فصل: بَابُ الشُّفْعَةُ فِي الصُّلْحِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ شُفْعَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ:

(قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ دَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا كَافِرٌ أَخَذَهَا بِخَمْرٍ بِمِثْلِ تِلْكَ الْخَمْرِ وَبِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ)؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ، فَالْبَيْعُ بِهِمَا صَحِيحٌ بَيْنَهُمْ ثُمَّ الشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِمِثْلِ مَا يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي صُورَةً وَمَعْنًى فِيمَا لَهُ مِثْلٌ، فَالْخَمْرُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَهِيَ مَكِيلَةٌ أَوْ مَوْزُونَةٌ وَبِالْمِثْلِ مَعْنًى فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ وَالْخِنْزِيرُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنَّهُ حَيَوَانٌ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَأْخُذُهَا بِقِيمَتِهِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّم فِي حَقِّهِمْ، فَالشِّرَاءُ بِهَا يَكُونُ بَاطِلًا وَبِالْعَقْدِ الْبَاطِلِ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِخَمْرٍ وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَسْتَوُونَ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْمَقْصُودُ دَفْعُ ضَرَرِ سُوءِ الْمُجَاوَرَةِ وَحَاجَةُ الذِّمِّيِّ إلَى ذَلِكَ كَحَاجَةِ الْمُسْلِمِ فَيَأْخُذُ الذِّمِّيُّ نِصْفَهَا بِمِثْلِ نِصْفِ الْخَمْرِ وَالْمُسْلِمُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَعْجِزُ الْمُسْلِمُ عَنْ تَمْلِيكِ عَيْنِ الْخَمْرِ وَقَدَرَ الْكَافِرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَسْلَمَ الشَّفِيعُ الْكَافِرُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبٌ لِتَأَكُّدِ حَقِّهِ لَا لِإِبْطَالِهِ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَجَزَ عَنْ تَمْلِيكِ عَيْنِ الْخَمْرِ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَيَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا عِنْدَ الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِكُرٍّ مِنْ رُطَبٍ فَجَاءَ الشَّفِيعُ بَعْدَ مَا انْقَطَعَ الرُّطَبُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الرُّطَبِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَالْخَمْرُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ وَالدَّارُ مَقْبُوضَةٌ أَوْ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ انْتَقَضَ الْبَيْعُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، فَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ قَبْضَ الْخَمْرِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ كَمَا يَمْنَعُ الْعَقْدَ عَلَى الْخَمْرِ، وَلَكِنْ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ بِأَصْلِ الْبَيْعِ وَقَدْ كَانَ صَحِيحًا وَبَقَاؤُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ حَقِّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي الْخَمْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ بِسَبَبِ إسْلَامِهِ وَبِذَلِكَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ حَقُّ الشَّفِيعِ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ إنْ كَانَ هُوَ مُسْلِمًا أَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مُسْلِمًا لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ عَيْنِ الْخَمْرِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ أَخَذَهَا بِمِثْلِ تِلْكَ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَدْ تَعَذَّرَ الْقَبْضُ وَالتَّسْلِيمُ فِي الْخَمْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ بِسَبَبِ إسْلَامِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ وَإِذَا كَانَ إسْلَامُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَعْدَ قَبْضِ الْخَمْرِ قَبْلَ قَبْضِ الدَّارِ، فَالْبَيْعُ بَيْنَهُمَا يَبْقَى صَحِيحًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ فِي الْخَمْرِ يَنْتَهِي بِالْقَبْضِ وَالْإِسْلَامُ لَا يَمْنَعُ قَبْضَ الدَّارِ، فَإِذَا اشْتَرَى الدَّارَ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ بَعْضِ مَا لِلْمُشْتَرِي وَتَصَرُّفِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ كَانَ جَعَلَ الدَّارَ مَسْجِدًا ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَ الْبَيْعَةِ مَعْصِيَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الطَّاعَةِ وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَبِيعَتْ الدَّارُ فِي دَيْنِهِ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ الثَّانِي كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي بَاعَهَا بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي لِلدَّارِ بِالْخَمْرِ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ دَارًا بِخَمْرٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ صَارَتْ خَلًّا وَأَسْلَمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الدَّارِ، فَنَقُولُ: إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ وَلَمْ يُسْلِمْ الْبَائِعُ أَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ بَعْدَ إسْلَامِ الْمُشْتَرِي أَوْ أَسْلَمَا مَعًا بَقِيَ النِّصْفُ الْمُسْتَحَقُّ وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الْخَلِّ فَقَطْ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ يُنْتَقَضُ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ وَخَمْرُ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْكَافِرِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْخَلَّ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ، فَأَمَّا فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِبَعْضِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ، فَإِنْ اخْتَارَ فَسْخَ الْعَقْدِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْخَلِّ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْخَمْرَ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً لَهُ عَلَى أَحَدٍ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا رَدَّهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْخَلِّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا يَتَنَاوَلُ هَذَا بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا تَنَاوَلَ خَمْرًا فِي الذِّمَّةِ فَعِنْدَ الْفَسْخِ يَعُودُ حَقُّهُ فِي ذَلِكَ وَالْخَمْرُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا لِلْمُسْلِمِ عَلَى آخَرَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ دُونَ الْمُشْتَرِي أَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ أَوَّلًا ثُمَّ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَأَمَّا عَلَى مَا رَوَاهُ زُفَرُ وَعَاقَبَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ إسْلَامِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ، فَنَقُولُ: فِي النِّصْفِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْخَلِّ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ نِصْفَ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذَا النِّصْفِ كَانَ بَاطِلًا وَالْخَمْرُ تَكُونُ مَضْمُونَةً لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَقَدْ تَغَيَّرَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ حِينَ تَخَلَّلَتْ، فَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِالتَّغَيُّرِ وَبِأَخْذِ نِصْفِ الْخَلِّ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَفِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يُسْتَحَقَّ يَتَخَيَّرُ لِبَعْضِ الْمِلْكِ، فَإِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ وَكَانَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِنِصْفِ الْخَلِّ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ لِلتَّغَيُّرِ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْخَمْرُ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، فَإِذَا فُسِخَ الْعَقْدُ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا يَتَنَاوَلُ هَذَا الْعَيْنَ وَعِنْدَ الْفَسْخِ إنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ فَلِهَذَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ اسْتَهْلَكَ الْخَلَّ فَفِي الْمُعَيَّنِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْخَلَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِثْلِهِ، فَالرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ وَهُوَ عَلَى التَّخْرِيجِ الَّذِي بَيَّنَّا.
وَإِذَا بَاعَ الذِّمِّيُّ كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ، فَالْبَيْعُ جَائِزٍ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُمْ أَعَدُّوا هَذِهِ الْبُقْعَةَ لِلْمَعْصِيَةِ، فَلَا تَزُولُ عَنْ مِلْكِهِمْ بِذَلِكَ وَجَوَازُ الْبَيْعُ فِيهَا كَجَوَازِهِ فِي دَرَاهِمَ بِخِلَافِ الْمَسَاجِدِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، فَالْمَسْجِدُ يَتَجَرَّدُ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيَصِيرُ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ صَيْرُورَةَ الْبُقْعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى يَجْعَلُهَا مُعَدَّةً لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا لَا لِلشِّرْكِ وَالْمَعْصِيَةِ.
(قَالَ: وَصَاحِبُ الطَّرِيقِ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ مِنْ صَاحِبِ مَسِيلِ الْمَاءِ)؛ لِأَنَّ عَيْنَ الطَّرِيقِ مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِهِ وَصَاحِبُ الطَّرِيقِ شَرِيكٌ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ، فَأَمَّا صَاحِبُ الْمَسِيلِ لَهُ حَقُّ سَيْلِ الْمَاءِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ مِلْكِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالشُّفْعَةُ لَا تُسْتَحَقُّ بِمِثْلِهِ كَجَارِ السُّكْنَى وَصَاحِبِ الْمَسِيلِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ جَارٌ لَا تُصَارُ مِلْكُهُ بِالدَّارِ الْمَبِيعَةِ وَالشَّرِيكُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ فِي الدَّارِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَارٌ لِصَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ بَيْتَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْكَلَامِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعُلْوِ بِالشُّفْعَةِ وَصَاحِبُ الْجِذْعِ فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الدَّارِ أَوْ الْهَوَادِي بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُسْتَعِيرِ بِوَضْعِ الْهَوَادِي عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ، فَلَا تُسْتَحَقُّ الشُّفْعَةُ بِاعْتِبَارِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرِيكِ فِي أَصْلِ الْحَائِطِ، فَإِنَّ الشَّرِيكَ فِي أَصْلِ الْحَائِطِ شَرِكَتُهُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ.
وَإِذَا اشْتَرَى مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ أَرْضَ عُشْرٍ وَلَهَا شُفَعَاءُ ثَلَاثَةٌ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَثَعْلَبِيٌّ فَأَخَذُوهَا بِالشُّفْعَةِ فَعَلَى الْمُسْلِمِ الْعُشْرُ فِي حِصَّتِهِ وَيُضَاعَفُ عَلَى الثَّعْلَبِيِّ الْعُشْرُ وَيُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ الْخَرَاجُ فِي حِصَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ ابْتِدَاءً وَهَذَا عَلَى مَا بَيَّنَّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ، فَإِنَّهَا تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَكِنَّ هَذَا إذَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ كَانَ شَفِيعُهَا سَلَّمَهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ، فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ كَمَا كَانَتْ، فَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَنْهَا، فَإِنَّهَا تَكُونُ خَرَاجِيَّةً وَفِي الْكِتَابِ نَقُولُ سَوَاءٌ وُضِعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ أَوْ لَمْ يُوضَعْ حَتَّى إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ذَكَرَ أَنَّهُ إنْ وُضِعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ فِي الْأَرْضِ عَيْبٌ وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ فِيهَا بِالْوَضْعِ، فَإِذَا وُضِعَ فَهَذَا عَيْبٌ حَدَثَ فِيهَا فِي يَدٍ، كَمَا انْقَطَعَ الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يُوضَعْ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ وَتَكُونُ عُشْرِيَّةً كَمَا كَانَتْ، فَأَمَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَمَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَنْهَا صَارَتْ خَرَاجِيَّةً؛ لِأَنَّ الْأَرَاضِيَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إمَّا أَنْ تَكُونَ عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً وَهِيَ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ لَا تَكُونُ عُشْرِيَّةً فَتَكُونُ خَرَاجِيَّةً سَوَاءٌ وُضِعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ أَوْ لَمْ يُوضَعْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ فِيهَا شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَقِيَتْ عُشْرِيَّةً لِبَقَاءِ حَقِّ الْمُسْلِمِ فِيهَا وَالْحَقُّ، كَالْمِلْكِ فِي بَعْضِ الْفُصُولِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا أَوْ دَارًا فَوَجَدَ فِيهَا حَائِطًا وَاهِيًا أَوْ جِذْعًا مُنْكَسِرًا أَوْ نَخْلَةً مُنْكَسِرَةً أَوْ عَيْبًا يُنْقِصُ الثَّمَنَ فَرَدَّهَا كَانَ الشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كَانَ صَحِيحًا وَاسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ بِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنْ بَقَاءَ الْمَبِيعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ حَقِّ الشَّفِيعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَنْفَسِخُ بِأَخْذِ الشَّفِيعِ وَهُوَ مَا إذَا أَخَذُوهَا مِنْ يَدِ الْبَائِعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ أَرْضَ عُشْرٍ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا وَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا رَدَّهَا لِأَنَّ التَّضْعِيفَ فِيهَا لَيْسَ بِلَازِمٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ عَادَتْ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ بِمَنْزِلَةِ الثَّعْلَبِيِّ يَشْتَرِي سَائِمَةً، فَالتَّضْعِيفُ لَا يَكُونُ لَازِمًا فِيهَا وَإِذَا كَانَ بِالرَّدِّ يَعُودُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ كَمَا كَانَ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: لَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ عَادَتْ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْخَرَاجِ، فَإِنَّ صِفَةَ الْخَرَاجِ فِي الْأَرْضِ تَلْزَمُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَبَدَّلُ بِتَبَدُّلِ الْمَالِكِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا بَاعَ الْمُرْتَدُّ دَارًا فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِيهِ الشُّفْعَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الْمُرْتَدُّ دَارًا؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَ الْعَقْدِ عِنْدَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَدِّ فَإِذَا كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الْبَائِعَ فَهَذَا فِي مَعْنَى بَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، فَلَا تَجِبُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَإِذَا كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الْمُشْتَرِيَ فَهَذَا فِي مَعْنَى بَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهِ لِلشَّفِيعِ سَوَاءٌ نُقِضَ الْبَيْعُ أَوْ تَمَّ وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ جَازَ بَيْعُهُ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ وَخِيَارُهُ وَسَقَطَ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ كَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ مَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَبَعْدَ قِسْمَةِ مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ فِيهَا شُفْعَةٌ لِأَنَّ انْتِقَاضَ الْبَيْعِ تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بَيْعُهُ جَائِزٌ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ أَسْلَمَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ دَارًا وَالْمُرْتَدُّ شَفِيعُهَا وَقُتِلَ فِي رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لَهُ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ لَحَاقَهُ كَمَوْتِهِ وَالشُّفْعَةُ لَا تُورَثُ وَلَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مُرْتَدَّةٌ وَجَبَتْ لَهَا الشُّفْعَةُ فَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهَا؛ لِأَنَّ لَحَاقَهُ كَمَوْتِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا تَسْتَحِقُّ نَفْسَهَا بِإِلْحَاقٍ حَتَّى يَسْتَرِقَّ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْتَدَّةُ بَائِعَةً لِلدَّارِ فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا صَحِيحٌ لَازِمٌ أَسْلَمَتْ أَوْ مَاتَتْ وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ مُرْتَدًّا أَوْ مُرْتَدَّةً فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ جَازَ أَمَّا فِي الْمُرْتَدَّةِ فَظَاهِرٌ وَلَا الْمُرْتَدُّ، لَا فَائِدَةَ فِي تَوَقُّفِ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَسْلَمَ فَتَسْلِيمُهُ صَحِيحٌ وَإِنْ مَاتَ، فَالشُّفْعَةُ لَا تُورَثُ وَإِنَّمَا يُوقَفُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ مَا يَكُونُ فِي تَوَقُّفِهِ وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ وَطَلَبَ أَخْذَ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَقْضِ لَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُسْلِمَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْهُ إصْرَارٌ عَلَى الرِّدَّةِ، إلَّا أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّهُ عَلَى الرِّدَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ ثُمَّ الْقَضَاءُ بِالشُّفْعَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ وَالْمُرْتَدِّ يَلْحَقُ بِهِ كُلُّ ضَرَرٍ، فَلَا يَشْتَغِلُ الْقَاضِي بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ مَا لَمْ يُسْلِمْ فَإِنْ أَبْطَلَ الْقَاضِي شُفْعَتَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ مِنْ الْقَاضِي صَحِيحٌ عَلَى وَجْهِ الْإِضْرَارِ بِهِ وَحِرْمَانِهِ الرِّفْقَ الشَّرْعِيَّ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِتَسْلِيمِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ وَإِنْ وَقَفَهُ الْقَاضِي حَتَّى يَنْظُرَ ثُمَّ أَسْلَمَ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُبْطِلْ حَقَّهُ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ الْقَضَاءِ لَهُ بِهَا، فَإِذَا أَسْلَمَ، فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ طَلَبَ الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَبَ إلَى أَنْ أَسْلَمَ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِتَرْكِهِ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالشِّرَاءِ وَلَوْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارٍ الْحَرْبِ ثُمَّ بِيعَتْ الدَّارُ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ ثُمَّ قُسِّمَ مِيرَاثُهُ كَانَ لِوَرَثَتِهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمْ فِي الْمِيرَاثِ مِنْ حِينِ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ؛ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْوَارِثِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَ لَحَاقِهِ يَكُونُ نَصِيبُهُ مِيرَاثًا عَنْهُ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَوْلَادِهِ بَعْدَ لَحَاقِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِيرَاثٌ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمِيرَاثَ لَهُ مِنْ حِينِ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ وَالْبَيْعُ وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَالشُّفْعَةُ فِيهَا لِلْوَارِثِ بِمَنْزِلَةِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ دَارٍ مِنْهَا ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ كَانَ لِلْوَارِثِ فِيهَا الشُّفْعَةُ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُرْتَدُّ دَارًا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُجْبَرٌ عَلَى الْعُودِ إلَى الْإِسْلَامِ فَهُوَ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْخَمْرِ، كَالْمُسْلِمِ، فَإِنَّ نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْكَافِرِ فِي الْخَمْرِ بِاعْتِبَارِ الْبِنَاءِ عَلَى اعْتِقَادِهِ وَالْمُرْتَدُّ غَيْرُ مُقِرٍّ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ، فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا وَالْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ قَدْ الْتَزَمَ حُكْمَ الْمُعَامَلَاتِ مُدَّةَ مَقَامِهِ فِي دَارِنَا، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ اشْتَرَى الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَالشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ مَتَى لَحِقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ لَحَاقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ وَمَوْتُ الْمُشْتَرِي لَا يُبْطِلُ شُفْعَةَ الشَّفِيعِ، فَإِنْ كَانَ وَكَّلَ بِالدَّارِ مَنْ يَحْفَظُهَا وَيَقُومُ عَلَيْهَا، فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهَا وَالْأَمِينُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي حَقًّا فِي الْأَمَانَةِ كَمَا لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي رَقَبَتَهَا وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ دَارًا وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ بِدَارٍ لَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا يَجْرِي فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ وَاسْتِيلَاؤُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ يُزِيلُ مِلْكَ الْمُسْلِمِ فَعَلَى حَقِّهِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا حَقَّ الْمُسْلِمِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ دَارًا وَشَفِيعُهَا حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٌ فَلَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ لُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ كَمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَالْمَيِّتِ وَبِمَوْتِهِ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ وَلِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ وَيُبْطِلَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُتَأَكِّدَةِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الشُّفْعَةِ، كَالنِّكَاحِ ثُمَّ الْمُسْلِمُ الْمُشْتَرِي مُسْتَوْلٍ عَلَى الدَّارِ وَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَى مِلْكِ الْحَرْبِيِّ بَطَلَ بِهِ مِلْكُهُ فَلَأَنْ يَبْطُلَ بِهِ حَقُّهُ أَوْلَى.
وَإِذَا اشْتَرَى الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ دَارًا وَشَفِيعُهَا حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ فَلَحِقَا جَمِيعًا بِدَارِ الْحَرْبِ، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا؛ لِأَنَّ لَحَاقَ الشَّفِيعِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ فِيمَا هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا عَلِمَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَدُخُولُهُ دَارَ الْحَرْبِ غَيْبَةٌ مِنْهُ وَغَيْبَةُ الشَّفِيعِ لَا تُبْطِلُ شُفْعَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا، فَإِنْ دَخَلَ وَهُوَ يَعْلَمُ فَلَمْ يَطْلُبْ حَتَّى غَابَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِتَرْكِهِ الطَّلَبَ بَعْدَ مَا تَمَكَّنَ مِنْهُ لَا لِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ وَإِذَا بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ سَفَرٌ إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَوْ إلَى غَيْرِهَا، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا كَانَ عَلَى طَلَبِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ بِالطَّلَبِ وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَخَّرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِمُضِيِّ شَهْرٍ إنَّمَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا كَانَ هُوَ الَّذِي أَخَّرَهُ، فَقَدْ رَضِيَ بِهَذَا الضَّرَرِ وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا فَوَكَّلَ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَلَحِقَ بِدَارٍ الْحَرْبِ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ التَّوْكِيلِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَوَكَّلَ مُسْتَأْمَنًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ثُمَّ دَخَلَ الْوَكِيلُ دَارَ الْحَرْبِ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ وَالشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ لِأَنَّ لَحَاقَ الْوَكِيلِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ وَمَوْتُ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ وَلَا يُبْطِلُ شُفْعَةَ الْمُوَكِّلِ فَكَذَلِكَ لَحَاقُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ الشُّفْعَةُ فِي الصُّلْحِ:

قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ فِي دَارِ دَعْوَى مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَصَالَحَهُ بَعْضُ أَهْلِ الدَّارِ عَلَى صُلْحٍ عَلَى إنْ جُعِلَ ذَلِكَ لَهُ خَاصَّةً فَطَلَبَ بَقِيَّةُ أَهْلِ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ فَلَهُمْ الشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْطِيَ فِي الْمَالِ مُتَمَلِّكٌ فِي نَصِيبِ الْمُدَّعِي بِمَا أَعْطَى مِنْ الْعِوَضَيْنِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَمَلَّكَهُ بِالشِّرَاءِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ فِيهِ لِلشُّرَكَاءِ وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُعْطِي لِلْمَالِ أَنَّهُ رَشَاهُ؛ لِيَدْفَعَ عَنْهُ أَذَاهُ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الدَّارِ بِهَذَا الصُّلْحِ وَفِيمَا فِي يَدِهِ يَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَى زَعْمِهِ وَهُوَ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الصُّلْحِ لَا يَصِيرُ مُقِرًّا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي فِي الْمُدَّعَى وَلَوْ صَالَحَهُ بِغَيْرِ إقْرَارٍ سُئِلَ الْمُصَالِحُ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَى الَّذِي صَالَحَهُ، فَإِنْ أَقَامَهَا، فَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ، كَالثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ فَيَأْخُذُ الْمُعْطِي لِلْمَالِ نَصِيبَ الْمُدَّعِي وَيَكُونُ لِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَطْلُبُوا بِحِصَّتِهِمْ مِنْ الشُّفْعَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعْطِي لِلْمَالِ يَقُومُ مَقَامَ الْمُدَّعِي وَقَدْ كَانَ الْمُدَّعِي مُتَمَكِّنًا مِنْ إثْبَاتِ نَصِيبِهِ بِالْبَيِّنَةِ، فَالْمُعْطِي لِلْمَالِ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارٍ لَهُ أُخْرَى سِنِينَ مُسَمَّاةً لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ فِي ذَلِكَ شُفْعَةٌ لِأَنَّ الْمَصَالِحَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ وَالدَّارُ الْمَمْلُوكَةُ عِوَضًا عَنْ الْمَنْفَعَةِ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ لَا تُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فَبِلَفْظِ الصُّلْحِ أَوْلَى، وَهَذَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِمُعَارَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ مُطْلَقًا وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُطْلَقًا.
وَإِذَا ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ فَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى دَارِ فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ يَمْلِكُ هَذِهِ الدَّارَ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى بِالصُّلْحِ وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي فِي حَقِّهِ فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ حَقِّهِ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُصَالِحِ الَّذِي أَخَذَ الدَّارَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ ادَّعَى دَيْنًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ جِرَاحَةً خَطَأً فَصَالَحَهُ عَلَى دَارٍ أَوْ حَائِطٍ مِنْ دَارِ فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ بِاعْتِبَارِ الْبِنَاءِ عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي وَإِذَا صَالَحَ مِنْ سُكْنَى دَارٍ أَوْصَى لَهُ بِهَا أَوْ مِنْ خِدْمَةِ عَبْدٍ عَلَى بَيْتٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمُدَّعَى لَمْ يَكُنْ مَالًا، فَهُوَ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى الْبَيْتِ.
وَإِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَصَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَضَعَ جُذُوعَهُ عَلَى حَائِطٍ أَوْ يَكُونَ لَهُ مَوْضِعُهَا أَبَدًا وَسِنِينَ مَعْلُومَةً فَفِي الْقِيَاسِ هَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ مَعْلُومٌ عَيْنًا كَانَ أَوْ مَنْفَعَةً، وَلَكِنْ تَرَكَ هَذَا الْقِيَاسَ فَقَالَ الصُّلْحُ بَاطِلٌ وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمَصَالِحَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِرَقَبَةِ الْحَائِطِ، وَلَا مَنْفَعَةً مَعْلُومَةً، فَالضَّرَرُ عَلَى الْحَائِطِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجُذُوعِ فِي الْغِلَظِ وَالدِّقَّةِ فِي مُدَّةِ الْمَنْفَعَةِ لَا تَسْتَحِقُّ بِالْإِجَارَةِ فَإِنَّ اسْتِئْجَارَ الْحَائِطِ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ أَبَدًا لِوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ أَرَأَيْت لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَلَيْهَا هَوَادِيَ أَوْ عَلَى أَنْ يَضَعَ جِذْعًا لَهُ فِي حَائِطٍ أَكَانَ يَكُونُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لَا شُفْعَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَصْرِفَ مَسِيلَ مَائِهِ إلَى دَارِ لَمْ يَكُنْ لِجَارِ الدَّارِ أَنْ يَأْخُذَ مَسِيلَ مَائِهِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا مَلَّكَهُ بِالصُّلْحِ شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا أَثْبَتَ لَهُ حَقَّ مَسِيلِ الْمَاءِ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ لَا يُسْتَحَقُّ بِعَقْدٍ مَقْصُودٍ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ، فَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَفِي الْكِتَابِ أَشَارَ إلَى حَرْفٍ آخَرَ قَالَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسِيلَ لَا يُحَوَّلُ عَنْ حَالِهِ وَلَوْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَسْتَفِدْ بِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُسِيلَ فِيهِ مَا أَرَادَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَسِيلُ فِيهِ، إلَّا مِنْ حَيْثُ وَجَبَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ وَأَبْطَلْنَا الصُّلْحَ وَالشُّفْعَةَ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى طَرِيقِ مَحْدُودٍ مَعْرُوفٍ فِي دَارِ كَانَ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ الطَّرِيقُ فِيهَا كَمَسِيلِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الطَّرِيقِ تُمْلَكُ، فَيَكُونُ شَرِيكًا بِالطَّرِيقِ، وَلَا يَكُونُ شَرِيكًا بِوَضْعِ الْجِذْعِ فِي الْحَائِطِ وَالْهَوَادِي وَمَسِيلِ الْمَاءِ وَالْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ وَعَلَى مَعْنَى الِاسْتِحْسَانِ قَدْ أَوْضَحْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.
وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى دَارٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَرَدَّ الدَّارَ عَلَيْهِ بِحُكْمٍ أَوْ بِغَيْرِ حُكْمٍ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الشُّفْعَةِ بِالصُّلْحِ قَدْ أَبْطَلَهُ بِالتَّسْلِيمِ وَالرَّدُّ بِهَذَا التَّصَادُقِ لَيْسَ بِعَقْدٍ، فَلَا تَتَجَدَّدُ بِهِ الشُّفْعَةُ كَمَا لَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ تَلْجِئَةً بَيْنَهُمَا أَوْ رَهْنًا بِمَالٍ وَقَدْ سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الشَّفِيعُ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا، وَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى إبْطَالِ حَقِّهِ، إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَة عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَصْلُهُ فِيمَا لَوْ تَصَادَقَا فَإِنَّ الْبَيْعَ كَانَ تَلْجِئَةً أَوْ بِخِيَارِ الْبَائِعِ فَفُسِخَ الْبَيْعُ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُمَا يُنْكِرَانِ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا أَنْكَرَاهُ كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَهُمَا كَمَا لَوْ أَنْكَرَ الْبَيْعَ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلشُّفْعَةِ قَدْ ظَهَرَ وَثَبَتَ حَقُّ الشَّفِيعِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ فَتَصَادَقَا عَمَّا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهِمَا، وَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي إبْطَالِ حَقِّ الشَّفِيعِ وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ بِالْمَالِ الْمُدَّعَى دَارًا ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يَرُدَّ الدَّارَ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ لَهُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّيْنِ الْمُضَافِ إلَيْهِ بَلْ بِمِثْلِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ بَيْعُ الْمُقَاصَّةِ بِهِ فَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ لَمْ تَقَعْ الْمُقَاصَّةُ فَبَقِيَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَبْطُلْ بِهَذَا التَّصَادُقِ هُنَا وَفِي الْأَوَّلِ بَطَلَ الصُّلْحُ فِي حَقِّهِمَا ثُمَّ كَانَ الشَّفِيعُ هُنَاكَ عَلَى شُفْعَتِهِ فَهُنَا أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.