فصل: قَاعِدَةٌ: فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.قَاعِدَةٌ: فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ:

الْأَصْلُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ، إِذَا كَانَ السُّؤَالُ مُتَوَجِّهًا، وَقَدْ يُعْدَلُ فِي الْجَوَابِ عَمَّا يَقْتَضِيهِ السُّؤَالُ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّ السُّؤَالِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ. وَيُسَمِّيهِ السَّكَّاكِيُّ: الْأُسْلُوبَ الْحَكِيمَ.
وَقَدْ جِيءَ الْجَوَابُ أَعَمَّ مِنَ السُّؤَالِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي السُّؤَالِ وَقَدْ يَجِيءُ أَنْقَصَ لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ ذَلِكَ.
مِثَالُ مَا عُدِلَ عَنْهُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [الْبَقَرَة: 189].
سَأَلُوا عَنِ الْهِلَال: لِمَ يَبْدُو دَقِيقًا مِثْلَ الْخَيْطِ ثُمَّ يَتَزَايَدُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَمْتَلِئَ، ثُمَّ لَا يَزَالُ يَنْقُصُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا بَدَأَ؟ فَأُجِيبُوا بِبَيَانِ حِكْمَةِ ذَلِكَ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْأَهَمَّ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ لَا مَا سَأَلُوا عَنْهُ. كَذَا قَالَ السَّكَّاكِيُّ وَمُتَابِعُوهُ. وَاسْتَرْسَلَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي الْكَلَامِ إِلَى أَنْ قَالَ: لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يَطَّلِعُ عَلَى دَقَائِقِ الْهَيْئَةِ بِسُهُولَةٍ.
وَأَقُولُ: لَيْتَ شِعْرِي، مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ غَيْرِ مَا حَصَلَ الْجَوَابُ بِهِ! وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ لِيَعْلَمُوهَا؟ فَإِنَّ نَظْمَ الْآيَةِ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِمَا قَالُوهُ. وَالْجَوَابُ بِبَيَانِ الْحِكْمَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْجِيحِ الِاحْتِمَالِ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَقَرِينَةٌ تُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ؛ إِذِ الْأَصْلُ فِي الْجَوَابِ الْمُطَابَقَةُ لِلسُّؤَالِ، وَالْخُرُوجُ عَنِ الْأَصْلِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَمْ يَرِدْ بِإِسْنَادٍ لَا صَحِيحٍ وَلَا غَيْرِهِ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ، بَلْ وَرَدَ مَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ، فَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُمْ «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ خُلِقَتِ الْأَهِلَّةُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}». فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ، لَا عَنْ كَيْفِيَّتِهِ مِنْ جِهَةِ الْهَيْئَةِ. وَلَا يَظُنُّ ذُو دِينٍ بِالصَّحَابَةِ- الَّذِينَ هُمْ أَدَقُّ فَهْمًا، وَأَغْزَرُ عِلْمًا- أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يَطَّلِعُ عَلَى دَقَائِقِ الْهَيْئَةِ بِسُهُولَةٍ، وَقَدِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا آحَادُ الْعَجَمِ الَّذِينَ أَطْبَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُمْ أَبْلَدُ أَذْهَانًا مِنَ الْعَرَبِ بِكَثِيرٍ، هَذَا لَوْ كَانَ لِلْهَيْئَةِ أَصْلٌ مُعْتَبَرٌ، فَكَيْفَ وَأَكْثَرُهَا فَاسِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ؟ وَقَدْ صَنَّفْتُ كِتَابًا فِي نَقْضِ أَكْثَرِ مَسَائِلِهَا بِالْأَدِلَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي صَعَدَ إِلَى السَّمَاءِ، وَرَآهَا عِيَانًا، وَعَلِمَ مَا حَوَتْهُ مِنْ عَجَائِبِ الْمَلَكُوتِ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَأَتَاهُ الْوَحْيُ مِنْ خَالِقِهَا. وَلَوْ كَانَ السُّؤَالُ وَقَعَ عَمَّا ذَكَرُوهُ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُجَابُوا عَنْهُ بِلَفْظٍ يَصِلُ إِلَى أَفْهَامِهِمْ؛ كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ لَمَّا سَأَلُوا عَنِ الْمَجَرَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَلَكُوتِيَّاتِ.
نِعْمَ الْمِثَالُ الصَّحِيحُ لِهَذَا الْقِسْمِ جَوَابُ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ حَيْثُ قَالَ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} [الشُّعَرَاء: 23- 24]؛ لِأَنَّ (مَا) سُؤَالٌ عَنِ الْمَاهِيَّةِ وَالْجِنْسِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا السُّؤَالُ فِي حَقِّ الْبَارِئِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَطَأً؛ لِأَنَّهُ لَا جِنْسَ لَهُ فَيُذْكَرُ، وَلَا تُدْرَكُ ذَاتُهُ، عَدَلَ إِلَى الْجَوَابِ بِالصَّوَابِ، بِبَيَانِ الْوَصْفِ الْمُرْشِدِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَلِهَذَا تَعَجَّبَ فِرْعَوْنُ مِنْ عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِلسُّؤَالِ، فَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ: {أَلَا تَسْتَمِعُونَ} [الشُّعَرَاء: 25] أَيْ: جَوَابُهُ الَّذِي لَمْ يُطَابِقِ السُّؤَالَ، فَأَجَابَ مُوسَى بِقَوْلِه: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} [الشُّعَرَاء: 26] الْمُتَضَمِّنِ إِبْطَالَ مَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ رُبُوبِيَّةِ فِرْعَوْنَ نَصًّا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ فِي الْأَوَّلِ ضِمْنًا، إِغْلَاظًا، فَزَادَ فِرْعَوْنُ فِي الِاسْتِهْزَاءِ، فَلَمَّا رَآهُمْ مُوسَى لَمْ يَتَفَطَّنُوا، أَغْلَظَ فِي الثَّالِث: بِقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [الشُّعَرَاء: 28].
وَمِثَالُ الزِّيَادَةِ فِي الْجَوَابِ فِي الْقُرْآن: قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ} [الْأَنْعَام: 643] فِي جَوَابِ {مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الْأَنْعَام: 63].
وَقَالَ مُوسَى {هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} [طه: 18] فِي جَوَابِ {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] زَادَ فِي الْجَوَابِ اسْتِلْذَاذًا بِخِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ: {نعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشُّعَرَاء: 71] فِي جَوَاب: {مَا تَعْبُدُونَ} [الشُّعَرَاء: 70] زَادُوا فِي الْجَوَابِ إِظْهَارًا لِلِابْتِهَاجِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى مُوَاظَبَتِهَا، لِيَزْدَادَ غَيْظُ السَّائِلِ.
وَمِثَالُ النَّقْصِ مِنْهُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِيَ أَنْ أُبَدِّلَهُ} [يُونُسَ: 15] فِي جَوَاب: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهِ} أَجَابَ عَنِ التَّبْدِيلِ دُونَ الِاخْتِرَاعِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِأَنَّ التَّبْدِيلَ فِي إِمْكَانِ الْبَشَرِ دُونَ الِاخْتِرَاعِ. فَطَوَى ذِكْرَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ سُؤَالٌ مُحَالٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّبْدِيلُ أَسْهَلُ مِنَ الِاخْتِرَاعِ، وَقَدْ نُفِيَ إِمْكَانُهُ، فَالِاخْتِرَاعُ أَوْلَى.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُعْدَلُ عَنِ الْجَوَابِ أَصْلًا إِذَا كَانَ السَّائِلُ قَصْدُهُ التَّعَنُّتُ، نَحْوَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الْإِسْرَاء: 85]. قَالَ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ: إِنَّمَا سَأَلَ الْيَهُودُ تَعْجِيزًا وَتَغْلِيظًا، إِذْ كَانَ الرُّوحُ يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى رُوحِ الْإِنْسَانِ وَالْقُرْآنِ وَعِيسَى وَجِبْرِيلَ وَمَلَكٍ آخَرَ وَصِنْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَقَصَدَ الْيَهُودُ أَنْ يَسْأَلُوهُ، فَبِأَيِّ مُسَمًّى أَجَابَهُمْ؟ قَالُوا: لَيْسَ هُوَ، فَجَاءَهُمُ الْجَوَابُ مُجْمَلًا، وَكَانَ هَذَا الْإِجْمَالُ كَيْدًا يَرُدُّ بِهِ كَيْدَهُمْ.

.قَاعِدَةٌ: أَصْلُ الْجَوَابِ أَنْ يُعَادَ فِيهِ نَفْسُ السُّؤَالِ:

قِيلَ: أَصْلُ الْجَوَابِ أَنْ يُعَادَ فِيهِ نَفْسُ السُّؤَال: لِيَكُونَ وِفْقَهُ، نَحْوَ: {أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ} [يُوسُفَ: 90] فَـ: (أَنَا) فِي جَوَابِهِ هُوَ (أَنْتَ) فِي سُؤَالِهِمْ.
وَكَذَا {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آلِ عِمْرَانَ: 81] فَهَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أُتُوا عِوَضَ ذَلِكَ بِحُرُوفِ الْجَوَابِ، اخْتِصَارًا وَتَرْكًا لِلتَّكْرَارِ.
وَقَدْ يُحْذَفُ السُّؤَالُ مِنَ الإجابة ثِقَة بِفَهْمِ السَّامِعِ ثِقَةً بِفَهْمِ السَّامِعِ بِتَقْدِيرِهِ، نَحْوَ: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [يُونُسَ: 34]، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ مِنْ وَاحِدٍ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ (قُلِ اللَّهُ) جَوَابَ سُؤَالٍ، كَأَنَّهُمْ سَأَلُوا لَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ: فَمَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ؟.

.قَاعِدَةٌ: الْأَصْلُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ مُشَاكِلًا لِلسُّؤَالِ:

الْأَصْلُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ مُشَاكِلًا لِلسُّؤَال: فَإِنْ كَانَ جُمْلَةً اسْمِيَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ. وَيَجِيءُ كَذَلِكَ فِي الْجَوَابِ الْمُقَدَّرِ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ مَالِكٍ قَالَ فِي قَوْلِكَ: زَيْدٌ، فِي جَوَاب: مَنْ قَرَأَ؟ إِنَّهُ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْفِعْلِ، عَلَى جَعْلِ الْجَوَابِ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً. قَالَ: وَإِنَّمَا قَدَّرْتُهُ كَذَلِكَ- لَا مُبْتَدَأً- مَعَ احْتِمَالِهِ.. جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْأَجْوِبَةِ إِذَا قَصَدُوا تَمَامَهَا. قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا} [يس: 78- 79]، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزُّخْرُف: 9]، {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [الْمَائِدَة: 4]. فَلَمَّا أَتَى بِالْفِعْلِيَّةِ مَعَ فَوَاتِ مُشَاكَلَةِ السُّؤَالِ، عُلِمَ أَنَّ تَقْدِيرَ الْفِعْلِ أَوَّلًا أَوْلَى. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ فِي الْبُرْهَانِ: أَطْلَقَ النَّحْوِيُّونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ (زَيْدًا) فِي جَوَاب: مَنْ قَامَ؟ فَاعِلٌ، عَلَى تَقْدِير: قَامَ زَيْدٌ؛ وَالَّذِي تُوجِبُهُ صِنَاعَةُ عِلْمِ الْبَيَانِ فِي الْفَاعِلِ الَّذِي حُذِفَ فِعْلُهُ فِي إجابة سُؤَال: أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ لِوَجْهَيْن:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُطَابِقُ الْجُمْلَةَ الْمَسْئُولَ بِهَا فِي الِاسْمِيَّةِ، كَمَا وَقَعَ التَّطَابُقُ فِي قوله: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} [النَّحْل: 30] فِي الْفِعْلِيَّةِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعِ التَّطَابُقُ فِي قوله: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [النَّحْل: 24]؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ طَابَقُوا لَكَانُوا مُقِرِّينَ بِالْإِنْزَالِ؛ وَهُمْ مِنَ الْإِذْعَانِ بِهِ عَلَى مَفَاوِزَ.
الثَّانِي: أَنَّ اللَّبْسَ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ السَّائِلِ إِلَّا فِيمَنْ فَعَلَ الْفِعْلَ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْفَاعِلُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلَّقُ غَرَضِ السَّائِلِ، وَأَمَّا الْفِعْلُ فَمَعْلُومٌ عِنْدَهُ؛ وَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى السُّؤَالِ عَنْهُ، فَحَرِيٌّ أَنْ يَقَعَ فِي الْأَوَاخِرِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ التَّكْمِلَاتِ وَالْفَضَلَاتِ.
وَأَشْكَلَ عَلَى هَذَا {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} [الْأَنْبِيَاء: 63] فِي جَوَابِ {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا} [الْأَنْبِيَاء: 62]؛ فَإِنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنِ الْفَاعِلِ لَا عَنِ الْفِعْلِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَفْهِمُوهُ عَنِ الْكَسْرِ، بَلْ عَنِ الْكَاسِرِ، وَمَعَ ذَلِكَ صَدَرَ الْجَوَابُ بِالْفِعْلِ.
وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الْجَوَابَ مُقَدَّرٌ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، إِذْ (بَلْ) لَا تَصْلُحُ أَنْ يَصْدُرَ بِهَا الْكَلَامُ وَالتَّقْدِيرُ: (مَا فَعَلْتُهُ بَلْ فَعَلَهُ).
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِر: حَيْثُ كَانَ السُّؤَالُ مَلْفُوظًا بِهِ فَالْأَكْثَرُ تَرْكُ الْفِعْلِ فِي الْجَوَابِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الِاسْمِ وَحْدَهُ، وَحَيْثُ كَانَ مُضْمَرًا فَالْأَكْثَرُ التَّصْرِيحُ بِهِ لِضَعْفِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ. وَمِنْ غَيْرِ الْأَكْثَرِ {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ} [النُّور: 36- 37] فِي قِرَاءَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.
فَائِدَةٌ: أَخْرَجَ الْبَزَّارُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَوْمًا خَيْرًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَأَلُوهُ إِلَّا عَنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، كُلُّهَا فِي الْقُرْآنِ.
وَأَوْرَدَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ بِلَفْظِ (أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا)، وَقَالَ: مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ فِي الْبَقَرَة:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} [الْبَقَرَة: 186].
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [الْبَقَرَة: 189].
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ} [الْبَقَرَة: 215].
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [الْبَقَرَة: 217].
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [الْبَقَرَة: 219].
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [الْبَقَرَة: 220].
{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [الْبَقَرَة: 219].
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [الْبَقَرَة: 222].
وَالتَّاسِعُ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} [الْمَائِدَة: 4].
وَالْعَاشِرُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الْأَنْفَال: 1].
وَالْحَادِيَ عَشَرَ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [النَّازِعَات: 42].
وَالثَّانِي عَشَرَ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} [طه: 105].
وَالثَّالِثَ عَشَرَ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الْإِسْرَاء: 85].
وَالرَّابِعَ عَشَرَ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} [الْكَهْف: 83].
قُلْتُ: السَّائِلُ عَنِ الرُّوحِ وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فِي سُورَةِ الإسراء وَالْكَهْف مُشْرِكُو مَكَّةَ وَالْيَهُودُ، كَمَا فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ، لَا الصَّحَابَةُ فَالْخَالِصُ اثْنَا عَشَرَ، كَمَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الرَّاغِبُ: السُّؤَالُ إِذَا كَانَ لِلتَّعْرِيفِ تَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي:، تَارَةً بِنَفْسِهِ وَتَارَةً بـ: (عَنْ) وَهُوَ أَكْثَرُ، نَحْوَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الْإِسْرَاء: 85]. وَإِذَا كَانَ لِاسْتِدْعَاءِ مَالٍ فَإِنَّهُ يُعَدَّى بِنَفْسِهِ أَوْ بِمِنْ، وَبِنَفْسِهِ أَكْثَرُ، نَحْوَ: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الْأَحْزَاب: 53]. {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} [الْمُمْتَحِنَة: 10]. {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مَنْ فَضْلِهِ} [النِّسَاء: 32].

.قَاعِدَةٌ: فِي الْخِطَابِ بِالِاسْمِ وَالْخِطَابِ بِالْفِعْلِ:

الِاسْمُ يَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ وَالِاسْتِمْرَارِ، وَالْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ، وَلَا يَحْسُنُ وَضْعُ أَحَدِهِمَا مَوْضِعَ الْآخَر:
فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} [الْكَهْف: 18] وَقِيلَ: (يَبْسُطُ) لَمْ يُؤَدِّ الْغَرَضَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِنُ بِمُزَاوَلَةِ الْكَلْبِ الْبَسْطَ، وَأَنَّهُ يَتَجَدَّدُ لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ، فَبَاسِطٌ أَشْعَرَ بِثُبُوتِ الصِّفَةِ.
وَقَوْلُهُ: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ} [فَاطِرٍ: 3].
لَوْ قِيلَ: (رَازِقُكُمْ) لَفَاتَ مَا أَفَادَهُ الْفِعْلُ مِنْ تَجَدُّدِ الرِّزْقِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَلِهَذَا جَاءَتِ الْحَالُ فِي صُورَةِ الْمُضَارِعِ، مَعَ أَنَّ الْعَامِلَ الَّذِي يُفِيدُهُ مَاضٍ، نَحْوَ: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} [يُوسُفَ: 16] إِذِ الْمُرَادُ أَنْ يُفِيدَ صُورَةَ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَقْتَ الْمَجِيءِ، وَأَنَّهُمْ آخِذُونَ فِي الْبُكَاءِ يُجَدِّدُونَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَهُوَ الْمُسَمَّى حِكَايَةُ الْحَالِ الْمَاضِيَةَ، وَهَذَا هُوَ سِرُّ الْإِعْرَاضِ عَنِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ.
وَلِهَذَا أَيْضًا عُبِّرَ بـ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ} وَلَمْ يَقُلْ: (الْمُنْفِقُونَ)، كَمَا قِيلَ: (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُتَّقُونَ)؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ أَمْرٌ فِعْلِيٌّ، شَأْنُهُ الِانْقِطَاعُ وَالتَّجَدُّدُ. بِخِلَافِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ لَهُ حَقِيقَةً تَقُومُ بِالْقَلْبِ، يَدُومُ مُقْتَضَاهَا، وَكَذَلِكَ التَّقْوَى وَالْإِسْلَامُ وَالصَّبْرُ وَالشُّكْرُ وَالْهُدَى وَالْعَمَى وَالضَّلَالَةُ وَالْبَصَرُ؛ كُلُّهَا لَهَا مُسَمَّيَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ أَوْ مَجَازِيَّةٌ تَسْتَمِرُّ، وَآثَارٌ تَتَجَدَّدُ وَتَنْقَطِعُ، فَجَاءَتْ بِالِاسْتِعْمَالَيْنِ.
وَقَالَ تَعَالَى: فِي سُورَةِ الْأَنْعَام: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [الْأَنْعَام: 95] قَالَ: الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّين: لَمَّا كَانَ الِاعْتِنَاءُ بِشَأْنِ إِخْرَاجِ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ أَشَدَّ أَتَى فِيهِ بِالْمُضَارِعِ، لِيَدُلَّ عَلَى التَّجَدُّدِ، كَمَا فِي قَوْلِه: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [الْبَقَرَة: 15].
تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ بِالتَّجَدُّدِ فِي الْمَاضِي وَالْمُضَارِع الْحُصُولُ: وَفِي الْمُضَارِعِ أَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَكَرَّرَ وَيَقَعَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِه: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [الْبَقَرَة: 15].
قَالَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ: وَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْجَوَابُ عَمَّا يُورَدُ مِنْ نَحْو: (عَلِمَ اللَّهُ كَذَا) فَإِنَّ عِلْمَ اللَّهِ لَا يَتَجَدَّدُ، وَكَذَا سَائِرُ الصِّفَاتِ الدَّائِمَةِ الَّتِي يُسْتَعْمَلُ فِيهَا الْفِعْلُ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ مَعْنَى (عَلِمَ اللَّهُ كَذَا) بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَقَعَ عِلْمُهُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَلَا يَلْزَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعِلْمَ فِي زَمَنٍ مَاضٍ أَعَمُّ مِنَ الْمُسْتَمِرِّ عَلَى الدَّوَامِ قَبْلَ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَبَعْدَهُ وَغَيْرَهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشُّعَرَاء: 78]، الْآيَاتِ، فَأَتَى بِالْمَاضِي فِي الْخَلْقِ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، وَبِالْمُضَارِعِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِطْعَامِ وَالْإِسْقَاءِ وَالشِّفَاءِ، لِأَنَّهَا مُتَكَرِّرَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ تَقَعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
الثَّانِي: مُضْمَرُ الْفِعْلِ فِيمَا ذَكَرَ كَمُظْهَرِهِ، وَلِهَذَا قَالُوا: إِنَّ سَلَامَ الْخَلِيلِ أَبْلَغُ مِنْ سَلَامِ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ: {فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [هُودٍ: 69] فَإِنَّ نَصْبَ (سَلَامًا) إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى إِرَادَةِ الْفِعْلِ، أَيْ: سَلَّمْنَا سَلَامًا، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ مُؤْذِنَةٌ بِحُدُوثِ التَّسْلِيمِ مِنْهُمْ، إِذِ الْفِعْلُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ وُجُودِ الْفَاعِلِ. بِخِلَافِ سَلَامِ إِبْرَاهِيمَ؛ فَإِنَّهُ مُرْتَفِعٌ بِالِابْتِدَاءِ، فَاقْتَضَى الثُّبُوتَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا يَعْرِضُ لَهُ الثُّبُوتُ، فَكَأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يُحَيِّيَهُمْ بِأَحْسَنِ مِمَّا حَيَّوْهُ بِهِ.
الثَّالِثُ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلَالَةِ الِاسْمِ عَلَى الثُّبُوتِ، وَالْفِعْلِ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ، هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْبَيَان: وَقَدْ أَنْكَرَهُ أَبُو الْمُطَرِّفِ بْنُ عُمَيْرَةَ فِي كِتَابِ التَّمْوِيهَاتِ عَلَى التِّبْيَانِ لِابْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ، وَقَالَ: إِنَّهُ غَرِيبٌ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ، فَإِنَّ الِاسْمَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ فَقَطْ؛ أَمَّا كَوْنُهُ يُثْبِتُ الْمَعْنَى لِلشَّيْءِ فَلَا. ثُمَّ أَوْرَدَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 15- 16]. وَقَوْلَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 57- 58].
وَقَالَ ابْنُ الْمُنَيِّر: طَرِيقَةُ الْعَرَبِيَّةِ تَلْوِينُ الْكَلَامِ، وَمَجِيءُ الْفِعْلِيَّةِ تَارَةً وَالِاسْمِيَّةِ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ لِمَا ذَكَرُوهُ، وَقَدْ رَأَيْنَا الْجُمْلَةَ الْفِعْلِيَّةَ تَصْدُرُ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ الْخُلَّصِ، اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ بِدُونِ التَّأْكِيدِ، نَحْوَ: {رَبَّنَا آمَنَّا} [آلِ عِمْرَانَ: 53]. وَلَا شَيْءَ بَعْدَ {آمَنَ الرَّسُولُ} [الْبَقَرَة: 285] وَقَدْ جَاءَ التَّأْكِيدُ فِي كَلَامِ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالُوا: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [الْبَقَرَة: 11].