فصل: كتاب المعادن والركاز والكنوز:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحيط البرهاني في الفقه النعماني



.كتاب المعادن والركاز والكنوز:

اعلم بأن الكنز اسم لمال مدفون في الأرض دفنه بنو آدم، والمعدن اسم لمال جعلها الله تعالى في الأرضين يوم خلقها، والركاز قد يذكر، ويراد به المعدن وقد يذكر ويراد به الكنز إلا أنه للمعدن حقيقة وللكنز مجاز؛ لأن الركاز مأخوذ من الركز، وهو الإتيان يقال: ركز رمحه في الأرض إذا ثبته فيها، والمثبت في الأرض حقيقة عرق الذهب، فأما الكنز موضوع فيها، وليس بمثبت حقيقة، وأما الكلام في المعدن، فلا يخلو: إما إن وجده في أرض مباحة، أو وجده في أرضه، أو في داره.
فإن وجده في أرض مباحة وجب فيه الخمس، سواء كان معدن ذهب، أو معدن فضة، أو رصاص، أو أصفرًا، ولأن له حكم الغنيمة؛ لأن هذه المواضع كانت في أيدي الكفرة ثم وقعت في أيدينا بحكم القهر، فكانت غنيمة، فيجب فيها الخمس، ويكون أربعة أخماسها للواحد، وكان ينبغي أن يكون للمسلمين الغانمين؛ لأن لها حكم الغنيمة.
والجواب: هذا المال كان مباحًا قبل أخذ الغانمين، والمال المباح إنما يملك بإثبات اليد عليه، كالصيد، ويد الغانمين ثابتة في هذا المال حكمًا لا حقيقة؛ لأن إثبات اليد على ظاهر الأرض إثبات على باطنها حكمًا لا حقيقة، وهو في يد الواحد حقيقة، فاعتبار الحكم إن أوجب الملك للغانمين، فاعتبار الحقيقة لا يوجب الملك لهم، والملك لم يكن ثابتًا لهم، فلا يثبت بالشك والاحتمال، فلا يعطى الأربعة الأخماس حكم الغنيمة في حق الغانمين لهذا المعنى، أما في حق وجوب الخمس أعطيت حكم الغنيمة؛ لأن جهة الحكم توجب الخمس وجهة الحقيقة لا توجب، فيترجح الموجب احتياطًا.
وإن وجده في دار، فليس فيه شيء، وهو لصاحب الدار، وقال أبو يوسف ومحمد: فيه الخمس اعتبارًا بالأرض، والجامع بينهما أنه مال معلوم، ولأبي حنيفة رحمه الله: أن الذهب والفضة التي في المعادن من جملة أجر الأرض؛ لأنها قامت مع الأرض، ولهذا يملكه المشتري بشراء الدار، والدار بسائر أجزائها خلف عن حقوق الله تعالى، وصارت ملكًا للمالك.
ألا ترى أنه لا يجب فيها عشر ولا خراج فكذا هذا الجزء وأما الأرض، ففي الموجود فيه روايتان عن أبي حنيفة ذكر في (الأصل) أنه لا يجب فيه شيء، وسوى بين الموجود في الأرض، والموجود في الدار، وجه ذلك أن سائر أجزاء الأرض سلم له بالعشر والخراج، ولا يجب فيها حق آخر، فكذا هذا الجزء.
وذكر في (الجامع الصغير) أن فيه الخمس، وفرق على هذه الرواية بين الموجود في الأرض، وبين الموجود في الدار، والفرق: أن سائر أجزء الأرض غير سالمة لصاحب الأرض خاليًا عن حق الله تعالى، فإنه يجب فيه عشر، أو خراج، فكذا هذا الجزء، وسائر أجزاء الدار سلم لصاحبها خالية عن حق الله، فكذا هذا الجزء.
وأما قوله: بأن هذا مال معلوم، قلنا: نعم، ولكنه مودع في الأرض، وقد أخذ الخمس من ظاهر الأرض، فجاز أن لا يؤخذ فيما هو مودع فيها.
وأما الكلام في الكنز، فلا يخلو من وجهين الأول: أن يجده في دار الإسلام، وإنه على وجوه:
أحدها: أن يجده في أرض غير مملوكة بحق المغارة والجبال وما أشبهها، فإن كان فيه علامات الإسلام كالمصحف والدراهم المكتوبة فيها الشهادة، وما أشبه ذلك، فهو بمنزلة اللقطة يعرفها حولًا، وإن كان فيه علامات الشرك نحو الصنم والصليب وما أشبهها، ففيه الخمس، وأربعة الأخماس للواجد، وهذا لأنه إذا كان فيه علامات الإسلام، فالظاهر أنه من وضع المسلمين، ومال المسلم لا يصير غنيمة، والمالك ليس بمعلوم، فيكون له حكم اللقطة.
وإذا كان فيه علامات الشرك، فالظاهر أنه من وضع مشركين، وقع في أيدينا بإيجاف الخيل والركاب، فيكون غنيمة، فيجب فيه الخمس، وإن لم يكن فيه علامات تدل على شيء، فهو لقطة في زماننا؛ لأن العهد قد تقادم، فالظاهر أنه لم يبق شيء مما دفنه أهل الحرب، ويستوي أن يكون الواجد صغيرًا أو كبيرًا، أو عبدًا مسلمًا، أو ذميًا؛ لأن استحقاق هذا المال بمنزلة استحقاق الغنيمة، ولجميع من سميت حق في الغنيمة، فيكون لهم حق في استحقاق هذا المال، إلا إن ترجح للعبد والذمي والصبي في القتال، ولا يبلغ نصيبهم السهم تحرز عن المساواة بين التبع والمتبوع عند المزاحمة، وهنا لا تزاحم للواجد في الاستحقاق حتى يصير التفاضل، فلهذا كان الواجد حربيًا مستأمنًا لا يعطى له شيء؛ لأنه لا حظ لأهل الحرب من غنيمة المسلمين إلا أن يكون الحربي عمل بإذن الإمام وشرطه وتعاطيه، فعليه أن يفي بشرطه؛ لأن الوفاء بالشرط واجب قال عليه السلام «المسلمون عند شروطهم».
وإن وجده في دار مملوكة له، وفيه علامات الشرك، أو لم يكن فيه، الخمس وأربعة أخماسه للمختط له عند أبي حنيفة، ومحمد، وهو الذي اختطه الإمام حين فتح أهل الإسلام تلك البلدة إن كان فيئًا، ولا شيء للواجد، وقال أبو يوسف: هو للواجد؛ لأن هذا مال مباح سبقت إليه يده الحقيقية، فيكون أحق به كما لو وجده في المغارة.
بيانه: إن هذا المال كان مباحًا، والمباح يملك بإثبات اليد، ويد المختط له، تثبت على هذا المال حكمًا لا حقيقة، ويد الواجد تثبت عليها حقيقة، فاعتبار الحكم إن كان يقتضي ثبوت الملك للمختط له فاعتبار الحقيقة يقتضي ثبوت الملك للواجد، فيترجح الواجد؛ لأن الحقيقي فوق الحكمي.
ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: أن يد المختط له على الكنز سبقت يد الواجد، فيكون ملكًا له كالمعدن، وهذا لأن اليد على ما في باطن الأرض تثبت حكمًا لثبوتها على الظاهر؛ لأن قبل القسمة تلك يد عموم، وبعد الاختطاط تصير يد خصوص، واليد الحكمية تكفي لثبوت الملك في المباح إذا كانت يد خصوص، ولا تكفي إذا كانت يد عموم تعتبر اليد الحكمية باليد الحقيقية، واليد إذا كان يد خصوص تفيد الملك على وجه يكفي لنفاذ التصرف.
ألا ترى أن تصرف الغازي في الغنيمة قبل القسمة لا ينفذ، وبعد القسمة ينفذ، فكذا اليد الحكمية، فيثبت الملك للمختط باليد الحكمية، ثم المختط له إن باع، وتناولته الأيدي لا يبطل ملكه في الكنز؛ لأن البيع تناول الدار، والكنز ليس من أجزاء الدار، والمشتري وإن استولى على الكنز لا يملكه، لأن الكنز للمختط له، وإنه مسلم، ومال المسلم لا يملك بالاستيلاء.
الوجه الثاني: إذا وجد كنزًا في دار الحرب، فاعلم بأن محمدًا رحمه الله وضع هذه المسألة في (الجامع الصغير)، وفي (الأصل) في الركاز، فقال:
مسلم دخل دار الحرب بأمان، ووجد في دار بعضهم ركازًا رده عليهم، وإن وجده في الصحراء يريد به موضعًا، لا يكون مملوكًا لأحد كالمغارة ونحوها، فهو له، ولا شيء فيه، قال شيخ الإسلام: أراد بالركاز في هذه المسألة المعدن دون الكنز؛ لأن الموجود في الصحراء إن كان كنزًا يلزمه الرد عليهم؛ لأن الداخل دار الحرب بأمان التزم أن لا يغدر بهم، وفي أخذ الكنز من دارهم غدر وخيانة لما فيه من التعرض بملكهم؛ لأن المدفون ملكهم سواء في الصحراء، أو في دار.
والقدوري ذكر هذه المسألة في (شرحه)، ووضعها في الكنز، وجعل الجواب فيه على نحو ما ذكره محمد رحمه الله في (الأصل) وفي (الجامع الصغير)، فهذا يبين لك أن الكنز والمعدن في هذه الصورة واحد.
ووجه ذلك: أن يد صاحب الدار حقيقة، فتعتبر ثابتة على ما في باطن الدار حكمًا، والأمان يمنع إزالة يدهم عما فيها، فأما الصحراء، فلا يد لأحد ظاهرة حقيقة حتى تعتبر ثابتة على ما في باطنه حكمًا، فلا يمنع الأمان أخذه كما لا يمنع أخذ الحطب والحشيش.
ولا خمس في العنبر والروح الذي يوجد في الجبال، وكذا في الياقوت والزمرد؛ لأنه ليس له حكم الغنيمة؛ لأنه لم يكن في يد أحد، وليس له معدن إنما يوجد بالطلب، فكان كالصيد بخلاف الكنز؛ لأن الكنز كان مملوكًا للكفرة، وكان في أيديهم، ثم كنزوها، فيكون له حكم الغنيمة، فيجب فيه الخمس.
ولا خمس في الذهب والفضة يستخرجان من البحر، وكذلك جميع ما يستخرج من البحر كالعنبر واللؤلؤ، فلا خمس فيه ليس بغنيمة؛ لأن الغنيمة ما كان في أيدي الكفرة، ثم صار في أيدينا بحكم القهر والغلبة، وباطن البحر لا يرد عليه يد أحد، ولا قهر أحد، فلم يكن غنيمة، وفي كل موضع وجب الخمس لو دفع الواجد الخمس بنفسه إلى الفقراء، ولم يدفعه إلى السلطان لا يأخذ منه السلطان ثانيًا بخلاف زكاة السوائم، ولو دفع الواجد الخمس إلى والديه، أو إلى والده، وهم فقراء يجوز بخلاف الزكاة والكفارات وصدقة الفطر، ويجوز له أن يحبس الخمس لنفسه إذا كان أربعة الأخماس لا يكفيه لحديث علي رضي الله عنه.
قال محمد رحمه الله: في آخر كتاب الزكاة من (الأصل) فصل في بيان بيوت الأموال: يجب أن تكون بيت الأموال أربعة:
أحدها: بيت مال الزكاة والعشور والكفارات إذا وصلت إلى يد الإمام.
والثاني: بيت مال الخراج والجزية التي نقلت، وما يأخذه العاشر من الكفرة.
والثالث: فصل في بيان بيوت الأموال: بيت مال الخمس يعني خمس الغنائم والمعادن والركاز والكنوز.
والرابع: بيت مال اللقطات والتركات، وإنما وجب أن يكون بيوت المال أربعة أما بيت مال الزكاة والخراج والخمس؛ فلأن بكل مال منها حكم يختص به لا يشاركه مال آخر فيه، فمتى جعل الكل في بيت واحد، وخلطه لا يمكنه إقامة حكم كل مال، وأما بيت مال اللقطات والتركات؛ لأنه ربما يظهر لها مستحق بعينها، فلو خلطها بغيرها لا يمكنه ردها بعينها على مستحقها، فيجعل بيوت المال أربعة لهذا.
بيان ذلك: إن مال الزكاة، وعشور الأراضي مصروفة إلى المذكور في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء} [التوبة: 60] إلا أنه لا يجوز صرفها إلى المقاتلة، ولا إلى فقراء بني هاشم، وقال: الخراج والجزية تصرف إلى المقاتلة، وإلى سد ثغور المسلمين، وبناء الحصون في الثغور، وإلى مراصد الطريق في دار الإسلام ليقع الأمن عن قطع الطريق من جهة اللصوص، وإلى كري الأنهار العظام الذي فيه صلاح المسلمين، وإلى من فرغ نفسه لعمل المسلمين نحو القضاة والمحتسب والمفتين والمؤذنين والمعلمين، وإلى عمارة المساجد والقناطر، وإلى معالجة المرضى إذا كانوا فقراء، وإلى تكفين الموتى الذين لا مال لهم، وإلى نفقة اللقيط وعقل حياته، وما أشبه ذلك.
والحاصل: أن هذا النوع يصرف إلى ما فيه صلاح الدين، وصلاح دار الإسلام والمسلمين، ومال الخمس يصرف إلى فقراء المسلمين الهاشمي وغيره سواء، اللقطات والتركات تصرف إلى ما فيه صلاح المسلمين كمال الخراج والجزية، إلا أنه يجعل لها بيت على حدة، لما ذكرنا أنه ربما يظهر لها مستحق بعينها.
ولو كان في بعض بيوت هذه الأمور مال، ولم يكن في البعض مال، فللإمام أن يصرف مال ذلك البيت إلى هذا البيت عند الحاجة حتى إذا لم يكن في بيت مال الخراج مال، وفي بيت مال الصدقة مال، فالإمام يأخذ بيت مال الصدقة، ويصرفه إلى المقاتلة، ثم إذا وصل إليه مال الخراج، يرد على بيت مال الصدقة مثل ما أخذ؛ لأنه لا حق للمقاتلة في مال الصدقة، وإنما صرف إليهم على وجه القرض، فيرد مثله عند القدرة، إلا إذا صرف إلى فقراء المقاتلة، فحينئذٍ لا يرد؛ لأنه صرفه إلى مصرفه.
ولو لم يكن في بيت مال الصدقة مال، وصرف مال الخراج إلى الفقراء، ثم وصل إليه مال الصدقات، لا يرد مثله إلى بيت مال الخراج؛ لأن الخراج له حكم الغنيمة، وللفقراء حظ من الغنيمة، وإنما كان لا يعطي الفقير من مال الخراج؛ لاستغنائه بالصدقات، فإذا احتاج وصرف إليه كان الصرف إلى المصرف، فلا يصير قرضًا، والله أعلم.