فصل: مسَائِل الْأَفْعَال:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التبصرة في أصول الفقه



.مَسْأَلَة: (7) إِنَّمَا تدخل فِي الْكَلَام لإِثْبَات الحكم فِي الْمَذْكُور وَحده ونفيه عَمَّا عداهُ:

وَبِه قَالَ القَاضِي أَبُو حَامِد مَعَ نَفْيه لدَلِيل الْخطاب، وَقَالَ كثير من الْمُتَكَلِّمين لَا يَقْتَضِي نفي الحكم عَمَّا عداهُ.
لنا هُوَ أَن هَذَا اللَّفْظ لَا يسْتَعْمل فِي عرف أهل اللِّسَان إِلَّا فِيمَا ذَكرْنَاهُ يدلك عَلَيْهِ هُوَ أَن رجلا لَو قَالَ لغيره هَل فِي الدَّار غير زيد فَقَالَ لَهُ إِنَّمَا فِي الدَّار زيد كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة قَوْله لَيْسَ فِي الدَّار غير زيد وَلَو لم يقتض إِثْبَات الحكم فِي الْمَذْكُور وَالنَّفْي عَمَّا عداهُ لما صَار بذلك مجيبا ويدلك عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الله إِلَه وَاحِد} وَالْمرَاد بِهِ لَا إِلَه إِلَّا وَاحِد وَقَول الشَّاعِر:
أَنا الرجل الحامي الذمار وَإِنَّمَا ** يدافع عَن أحسابهم أَنا أَو مثلي

وَالْمرَاد بِهِ مَا ذَكرْنَاهُ.
وَاحْتَجُّوا بِأَن هَذِه الْكَلِمَة تدخل فِي الْكَلَام لتأكيد الْمَذْكُور أما فِي نفي أَو إِثْبَات وَقد بَينا أَن النَّفْي لَا يدل على الْإِثْبَات وَالْإِثْبَات لَا يدل على النَّفْي.
وَالْجَوَاب: أَنا قد بَينا أَنه يدْخل لإِثْبَات الحكم الْمَذْكُور بعده وَنفي مَا عداهُ فَسقط مَا قَالُوهُ.

.مسَائِل الْأَفْعَال:

.مَسْأَلَة: (1) مَا فعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلم أَنه فعله على وَجه الْوُجُوب أَو الِاسْتِحْبَاب أَو الْإِبَاحَة شاركته الْأمة فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَا أَمر بِهِ شاركته الْأمة فِيهِ مَا لم يدل الدَّلِيل على تَخْصِيصه:

وَقَالَت الأشعرية: لَا تشاركه فِيهِ الْأمة إِلَّا بِدَلِيل.
لنا قَوْله تَعَالَى {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} وَقَوله تَعَالَى {فَاتَّبعُوهُ} وَقَوله تَعَالَى {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا لكَي لَا يكون على الْمُؤمنِينَ حرج فِي أَزوَاج أدعيائهم إِذا قضوا مِنْهُنَّ وطرا} فَأخْبر أَنه زوجه بِامْرَأَة زيد ليدل على أَنه يجوز لكل أحد أَن يتَزَوَّج امْرَأَة من تبناه، وَأَيْضًا مَا رُوِيَ أَن رجلا سَأَلَ أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا عَمَّن قبل امْرَأَته وَهُوَ صَائِم فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبرته أَنِّي أفعل ذَلِك.
فَدلَّ على أَن مَا كَانَ مُبَاحا لَهُ فَهُوَ مُبَاح لأمته؛ وَأَيْضًا هُوَ أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم كَانَت ترجع فِي الِاسْتِدْلَال على الْأَشْيَاء إِلَى أَفعَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدلَّ على مَا ذَكرْنَاهُ.
وَاحْتَجُّوا بِأَن مَا فعله أَو أَمر بِهِ يجوز أَن يكون مصلحَة لَهُ خَاصَّة لَا مصلحَة لغيره فِيهِ فجيب أَن لَا يتَعَدَّى إِلَى غَيره إِلَّا بِدَلِيل.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَنه لَا يجوز ذَلِك لِأَن الشَّرْع ورد باتباعه فِيهِ والاقتداء بِهِ فَوَجَبَ أَن يتبع.
قَالُوا مَا وجد فِيهِ من الْفِعْل لَا يتعداه وَمَا أَمر بِهِ لَا يتَنَاوَل غَيره فَوَجَبَ أَن لَا يُشَارِكهُ فِيهِ غَيره إِلَّا بِدَلِيل.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَنا قد دللنا على وجوب اتِّبَاعه والتسوية بَينه وَبَين غَيره فِي الْأَحْكَام فَبَطل مَا قَالُوهُ.

.مَسْأَلَة: (2) مَا فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يعلم على وَجه فعله وَجب التَّوَقُّف فِيهِ حَتَّى يقوم الدَّلِيل عَلَيْهِ:

فِي قَول أَكثر أَصْحَابنَا وَحكى ذَلِك عَن أبي بكر الدقاق وَهُوَ قَول أَكثر الْمُتَكَلِّمين.
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ: يَقْتَضِي النّدب حكى ذَلِك عَن أبي بكر الصَّيْرَفِي والقفال وَالْقَاضِي أبي حَامِد.
وَقَالَ بَعضهم: يحمل ذَلِك على الْوُجُوب حُكيَ ذَلِك عَن أبي الْعَبَّاس وَأبي سعيد وَابْن خيران وَهُوَ مَذْهَب مَالك.
لنا أَن فعله يحْتَمل الْوُجُوب والاستحباب وَالْإِبَاحَة.
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ هُوَ أَن صُورَة الْفِعْل فِي الْجَمِيع وَاحِدَة وَإِذا احْتمل هَذِه الْوُجُوه لم يكن حمله على بَعْضهَا بِأولى من الْحمل على الْبَاقِي فَوَجَبَ التَّوَقُّف، وَلِأَن الْقطع فِيهِ بِالْوُجُوب أَو النّدب لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون من غير اعْتِبَار الْوَجْه الَّذِي وَقع عَلَيْهِ الْفِعْل فَيجب أَن يقطع بذلك وَإِن علم أَنه فعله على غير ذَلِك الْوَجْه وَهَذَا لَا يَقُوله أحد وَإِمَّا أَن يكون الْقطع مَعَ اعْتِبَار الْوَجْه الَّذِي وَقع عَلَيْهِ الْفِعْل فَيجب أَن لَا يقطع مَا لم يعلم الْوَجْه الَّذِي وَقع عَلَيْهِ الْفِعْل.
وَاحْتج من قَالَ بالندب بقوله تَعَالَى {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} وَحسن التأسي يَقْتَضِي النّدب والاستحباب.
قُلْنَا هَذَا دَلِيل لنا لِأَن التأسي هُوَ أَن تفعل كَفِعْلِهِ وَهَذَا لَا يعلم من صُورَة الْفِعْل فَيجب التَّوَقُّف فِيهِ حَتَّى يرد الدَّلِيل.
قَالُوا النّدب مُتَيَقن لِأَنَّهُ أقل أَحْوَال الْقرب فَوَجَبَ أَن يحمل اللَّفْظ عَلَيْهِ.
قُلْنَا هَذَا يُعَارضهُ بِأَن فِي الْإِيجَاب احْتِيَاط فَوَجَبَ أَن يحمل اللَّفْظ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ وَاجِبا فَلَا يخرج مِنْهُ إِلَّا الْفِعْل وَإِذا بَطل هَذَا فِي الْإِيجَاب بَطل مَا قَالُوهُ فِي النّدب، وَاحْتج من ذهب إِلَى الْوُجُوب بقوله عز وَجل {فَاتَّبعُوهُ}.
قُلْنَا الِاتِّبَاع أَن يفعل كَفِعْلِهِ، يدلك عَلَيْهِ هُوَ أَنه لَو فعله على وَجه الْوُجُوب وفعلناه على وَجه النّدب لم نَكُنْ متبعين لَهُ وَإِذا ثَبت هَذَا فَإِن مَا يُمكن فِيهِ الِاتِّبَاع إِذا علم وَجه الْفِعْل الَّذِي وَقع عَلَيْهِ الْفِعْل فنتبعه فِيهِ فَأَما مَا لم يعلم فِيهِ وَجه الْفِعْل فَلَا يُمكن فِيهِ الِاتِّبَاع.
فَإِن قيل: الْخَبَر يَقْتَضِي وجوب الْمُتَابَعَة فِي الْفِعْل وَذَلِكَ يُمكن وَإِن لم يعلم حَال الْفِعْل كَمَا تَقول فِي الصَّلَاة فَإِن تصح الْمُتَابَعَة فِيهَا وَإِن لم تعلم نِيَّة الإِمَام.
قُلْنَا هَذَا مُخَالف للمتابعة فِي الصَّلَاة لِأَن هُنَاكَ الْمُتَابَعَة تقع فِي الْأَفْعَال الظَّاهِرَة وَذَلِكَ يُمكن وَإِن لم تعلم نِيَّة الإِمَام وَهَاهُنَا تقع فِي الْفِعْل على جِهَته أَلا ترى أَنه لَو فعله وَاجِبا لم يجز فعله ندبا وَلَو صلى الإِمَام صَلَاة فرض جَازَ أَن نتبعه فِي النَّفْل فَافْتَرقَا.
وَاحْتَجُّوا بقول الله تَعَالَى {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} وَالْأَمر يَقع على القَوْل وعَلى الْفِعْل وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَأمرهمْ شُورَى بَينهم} وَقَوله تَعَالَى {يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض} وَالْمرَاد بذلك كُله الْفِعْل.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَن إِطْلَاق الْأَمر يتَنَاوَل القَوْل خَاصَّة وَلَا يحمل على الْفِعْل من غير دَلِيل، وعَلى أَن قَوْله {عَن أمره} كِنَايَة وَالْكِنَايَة ترجع إِلَى أقرب مَذْكُور وَأقرب مَذْكُور هُوَ الله تَعَالَى لِأَنَّهُ قَالَ {قد يعلم الله الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِوَاذًا فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} وَالظَّاهِر أَن الْكِنَايَة عَائِدَة إِلَيْهِ وَأمر الله تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَسْتَدْعِي بِهِ الْفِعْل وَذَلِكَ وَاجِب؛ وَلِأَن هَذَا يَقْتَضِي أمرا تصح فِيهِ الْمُوَافقَة وَترك الْمُخَالفَة وَهُوَ الَّذِي علم صفته فيوافقه فِيهِ وَهَذَا إِنَّمَا يكون فِيمَا علم مِنْهُ وَجه الْفِعْل.
وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول} [التغابن: 12] وَلم يفرق.
قُلْنَا الطَّاعَة مُوَافقَة الْأَمر والعصيان مُخَالفَته وَهَذَا إِنَّمَا يكون فِيمَا علم وَجه الْفِعْل فِيهِ وَنحن لَا نعلم حَال هَذَا الْفِعْل فَلَا يدْخل فِي الْآيَة.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلع نَعله فِي الصَّلَاة فَخلع النَّاس نعَالهمْ ثمَّ قَالُوا رَأَيْنَاك خلعت نعلك فخلعنا نعالنا فَدلَّ على أَن مُتَابَعَته فِيمَا يفعل وَاجِبَة.
قُلْنَا هَذَا خبر الْوَاحِد فَلَا يجوز أَن يسْتَدلّ بِهِ على إِثْبَات أصل من الْأُصُول، وعَلى أَنهم إِنَّمَا تبعوه فِي خلع النَّعْل لِأَنَّهُ كَانَ قد أَمرهم باتباعه فِي الصَّلَاة أَلا ترَاهُ قَالَ صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَلَمَّا خلع نَعله ظنُّوا أَن ذَلِك مِمَّا شرع فِي الصَّلَاة فتبعوه امتثالا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام.
قَالُوا رُوِيَ أَن أم سَلمَة قَالَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْحُدَيْبِيَة انْحَرْ هديك حَيْثُ وجدته واحلق فَإِنَّهُم يحلقون فتبعوه فَدلَّ على أَن فعله يَقْتَضِي الْوُجُوب.
قُلْنَا إِنَّمَا تبعوه فِي الْحلق وَالذّبْح لِأَنَّهُ اقْترن بِهِ دَلِيل من جِهَة القَوْل وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام «اذبحوا واحلقوا» وكلامنا فِي الْفِعْل الْمُجَرّد هَل يَقْتَضِي الْوُجُوب.
قَالُوا أَيْضا إِن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم اخْتلفُوا فِي التقاء الختانين هَل يُوجب الْغسْل فَرَجَعُوا إِلَى فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا «فعلته أَنا وَرَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام فاغتسلنا».
وَالْجَوَاب: هُوَ رُوِيَ أَنَّهَا رَوَت إِذا التقى الختانان وَجب الْغسْل فصاروا فِي الْإِيجَاب إِلَى القَوْل.
قَالُوا ولأنا لَا نَأْمَن من أَن يكون وَاجِبا فنتركه وَذَلِكَ لَا يجوز فَيجب إِيجَابه احْتِيَاطًا.
قُلْنَا ولأنا لَا نَأْمَن أَن لَا يكون وَاجِبا فيعتقد وُجُوبه وَذَلِكَ لَا يجوز؛ قَالُوا وَلِأَن الْبَيَان تَارَة يَقع بالْقَوْل وَتارَة بِالْفِعْلِ ثمَّ ثَبت أَن القَوْل يَقْتَضِي الْوُجُوب فَكَذَلِك الْفِعْل.
قُلْنَا القَوْل لَهُ صِيغَة تدل على الاستدعاء فَحمل عَلَيْهِ وَالْفِعْل لَيْسَ لَهُ صِيغَة تدل على الاستدعاء فوزانه من الْأَقْوَال مَا لَا يدل على الْإِيجَاب كالخبر عَن غَيره فَلَا يحمل على الْإِيجَاب علينا، قَالُوا وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يفعل إِلَّا حَقًا وصوابا فَوَجَبَ أَن يتبع فِيهِ.
قُلْنَا الِاتِّبَاع إِنَّمَا يكون بِأَن تفعل على حسب فعله حَتَّى يكون ذَلِك حَقًا وصوابا وَهَذَا لَا يُمكن فِيمَا لَا نعلم فِيهِ حَال الْفِعْل فَوَجَبَ التَّوَقُّف.

.مَسْأَلَة: (3) الْبَيَان يَصح بِالْفِعْلِ وَهُوَ أَن يفعل بعض مَا دخل تَحْرِيمه فِي الْعُمُوم وَيدل ذَلِك على تخيص الْعُمُوم:

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ: لَا يجوز الْبَيَان بِالْفِعْلِ وَلَا يخص بِهِ الْعُمُوم وَحكي ذَلِك عَن أبي إِسْحَق وَهُوَ قَول أبي الْحسن الْكَرْخِي.
لنا قَوْله تَعَالَى {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} وَلم يفصل وَقَوله تَعَالَى {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} وَلم يفرق بَين القَوْل وَالْفِعْل، وَيدل عَلَيْهِ هُوَ أَنه لما ذكر لَهُ أَن قوما يكْرهُونَ اسْتِقْبَال الْقبْلَة فقصد بفروجهم أَمر بِأَن تحول مقعدته إِلَى الْقبْلَة إِلَى بَيَان تَخْصِيص الْعُمُوم الْوَارِد فِي التَّحْرِيم بِفِعْلِهِ فَدلَّ على أَن التَّخْصِيص يَقع بِهِ، وَيدل عَلَيْهِ هُوَ أَن مَا خرج مِنْهُ ابْتِدَاء فَهُوَ شرع لَهُ وَلغيره فَكَذَلِك مَا خرج بعد الْعُمُوم.
وَاحْتَجُّوا بِأَن تَخْصِيص الْعُمُوم أحد نَوْعي الْبَيَان فَلَا يجوز بِفِعْلِهِ كالنسخ.
وَالْجَوَاب: أَن من أَصْحَابنَا من أجَاز النّسخ بِفِعْلِهِ وَإِن سلمنَا لم يمْتَنع لِأَن لَا يجوز النّسخ وَيجوز التَّخْصِيص أَلا ترى أَن نسخ الْكتاب بِالسنةِ لَا يجوز وَيجوز تَخْصِيصه بهَا فَدلَّ على أَن الْفرق بَينهمَا.
قَالُوا وَلِأَن مَا فعله يحْتَمل أَن يكون تَخْصِيصًا لَهُ وَيحْتَمل أَن يكون هُوَ وَغَيره فِيهِ سَوَاء فَلَا يتْرك الْعُمُوم الْمُتَيَقن بِأَمْر مُحْتَمل.
قُلْنَا هُوَ وَإِن احْتمل الْوَجْهَيْنِ إِلَّا أَن الظَّاهِر أَنه هُوَ وَغَيره فِيهِ سَوَاء فَوَجَبَ أَن يحمل الْأَمر على الظَّاهِر.

.مَسْأَلَة: (4) إِذا تعَارض القَوْل وَالْفِعْل فِي الْبَيَان فَالْقَوْل أولى من الْفِعْل:

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ: الْفِعْل أولى.
وَذهب بعض الْمُتَكَلِّمين: إِلَى أَنَّهُمَا سَوَاء.
لنا هُوَ أَن القَوْل يدل على الحكم بِنَفسِهِ وَالْفِعْل لَا يدل بِنَفسِهِ وَإِنَّمَا يسْتَدلّ بِهِ على الحكم بِوَاسِطَة وَهُوَ أَن يُقَال لَو لم يجز ذَلِك لما فعل لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يجوز أَن يفعل مَالا يجوز فَكَانَ مَا دلّ على الحكم بِنَفسِهِ أولى مِمَّا دلّ عَلَيْهِ بِوَاسِطَة، وَأَيْضًا فَإِن القوى يتَعَدَّى وَالْفِعْل مُخْتَلف فِيهِ فَمن النَّاس من قَالَ لَا يتَعَدَّى حكمه إِلَى غَيره إِلَّا بِدَلِيل فَكَانَ مَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ بِإِجْمَاع أولى؛ وَلِأَن الْبَيَان بالْقَوْل يَسْتَغْنِي بِنَفسِهِ عَن الْفِعْل وَالْبَيَان بِالْفِعْلِ لَا يَسْتَغْنِي عَن الْبَيَان بالْقَوْل أَلا ترى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما حج وَبَين الْمَنَاسِك للنَّاس قَالَ لَهُم «خُذُوا عني مَنَاسِككُم» وَلما صلى وَبَين أَفعَال الصَّلَاة قَالَ «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلما صلى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين لَهُ الْمَوَاقِيت قَالَ «الْوَقْت مَا بَين هذَيْن» فَلم يكتف فِي هَذِه الْمَوَاضِع بِالْفِعْلِ حَتَّى ضم إِلَيْهِ القَوْل فَكَانَ تَقْدِيم القَوْل أولى.
وَاحْتج من قَالَ إِن الْبَيَان بِالْفِعْلِ أولى بِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن مَوَاقِيت الصَّلَاة فَلم يبين قولا بل قَالَ للسَّائِل اجْعَل صَلَاتك مَعنا وَبَين لَهُ ذَلِك بِالْفِعْلِ وَكَذَلِكَ بَين الْمَنَاسِك وَالصَّلَاة بِالْفِعْلِ فَدلَّ على أَن الْفِعْل آكِد.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَن هَذَا يدل على جَوَاز الْبَيَان بِالْفِعْلِ وَنحن نقُول بذلك وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي تَقْدِيم أقوى البيانين وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يدل على أَن الْفِعْل أقوى.
قَالُوا وَلِأَن مُشَاهدَة الْفِعْل آكِد فِي الْبَيَان من القَوْل لِأَن فِي الْفِعْل من الهيئات مَالا يُمكن الْخَبَر عَنْهَا بالْقَوْل وَلَا يُوقف مِنْهُ على الْغَرَض إِلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْوَصْف فَدلَّ على أَن الْفِعْل آكِد وأبلغ فِي الْبَيَان.
قُلْنَا هَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ مَا من فعل إِلَّا وَيُمكن الْعبارَة عَن وَصفه بالْقَوْل حَتَّى يصير كالمشاهد وَلِهَذَا علم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسِيء صلَاته بالْقَوْل وَعبر عَمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْأَفْعَال، وَأما من قَالَ إنَّهُمَا سَوَاء فاحتج بِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يَقع بِهِ الْبَيَان كَمَا يَقع بِالْآخرِ وَقد بَين النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام مرّة بالْقَوْل وَمرَّة بِالْفِعْلِ فَدلَّ على أَنَّهُمَا سَوَاء.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَنَّهُمَا وَإِن اسْتَويَا فِي الْبَيَان إِلَّا أَن القَوْل هُوَ الأَصْل فِي الْبَيَان وَالْفِعْل إِنَّمَا يصير بَيَانا بِغَيْرِهِ وَالْقَوْل مجمع على وُقُوع الْبَيَان بِهِ وَالْفِعْل مُخْتَلف فِيهِ فَكَانَ القَوْل أولى بالتقديم.

.مسَائِل النّسخ:

.مَسْأَلَة: (1) النّسخ جَائِز وَلَا يمْنَع مِنْهُ عقل وَلَا شرع:

وَقَالَ أَبُو مُسلم عَمْرو بن يحيى الْأَصْبَهَانِيّ النّسخ لَا يجوز، وَهُوَ قَول بعض الْيَهُود.
لنا قَوْله تَعَالَى {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا} وَقَوله تَعَالَى {وَإِذا بدلنا آيَة مَكَان آيَة} وَهَذَا دَلِيل على جَوَاز النّسخ؛ وَلِأَن نِكَاح الْأَخَوَات كَانَ جَائِزا فِي شرع آدم صلوَات الله عَلَيْهِ ثمَّ حرم ذَلِك فِي شرع غَيره فَدلَّ على جَوَاز النّسخ؛ وَلِأَن التَّكْلِيف وَإِن كَانَ على وَجه الْمصلحَة كَمَا قَالَ بعض النَّاس: فَيجب أَن يجوز النّسخ لِأَنَّهُ يجوز أَن تكون الْمصلحَة للعباد فِي فعل الشَّيْء إِلَى وَقت ثمَّ الْمصلحَة لَهُم فِي تَركه فِي وَقت آخر.
وَإِن كَانَ التَّكْلِيف غير مَشْرُوط فِي الْمصلحَة كَمَا قَالَه آخَرُونَ وَإِنَّمَا يُكَلف الله عباده مَا شَاءَ وَجب أَن يجوز النّسخ أَيْضا لِأَنَّهُ يجوز أَن يكلفهم فِي وَقت شَيْئا وَفِي وَقت آخر غَيره؛ وَلِأَنَّهُ إِذا جَازَ أَن يخلق الله تَعَالَى خلقه على صفة ثمَّ ينقلهم إِلَى صفة أُخْرَى وَلم يمْنَع ذَلِك من الْعقل جَازَ أَن يكلفهم فعل الْعِبَادَة فِي وَقت ثمَّ يسْقط ذَلِك عَنْهُم فِي وَقت آخر؛ وَلِأَنَّهُ إِذا جَازَ أَن يُطلق الْأَمر وَالْمرَاد بِهِ أَن يعجز عَنهُ بِمَرَض أَو غَيره جَازَ أَن يُطلق وَالْمرَاد بِهِ إِلَى أَن ينسخه عَنهُ؛ وَلِأَنَّهُ إِذا جَازَ أَن لَا يجب الشَّيْء بُرْهَة من الزَّمَان لم يرد الشَّرْع بإيجابه جَازَ أَن يجب بُرْهَة من الزَّمَان لم يرد الشَّرْع بِرَفْعِهِ وإسقاطه.
وَاحْتَجُّوا بِأَن جَوَاز النّسخ يُؤَدِّي إِلَى البداء على الله تَعَالَى وَهنا لَا يجوز.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَن البداء أَن يظْهر لَهُ مَا كَانَ خفِيا وَنحن لَا نقُول فِيمَا ينْسَخ إِنَّه ظهر لَهُ مَا كَانَ خافيا عَلَيْهِ بل تَقول إِنَّه أَمر بِهِ وَهُوَ عَالم أَنه يرفعهُ فِي وَقت النّسخ وَإِن لم يطلعنا عَلَيْهِ فَلَا يكون ذَلِك بداء على أَنه لَو جَازَ أَن يُقَال إِن ذَلِك بداء لجَاز أَن يُقَال إِنَّه إِذا خلق الْخلق على صفة من الطفولية والصغر ثمَّ نقلهم إِلَى غير ذَلِك من الْأَحْوَال إِن ذَلِك بداء وَلما بَطل هَذَا فِيمَا ذَكرْنَاهُ بَطل فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ.
قَالُوا إِذا أَمر الله تَعَالَى بِشَيْء دلّ على حسنه وَإِذا نهى عَنهُ دلّ ذَلِك على قبحه وَلَا يجوز أَن يكون الشَّيْء الْوَاحِد حسنا قبيحا.
قُلْنَا إِنَّمَا يَصح هَذَا إِذا قُلْنَا إِن النَّهْي تعلق بِمَا تعلق الْأَمر بِهِ فَأَما إِذا قُلْنَا إِن النَّهْي تعلق بِمَا لم يتَعَلَّق الْأَمر لم يؤد إِلَى مَا ذَكرُوهُ وَمَتى أَمر بِشَيْء ثمَّ نسخه علمنَا بِأَن الْأَمر كَانَ إِلَى ذَلِك الْوَقْت فَلَا يكون النَّهْي مِمَّا تعلق بِهِ الْأَمر؛ وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ هَذَا دَلِيلا على إبِطَال النّسخ لوَجَبَ أَن يَجْعَل دَلِيلا على إبِطَال التَّخْصِيص فَيُقَال إِنَّه إِذا أَمر بقتل الْمُشْركين لَا يجوز أَن ينْهَى عَن قتل أهل الذِّمَّة لِأَن الْأَمر بِالْقَتْلِ يدل على حسنه وَالنَّهْي عَنهُ يدل على قبحه وَلَا يجوز أَن يكون الشَّيْء الْوَاحِد حسنا قبيحا وَلما لم يصلح أَن يُقَال هَذَا فِي إبِطَال التَّخْصِيص لم يصلح أَن يُقَال مثله فِي إبِطَال النّسخ.
قَالُوا القَوْل بالنسخ يُؤَدِّي إِلَى اعْتِقَاد الْجَهْل لِأَنَّهُ يعْتَقد وجوب الْأَمر على التَّأْبِيد وَهُوَ على خلاف مَا يعْتَقد.
قُلْنَا لَا يعْتَقد الْوُجُوب على التَّأْبِيد بل يعْتَقد وُجُوبه مالم ينْسَخ عَنهُ فَلَا يُؤَدِّي إِلَى مَا ذَكرُوهُ، وَاحْتج قوم من الْيَهُود بِأَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُم شريعتي مُؤَبّدَة وَهَذَا يمْنَع من النّسخ.
وَالْجَوَاب: أَن هَذَا كذب مِنْهُم فَإِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَا قَالَ لَهُم هَذَا وَإِنَّمَا لقنهم ذَلِك ابْن الراوندي.
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه لَو كَانَ هَذَا أصلا لَكَانَ قد احْتج بِهِ أَحْبَار الْيَهُود على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلما لم يقل هَذَا أحد من قدمائهم أَنه ذكره دلّ على كذب ابتدعوه.

.مَسْأَلَة: (2) يجوز النّسخ وَإِن اقْترن بالمنسوخ ذكر التَّأْبِيد:

وَقَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين: لَا يجوز النّسخ إِلَّا فِي خطاب مُطلق فَأَما إِذا قيد بالتأبيد فَلَا يجوز نسخه.
لنا هُوَ أَنه إِذا جَازَ نسخ اللَّفْظ الْمُطلق وَإِن كَانَ ظَاهره التَّأْبِيد جَازَ نسخ مَا اقْترن بِهِ ذكر التَّأْبِيد لِأَن التَّأْبِيد يسْتَعْمل فِيمَا لَا يُرَاد بِهِ التَّأْبِيد أَلا ترى أَنَّك تَقول لَازم غريمك أبدا وتريد إِلَى وَقت وَكَذَلِكَ هَاهُنَا يجوز أَن يُقيد بالتأبيد وَالْمرَاد بِهِ إِلَى وَقت النّسخ؛ وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ ذكر التَّأْبِيد فِي الزَّمَان يمْنَع النّسخ لَكَانَ ذكر الْكل فِي الأعيا يمْنَع التَّخْصِيص وَلما جَازَ أَن يَقُول اقْتُلُوا الْمُشْركين كلهم ثمَّ يخص بعده من الْمُشْركين جَازَ أَن يَقُول افعلوا هَذَا أبدا ثمَّ ينْسَخ؛ وَلِأَنَّهُ إِذا جَازَ أَن يُقيد الْخطاب بالتأييد ثمَّ يرد بعده الشَّرْط وَالِاسْتِثْنَاء جَازَ أَن يرد بعده النّسخ؛ وَلِأَنَّهُ إِذا جَازَ أَن يُقيد الْخطاب بالتأبيد وَيكون مَعْنَاهُ مَا لم يعْجزُوا عَنهُ بِمَرَض وَغَيره جَازَ أَن يُقَيِّدهُ بالتأبيد وَيكون مَعْنَاهُ افعلوا أبدا مالم ينْسَخ عَنْكُم.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَو جَازَ النّسخ مَعَ ذكر التأييد لم يكن إِلَى معرفَة مالم ينْسَخ من الْخطاب سَبِيل وَمَتى جوزتم ذَلِك لزمكم أَن تَقولُوا أَنه لَا يعلم ختم النُّبُوَّة برَسُول الله.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَنه يُمكن معرفَة ذَلِك بِأَن نقُول الْمصلحَة فِي هَذَا الحكم لَا تَتَغَيَّر مَا دمتم مكلفين فنعلم بذلك أَنه لَا يرد عَلَيْهِ النّسخ وبمثل هَذَا يعلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتم النَّبِيين وَأَن شَرعه مؤبد.

.مَسْأَلَة: (3) يجوز النّسخ وَإِن لم يشْعر عِنْد التَّكْلِيف بالنسخ:

وَقَالَ بعض النَّاس: لَا يجوز إِلَّا أَن يقْتَرن بِالْخِطَابِ مَا يدل على النّسخ فِي الْجُمْلَة.
لنا هُوَ أَنه لَو كَانَ يجب الْإِشْعَار بِمَا يزِيل الْأَمر من النّسخ لوَجَبَ الْإِشْعَار بِمَا يحدث من الْأَمْرَاض المسقطة لِلْأَمْرِ وَلما لم يجب بَيَان ذَلِك لم يجب بَيَان النّسخ؛ وَلِأَنَّهُ لَو وَجب الْإِشْعَار بالنسخ لوَجَبَ بَيَان وقته وَلما لم يجب بَيَان وقته لم يجب بَيَانه فِي الْجُمْلَة؛ وَلِأَن الْبَيَان إِنَّمَا يجب للْحَاجة وَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِك عِنْد التَّكْلِيف فَلم يجب.
وَاحْتَجُّوا بِأَن تَجْوِيز هَذَا الْأَمر يُؤَدِّي إِلَى اعْتِقَاد الْجَهْل فَإِنَّهُ يعْتَقد وجوب الْأَمر على الدَّوَام وَهُوَ على خلاف مَا يعْتَقد.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَنه لَا يعْتَقد وجوب ذَلِك على الدَّوَام بل يعْتَقد وُجُوبه بِشَرْط أَن لَا يرد عَلَيْهِ مَا ينسخه فَلَا يُؤَدِّي إِلَى اعْتِقَاد الْجَهْل.

.مَسْأَلَة: (4) يجوز نسخ الشَّيْء إِلَى مثله وَإِلَى أخف مِنْهُ وَإِلَى أغْلظ مِنْهُ:

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ: لَا يجوز النّسخ إِلَى الأغلظ وَهُوَ قَول أهل الظَّاهِر.
لنا هُوَ أَن الله تَعَالَى خير النَّاس فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام بَين الصَّوْم وَبَين الْفطر ثمَّ نسخ ذَلِك بالانحتام وَكَذَلِكَ أَمر بِحَبْس الزَّانِي فِي الْبيُوت ثمَّ نسخه بِالْجلدِ وَالرَّجم وَذَلِكَ أغْلظ من الْمَنْسُوخ؛ وَلِأَن التَّكْلِيف إِن كَانَ على وَجه الْمصلحَة فَيجوز أَن تكون الْمصلحَة فِي النَّقْل إِلَى الأغلظ، وَإِن لم يكن على وَجه الْمصلحَة بل يُكَلف عباده مَا شَاءَ فَيجوز أَن يسْقط عَنْهُم شَيْئا ويكلفهم مَا هُوَ أغْلظ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ إِذا جَازَ أَن يبتدىء إِيجَاب تَغْلِيظ بعد أَن لم يكن وَاجِبا جَازَ أَن يسْقط وَاجِبا وَيُوجب مَا هُوَ أغْلظ مِنْهُ.
وَاحْتَجُّوا بِأَن الله تَعَالَى نسخ آيَة المصابرة بِالتَّخْفِيفِ فَقَالَ {الْآن خفف الله عَنْكُم وَعلم أَن فِيكُم ضعفا} وَنسخ قيام اللَّيْل بِالتَّخْفِيفِ فَقَالَ {فاقرؤوا مَا تيَسّر مِنْهُ}.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَن هَذَا يدل على جَوَاز النّسخ إِلَى الأخف وَنحن نجيز ذَلِك وكلامنا فِي النّسخ إِلَى الأغلظ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يمْنَع مِنْهُ.