فصل: فائدة: (هبة الغائب)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***


بَابُ‏:‏ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ

‏[‏فصل‏:‏ مقدمة في الهبة والعطية‏]‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَهِيَ تَمْلِيكٌ في حَيَاتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ‏)‏‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ‏.‏

وَقِيلَ الْهِبَةُ تَقْتَضِي عِوَضًا‏.‏

وَقِيلَ مع ‏[‏ما‏]‏ عُرِفَ‏.‏

فَلَوْ أَعْطَاهُ لِيُعَاوِضَهُ أو لِيَقْضِيَ له بِهِ حَاجَةً فلم يَفِ فَكَالشَّرْطِ‏.‏

وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ شَرَطَ فيها عِوَضًا مَعْلُومًا صَارَتْ بَيْعًا‏)‏‏.‏

حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ في ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَغَيْرِهِمَا هذا الْمَذْهَبُ‏.‏

قال الْحَارِثِيُّ قَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ‏.‏

وَلَيْسَ مَنْصُوصًا عنه وَلَا عن مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِهِ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَصَحَّحَهُ في الْخُلَاصَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَالْمُذْهَبِ وَالْهِدَايَةِ‏.‏

وَقِيلَ هِيَ بَيْعٌ مع التَّقَابُضِ‏.‏

‏(‏وَعَنْهُ يُغَلَّبُ فيها حُكْمُ الْهِبَةِ‏)‏ ذَكَرَهَا أبو الْخَطَّابِ‏.‏

قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ وهو الصَّحِيحُ وهو مَتِينٌ جِدًّا‏.‏

وقال عن الْأَوَّلِ هو ضَعِيفٌ جِدًّا انْتَهَى‏.‏

قال الْقَاضِي لَيْسَتْ بَيْعًا وَإِنَّمَا الْهِبَةُ تَارَةً تَكُونُ تَبَرُّعًا وَتَارَةً تَكُونُ بِعِوَضٍ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَلَا يَخْرُجَانِ عن مَوْضُوعِهِمَا‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَإِنْ شَرَطَهُ وكان مَعْلُومًا صَحَّتْ كَالْعَارِيَّةِ‏.‏

وَقِيلَ بِقِيمَتِهَا بَيْعًا وَعَنْهُ هِبَةٌ انْتَهَى‏.‏

تنبيه‏:‏

أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ صِحَّةَ شَرْطِ الْعِوَضِ فيها وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ‏.‏

وَقِيلَ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ شَرَطَ ثَوَابًا مَجْهُولًا لم تَصِحَّ‏)‏‏.‏

يَعْنِي الْهِبَةَ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ‏.‏

منهم الْقَاضِي وابن الْبَنَّا وابن عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ‏.‏

قال في الْخُلَاصَةِ لم يَصِحَّ في الْأَصَحِّ‏.‏

قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَعَنْهُ أَنَّهُ قال يُرْضِيهِ بِشَيْءٍ فَيَصِحُّ وَذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ‏.‏

قال الْحَارِثِيُّ هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه من رِوَايَةِ بن الْحَكَمِ وَإِسْمَاعِيلَ بن سَعِيدٍ وَإِلَيْهِ مَيْلُ أبي الْخَطَّابِ‏.‏

وَصَحَّحَ هذه الرِّوَايَةَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فقال فَإِنْ شَرَطَهُ مَجْهُولًا صَحَّتْ في الْأَصَحِّ‏.‏

قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وهو أَوْلَى‏.‏

فَعَلَى هذه الرِّوَايَةِ يُرْضِيهِ فَإِنْ لم يَرْضَ فَلَهُ الرُّجُوعُ فيها فَيَرُدُّهَا بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ نَصَّ عليه‏.‏

‏(‏فَإِنْ تَلِفَتْ‏)‏ فَقِيمَتُهَا يوم التَّلَفِ‏.‏

وَهَذَا الْبِنَاءُ على هذه الرِّوَايَةِ هو الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ‏.‏

وَقِيلَ يُرْضِيهِ بِقِيمَةِ ما وَهَبَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ‏.‏

قال الْحَارِثِيُّ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا بِالْبِنَاءِ وهو ما يُعَدُّ ثَوَابًا لِمِثْلِهِ عَادَةً‏.‏

فائدة‏:‏

لو ادَّعَى شَرْطَ الْعِوَضِ فَأَنْكَرَ الْمُتَّهَبُ أو قال وَهَبْتنِي هذا قال بَلْ بِعْتُكَهُ فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَجْهَانِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى‏.‏

أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَّهَبِ وَجَزَمَ بِهِ في الْكَافِي في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى‏.‏

وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَصَحَّحَهُ وقال حَكَاهُ في الْكَافِي وَغَيْرُ وَاحِدٍ‏.‏

الْوَجْهُ الثَّانِي الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَتَحْصُلُ الْهِبَةُ بِمَا يَتَعَارَفُهُ الناس هِبَةً من الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْمُعَاطَاةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يَدُلُّ عليها‏)‏‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ ابن عقيل وَالْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمَا‏.‏

حتى إنَّ ابن عقيل وَغَيْرَهُ صَحَّحُوا الْهِبَةَ بِالْمُعَاطَاةِ ولم يَذْكُرُوا فيها الْخِلَافَ الذي في بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

قال في التَّلْخِيصِ وَهَلْ يَقُومُ الْفِعْلُ مَقَامَ اللَّفْظِ يُخَرَّجُ على الرِّوَايَةِ في الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ‏.‏

قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ‏.‏

وفي الْمُسْتَوْعِبِ والمغنى في الصَّدَاقِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْهِبَةِ والعفو والتمليك ‏[‏العفو‏]‏‏.‏

وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وفي الْعَفْوِ وَجْهَانِ‏.‏

وقال في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَأَلْفَاظُهَا وَهَبْت وَأَعْطَيْت وَمَلَّكْت‏.‏

وَالْقَبُولُ قَبِلْت أو تَمَلَّكْت أو اتَّهَبْت‏.‏

فَإِنْ لم يَكُنْ إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ بَلْ إعْطَاءٌ وَأَخْذٌ كانت هَدِيَّةً أو صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ على مِقْدَارِ الْعُرْفِ انْتَهَى‏.‏

وقال في الِانْتِصَارِ في غِذَاءِ الْمَسَاكِينِ في الظِّهَارِ أَطْعَمْتُكَهُ كَوَهَبْتُكَهُ‏.‏

وَذَكَرَ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وأبو الْخَطَّابِ وأبو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ أَنَّ الْهِبَةَ وَالْعَطِيَّةَ لَا بُدَّ فِيهِمَا من الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْقَبْضُ أو لم يُوجَدْ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ‏.‏

قال في الْفَائِقِ وهو ضَعِيفٌ‏.‏

وَقَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ‏.‏

وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ على هذه الْمَسْأَلَةِ في كِتَابِ الْبَيْعِ فَائِدَتَانِ‏.‏

إحْدَاهُمَا لو تَرَاخَى الْقَبُولُ عن الْإِيجَابِ صَحَّ ما دَامَا في الْمَجْلِسِ ولم يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ‏.‏

وقال في الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عُرْفًا‏.‏

وقال الزَّرْكَشِيُّ لو تَقَدَّمَ الْقَبُولُ على الْإِيجَابِ فَفِي صِحَّةِ الْهِبَةِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى‏.‏

قُلْت هِيَ مُشَابِهَةٌ لِلْبَيْعِ فَيَأْتِي هُنَا ما في الْبَيْعِ على ما تَقَدَّمَ‏.‏

ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ ولم يَحْكِ فيه خِلَافًا وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ‏.‏

الثَّانِيَةُ يَصِحُّ أَنْ يَهَبَهُ شيئا ويستثنى نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَبِذَلِكَ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ‏)‏‏.‏

يَعْنِي وَلَا تَلْزَمُ قَبْلَهُ وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَاخْتَارَهُ ابن عبدوس في تَذْكِرَتِهِ وَالْقَاضِي‏.‏

قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

قال في الْكُبْرَى تَلْزَمُ الْهِبَةُ وَتُمْلَكُ بِالْقَبْضِ إنْ اُعْتُبِرَ وهو الْمَذْهَبُ عِنْدَ بن أبي مُوسَى وَغَيْرِهِ‏.‏

وَعَنْهُ تَلْزَمُ في غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ‏.‏

قال الشَّارِحُ وَعَلَى قِيَاسِهِ الْمَعْدُودُ وَالْمَذْرُوعُ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ تَلْزَمُ في مُتَمَيِّزٍ بِالْعَقْدِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ‏.‏

قال في الْفَائِقِ وَالْحَارِثِيُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ‏.‏

قال ابن عَقِيلٍ هذا الْمَذْهَبُ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ لَا يَفْتَقِرُ الْمُعَيَّنُ إلَى الْقَبْضِ عِنْدَ الْقَاضِي وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَقَدَّمَهُ في المغنى وابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ‏.‏

وَعَنْهُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ في الْقَبْضِ‏.‏

تنبيهانِ‏:‏

أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ الْهِبَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَطَائِفَةٍ أَنَّ ما يُكَالُ وَيُوزَنُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَقْبُوضًا قال الْخِرَقِيُّ وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِيمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ إلَّا بِقَبْضِهِ‏.‏

قال في الِانْتِصَارِ في الْبَيْعِ بِالصِّفَةِ الْقَبْضُ رُكْنٌ في غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ لَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِدُونِهِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ‏.‏

وَيَأْتِي كَلَامُ ابن عقيل قَرِيبًا‏.‏

الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ ‏(‏في الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا تَلْزَمُ فيه إلَّا بِالْقَبْضِ‏)‏ مَحْمُولٌ على عُمُومِهِ في كل ما يُكَالُ وَيُوزَنُ‏.‏

قال الشَّارِحُ وَالْمُصَنِّفُ وَخَصَّهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ بِمَا ليس بِمُتَعَيِّنٍ فيه كَقَفِيزٍ من صُبْرَةٍ وَرِطْلٍ من زُبْرَةٍ‏.‏

قال وقد ذَكَرْنَا ذلك في الْبَيْعِ وَرَجَّحْنَا الْعُمُومَ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ كما تَقَدَّمَ وَعَنْهُ تَلْزَمُ في مُتَمَيِّزٍ بِالْعَقْدِ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ هِبَةُ غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ كَقَفِيزٍ من صُبْرَةٍ وَرِطْلٍ من زُبْرَةٍ تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ بِلَا نِزَاعٍ‏.‏

فائدة‏:‏

تُمْلَكُ الْهِبَةُ بِالْعَقْدِ أَيْضًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ‏.‏

وَنَقَلَهُ في التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَقَالَهُ أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ في مَوْضِعٍ‏.‏

قال في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ قَالَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وَمِنْهُمْ أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ وَصَاحِبُ المغنى وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ‏.‏

وَقِيلَ يَتَوَقَّفُ الْمِلْكُ على الْقَبْضِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ‏.‏

قال في الْكَافِي لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ له في الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَّا بِقَبْضِهِ وَفِيمَا عَدَاهُمَا رِوَايَتَانِ‏.‏

وقال في شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمِلْكَ في الْمَوْهُوبِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَفَرَّعَ عليه إذَا دخل وَقْتُ الْغُرُوبِ من لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَالْعَبْدُ مَوْهُوبٌ لم يُقْبَضْ ثُمَّ قَبَضَ وَقُلْنَا يُعْتَبَرُ في هِبَتِهِ الْقَبْضُ فَفُطْرَتُهُ على الْوَاهِبِ‏.‏

وَكَذَا صَرَّحَ ابن عقيل أَنَّ الْقَبْضَ رُكْنٌ من أَرْكَانِ الْهِبَةِ كَالْإِيجَابِ في غَيْرِهَا وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عليه أَيْضًا‏.‏

قال ذلك في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ‏.‏

وَقِيلَ يفع ‏[‏يقع‏]‏ الْمِلْكُ مراعي فَإِنْ وُجِدَ الْقَبْضُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كان لِلْمَوْهُوبِ بِقَبُولِهِ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْوَاهِبِ‏.‏

وحكى عن بن حَامِدٍ وَفَرَّعَ عليه حُكْمَ الْفِطْرَةِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ في الِانْتِصَارِ في نَقْلِ الْمِلْكِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَعَلَيْهِمَا يُخَرَّجُ النَّمَاءُ‏.‏

وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إنْ اتَّصَلَ الْقَبْضُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ‏)‏‏.‏

يَعْنِي إذَا قُلْنَا إنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ الْآتِي وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ‏.‏

وقال في التَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ وَالتَّلْخِيصِ وفي صِحَّةِ قَبْضِهِ بِدُونِ إذْنِهِ رِوَايَتَانِ وَالْإِذْنُ لَا يَتَوَقَّفُ على اللَّفْظِ بَلْ الْمُنَاوَلَةُ وَالتَّخْلِيَةُ إذْنٌ‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي اعْتِبَارُ اللَّفْظِ فيه‏.‏

قال الْحَارِثِيُّ وَعَنْهُ يَصِحُّ الْقَبْضُ بِغَيْرِ إذْنِهِ‏.‏

قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏إلَّا ما كان في يَدِ الْمُتَّهَبِ فَيَكْفِي مُضِيُّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فيه‏)‏‏.‏

هذا إحْدَى الرِّوَايَاتِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَالسَّامِرِيُّ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْبُلْغَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ‏.‏

وَعَنْهُ ما كان في يَدِ الْمُتَّهِبِ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وهو الْمَذْهَبُ‏.‏

قال الشَّارِحُ هذا الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ‏.‏

قال في الرِّعَايَتَيْنِ وهو أَوْلَى وكذا قال الْحَارِثِيُّ‏.‏

وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ‏.‏

وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ حتى يَأْذَنَ فيه أَيْضًا وَيَمْضِيَ زَمَنٌ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فيه‏.‏

جَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَنْ اتَّهَبَ شيئا في يَدِهِ يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ فَقَبِلَهُ اُعْتُبِرَ إذْنُ الْوَاهِبِ فيه على الاشهر ثُمَّ مُضِيُّ زَمَنٍ يُمْكِنُ قَبْضُهُ فيه لِيَمْلِكَهُ‏.‏

وَقِيلَ يُعْتَبَرُ مضى الزَّمَنِ دُونَ إذْنِهِ‏.‏

وَأَطْلَقَ الاولى وَالثَّالِثَةَ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ‏.‏

وَأَطْلَقَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ في الْكَافِي‏.‏

تنبيه‏:‏

الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ من قَوْلِهِ وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ لَا من قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ فَائِدَتَانِ‏.‏

إحْدَاهُمَا صِفَةُ الْقَبْضِ هُنَا كَقَبْضِ الْمَبِيعِ‏.‏

وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ من مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فيها فَإِنْ كان مَنْقُولًا فَبِمُضِيِّ مُدَّةِ نَقْلِهِ فيها‏.‏

وَإِنْ كان مَكِيلًا او مَوْزُونًا فبمضى مُدَّةٍ يُمْكِنُ اكْتِيَالُهُ وَاتِّزَانُهُ فيها‏.‏

وَإِنْ كان غير مَنْقُولٍ فبمضى مُدَّةِ التَّخْلِيَةِ‏.‏

وَإِنْ كان غَائِبًا لم يَصِرْ مَقْبُوضًا حتى يُوَافِيَهُ هو أو وَكِيلُهُ ثُمَّ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُمْكِنُ قَبْضُهُ فيها‏.‏

ذَكَرَ مَعْنَى ذلك في الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ في بَابِ الرَّهْنِ وَكَذَا حُكْمُ قَبْضِ الرَّهْنِ‏.‏

الثَّانِيَةُ له أَنْ يَرْجِعَ في الْإِذْنِ قبل الْقَبْضِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ في نَفْسِ الْهِبَةِ قبل الْقَبْضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فِيهِمَا‏.‏

وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِمَا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قام وَارِثُهُ مَقَامَهُ في الْإِذْنِ وَالرُّجُوعِ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ‏.‏

وَقَدَّمَهُ فى الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ يَبْطُلُ عَقْدُ الْهِبَةِ‏.‏

جَزَمَ بِهِ فى الْفُصُولِ وَقَدَّمَهُ فى المغنى وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ‏.‏

قال فى الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وهو الْمَنْصُوصُ فى رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ وَاخْتِيَارُ بن أبي مُوسَى‏.‏

وَقَالَهُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ فى الْهِبَةِ في الصِّحَّةِ‏.‏

وَأَمَّا فى الْمَرَضِ إذَا مَاتَ قبل إقْبَاضِهَا فَجَعَلَا الْوَرَثَةَ بِالْخِيَارِ لِشَبَهِهَا بِالْوَصِيَّةِ انْتَهَى‏.‏

فائدة‏:‏ ‏[‏هبة الغائب‏]‏

لو وَهَبَ الْغَائِبُ هِبَةً وَأَنْفَذَهَا مع رسول الْمَوْهُوبِ له أو وَكِيلِهِ ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ أو الْمَوْهُوبُ له قبل وُصُولِهَا لَزِمَ حُكْمُهَا وَكَانَتْ لِلْمَوْهُوبِ له لِأَنَّ قَبْضَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ كَقَبْضِهِ‏.‏

وَإِنْ أَنْفَذَهَا الْوَاهِبُ مع رسول نَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَ قبل وُصُولِهَا إلَى الْمَوْهُوبِ له أو مَاتَ الموهوب ‏[‏الموهب‏]‏ له بَطَلَتْ وَكَانَتْ لِلْوَاهِبِ وَلِوَرَثَتِهِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ‏.‏

وَكَذَلِكَ الْحَكَمُ فى الْهَدِيَّةِ نَصَّ على ذلك‏.‏

تنبيه‏:‏

أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ ‏(‏قام وَارِثُهُ مَقَامَهُ‏)‏ أَنَّ إذْنَ الْوَاهِبِ يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وهو صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ إذْنُهُ بِمَوْتِ الْمُتَّهَبِ‏.‏

فَوَائِدُ‏:‏

الْأُولَى لو مَاتَ الْمُتَّهَبُ قبل قَبُولِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ‏.‏

الثَّانِيَةُ يَقْبِضُ الْأَبُ لِلطِّفْلِ من نَفْسِهِ بِلَا نِزَاعٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ من نَفْسِهِ على الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ ويكتفي بِقَوْلِهِ وَهَبْته وَقَبَضْته له‏.‏

وقال الْقَاضِي لَا بُدَّ فى هِبَةِ الْوَلَدِ أَنْ يَقُولَ قَبِلْته‏.‏

وهو مبنى على اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ على ما تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَالْمُذْهَبُ خِلَافُهُ‏.‏

وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ يُكْتَفَى بِأَحَدِ لَفْظَيْنِ أما أَنْ يَقُولَ قد قَبِلْتُهُ أو قَبَضْتُهُ‏.‏

وَإِنْ وَهَبَ ولى غَيْرِ الْأَبِ فقال أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لابد أَنْ يُوَكِّلَ الْوَاهِبُ من يَقْبَلُ لِلصَّبِيِّ وَيَقْبِضُ له لِيَكُونَ الْإِيجَابُ من الولى وَالْقَبُولُ وَالْقَبْضُ من غَيْرِهِ كما فى الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْأَبِ فإنه يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ وَيَقْبَلَ وَيَقْبِضَ‏.‏

قال الْمُصَنِّفُ وَالصَّحِيحُ عندى أَنَّ الْأَبَ وَغَيْرَهُ فى هذا سَوَاءٌ‏.‏

قال فى الْفُرُوعِ وفى قَبْضِ ولى غَيْرِ الْأَبِ من نَفْسِهِ راويتا ‏[‏روايتا‏]‏ شِرَائِهِ وَبَيْعِهِ له من نَفْسِهِ‏.‏

الثَّالِثَةُ لَا يَصِحُّ قَبْضُ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ لِنَفْسِهِ وَلَا قَبُولُهُ وَوَلِيُّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِمَا‏.‏

فَإِنْ لم يَكُنْ له أَبٌ فَوَصِيُّهُ فَإِنْ لم يَكُنْ فَالْحَاكِمُ الْأَمِينُ أو من يُقِيمُوهُ مَقَامَهُمْ وَلَا يَقُومُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مَقَامَهُمْ‏.‏

وقال الْمُصَنِّفُ فى المغنى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ الْقَبُولُ وَالْقَبْضُ من غَيْرِهِمْ عِنْدَ عَدَمِهِمْ‏.‏

الرَّابِعَةُ لَا يَصِحُّ من الْمُمَيِّزِ قَبْضُ الْهِبَةِ وَلَا قَبُولُهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ بن مَنْصُورٍ‏.‏

وقال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ تَبَعًا لِلْحَارِثِيِّ هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ‏.‏

وَعَنْهُ يَصِحُّ قَبْضُهُ وَقَبُولُهُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ في المغنى وَالْحَارِثِيُّ‏.‏

وقال في المغنى وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَقِفَ صِحَّةُ قَبْضِهِ على إذْنِ وَلِيِّهِ دُونَ الْقَبُولِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا‏.‏

وَتَقَدَّمَ في الْحَجْرِ هل تَصِحُّ هِبَتُهُ‏.‏

وَالسَّفِيهُ كَالْمُمَيِّزِ في ذلك وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ‏.‏

وَالْوَصِيَّةُ كَالْهِبَةِ في ذلك‏.‏

الْخَامِسَةُ قال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ يُعْتَبَرُ لِقَبْضِ الْمُشَاعِ إذْنُ الشَّرِيكِ فيه فَيَكُونُ نِصْفُهُ مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا وَنِصْفُ الشَّرِيكِ أَمَانَةٌ بيده انْتَهَى‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ‏.‏

قال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ في الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ يَكُونُ نِصْفُ الشَّرِيكِ وَدِيعَةً عِنْدَهُ‏.‏

وقال ابن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ يَكُونُ قَبْضُ نِصْفِ الشَّرِيكِ عَارِيَّةً مَضْمُونَةً انْتَهَى‏.‏

قُلْت لو قِيلَ إنْ جَازَ له أَنْ يَتَصَرَّفَ وَتَصَرَّفَ كان عَارِيَّةً وَإِنْ لم يَتَصَرَّفْ فَوَدِيعَةً لَكَانَ مُتَّجِهًا‏.‏

ثُمَّ وَجَدْته في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ حَكَى كَلَامَهُ في الْفُنُونِ فقال قال ابن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ هو عَارِيَّةٌ حَيْثُ قَبَضَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ بِلَا عِوَضٍ‏.‏

قال صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ وهو صَحِيحٌ إنْ كان أَذِنَ له في الِانْتِفَاعِ مَجَّانًا أَمَّا إنْ طَلَبَ منه أُجْرَةً فَهِيَ إجازة ‏[‏إجارة‏]‏‏.‏

وَإِنْ لم يَأْذَنْ في الِانْتِفَاعِ بَلْ في الْحِفْظِ فَوَدِيعَةٌ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ‏.‏

السَّادِسَةُ لو قال أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ أنت حَبِيسٌ على آخِرِنَا مَوْتًا لم يَعْتِقْ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَيَكُونُ في يَدِ الثَّانِي عَارِيَّةً فإذا مَاتَ عَتَقَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ‏.‏

وَذَكَرَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ غَرِيمَهُ من دَيْنِهِ أو وَهَبَهُ له أو أَحَلَّهُ منه بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ‏)‏‏.‏

وَكَذَا إنْ أَسْقَطَهُ عنه أو تَرَكَهُ له أو مَلَّكَهُ له أو تَصَدَّقَ بِهِ عليه أو عَفَا عنه بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ ‏(‏وَإِنْ رَدَّ ذلك ولم يَقْبَلْهُ‏)‏‏.‏

أعلم أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَهُ من دَيْنِهِ او وَهَبَهُ له أو أَحَلَّهُ منه أو نحو ذلك وكان المبريء ‏[‏المبرئ‏]‏ وَالْمُبَرَّأُ يَعْلَمَانِ الدَّيْنَ صَحَّ ذلك وبريء ‏[‏وبرئ‏]‏ وَإِنْ رَدَّهُ ولم يَقْبَلْهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم‏.‏

وَقِيلَ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وفي المغنى في إبْرَائِهَا له من الْمَهْرِ هل هو إسْقَاطٌ أو تَمْلِيكٌ فَيَتَوَجَّهُ منه احْتِمَالٌ لَا يَصِحُّ بِهِ وَإِنْ صَحَّ اُعْتُبِرَ قَبُولُهُ‏.‏

وفي الْمُوجَزِ وَالْإِيضَاحِ لَا تَصِحُّ هِبَةٌ في عَيْنٍ‏.‏

وقال في المغنى إنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ فَأَبْرَأَهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ‏.‏

قال الْحَارِثِيُّ تَصِحُّ بِلَفْظِ الْهِبَةِ والعطية مع اقْتِضَائِهِمَا وُجُودَ مُعَيَّنٍ وهو مُنْتَفٍ لِإِفَادَتِهِمَا لِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ هُنَا‏.‏

قال وَلِهَذَا لو وَهَبَهُ دَيْنَهُ هِبَةً حَقِيقَةً لم يَصِحَّ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَانْتِفَاءِ شَرْطِ الْهِبَةِ‏.‏

وَمِنْ هُنَا امْتَنَعَ هِبَتُهُ لِغَيْرِ من هو عليه وَامْتَنَعَ إجْزَاؤُهُ عن الزَّكَاةِ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ انْتَهَى‏.‏

وقال في الِانْتِصَارِ إنْ أَبْرَأَ مَرِيضٌ من دَيْنِهِ وهو كُلُّ مَالِهِ فَفِي بَرَاءَتِهِ من ثُلُثِهِ قبل دَفْعِ ثُلُثَيْهِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ انْتَهَى‏.‏

وَأَمَّا إنْ عَلِمَهُ الْمُبَرَّأُ بِفَتْحِ الرَّاءِ أو جَهِلَهُ وكان المبريء ‏[‏المبرئ‏]‏ بِكَسْرِهَا يَجْهَلُهُ صَحَّ سَوَاءٌ جُهِلَ قَدْرُهُ أو وَصْفُهُ أو هُمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ‏.‏

جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ‏.‏

قال في الْقَوَاعِدِ هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ‏.‏

وَعَنْهُ يَصِحُّ مع جَهْلِ الْمُبَرَّأِ بِفَتْحِ الرَّاءِ دُونَ عِلْمِهِ‏.‏

وَأَطْلَقَ فِيمَا إذَا عَرَفَهُ الْمَدْيُونُ فيه الرِّوَايَتَيْنِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ وَلَوْ جَهِلَاهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ‏.‏

وقال في الْمُحَرَّرِ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَصِحَّ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا إذَا عَرَفَهُ الْمُبَرَّأُ وَظَنَّ الْمُبَرِّئُ جَهْلَهُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ انْتَهَى‏.‏

وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ من الْمَجْهُولِ كَالْبَرَاءَةِ من الْعَيْبِ‏.‏

ذَكَرَهَا أبو الْخَطَّابِ وأبو الْوَفَاءِ كما لو كَتَمَهُ الْمُبَرَّأُ خَوْفًا من أَنَّهُ لو عَلِمَهُ المبريء ‏[‏المبرئ‏]‏ لم يُبَرِّئْهُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فَأَمَّا إنْ كان من عليه الْحَقُّ يَعْلَمُهُ وَيَكْتُمُهُ الْمُسْتَحِقُّ خَوْفًا من أَنَّهُ إذَا عَلِمَهُ لم يَسْمَحْ بِإِبْرَائِهِ منه فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ فيه لِأَنَّ فيه تَغْرِيرًا بِالْمُبَرِّئِ وقد أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ منه انْتَهَيَا‏.‏

وَتَابَعَهُمَا الْحَارِثِيُّ وقال ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا‏.‏

قال وَهَذَا أَقْرَبُ‏.‏

فَوَائِدُ‏:‏ ‏[‏صور البراءة من المجهول‏]‏

الْأُولَى من صُوَرِ الْبَرَاءَةِ من الْمَجْهُولِ لو أَبْرَأَهُ من أَحَدِهِمَا أو أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَالْحَارِثِيُّ‏.‏

وَقَالَا يَصِحُّ وَيُؤْخَذُ بِالْبَيَانِ كَطَلَاقِهِ إحْدَاهُمَا وَعِتْقِهِ أَحَدَهُمَا‏.‏

قال في الْفُرُوعِ يَعْنِي ثُمَّ يُقْرِعُ على الْمَذْهَبِ‏.‏

الثَّانِيَةُ قال الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قال أَصْحَابُنَا لو أَبْرَأَهُ من مِائَةٍ وهو يَعْتَقِدُ أَنْ لَا شَيْءَ عليه فَكَانَ له عليه مِائَةٌ فَفِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ وَجْهَانِ‏.‏

صَحَّحَ النَّاظِمُ أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَصِحُّ قال الْحَارِثِيُّ وَهَذَا أَظْهَرُ وأطلقهما في الْفُرُوعِ

‏.‏

أَصْلُهُمَا لو بَاعَ مَالًا لِمَوْرُوثِهِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حَيٌّ وكان قد مَاتَ وَانْتَقَلَ مِلْكُهُ إلَيْهِ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فيه وَجْهَانِ‏.‏

وَتَقَدَّمَ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا في كِتَابِ الْبَيْعِ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ فَكَذَا هُنَا‏.‏

وقال الْقَاضِي أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ من وَاجَهَ امْرَأَةً بِالطَّلَاقِ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَبَانَتْ امْرَأَتَهُ أو وَاجَهَ بِالْعِتْقِ من يَعْتَقِدُهَا حَرَّةً فَبَانَتْ أَمَتَهُ‏.‏

وَيَأْتِي ذلك في آخِرِ بَابِ الشَّكِّ في الطَّلَاقِ‏.‏

الثَّالِثَةُ لَا تَصِحُّ هِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ من هو في ذِمَّتِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا‏.‏

وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ كالاعيان ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ بَعْدَهُ‏.‏

قال في الْفَائِقِ وَالْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ‏.‏

قال الْحَارِثِيُّ وهو أَصَحُّ وهو الْمَنْصُوصُ في رِوَايَةِ حَرْبٍ فَذَكَرَهُ إنْ اتَّصَلَ الْقَبْضُ بِهِ‏.‏

وَتَقَدَّمَ حُكْمُ هِبَةِ دَيْنِ السَّلَمِ في بَابِهِ مُحَرَّرًا فَلْيُعَاوَدْ‏.‏

الرَّابِعَةُ لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ بِشَرْطٍ نَصَّ عليه فِيمَنْ قال إنْ مِتَّ فَأَنْتَ في حِلٍّ فَإِنْ ضَمَّ التَّاءَ فقال إنَّ مِتُّ فَأَنْتَ في حِلٍّ فَهُوَ وَصِيَّةٌ‏.‏

وَجَعَلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَجُلًا في حِلٍّ من غَيْبَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعُودَ وقال ما احسن الشَّرْطَ‏.‏

فقال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ‏.‏

وَأَخَذَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ من شَرْطِهِ أَنْ لَا يَعُودَ رِوَايَةً في صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ وَاحْتَجَّ بِنَصِّهِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ‏.‏

وَأَنَّ بن شِهَابٍ وَالْقَاضِيَ قَالَا لَا يَصِحُّ على غَيْرِ مَوْتِ الْمُبَرِّئِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ‏.‏

وَقَدَّمَ الْحَارِثِيُّ ما قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ وقال إنَّهُ أَصَحُّ‏.‏

الْخَامِسَةُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ من الدَّيْنِ قبل وُجُوبِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ نَقَلَهُ الْحَلْوَانِيُّ عنه‏.‏

وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ‏.‏

وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إسْقَاطٌ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِسْقَاطِ وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ ثُمَّ سَقَطَ‏.‏

وَمَنَعَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَلِأَنَّهُ ليس مَالًا بِالنِّسْبَةِ إلَى من هو عليه‏.‏

وقال الْعَفْوُ عن دَمِ الْعَمْدِ تَمْلِيكٌ أَيْضًا‏.‏

وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا الْيَسْرِ الصَّحَابِيَّ رضي اللَّهُ عنه قال لِغَرِيمِهِ إذَا وَجَدْت قَضَاءً فَاقْضِ وَإِلَّا فَأَنْتَ في حِلٍّ‏.‏

وَأَعْلَمَ بِهِ الْوَلِيدَ بن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ رضي اللَّهُ عنه وَابْنَهُ وَهُمَا تَابِعِيَّانِ فلم يُنْكِرَاهُ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَهَذَا مُتَّجِهٌ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا‏.‏

السَّادِسَةُ لو تَبَارَآ وكان لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ دَيْنٌ مَكْتُوبٌ فَادَّعَى اسْتِثْنَاءَهُ بِقَلْبِهِ ولم يُبَرِّئْهُ منه قُبِلَ قَوْلُهُ وَلِخَصْمِهِ تَحْلِيفُهُ‏.‏

ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَتَتَوَجَّهُ الرِّوَايَتَانِ في مُخَالَفَةِ النِّيَّةِ لِلْعَامِّ بِأَيِّهِمَا يُعْمَلُ‏.‏

السَّابِعَةُ قال الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ الْإِبْرَاءُ من الْمَجْهُولِ عِنْدَنَا صَحِيحٌ لَكِنْ هل هو عَامٌّ في جَمِيعِ الْحُقُوقِ أو خَاصٌّ بِالْأَمْوَالِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ عَامٌّ‏.‏

قُلْت صَرَّحَ بِهِ في الْفُرُوعِ في آخِرِ الْقَذْفِ وَقَدَّمَهُ‏.‏

وقال الشَّيْخُ عبد الْقَادِرِ في الْغُنْيَةِ لَا يَكْفِي الِاسْتِحْلَالُ الْمُبْهَمُ‏.‏

وَيَأْتِي ذلك مُحَرَّرًا هُنَاكَ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ‏)‏ هذا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَاطِبَةً وفي طريقة ‏[‏طريق‏]‏ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَيَتَخَرَّجُ لنا من عَدَمِ إجَارَةِ الْمُشَاعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَلَا هِبَتُهُ‏.‏

قوله ‏(‏وَكُلُّ ما يَجُوزُ بَيْعُهُ‏)‏‏.‏

يَعْنِي تَصِحُّ هِبَتُهُ وَهَذَا صَحِيحٌ وَنَصَّ عليه‏.‏

وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مالا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ وهو الْمَذْهَبُ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي‏.‏

وَقِيلَ تَصِحُّ هِبَةُ ما يُبَاحُ الإنتفاع بِهِ من النَّجَاسَاتِ جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ‏.‏

وَتَصِحُّ هِبَةُ الْكَلْبِ جَزَمَ بِهِ في المغنى وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ‏.‏

قال في الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ وَلَيْسَ بين الْقَاضِي وَصَاحِبِ المغنى خِلَافٌ في الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ نَقْلَ الْيَدِ في هذه الْأَعْيَانِ جَائِزٌ كَالْوَصِيَّةِ وقد صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي في خِلَافِهِ انْتَهَى‏.‏

نَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ أَهْدَى إلَى رَجُلٍ كَلْبَ صَيْدٍ تَرَى ان يُثِيبَ عليه قال هذا خِلَافُ الثَّمَنِ هذا عِوَضٌ من شَيْءٍ فَأَمَّا الثَّمَنُ فَلَا‏.‏

وَأَطْلَقَ في الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَجْهَيْنِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ‏.‏

وَقِيلَ وَتَصِحُّ أَيْضًا هِبَةُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ‏.‏

وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَظْهَرُ لي صِحَّةُ هِبَةِ الصُّوفِ على الظَّهْرِ قَوْلًا وَاحِدًا‏.‏

تنبيه‏:‏

مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ هِبَةُ أُمِّ الْوَلَدِ إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ‏.‏

وَقِيلَ يَصِحُّ هُنَا مع الْقَوْلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهَا‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ‏.‏

قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْإِمَاءِ في الْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا إلَى أَنْ يَمُوتَ الْوَاهِبُ فَتَعْتِقَ وَتَخْرُجَ من الْهِبَةِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ‏)‏‏.‏

أعلم أَنَّ الْمَوْهُوبَ الْمَجْهُولَ تَارَةً يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ وَتَارَةً لَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ‏.‏

فَإِنْ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصُّلْحِ على الْمَجْهُولِ الْمُتَعَذِّرِ عِلْمُهُ كما تَقَدَّمَ وهو الصِّحَّةُ‏.‏

قَطَعَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِإِطْلَاقِهِمْ عَدَمَ الصِّحَّةِ في هِبَةِ الْمَجْهُولِ من غَيْرِ تَفْصِيلٍ‏.‏

وهو ظَاهِرُ رِوَايَةِ أبي دَاوُد وَحَرْبٍ الْآتِيَتَيْنِ‏.‏

وَإِنْ لم يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها لَا تَصِحُّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ‏.‏

نَقَلَ حَرْبٌ لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ‏.‏

وقال في رِوَايَةِ حَرْبٍ أَيْضًا إذَا قال شَاةً من غَنَمِي يَعْنِي وَهَبْتهَا له لم يَجُزْ‏.‏

وقال الْمُصَنِّفُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْجَهْلَ إذَا كان من الْوَاهِبِ مَنَعَ الصِّحَّةَ وَإِنْ كان من الْمَوْهُوبِ له لم يَمْنَعْهَا‏.‏

وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ كَقَوْلِهِ ما أَخَذْت من مَالِي فَهُوَ لَك أو من وَجَدَ شيئا من مَالِي فَهُوَ له‏.‏

وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ صِحَّةَ هِبَةِ الْمَجْهُولِ‏.‏

فائدة‏:‏

لو قال خُذْ من هذا الْكِيسِ ما شِئْت كان له أَخْذُ ما فيه جميعا‏.‏

وَلَوْ قال خُذْ من هذه الدَّرَاهِمِ ما شِئْت لم يَمْلِكْ أَخْذَهَا كُلَّهَا إذْ الْكِيسُ ظَرْفًا فإذا أَخَذَ الْمَظْرُوفَ حَسُنَ أَنْ يَقُولَ أَخَذْت من الْكِيسِ ما فيه وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ أَخَذْت من الدَّرَاهِمِ كُلَّهَا نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عن نَوَادِرِ بن الصَّيْرَفِيِّ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا ما لَا يَقْدِرُ على تَسْلِيمِهِ‏)‏‏.‏

يَعْنِي لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم‏.‏

وَقِيلَ تَصِحُّ هِبَتُهُ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ من هذا الْقَوْلِ جَوَازُ هِبَةِ الْمَعْدُومِ وَغَيْرِهِ‏.‏

قُلْت اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ صِحَّةَ هِبَةِ الْمَعْدُومِ كَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ بِالسَّنَةِ‏.‏

قال وَاشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ على التَّسْلِيمِ هُنَا فيه نَظَرٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا على شَرْطٍ‏)‏‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا ما اسْتَثْنَاهُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ‏.‏

وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ جَوَازَ تَعْلِيقِهَا على شَرْطٍ‏.‏

قُلْت وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَهُ عنه في الْفَائِقِ‏.‏

تنبيه‏:‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا شَرَطَ ما يُنَافِي مُقْتَضَاهَا نحو أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا‏)‏‏.‏

هذا الشَّرْطُ بَاطِلٌ بِلَا نِزَاعٍ‏.‏

لَكِنْ هل تَصِحُّ الْهِبَةُ أَمْ لَا فيه وَجْهَانِ بِنَاءً على الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ في الْبَيْعِ على ما تَقَدَّمَ‏.‏

وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ الصِّحَّةُ‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا تَوْقِيتُهَا كَقَوْلِهِ وَهَبْتُك هذا سَنَةً‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا ما اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ‏.‏

وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ الْجَوَازَ‏.‏

وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

قَوْلُهُ إلَّا في الْعُمْرَى وهو أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَ هذه الدَّارَ أو أَرْقَبْتُكَهَا أو جَعَلْتهَا لَك عُمُرَك أو حَيَاتَك‏.‏

وَكَذَا قَوْلُهُ أَعْطَيْتُكَهَا أو جَعَلْتهَا لَك عُمْرَى أو رُقْبَى أو ما بَقِيت فإنه يَصِحُّ وَتَكُونُ لِلْمُعَمَّرِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَلِوَرَثَتِهِ من بَعْدِهِ‏.‏

هذه الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى وَهِيَ صَحِيحَةٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَتَكُونُ لِلْمُعَمَّرِ وَلِوَرَثَتِهِ من بَعْدِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ‏.‏

وقال الحارثى الْعُمْرَى الْمَشْرُوعَةُ أَنْ يَقُولَ هِيَ لَك وَلِعَقِبِك من بَعْدِك لَا غَيْرُ‏.‏

وَنَقَلَ يَعْقُوبُ وابن هَانِئٍ من يُعْمَرُ الْجَارِيَةَ هل يَطَؤُهَا قال لَا أَرَاهُ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي على الْوَرَعِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهَا تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ‏.‏

قال في الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وهو بَعِيدٌ وَالصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ وَحَمَلَهُ على أَنَّ الْمِلْكَ بِالْعُمْرَى قَاصِرٌ فَائِدَةٌ لو لم يَكُنْ له وَرَثَةٌ كان لِبَيْتِ الْمَالِ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَ رُجُوعَهَا إلَى الْمُعَمِّرِ بِكَسْرِ الْمِيمِ عِنْدَ مَوْتِهِ أو قال هِيَ لِآخِرِنَا مَوْتًا صَحَّ الشَّرْطُ‏.‏

هذا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ وَتَكُونُ لِلْمُعَمَّرِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَلِوَرَثَتِهِ من بَعْدِهِ وهو الْمَذْهَبُ‏.‏

قال الْمُصَنِّفُ هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ‏.‏

قال في الْفَائِقِ هذا الْمَذْهَبُ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى‏.‏

وأطلقهما في التَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ‏.‏

قال الْحَارِثِيُّ عن الرِّوَايَةِ الْأُولَى هو الْمَذْهَبُ‏.‏

وقال عن الثَّانِيَةِ لَا تَصِحُّ الرِّوَايَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِصِحَّةِ الشَّرْطِ‏.‏

تنبيه‏:‏

من لَازِمِ صِحَّةِ الشَّرْطِ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَلَا عَكْسَ‏.‏

وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَقْدَ في هذه الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ‏.‏

جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

قال في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ هذا الْمَذْهَبُ‏.‏

وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَيْضًا‏.‏

قال الْحَارِثِيُّ وَذَكَرَ ابن عقيل وَغَيْرُهُ وَجْهًا بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ انْتَهَى‏.‏

فائدة‏:‏

لَا يَصِحُّ إعْمَارُهُ الْمَنْفَعَةَ وَلَا إرْقَابُهَا‏.‏

فَلَوْ قال سُكْنَى هذه الدَّارِ لَك عُمُرَك أو غَلَّةُ هذا الْبُسْتَانِ أو خِدْمَةُ‏.‏

هذا الْعَبْدِ لَك عُمُرَك أو مَنَحْتُكَهُ عُمُرَك أو هو لَك عُمُرَك فَذَلِكَ عَارِيَّةٌ له الرُّجُوعُ فيها مَتَى شَاءَ في حَيَاتِهِ أو بَعْدَ مَوْتِهِ‏.‏

نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ إذَا قال هو وَقْفٌ على فُلَانٍ فإذا مَاتَ فَلِوَلَدِي أو لِفُلَانٍ فَكَمَا لو قال إذَا مَاتَ فَهُوَ لِوَلَدِهِ أو لِمَنْ أَوْصَى له الْوَاقِفُ ليس يَمْلِكُ منه شيئا إنَّمَا هو لِمَنْ وَقَفَهُ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ مِثْلُ السُّكْنَى وَالسُّكْنَى مَتَى شَاءَ رَجَعَ فيه‏.‏

وَنَقَلَ حَنْبَلٌ في الرُّقْبَى وَالْوَقْفِ إذَا مَاتَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ بِخِلَافِ السُّكْنَى‏.‏

وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَيْضًا العمري والرقبي وَالْوَقْفُ مَعْنًى وَاحِدٌ إذَا لم يَكُنْ فيه شَرْطٌ لم يَرْجِعْ إلَى وَرَثَةِ الْمُعَمِّرِ وَإِنْ شَرَطَ في وَقْفِهِ أَنَّهُ له حَيَاتَهُ رَجَعَ وَإِنْ جَعَلَهُ له حَيَاتَهُ وَبَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ لِوَرَثَةِ الذي أَعْمَرَهُ وَإِلَّا رَجَعَ إلَى وَرَثَةِ الْأَوَّلِ‏.‏

وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُؤَقَّتِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَالْمَشْرُوعُ في عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ على قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ‏)‏‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي دَاوُد وَحَرْبٍ وَمُحَمَّدِ بن الْحَكَمِ وَالْمَرُّوذِيِّ وَالْكَوْسَجِ وَإِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ وَأَبِي طَالِبٍ وابن الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٍّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالتَّلْخِيصِ وَالزَّرْكَشِيِّ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَعَنْهُ الْمَشْرُوعُ أَنْ يَكُونَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى كما في النَّفَقَةِ‏.‏

اخْتَارَهُ ابن عقيل في الْفُنُونِ وَالْحَارِثِيُّ‏.‏

وفي الْوَاضِحِ وَجْهٌ تُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بين أَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ وَأُخْتٍ‏.‏

قال في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدًا من وَلَدِهِ في طَعَامٍ وَلَا غَيْرِهِ كان يُقَالَ يَعْدِلُ بَيْنَهُمْ في الْقُبَلِ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ فَدَخَلَ فيه نَظَرُ وَقْفٍ‏.‏

وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجِبُ على الْمُسْلِمِ التَّسْوِيَةُ بين اولاده الذِّمَّةِ‏.‏

تنبيهات‏:‏

الْأَوَّلُ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ في عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ دُخُولَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ‏.‏

يُقَوِّيهِ قَوْلُهُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ على قَدْرِ إرْثِهِمْ فَقَدْ يَكُونُ في وَلَدِ الْوَلَدِ من يَرِثُ‏.‏

وَهَذَا الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هذا الْحُكْمَ مَخْصُوصٌ بِأَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ وهو وَجْهٌ‏.‏

وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ لَا وَلَدُ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ‏.‏

الثَّانِي قُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تعطى أَنَّ فِعْلَ ذلك على سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي في شَرْحِهِ‏.‏

وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في الْوَاضِحِ‏.‏

وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذلك يَجِبُ عليه وَلَا يَأْبَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالتَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيُّ‏.‏

وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وقال هو الْمَذْهَبُ‏.‏

الثَّالِثُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَالْمَشْرُوعُ في عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ أَنَّ الْأَقَارِبَ الْوَارِثِينَ غَيْرُ الْأَوْلَادِ ليس عليه التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ وهو اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ‏.‏

قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وهو أَصَحُّ‏.‏

وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْوَجِيزِ فإنه قال يَجِبُ التَّعْدِيلُ في عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ منه‏.‏

قال الْحَارِثِيُّ هو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ كَالْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وابن أبي مُوسَى‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وهو سَهْوٌ انْتَهَى‏.‏

وَالصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ الْأَقَارِبِ الْوُرَّاثِ في الْعَطِيَّةِ كَالْأَوْلَادِ نَصَّ عليه‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وقال اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ‏.‏

وَأَمَّا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فَلَا يَدْخُلَانِ في لَفْظِ الْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ بِلَا نِزَاعٍ بين الْأَصْحَابِ فَهُمْ خَارِجُونَ من هذه الْأَحْكَامِ‏.‏

صَرَّحَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاقِينَ‏.‏

الرَّابِعُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّسْوِيَةِ في الْإِعْطَاءِ سَوَاءٌ كان قَلِيلًا أو كَثِيرًا وَسَوَاءٌ كَانُوا كلهم فُقَرَاءَ أو بَعْضُهُمْ‏.‏

وأعلم أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ على أَنَّهُ يُعْفَى عن الشَّيْءِ التَّافِهِ‏.‏

وقال الْقَاضِي أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ يُعْفَى عن الشَّيْءِ الْيَسِيرِ‏.‏

وَعَنْهُ يَجِبُ التَّسْوِيَةُ أَيْضًا فيه إذَا تَسَاوَوْا في الْفَقْرِ أو الْغِنَى‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ أو فَضَّلَهُ فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ أو إعْطَاءِ الْآخَرِ حتى يَسْتَوُوا‏)‏‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ يُوسُفَ بن مُوسَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ انْتَهَى‏.‏

قال الْحَارِثِيُّ وهو ظَاهِرُ إيرَادِ الْكِتَابِ وَنَصَرَهُ‏.‏

وَتَحْرِيمُ فِعْلِ ذلك في الْأَوْلَادِ وَغَيْرِهِمْ من الْأَقَارِبِ من الْمُفْرَدَاتِ‏.‏

وَقِيلَ إنْ أَعْطَاهُ لِمَعْنًى فيه من حَاجَةٍ أو زمانه أو عَمًى أو كَثْرَةِ عَائِلَةٍ أو لِاشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ أو مَنَعَ بَعْضَ وَلَدِهِ لِفِسْقِهِ أو بِدْعَتِهِ أو لِكَوْنِهِ يَعْصِي اللَّهَ بِمَا يَأْخُذُهُ وَنَحْوِهِ جَازَ التَّخْصِيصُ‏.‏

وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَاقْتَصَرَ عليه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً‏.‏

وَقَطَعَ بِهِ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وقال هو ظَاهِرُ كَلَامِهِ‏.‏

قُلْت قد رُوِيَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ما يَدُلُّ على ذلك‏.‏

فإنه قال في تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ بِالْوَقْفِ لَا باس إذَا كان لِحَاجَةٍ وَأَكْرَهُهُ إذَا كان على سَبِيلِ الإثرة وَالْعَطِيَّةُ في مَعْنَى الْوَقْفِ‏.‏

قُلْت وَهَذَا قَوِيٌّ جِدًّا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ أو إعْطَاءِ الْآخَرِ‏)‏‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ أَعْنِي أَنَّ التَّسْوِيَةَ إمَّا بِالرُّجُوعِ وَإِمَّا بِالْإِعْطَاءِ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ نَصَّ عليه‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

ولم يذكر الْإِمَامُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِوَايَةٍ إلَّا الرُّجُوعَ فَقَطْ وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ‏.‏

قال الْحَارِثِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَنْقُولَ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ليس قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إنَّمَا هو اخْتِلَافُ حَالَيْنِ‏.‏

تنبيه‏:‏

ظَاهِرُ قَوْلِهِ أو إعْطَاءُ الْآخَرِ وَلَوْ كان إعْطَاؤُهُ في مَرَضِ الْمَوْتِ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ‏.‏

قال الشَّارِحُ وهو الصَّحِيحُ وَصَحَّحَهُ في الْفَائِقِ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ الْجَوَازُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

وَعَنْهُ لَا يُعْطَى في مَرَضِهِ وهو قَوْلٌ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ‏.‏

قال الْحَارِثِيُّ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَصِحُّ‏.‏

نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَيُوسُفَ بن مُوسَى وَالْفَضْلِ بن زِيَادٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بن الْهَيْثَمِ وَإِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ‏.‏

وَنَقَل الْمَيْمُونِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يَنْفُذُ‏.‏

وقال أبو الْفَرَجِ وَغَيْرُهُ يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ فَائِدَتَانِ‏.‏

إحْدَاهُمَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِإِذْنِ الْبَاقِي ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ‏.‏

الثَّانِيَةُ يَجُوزُ لِلْأَبِ تَمَلُّكُهُ بِلَا حِيلَةٍ قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَتَابَعَهُ في الْفُرُوعِ وَنَقَلَ بن هَانِئٍ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْكُلَ منه شيئا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ مَاتَ قبل ذلك ثَبَتَ لِلْمُعْطَى‏)‏‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ أبو بَكْرٍ وَالْخِرَقِيُّ وابن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ‏.‏

قال ابن مُنَجَّا هذا الْمَذْهَبُ‏.‏

قال في الرِّعَايَتَيْنِ لم يَرْجِعْ الْبَاقُونَ على الْأَصَحِّ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ‏.‏

وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْهُ لَا يَثْبُتُ وَلِلْبَاقِينَ الرُّجُوعُ‏.‏

اخْتَارَهُ أبو عبد اللَّه ابن بَطَّةَ وَصَاحِبُهُ أبو جَعْفَرٍ الْعُكْبَرِيَّانِ وابن عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْوَلَدُ الْمُفَضَّلُ فَيَنْبَغِي له الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ قَوْلًا وَاحِدًا‏.‏

قال في المغنى وَالشَّرْحِ يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْطَى أَنْ يُسَاوِيَ أَخَاهُ في عَطِيَّتِهِ‏.‏

وحكى عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بُطْلَانُ الْعَطِيَّةِ‏.‏

وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ نَقَلَهُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

وَذَكَرَ ابن عقيل في الصِّحَّةِ رِوَايَتَيْنِ‏.‏