتَذْكَرَ، فَثَبَتَ عَلَى عَامٍ وَاحِدٍ، بَعْدَ أَنْ شَكَّ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ وَهْمٌ ثُمَّ اسْتَذْكَرَ، فَشَكَّ ثُمَّ اسْتَذْكَرَ فَتَيَقَّنَ، وَثَبَتَ وُجُوبُ تَعْرِيفِ الْعَامِ وَبَطَلَ تَعْرِيفُ مَا زَادَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَهُنَا أَثَرَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا‏:‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي مَيْسَرَةَ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ عَلِيًّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِينَارٍ وَجَدَهُ فِي السُّوقِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِّفْهُ ثَلاَثًا فَفَعَلَ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَعْتَرِفُهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كُلْهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ وَفِي آخِرِهِ فَجَعَلَ أَجَلَ الدِّينَارِ وَشَبَهَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ

قال أبو محمد‏:‏ لاَ نَدْرِي مِنْ كَلاَمِ مَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ، وَهَذَا خَبَرُ سُوءٍ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَالْكَذِبِ، عَنْ شَرِيكٍ وَهُوَ مُدَلِّسٌ يُدَلِّسُ الْمُنْكَرَاتِ عَنْ الضُّعَفَاءِ إلَى الثِّقَاتِ‏.‏

وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى عَنْ جَدَّتِهِ حَكِيمَةَ عَنْ أَبِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً يَسِيرَةً دِرْهَمًا أَوْ حَبْلاً أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ فَلْيُعَرِّفْهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلْيُعَرِّفْهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ وَهَذَا لاَ شَيْءَ‏:‏ إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ، وَحَكِيمَةُ عَنْ أَبِيهَا أَنْكَرُ وَأَنْكَرُ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ رُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَالأَوْزَاعِيِّ تَعْرِيفَ اللُّقَطَةِ سَنَةً وَهُوَ الْقَوْلُ الظَّاهِرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُهُ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْضًا‏:‏ تَعْرِيفُ اللُّقَطَةِ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ‏.‏

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي شَيْخٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ الْعَبْدِيِّ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ أَنْ يُعَرِّفَ قِلاَدَةً الْتَقَطَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُهَا وَإِلَّا وَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَهَذِهِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه خَمْسَةُ أَقْوَالٍ‏.‏ وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مَنْ الْتَقَطَ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ يُعَرِّفُهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْهُ‏:‏ أَنَّ مَا بَلَغَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يُعَرَّفُ سَنَةً‏.‏ وَاخْتَلَفَا فِيمَا كَانَ أَقَلَّ فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ‏:‏ يُعَرَّفُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يُعَرَّفُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْمُلْتَقِطُ وَهَذِهِ آرَاءٌ فَاسِدَةٌ كَمَا تَرَى، وَمِنْهَا‏:‏ دَفْعُ اللُّقَطَةِ إلَى مَنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ، وَالْوِكَاءَ، وَالْعَدَدَ، وَالْوِعَاءَ فَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَمَا

قلنا‏.‏

وقال أبو حنيفة، وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ لاَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهَا؛ لأََنَّهُ قَدْ يَسْمَعُ صَاحِبَهَا يَصِفُهَا فَيَعْرِفُ صِفَتَهَا فَيَأْتِي بِهَا‏.‏ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَنَهَى عَنْ أَنْ يُعْطَى أَحَدٌ بِدَعْوَاهُ‏.‏ وَقَالَ عليه السلام‏:‏ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا كُلُّهُ حَقٌّ، وَاَلَّذِي قَالَهُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِأَنْ تُعْطَى اللُّقَطَةُ مَنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ، وَالْوِكَاءَ، وَالْعَدَدَ، وَالْوِعَاءَ، وَلَيْسَ كَلاَمُهُ مُتَعَارِضًا، وَلاَ حُكْمُهُ مُتَنَاقِضًا، وَلاَ يَحِلُّ ضَرْبُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَلاَ تَرْكُ بَعْضِهِ وَأَخْذُ بَعْضٍ، فَكُلُّهُ حَقٌّ، وَكُلُّهُ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَقَرَّ قُضِيَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَقَدْ جَعَلُوا لِلْمُدَّعِي شَيْئًا غَيْرَ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏.‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ صَحَّ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ‏.‏ قلنا‏:‏ وَقَدْ صَحَّ دَفْعُ اللُّقَطَةِ بِأَنْ يَصِفَ الْمُدَّعِي وِكَاءَهَا، وَعَدَدَهَا، وَعِفَاصَهَا وَوِعَاءَهَا، وَلاَ فَرْقَ، وَلَيْسَ كُلُّ الأَحْكَامِ تُوجَدُ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَلاَ تُؤْخَذُ مِنْ خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ تُضَمُّ السُّنَنُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَيُؤْخَذُ بِهَا كُلُّهَا، وَلَوْ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ اعْتَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَذِهِ الأَعْتِرَاضَاتِ فِي قَبُولِهِمْ امْرَأَةً وَاحِدَةً فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، وَالْوِلاَدَةِ، وَلَوْ عَارَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَذَا فِي حُكْمِهِمْ لِلزَّوْجَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ أَنَّ مَا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ لِلرِّجَالِ كَانَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ، وَمَا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ لِلنِّسَاءِ كَانَ لِلْمَرْأَةِ بِيَمِينِهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَلاَ يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ فِي الْأُخْتِ وَالأَخِ يَخْتَلِفَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ الَّذِي هُمَا فِيهِ، وَلَوْ عَارَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَذَا الأَعْتِرَاضِ فِي قَوْلِهِمْ‏:‏ إنَّ مَنْ ادَّعَى لَقِيطًا هُوَ وَغَيْرُهُ فَأَتَى بِعَلاَمَاتٍ فِي جَسَدِهِ قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَلاَ يَقْضُونَ بِذَلِكَ فِيمَنْ ادَّعَى مَعَ آخَرَ عَبْدًا فَأَتَى أَحَدُهُمَا بِعَلاَمَاتٍ فِي جَسَدِهِ وَفِي قَوْلِهِمْ‏:‏ لَوْ أَنَّ مُسْتَأْجِرَ الدَّارِ تَدَاعَى مَعَ صَاحِبِ الدَّارِ فِي جُذُوعٍ مَوْضُوعَةٍ فِي الدَّارِ وَأَحَدِ مِصْرَاعَيْنِ فِي الدَّارِ‏:‏ أَنَّ تِلْكَ الْجُذُوعَ إنْ كَانَتْ تُشْبِهُ الْجُذُوعَ الَّتِي فِي الْبِنَاءِ وَالْمِصْرَاعِ الْقَائِمِ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الدَّارِ بِلاَ بَيِّنَةٍ وَسَائِرُ تِلْكَ التَّخَالِيطِ الَّتِي لاَ تُعْقَلُ، ثُمَّ لاَ يُبَالُونَ بِمُعَارَضَةِ أَوَامِرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ‏.‏

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَضَى فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فِي مَحَلَّةِ أَقْوَامٍ أَعْدَاءٌ لَهُ أَنَّ الْمُدَّعِينَ بِقَتْلِهِ عَلَيْهِ يَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ يُقْضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ فَأَعْطَاهُمْ بِدَعْوَاهُمْ‏.‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ بِهَذَا

قلنا لَهُمْ‏:‏ وَالسُّنَّةُ جَاءَتْ بِدَفْعِ اللُّقَطَةِ إلَى مَنْ عَرَفَ عِفَاصَهَا، وَوِكَاءَهَا، وَعَدَدَهَا، وَوِعَاءَهَا، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ

قلنا‏:‏ نَعَمْ، وَصَاحِبُهَا هُوَ الَّذِي أَمَرَ عليه السلام بِدَفْعِهَا إلَيْهِ إذَا وَصَفَ مَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ قَدْ يَسْمَعُهَا مُتَحَيِّلٌ فَيُقَالُ لَهُمْ‏:‏ وَقَدْ تَكْذِبُ الشُّهُودُ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ قَدْ قَالَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ‏:‏ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَإِنْ عَرَفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، وَعَدَدَهَا، فَادْفَعْهَا إلَيْهِ‏:‏ غَيْرَ مَحْفُوظَةٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا لاَ شَيْءَ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ مُسْنَدًا‏:‏ هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلاَ يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى فِيمَا شَاءَ مِنْ السُّنَنِ الثَّوَابِتِ‏.‏ وَقَدْ أَخَذَ الْحَنَفِيُّونَ بِزِيَادَةٍ جَاءَتْ فِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ سَاقِطَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ وَلَوْ صَحَّ إسْنَادُهَا مَا قلنا فِيهِ‏:‏ غَيْرُ مَحْفُوظٍ‏.‏ وَأَخَذُوا بِخَبَرِ الأَسْتِسْعَاءِ، وَقَدْ قَالَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ أَبِي دَاوُد‏:‏ وَلَيْسَ الأَسْتِسْعَاءُ مَحْفُوظًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ‏.‏ وَأَخَذُوا بِالْخَبَرِ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ‏:‏ إنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ‏.‏ وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِاللَّفْظَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مَنْ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ مِمَّنْ تَعُولُونَ وَهِيَ بِلاَ شَكٍّ سَاقِطَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ وَلَوْ صَحَّتْ مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ مَا اسْتَحْلَلْنَا أَنْ نَقُولَ فِيهَا‏:‏ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ‏.‏

ثم نقول‏:‏ أَخْطَأَ أَبُو دَاوُد فِي قَوْلِهِ‏:‏ هِيَ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ بَلْ هِيَ مَحْفُوظَةٌ؛ لأََنَّهَا لَوْ لَمْ يَرْوِهَا إِلاَّ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَحْدَهُ لَكَفَى، لِثِقَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَكَيْفَ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَسُفْيَانُ أَيْضًا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ هِيَ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، بَلْ هِيَ مَشْهُورَةٌ مَحْفُوظَةٌ‏.‏

وَمِنْهَا تَمَلُّكُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ‏:‏ رُوِّينَا قَوْلَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبِي السَّفْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَمْرٍو، وَعَاصِمٍ‏:‏ ابْنَيْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا‏:‏ أَنَّهُ الْتَقَطَ عَيْبَةً فَأَتَى بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهَا حَوْلاً، فَفَعَلَ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ فَقَالَ‏:‏ هِيَ لَك، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ، قُلْت‏:‏ لاَ حَاجَةَ لِي بِهَا، وَأَمَرَ بِهَا فَأُلْقِيَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ جَمَّةٍ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ رَأَى تَمْرَةً مَطْرُوحَةً فِي السِّكَّةِ فَأَخَذَهَا فَأَكَلَهَا‏.‏ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ أَنَّهُ الْتَقَطَ حَبَّ رُمَّانٍ فَأَكَلَهُ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً مِنْ سَقْطِ الْمَتَاعِ‏:‏ سَوْطًا، أَوْ نَعْلَيْنِ، أَوْ عَصَا، أَوْ يَسِيرًا مِنْ الْمَتَاعِ، فَلْيَسْتَمْتِعْ بِهِ وَلْيُنْشِدْهُ، فَإِنْ كَانَ وَدَكًا فَلْيَأْتَدِمْ بِهِ وَلْيُنْشِدْهُ، وَإِنْ كَانَ زَادًا فَلْيَأْكُلْهُ وَلْيُنْشِدْهُ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ فَلِيَغْرَمْ لَهُ‏.‏ وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ طَاوُوس، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَطَاءٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَإِنْ عُرِّفَتْ خُيِّرَ صَاحِبُهَا بَيْنَ الأَجْرِ وَالضَّمَانِ‏.‏

رُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا‏:‏ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ لاَ آمُرُك أَنْ تَأْكُلَهَا وَعَنْ طَاوُوس أَيْضًا، وَعِكْرِمَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَسُفْيَانَ

وَاحْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا سُمَيٌّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ‏:‏ لاَ تَحِلُّ اللُّقَطَةُ، فَمَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ فَلْيَرُدَّهُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، فَإِنْ جَاءَ فَلْيُخَيِّرْهُ بَيْنَ الأَجْرِ وَبَيْنَ الَّذِي لَهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا لاَ شَيْءَ؛ لأََنَّ يُوسُفَ بْنَ خَالِدٍ، وَأَبَاهُ، مَجْهُولاَنِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّ قَوْلَ لاَ تَحِلُّ اللُّقَطَةُ حَقٌّ، وَلاَ تَحِلُّ قَبْلَ التَّعْرِيفِ، وَأَمْرُهُ بِالصَّدَقَةِ بِهَا مَضْمُومٌ إلَى أَمْرِهِ عليه السلام بِاسْتِنْفَاقِهَا وَبِكَوْنِهَا مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ، إذْ لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ بَعْضُ أَمْرِهِ عليه السلام أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَلاَ يَحِلُّ مُخَالَفَةُ شَيْءٍ مِنْ أَوَامِرِهِ عليه السلام لأَخَرَ مِنْهَا، بَلْ كُلُّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ اسْتِعْمَالُهُ، وَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ وَاجِدَهَا مِنْ الصَّدَقَةِ بِهَا إنْ أَرَادَ فَيُحْتَجُّ عَلَيْنَا بِهَذَا فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ لَوْ صَحَّ، فَكَيْفَ وَهُوَ لاَ يَصِحُّ فَإِنْ ادَّعُوا إجْمَاعًا عَلَى الصَّدَقَةِ بِهَا كُذِّبُوا، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ الأَخْنَسِ الْخُزَاعِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ وَجَدْت لُقَطَةً أَفَأَتَصَدَّقُ بِهَا قَالَ‏:‏ لاَ تُؤْجَرُ أَنْتَ، وَلاَ صَاحِبُهَا قُلْت‏:‏ أَفَأَدْفَعُهَا إلَى الْأُمَرَاءِ قَالَ‏:‏ إذًا يَأْكُلُونَهَا أَكْلاً سَرِيعًا، قُلْت‏:‏ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي قَالَ‏:‏ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ اعْتَرَفَتْ، وَإِلَّا فَهِيَ لَك‏.‏ وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ لِمَذْهَبِهِ الْخَطَأِ فِي هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}‏‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ احْتِجَاجُ هَذَا الْجَاهِلِ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ دَلِيلٌ عَلَى رِقَّةِ دِينِهِ، إذْ جَعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاطِلاً، وَلَوْ كَانَ لَهُ دِينٌ لَمَا عَارَضَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَلَوْ أَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْمُعَارَضَةَ لِقَوْلِهِمْ الْمَلْعُونِ‏:‏ أَنَّ الْغَاصِبَ لِدُورِ الْمُسْلِمِينَ وَضِيَاعِهِمْ يَسْكُنُهَا وَيُكْرِيهَا، فَالْكِرَاءُ لَهُ حَلاَلٌ، وَاحْتِرَاثُ ضِيَاعِهِمْ لَهُ حَلاَلٌ لاَ يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ‏.‏ وَقَوْلُهُمْ‏:‏ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا فَاسِدًا وَأَبَاحُوا لَهُ التَّصَرُّفَ فِيمَا اشْتَرَى بِالْبَاطِلِ بِالْوَطْءِ، وَالْعِتْقِ، وَسَائِرِ أَقْوَالِهِمْ الْخَبِيثَةِ لَكَانُوا قَدْ وَافَقُوا‏.‏ ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ أَمْرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا ضَمَّنُوا الْمَسَاكِينَ إنْ وَجَدُوهُمْ، فَعَلَى أَصْلِهِمْ هُوَ أَيْضًا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ‏.‏ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَأْكُلَهَا الْوَاجِدُ وَضَمَانُهَا عَلَيْهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْكُلُوهَا الْمَسَاكِينُ وَضَمَانُهَا عَلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا فَعَلَيْهِ، وَلَئِنْ كَانَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ فَإِنَّ الآخَرَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَلاَ فَرْقَ، وَلَئِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْلَ مَالٍ بِحَقٍّ، فَإِنَّ الآخَرَ أَكْلُ مَالٍ بِالْحَقِّ، وَلاَ فَرْقَ، إذْ الضَّمَانُ فِي الْعَاقِبَةِ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ‏.‏ وَاحْتَجُّوا بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ مِنْ ضَالَّةِ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ، وَلاَ يَأْوِي الضَّالَّةَ إِلاَّ ضَالٌّ، وَلَوْ صَحَّا لَكَانَا عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُجَّةً؛ لأََنَّهُمْ يُبِيحُونَ أَخْذَ ضَوَالِّ الْإِبِلِ الَّتِي فِيهَا وَرَدَ النَّصُّ الْمَذْكُورُ، فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْعُقُولِ

وأعجب شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ هَهُنَا بِرِوَايَةٍ خَبِيثَةٍ رَوَاهَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ‏:‏ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ‏:‏ فَإِنَّكَ ذُو حَاجَةٍ إلَيْهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا مُنْقَطِعٌ لأََنَّ سَلَمَةَ لَمْ يُدْرِكْ أُبَيًّا، ثُمَّ الْعَرْزَمِيُّ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَأَبُو يُوسُفَ لاَ يَبْعُدُ عَنْهُ، فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَرُدُّ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْخُذُ بِمَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ الْمَغْمُوزُ عَنْ الْعَرْزَمِيِّ الضَّعِيفِ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أُبَيٍّ وَهُوَ لَمْ يَلْقَ أُبَيًّا قَطُّ، فَفِي مِثْلِ هَذَا فَلْيَعْتَبِرْ أُولُو الأَبْصَارِ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي لاَ تَصِحُّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ؛ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلاَّ إبَاحَةُ اللُّقَطَةِ لِلْمُحْتَاجِ وَلَسْنَا نُنْكِرُ هَذَا، بَلْ هُوَ قَوْلُنَا، وَلَيْسَ فِيهَا مَنْعُ الْغَنِيِّ مِنْهَا لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ‏.‏ ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ رَدُّهُمْ كُلُّهُمْ فِي هَذَا الْمَكَانِ نَفْسِهِ حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْتِقَاطِهِ الدِّينَارَ وَإِبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ اسْتِنْفَاقَهُ بِأَنْ قَالُوا هُوَ مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ شَرِيكٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَالْمُرْسَلُ الَّذِي يَرْوِيه الضَّعِيفُ لاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِهِ إذَا خَالَفَ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمُرْسَلُ الَّذِي رَوَاهُ الْعَرْزَمِيُّ وَهُوَ الْغَايَةُ فِي الضَّعْفِ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ إذَا وَافَقَ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاَللَّهِ لَتَطُولُنَّ نَدَامَةُ مَنْ هَذَا سَبِيلُهُ فِي دِينِهِ يَوْمَ لاَ يُغْنِي النَّدَمُ عَنْهُ شَيْئًا، وَمَا هَذِهِ طَرِيقُ مَنْ يَدِينُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، لَكِنَّهُ الضَّلاَلُ وَالْإِضْلاَلُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏ ثُمَّ قَدْ كَذَبُوا، بَلْ قَدْ رُوِيَ حَدِيثُ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ شَرِيكٍ، وَأُسْنِدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ التِّنِّيسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ هُوَ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ‏:‏ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَجَدَ الْحُسَيْنَ وَالْحَسَنَ يَبْكِيَانِ مِنْ الْجُوعِ، فَخَرَجَ فَوَجَدَ دِينَارًا بِالسُّوقِ، فَجَاءَ بِهِ إلَى فَاطِمَةَ فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ لَهُ‏:‏ اذْهَبْ إلَى فُلاَنٍ الْيَهُودِيِّ فَخُذْ لَنَا دَقِيقًا فَذَهَبَ إلَى الْيَهُودِيِّ فَاشْتَرَى بِهِ دَقِيقًا فَقَالَ الْيَهُودِيُّ‏:‏ أَنْتَ خَتَنُ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قَالَ‏:‏ فَخُذْ دِينَارَكَ وَلَكَ الدَّقِيقُ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ حَتَّى جَاءَ بِهِ فَاطِمَةَ، فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ لَهُ اذْهَبْ إلَى فُلاَنٍ الْجَزَّارِ فَخُذْ لَنَا بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَذَهَبَ فَرَهَنَ الدِّينَارَ بِدِرْهَمِ لَحْمٍ، فَجَاءَ بِهِ فَعَجَنَتْ وَنَصَبَتْ وَخَبَزَتْ، وَأَرْسَلَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُمْ فَقَالَتْ لَهُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذْكُرُ لَك، فَإِنْ رَأَيْتَهُ لَنَا حَلاَلاً أَكَلْنَا وَأَكَلْتَ مَعَنَا مِنْ شَأْنِهِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ عليه السلام كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ، فَأَكَلُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ مَكَانَهُمْ إذَا غُلاَمٌ يَنْشُدُ اللَّهَ تَعَالَى وَالْإِسْلاَمَ الدِّينَارَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُعِيَ لَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ‏:‏ سَقَطَ مِنِّي فِي السُّوقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يَا عَلِيُّ اذْهَبْ إلَى الْجَزَّارِ فَقُلْ لَهُ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ‏:‏ أَرْسِلْ إلَيَّ بِالدِّينَارِ، وَدِرْهَمُكَ عَلَيَّ، فَأَرْسَلَ بِهِ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلاَ بَيِّنَةٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا خَبَرٌ خَيْرٌ مِنْ خَبَرِهِمْ، وَهُوَ عليه السلام، وَعَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ رضي الله عنهم‏:‏ لاَ تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ أَغْنِيَاءَ كَانُوا أَوْ فُقَرَاءَ‏.‏ وَقَدْ أَبَاحَ فِي هَذَا الْخَبَرِ شِرَاءَ الدَّقِيقِ بِالدِّينَارِ، فَإِنَّمَا أَخَذَهُ ابْتِيَاعًا، ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ الْيَهُودِيُّ الدِّينَارَ، وَكَذَلِكَ رَهَنَ الدِّينَارَ فِي اللَّحْمِ، وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ يَكْفِي مِنْ كُلِّ هَذَا‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ مَطْرُوحَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ‏:‏ لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لاََكَلْتُهَا فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِيٌّ لاَ فَقِيرٌ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إذْ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى‏}‏ يَسْتَحِلُّ أَكْلَ اللُّقَطَةِ، وَإِنَّمَا تَوَقَّعَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هَذَا عَلَى تَحْقِيقِ الصِّفَةِ أَنَّهَا مِنْ الصَّدَقَةِ لأََنَّهَا لُقَطَةٌ وَهَذَا كَلاَمُ إنْسَانٍ عَدِيمِ عَقْلٍ وَحَيَاءٍ وَدِينٍ؛ لأََنَّهُ كَلاَمٌ لاَ يُعْقَلُ، وَخِلاَفٌ لِمَفْهُومِ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذِبٌ مُجَاهَرٌ بِهِ، بَارِدٌ غَثٌّ وأعجب شَيْءٍ قَوْلُ بَعْضِهِمْ‏:‏ قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُعْطِيهَا غَنِيًّا غَيْرُهُ، فَكَانَ هُوَ كَذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لاَ شَيْءَ أَسْهَلَ مِنْ الْكَذِبِ الْمَفْضُوحِ عِنْدَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ، ثُمَّ كَذِبُهُمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ وَعَلَى الْعُقُولِ، وَالْحَوَاسِّ، لَيْتَ شِعْرِي مَتَى أُجْمِعُ مَعَهُمْ عَلَى هَذَا، وَمَنْ أَجْمَعَ مَعَهُمْ عَلَى هَذَا، أَبْقِيَةِ الْجَنْدَلِ، وَالْكَثْكَثِ وَأَيْنَ وَجَدُوا هَذَا الْإِجْمَاعَ بَلْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ وَإِذَا أُدْخِلَتْ اللُّقَطَةُ فِي مِلْكِهِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ الَّذِي عَرَّفَهَا فِيهِ، فَإِنْ أَعْطَاهَا غَنِيًّا، أَوْ أَغْنِيَاءَ، أَوْ قَارُونُ لَوْ وَجَدَهُ حَيًّا أَوْ سُلَيْمَانُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ فِي عَصْرِهِ لَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا لاَ شَيْءَ مِنْ الْكَرَاهِيَةِ فِيهِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ قَدْ شَكَّ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي أَمْرِ الْمُلْتَقِطِ بِأَنْ يَسْتَنْفِقَهَا، أَهُوَ مِنْ قَوْلِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَطَعَ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ يَزِيد‏.‏َ قلنا‏:‏ وَقَدْ أَسْنَدَهُ يَحْيَى أَيْضًا وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ فِيهِ؛ لأََنَّهُ سَمِعَهُ مَرَّةً مُسْنَدًا، وَسَمِعَ يَزِيدَ يَقُولُ‏:‏ مِنْ فَتَيَاهُ أَيْضًا‏.‏ ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ لَكِنَّ رَبِيعَةَ لَمْ يَشُكَّ فِي أَنَّهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَشُكَّ بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ رَوَى مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا‏.‏ وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا‏.‏ وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام‏:‏ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ‏.‏ وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ‏:‏ أَنَّ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ حَدَّثَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ‏:‏ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ وَإِلَّا فَاخْلِطْهَا بِمَالِكَ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ سَمِعْت رَبِيعَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ‏:‏ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَاصْنَعْ بِهَا مَا تَصْنَعُ بِمَالِكَ‏.‏ وَرَوَاهُ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عَمْرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللُّقَطَةِ قَالَ‏:‏ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تَعْتَرِفْ فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا، وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ كُلْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ‏.‏ وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ‏:‏ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَالَ لَهُ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي اللُّقَطَةِ‏:‏ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرِّفْ عَدَدَهَا، وَوِكَاءَهَا، وَوِعَاءَهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ، وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ‏.‏ وَعَلَى هَذَا دَلَّ حَدِيثُ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، لاَ مِثْلَ تِلْكَ الْمُلَفَّقَاتِ الْمَكْذُوبَةِ مِنْ مُرْسَلٍ، وَمَجْهُولٍ، وَمِنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ مِنْ طَرِيقٍ لاَ يَزَالُ الْمُخَالِفُونَ يَحْتَجُّونَ بِهَا إذَا وَافَقْتهمْ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ كَيْفَ تَرَى مَا وُجِدَ فِي الطَّرِيقِ الْمِيْتَاءِ، أَوْ فِي الْقَرْيَةِ الْمَسْكُونَةِ قَالَ‏:‏ عَرِّفْ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ بَاغِيهِ فَادْفَعْهُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهِ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ، وَمَا كَانَ فِي الطَّرِيقِ غَيْرَ الْمِيْتَاءِ، وَفِي الْقَرْيَةِ غَيْرَ الْمَسْكُونَةِ‏:‏ فَفِيهِ، وَفِي الرِّكَازِ‏:‏ الْخُمْسُ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَهَذِهِ صَحِيفَةٌ لاَ نَأْخُذُ بِهَا، فَهَذَا حُكْمُ اللُّقَطَةِ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ‏.‏

وَأَمَّا الضَّوَالُّ مِنْ الْحَيَوَانِ فَلَهَا ثَلاَثَةُ أَحْكَامٍ‏:‏ أَمَّا الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فَقَطْ كِبَارُهَا وَصِغَارُهَا تُوجَدُ بِحَيْثُ يُخَافُ عَلَيْهَا الذِّئْبَ، أَوْ مَنْ يَأْخُذُهَا مِنْ النَّاسِ، وَلاَ حَافِظَ لَهَا، وَلاَ هِيَ بِقُرْبِ مَاءٍ مِنْهَا‏:‏ فَهِيَ حَلاَلٌ لِمَنْ أَخَذَهَا سَوَاءٌ جَاءَ صَاحِبُهَا، أَوْ لَمْ يَجِئْ، وَجَدَهَا حَيَّةً، أَوْ مَذْبُوحَةً، أَوْ مَطْبُوخَةً، أَوْ مَأْكُولَةً لاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا‏.‏

وَأَمَّا الْإِبِلُ الْقَوِيَّةُ عَلَى الرَّعْيِ، وَوُرُودِ الْمَاءِ‏:‏ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَخْذُهَا، وَإِنَّمَا حُكْمُهَا‏:‏ أَنْ تُتْرَكَ، وَلاَ بُدَّ، فَمَنْ أَخَذَهَا ضَمِنَهَا إنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ تَلِفَتْ وَكَانَ عَاصِيًا بِذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ لُقَطَةٍ، أَوْ ضَالَّةٍ، يُعَرِّفُ صَاحِبَهَا، فَحُكْمُ كُلِّ ذَلِكَ أَنْ تُرَدَّ إلَيْهِ، وَلاَ تُعَرَّفُ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا كُلُّ مَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ إبِلٍ لاَ قُوَّةَ بِهَا عَلَى وُرُودِ الْمَاءِ وَالرَّعْيِ وَسَائِرُ الْبَقَرِ، وَالْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَالصُّيُودِ كُلِّهَا، الْمُتَمَلَّكَةِ، وَالْأُبَّاقِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، وَمَا أَضَلَّ صَاحِبُهُ مِنْهَا، وَالْغَنَمِ الَّتِي تَكُونُ ضَوَالَّ بِحَيْثُ لاَ يُخَافُ عَلَيْهَا الذِّئْبَ، وَلاَ إنْسَانٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ كُلِّهِ فَفَرَضَ أَخْذَهُ وَضَمَّهُ وَتَعْرِيفَهُ أَبَدًا، فَإِنْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا أَدْخَلَهَا الْحَاكِمُ أَوْ وَاجِدُهَا فِي جَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ سَوَاءٌ كَانَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا أَهْمَلَهُ صَاحِبُهُ لِضَرُورَةٍ، أَوْ لِخَوْفٍ، أَوْ لِهُزَالٍ أَوْ مِمَّا ضَلَّ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ‏:‏ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ‏:‏ خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأََخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْإِبِلِ فَغَضِبَ عليه السلام حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوْ احْمَرَّ وَجْهُهُ وَقَالَ‏:‏ مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ يَقُولُ‏:‏ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأََخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ فَقَالَ‏:‏ كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ قَالَ‏:‏ دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا فَأَمَرَ عليه السلام بِأَخْذِ ضَالَّةِ الْغَنَمِ الَّتِي يَخَافُ عَلَيْهَا الذِّئْبَ أَوْ الْعَادِي وَيَتْرُكُ الْإِبِلَ الَّتِي تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، وَخَصَّهَا بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ اللُّقَطَاتِ وَالضَّوَالِّ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ خِلاَفُ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَأَمَّا مَا عَرَفَ رَبُّهُ فَلَيْسَ ضَالَّةً؛ لأََنَّهَا لَمْ تَضِلَّ جُمْلَةً، بَلْ هِيَ مَعْرُوفَةٌ وَإِنَّمَا الضَّالَّةُ مَا ضَلَّتْ جُمْلَةً فَلَمْ يَعْرِفْهَا صَاحِبُهَا أَيْنَ هِيَ، وَلاَ عَرَفَ وَاجِدُهَا لِمَنْ هِيَ، وَهِيَ الَّتِي أَمَرَ عليه السلام بِنَشْدِهَا‏.‏ وَبَقِيَ حُكْمُ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ حَاشَا مَا ذَكَرْنَا مَوْقُوفًا عَلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى‏}‏ وَمِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى إحْرَازُ مَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ مِنْ مَالِ أَحَدٍ إِلاَّ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ‏:‏ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى عُمَّالِهِ لاَ تَضُمُّوا الضَّوَالَّ فَلَقَدْ كَانَتْ الْإِبِلُ تَتَنَاتَجُ هَمَلاً وَتَرِدُ الْمِيَاهَ لاَ يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَعْتَرِفُهَا فَيَأْخُذُهَا، حَتَّى إذَا كَانَ عُثْمَانُ كَتَبَ‏:‏ أَنْ ضُمُّوهَا وَعَرِّفُوهَا فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُهَا وَإِلَّا فَبِيعُوهَا وَضَعُوا أَثْمَانَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْتَرِفُهَا فَادْفَعُوا إلَيْهَا الأَثْمَانَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الشَّاةِ تُوجَدُ بِالأَرْضِ الَّتِي لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ، فَقَالَ لِي‏:‏ عَرِّفْهَا مَنْ دَنَا لَك، فَإِنْ عُرِفَتْ فَادْفَعْهَا إلَى مَنْ عَرَفَهَا وَإِلَّا فَشَاتُك وَشَاةُ الذِّئْبِ فَكُلْهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ قَالَ‏:‏ سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَقَالَ‏:‏ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا دَعْهَا إِلاَّ أَنْ تَعْرِفَ صَاحِبَهَا فَتَدْفَعُهَا إلَيْهِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ‏:‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ قَالَ‏:‏ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ‏:‏ إنِّي وَجَدْت شَاةً فَقَالَتْ‏:‏ اعْلِفِي وَاحْلِبِي وَعَرِّفِي، ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَتْ‏:‏ تُرِيدِينَ أَنْ آمُرُك بِذَبْحِهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةٍ وَجَدَهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ أَصْلِحْ إلَيْهَا وَانْشُدْ، قَالَ‏:‏ فَهَلْ عَلَيَّ إنْ شَرِبْت مِنْ لَبَنِهَا قَالَ‏:‏ مَا أَرَى عَلَيْك فِي ذَلِكَ‏.‏

وقال أبو حنيفة، وَأَصْحَابُهُ‏:‏ تُؤْخَذُ ضَالَّةُ الْإِبِلِ كَمَا تُؤْخَذُ غَيْرُهَا‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ مَا كَانَ مِنْ الْخَيْلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْبِغَالِ، قَوِيًّا يَرِدُ الْمَاءَ، وَيَرْعَى لَمْ يُؤْخَذْ قِيَاسًا عَلَى الْإِبِلِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا وَمِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ لاَ يَمْتَنِعُ أُخِذَ‏.‏

وقال أبو حنيفة، وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً مِنْ الْغَنَمِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا إنْ أَكَلَهَا

وقال مالك‏:‏ أَمَّا ضَالَّةُ الْغَنَمِ فَمَا كَانَ بِقُرْبِ الْقُرَى فَلاَ يَأْكُلُهَا، وَلَكِنْ يَضْمَنُهَا إلَى أَقْرَبِ الْقُرَى، فَيُعَرِّفُهَا هُنَالِكَ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي الْفَلَوَاتِ وَالْمَهَامِهِ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُهَا أَوْ يَأْخُذُهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَوَجَدَهَا حَيَّةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ وَجَدَهَا مَأْكُولَةً فَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَلاَ يَضْمَنُهَا لَهُ وَاجِدُهَا الَّذِي أَكَلَهَا‏.‏ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِيهَا إنْ وَجَدَهَا مَذْبُوحَةً لَمْ تُؤْكَلْ بَعْدُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَأَمَّا الْبَقَرُ فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهَا السَّبْعَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْغَنَمِ، وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا السَّبْعَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْإِبِلِ يُتْرَكُ كُلُّ ذَلِكَ، وَلاَ يُعْتَرَضُ لَهُ، وَلاَ يُؤْخَذُ‏.‏ وَأَمَّا الْخَيْلُ، وَالْبِغَالُ، وَالْحَمِيرُ، فَلْتُعَرَّفْ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ؛ لأََنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ النَّصَّ، إذْ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْوَالِ وُجُودِ ضَالَّةِ الْغَنَمِ، وَلَيْسَ فِي النَّصِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ وُجُودِ الشَّاةِ صَاحِبُهَا حَيَّةً أَوْ مَأْكُولَةً، فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ، وَلاَ الْقِيَاسَ طَرَدَ، وَلاَ قَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ الْتَزَمَ؛ لأََنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لاَ يُبِيحَ الشَّاةَ لِوَاجِدِهَا أَصْلاً، كَمَا لاَ يُبِيحُ سَائِرَ اللُّقَطَاتِ، إِلاَّ إنْ كَانَ فَقِيرًا بَعْدَ تَعْرِيفِ عَامٍ، وَلاَ نَعْلَمُ فُرُوقَهُ هَذِهِ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلاَ نَعْلَمُ لِقَوْلِهِ حُجَّةً أَصْلاً‏.‏

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهُ جِهَارًا فَمَنَعَ مِنْ الشَّاةِ جُمْلَةً، وَأَمَرَ بِأَخْذِ ضَالَّةِ الْإِبِلِ وَقَدْ غَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا احْمَرَّ لَهُ وَجْهُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، فأما هُوَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ فَيُعْذَرُ لِجَهْلِهِ بِالآثَارِ، وَأَمَّا هَؤُلاَءِ الْخَاسِرُونَ فَوَاَللَّهِ مَا لَهُمْ عُذْرٌ، بَلْ هُمْ قَدْ أَقْدَمُوا عَلَى مَا أَغْضَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلاَنِيَةً، فَحَصَلُوا فِي جُمْلَةِ مَنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ‏}‏ فَمَا أَخْوَفُنَا عَلَيْهِمْ مِنْ تَمَامِ الآيَةِ لأََنَّ الْحُجَّةَ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّ الأَمْوَالَ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا، وَوَاجِبٌ حِفْظُهَا، فَلاَ نَأْخُذُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ

قلنا لَهُمْ‏:‏ قَدْ أَخَذْتُمْ بِذَلِكَ الْخَبَرِ بِعَيْنِهِ فِيمَا أَنْكَرْتُمُوهُ نَفْسَهُ فَأَمَرْتُمْ بِإِتْلاَفِهَا بِالصَّدَقَةِ بِهَا بَعْدَ تَعْرِيفِ سَنَةً، فَمَرَّةً صَارَ عِنْدَكُمْ الْخَبَرُ حُجَّةً، وَمَرَّةً صَارَ عِنْدَكُمْ بَاطِلاً، وَهُوَ ذَلِكَ الْخَبَرُ بِعَيْنِهِ فَمَا هَذَا الضَّلاَلُ وَقَدْ رُوِّينَا لَهُمْ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ‏:‏ إبَاحَةَ شُرْبِ لَبَنِ الضَّالَّةِ، وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَنَقَضَ أَصْلَهُ وَلَمْ يَرَ أَخْذَ الشَّاةِ، وَأَقْحَمَ فِي حُكْمِ الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَأَلْحَقَ بِالْإِبِلِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي النَّصِّ، وَجَعَلَ وُرُودَ الْمَاءِ، وَرَعْيَ الشَّجَرِ عِلَّةً قَاسَ عَلَيْهَا، وَلاَ دَلِيلَ لَهُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ، وَإِنَّ الشَّاةَ لَتَرِدُ الْمَاءَ، وَتَرْعَى مَا أَدْرَكَتْ مِنْ الشَّجَرِ، كَمَا تَفْعَلُ الْإِبِلُ، وَيَمْتَنِعُ مِنْهَا مَا لَمْ تُدْرِكْهُ، كَمَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْإِبِلِ مَا لاَ تُدْرِكُهُ، وَإِنَّ الذِّئْبَ لَيَأْكُلُ الْبَعِيرَ كَمَا يَأْكُلُ الشَّاةَ، وَلاَ مَنَعَةَ عِنْدَ الْبَعِيرِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ الْبَقَرُ فَقَطْ هَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ هِيَ لَكَ أَوْ لأََخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ لَيْسَ تَمْلِيكًا لِلذِّئْبِ، فَكَذَلِكَ لَيْسَ تَمْلِيكًا لِلْوَاجِدِ ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ قَوْلِكُمْ، لأََنَّ الذِّئْبَ لاَ يَمْلِكُ وَالْوَاجِدُ يَمْلِكُ، وَالْوَاجِدُ مُخَاطَبٌ، وَالذِّئْبُ لَيْسَ مُخَاطَبًا، وَقَدْ أُمِرَ الْوَاجِدُ بِأَخْذِهَا، فَزِيَادَتُكُمْ كَاذِبَةٌ مَرْدُودَةٌ عَلَيْكُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ فَظَهَرَ سُقُوطُ هَذِهِ الأَقْوَالِ كُلِّهَا بِتَيَقُّنٍ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَخَذَ بِبَعْضِ الْخَبَرِ وَجَعَلَهُ حُجَّةً وَتَرَكَ بَعْضَهُ وَلَمْ يَرَهُ حُجَّةً‏.‏ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ‏:‏ فَأَخَذَ هَذَا مَا تَرَكَ هَذَا، وَتَرَكَ هَذَا مَا أَخَذَ الآخَرُ، وَهَذَا مَا لاَ طَرِيقَ لِلصَّوَابِ إلَيْهِ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَلَئِنْ كَانَ الْخَبَرُ حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ فَإِنَّهُ لَحُجَّةٌ فِي كُلِّ مَا فِيهِ، إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَ مُخَالَفَةٌ لَهُ بِنَاسِخٍ مُتَيَقَّنٍ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ حُجَّةً فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَكُلُّهُ لَيْسَ حُجَّةً، وَالتَّحَكُّمُ فِي أَوَامِرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَجُوزُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏