فصل: بَابُ الشُّفْعَةِ بِالْعُرُوضِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الشُّفْعَةِ بِالْعُرُوضِ:

قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ (وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الدَّارِ)؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُسَمَّى، وَقَدْ تَعَذَّرَ هُنَا إيجَابُ الْمُسَمَّى فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الضَّمَانِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ قِيمَةُ نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِوُصُولِ قِيمَةِ مِلْكِهِ إلَيْهِ.
وَمِلْكُهُ عِنْدَ الْأَخْذِ رَقَبَةُ الدَّارِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُ بِمِثْلِ مَا يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَالْمِثْلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، أَوْ فِي مَعْنَى الْمَالِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ مِنْ جِنْسِهِ يَأْخُذُهُ بِمِثْلِهِ صُورَةً وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ يَأْخُذُهُ بِمِثْلِهِ فِي صِفَةِ الْمَالِيَّةِ، وَهُوَ الْقِيمَةُ، كَالْغَاصِبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ بِرَدِّ الْمِثْلِ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ، وَالْقِيمَةُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ إنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي، فَقَدْ صَارَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ فِي تَمَلُّكِهَا بِهَذَا السَّبَبِ وَفِي مَعْنَى التَّلَفِ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا غَرِمَ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهَا بِمَا غَرِمَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْبَائِعِ، فَقَدْ صَارَ مُتْلِفًا حَقَّهُ فِيمَا اسْتَوْجَبَ قِبَلَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ أَتْلَفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً ضَمِنَ الْمِثْلَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ، وَالْقِيمَةَ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا، فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ انْتَقَضَ الشِّرَاءُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عِنْدَنَا وَ.
(قَالَ): زُفَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْتَقَضَ مِنْ الْأَصْلِ بِهَلَاكِ الْعَبْدِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ انْتَقَضَ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فِي الِابْتِدَاءِ لَمْ يَجِبْ فِيهَا لِلشَّفِيعِ فَكَذَلِكَ إذَا فَسَدَ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْأَخْذِ دَفْعُ ضَرَرِ الْجَارِ الْحَادِثِ، وَقَدْ انْدَفَعَ ضَرَرُهُ حِينَ بَطَلَ الْبَيْعُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ بَدَلَ الدَّارِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ قِيمَةُ الْعَبْدِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهَا بِهِ بَعْدَ هَلَاكِ الْعَبْدِ كَمَا قَبِلَهُ، وَلَيْسَ فِي هَلَاكِ الْعَبْدِ، إلَّا انْفِسَاخُ الْبَيْعِ بَيْنَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَأَنْ يَضْمَنَ ذَلِكَ فَسْخُ الْبَيْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُثْبِتٌ حَقَّ الشَّفِيعِ وَبَقَاؤُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ حَقِّ الشَّفِيعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَقَابَلَا لَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الشَّفِيعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، وَأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَثْبُتْ، وَكَذَلِكَ إذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ الْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ فَأَمَّا هَاهُنَا بِهَلَاكِ الْعَبْدِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِمَا هُوَ الْبَدَلُ فِي حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَبْطَلَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ بِعَيْبٍ وَجَدَهُ بِالْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَأَخَذَ الشَّفِيعُ الدَّارَ مِنْ الْبَائِعِ أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ لِصَاحِبِهِ لَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْفَسَخَ بَيْنَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي بِأَخْذِ الشَّفِيعِ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَيَبْقَى الْعَبْدُ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ كَانَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ بَدَلَ الدَّارِ وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ قَدْ سُلِّمَ لِلْبَائِعِ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ، فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي بَدَلٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ بَدَلَيْنِ عَنْ مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْعَبْدِ بِقَضَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ، فَإِنَّ الْقِيمَةَ لِلْبَائِعِ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ إنْ كَانَ أَخَذَهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَالدَّارُ تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى الشَّفِيعِ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الدَّارِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْعَبْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَيْنَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي فَبَقِيَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِهَا حِينَ أَخْرَجَهَا مِنْ مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا، كَالْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَمَّا مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الدَّارِ عَلَى الْبَائِعِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا فَيَجِبُ رَدُّ مِثْلِهَا، وَمِثْلُهَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ قِيمَةُ الْعَبْدِ يُوَضِّحُهُ: أَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ بِالْعَقْدِ كَانَ فِي الْعَبْدِ، أَوْ فِي قِيمَتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا مِنْ الْبَائِعِ بِقِيمَتِهِ، وَقَدْ قَدَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الْقِيمَةِ الَّتِي هِيَ حَقُّهُ عِنْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَاجِبٌ وَرُبَّمَا تَكُونُ الدَّارُ قِيمَتُهَا عَشَرَةُ آلَافٍ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفٌ، فَإِنَّ مَا سَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي مِقْدَارَ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَإِذَا لَزِمَهُ لِلْبَائِعِ عَشَرَةُ آلَافٍ كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى وَتَسْلِيمُهَا بِالشُّفْعَةِ إلَى الشَّفِيعِ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَعَلَ بِدُونِ الْقَاضِي غَيْرَ مَا يَأْمُرُ بِهِ الْقَاضِي لَوْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَيْهِ فَكَمَا لَا يُجْعَلُ بَيْعًا مُبْتَدَأً إذَا أَخَذَ مَا كَانَ وَاجِبًا لَهُ مِنْ الشُّفْعَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ مِنْ الْأَصْلِ وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الدَّارَ مِنْ الشَّفِيعِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي دَفَعَهَا إلَيْهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَقَضَاءُ قَاضٍ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَسَمَّاهَا وَقَبَضَهَا الشَّفِيعُ، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَهِيَ جَائِزَةٌ لِلشَّفِيعِ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ نَافِذٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ وَاجِبَةً يُجْعَلُ التَّسْلِيمُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ الْمُبْتَدَإِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، فَقَدْ كَانَتْ الشُّفْعَةُ هُنَاكَ وَاجِبَةً حِينَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ؛ فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْقَضَاءَ وَغَيْرَ الْقَضَاءِ هُنَاكَ سَوَاءً وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا هُنَا، ثُمَّ عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ قِيمَةُ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَ مِنْ الدَّارِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهَا عَنْ مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَ الدَّارَ وَوَهَبَهَا وَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ ضَمِنَ قِيمَةَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لِلدَّارِ حِينَ التَّصَرُّفِ فَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ، ثُمَّ لَزِمَهُ رَدُّ عَيْنِهَا حِينَ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ قِيمَتِهَا.
وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَرْضٍ بِعَيْنِهِ وَتَقَابَضَا فَاخْتَلَفَ الشَّفِيعُ، وَالْمُشْتَرِي فِي قِيمَةِ الْعَرْضِ، فَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ يَقُومُ فِي الْحَالِ فَيَتَبَيَّنُ بِقِيمَتِهِ فِي الْحَالِ قِيمَتَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا، فَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا يَلْزَمُ الشَّفِيعَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَعَلَى طَرِيقَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُلْزَمَةٍ وَعَلَى قِيَاسِ طَرِيقَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي هَهُنَا إقْرَارَانِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْبِنَاءِ الَّذِي أَحْرَقَهُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِشَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَلِلْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ مِثْلٌ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ.
وَإِنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ، ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَرَدَّهُ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ، وَإِنَّمَا يَقُومُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي صَارَ مُسْتَحِقًّا بِالْعَقْدِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِدَارٍ فَهَذَا وَشِرَاءُ الدَّارِ بِالْعَبْدِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى الْعَبْدِ، أَوْ إلَى الدَّارِ.
وَإِذَا اشْتَرَى بِنَاءَ دَارٍ عَلَى أَنْ يُعَلِّقَهُ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ مَعَهُ الْأَرْضَ، وَالْبِنَاءُ بِدُونِ الْأَرْضِ مَنْقُولًا، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَنْقُولَ بِالشُّفْعَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ يَثْبُتُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْبَادِي بِسُوءِ الْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي شِرَاءِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ، فَإِنَّ اتِّصَالَ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ بِالْآخَرِ لَا يَكُونُ اتِّصَالَ تَأْيِيدٍ وَقَرَارٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشُّفْعَةِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ وَبِمِلْكِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالشُّفْعَةِ، فَأَمَّا مَنْ لَهُ بِنَاءٌ عَلَى أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِحَبْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ الْبِنَاءَ بِالشُّفْعَةِ، إلَّا تَبَعًا لِلْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ الْبَائِعِ مِنْ الْبِنَاءِ، وَهُوَ النِّصْفُ، فَلَا شُفْعَةَ فِي هَذَا وَالْبَيْعُ فِيهِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْقُضَهُ، وَالشَّرِيكُ يَتَضَرَّرُ بِهِ، فَإِنَّ قِسْمَتَهُ لَا تَتَأَتَّى مَا لَمْ يُنْقَضْ الْكُلُّ، وَفِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الشَّرِيكِ مَا لَا يَخْفَى، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبِنَاءُ كُلُّهُ لِإِنْسَانٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، إلَّا بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِيمَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ كَمَا لَوْ بَاعَ جِذْعًا فِي سَقْفٍ.
وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا بِخَادِمٍ فَخَافَ عَلَيْهَا الشَّفِيعَ وَقِيمَةُ الْخَادِمِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبَاعَ الْخَادِمَ بِأَلْفَيْنِ مِنْ رَبِّ الدَّارِ، ثُمَّ اشْتَرَى الدَّارَ بِالْأَلْفَيْنِ لَمْ يَأْخُذْهَا الشَّفِيعُ، إلَّا بِالْأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الدَّارَ بِأَلْفَيْنِ فَبِذَلِكَ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ إنْ شَاءَ (وَهَذَا نَوْعُ حِيلَةٍ) لِتَقْلِيلِ رَغْبَةِ الشَّفِيعِ فِي الْأَخْذِ لِسَبَبِ كَثْرَةِ الثَّمَنِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّارَ بِأَلْفَيْنِ، ثُمَّ يُعْطِيَهُ بِهَا خَمْسِينَ دِينَارًا، أَوْ يُعْطِيَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَثَوْبًا لَا يُسَاوِي الْأَلْفَ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الشَّفِيعُ مِنْ أَخْذِهَا، إلَّا بِأَلْفَيْنِ وَقَلَّ مَا يَرْغَبُ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ ثَمَنُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ يَحْتَالُ لِتَقْلِيلِ رَغْبَةِ الْجَارِ بِأَنْ يُبَاعَ عُشْرُ الدَّارِ أَوَّلًا بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الثَّمَنِ، ثُمَّ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا بِعُشْرِ الثَّمَنِ، فَلَا يَرْغَبُ الْجَارُ فِي أَخْذِ الْعُشْرِ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ شَرِيكًا، وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ، وَمِنْ الْحِيلَةِ لِإِبْطَالِ حَقِّهِ أَنْ يَتَصَدَّقُ الْبَائِعُ بِقِطْعَةٍ مِنْ الدَّارِ صَغِيرَةٍ وَطَرِيقُهَا إلَى بَابِ الدَّارِ عَلَيْهِ فَيُسَلِّمُهَا إلَيْهِ، ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ بَقِيَّةَ الدَّارِ، فَلَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرِيكٌ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ، أَوْ يَهَبُ مِنْهُ قَدْرَ ذِرَاعٍ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي هُوَ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الْجَارِ، ثُمَّ يَبِيعُ مَا بَقِيَ مِنْهُ، فَلَا يَجِبُ لِلْجَارِ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يُلَازِقُ الْمَبِيعَ، أَوْ يُوَكَّلُ الشَّفِيعُ بِبَيْعِهَا، فَإِذَا بَاعَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا شُفْعَةٌ، أَوْ يَبِيعُهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلشَّفِيعِ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ قَبْلَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ وَإِذَا سَقَطَ الْخِيَارُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، أَوْ يَبِيعُهَا بِشَرْطِ أَنْ يَضْمَنَ الشَّفِيعُ الدَّرَكَ، فَإِذَا ضَمِنَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، أَوْ يَقُولُ: الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ أَنَا أَبِيعُهَا مِنْك بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ، فَإِذَا رَضِيَ بِذَلِكَ وَسَاوَمَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَالِاشْتِغَالُ بِهَذِهِ الْحِيَلِ لِإِبْطَالِ حَقِّ الشَّفِيعِ لَا بَأْسَ بِهِ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ، فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُ الْمُشْتَرِي الْإِضْرَارَ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ الدَّفْعَ عَنْ مِلْكِ نَفْسِهِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاحْتِيَالِ لِإِسْقَاطِ الْإِبْرَاءِ وَلِلْمَنْعِ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ، وَالزَّكَاةِ.
وَإِنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَاسْتَحَقَّهُ مُسْتَحِقٌّ وَأَجَازَ الشِّرَاءَ كَانَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ، كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ وُجِدَ الْعَبْدُ حُرًّا، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ بَاطِلًا، وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَالْبَيْعُ بِمُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ فَانْعِدَامُ الْمَالِيَّةِ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ يَمْنَعُ.
انْعِقَادَ الْعَقْدِ.
وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا بِدَارٍ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَفِيعٌ فَلِكُلِّ شَفِيعٍ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِقِيمَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لِلدَّارِ مِنْ جِنْسِهَا، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ شَفِيعٍ بِمُقَابَلَةِ مَا يَأْخُذُ قِيمَةَ الدَّارِ الْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ شَفِيعًا أَيْضًا، يَعْنِي: أَحَدَ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَخَذَ الشَّفِيعُ نِصْفَ الدَّارِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ لَا يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ، بَلْ ذَلِكَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، فَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ، إلَّا مِقْدَارَ حِصَّتِهِ.
وَإِذَا اشْتَرَى بَيْتًا مِنْ دَارِ عُلْوُهُ لِآخَرَ وَطَرِيقُ الْبَيْتِ الَّذِي اشْتَرَى فِي دَارٍ أُخْرَى، فَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ لِلَّذِي فِي دَارِهِ الطَّرِيقُ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْبُقْعَةِ بِالطَّرِيقِ، وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَصَاحِبُ الْعُلْوِ إنَّمَا لَهُ الشُّفْعَةُ بِالْجِوَارِ، فَإِنْ سَلَّمَ صَاحِبُ الدَّارِ فَحِينَئِذٍ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ الشُّفْعَةُ بِالْجِوَارِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ لَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ، وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَ الْعُلْوُ، فَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فِي الْقِيَاسِ، وَلَا لِصَاحِبِ عُلْوٍ آخَرَ بِجَنْبِهِ؛ لِأَنَّ الْعُلْوَ بِنَاءٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بِالْبِنَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالشُّفْعَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَرْضٌ، وَالْأَرْض وَسَقْفُ السُّفْلِ كُلُّهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ حَقَّ قَرَارِ الْبِنَاءِ، وَبِهِ يَسْتَحِقُّ اتِّصَالُ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ بِالْآخَرِ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ وَالْقَرَارِ فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ جَارَيْنِ بِخِلَافِ مِلْكِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرَاضِيِ الْمَوْقُوفَةِ، فَإِنَّ الِاتِّصَالَ هُنَاكَ غَيْرُ مُتَأَيَّدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ يُؤْمَرُ بِرَفْعِ الْبِنَاءِ، وَهُنَا لَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يُكَلِّفَ صَاحِبَ الْعُلْوِ رَفْعَ الْبِنَاءِ بِحَالٍ وَاتِّصَالُ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ بِالْآخَرِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُثْبِتُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ الشُّفْعَةِ فِي الْأَرْضِينَ وَالْأَنْهَارِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالشَّرِيكُ فِي الْأَرْضِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الشَّرِيكِ فِي الشُّرْبِ كَمَا أَنَّ الشَّرِيكَ فِي نَفْسِ الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا مَنْفَعَةَ، إلَّا لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ، يَعْنِي: عِنْدَ وُجُودِهِ لَا شُفْعَةَ، إلَّا لَهُ، ثُمَّ الشُّرْبُ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ، كَالطَّرِيقِ، وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» فَكَذَلِكَ يَسْتَحِقُّ بِالشَّرِكَةِ فِي الشَّرَبِ، وَالشَّرِيكُ فِي الشَّرْبِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْجَارِ، كَالشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ.
قَالَ، وَالشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ الصَّغِيرِ كُلُّ مَنْ لَهُ شِرْبٌ أَحَقُّ مِنْ الْجَارِ الْمُلَاصِقِ، وَإِنْ كَانَ نَهْرًا كَبِيرًا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، فَالْجَارُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا شُرَكَاءَ فِي الشِّرْبِ، مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الشِّرْبِ بِمَنْزِلَةِ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ فَفِي النَّهْرِ الصَّغِيرِ الشَّرِكَةُ خَاصَّةٌ بِمَنْزِلَةِ سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَفِي النَّهْرِ الْكَبِيرِ الشَّرِكَةُ عَامَّةٌ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ النَّافِذِ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِاعْتِبَارِهِ.
وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي حَدِّ النَّهْرِ الصَّغِيرِ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْهُ قَرَاحَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً، فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَهُوَ النَّهْرُ الْكَبِيرُ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ النَّهْرَ الْكَبِيرَ بِمَنْزِلَةِ الدِّجْلَةِ، وَالْفُرَاتُ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، وَكُلُّ مَاءٍ يَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ مِنْ الْأَنْهَارِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَمَا لَا يَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، فَهُوَ فِي حُكْمِ النَّهْرِ الصَّغِيرِ حَتَّى رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشُّرَكَاءَ فِي النَّهْرِ وَإِنْ كَانُوا مِائَةً، أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِاعْتِبَارِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّرُ بِعَدَدِ الْأَرْبَعِينَ، أَوْ بِعَدَدِ الْخَمْسِينَ، وَلَا مَعْنَى لِلْمَصِيرِ فِيهِ إلَى التَّقْدِيرِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ بِالرَّأْيِ لَا تُسْتَدْرَكُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ، فَالْمُعْتَبَرُ مَا قُلْنَا أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ.
وَإِذَا زَرْع الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ، ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَيَقْلَعَ الزَّرْعَ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ زَرَعَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ، فَهُوَ، كَالْغَاصِبِ إذَا زَرَعَ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ؛ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الشَّفِيعِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَأْخِيرِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ مِنْ وَجْهٍ إبْطَالٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ، ثُمَّ يَأْخُذُهَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَرَعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَمَا كَانَ يَتَيَقَّنُ بِأَنَّ الشَّفِيعَ يَطْلُبُ الشُّفْعَةَ قَبْلَ إدْرَاكِ زَرْعِهِ، فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِيمَا صَنَعَ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ؛ وَلِأَنَّ لِإِدْرَاكِ الزَّرْعِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَوْ انْتَظَرَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ قَلِيلًا، وَإِذَا قَلَعَ زَرْعَ الْمُشْتَرِي تَضَرَّرَ بِإِبْطَالِ مِلْكِهِ وَمَالِيَّتِهِ وَضَرَرُ التَّأْخِيرِ دُونَ ضَرَرِ الْإِبْطَالِ، فَإِنْ كَانَ غَرَسَ فِيهَا كَرْمًا، أَوْ شَجَرًا، أَوْ رَطْبَةً فَلَهُ أَنْ يَقْلَعَ ذَلِكَ وَيَأْخُذَ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِفَرَاغِ الْأَرْضِ مِنْهَا نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبِنَاءِ نَظِيرَهُ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ قَدْ يَتَأَخَّرُ حَقُّ الشَّفِيعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي حَتَّى إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ تَأَخَّرَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ إلَى إحْضَارِ الثَّمَنِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ أَيْضًا لِلدَّفْعِ عَنْ الْمُشْتَرِي فِي زَرْعِهِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الشَّفِيعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَفِي التَّأْخِيرِ لَا إلَى غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ إبْطَالٌ.
وَإِذَا اشْتَرَى نَخْلًا؛ لِيَقْطَعَهُ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَدْخُلُ فِي هَذَا الشِّرَاءِ، وَالنَّخْلُ بِدُونِ الْأَرْضِ، كَالْبِنَاءِ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِأُصُولِهَا وَمَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ فَفِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَرْضِ فِي هَذَا الْحَالِ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى زَرْعًا أَوْ رَطْبَةً؛ لِيَجُزَّهَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ شُفْعَةٌ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا مَعَ الْأَرْضِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِي الْكُلِّ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا شُفْعَةَ فِي الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الْأَرْضِ وَتَوَابِعِهَا؛ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، إلَّا بِالذِّكْرِ، فَهُوَ، كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِي الْأَرْضِ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ اُشْتُرِيَ مَعَ الْأَرْضِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الزَّرْعَ مُتَّصِلٌ بِالْأَرْضِ مَا لَمْ يُحْصَدْ وَمَا كَانَ مِنْ الْمَنْقُولِ مُتَّصِلًا بِالْعَقَارِ يُسْتَحَقّ بِالشُّفْعَةِ تَبَعًا، كَالْأَبْوَابِ، وَالشُّرُبِ الْمُرَكَّبَةِ يُوَضِّحُهُ: أَنَّ الشَّفِيعَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَرْعًا وَقَبْلَ الْحَصَادِ يُمْكِنُهُ أَخْذَ الْكُلِّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْصَدْ حَتَّى حُصِدَ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُ الزَّرْعِ بَعْدَ الْحَصَادِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ أَخَذَهُ كَانَ أَخْذًا لِلْمَنْقُولِ بِالشُّفْعَةِ مَقْصُودًا، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.
وَإِذَا اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ لَيْسَ فِيهَا ثَمَرٌ فَأَثْمَرَتْ فِي يَدِهِ فَأَكَلَهَا سِنِينَ، ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: أَوَّلًا يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةَ مَا أَكَلَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَرِ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ كَحَالِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَلَوْ أَكَلَ الْبَائِعُ الثِّمَارَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَحُطُّ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتَهَا مِنْ الثَّمَنِ كَمَا يَحُطُّ حِصَّةَ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ تَنَاوُلَ الثِّمَارِ الْحَادِثَةِ تَمْنَعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ بَيْعِهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَهِيَ فِي ذَلِكَ، كَالثِّمَارِ الْمَوْجُودَةِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، فَأَمَّا وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْأَرْضَ، وَالنَّخْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَالشَّفِيعُ إنَّمَا يَأْخُذُهَا بِمِثْلِ مَا يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ مِنْ الثِّمَارِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ وَانْقِسَامُ الثَّمَنِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِهَا وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْجَذَاذِ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الشَّفِيعِ فِيهَا فَتَنَاوُلُهُ إيَّاهَا لَا يُحِلُّ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ أَيْضًا بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، فَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْعَيْنِ هُنَاكَ لَوْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَانَ يَضْمَنُهُ إلَى الْأَصْلِ وَيَبِيعُ الْكُلَّ مُرَابَحَةً، فَإِذَا تَنَاوَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا أَكَلَ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْبُيُوعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الثِّمَارِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ إذَا أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي فَلِلثِّمَارِ الْمَوْجُودَةِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا حَقَّ لِلشَّفِيعِ فِيهَا بَعْدَ الْجَذَاذِ فَيَطْرَحُ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتَهَا مِنْ الثَّمَنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الثِّمَارَ الْمَوْجُودَةَ عِنْدَ الْعَقْدِ لَوْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ الْحَادِثَةِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، وَإِنْ حَضَرَ الشَّفِيعُ قَبْلَ أَنْ يَجُذَّهَا الْمُشْتَرِي أَخَذَهَا مَعَ الْأَشْجَارِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا، وَالزَّرْعُ سَوَاءٌ وَبَعْدَ الْجَذَاذِ هُنَا، وَالْحَصَادِ فِي الزَّرْعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَعَلَى قِيمَةِ الثِّمَارِ، وَالزَّرْعِ وَقْتَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا بِالْعَقْدِ فَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ عِنْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً وَغَيْرَ مَزْرُوعَةٍ وَالْأَشْجَارُ مُثْمِرَةً وَغَيْرَ مُثْمِرَةٍ، فَرُبَّمَا لَا يَكُونُ لِلزَّرْعِ، وَالثَّمَرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قِيمَةٌ، إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا فَلَوْ اعْتَبَرْنَا قِيمَتَهُ مَحْصُودًا تَضَرَّرَ بِهِ الشَّفِيعُ فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ قَالَ: أُقَسِّمُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ مَزْرُوعَةً وَغَيْرَ مَزْرُوعَةٍ فَمَا يَخْتَصُّ قِيمَتَهَا غَيْرَ مَزْرُوعَةٍ، فَهُوَ حِصَّةُ الْأَرْضِ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ.
وَإِذَا اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا شَجَرٌ صِغَارٌ فَكَبُرَتْ فَأَثْمَرَتْ، أَوْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ فَأَدْرَكَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ فِيهَا بِطَرِيقِ الِاتِّصَالِ بِالْأَرْضِ، وَالشَّجَرُ بِيعَ مَا بَقِيَ الِاتِّصَالُ.
وَإِذَا اشْتَرَى بَيْتًا وَرَحَى مَاءٍ فِيهِ وَنَهْرَهَا وَمَتَاعَهَا فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ مَتَاعِهَا لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ فِي الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مُرَكَّبًا مُتَّصِلًا بِالْأَرْضِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ فَيُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ تَبَعًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَمَّامَ يُبَاعُ وَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقَدْرِ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبِنَاءِ فَكَذَلِكَ الرَّحَى، وَاسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ فِي الْحَمَّامِ، وَالرَّحَى: قَوْلُنَا، فَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِدَفْعِ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْمُقَاسَمَةِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَعِنْدَنَا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْبَادِي بِسُوءِ الْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ، وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مَوْجُودٌ لِاتِّصَالِ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ بِالْآخَرِ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ وَالْقَرَارِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ رَبْعٍ، أَوْ حَائِطٍ»؛ وَلِأَنَّ الْحَمَّامَ لَوْ كَانَ مَهْدُومًا فَبَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ كَانَ لَلشَّرِيكِ الشُّفْعَةُ وَمَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مَهْدُومًا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مُثْبَتًا، كَالشِّقْصِ مِنْ الدَّارِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مُؤْنَةَ الْمُقَاسَمَةِ إنْ كَانَتْ لَا تَلْحَقُهُ فِي الْحَالِ، فَقَدْ تَلْحَقُهُ فِي الثَّانِي، وَهُوَ مَا بَعْدَ الِانْهِدَامِ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الْأَرْضِ بَيْنَهُمَا.
وَلَوْ اشْتَرَى أَجَمَةً فِيهَا قَصَبٌ وَسَمَكٌ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ صَيْدٍ أَخَذَ الْأَجَمَةَ، وَالْقَصَبَ بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ يَأْخُذْ السَّمَكَ؛ لِأَنَّ الْقَصَبَ مُتَّصِلٌ بِالْأَرْضِ، فَأَمَّا السَّمَكُ، فَلَا اتِّصَالَ لَهُ بِالْأَرْضِ، بَلْ هُوَ، كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِي الدَّارِ، وَالْأَرْضِ، فَلَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ.
وَإِذَا اشْتَرَى عَيْنًا أَوْ نَهْرًا، أَوْ بِئْرًا بِأَصْلِهَا فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِاتِّصَالِ مِلْكِهِ بِالْمَبِيعِ عَلَى وَجْهِ التَّأْيِيدِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ عَيْنَ قِيرٍ، أَوْ نِفْطٍ، أَوْ مَوْضِعَ مِلْحٍ أَخَذَ جَمِيعَ ذَلِكَ بِالشُّفْعَةِ لِوُجُودِ الِاتِّصَالِ مَعْنًى، فَإِنَّهُ يَبِيعُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِمَنْزِلَةِ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ بِخِلَافِ السَّمَكِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ حَمَلَ ذَلِكَ مِنْ مَوْضِعِهِ، فَلَا يَأْخُذُ مَا حَمَلَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ، وَالتَّمْرِ بَعْدَ الْحَصَادِ، وَالْجَذَاذِ.
وَإِنْ اشْتَرَى شِرْبًا مِنْ نَهْرٍ بِغَيْرِ أَرْضٍ، وَلَا أَصْلٍ مِنْ نَهْرٍ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الشَّرْبِ فَاسِدٌ، فَإِنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ بِمَنْزِلَةِ الْأَوْصَافِ، فَلَا يَنْفَرِدُ بِالْبَيْعِ، ثُمَّ هُوَ مَجْهُولٌ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَدْرِي أَيَجْرِي الْمَاءُ أَمْ لَا، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إجْرَاؤُهُ قَالَ: وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَحْكِي عَنْ أُسْتَاذِهِ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِجَوَازِ بَيْعِ الشِّرْبِ بِدُونِ الْأَرْضِ وَيَقُولُ: فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فِي دِيَارِنَا بِنَسَفَ، فَإِنَّهُمْ يَبِيعُونَ الْمَاءَ فَلِلْعُرْفِ الظَّاهِرِ كَانَ يُفْتِي بِجَوَازِهِ، وَلَكِنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا لَا نَصَّ بِخِلَافِهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ نَصٌّ بِخِلَافِ هَذَا الْعُرْفِ، فَلَا يُعْتَبَرُ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا فَلَهُ مَا فِيهَا مِنْ نَخْلٍ، أَوْ شَجَرٍ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ مُتَّصِلَةٌ بِالْأَرْضِ لِلْقَرَارِ، وَلَيْسَ لَهُ مَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ، أَوْ تَمْرٍ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ فِيهَا لَيْسَ لِلتَّأْبِيدِ، وَالْقَرَارِ، بَلْ لِلْإِدْرَاكِ، فَهُوَ اتِّصَالٌ يَعْرِضُ الْفَصْلَ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، إلَّا بِالذِّكْرِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ، فَالثَّمَرُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَتَاعَ» وَلَوْ اشْتَرَى الْأَرْضَ بِكُلِّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ هُوَ فِيهَا، أَوْ مِنْهَا فَلَهُ الثَّمَرُ، وَالزَّرْعُ وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ، وَالزَّرْعُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَتَأْوِيلُ مَا قَالَ هُنَاكَ إذَا اشْتَرَاهَا بِكُلِّ قَلِيلٍ، أَوْ كَثِيرٍ هُوَ فِيهَا، أَوْ مِنْهَا بِحُقُوقِهَا فَعِنْدَ هَذَا التَّقْيِيدِ لَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ، وَالزَّرْعُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ حُقُوقِهَا وَتَأْوِيلُ مَا ذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِقَوْلِهِ مِنْ حُقُوقِهَا وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتَنَاوَلُ لَفْظَ الثَّمَرِ، وَالزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ الَّذِي هُوَ فِيهَا، أَوْ مِنْهَا لِاتِّصَالِهِ فِي الْحَالِ، وَالْأَمْتِعَةُ الْمَوْضُوعَةُ تَدْخُلُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا إنْ كَانَ قَالَ: أَوْ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْقَلِيلِ، أَوْ الْكَثِيرِ الَّذِي فِيهَا وَإِنْ كَانَ قَالَ: وَمِنْهَا لَمْ تَدْخُلْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأَرْضِ وَأَمَّا مَا لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، كَالزَّوْجَةِ، وَالْوَلَدِ لِلْبَائِعِ إذَا كَانَ فِيهَا فِي الْقِيَاسِ يَدْخُلُ وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَدْخُلُ لِعِلْمِنَا أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا ذَلِكَ، وَإِذَا اشْتَرَاهَا بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا بِمَرَافِقِهَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا الثَّمَرُ، وَالزَّرْعُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ حُقُوقِ الْأَرْضِ وَمَرَافِقِهَا، فَإِنَّمَا يُطْلَقُ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى مَا بِهِ يَتَأَتَّى الِانْتِفَاعُ بِالْأَرْضِ، كَالشَّرَبِ، وَالطَّرِيقِ الْخَاصِّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الشِّرَاءِ عِنْدَ ذِكْرِ هَذَا اللَّفْظِ، وَالثَّمَرُ، وَالزَّرْعُ لَيْسَا مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ، فَلَا يَدْخُلُ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، وَالْمَرَافِقِ.
وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا فَلَهُ الْبِنَاءُ سَوَاءٌ اشْتَرَطَ كُلَّ حَقٍّ هُوَ لَهَا، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ الدَّارُ، وَالْمَنْزِلُ، وَالْبَيْتُ، فَإِذَا عَقَدَ الْعَقْدَ بِاسْمِ الدَّارِ يَدْخُلُ فِيهِ الْعُلْوُ، وَالسُّفْلُ، وَالْكَنِيفُ، وَالشَّارِعُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ هُوَ اسْمٌ؛ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ، وَالْعُلْوُ، وَالسُّفْلُ مِمَّا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ، وَلَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ الْخَاصُّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ، إلَّا أَنْ يَقُولَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ خَارِجٌ مِمَّا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ وَيَكُونُ مِنْ حُقُوقِ الدَّارِ، فَالِانْتِفَاعُ بِالدَّارِ يَتَأَتَّى بِهِ، فَإِنَّمَا يَدْخُلُ عِنْدَ ذِكْرِ الْحُقُوقِ، وَالْمَرَافِقِ، فَأَمَّا الظُّلَّةُ الَّتِي عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ عَلَيْهَا مَنْزِلٌ إلَى الدَّارِ لَا يَدْخُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْحُقُوقَ، وَالْمَرَافِقَ فَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ إذَا كَانَ مِفْتَحُهَا إلَى الدَّارِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تَدْخُلُ إذَا كَانَ مِفْتَحُهَا إلَى الدَّارِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْحُقُوقَ، وَالْمَرَافِقَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بِنَاءِ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ الْعُلْوِ، وَالْكَنِيفِ، وَالشَّارِعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: هِيَ خَارِجَةٌ مِمَّا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ، وَلَكِنَّهَا مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ إذَا كَانَ مِفْتَحهَا إلَى الدَّارِ، فَإِنَّمَا تَدْخُلُ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، وَالْمَرَافِقِ، وَالطَّرِيقِ الْخَاصِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَحَدَ جَانِبَيْ الظُّلَّةِ عَلَى حَائِطِ الْجَارِ الْمُحَاذِي وَالْجَانِبُ الْآخَرُ عَلَى بِنَاءِ الدَّارِ وَكَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ الدَّارِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلَا تَدْخُلُ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِ الدَّارِ بِخِلَافِ كَنِيفِ الشَّارِعِ، فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِبِنَاءِ الدَّارِ لَا اتِّصَالَ لَهُ بِشَيْءٍ آخَرَ، فَيَكُونُ دَاخِلًا فِيمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ مِنْ الْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى بَيْتًا وَعَلَيْهِ عُلْوٌ لَمْ يَدْخُلُ الْعُلْوُ فِي الْبَيْتِ سَوَاءٌ ذَكَرَ الْحُقُوقَ، وَالْمَرَافِقَ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْعُلْوِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ، وَالْعُلْوُ فِي هَذَا كَالسُّفْلِ وَكَانَ نَظِيرَ بَيْتَيْنِ أَحَدُهُمَا بِجَنْبِ الْآخَرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ مِنْ حُقُوقِ مِثْلِهِ، فَأَمَّا إذَا اشْتَرَى مَنْزِلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُلْوُهُ، إلَّا أَنْ يَقُولَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ، أَوْ بِمَرَافِقِهِ فَيَدْخُلُ الْعُلْوُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعُلْوَ مِنْ حُقُوقِ الْمَنْزِلِ فَيَدْخُلُ عَنْهُ ذِكْرُ الْحُقُوقِ، وَالْبَيْتُ اسْمٌ لِمُسَقَّفٍ وَاحِدٍ لَهُ دِهْلِيزٌ، وَالْمَنْزِلُ اسْمٌ؛ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَى بُيُوتٍ وَصَحْنٍ مُسْقَفٍ وَمَطْبَخٍ؛ لِيَسْكُنَهَا الرَّجُلُ بِعِيَالِهِ، وَالدَّارُ اسْمٌ؛ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَى بُيُوتٍ وَمَنَازِلَ وَصَحْنٍ غَيْرِ مُسَقَّفٍ فَكَانَ الْمَنْزِلُ فَوْقَ الْبَيْتِ وَدُونَ الدَّارِ فَلِكَوْنِهِ فَوْقَ الْبَيْتِ قُلْنَا يَدْخُلُ الْعُلْوُ عِنْدَ ذِكْرِ الْحُقُوقِ، وَالْمَرَافِقِ وَلِكَوْنِهِ دُونَ الدَّارِ قُلْنَا لَا يَدْخُلُ الْعُلْوُ فِيهِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ، وَالْمَرَافِقَ وَمُشْتَرِي الْمَنْزِلِ مِنْ الدَّارِ، وَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ، وَالْمَرَافِقَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الدَّارِ، إلَّا الطَّرِيقَ وَمَسِيلَ الْمَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْمَنْزِلِ، فَأَمَّا الْمَخْرَجُ، وَالْمِرْبَطُ، وَالْمَطْبَخُ وَبِئْرُ الْمَاءِ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا، إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الدَّارِ وَمَرَافِقِهَا لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الْمَنْزِلِ، فَالِانْتِفَاعُ بِالْمَنْزِلِ يَتَأَتَّى بِدُونِهِ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ، وَالْمَسِيلِ وَفِي شِرَاءِ الدَّارِ إذَا كَانَ لَهَا طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا فِي السِّكَّةِ، وَالْآخَرُ فِي دَارٍ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الْحُقُوقَ، وَالْمَرَافِقَ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ كُلَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الطَّرِيقَ الَّذِي فِي الدَّارِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ مِمَّا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ وَالْقَرْيَةُ مِثْلُ الدَّارِ، وَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ، أَوْ فِي الْقَرْيَةِ بَابٌ مَوْضُوعٌ، أَوْ خَشَبٌ، أَوْ آجُرٌّ، أَوْ جِصٌّ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، وَالْمَرَافِقِ، وَإِنْ اشْتَرَطَ كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا، أَوْ مِنْهَا أَوْ اشْتَرَطَ كُلَّ حَقٍّ هُوَ لَهَا؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ يَتَأَتَّى بِدُونِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مَتَاعٍ مَوْضُوعٍ فِيهَا.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا فَاسْتَأْجَرَهَا الشَّفِيعُ مِنْهُ، أَوْ أَخَذَهَا مُزَارَعَةً أَوْ كَانَ فِيهَا نَخِيلٌ فَأَخَذَهَا مُعَامَلَةً بَعْدَ عِلْمِهِ بِالشِّرَاءِ، أَوْ سَاوَمَ بِهَا، فَقَدْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ دَلِيلُ الرِّضَا بِتَقَرُّرِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِيهَا وَدَلِيلُ الرِّضَا كَصَرِيحِ الرِّضَا، وَالِاسْتِيَامُ دَلِيلُ إبْطَالِ حَقِّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ التَّمَلُّكَ مِنْهُ بِسَبَبٍ يُبَاشِرُهُ بِاخْتِيَارِهِ ابْتِدَاءً، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَقَرُّرَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ هَذَا السَّبَبِ، فَيَكُونُ إسْقَاطًا لِلشُّفْعَةِ دَلَالَةً.
وَإِذَا اشْتَرَى نَخْلًا لِيَقْطَعَهُ، ثُمَّ اشْتَرَى بَعْدَ ذَلِكَ الْأَرْضَ وَتَرَكَ النَّخِيلَ فِيهَا، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِي النَّخِيلِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَقْصُودَةً بِالْعَقْدِ، وَهِيَ مِنْ النَّقْلِيَّاتِ لَا تُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ؛ لِيَجُذَّهَا، وَالْبِنَاءَ؛ لِيَهْدِمَهُ، ثُمَّ اشْتَرَى الْأَرْضَ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ، إلَّا فِي الْأَرْضِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبِنَاءِ بِالشُّفْعَةِ لِمَعْنَى التَّبَعِيَّةِ لِلْأَرْضِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إذَا مَلَكَهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي مَلَكَ الْأَرْضَ بِهِ.
وَإِذَا اشْتَرَى قَرْيَةً فِيهَا بُيُوتٌ وَنَخِيلٌ وَأَشْجَارٌ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي شَجَرَهَا وَنَخْلَهَا لِيُقْطَعَ، ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ، وَقَدْ قَطَعَ بَعْضَهَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ وَمَا لَمْ يُقْطَعْ مِنْ الشَّجَرِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا قُطِعَ مِنْ ذَلِكَ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ مَتَى كَانَ ثَابِتًا فِي الْبِنَاءِ، وَالشَّجَرِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَطْعِ، وَالْهَدْمِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِّ بِالْمِلْكِ فَكَمَا لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمَالِكِ بِالْقَطْعِ فَكَذَلِكَ حَقُّ الشَّفِيعِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ ثُبُوتُ حَقِّهِ فِي الْأَخْذِ كَانَ لِمَعْنَى الِاتِّصَالِ بِالْأَرْضِ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَخْذِ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهِ حَقٌّ الْأَخْذِ كَمَا لَوْ زَالَ جَوَازُهُ، وَلَكِنْ يَطْرَحُ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْحَبْسِ، وَالتَّنَاوُلِ، فَيَكُونُ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ يُطْرَحُ عَنْ الشَّفِيعِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ نَهْرًا بِأَصْلِهِ وَلِرَجُلٍ أَرْضٌ فِي أَعْلَاهُ إلَى جَنْبِهِ وَلِآخَرَ أَرْضٌ فِي أَسْفَلِهِ إلَى جَنْبِهِ فَلَهُمَا جَمِيعًا الشُّفْعَةُ فِي جَمِيعِ النَّهْرِ مِنْ أَعْلَاهُ إلَى أَسْفَلِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ وَقَرَارٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشُّفْعَةُ بِالْجِوَارِ، وَكَذَلِكَ الْقَنَاةُ، وَالْعَيْنُ، وَالْبِئْرُ، فَهِيَ مِنْ الْعَقَارَاتِ يَسْتَحِقُّ فِيهَا الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ، وَكَذَلِكَ الْقَنَاةُ يَكُونُ مِفْتَحُهَا فِي أَرْضٍ وَيَظْهَرُ مَاؤُهَا فِي أَرْضٍ أُخْرَى فَجِيرَانُهَا مِنْ مِفْتَحِهَا إلَى مَصَبِّهَا شُرَكَاءُ فِي الشُّفْعَةِ لِاتِّصَالِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمَبِيعِ وَبِالِاتِّصَالِ فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ يَتَحَقَّقُ الْجِوَارُ وَصَاحِبُ النَّصِيبِ فِي النَّهْرِ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ مِمَّنْ يَجْرِي النَّهْرُ فِي أَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ جَارٌ بِاتِّصَالِ أَرْضِهِ بِالنَّهْرِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْمَبِيعِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ.
وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ أَعْلَاهُ لِرَجُلٍ وَأَسْفَلُهُ لِآخَرَ وَمَجْرَاهُ فِي أَرْضِ رَجُلٍ آخَرَ فَاشْتَرَى رَجُلٌ نَصِيبَ صَاحِبِ أَعْلَى النَّهْرِ فَطَلَبَ صَاحِبُ النَّهْرِ وَصَاحِبُ الْأَرْضِ وَصَاحِبُ أَسْفَلِ النَّهْرِ الشُّفْعَةَ، فَالشُّفْعَةُ لَهُمْ جَمِيعًا بِالْجِوَارِ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَمِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ، إلَّا أَنَّ اتِّصَالَ صَاحِبِ الْأَسْفَلِ بِمِقْدَارِ عَرْضِ النَّهْرِ وَاتِّصَالَ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِمِقْدَارِ طُولِ النَّهْرِ مِنْ أَرْضِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ الْجِوَارِ كَمَا لَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ الشَّرِكَةِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ مَسِيلِ الْمَاءِ حَقٌّ لِمَسِيلِ الْمَاءِ، يَعْنِي: أَنَّ صَاحِبَ أَسْفَلِ النَّهْرِ لَهُ فِي الْمَبِيعِ حَقُّ سَيْلِ الْمَاءِ فَمَا لَمْ يَسِلْ الْمَاءُ فِي أَعْلَى النَّهْرِ لَا يَنْتَهِي إلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَصِيرُ بِهِ شَرِيكًا لِرَقَبَةِ النَّهْرِ، وَلَا فِي حُقُوقِهِ، وَإِنَّمَا يَتَرَجَّحُ عَلَى الْجَارِ الشَّرِيكِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ أَوْ فِي حُقُوقِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ نَصِيبَ صَاحِبِ أَسْفَلِ النَّهْرِ، فَالشُّفْعَةُ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى بِالْجِوَارِ لِاتِّصَالِ مِلْكِهِ بِالْمَبِيعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ قَنَاةٌ مِفْتَحُهَا بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ وَأَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا فَبَاعَ صَاحِبُ الْأَسْفَلِ ذَلِكَ الْأَسْفَلَ، فَالشَّرِيكُ، وَالْجِيرَانُ فِيهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ بِالشَّرِكَةِ فِي أَعْلَى الْقَنَاةِ لَا يَكُونُ شَرِيكًا فِي الْمَبِيعِ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ أَسْفَلُ الْقَنَاةِ، وَذَلِكَ كَانَ مِلْكًا خَالِصًا لِلْبَائِعِ؛ فَلِهَذَا كَانَ شَرِيكُهُ فِي أَعْلَى الْقَنَاةِ، وَالْجِيرَانُ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ.
وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ لِرَجُلٍ فَطَلَبَ إلَيْهِ رَجُلٌ لِيُكْرِيَ مِنْهُ النَّهْرَ إلَى أَرْضِهِ، ثُمَّ بِيعَ النَّهْرُ الْأَوَّلُ وَمَجْرَاهُ فِي أَرْضِ رَجُلٍ آخَرَ فَصَاحِبُ الْأَرْضِ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ مُسْتَعِيرٌ، وَلَا حَقَّ لِلْمُسْتَعِيرِ فِي الشُّفْعَةِ إذْ لَا مِلْكَ لَهُ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ، وَالْقَرَارِ.
وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ لِرَجُلٍ فِي أَرْضٍ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ رَحَى مَاءٍ فِي بَيْتٍ فَبَاعَ صَاحِبُ النَّهْرِ النَّهْرَ، أَوْ الرَّحَى، وَالْبَيْتَ فَطَلَبَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الشُّفْعَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ لِاتِّصَالِ مِلْكِهِ بِالْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ أَرْضِهِ وَبَيْنَ مَوْضِعِ الرَّحَى أَرْضٌ لِرَجُلٍ آخَرَ وَكَانَ جَانِبُ النَّهْرِ الْآخَرِ لِرَجُلٍ آخَرَ فَطَلَبَا الشُّفْعَةَ فَلَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا ذَلِكَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْجِوَارِ مِنْ النَّهْرِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ إلَى الرَّحَى؛ لِأَنَّ الرَّحَى لَا تَسْتَقِيمُ، إلَّا بِالنَّهْرِ، فَهُوَ الْآنَ شَيْءٌ وَاحِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْضِعَ الرَّحَاءِ لَوْ كَانَ أَرْضًا لَهَا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ شِرْبٌ فَبِيعَتْ كَانَ الشُّرَكَاءُ فِي الشِّرْبِ سَوَاءً فِي الشُّفْعَةِ، وَلَا يَكُونُ أَقْرَبُهُمْ إلَيْهَا أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الرَّحَاءِ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ فِي الشِّرْبِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالرَّحَى لَا يَتَأَتَّى، إلَّا بِالْمَاءِ كَمَا لَا يَتَأَتَّى فِي الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ، إلَّا بِالْمَاءِ.
وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ لِرَجُلٍ خَالِصًا لَهُ عَلَيْهِ أَرْضٌ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ أَرَاضٍ، وَلَا شَرْبَ لَهُمْ فِيهِ فَبَاعَ رَبُّ الْأَرْضِ النَّهْرَ خَاصَّةً فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الشُّفْعَةِ فِيهِ لِاتِّصَالِ مِلْكِهِمْ بِالْمَبِيعِ، وَإِنْ بَاعَ الْأَرْضَ خَاصَّةً دُونَ النَّهْرِ، فَالْمُلَازِقُ لِلْأَرْضِ أَوْلَاهُمْ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمْ فِي النَّهْرِ، وَالْمَبِيعُ الْأَرْضُ وَهُمْ جِيرَانُ الْمَبِيعِ، يَعْنِي: مَنْ يُلَازَقُ أَرْضُهُ الْأَرْضَ الْمَبِيعَةَ، فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ الْمُلَازِقِ خَاصَّةً، وَإِنْ بَاعَ النَّهْرَ، وَالْأَرْضَ جَمِيعًا كَانُوا شُفَعَاءُ فِي النَّهْرِ لِاتِّصَالِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالنَّهْرِ وَكَانَ الَّذِي هُوَ مُلَازِقُ الْأَرْضِ أَوْلَاهُمْ بِالشُّفْعَةِ فِي الْأَرْضِ لِاتِّصَالِ مِلْكِهِ بِالْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ طَرِيقٍ فِي دَارٍ لِرَجُلٍ فَبَاعَ الطَّرِيقَ وَالطَّرِيقُ خَالِصٌ لَهُ فَجَارُ الطَّرِيقِ أَوْلَى بِهِ مِنْ جَارِ الْأَرْضِ دُونَ الطَّرِيقِ وَهَذَانِ بِمَنْزِلَةِ دَارَيْنِ؛ لِيُمَيِّزَ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ جِوَارَ هَذَا غَيْرُ جِوَارِ هَذَا، وَلَوْ كَانَ شَرِيكًا فِي الطَّرِيقِ أَخَذَ شُفْعَتَهُ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ شَرِيكًا فِي النَّهْرِ أَخَذَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَكَانَ أَحَقَّ بِهِمَا جَمِيعًا مِنْ جِيرَانِ الْأَرْضِ، وَالطَّرِيقُ وَالنَّهْرُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.