فصل: مَسْأَلَة: (18) إِذا قَالَ حَدثنِي فلَان عَن فلَان فَالظَّاهِر أَنه مُتَّصِل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التبصرة في أصول الفقه



.مَسْأَلَة: (9) يجب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد وَإِن انْفَرد الْوَاحِد بروايته:

وَقَالَ أَبُو عَليّ الجبائي لَا يجوز حَتَّى يرويهِ اثْنَان عَن اثْنَيْنِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ بعض النَّاس: لَا يقبل أقل من أَرْبَعَة.
لنا قَوْله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} فَدلَّ على أَنهم إِذا جَاءَهُم عدل لم يتبينوا.
وَأَيْضًا هُوَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يبْعَث عماله وقضاته إِلَى الْبِلَاد آحادا فَبعث معَاذًا إِلَى الْيمن وَبعث عتاب بن أسيد إِلَى مَكَّة وَبعث مُصعب بن عُمَيْر إِلَى الْمَدِينَة وَبعث عمر وَأبي بن كَعْب وَأَبا هُرَيْرَة على الصَّدقَات وَاحِدًا وَاحِدًا.
وَأَيْضًا فَإِن الصَّحَابَة رجعت فِي التقاء الختانين إِلَى حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَحدهَا؛ وَلِأَنَّهُ خبر عَن حكم شَرْعِي فَلم يعْتَبر فِيهِ الْعدَد كالفتوى وَلِأَن مَالا يشْتَرط فِي الْفَتْوَى لَا يشْتَرط فِي قبُول الْخَبَر كالحرية والذكورة.
وَلِأَنَّهُ خبر لَا تشْتَرط فِيهِ الْحُرِّيَّة فَلَا يعْتَبر فِيهِ لاعدد كالخبر فِي الْأذن فِي دُخُول الدَّار وَقبُول الْهَدِيَّة.
وَلِأَنَّهُ طَرِيق لإِثْبَات الحكم فَلَا يشْتَرط فِيهِ الْعدَد دَلِيله الْأُصُول الَّتِي يُقَاس عَلَيْهَا.
ولأنا لَو اعْتبرنَا رِوَايَة اثْنَيْنِ عَن اثْنَيْنِ إِلَى أَن يتَّصل بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لشق ذَلِك فَوَجَبَ أَنِّي سقط اعْتِبَاره.
وَاحْتَجُّوا بِأَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ لم يعْمل بِخَبَر الْمُغيرَة فِي مِيرَاث الْجدّة حَتَّى شهد عِنْده مُحَمَّد بن مسلمة وَعمر لم يعْمل بِخَبَر أبي مُوسَى فِي الاسْتِئْذَان حَتَّى شهد مَعَه أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ فَدلَّ على أَنه لَا بُد من الْعدَد.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَنه يجوز أَن يَكُونَا طلبا الزِّيَادَة احْتِيَاطًا وَلِهَذَا رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ لَا أتهمك وَلَكِنِّي أردْت أَن لَا يجترىء أحد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ أَنا روينَا عَن عمر رَضِي الله عَنهُ الرُّجُوع إِلَى خبر الْوَاحِد فَدلَّ على أَن التَّوَقُّف كَانَ لما ذَكرْنَاهُ.
قَالُوا وَلِأَنَّهُ خبر شَرط فِيهِ الْعَدَالَة فَاعْتبر فِيهِ الْعدَد أَصله الشَّهَادَات.
قُلْنَا هَذَا يبطل بالفتوى فَإِنَّهُ يعْتَبر فِيهِ الْعَدَالَة وَلَا يعْتَبر فِيهِ الْعدَد، على أَنه لَو كَانَ بِمَنْزِلَة الشَّهَادَات لوَجَبَ أَن لَا يقبل من العبيد وَالنِّسَاء فِي الْحُدُود ولوجب أَن يخْتَلف عدده باخْتلَاف الْأَحْكَام كَمَا اخْتلفت الشَّهَادَات باخْتلَاف الْحُقُوق وَلما قبل ذَلِك من العبيد وَالنِّسَاء وَلم يخْتَلف باخْتلَاف الْأَحْكَام دلّ على أَنه بِمَنْزِلَة الْفَتْوَى.

.مَسْأَلَة: (10) يقبل خبر الْوَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى:

وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة لَا يقبل.
لنا هُوَ أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم رجعت إِلَى حَدِيث عَائِشَة فِي التقاء الختانين وَهُوَ مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى.
وَقَالَ ابْن عمر كُنَّا نخاير أَرْبَعِينَ سنة وَلَا نرى بذلك بَأْسا حَتَّى أَتَانَا رَافع ابْن خديج فَأخْبر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن ذَلِك فتركناه لقَوْل رَافع؛ وَلِأَنَّهُ حكم شَرْعِي يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد فَجَاز إثْبَاته بِخَبَر الْوَاحِد.
دَلِيله مَا لَا تعم بِهِ الْبلوى؛ وَلِأَنَّهُ كل دَلِيل ثَبت بِهِ مَا لَا تعم بِهِ الْبلوى ثَبت بِهِ مَا تعم بِهِ الْبلوى كالسنة المتواترة؛ وَلِأَن كل حكم ثَبت بِالْقِيَاسِ ثَبت بِخَبَر الْوَاحِد.
دَلِيله مَا لَا تعم بِهِ الْبلوى؛ وَلِأَن الْقيَاس فرع مستنبط من خبر الْوَاحِد فَإِذا جَازَ إِثْبَات مَا تعم بِهِ الْبلوى بِالْقِيَاسِ فَلِأَن يجوز بِخَبَر الْوَاحِد الَّذِي هُوَ أَصله أولى.
وَلِأَن وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد ثَبت بِدَلِيل قَاطع وَهُوَ إِجْمَاع الصَّحَابَة فَصَارَ كالقرآن الْمَقْطُوع بِصِحَّتِهِ فَإِذا جَازَ إِثْبَات مَا تعم بِهِ الْبلوى بِالْقُرْآنِ جَازَ إثْبَاته أَيْضا خبر الْوَاحِد.
وَاحْتَجُّوا بِأَن مَا تعم بِهِ الْبلوى يكثر السُّؤَال عَنهُ وَإِذا كثر السُّؤَال عَنهُ كثر الْجَواب وَإِذا كثر الْجَواب كثر النَّقْل فَلَمَّا رَأينَا النَّقْل قد قل دلّ على أَنه لَا أصل لَهُ وَلِهَذَا الْمَعْنى رددنا حَدِيث الرافضة فِي النَّص على إِمَامَة عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَقُلْنَا أَنه لَو كَانَ صَحِيحا لكثر النَّقْل فِيهِ.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَنا لَا نسلم أَنه إِذا كثر الْجَواب كثر النَّقْل بل يجوز أَن يكثر الْجَواب وَلَا يكثر النَّقْل وَذَلِكَ أَن نقل الْأَخْبَار على حسب الدَّوَاعِي وَلِهَذَا حج النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي الجم الْغَفِير وَالْعدَد الْكثير وَبَين الْمَنَاسِك بَيَانا عَاما ثمَّ لم يروه إِلَّا نفر مِنْهُم وَلِهَذَا كَانَ كثير من الصَّحَابَة لَا يؤثرون رِوَايَة الْأَخْبَار فَإِذا كَانَ كَذَلِك جَازَ أَن يكثر الْجَواب وَلَا يكثر النَّقْل، وَيُخَالف هَذَا مَا ذَكرُوهُ من جِهَة الْإِمَامَة فَإِن ذَلِك عِنْدهم يجب على كل أحد أَن يُعلمهُ وَيقطع بِهِ فَلَا يجوز أَن يثبت بِنَقْل خَاص وَلَيْسَ كَذَلِك هَاهُنَا فَإِنَّهُ من مسَائِل الِاجْتِهَاد وَيجوز أَن ينْفَرد بِهِ الْبَعْض بِعِلْمِهِ وَيكون فرض البَاقِينَ الِاجْتِهَاد أَو التَّقْلِيد فَافْتَرقَا.

.مَسْأَلَة: (11) يقبل خبر الْوَاحِد وَإِن كَانَ مُخَالفا للْقِيَاس وَيقدم عَلَيْهِ:

وَقَالَ أَصْحَاب مَالك إِذا كَانَ مُخَالفا للْقِيَاس لم يقدم.
وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة إِن كَانَ مُخَالفا لقياس الْأُصُول لم يقبل.
لنا مَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِمعَاذ بِمَ تحكم قَالَ بِكِتَاب الله تَعَالَى قَالَ فَإِن لم تَجِد قَالَ بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَإِن لم تَجِد قَالَ أجتهد رَأْيِي وَلَا آلو فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام «الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما يُحِبهُ ويرضاه رَسُول الله» فرتب الْعَمَل بِالْقِيَاسِ على السّنة فَدلَّ على أَن السّنة مُقَدّمَة.
وَيدل عَلَيْهِ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ ترك الْقيَاس فِي الْجَنِين لحَدِيث حمل بن مَالك بن النَّابِغَة وَقَالَ لَوْلَا هَذَا لقضينا بِغَيْرِهِ.
وَرُوِيَ أَنه كَانَ يقسم ديات الْأَصَابِع على قدر مَنَافِعهَا ثمَّ ترك ذَلِك بقوله عَلَيْهِ السَّلَام «فِي كل إِصْبَع مِمَّا هُنَالك عشر من الْإِبِل» وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد.
وَلِأَن الْقيَاس يدل على قصد صَاحب الشَّرْع من طَرِيق الظَّن وَالْخَبَر يدل على قَصده من طَرِيق الصَّرِيح فَكَانَ الرُّجُوع إِلَى الصَّرِيح أولى؛ وَلِأَن الِاجْتِهَاد فِي الْخَبَر فِي عَدَالَة الرَّاوِي فَقَط وَفِي الْقيَاس عِلّة الأَصْل ثمَّ فِي إِلْحَاق الْفَرْع بِهِ لِأَن من النَّاس من منع إِلْحَاق الْفَرْع بِهِ إِلَّا بِدَلِيل آخر فَكَانَ الْمصير فِي مَا قل فِيهِ من جِهَة الِاجْتِهَاد أولى لِأَنَّهُ أسلم من الْغرَر، وَأَيْضًا هُوَ أَنه لَو سمع الْقيَاس وَالنَّص الْمُخَالف لَهُ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقدم النَّص فِيمَا يتَنَاوَلهُ على الْقيَاس فَلِأَن يقدم على قِيَاس لم يسمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى؛ وَلِأَن النَّص ينْقض بِهِ حكم الْحَاكِم فِيمَا فِيهِ خلاف وَالْقِيَاس لَا ينْقض بِهِ فَدلَّ على أَن النَّص أقوى فَلَا يجوز تَركه لما هُوَ دونه.
وَأما أَصْحَاب أبي حنيفَة فَيُقَال لَهُم مَا الَّذِي تُرِيدُونَ بمخالفة الْأُصُول فَإِن قَالُوا نُرِيد بِهِ مَعَاني الْأُصُول فَهُوَ كَقَوْل أَصْحَاب مَالك وَقد بَينا فَسَاده؛ وَلِأَنَّهُم ناقضوا فِي هَذَا فَإِنَّهُم يتركون الْقيَاس بِخَبَر الْوَاحِد ويسمونه مَوضِع الِاسْتِحْسَان وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة الْقيَاس أَن من أكل نَاسِيا بَطل صَوْمه إِلَّا أَنِّي أتركه لحَدِيث أبي هُرَيْرَة.
وَقَالُوا الْقيَاس أَنه لَا يجوز التَّوَضُّؤ بنبيذ التَّمْر وَلَكنَّا تَرَكْنَاهُ لحَدِيث ابْن مَسْعُود وأمثال ذَلِك على أصلهم كثير.
وَإِن أَرَادوا بالأصول الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وافقناهم عَلَيْهِ إِلَّا أَنهم يذكرُونَ ذَلِك فِي مَوَاضِع لَا كتاب فِيهَا وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع وَهُوَ فِي خبر الْمُصراة والتفليس والقرعة فَبَطل مَا قَالُوهُ 1 وَاحْتج أَصْحَاب مَالك بِأَن الْقيَاس يتَعَلَّق باستدلاله وَالْخَبَر رُجُوع إِلَى قَول الْغَيْر وَهَذَا بِفِعْلِهِ أوثق مِنْهُ بِفعل غَيره فَكَانَ الرُّجُوع إِلَيْهِ أولى وَلِهَذَا قدمنَا اجْتِهَاده على اجْتِهَاد غَيره من الْعلمَاء.
قُلْنَا لَا فرق بَينهمَا لِأَنَّهُ يرجع فِي عَدَالَة الرَّاوِي وَمَعْرِفَة صدقه إِلَى أَفعاله الَّتِي قد شَاهدهَا مِنْهُ كَمَا يرجع إِلَى الْمَعْنى الَّذِي أودعهُ صَاحب الشَّرِيعَة فِي الأَصْل فَيحكم بِهِ فِي الْفَرْع بل طَرِيق معرفَة الْعَدَالَة أظهر لِأَنَّهُ رُجُوع إِلَى العيان والمشاهدة وَطَرِيق معرفَة الْعلَّة الْفِكر وَالنَّظَر فَكَانَ الرُّجُوع إِلَى الْخَبَر أولى.
قَالُوا وَلِأَن الْأُصُول وَإِن اتّفقت على إِيجَاب حكم لم تحْتَمل إِلَّا وَجها وَاحِدًا وَخبر الْوَاحِد يحْتَمل السَّهْو على رُوَاته فَلَا يجوز ترك مَالا يحْتَمل بِمَا هُوَ مُحْتَمل كنص الْقُرْآن بِالسنةِ إِذا تَعَارضا.
قُلْنَا إِنَّمَا يجوز تَرْجِيح أحد الْأَمريْنِ على الآخر بِنَفْي الِاحْتِمَال إِذا ثَبت أَنَّهُمَا دليلان وَفِي مَسْأَلَتنَا الْقيَاس لَيْسَ بِدَلِيل إِذا عَارضه النَّص فَلَا يجوز أَن يرجع على النَّص بِنَفْي الِاحْتِمَال.
على أَن هَذَا يبطل بِنَصّ السّنة إِذا عَارضه مُقْتَضى الْعقل فِي بَرَاءَة الذِّمَّة فَإِن بَرَاءَة الذِّمَّة فِي الْعقل لَا تحْتَمل إِلَّا وَجها وَاحِدًا وَنَصّ السّنة يحْتَمل السَّهْو على رُوَاته ثمَّ يقدم على مُقْتَضى الْعقل الَّذِي لَا احْتِمَال فِيهِ.
قَالُوا إِذا اتّفقت الْأُصُول على شَيْء وَاحِد دلّت على صِحَة الْعلَّة قطعا ويقينا فَلَو قبلنَا خبر الْوَاحِد فِي مُخَالفَته لنقضنا الْعلَّة وَصَاحب الشَّرْع لَا يتناقض فِي علله فَيجب أَن يحمل الْخَبَر على أَن الرَّاوِي سَهَا فِيهِ وَلِهَذَا رددنا مَا خَالف أَدِلَّة الْعُقُول من الْأَخْبَار المروية فِي السّنة لما أوجب نقض أَدِلَّة قَاطِعَة.
قُلْنَا لَا نسلم أَنه إِذا خَالف النَّص كَانَ ذَلِك عِلّة لصَاحب الشَّرْع حَتَّى لَا يجوز أَن يتناقض فِيهِ فَيجب أَن يثبتوا عِلّة حَتَّى يَصح هَذَا الدَّلِيل.
ثمَّ يبطل بِهِ إِذا عَارضه نَص كتاب أَو خبر متواتر فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى نقض عِلّة صَاحب الشَّرْع على زعمهم ثمَّ يقبل وَيقدم على الْقيَاس.
وعَلى أَنه مَتى خَالف النَّص زِدْنَا فِيهِ وَصفا آخر فَمنع من دُخُول النَّقْض وَيُخَالف هَذَا إِذا ورد النَّص مُخَالفا لأدلة الْعقل فَإِنَّهُ لَا يُمكن الزِّيَادَة فِي أَدِلَّة الْعقل وَهَاهُنَا يُمكن فَافْتَرقَا.
وَلِأَن الشَّرْع لَا يجوز أَن يرد بِمَا يُخَالف أَدِلَّة الْعُقُول فَعلمنَا أَنه خطأ من الرَّاوِي وَلَيْسَ كَذَلِك هَاهُنَا فَإِنَّهُ يجوز أَن يرد النَّص بِمَا يُخَالف الْقيَاس فَافْتَرقَا.
إِذا روى الْخَبَر اثْنَان وَتفرد أَحدهمَا بِزِيَادَة قبلت الزِّيَادَة.
وَقَالَ بعض أَصْحَاب الحَدِيث لَا تقبل الزِّيَادَة أصلا.
لنا هُوَ أَن هَذِه الزِّيَادَة لَا تنَافِي الْمَزِيد عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَا لَو انْفَرد أَحدهمَا بِزِيَادَة حَدِيث لَا يرويهِ الآخر؛ وَلِأَنَّهُ يجوز أَن يكون أَحدهمَا سمع الحَدِيث من أَوله إِلَى آخِره وَالْآخر سمع بعضه أَو أَحدهمَا ذكر الحَدِيث كُله وَالْآخر نسي بعضه فَلَا يجوز رد الزِّيَادَة بِالشَّكِّ.
وَلِأَن الْخَبَر كَالشَّهَادَةِ ثمَّ فِي الشَّهَادَة لَو شهد شَاهِدَانِ على رجل أَنه أقرّ بِأَلف وَشهد آخرَانِ أَنه أقرّ بِأَلف وَخَمْسمِائة فَإِنَّهُ تثبت الزِّيَادَة فَكَذَلِك فِي الْخَبَر.
وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ مَا انْفَرد بِهِ أَحدهمَا مِمَّا لَا يقبل لوَجَبَ أَن لَا يقبل مَا انْفَرد بِهِ أبي وَابْن مَسْعُود فِي الْقرَاءَات لِأَنَّهَا رِوَايَات انفردوا بهَا عَن الصَّحَابَة.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُمَا مشتركان فِي السماع فَلَو كَانَت الزِّيَادَة صَحِيحَة لاشتركا فِيهَا.
قُلْنَا تبطل بِمَا ذَكرْنَاهُ من الشُّهُود على أَنا بَينا أَنه يجوز سَماع الْبَعْض دون الْبَعْض وَيجوز أَن يشتركا فِي الْجَمِيع وينسى أَحدهمَا بعضه وَإِذا احْتمل هَذَا لم يجز رد الزِّيَادَة.
قَالُوا وَلِأَن فِي التَّقْوِيم يقدم قَول من قوم بِالنُّقْصَانِ فَكَذَلِك فِي الْخَبَر.
قُلْنَا هَذَا مُخَالف للتقويم فَإِن شَهَادَة الْمُقَوّم مُعَارضَة فِي الزِّيَادَة أَلا ترى أَن من قوم بِالنُّقْصَانِ يذكر أَنه عرف السّلْعَة وسعر السُّوق وَلَا تَسَاوِي إِلَّا كَذَا وَمن قوم بِالزِّيَادَةِ يذكر أَنه عرف السّلْعَة وسعر السُّوق وَهُوَ يُسَاوِي كَذَا وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الْخَبَر فَإِن من روى الْخَبَر نَاقِصا لَا يمْنَع الزِّيَادَة فَلَا يقْدَح فِي صِحَّتهَا فَوَجَبَ الْأَخْذ بهَا.
قَالُوا مَا اتفقنا عَلَيْهِ من الْخَبَر يَقِين وَالزِّيَادَة مَشْكُوك فِيهَا فَلَا يتْرك الْيَقِين بِالشَّكِّ.
قُلْنَا فَيجب إِذا انْفَرد أَحدهمَا بِخَبَر لم يروه الآخر أَن لَا يقبل فَيُقَال أحد الْخَبَرَيْنِ يَقِين وَالْآخر مَشْكُوك فِيهِ فَلَا يتْرك الْيَقِين بِالشَّكِّ.
على أَنا لَا نقُول إِن الزِّيَادَة مَشْكُوك فِيهَا بل هِيَ ثَابِتَة على مُقْتَضى الظَّاهِر لِأَنَّهُ ثِقَة فَلَو لم يسمع لما ذكر وَالْأَخْذ بِالظَّاهِرِ من الْأَخْبَار وَاجِب.
قَالُوا إِذا انْفَرد وَاحِد من الْجَمَاعَة بِزِيَادَة فقد خَالف إِجْمَاع أهل الْعَصْر فَهُوَ كالواحد إِذا خَالف الْإِجْمَاع.
قُلْنَا الْمَعْنى هُنَاكَ أَن أهل الِاجْتِهَاد أَجمعُوا على خطئه فوزانه من مَسْأَلَتنَا أَن يجمع أهل الِاجْتِهَاد على إبِطَال الزِّيَادَة فَتسقط وَأما هَاهُنَا فَإِنَّهُم لم يقطعوا بِإِبْطَال الزِّيَادَة فَوَجَبَ الْأَخْذ بهَا.
قَالُوا لَو كَانَ لهَذِهِ الزِّيَادَة أصل لما خص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعضهم بهَا لِأَن فِي ذَلِك ترعيضا للباقين للخطأ.
قُلْنَا لَا نقُول إِنَّه خص بَعضهم بِالزِّيَادَةِ بل حدث الْجَمِيع بِالْحَدِيثِ كُله وَلَكِن نسي بَعضهم بعض الحَدِيث أولم يحضر بَعضهم من أول الحَدِيث إِلَى آخِره.
وعَلى أَنه يجوز أَن لَا يحدث بَعضهم بِجَمِيعِ الحَدِيث على التَّفْصِيل إِذا لم تدع الْحَاجة إِلَى الْبَيَان وَإِنَّمَا لَا يجوز ذَلِك عِنْد الْحَاجة فَسقط مَا قَالُوهُ.
قَالُوا وَلِأَنَّهُ قد جرت عَادَة الروَاة بتفسير الْأَحَادِيث وإدراج ذَلِك فِي جملَة الْخَبَر فَلَا يُؤمن أَن تكون هَذِه الزِّيَادَة من هَذَا الْجِنْس فَيجب أَن لَا تقبل.
قُلْنَا إِذا أسْندهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالظَّاهِر أَن الْجَمِيع من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على أَنه لَو كَانَ هَذَا دَلِيلا فِي إبِطَال الزِّيَادَة لوَجَبَ أَن يَجْعَل ذَلِك طَرِيقا فِي رد الْأَخْبَار أصلا فَيُقَال إِن الروَاة يغلطون فيروون عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لَيْسَ عَنهُ فَلَا يُؤمن أَن تكون هَذِه الْأَخْبَار من ذَلِك الْجِنْس فَلَمَّا بَطل هَذَا فِي رد الْخَبَر أصلا بَطل فِي رد الزِّيَادَة.

.مَسْأَلَة: (13) إِذا روى الثِّقَة حَدِيثا مُسْندًا وأرسله غَيره لم يقْدَح ذَلِك فِي الرِّوَايَة وَكَذَلِكَ إِذا رَفعه أَحدهمَا ووقه الآخر على الصَّحَابِيّ:

وَقَالَ بعض أَصْحَاب الحَدِيث إِن ذَلِك يقْدَح فِي رِوَايَة من وَصله وأسنده.
لنا هُوَ أَنه من أرسل ذَلِك مِنْهُمَا يجوز أَن يكون قد أغفل من سمع مِنْهُ وَاخْتَارَ إرْسَاله لغَرَض، وَالَّذِي وَقفه يجوز أَن يكون قد سمع فَتْوَى الصَّحَابِيّ عَن نَفسه فَإِن من عِنْده حَدِيث يجوز أَن يرويهِ مرّة ويفتي بِهِ أُخْرَى فَلَا يجوز رد مَا أسْندهُ الثِّقَة.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَو كَانَ أَحدهمَا مُسْندًا أَو مَرْفُوعا لشاركه الآخر فِي إِسْنَاده وَرَفعه كَمَا شَاركهُ فِي سَمَاعه.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَنه يجوز أَن يكون قد أرْسلهُ وَوَقفه لما بَيناهُ فَلَا يجوز أَن يَجْعَل ذَلِك قدحا فِي رِوَايَته.

.مَسْأَلَة: (14) مَرَاسِيل غير الصَّحَابَة لَيست بِحجَّة:

وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة هُوَ حجَّة وَهُوَ قَول الْمُعْتَزلَة.
وَقَالَ عِيسَى بن أبان تقبل مَرَاسِيل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابع التَّابِعين وَلَا تقبل مَرَاسِيل من بعدهمْ إِلَّا أَن يكون إِمَامًا.
لنا مَا اسْتدلَّ بِهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أَن الْخَبَر كَالشَّهَادَةِ وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن الْعَدَالَة مُعْتَبرَة فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا ثمَّ ثَبت أَن الْإِرْسَال فِي الشَّهَادَة يمْنَع صِحَّتهَا فَكَذَلِك هَاهُنَا فِي الْخَبَر.
فَإِن قيل: الشَّهَادَة آكِد من الْخَبَر أَلا ترى أَن الشَّهَادَة لَا تقبل من العَبْد وَلَا من شُهُود الْفَرْع مَعَ حُضُور شُهُود الأَصْل وَالْأَخْبَار تقبل من العَبْد وَتقبل من الرَّاوِي مَعَ حُضُور الْمَرْوِيّ عَنهُ فَدلَّ على الْفرق بَينهمَا.
قيل هما وَإِن افْتَرقَا فِيمَا ذكرْتُمْ إِلَّا أَنَّهُمَا يتساويان فِي اعْتِبَار الْعَدَالَة والإرسال يمْنَع ثُبُوت الْعَدَالَة فيهمَا فَيجب أَن يمْنَع صحتهما.
وَأَيْضًا هُوَ أَن من شَرط الْخَبَر عَدَالَة الرَّاوِي فَإِذا روى مُرْسلا جهلت عَدَالَة الرَّاوِي فَيجب أَن لَا يقبل.
فَإِن قيل: الظَّاهِر أَنه لم يرو إِلَّا عَن عدل.
قيل لَيْسَ الظَّاهِر مَا ذكرْتُمْ بل يجوز أَن يرْوى عَن عدل وَغير عدل وَقد جرت عَادَة أَصْحَاب الحَدِيث بالرواية عَن كل أحد وَلِهَذَا قَالَ ابْن سِيرِين لَا تَأْخُذُوا بمراسيل الْحسن وَأبي الْعَالِيَة فَإِنَّهُمَا لَا يباليان مِمَّن أخذا وعَلى أَن عِنْدهم لَو أرسل عَمَّن لَا يعرفهُ وَلَا يعرف عَدَالَته لجَاز الْعَمَل بِهِ فَسقط مَا قَالُوهُ.
وَاحْتَجُّوا بِأَن الرَّاوِي لَا يُرْسل الحَدِيث إِلَّا مِمَّن يقطع بِصِحَّتِهِ وَثُبُوت طَرِيقه وَلِهَذَا رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ إِذا رويت عَن عبد الله وأسندت فقد حَدثنِي وَاحِد وَإِذا أرْسلت فقد حَدثنِي جمَاعَة.
وَقَالَ الْحسن وَقد أرسل حَدِيثا فَسئلَ عَنهُ فَقَالَ حَدثنِي بِهِ سَبْعُونَ بَدْرِيًّا فَدلَّ على أَن الْمُرْسل كالمسند وَأقوى مِنْهُ.
قُلْنَا يجوز أَن يكون قد أرسل لما ذكرْتُمْ وَيجوز أَن يكون قد أرسل لِأَنَّهُ نسي الْمَرْوِيّ عَنهُ وَهَذَا هُوَ الْأَكْثَر لِأَنَّهُ جرت الْعَادة أَنهم يَقُولُونَ عِنْد النسْيَان قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَعند الذّكر وَالْحِفْظ يذكرُونَ الْإِسْنَاد وَيجوز أَن يكون قد أرسل لِأَنَّهُ لم يرض الرِّوَايَة عَنهُ أَو يستنكف عَن الرِّوَايَة عَنهُ وَإِذا احْتمل هَذَا سقط مَا ذَكرُوهُ، وعَلى أَن أَكثر مَا فِي هَذَا أَن يكون الْمَرْوِيّ عَنهُ عِنْده ثِقَة فَأرْسل عَنهُ وَبِهَذَا الْقدر لَا يلْزمنَا الْعَمَل بِهِ حَتَّى يُبينهُ لنا فَنَنْظُر فِي عَدَالَته.
قَالُوا وَلِأَن الظَّاهِر أَنه لَا يُرْسل إِلَّا عِنْد صِحَة الحَدِيث لِأَنَّهُ مَتى شكّ بَين إِسْنَاده حَتَّى تلْزمهُ عهدته فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ أرسل دلّ على صِحَة الحَدِيث.
وَالْجَوَاب: أَنا قد بَينا أَنه يحْتَمل إرْسَاله لما ذَكرُوهُ وَيحْتَمل مَا بَيناهُ والجميع مُعْتَاد مُتَعَارَف فَلَا يَصح حمل الْأَمر على أحد الْوَجْهَيْنِ دون الآخر.
وعَلى أَن هَذَا كُله يبطل بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة فَإِنَّهُ إِذا لم يسم شَاهد الْفَرْع شَاهد الأَصْل لم يَصح وَإِن كَانَ الظَّاهِر أَنه مَا ترك تَسْمِيَته إِلَّا لصِحَّة الْأَمر عِنْده.
قَالُوا وَلِأَن الْمَرْوِيّ عَنهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون على صفة يقبل خَبره أَو لَا يقبل خَبره وَلَا يجوز أَن يكون على صفة لَا يقبل خَبره لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لوَجَبَ أَن يكون الْإِرْسَال عَنهُ يقْدَح فِي دين الرَّاوِي عَنهُ حَتَّى لَا يقبل مُسْنده وَلما ثَبت أَن مُسْنده يقبل دلّ على أَن الْمَرْوِيّ عَنهُ على صفة يقبل خَبره فَوَجَبَ قبُول الْمُرْسل عَنهُ.
قُلْنَا يجوز أَن يكون على صفة لَا يقبل خَبره وَلَكِن لَا يقْدَح ذَلِك فِي سَنَد الرَّاوِي عَنهُ لِأَنَّهُ يجوز أَن لَا يعرفهُ وَهُوَ مِمَّن يعْتَقد جَوَاز الرِّوَايَة عَن المجاهيل وَيجوز أَن يكون قد نسي اسْمه فَلَا يجب أَن الْقدح فِي عَدَالَته وعَلى أَن أَكثر مَا فِيهِ أَن يكون الْمَرْوِيّ عَنهُ عدلا عِنْده فَأرْسلهُ لذَلِك وعدالته عِنْده لَا تَكْفِي فِي وجوب الْعَمَل حَتَّى ينظر فِي حَاله، وعَلى أَنه لَو كَانَ هَذَا دَلِيلا فِي إرْسَال الْخَبَر لوَجَبَ أَن يَجْعَل دَلِيلا فِي إرْسَال الشَّهَادَة فَيُقَال الْمَشْهُود على شَهَادَته لَا يَخْلُو من أَن يكون مَرْدُود الشَّهَادَة فَيجب أَن يُوجب ذَلِك قدحا فِي عَدَالَة هَذَا الشَّاهِد فَلَا تقبل شَهَادَته فِي شَيْء أَو مَقْبُول الشَّهَادَة فَيجب قبُول الشَّهَادَة عَلَيْهِ مَعَ الْإِرْسَال وَلما بَطل هَذَا فِي الشَّهَادَة بَطل فِي الْأَخْبَار قَالُوا من قبل مُسْنده قبل مرسله كالصحابة.
وَالْجَوَاب: أَن أَبَا إِسْحَق الإِسْفِرَايِينِيّ لم يسلم هَذَا لَا تقبل مَرَاسِيل الصَّحَابَة كَمَا لَا تقبل مَرَاسِيل التَّابِعين وَالْمذهب أَنه تقبل مراسيلهم لأَنهم لَا يرسلون إِلَّا عَن الصَّحَابَة وَقد ثبتَتْ عدالتهم فَلَا يحْتَاج إِلَى النّظر فِي أَحْوَالهم والتابعون يروي بَعضهم عَن بعض وعدالتهم غير ثَابِتَة فَوَجَبَ الْكَشْف عَن حَالهم.
قَالُوا وَلِأَنَّهُ إرْسَال فَأشبه إرْسَال ابْن الْمسيب.
قُلْنَا من أَصْحَابنَا من قَالَ: مراسيله ومراسيل غَيره سَوَاء وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ اسْتحْسنَ مراسيله فِي التَّرْجِيح بهَا وَمِنْهُم من سلم لِأَنَّهَا تتبعت فَوجدت مسانيدا عَن الصَّحَابَة وَهَذَا الْمَعْنى لم يثبت فِي مَرَاسِيل غَيره فَافْتَرقَا.
قَالُوا لَو لم يكن الْمُرْسل حجَّة لما اشْتغل النَّاس بروايته وَكتبه.
قُلْنَا يجوز أَن يكون قد اشتغلوا بروايته وَكتبه للترجيح بِهِ أَو ليعرف كَمَا كتب أَخْبَار الْفُسَّاق وَمن لَا يثبت بروايته حَدِيث وَلِهَذَا قَالَ الشّعبِيّ حَدثنِي الْحَارِث الْأَعْوَر وَكَانَ وَالله كذابا، ولأنا نشتغل بِرِوَايَة النسوخ من الْأَحْكَام وَإِن لم يتَعَلَّق بهَا حكم.

.مَسْأَلَة: (15) إِذا قَالَ الصَّحَابِيّ أمرنَا بِكَذَا أَو نهينَا عَن كَذَا أَو من السّنة كَذَا فَهُوَ كالمسند إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:

وَقَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي لَا حجَّة فِي ذَلِك وَهُوَ قَول بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة.
لنا هُوَ أَن إِطْلَاق الْأَمر وَالنَّهْي وَالسّنة يرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن أنس بن مَالك كَانَ يَقُول أَمر بِلَال أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة وَلم يقل لَهُ أحد من الْآمِر بذلك فَدلَّ على أَن إِطْلَاق الْأَمر يَقْتَضِي مَا ذَكرْنَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خلاف أَنه لَو قَالَ أرخص لنا فِي كَذَا لرجع ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَذَلِك إِذا قَالَ أمرنَا بِكَذَا أَو نهينَا عَن كَذَا وَلَا فرق بَينهمَا.
وَاحْتَجُّوا بِأَن السّنة قد تطلق وَالْمرَاد بهَا سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتطلق وَالْمرَاد بهَا سنة غَيره وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَول عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْخمر جلد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخمر أَرْبَعِينَ وَجلد أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَرْبَعِينَ وَجلد عمر ثَمَانِينَ وكل سنة فَأطلق السّنة على مَا فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى مَا فعله أَبُو بكر وعَلى مَا فعله عمر رَضِي الله عَنْهُمَا.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام «عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدين أبي بكر وَعمر».
وَالْجَوَاب: أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام أَرَادَ بِالسنةِ سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الزِّيَادَة على الْأَرْبَعين كَانَت تعزيرا وَالضَّرْب بالتعزير ثَبت بِالسنةِ.
وَأما قَوْله «عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي» فَهِيَ سنة مُقَيّدَة منسوبة إِلَى أبي بكر وَعمر وكلامنا فِي السّنة الْمُطلقَة وَحكم الْمُطلق مُخَالف لحكم الْمُقَيد.
قَالُوا وَلِأَن الصَّحَابِيّ قد يجْتَهد فِي الْحَادِثَة فيؤديه اجْتِهَاده إِلَى حكم ويضيف ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ يقيس على مَا سمع مِنْهُ ويستنبط مِمَّا أَخذ عَنهُ وَإِذا احْتمل هَذَا لم يجز أَن يَجْعَل ذَلِك سنة مُسندَة كَمَا لَو قَالَ هَذَا حكم الله تَعَالَى لم يجز أَن يصير ذَلِك كآية من الْقُرْآن.
وَالْجَوَاب: هُوَ أَنه وَإِن جَازَ أَن يُسمى مَا عرف بِالْقِيَاسِ سنة إِلَّا أَن الظَّاهِر من السّنة مَا حفظ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاللَّفْظ يجب أَن يحمل على الظَّاهِر فَبَطل مَا قَالُوهُ، وَالله أعلم.

.مَسْأَلَة: (16) إِذا قَالَ الصَّحَابِيّ كُنَّا نَفْعل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا وَكَذَا فَهُوَ كالمسند إِلَى رَسُول الله:

وَقَالَ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة لَيْسَ كالمسند.
لنا أَن الظَّاهِر من حَال الصَّحَابَة أَن لَا يقدموا على أَمر من أُمُور الدَّين وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أظهرهم إِلَّا عَن أمره فَصَارَ ذَلِك كالمسند إِلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يُضَاف ذَلِك إِلَى عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لفائدة وَهُوَ أَن يبين أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم بذلك وَلم يُنكره فَوَجَبَ أَن يصير كالمسند.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُم كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي عهد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام مَالا يكون مُسْندًا أَلا ترى أَنهم لما اخْتلفُوا فِي التقاء الختانين قَالَ بَعضهم: كُنَّا نجامع على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونكسل فَلَا نغتسل فَقَالَ لَهُ عمر أَو علم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك فأقركم عَلَيْهِ فَقَالَ لَا فَقَالَ فَمه.
وَقَالَ جَابر كُنَّا نبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قُلْنَا أما التقاء الختانين فَمَا كَانَ يجب بِهِ الْغسْل فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام وَكَانُوا يُجَامِعُونَ وَلَا يغتسلون ثمَّ نسخ ذَلِك فَكَانَ ذَلِك مَفْعُولا فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا نسخ لم يعلم بَعضهم بالنسخ وَاسْتمرّ على ذَلِك وَحَال الاستدامة والاستمرار يجوز أَن يخفى أمره.
فَأَما الْإِقْدَام على ابْتِدَاء الشَّيْء فَلَا يفعل إِلَّا عَن إِذن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام.
وَأما حَدِيث جَابر فَالْمُرَاد بِهِ أُمَّهَات الْأَوْلَاد فِي غير ملك الْيَمين وَهُوَ أَن يتَزَوَّج جَارِيَة لَهُم وَذَلِكَ جَائِز.

.مَسْأَلَة: (17) إِذا قَالَ الصَّحَابِيّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ كالمسند إِلَيْهِ سَمَاعا مِنْهُ:

وَذهب بعض النَّاس إِلَى أَنه لَيْسَ كالمسند إِلَيْهِ سَمَاعا وَهُوَ قَول الأشعرية.
لنا هُوَ أَن الظَّاهِر أَنه مَا قطع بِأَنَّهُ قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا وَقد سمع مِنْهُ فَوَجَبَ أَن يحمل الْأَمر على السماع.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ يجوز أَن تكون بَينهمَا وَاسِطَة فيضيف إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جهتهم وَلِهَذَا قَالَ أنس مَا كل مَا نحدثكم بِهِ سمعناه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقيل إِنَّه لَيْسَ مِمَّا يرويهِ ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث.
وَالْجَوَاب: أَنه يحْتَمل مَا ذكرْتُمْ وَلَكِن الظَّاهِر مَا ذَكرْنَاهُ.
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن أنسا قَالَ لَيْسَ كل مَا نحدثكم بِهِ سمعناه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا يدل على أَن ظَاهر الرِّوَايَة يَقْتَضِي السماع وَلَوْلَا ذَلِك مَا احْتَاجَ إِلَى هَذَا الْبَيَان فَإِذا كَانَ هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَجب أَن يحمل الْخَبَر عَلَيْهِ.

.مَسْأَلَة: (18) إِذا قَالَ حَدثنِي فلَان عَن فلَان فَالظَّاهِر أَنه مُتَّصِل:

وَمن النَّاس من قَالَ حكمه حكم الْمُرْسل.
لنا هُوَ أَن الظَّاهِر أَنه سمع كل وَاحِد مِنْهُم مِمَّن يرْوى عَنهُ لِأَنَّهُ لَو كَانَ بَينهمَا وَاسِطَة لبين ذَلِك.
وَاحْتَجُّوا أَن الرِّوَايَة عَنهُ لَا تَقْتَضِي السماع مِنْهُ أَلا ترى أَنه يُقَال روى فلَان عَن فلَان وَإِن كَانَ بَينهمَا وَاسِطَة كَمَا يُقَال روى عَنهُ وَإِن لم يكن بَينهمَا وَاسِطَة وَإِذا كَانَ اللَّفْظ يُطلق على الْأَمريْنِ لم يكن حمله على الِاتِّصَال بِأولى من حمله على الْإِرْسَال.
قُلْنَا اللَّفْظ وَإِن كَانَ يسْتَعْمل فِي فِي الْأَمريْنِ جَمِيعًا إِلَّا أَن الظَّاهِر مِنْهُ السماع والاتصال لِأَن الأَصْل عدم الوسائط فَوَجَبَ أَن يحمل الْأَمر عَلَيْهِ.