فصل: بَابُ الشُّفْعَةِ فِي الْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ شُفْعَةِ اللَّقِيطِ:

(قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُطَالِبَ بِشُفْعَةٍ وَاجِبَةٍ لِلَّقِيطِ)؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الشِّرَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي جَعَلَهُ قَيِّمًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ حِينَئِذٍ فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ لِوَكِيلِ الْيَتِيمِ وَتَسْلِيمِهِ وَإِنْ اشْتَرَى الْمُلْتَقِطُ لِلَّقِيطِ دَارًا بِمَالِهِ فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْمُلْتَقِطِ صَحِيحٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَدَّى فِيهِ مِنْ مَالِ الْمُلْتَقِطِ، فَإِنْ أَدْرَكَ اللَّقِيطَ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الدَّارِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ شَفِيعَهَا بِدَارٍ أُخْرَى لَهُ فَيَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ اشْتَرَى الدَّارَ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِ اللَّقِيطِ، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا لِفَسَادِ شِرَائِهِ وَالْإِشْهَادُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ لِلَّقِيطِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْهَدْمِ وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى اللَّقِيطِ بَعْدَ مَا أَدْرَكَ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى سَقَطَ وَأَصَابَ إنْسَانًا، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ عَاقِلَتَهُ بَيْتُ الْمَالِ كَمَا فِي جِنَايَتِهِ بِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ حَتَّى أَخَذَ الشَّفِيعُ مِنْهُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ سَقَطَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْهَدْمِ قَدْ زَالَ وَلَمْ يُوجَدْ الْإِشْهَادُ عَلَى الشَّفِيعِ وَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ نِصْفَ الدَّارِ بِأَنْ كَانَ اللَّقِيطُ مَعَهُ شَفِيعًا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَحُكْمُ الْإِشْهَادِ يَبْطُلُ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ الشُّفْعَةِ فِي الْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ:

قَالَ: (رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَحْدَثْت فِيهَا هَذَا الْبِنَاءَ وَكَذَّبَهُ الشَّفِيعُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) لِإِنْكَارِهِ الشِّرَاءَ فِي الْبِنَاءِ وَلَوْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ فِي أَصْلِ الدَّارِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ فِي الْبِنَاءِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَقُّهُ فِي الْبِنَاءِ بِسَبَبِ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِيهَا وَهُوَ الشِّرَاءُ؛ وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يُثْبِتُ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ اشْتَرَى الْبِنَاءَ وَذَلِكَ إكْذَابٌ مِنْهُ لِشُهُودِهِ وَعَلَى هَذَا اخْتِلَافُهُمَا فِي شَجَرِ الْأَرْضِ، وَلَكِنْ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا حَتَّى إذَا قَالَ: أَحْدَثْت فِيهَا هَذِهِ الْأَشْجَارَ أَمْسِ لَمْ يَصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا يَقُولُ وَكَذَلِكَ فِيمَا أَشْبَهَ مِنْ الْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْتهَا مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَأَحْدَثْت فِيهَا هَذَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ مُحْتَمِلٌ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِثُبُوتِ حَقِّ الشَّفِيعِ فِيمَا زَعَمَ أَنَّهُ أَحْدَثَهُ وَلَا قَوْلَ لِلْبَائِعِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ خَرَجَ مِنْ الْوَسَطِ وَالْتَحَقَ بِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت الْبِنَاءَ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَيْت الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَالَ الشَّفِيعُ اشْتَرَيْتُهُمَا مَعًا فَفِي الْقِيَاسِ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت الْبِنَاءَ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَيْت الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت الْأَرْضَ بِغَيْرِ بِنَاءٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَيْت الْبِنَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا شُفْعَةَ لَك فِي الْبِنَاءِ وَقَالَ الشَّفِيعُ اشْتَرَيْتُهُمَا مَعًا فَفِي الْقِيَاسِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ ثُبُوتَ حَقِّ الشَّفِيعِ فِي الْبِنَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَهَبَ لِي الْبِنَاءَ وَاشْتَرَيْت الْأَرْضَ كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الشَّفِيعِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِالسَّبَبِ الْمُثْبِتِ لِحَقِّ الشَّفِيعِ فِي الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهُوَ الشِّرَاءُ ثُمَّ ادَّعَى تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ لِيُسْقِطَ بِهِ حَقَّهُ فِي الْبِنَاءِ وَذَلِكَ حَادِثٌ يَدَّعِيهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الشَّفِيعِ لِإِنْكَارِهِ، وَلَا قَوْلَ لِلْبَائِعِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
فَأَمَّا فِي الْهِبَةِ هُوَ لَمْ يُقِرَّ بِالسَّبَبِ الْمُثْبِتِ لِحَقِّ الشَّفِيعِ فَالسَّائِلُ الشَّفِيعُ يَدَّعِي ذَلِكَ وَهُوَ مُنْكِرٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْأَرْضَ بِغَيْرِ بِنَاءٍ وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ لَمْ أَهَبْ لَك الْبِنَاءَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيَأْخُذُ بِنَاءَهُ وَإِنْ قَالَ قَدْ وَهَبْتُهُ لَك كَانَتْ الْهِبَةُ جَائِزَةً وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت النِّصْفَ ثُمَّ النِّصْفَ وَقَالَ الْجَارُ اشْتَرَيْت الْكُلَّ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّفِيعِ اسْتِحْسَانًا لِمَا قُلْنَا، فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا لِإِثْبَاتِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِثْبَاتِ شَيْءٍ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ اسْتِحْقَاقَ جَمِيعِ الدَّارِ؛ وَلِأَنَّا نَجْعَلُ كَأَنَّ الْأَمْرَيْنِ كَانَا إذْ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا وَلَوْ اشْتَرَى النِّصْفَ ثُمَّ النِّصْفَ ثُمَّ اشْتَرَى الْكُلَّ أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَى جَمِيعَ ذَلِكَ مَعًا وَادَّعَى الشَّفِيعُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مُتَفَرِّقًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِإِنْكَارِهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَإِنْكَارِهِ مَا ادَّعَى الشَّفِيعُ مِنْ ثُبُوتِ حَقِّ الْأَخْذِ لَهُ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي وَهَبَ لِي هَذَا الْبَيْتَ بِطَرِيقِهِ إلَى بَابِ الدَّارِ وَبَاعَنِي مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ الشَّفِيعُ بَلْ اشْتَرَيْت الدَّارَ كُلَّهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْتِ لِإِنْكَارِهِ سَبَبَ ثُبُوتِ حَقِّ الشَّفِيعِ فِيهِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ كُلَّهَا غَيْرَ الْبَيْتِ وَطَرِيقِهَا إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِحَقِّ الشَّفِيعِ فِيمَا سِوَى الْبَيْتِ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ حَقَّ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ، فَلَا يَثْبُتُ مَا ادَّعَاهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ فَلِهَذَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا سِوَى الْبَيْتِ وَإِنْ جَحَدَ الْبَائِعُ هِبَةَ الْبَيْتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا، فَالْبَيْتُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقَانِ عَلَى إبْطَالِ شُفْعَةِ الشَّفِيعِ فِي سَائِرِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ فِي الطَّرِيقِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ لَا يَظْهَرُ بِقَوْلِهِمَا حَقُّ الشَّفِيعِ، إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْهِبَةِ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَحِينَئِذٍ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ، كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ فَيَصِيرُ هُوَ أَوْلَى بِالدَّارِ مِنْ الْجَارِ.
وَلَوْ ادَّعَى الشَّفِيعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هَدَمَ طَائِفَةً مِنْ بِنَاءِ الدَّارِ وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي سَبَبًا مُسْقِطًا لِبَعْضِ الثَّمَنِ عَنْهُ بَعْدَ أَخْذِهِ الدَّارَ وَالْمُشْتَرِي مُنْكِرٌ لِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ سُقُوطَ بَعْضِ الثَّمَنِ عَنْهُ.
رَجُلٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْبَيْتَ بِطَرِيقِهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مُنْذُ شَهْرٍ قَضَيْتُ بِالْبَيْتِ لِصَاحِبِ الشَّهْرِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ حَادِثٌ وَإِنَّمَا يُحَالُ بِشِرَائِهِ بِحُدُوثِهِ عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ الشُّهُودُ بِسَبْقِ التَّارِيخِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ شُهُودُ صَاحِبِ الْبَيْتِ فَيُقْضَى لَهُ بِالْبَيْتِ لِتَقَدُّمِ عَقْدِهِ فِيهِ ثُمَّ لَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ فِي الطَّرِيقِ تَثْبُتُ قَبْلَ ثُبُوتِ شِرَاءِ الْآخَرِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ، فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَلَوْ لَمْ يُوَقِّتْ شُهُودُ صَاحِبِ الْبَيْتِ قَضَيْتُ بِالْبَيْتِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ الدَّعْوَى وَالْحُجَّةِ مِنْهُمَا فِي الْبَيْتِ وَقَضَيْتُ بِبَقِيَّةِ الدَّارِ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ شِرَاءَهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَا مُزَاحِمَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الدَّارِ، وَلَا شُفْعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ سَبْقُ شِرَاءِ أَحَدِهِمَا وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ ظَهَرَا وَلَا يُعْرَفُ تَارِيخٌ بَيْنَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا.
وَلَوْ كَانَتْ الدَّارَانِ مُتَلَازِقَتَيْنِ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى إحْدَاهُمَا مُنْذُ شَهْرٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْأُخْرَى مُنْذُ شَهْرَيْنِ قَضَيْتُ لَهُ بِشِرَاءِ هَذِهِ الدَّارِ مُنْذُ شَهْرَيْنِ، فَمِنْ وَقْتِ شُهُودِهِ جَعَلْت لَهُ الشُّفْعَةَ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ جِوَارُهُ سَابِقًا عَلَى بَيْعِ الدَّارِ الْأُخْرَى وَلَوْ لَمْ يُوَقِّتَا قَضَيْتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَارِهِ وَلَمْ أَقْضِ بِالشُّفْعَةِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ تَارِيخٌ فِي الشِّرَاءَيْنِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَبَضَ الدَّارَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَصْلُحُ حُجَّةً لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ إذَا زَاحَمَهُ غَيْرُهُ فِيمَا هُوَ فِي يَدِهِ، وَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى وَلَوْ وُقِّتَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُوَقَّتْ الْآخَرُ قَضَيْت لِصَاحِبِ الْوَقْتِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْآخَرِ حَادِثٌ، فَإِنَّمَا يُحَالُ بِحُدُوثِهِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى هِبَةً مَقْبُوضَةً مُؤَقَّتَةً فَالْهِبَةُ مَعَ الْقَبْضِ فِي إفَادَةِ الْمِلْكِ، كَالشِّرَاءِ.
وَإِذَا كَانَ دَرْبٌ غَيْرُ نَافِذٍ، وَفِيهِ دُورٌ لِقَوْمٍ فَبَاعَ رَجُلٌ مِنْ أَرْبَابِ تِلْكَ الدُّورِ بَيْتًا شَارِعًا فِي السِّكَّةِ الْعُظْمَى، وَلَا طَرِيقَ لَهُ فِي الدَّارِ فَلِأَصْحَابِ الدَّرْبِ أَنْ يَأْخُذُوا الْبَيْتَ بِالشُّفْعَةِ لِشَرِكَتِهِمْ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ سَلَّمُوهَا ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْبَيْتَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِلْبَيْتِ فِي الدَّرْبِ فَبِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ قَدْ انْقَطَعَتْ شَرِكَةُ الطَّرِيقِ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ مَعَ أَصْحَابِ الدَّرْبِ وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الْبَيْتِ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ قِطْعَةً مِنْ الدَّارِ بِغَيْرِ طَرِيقٍ لَهَا فَلَهُمْ الشُّفْعَةُ لِقِيَامِ شَرِكَتِهِمْ فِي الطَّرِيقِ وَقْتَ الْبَيْعِ، فَإِنْ سَلَّمُوهَا ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، إلَّا لِمَنْ يُجَاوِرُهَا لِانْقِطَاعِ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي وَإِذَا كَانَ الدَّرْبُ غَيْرَ نَافِذٍ وَفِي أَقْصَاهُ مَسْجِدُ خُطْبَةٍ وَبَابُ الْمَسْجِدِ فِي الدَّرْبِ وَظَهَرَ الْمَسْجِدُ وَجَانِبُهُ الْآخَرُ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَبَاعَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ دَارِهِ فَلَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ فِيهَا، إلَّا لِمَنْ يُجَاوِرُهَا بِالْجِوَارِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ النَّافِذِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْضِعَ الْمَسْجِدِ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِأَهْلِ الدَّرْبِ وَأَنَّ أَهْلَ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ لَوْ أَرَادُوا أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْمَسْجِدِ بَابٌ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ لِيَدْخُلُوهُ لِلصَّلَاةِ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الدَّرْبِ وَلَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا فِي ذَلِكَ الدَّرْبِ لِيُصَلُّوا فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَخْرُجُوا مِنْ جَانِبِ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ النَّافِذِ، فَلَا تُسْتَحَقُّ الشُّفْعَةُ، إلَّا بِالْجِوَارِ وَعَلَى هَذَا حُكْمُ السِّكَكِ الَّتِي فِي أَقْصَاهَا الْوَادِي الْمُجْتَازُ وَلَوْ كَانَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ دُورٌ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ كَانَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْآنَ لَيْسَ بِطَرِيقٍ نَافِذٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رُفِعَ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ؛ لَمْ يَصِرْ الطَّرِيقُ نَافِذًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَوْ رُفِعَ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ؛ صَارَ الدَّرْبُ طَرِيقًا نَافِذًا إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا يُجْعَلُ الْمَسْجِدُ بِمَنْزِلَةِ فِنَاءٍ وَلَوْ كَانَ فِي أَقْصَى الدَّرْبِ بَابٌ نَافِذٌ إلَى السِّكَّةِ الْعُظْمَى كَانَ ذَلِكَ طَرِيقًا نَافِذًا وَإِنْ كَانَ الْفِنَاءُ إلَى دُورِ قَوْمٍ لَمْ تَكُنْ سِكَّةً نَافِذَةً وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ دَارًا فِيهَا طَرِيقٌ إلَى الدَّرْبِ يَخْرُجُ مِنْ بَابٍ آخَرَ مِنْهَا إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ، فَإِنْ كَانَ طَرِيقًا لِلنَّاسِ لَيْسَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ أَنْ يَمْنَعُوهُ، فَلَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ إلَّا بِالْجَوَازِ وَإِنْ كَانَ طَرِيقًا لِأَهْلِ الدَّارِ خَاصَّةً فَأَهْلُ الدَّارِ شُفَعَاءُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي لَهُمْ خَاصَّةً مِلْكٌ لَهُمْ وَإِنْ أَرَادُوا سَدَّهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْأَوَّلِ الطَّرِيقُ لِلْعَامَّةِ وَلَوْ أَرَادَ أَهْلُ الدَّرْبِ سَدَّهُ مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ فَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّونَ الشُّفْعَةَ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ.
وَإِنْ كَانَ دَرْبٌ غَيْرُ نَافِذٍ لَيْسَ فِيهِ مَسْجِدٌ فَاشْتَرَى أَهْلُ الدَّرْبِ مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهِ دَارًا وَظَهْرُهَا إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَاِتَّخَذُوهَا مَسْجِدًا وَجَعَلُوا بَابَهُ فِي الدَّرْبِ وَلَمْ يَجْعَلُوا لَهُ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ بَابًا أَوْ جَعَلُوا ثُمَّ بَاعَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ دَارِهِ فَلِأَهْلِ الدَّرْبِ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ قَبْلَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ كَانَ الطَّرِيقُ مَمْلُوكًا لَهُمْ وَكَانَتْ شَرِكَتُهُمْ فِيهَا شَرِكَةً خَاصَّةً فَبِاِتِّخَاذِ الْمَسْجِدِ لَا يُنْتَقَضُ حَقُّهُمْ وَشَرِكَتُهُمْ فِي الطَّرِيقِ بِخِلَافِ مَسْجِدِ الْخُطْبَةِ، فَذَلِكَ الْمَوْضِعُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُمْ قَطُّ بَلْ كَانَ ذَلِكَ مُصَلًّى لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ ثُبُوتَ الشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ لَهُمْ فِي الدَّرْبِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْمَوْضِعِ قَبْلَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ كَانَ شَرِيكًا فِي الطَّرِيقِ شَرِكَةً خَاصَّةً فَبِنَاءُ الْمَسْجِدِ لَا يُغَيِّرُ مَا كَانَ مِنْ الْحَقِّ فِي الطَّرِيقِ لِهَذَا الْمَوْضِعِ بِخِلَافِ مَسْجِدِ الْخُطْبَةِ وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا هُوَ شَفِيعُهَا وَلَهَا شَفِيعٌ آخَرُ غَائِبٌ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِي تَصَدَّقَ بِبَيْتٍ مِنْهَا وَطَرِيقِهِ عَلَى رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ بَاعَهُ مَا بَقِيَ ثُمَّ قَدِمَ الشَّفِيعُ الْغَائِبُ فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ، فَإِنَّهُ تُنْتَقَضُ الصَّدَقَةُ وَالْبَيْعُ الْآخَرُ وَيَأْخُذُ نِصْفَ جَمِيعِ الدَّارِ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي فَبِاعْتِبَارِ حَقِّهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي وَحَقُّهُ فِي النِّصْفِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَفِيعٌ مَعَهُ، فَإِذَا أَخَذَ نِصْفَ جَمِيعِ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ كَانَ النِّصْفُ الْبَاقِي لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ دَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا مَوْضِعًا مَقْسُومًا أَوْ وَهَبَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِمَا فِي تَصَرُّفِهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الشَّرِيكِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قِسْمَتَيْنِ وَرُبَّمَا يَتَفَرَّقُ نَصِيبُهُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ حِينَ بَاعَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ جَازَ بَيْعُهُ فِي نَصِيبِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا صَفْقَةً وَاحِدَةً يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي نَصِيبِهِ وَإِنْ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ، فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَشُبِّهَ هَذَا بِمَا لَوْ بَاعَ جِذْعًا فِي حَائِطٍ عَلَى أَنْ يَقْلَعَهُ وَيُسَلِّمَهُ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِمَا عَلَى الْبَائِعِ مِنْ الضَّرَرِ فِي التَّسْلِيمِ، فَإِنْ سَلَّمَهُ لِلْمُشْتَرِي جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ فِي الْمُشْتَرَكِ لَمْ يَجُزْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ، فَإِذَا بَاعَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، فَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى.
وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهَا دَارٌ فَتَصَدَّقَ بِالْحَائِطِ الَّذِي يَلِي دَارَ جَارِهِ عَلَى رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ بَاعَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لِلْجَارِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِالْمَبِيعِ فَالْحَائِطُ الْمَوْهُوبُ حَائِلٌ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَبَيْنَ مِلْكِ الْجَارِ وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ حَائِطًا بِأَصْلِهِ كَانَ لِلشَّفِيعِ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ فَمَوْضِعُ الْحَائِطِ مِنْ الْأَرْضِ دَاخِلٌ فِي الْبَيْعِ.
وَإِذَا كَانَ مَنْزِلٌ لِرَجُلٍ فِي دَارٍ إلَى جَنْبِهِ فِي تِلْكَ الدَّارِ مَنْزِلٌ آخَرُ لِرَجُلٍ آخَرَ وَحَائِطُ الْمَنْزِلَيْنِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ نِصْفَانِ وَفِي الدَّارِ مَنَازِلُ سِوَى هَذَيْنِ الْمَنْزِلَيْنِ وَلِلْمَنَازِلِ كُلِّهَا طَرِيقٌ فِي الدَّارِ إلَى بَابِ الدَّارِ الْأَعْظَمِ وَالدَّارُ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَفِي الدَّرْبِ دُورٌ أُخَرُ غَيْرُ هَذِهِ الدَّارِ فَبَاعَ رَبُّ أَحَدِ الْمَنْزِلَيْنِ مَنْزِلَهُ، فَالشَّرِيكُ فِي الْحَائِطِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فِي جَمِيعِ الْمَنْزِلِ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ أَعَمُّ، فَهُوَ شَرِيكٌ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْبَائِعِ مِنْ الْحَائِطِ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فِي الْحَائِطِ سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَنْزِلِ هُوَ وَأَهْلُ الدَّارِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ وَلَيْسَ بِشَرِيكٍ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ فَإِنَّمَا يَتَرَجَّحُ هُوَ بِالشَّرِكَةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ خَاصَّةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ نَصِيبِهِ مِنْ دَارٍ وَدَارٍ أُخْرَى كَانَ شَرِيكُهُ فِي تِلْكَ الدَّارِ أَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ فِي تِلْكَ الدَّارِ خَاصَّةً دُونَ الْأُخْرَى وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْحَائِطِ أَظْهَرُ مِنْ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ وَإِذَا كَانَ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ يَتَقَدَّمُ الشَّرِيكُ عَلَى الْجَارِ فَبِالشَّرِكَةِ فِي الْحَائِطِ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ الْحَائِطَ مِنْ مَرَافِقِ جَمِيعِ الْمَنْزِلِ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ الْمُتَفَرِّقَتَيْنِ، فَإِنْ سَلَّمَ هُوَ الشُّفْعَةَ، فَالشُّرَكَاءُ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي فِي الدَّارِ أَحَقُّ لِشَرِكَةٍ بَيْنَهُمْ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْبَائِعِ مِنْ الصَّحْنِ صَارَ مَبِيعًا، وَلَا شَرِكَةَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ فِي صَحْنِ الدَّارِ فَإِنْ سَلَّمُوا، فَالشُّرَكَاءُ الْمُلَاصِقُونَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا أَحَقُّ لِوُجُودِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ فِي طَرِيقٍ خَاصٍّ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَإِنْ سَلَّمُوا، فَالْجِيرَانُ الْمُلَازِقُونَ لِلدَّارِ إلَى هَذَا الْمَنْزِلِ فِيهِ شُرَكَاءُ فِي شُفْعَةِ هَذَا الْمَنْزِلِ وَالْمُلَاصِقُ مِنْهُمْ لِهَذَا الْمَنْزِلِ وَالْمُلَاصِقُ لِأَقْصَى الدَّارِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ فَحِصَّةُ الْبَائِعِ مِنْ صَحْنِ الدَّارِ دَاخِلٌ فِي الْبَيْعِ فَقِيَامُ الِاتِّصَالِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ يَكْفِي لِلْجِوَارِ فَلِهَذَا اسْتَوَوْا فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي السِّكَّةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مَنْفَذٌ بَاعَ رَجُلٌ مِنْهُمْ دَارًا فَهُمْ جَمِيعًا شُفَعَاءُ فِيهَا لِلشَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ فِي طَرِيقٍ خَاصٍّ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ زُقَاقًا فِيهِ عِطْفٌ بِدُورٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْعِطْفُ مُرَبَّعًا فَبَاعَ رَجُلٌ فِيهِ دَارًا، فَالشُّفْعَةُ لِأَصْحَابِ الْعِطْفِ دُونَ أَصْحَابِ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْعِطْفِ الْمُرَبَّعِ لِأَصْحَابِ الْعِطْفِ خَاصَّةً دُونَ أَصْحَابِ السِّكَّةِ وَفِي الْعِطْفِ الْمُدَوَّرِ حَقُّهُمْ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ الصَّحْنِ ثَابِتٌ؛ وَلِأَنَّ الْمُرَبَّعَ مِنْ الْعِطْفِ بِمَنْزِلَةِ سِكَّةٍ فِي سِكَّةٍ وَلَوْ كَانَتْ سِكَّةٌ فِي سِكَّةٍ فَبِيعَتْ دَارٌ فِي السِّكَّةِ الْأَقْصَى فَأَصْحَابُ تِلْكَ السِّكَّةِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ أَصْحَابِ السِّكَّةِ الْأُولَى وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ فِي السِّكَّةِ الْأُولَى كَانَتْ الشُّفْعَةُ لِأَصْحَابِ السِّكَّتَيْنِ جَمِيعًا لِلشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ بَيْنَهُمْ فِي طَرِيقِ السِّكَّةِ الْأُولَى وَاخْتِصَاصُ أَصْحَابِ السِّكَّةِ الْأُولَى بِالطَّرِيقِ فِي السِّكَّةِ الْأَقْصَى.
وَإِذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِبَيْعِ دَارِهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ مِنْهُ ثَمَنَهَا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْبَائِعِ لِإِقْرَارِهِ بِثُبُوتِ حَقِّ الشَّفِيعِ وَإِنْ قَالَ بِعْتهَا مِنْهُ وَسَلَّمْتهَا إلَيْهِ ثُمَّ أَوْدَعْتهَا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثُبُوتِ حَقِّ الشَّفِيعِ، فَإِنْ كَانَ خَصْمًا لَهُ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْخُصُومَةِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ ثُمَّ الْإِيدَاعُ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا ادَّعَى وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَإِنْ جَحَدَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ غَائِبٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَبَيْنَهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مُصَدَّقٌ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ وَالدَّارُ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ، إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهَا.
رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ خَمْسِينَ جَرِينًا مِنْ رَجُلٍ فَلَمْ يَدَّعِ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ خَاصَمَ فِيهَا إلَى الْقَاضِي فَأَبْطَلَ شُفْعَتَهُ لِتَرْكِهِ الطَّلَبَ ثُمَّ اخْتَصَمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَقَضَى الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ ادَّعَى الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ قَالَ: إنْ وَقَعَ الْقَضَاءُ عَلَى مَا كَانَ بَلَغَ الشَّفِيعَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ خَمْسِينَ جَرِينًا بِالثَّمَنِ الَّذِي بَلَغَهُ تَسْلِيمٌ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَا يَكُونُ تَسْلِيمًا فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ يَرْغَبُ الْإِنْسَانُ فِي الْأَخْذِ عِنْدَ الْكَثْرَةِ بِمَا لَا يَرْغَبُ فِيهِ عِنْدَ الْقِلَّةِ.
وَإِذَا اشْتَرَى قَوْمٌ أَرْضًا فَاقْتَسَمُوهَا دُورًا وَتَرَكُوا مِنْهَا سِكَّةً مَمْشًى لَهُمْ وَهِيَ سِكَّةٌ مَمْدُودَةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ فَبِيعَتْ دَارٌ مِنْ أَقْصَاهَا فَهُمْ جَمِيعًا شُرَكَاءُ فِي شُفْعَتِهَا لِلشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ بَيْنَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي رَفَعُوهُ بَيْنَهُمْ وَمَنْ كَانَتْ دَارُهُ أَسْفَلَ مِنْ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ أَوْ أَعْلَى فِي الشُّفْعَةِ هُنَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُمْ فِي الطَّرِيقِ مِنْ أَوَّلِ السِّكَّةِ إلَى آخِرِهَا وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَمْنَعَ الْبَعْضَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِشَيْءٍ مِنْ السِّكَّةِ فَلِهَذَا كَانُوا فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءً وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا وَرِثُوا الدُّورَ عَنْ آبَائِهِمْ، وَلَا يَعْرِفُونَ كَيْفَ كَانَ أَصْلُهَا فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْفِنَاءِ وَهُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي فِي السِّكَّةِ فَيَسْتَوُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَالشَّرِيكُ فِي الْفِنَاءِ أَحَقُّ مِنْ الْجَارِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ فِنَاءً مَمْلُوكًا لَهُمْ مِلْكًا خَاصًّا، فَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ فِنَاءً غَيْرَ مَمْلُوكٍ فَمَعَ ذَلِكَ هُمْ أَخُصُّ بِالِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ الْفِنَاءِ وَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا غَيْرَهُمْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ الْخَاصِّ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ.
رَجُلٌ بَاعَ دَارًا فَرَضِيَ الشَّفِيعُ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنْ حَدَّهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا أَبْعَدُ أَوْ أَقْرَبُ وَيَدَّعِي شُفْعَتَهُ حِينَ عَلِمَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَجَهْلُهُ بِوُجُوبِ حَقِّهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَسْلِيمِهِ فَجَهْلُهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ أَوْلَى.
رَجُلٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ كُلَّ حَقٍّ هُوَ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ كَمْ نَصِيبِ الْبَائِعِ مِنْ الدَّارِ جَازَ الْبَيْعُ عَلِمَ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: مَا لَمْ يَعْلَمَا جَمِيعًا كَمْ نَصِيبِ الْبَائِعِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَشْرُوعٌ لِلِاسْتِرْبَاحِ وَجَهْلُ الْبَائِعِ بِمِقْدَارِ نَصِيبِهِ رُبَّمَا يُفَوِّتُ مَقْصُودَهُ مِنْ الْبَيْعِ كَجَهْلِ الْمُشْتَرِي وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ الْمُشْتَرِي يَتَمَلَّكُ بِالشِّرَاءِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْلَمَ بِمِقْدَارِ مَا يَتَمَلَّكُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَبْضِ وَأَمَّا الْبَائِعُ إنَّمَا تَمَلَّكَ الثَّمَنَ وَيَقْبِضُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ الثَّمَنَ وَمِقْدَارُهُ مَعْلُومٌ لَهُ، فَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِمِقْدَارِ نَصِيبِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي يُثْبِتُ الْخِيَارَ لَهُ وَمِنْ الْبَائِعِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي كَمْ نَصِيبَ الْبَائِعِ وَعَلِمَ الْبَائِعُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جَائِزٌ فِي قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا عَلِمَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْبَعْضِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَجْهُ قَوْلِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ يَكُونُ الْمَبِيعُ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّ نَصِيبَ الْبَائِعِ مِنْ الدَّارِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ قِلَّةَ نَصِيبِهِ وَكَثْرَتَهُ يُؤَثِّرُ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ حَيْثُ الشُّفْعَةُ وَالْجَهْلُ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا عَلِمَ بِهِ وَيَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى تَمَكُّنِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا أَمَّا فِي الْحَالِ إنْ احْتَاجَ الْمُشْتَرِي إلَى قَبْضِ الْمَبِيعِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ إنْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ أَوْ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ أَوْ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ وَالْجَهَالَةُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ كَبَيْعِ شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ وَإِذَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَبِخِيَارِ الْعَيْبِ عَلَى مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَآهَا وَيَبْرَأُ مِنْ عُيُوبِهَا عِنْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ نَائِبًا عَنْ الشَّفِيعِ فَرُؤْيَتُهُ وَرِضَاهُ بِالْعَيْبِ لَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَإِذَا بَنَى الشَّفِيعُ فِي الدَّارِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ مُدَّةٍ رَجَعَ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ كَانَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي إذَا بَنَى ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ وَنُقِضَ بِنَاؤُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ فَالْبَائِعُ أَوْجَبَ لَهُ الْعَقْدَ بِاخْتِيَارِهِ وَضَمِنَ لَهُ السَّلَامَةَ مِنْ عَيْبِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِذَا ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ، فَأَمَّا الشَّفِيعُ لَمْ يَصِرْ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ أُجْبِرَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَيْهِ، فَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الْبَائِعَ بِإِيجَابِ الْبَيْعِ مُسَلِّطٌ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبِنَاءِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ غَيْرُ مُسَلِّطٍ لِلشَّفِيعِ عَلَى شَيْءٍ بَلْ هُوَ مُجْبَرٌ عَلَى تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يَهْدِمُ بِنَاءَهُ وَيَنْقُلَهُ إلَى حَيْثُ أَحَبَّ وَنَظِيرُ هَذَا الْفَرْقِ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْبَائِعِ لِلْغُرُورِ وَبِمِثْلِهِ الْجَارِيَةُ الْمَأْسُورَةُ إذَا وَقَعَتْ فِي سَهْمِ رَجُلٍ فَأَخَذَهَا مَوْلَاهَا بِالْقِيمَةِ وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ دَبَّرَهَا قَبْلَ أَنْ تُؤْسَرَ رُدَّتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَةَ لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْرَازِ فَيَضْمَنُ الْوَاطِئُ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي وَقَعَ فِي سَهْمِهِ بِالْقِيمَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا إيَّاهَا، وَلَا يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ، وَلَا بِقِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَقَدْ كَانَ مَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ مُجْبَرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَالْغُرُورُ يَنْعَدِمُ بِهَذَا وَيُعَوَّضُ الَّذِي كَانَتْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ قِيمَتَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الْقِسْمَةِ اُسْتُحِقَّ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى شُرَكَائِهِ وَيَتَعَذَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهَا لِتَصَرُّفِهِمْ فَيُعَوَّضُ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ قِسْمَةُ شَيْءٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، كَالدُّرَّةِ النَّفِيسَةِ يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَلِكَ إذَا لَحِقَهُ غُرْمٌ يُجْعَلُ ذَلِكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْغُنْمَ بِمُقَابَلَةِ الْغُرْمِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ شُهُودُ الْمُدَّعِي بِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْجَارِيَةِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ وَقَدْ مَلَكَهَا مَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ ثُمَّ تَسْلِيمُهَا بِالْقِيمَةِ إلَى الْمُدَّعِي بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْمُبْتَدَإِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ حَضَرَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ وَفِي هَذَا لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْرَازِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْعِتْقِ لَهَا بِالتَّدْبِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.