فصل: لبن الفحل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العناية شرح الهداية



.كتاب الرضاع:

قَالَ (قَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ إذَا حَصَلَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ».
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} الْآيَةَ وَقَوْلُهُ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ») مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِنُشُوءِ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ لَكِنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ، وَمَا رَوَاهُ مَرْدُودٌ بِالْكِتَابِ أَوْ مَنْسُوخٌ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ لِمَا نُبَيِّنُ.
الشَّرْحُ:
كِتَابُ الرَّضَاعِ: لَمْ يَذْكُرْ عَامَّةَ مَسَائِلِ الرَّضَاعِ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَتَى بِكِتَابٍ لَهُ عَلَى حِدَةٍ لِمَا أَنَّ لَهُ أَحْكَامًا جَمَّةً مَخْصُوصَةً بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ.
وَسَبَبُ الْحُرْمَةِ بِالرَّضَاعِ الْجُزْئِيَّةُ بِنُشُورِ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ كَالْجُزَيْئَةِ بِالْإِعْلَاقِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، وَكَمَا أَنَّ الْإِعْلَاقَ أَمْرٌ خَفِيٌّ وَلَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ أُقِيمَ مَقَامَهُ وَهُوَ الْوَطْءُ، كَذَلِكَ نُشُورُ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتُ اللَّحْمِ أَمْرٌ خَفِيٌّ وَلَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ، وَالرَّضَاعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَبِكَسْرِهَا وَهُوَ لُغَةً فِيهِ مَصُّ اللَّبَنِ مِنْ الثَّدْيِ.
وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مَصِّ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا رَضِيعًا مِنْ ثَدْيٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ ثَدْيُ الْآدَمِيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدُ (وَقَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكَثِيرُهُ إذَا حَصَلَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَثْبُتُ الرَّضَاعُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ يَكْتَفِي الصَّبِيُّ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا.
لِقَوْلِهِ: عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» وَالْمَصَّةُ فِعْلُ الرَّضِيعِ وَالْإِمْلَاجَةُ فِعْلُ الْمُرْضِعِ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْحَصِرًا فِي خَمْسٍ مُشْبِعَاتٍ فَلَيْسَ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ لَمَّا انْتَفَى بِهِ مَذْهَبُ خَصْمِهِ ثَبَتَ مَذْهَبُهُ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ مَنْ يَقُولُ بِثَلَاثِ رَضَعَاتٍ مُشْبِعَاتٍ، وَلَوْ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخْنَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُتْلَى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» كَانَ أَدَلَّ عَلَى الْمَطْلُوبِ، لَكِنَّ قَوْلَهَا مِمَّا يُتْلَى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَعِّفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسْخَ بَعْدَهُ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} وَقَوْلُهُ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ») مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ: يَعْنِي فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ يَتَضَمَّنُ جَوَابَ: سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ بِاعْتِبَارِ إنْشَارِ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْقَلِيلِ.
وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ الْحُرْمَةُ، وَإِنْ كَانَتْ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِنُشُورِ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ، لَكِنَّهُ أَمْرٌ مُبَطَّنٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ.
وَقَوْلُهُ: (وَمَا رَوَاهُ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ الْخَصْمِ بِأَنَّ مَا رَوَيْتُمْ إمَّا مَرْدُودٌ بِالْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ أَقْوَى عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ قَبْلَهُ أَوْ مَنْسُوخٌ إنْ كَانَ بَعْدَهُ.
وَالْإِنْشَارُ بِالرَّاءِ: الْإِحْيَاءُ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {ثُمَّ إذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} وَمِنْهُ: «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا أَنْشَرَ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ» أَيْ قَوَّاهُ وَشَدَّهُ كَأَنَّهُ أَحْيَاهُ، وَيُرْوَى بِالزَّايِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ.
قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ) ظَاهِرٌ.

.مدة الرضاع:

(ثُمَّ مُدَّةُ الرَّضَاعِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا سَنَتَانِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ زُفَرٌ: ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ حَسَنٌ لِلتَّحَوُّلِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لِمَا نُبَيِّنُ فَيُقَدَّرُ بِهِ.
وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وَمُدَّةُ الْحَمْلِ أَدْنَاهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَبَقِيَ لِلْفِصَالِ حَوْلَانِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ» وَلَهُ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً فَكَانَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهَا كَالْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِلدَّيْنَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ قَامَ الْمُنْقِصُ فِي أَحَدِهِمَا فَبَقِيَ فِي الثَّانِي عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلِأَنَّهُ لابد مِنْ تَغَيُّرِ الْغِذَاءِ لِيَنْقَطِعَ الْإِنْبَاتُ بِاللَّبَنِ وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ مُدَّةٍ يَتَعَوَّدُ الصَّبِيُّ فِيهَا غَيْرَهُ فَقُدِّرَتْ بِأَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا مُغَيَّرَةٌ، فَإِنَّ غِذَاءَ الْجَنِينِ يُغَايِرُ غِذَاءَ الرَّضِيعِ كَمَا يُغَايِرُ غِذَاءَ الْفَطِيمِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّصُّ الْمُقَيَّدُ بِحَوْلَيْنِ فِي الْكِتَابِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحَوْلَ حَسَنٌ لِلتَّحَوُّلِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ) بِاعْتِبَارِ حَوَلَانِ الْحَوْلِ الْمُوجِبِ لِتَغْيِيرِ الطِّبَاعِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لِمَا تَبَيَّنَ: يَعْنِي فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: فَتُقَدَّرُ، أَيْ: الزِّيَادَةُ بِهِ: أَيْ بِالْحَوْلِ.
وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ جَعَلَ مُدَّةَ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا، وَمُدَّةُ الْحَمْلِ أَدْنَاهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَبَقِيَ لِلْفِصَالِ حَوْلَانِ.
وَقَوْلُهُ: (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةُ) يَعْنِي: قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ) يَعْنِي الْحَمْلَ وَالْفِصَالَ، (وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ الْمُدَّةُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهَا كَمَا فِي الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِلدَّيْنَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ إلَى شَهْرَيْنِ، يَكُونُ الشَّهْرَانِ أَجَلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّيْنَيْنِ بِكَمَالِهِ إلَّا أَنَّهُ قَامَ الْمُنْقَصُ فِي أَحَدِهِمَا: يَعْنِي الْحَمْلَ وَهُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ: «الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ».
فَإِنْ قُلْت: هَذَا الْمُنْقَصُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ حَدِيثًا يَلْزَمُ بِهِ تَغْيِيرُ الْكِتَابِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْكِتَابَ مُؤَوَّلٌ.
فَإِنَّ عَامَّةَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ جَعَلُوا الْأَجَلَ الْمَضْرُوبَ لِلدَّيْنَيْنِ مُتَوَزِّعًا عَلَيْهِمَا، فَلَمْ يَكُنْ دَلَالَةُ الْكِتَابِ عَلَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ قَطْعِيَّةً، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَجِيءَ بِهَا إلَى عُثْمَانَ فَشَاوَرَ فِي رَجْمِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنْ خَاصَمْتُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ خَصَمْتُكُمْ، قَالُوا كَيْفَ؟ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، وَقَالَ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} فَحَمْلُهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَفِصَالُهُ حَوْلَانِ، فَتَرَكَهَا.
وَإِذَا لَمْ تَكُنْ دَلَالَتُهَا عَلَى ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ التَّغْيِيرُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ إثْبَاتُ مَسْأَلَةٍ فَرْعِيَّةٍ بِآيَةٍ مُؤَوَّلَةٍ وَلَا بُعْدَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لابد مِنْ تَغَيُّرِ الْغِذَاءِ لِيَنْقَطِعَ الْإِنْبَاتُ بِاللَّبَنِ وَيَحْصُلَ تَغَيُّرٌ إبْقَاءً لِحَيَاتِهِ، وَذَلِكَ أَيْ: التَّغَيُّرُ بِزِيَادَةِ مُدَّةٍ يَتَعَوَّدُ الصَّبِيُّ فِيهَا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عَنْ اللَّبَنِ دَفْعَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَوَّدَ غَيْرَهُ مُهْلِكٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَعَدَهُ الْمُصَنِّفُ لِزُفَرَ لَكِنَّهُ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ كَمَا فِي الْعِنِّينِ، وَقَدَّرْنَاهُ بِأَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا مُغَيِّرَةٌ، فَإِنَّ غِذَاءَ الْجَنِينِ يُغَايِرُ غِذَاءَ الرَّضِيعِ، فَإِنَّ غِذَاءَ الْجَنِينِ كَانَ غِذَاءَ أُمِّهِ ثُمَّ صَارَ لَبَنًا خَالِصًا كَمَا أَنَّ غِذَاءَ الرَّضِيعِ يُغَايِرُ غِذَاءَ الْفَطِيمِ؛ لِأَنَّ غِذَاءَ الرَّضِيعِ اللَّبَنُ، وَغِذَاءَ الْفَطِيمِ اللَّبَنُ مَرَّةً وَالطَّعَامُ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يُفْطَمُ تَدْرِيجًا، فَكَانَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ لابد مِنْ تَغْيِيرِ الْغِذَاءِ، وَتَغْيِيرُ الْغِذَاءِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
وَقَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ يَعْنِي قَوْلَهُ: عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ» مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَأَبْهَمَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِحْقَاقَ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: الْمُرَادُ مِنْ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ: لَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَدُ الرَّضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَفْيُ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ قَالُوا: إنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ عَلَى الْأَبِ مُقَدَّرَةٌ بِحَوْلَيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ حَتَّى لَا تَسْتَحِقَّ الْمُطَلَّقَةُ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا رَضَاعَ»لِنَفْيِ الْجِنْسِ، وَعَيْنُهُ قَدْ تُوجَدُ بَعْدَ حَوْلَيْنِ، فَكَانَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَعَدَمُ الْجَوَازِ مُحْتَمَلَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً، وَعَلَيْهِ أَيْ: وَعَلَى الِاسْتِحْقَاقِ يُحْمَلُ النَّصُّ الْمُقَيَّدُ بِحَوْلَيْنِ فِي الْكِتَابِ: يَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} بِدَلِيلٍ قَوْله تَعَالَى بَعْدَهُ {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ} فَإِنَّهُ ذُكِرَ بِحَرْفِ الْفَاءِ مُعَلَّقًا لَهُ بِالتَّرَاضِي، وَلَوْ كَانَ الرَّضَاعُ بَعْدَهُ حَرَامًا لَمْ يُعَلَّقْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلرِّضَا فِي إزَالَةِ الْمُحَرَّمِ شَرْعًا قَالَ (وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالرَّضَاعِ تَحْرِيمٌ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ» وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِاعْتِبَارِ النُّشُوءِ وَذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ إذْ الْكَبِيرُ لَا يَتَرَبَّى بِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْفِطَامُ قَبْلَ الْمُدَّةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ.
وَوَجْهُهُ انْقِطَاعُ النُّشُوءِ بِتَغَيُّرِ الْغِذَاءِ وَهَلْ يُبَاحُ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ الْمُدَّةِ؟ فَقِيلَ لَا يُبَاحُ؛ لِأَنَّ إبَاحَتَهُ ضَرُورِيَّةٌ لِكَوْنِهِ جُزْءُ الْآدَمِيِّ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالرَّضَاعِ تَحْرِيمٌ) سَوَاءٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ، وَإِذَا فُطِمَ قَبْلَهَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْفِطَامُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، حَتَّى لَوْ فُطِمَ صَبِيٌّ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ أَوْ قَبْلَ ثَلَاثِينَ شَهْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ بَلْ أَنْ نُمْضِيَ عَلَيْهِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ دُونَ رِوَايَةِ الْحَسَنِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَمَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ سَوَّى بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فِي حُرْمَةِ الرَّضَاعِ تَشَبُّثًا بِظَوَاهِر النُّصُوصِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَوَاهِرِ النُّصُوصِ الرَّضَاعُ وَهُوَ يَقْتَضِي رَضِيعًا لَا مَحَالَةَ وَالْكَبِيرُ لَا يُسَمَّى رَضِيعًا.
رُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ سُئِلَ عَنْ رَضَاعِ الْكَبِيرِ فَأَوْجَبَ الْحُرْمَةَ، ثُمَّ أَتَوْا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَتَرَوْنَ هَذَا الْأَشْمَطَ رَضِيعًا فِيكُمْ؟ فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا مُوسَى قَالَ: لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ.
وَقَدْ اتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى هَذَا.

.يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب:

قَالَ (وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا (إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَا يَجُوزُ) أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ، بِخِلَافِ الرَّضَاعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَطِئَ أُمَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الرَّضَاعِ.
الشَّرْحُ:
قَالَ: (وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ لِمَا رَوَيْنَا) مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» إلَّا صُورَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُوَ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ: (إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ) جَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْأُخْتِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ أُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَهَا أُمٌّ مِنْ النَّسَبِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ الَّتِي كَانَتْ أُمَّهَا مِنْ النَّسَبِ، وَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْأُمِّ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أُخْتٌ مِنْ النَّسَبِ وَلَهَا أُمٌّ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ الَّتِي كَانَتْ أُمَّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِمَا جَمِيعًا، مِثْلُ أَنْ يَجْتَمِعَ الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ الْأَجْنَبِيَّانِ عَلَى ثَدْيِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَلِلصَّبِيَّةِ أُمٌّ أُخْرَى مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِذَلِكَ الصَّبِيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ الَّتِي كَانَتْ الْأُمُّ مِنْ الرَّضَاعَةِ الَّتِي انْفَرَدَتْ بِهَا رَضِيعًا. (وَامْرَأَةُ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةُ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ فِي النَّصِّ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.

الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ: عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَقَوْلُهُ: (لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي) فَإِنَّ حَلِيلَةَ الِابْنِ الْمُتَبَنَّى كَانَتْ حَرَامًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِإِسْقَاطِ حَلِيلَةِ ابْنِ الرَّضَاعِ أَوْ لِإِسْقَاطِهِمَا جَمِيعًا.
وَمَا وَجْهُ تَرْجِيحِ جَانِبِ حَلِيلَةِ الِابْنِ الْمُتَبَنَّى فِي الْإِسْقَاطِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ حُرْمَةَ حَلِيلَةِ ابْنِ الرَّضَاعِ ثَابِتَةٌ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» فَحَمَلْنَاهُ عَلَى حَلِيلَةِ الِابْنِ الْمُتَبَنَّى لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّدَافُعُ بَيْنَ مُوجِبِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ.

.لبن الفحل:

(وَلَبَنُ الْفَحْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ أَنْ تُرْضِعَ الْمَرْأَةُ صَبِيَّةً فَتَحْرُمُ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ عَلَى زَوْجِهَا وَعَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَيَصِيرُ الزَّوْجُ الَّذِي نَزَلَ لَهَا مِنْهُ اللَّبَنُ أَبًا لِلْمُرْضَعَةِ) وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ: لَبَنُ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ وَاللَّبَنُ بَعْضُهَا لَا بَعْضُهُ.
وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، وَالْحُرْمَةُ بِالنَّسَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَذَا بِالرَّضَاعِ.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «لِيَلِجْ عَلَيْكِ أَفْلَحُ فَإِنَّهُ عَمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ» وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِنُزُولِ اللَّبَنِ مِنْهَا فَيُضَافُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِأُخْتِ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ إذَا كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ جَازَ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا.

الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ: (وَلَبَنُ الْفَحْلِ) مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اللَّبَنِ إنَّمَا هُوَ الْفَحْلُ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ: (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَائِشَةَ «لِيَلِجَ عَلَيْكِ أَفْلَحُ فَإِنَّهُ عَمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ») دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ عَائِشَةَ ارْتَضَعَتْ مِنْ امْرَأَةِ أَبِي الْقُعَيْسِ وَكَانَ اسْمُ أَخِي أَبِي قُعَيْسٍ أَفْلَحَ، فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ أُمًّا لَهَا كَانَ زَوْجُهَا أَبًا لَهَا وَأَخُو الزَّوْجِ عَمًّا لَهَا لَا مَحَالَةَ، وَرُوِيَ أَنَّهَا «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ دَخَلَ عَلَيَّ وَأَنَا فِي ثِيَابِ فَضْلٍ، فَقَالَ: لِيَلِجَ عَلَيْك فَإِنَّهُ عَمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَتْ: إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ لَا الرَّجُلُ، فَقَالَ: عَمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ» وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ لَبَنِ الْفَحْلِ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِنُزُولِ اللَّبَنِ مِنْهَا فَيُضَافُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا.
فَإِنْ قِيلَ: مَا قَامَ مَقَامَ الشَّيْءِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ لَا مَحَالَةَ، وَهَاهُنَا لَوْ ارْتَضَعَ الصَّبِيُّ مِنْ ثُنْدُوَةِ الرَّجُلِ نَفْسِهِ إذَا نَزَلَ مِنْهُ اللَّبَنُ لَا يَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِارْتِضَاعِ اللَّبَنِ بِسَبَبِهِ وَلَا تَثْبُتُ مِنْ اللَّبَنِ الْحَاصِلِ مِنْ نَفْسِهِ أُجِيبَ بِأَنَّ افْتِرَاقَ الْحُكْمِ لِافْتِرَاقِ الْوَصْفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ لَا يُوجَدُ فِي إرْضَاعِ الرَّجُلِ، فَإِنَّ مَا يَنْزِلُ مِنْ ثُنْدُوَةِ الرَّجُلِ لَا يَتَغَذَّى بِهِ الصَّبِيُّ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ إنْبَاتُ اللَّحْمِ، وَهُوَ نَظِيرُ وَطْءِ الْمَيِّتَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مَوْجُودًا، وَإِنَّمَا اخْتَارُوا هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَهِيَ مُلْبِسَةٌ فَإِنَّهَا تُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَنْزِلُ مِنْ ثُنْدُوَتِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَنْزِلُ مِنْ الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ أَوْ الْحَمْلِ مِنْ زَوْجِهَا، حَتَّى لَوْ نَزَلَ لَهَا اللَّبَنُ بِدُونِهِمَا كَمَا يَنْزِلُ لِلْبِكْرِ كَانَ ذَلِكَ لَبَنَ الْمَرْأَةِ خَاصَّةً لَا لَبَنَ الْفَحْلِ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ تَحْتَ زَوْجِهَا.
وَلَيْسَ حِلُّ الْوَطْءِ فِي الْإِحْبَالِ شَرْطَ الْحُرْمَةِ حَتَّى لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ بِهَذَا اللَّبَنِ صَبِيَّةً كَانَ لَبَنُ الْفَحْلِ لَا يَحِلُّ لِلزَّانِي هَذَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ وَلَا لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَلَا لِأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ لِوُجُودِ الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الزَّانِي.
وَقَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ) وَاضِحٌ. (وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ أُمَّهُمَا وَاحِدَةٌ فَهُمَا أَخٌ وَأُخْتٌ (وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُرْضَعَةَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ)؛ لِأَنَّهُ أَخُوهَا وَلَا وَلَدُ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَخِيهَا.
الشَّرْحُ:
صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ وَقَوْلُهُ: (وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا) غَلَّبَ الصَّبِيَّ عَلَى الصَّبِيَّةِ كَمَا فِي الْقَمَرَيْنِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ: أَيْ: ثَدْيِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُمَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى ضَرْعِ بَهِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ كَمَا سَيَجِيءُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ هَذِهِ الْحُرْمَةِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِلَبَنِ الْآدَمِيَّةِ دُونَ الْأَنْعَامِ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُرْضَعَةُ أَحَدًا مِنْ وُلْدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْمُرْضَعَةُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَنَصَبَ أَحَدًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ مِنْ وُلْدِ الَّتِي عَلَى طَرِيقِ الْإِضَافَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ النُّسَخِ، وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى: وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُرْضِعَةَ أَحَدٌ مِنْ وُلْدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ بِعَكْسِ الْأُولَى فِي الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِيَّةِ، وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ وَكَانَ كِلَاهُمَا بِخَطِّ شَيْخِي، وَنُسْخَتَانِ أُخْرَيَانِ لَيْسَتَا بِصَحِيحَتَيْنِ وَهُمَا بَعْدَ صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ فِي الْمُرْضِعَةِ كَوْنُهَا فَاعِلَةً أَوْ مَفْعُولَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَكِنْ هَذَا التَّقْدِيرَ لابد وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَلَدِ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ. (وَلَا يَتَزَوَّجُ الصَّبِيُّ الْمُرْضَعُ أُخْت زَوْجِ الْمُرْضَعَةِ؛ لِأَنَّهَا عَمَّتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَإِنْ غَلَبَ الْمَاءُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ مَوْجُودٌ فِيهِ حَقِيقَةً، وَنَحْنُ نَقُولُ الْمَغْلُوبُ غَيْرُ مَوْجُودٍ حُكْمًا حَتَّى لَا يَظْهَرَ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ كَمَا فِي الْيَمِينِ (وَإِنْ اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَا: إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَوْلُهُمَا فِيمَا إذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ، حَتَّى لَوْ طَبَخَ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا.
لَهُمَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ كَمَا فِي الْمَاءِ إذَا لَمْ يُغَيِّرْهُ شَيْءٌ عَنْ حَالِهِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ لَهُ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ فَصَارَ كَالْمَغْلُوبِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَقَاطُرِ اللَّبَنِ مِنْ الطَّعَامِ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ التَّغَذِّي بِالطَّعَامِ إذْ هُوَ الْأَصْلُ.

الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ) فَسَّرَ مُحَمَّدٌ الْغَلَبَةَ قَالَ: إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الدَّوَاءُ اللَّبَنَ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَإِنْ غَيَّرَ لَا تَثْبُتُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ غَيَّرَ طَعْمَ اللَّبَنِ وَلَوْنَهُ لَا يَكُونُ رَضَاعًا، وَإِنْ غَيَّرَ أَحَدَهُمَا يَكُونُ رَضَاعًا.
وَقَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا اخْتَلَطَ مِقْدَارُ مَا يَحْصُلُ بِهِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مِنْ اللَّبَنِ فِي جُبِّ الْمَاءِ فَشَرِبَهُ الصَّبِيُّ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ، هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا،؛ لِأَنَّ الْمَحْسُوسَ لَا يُنْكَرُ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: مَغْلُوبٌ، وَالْمَغْلُوبُ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ غَيْرُ مَوْجُودٍ حُكْمًا كَمَا فِي الْيَمِينِ.
حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا فَشَرِبَ لَبَنًا مَخْلُوطًا بِالْمَاءِ، وَالْمَاءُ غَالِبٌ عَلَى اللَّبَنِ لَا يَحْنَثُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا إنْ اُعْتُبِرَتْ جِهَةُ الْحُكْمِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ جِهَةُ الْحَقِيقَةِ تَثْبُتُ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً، وَإِنْ قِيلَ: فَعِنْدَ التَّعَارُضِ تُرَجَّحُ الْحُرْمَةُ احْتِيَاطًا.
أُجِيبَ بِأَنَّ التَّعَارُضَ لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ عِبَارَةٌ عَنْ تَقَابُلِ الْحُجَّتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، وَهَاهُنَا لَمْ تَثْبُتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ لِلْغَالِبِ فَضْلًا ذَاتِيًّا، وَلِلْمَغْلُوبِ فَضْلًا حَالِيًّا وَهُوَ جِهَةُ الْحُرْمَةِ، وَكَانَ التَّرْجِيحُ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الذَّاتِ لَا لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْحَالِ، وَهَذَا كَمَا يُرَى مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ نَفَى التَّعَارُضَ وَأَثْبَتَ التَّرْجِيحَ لِلْفَضْلِ الذَّاتِيِّ، وَلَا تَرْجِيحَ إلَّا بَعْدَ التَّعَارُضِ.
وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَا تَعَارُضَ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تُعَارِضُ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالرَّضَاعِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ، فَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحُكْمِ مَوْجُودًا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ.
سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ تَعَارَضَ ضَرْبًا تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا رَاجِعٌ إلَى الذَّاتِ وَالْآخَرُ إلَى الْحَالِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَمَوْضِعُهُ الْأُصُولُ.
وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا وَقَعَ قَطْرَةٌ مِنْ الدَّمِ أَوْ الْخَمْرِ فِي جُبٍّ مِنْ الْمَاءِ نَجَّسَهُ وَإِنْ غَلَبَ الْمَاءُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ غَالِبًا حُكْمًا؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الْمَاءِ فِي الْحُكْمِ هُوَ أَنْ يَكُونَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ وَمَا دُونَهُ فِي حُكْمِ الْقَلِيلِ، فَلَمْ تَكُنْ الْحَقِيقَةُ مُعَارِضَةً لِلْحُكْمِ بَلْ كَانَتْ مَوْجُودَةً مَعَهُ.
وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِالطَّعَامِ) وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ: (لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا، أَمَّا إذَا كَانَ مَغْلُوبًا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَالِبًا فَلِأَنَّهُ إذَا طُبِخَ بِالطَّعَامِ يَصِيرُ اللَّبَنُ تَبَعًا لِلطَّعَامِ وَإِنْ كَانَ غَالِبًا حَتَّى لَا يُسَمَّى لَبَنًا مُطْلَقًا.
وَقَوْلُهُ: (فَصَارَ كَالْمَغْلُوبِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ غَيْرُ مَوْجُودٍ حُكْمًا، أَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا أَوْ يَكُونُ كَالْمَغْلُوبِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ تَنْدَفِعُ بِجَعْلِ الْكَافِ زَائِدَةً.
وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَتَقَاطَرْ اللَّبَنُ مِنْ الطَّعَامِ عِنْدَ حَمْلِ اللُّقْمَةِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يَتَقَاطَرُ مِنْهُ فَتَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ اللَّبَنِ إذَا دَخَلَتْ حَلْقَ الصَّبِيِّ كَانَتْ كَافِيَةً لِإِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّغَذِّيَ بِالطَّعَامِ هُوَ الْأَصْلُ دُونَ اللَّبَنِ، وَالْمُعْتَبَرُ لِمَا يَقَعُ بِهِ التَّغَذِّي الْمُوجِبُ لِإِنْبَاتِ اللَّحْمِ. (وَإِنْ اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ وَاللَّبَنُ غَالِبٌ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ)؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَبْقَى مَقْصُودًا فِيهِ، إذْ الدَّوَاءُ لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ، وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِلَبَنِ الشَّاةِ وَهُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ (وَإِنْ غَلَبَ لَبَنُ الشَّاةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ كَمَا فِي الْمَاءِ.

الشَّرْحُ:
وَإِنْ خُلِطَ بِالدَّوَاءِ وَاللَّبَنُ غَالِبٌ فِيهِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَبْقَى مَقْصُودًا فِيهِ حَيْثُ جُعِلَ غَالِبًا وَالدَّوَاءُ يُخْلَطُ بِهِ لِيُقَوِّيَهُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ.
فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الدَّوَاءُ لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ الْغَالِبُ وَالْمَغْلُوبُ؛ لِأَنَّ وُصُولَ قَطْرَةٍ مِنْهُ يَحْرُمُ.
قُلْت: النَّظَرُ هَاهُنَا إلَى الْمَقْصُودِ، فَإِنْ كَانَ غَالِبًا كَانَ الْقَصْدُ إلَى التَّغَذِّي بِهِ وَالدَّوَاءُ لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ، وَإِذَا كَانَ مَغْلُوبًا كَانَ الْقَصْدُ إلَى التَّدَاوِي وَاللَّبَنِ لِتَسْوِيَةِ الدَّوَاءِ، يَلُوحُ إلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَإِذَا خُلِطَ دُونَ اخْتَلَطَ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ اللَّبَن يَبْقَى مَقْصُودًا.
قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِلَبَنِ شَاةٍ).
صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ، وَكَذَا تَعْلِيلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَغْلُوبَ كَالْمُسْتَهْلَكِ لِعَدَمِ بَقَاءِ مَنْفَعَتِهِ.
كَمَا إذَا صُبَّ كُوزٌ مِنْ الْمَاءِ الْعَذْبِ فِي الْبَحْرِ.
وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الْغَلَبَةَ هَاهُنَا غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ، إذْ الْغَلَبَةُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَالشَّيْءُ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِي جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ بِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْمُسْتَهْلَكِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي اخْتِلَافَ الْمَقْصُودِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا مُتَّحِدٌ، وَإِذَا لَمْ يَتَصَوَّرْ الْغَلَبَةَ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَقْصُودِ فَيَتَحَقَّقُ الرَّضَاعُ مِنْ الْقَلِيلِ صُورَةً وَمَعْنًى فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ قَوْلُهُ: كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَيْمَانِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَخُلِطَ لَبَنُهَا بِلَبَنِ بَقَرَةٍ أُخْرَى وَهُوَ غَالِبٌ فَشَرِبَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، عَنْهُ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ كَالْمُسْتَهْلَكِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَكَثَّرُ بِجِنْسِهِ وَلَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا.

.في اخْتَلَاط لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ:

(وَإِذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِأَغْلَبِهِمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ)؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ شَيْئًا وَاحِدًا فَيُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ فِي بِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَزُفَرٌ (يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِهِمَا)؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ فَإِنَّ الشَّيْءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِي جِنْسِهِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا رِوَايَتَانِ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَيْمَانِ.

.رضاع البكر:

(وَإِذَا نَزَلَ لِلْبِكْرِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ النُّشُوءِ فَتَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الْبَعْضِيَّةِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا نَزَلَ لِلْبِكْرِ لَبَنٌ) ظَاهِرٌ. (وَإِذَا حَلَبَ لَبَنَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَوْجَرَ الصَّبِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، هُوَ يَقُولُ: الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ إنَّمَا هُوَ الْمَرْأَةُ ثُمَّ تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا بِوَاسِطَتِهَا، وَبِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهَا، وَلِهَذَا لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ.
وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ شُبْهَةُ الْجُزْئِيَّةِ وَذَلِكَ فِي اللَّبَنِ لِمَعْنَى الْإِنْشَازِ وَالْإِنْبَاتِ وَهُوَ قَائِمٌ بِاللَّبَنِ، وَهَذِهِ الْحُرْمَةُ تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَيِّتَةِ دَفْنًا وَتَيَمُّمًا.
أَمَّا الْحُرْمَةُ فِي الْوَطْءِ لِكَوْنِهِ مُلَاقِيًا لِمَحَلِّ الْحَرْثِ وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ فَافْتَرَقَا.
الشَّرْحُ:
قَوْلُهُ: (وَإِذَا حَلَبَ لَبَنَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأُوجِرَ الصَّبِيُّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) قُيِّدَ بِالْمَوْتِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَبَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَأُوجِرَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ قَوْلُهُ: كَقَوْلِنَا عَلَى الْأَظْهَرِ.
هُوَ يَقُولُ: الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ إنَّمَا هُوَ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَبَتَتْ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَتَعَدَّى مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا بِوَاسِطَةٍ وَبِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَلِهَذَا لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْحُرْمَةِ وَلَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهَا حَتَّى تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا.
وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ شُبْهَةُ الْجُزْئِيَّةِ وَذَلِكَ فِي اللَّبَنِ بِمَعْنَى الْإِنْشَارِ وَالْإِنْبَاتِ، وَهُوَ قَائِمٌ بِاللَّبَنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ كَوْنِهِ مُغَذِّيًا كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ لَحْمُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَالْفَائِدَةُ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي ظُهُورِ الْحُرْمَةِ فِيهَا بَلْ تَظْهَرُ فِي الْمَيِّتَةِ دَفْنًا وَتَيَمُّمًا بِأَنْ كَانَ لِهَذِهِ الْمُرْضِعَةِ الَّتِي أُوجِرَ لَبَنُ هَذِهِ الْمَيِّتَةِ فِي فَمِهَا زَوْجٌ فَإِنَّ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَدْفِنَ وَيُيَمِّمَ الْمَيِّتَةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَحْرَمًا لَهَا حَيْثُ صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا الْحُرْمَةُ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَلِهَذَا لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ: يَعْنِي أَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِمُلَاقَاتِهِ بِمَحَلِّ الْحَرْثِ لِتَثْبُتَ بِهِ الْحُرْمَةُ وَمَحَلُّ الْحَرْثِ قَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ فَافْتَرَقَا. (وَإِذَا احْتَقَنَ الصَّبِيُّ بِاللَّبَنِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ كَمَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الصَّوْمِ إصْلَاحُ الْبَدَنِ وَيُوجَدُ ذَلِكَ فِي الدَّوَاءِ.
فَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فِي الرَّضَاعِ فَمَعْنَى النُّشُوءِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الِاحْتِقَانِ؛ لِأَنَّ الْمُغَذِّي وُصُولُهُ مِنْ الْأَعْلَى.
الشَّرْحُ:
احْتَقَنَ الصَّبِيُّ بِاللَّبَنِ وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا احْتَقَنَ بِاللَّبَنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: صَوَابُهُ حُقِنَ لَا احْتَقَنَ، يُقَالُ: حَقَنَ الْمَرِيضَ دَاوَاهُ بِالْحُقْنَةِ، وَاحْتَقَنَ الصَّبِيُّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ، وَاحْتُقِنَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ غَيْرُ جَائِزٍ فَتَعَيَّنَ حَقَنَ، وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ الِاحْتِقَانُ حَقَنَهُ كَرَدَنَ فَجَعَلَهُ مُتَعَدِّيًا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ.

.رضاع الرجل:

(وَإِذَا نَزَلَ لِلرَّجُلِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى التَّحْقِيقِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّشُوءُ وَالنُّمُوُّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ.
الشَّرْحُ:
نَزَلَ لِلرَّجُلِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيًّا (قَوْلُهُ: وَهَذَا لِأَنَّ اللَّبَنَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ) بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ اللَّبَنَ فِي الْأَصْلِ لِغِذَاءِ الْوَلَدِ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ لِسَائِرِ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهِ لِيَقُومَ مَقَامَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَلِهَذَا اخْتَصَّ اللَّبَنُ عَلَى التَّحْقِيقِ بِمَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَهَذَا لَا يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ بِمَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ إذَا تَأَمَّلْت لَكِنَّ اخْتِصَاصَهُ بِالْأُنْثَى الْوَلُودِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ أَذُونًا لَا صَمُوخًا فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ لَمْ يَخْتَلِفْ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْآدَمِيِّ فِي الذَّكَرِ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى التَّحْقِيقِ كَدَمِ السَّمَكِ. (وَإِذَا شَرِبَ صَبِيَّانِ مِنْ لَبَنِ شَاةٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ)؛ لِأَنَّهُ لَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهَائِمِ وَالْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِهَا.
الشَّرْحُ:
(وَإِذَا شَرِبَ صَبِيَّانِ مِنْ لَبَنِ شَاةٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهَائِمِ وَالْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِهَا) وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي هَذَا حِكَايَةٌ وَهِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ صَاحِبَ الْأَخْبَارِ كَانَ يَقُولُ: تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ دَخَلَ بُخَارَى فِي زَمَانِ الشَّيْخِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ وَجَعَلَ يُفْتِي فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّك لَسْت هُنَاكَ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ نُصْحَهُ حَتَّى اسْتَفْتَى عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ فَاجْتَمَعُوا وَأَخْرَجُوهُ مِنْ بُخَارَى. وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ رَضَاعًا وَذَلِكَ حَرَامٌ كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبًا (ثُمَّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْكَبِيرَةِ فَلَا مَهْرَ لَهَا)؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا (وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ)؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ لَا مِنْ جِهَتِهَا، وَالِارْتِضَاعُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا مِنْهَا لَكِنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا كَمَا إذَا قَتَلَتْ مُوَرِّثَهَا (وَيَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ كَانَتْ تَعَمَّدَتْ بِهِ الْفَسَادَ، وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَإِنْ عَلِمَتْ بِأَنَّ الصَّغِيرَةَ امْرَأَتُهُ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ.
وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ أَكَّدَتْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ وَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْإِتْلَافِ لَكِنَّهَا مُسَبَّبَةٌ فِيهِ إمَّا لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ لَيْسَ بِإِفْسَادٍ لِلنِّكَاحِ وَضْعًا وَإِنَّمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ، أَوْ لِأَنَّ إفْسَادَ النِّكَاحِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِإِلْزَامِ الْمَهْرِ بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِسُقُوطِهِ، إلَّا أَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ عَلَى مَا عُرِفَ، لَكِنَّ مِنْ شَرْطِهِ إبْطَالَ النِّكَاحِ، وَإِذَا كَانَتْ مُسَبَّبَةً يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدِّي كَحَفْرِ الْبِئْرِ ثُمَّ إنَّمَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً إذَا عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَقَصَدَتْ بِالْإِرْضَاعِ الْفَسَادَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ أَوْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَكِنَّهَا قَصَدَتْ دَفْعَ الْجُوعِ وَالْهَلَاكِ عَنْ الصَّغِيرَةِ دُونَ الْفَسَادِ لَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِذَلِكَ وَلَوْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْفَسَادِ لَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً أَيْضًا، وَهَذَا مِنَّا اعْتِبَارُ الْجَهْلِ لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ لَا لِدَفْعِ الْحُكْمِ.

الشَّرْحُ:
قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حَرُمَتَا عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ رَضَاعًا وَذَلِكَ حَرَامٌ كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبًا) فَأَمَّا الْكَبِيرَةُ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا مُؤَبَّدَةٌ، وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا جَازَ التَّزَوُّجُ بِالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا (ثُمَّ إنَّهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْكَبِيرَةِ فَلَا مَهْرَ لَهَا) إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ أَوْ لَمْ تَتَعَمَّدْ؛ (لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا) قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلِلصَّغِيرَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا (وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَجِئْ مِنْ قِبَلِهَا) فَإِنْ قِيلَ: الْعِلَّةُ لِلْفُرْقَةِ الِارْتِضَاعُ وَهِيَ فِعْلُهَا فَلِمَ لَمْ تُضَفْ الْفُرْقَةُ إلَيْهَا؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَالِارْتِضَاعُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا مِنْهَا لَكِنْ فِعْلُهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا) أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ قَتَلَتْ مُوَرِّثَهَا لَمْ تُحْرَمْ مِنْ الْمِيرَاثِ؟.
وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِصَغِيرَةٍ مُسْلِمَةٍ تَحْتَ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ أَبَوَاهَا وَلَحِقَا بِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَلَا يُقْضَى لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ وَلَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْهَا.
وَالْجَوَابُ: إنَّا قَدْ قُلْنَا كُلَّمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِفِعْلٍ مِنْ جِهَتِهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا وَلَمْ يَلْزَمْ أَنَّ كُلَّمَا لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ بِفِعْلٍ مِنْ جِهَتِهَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَحِقَهَا أَمْرٌ أَخْرَجَهَا عَنْ مَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ كَالرِّدَّةِ الْحَاصِلَةِ بِتَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ أَسْقَطَ حَقَّهَا (وَيُرْجَعُ بِهِ) أَيْ: بِمَا أَدَّى مِنْ نِصْفِ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ (عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ كَانَتْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ) بِأَنْ قَصَدَتْ بِالْإِرْضَاعِ إفْسَادَ النِّكَاحِ، (وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ) بِأَنْ قَصَدَتْ دَفْعَ الْهَلَاكِ عَنْهَا جُوعًا (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ الصَّغِيرَةَ امْرَأَةُ زَوْجِهَا.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا فِي الْوَجْهَيْنِ) جَمِيعًا يَعْنِي فِي تَعَمُّدِ الْفَسَادِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمُسَبِّبَ كَالْمُبَاشِرِ وَلِهَذَا جُعِلَ فَتْحُ بَابِ الْقَفَصِ وَالْإِصْطَبْلِ وَحَلُّ قَيْدِ الْآبِقِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَفِي الْمُبَاشَرَةِ الْمُتَعَدِّي وَغَيْرُ الْمُتَعَدِّي سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ فِي التَّسَبُّبِ، (وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ أَكَّدَتْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ) بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ إذَا بَلَغَتْ حَدًّا تُشْتَهَى، (وَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْإِتْلَافِ) فِي إيجَابِ الضَّمَانِ، (لَكِنَّهَا مُسَبِّبَةٌ فِي ذَلِكَ) بِالتَّأْكِيدِ لَا مُبَاشِرَةٌ، (إمَّا لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ لَيْسَ بِإِفْسَادِ النِّكَاحِ وَضْعًا)؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ لِتَرْبِيَةِ الصَّغِيرِ لَا لِإِفْسَادِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْإِفْسَادُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لِتَأْدِيَتِهِ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ نِكَاحًا، أَوْ لِأَنَّ إفْسَادَ النِّكَاحِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِإِلْزَامِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالِاتِّفَاقِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكِ عَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلِهَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَإِيجَارِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِلْكٌ ضَرُورِيٌّ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِسُقُوطِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَفُوتُ بِهِ الْمُبْدَلُ يَفُوتُ بِهِ الْبَدَلُ أَيْضًا.
وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ: الْكَبِيرَةُ بِإِرْضَاعِهَا مُسَبِّبَةٌ فِي تَأْكِيدِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ لَا مُبَاشِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ لَيْسَ بِإِفْسَادِ النِّكَاحِ وَضْعًا كَمَا تَقَرَّرَ.
سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِرْضَاعَ إفْسَادُ النِّكَاحِ لَكِنَّ إفْسَادَهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِإِلْزَامِ الْمَهْرِ لِمَا تَقَرَّرَ أَيْضًا.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِإِلْزَامِهِ كَيْفَ وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الْمَهْرِ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي بَابِ الْمَهْرِ، وَالْمُتْعَةُ تَجِبُ بِالنَّصِّ ابْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ}؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَادَ إلَيْهَا سَالِمًا، لَكِنْ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِهِ: أَيْ: وُجُوبِ نِصْفِ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ إبْطَالُ النِّكَاحِ فَكَانَتْ صَاحِبَةَ شَرْطٍ فَهِيَ مُسَبِّبَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ مُسَبِّبَةً يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدِّي كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً إذَا عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَعَلِمَتْ أَنَّ الْإِرْضَاعَ مُفْسِدٌ وَقَصَدَتْ بِهِ الْفَسَادَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ أَوْ عَلِمَتْ بِهِ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْإِرْضَاعَ مُفْسِدٌ أَوْ عَلِمَتْ بِهِ لَكِنْ قَصَدَتْ دَفْعَ الْهَلَاكِ عَنْ الصَّغِيرَةِ جُوعًا لَا تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً لِكَوْنِهَا مَأْمُورَةً بِذَلِكَ أَيْ: بِالْإِرْضَاعِ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْجَهْلُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِعُذْرٍ فَكَيْفَ جُعِلَ جَهْلُ الْمَرْأَةِ بِفَسَادِ النِّكَاحِ عُذْرًا فِي حَقِّ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهَا؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا مِنَّا اعْتِبَارُ الْجَهْلِ لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ لَا لِدَفْعِ الْحُكْمِ.
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ يَعْتَمِدُ التَّعَدِّيَ وَالتَّعَدِّي بِمَا يَحْصُلُ بِقَصْدِ الْفَسَادِ وَالْقَصْدُ إلَى الْفَسَادِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالْفَسَادِ، فَإِذَا انْتَفَى الْعِلْمُ بِالْفَسَادِ انْتَفَى قَصْدُ الْفَسَادِ، وَكَانَ اعْتِبَارُ الْجَهْلِ لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ لَا لِدَفْعِ الْحُكْمِ.
فَإِنْ قُلْت: دَفْعُ قَصْدِ الْفَسَادِ يَسْتَلْزِمُ دَفْعَ الْحُكْمِ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْجَهْلِ لِدَفْعِ الْحُكْمِ.
قُلْت: لَزِمَ ذَلِكَ ضِمْنًا فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ.