الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
وقال أبو عبيد بن حربوية: يشترط أن يمر الفارس تحته ورمحه منصوب بيده؛ لأن الفرسان قد يزدحمون، فيحتاجون إلى نصب الرماح. وهذا ليس بصحيح؛ لأنه يمكنه أن يحط رمحه على كتفه، ولأن الرمح لا غاية لطوله. وإن أظلم الطريق بهذا الجناح أو الروشن.. ففيه وجهان: أحدهما قال ابن الصباغ: يجوز ذلك؛ لأن ظلمة الطريق لا تمنع من المرور فيه، ولأنه لا يذهب الضوء جملة. والثاني: قال الصيدلاني: لا يجوز؛ لأن ذلك يضر بالمار فيه، فهو كما لو لم يمكنه المشي منتصبا.
أحدهما قال الشيخ أبو حامد: يجوز؛ لأنه يجوز له الارتفاق في الأرض بالعبور فيها، فجاز له إخراج الجناح إليها، كما نقول في الشارع النافذ، فإن أراد أهل الدرب أن يصالحوه على ذلك بعوض.. لم يصح الصلح؛ لما ذكرناه في الشارع النافذ. والثاني: قال القاضي أبو الطيب: لا يجوز له ذلك بغير إذنهم؛ لأنه مملوك لقوم معينين، فلم يجز له إخراج الجناح إليه بغير إذنهم، كدرب الجار، فإن صالحه أهل الدرب على شيء.. لم يصح الصلح؛ لما ذكرناه في درب الجار.
وقولنا: (من غير ضرورة) احتراز من التسقيف على الحائط الرابع لجاره على ما يأتي بيانه. فإن صالحه على ذلك على عوض.. صح الصلح، ولا بد أن تكون الأخشاب معلومة، إما بالمشاهدة، أو بالصفة، فيقول: صالحني على أن أضع هذه الأخشاب بكذا. قال الشيخ أبو حامد: وهكذا إن قال: خذ مني مالا وأقر أن لي حقا في أن أضع على جدارك جذوعي هذه، أو يصفها، فإن أقر له بذلك، وأخذ العوض.. جاز. فإن أراد أن يبني عليها.. ذكر طول البناء وعرضه، وما يبني به؛ لأن الغرض يختلف بذلك. فإن أطلقا ذلك ولم يقدراه بمدة.. كان ذلك بيعا لمغارز الأجذاع، وإن قدرا ذلك بمدة.. كان ذلك إجارة تنقضي بانقضاء المدة. هكذا ذكر الشيخان: أبو حامد، وأبو إسحاق، والقاضي أبو الطيب. وقال ابن الصباغ: لا يكون ذلك بيعا بحال؛ لأن البيع ما يتناول الأعيان، وهذا الصلح على وضع الخشب لا يملك به الواضع شيئا من الحائط الذي يضع عليه؛ لأنه لو كان بيعا.. لملك جميع الحائط، ولكان إذا استهدم.. ملك أخذ آلته، وهذا لا يقوله أحد. قال: فإن قيل: إنما يكون بيعا لموضع الوضع خاصة.. قيل: لا يصح ذلك؛ لأن موضع الوضع مجمل في بقية الحائط الذي لغيره، وتلك منفعة استحقها، وإذا بطل أن يكون بيعا.. كان ذلك إجارة بكل حال. قال: فإن قيل: فكيف تجوز الإجارة إلى مدة غير معلومة؟ فالجواب: أن المنفعة يجوز أن يقع العقد عليها في موضع الحاجة غير مقدرة، كما يقع عقد النكاح على منفعة غير مقدرة، والحاجة تدعو إلى ذلك؛ لأن الخشب وما أشبهه ربما يراد للتأييد ويضر به التقدير، بخلاف سائر الإجارات، ولأن سائر الأعيان لو جوزنا فيها عقد الإجارة على التأبيد.. بطل فيها معنى الملك، وهاهنا وضع الخشب على الحائط لا يمنع مالكه أن ينتفع به منفعة مقصودة. والأول أصح؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " المختصر ": (ولو اشترى علو بيت على أن يبني على جدارنه، ويسكن على سطحه.. أجزت ذلك إذا سميا منتهى البنيان؛ لأنه ليس كالأرض في احتمال ما يبنى عليها). إذا ثبت هذا: فإن أقر صاحب الحائط لصاحب الخشب: أن له حق الوضع على جداره.. لزم ذلك في الحكم، فإن تقدمه صلح.. لزم ظاهرا وباطنا، وإن لم يتقدمه صلح.. لزم في الظاهر دون الباطن.
وقال في القديم: (إذا ساق رجل عينا أو بئرا، فلزمته مؤنة، ودعته الضرورة إلى إجرائه في ملك غيره، ولم يكن على المجرى في ملكه ضرر بين.. فقد قال بعض أصحابنا: يجبر عليه). فأومأ إلى أنه يجبر؛ لما روي: (أن الضحاك، ومحمد بن مسلمة اختلفا في خليج، أراد الضحاك أن يجريه في أرض محمد بن مسلمة، فامتنع منه، فترافعا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال: والله لأمرّنه ولو على بطنك). والأول هو المشهور من المذهب؛ لأنه حمل على ملك غيره، فلم يجز من غير إذنه، كالحمل على بهيمته. وأما الخبر: فيحتمل أنه كان له رسم وأجرى الماء في أرضه، فامتنع منه، فلذلك أجبره أمير المؤمنين عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ذلك. فإن ادعى على رجل مالا، فأقر به، ثم قال: صالحني منه، على أن أعطيك مسيل ماء في ملكي.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فإن بينا الموضع وقدر الطول والعرض.. صح؛ لأن ذلك بيع لموضع من أرضه، ولا يحتاجان أن يبينا عمقه؛ لأنه إذا ملك الموضع.. كان له النزول إلى تخومه). وهل يملك المدعي هواء الساقية؟ فيه وجهان، حكاهما الصيدلاني: أحدهما: يملكه تبعا للأرض. والثاني: لا يملكه. فعلى هذا: لا يمنع مالك الأرض من البناء فوق المسيل. قال ابن الصباغ: وإن صالحه على أن يجري الماء في ساقية في أرض المصالح.. قال في "الأم" [3/202] (فإن هذا إجارة تفتقر إلى تقدير المدة). قال أصحابنا: وإنما يصح إذا كانت الساقية محفورة، فأما إذا لم تكن محفورة.. لم يجز؛ لأنه لا يمكن للمستأجر إجراء الماء إلا بالحفر، وليس له الحفر في ملك غيره، ولأن ذلك إجارة لساقية غير موجودة، فإن حفر الساقية وصالحه.. جاز. وإن كانت الأرض في يد المقر بإجارة.. جاز له أن يصالحه على إجراء الماء في ساقية فيها محفورة مدة معلومة؛ لأنها لا تجاوز مدة إجارته، وإن لم تكن الساقية محفورة.. لم يجز أن يصالحه على ذلك؛ لأنه لا يجوز له إحداث ساقية في أرض في يده بإجارة، وكذلك إذا كانت الأرض وقفا عليه.. جاز أن يصالح على إجراء الماء في ساقية محفورة مدة معلومة، وإن أراد أن يحفر ساقية.. لم يكن له ذلك؛ لأنه لا يملكها، وإنما له أن يستوفي منفعتها، كالأرض المستأجرة. وإن صالحه على إجراء الماء على سطحه.. جاز إذا كان السطح الذي يجري ماؤه عليه معلوما؛ لأن الماء يختلف بكبر السطح وصغره. قال ابن الصباغ: ولا يحتاج إلى ذكر المدة، ويكون ذلك فرعا للإجارة؛ لأن ذلك لا يستوفي به منافع السطح، بخلاف الساقية، فإنه يستوفي منفعتها، فكانت مدتها مقدرة، ولأنهما يختلفان أيضا، فإن الماء الذي يجري في الساقية لا يحتاج إلى تقدير؛ لأنه لا يجري فيها أكثر من ملئها، ويحتاج إلى ذكر السطح الذي يجري فيه؛ لأنه يجري فيه القليل والكثير. وإن صالحه على أن يسقي زرعه، أو ماشيته من مائه سقية، أو سقيتين.. لم يصح؛ لأن القدر من الماء الذي يسقي به الزرع والماشية مجهول، فإن صالحه على ربع العين، أو ثلثها.. صح، كما قلنا في البيع.
أحدهما قال في القديم: (يجبر إذا كان ما يضعه لا يضر بالحائط ضررا بينا). وبه قال أحمد. ووجهه: ما روى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه على جداره»، وروي: «لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبه في جداره». فنكس القوم رؤوسهم، فقال أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمينها بين أظهركم. يعني: معرضين عن هذه السنة. فإذا قلنا بهذا: فلم يبذل الجار له.. أجبره الإمام. والثاني: قال في الجديد: (لا يجبر الجار على ذلك). وهو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه "، ولأنه انتفاع بملك غيره من غير ضرورة، فلم يجز من غير إذنه، كزراعة أرضه، والبناء في أرضه. وأما الخبر: فله تأويلان. الأول: أنه محمول على الاستحباب. والثاني: أن معناه: إذا أراد الرجل أن يضع خشبه على جدار نفسه لإخراج روشن أو جناح إلى شارع نافذ، فليس لجاره المحاذي له أن يمنعه من ذلك؛ لأنه قال: «لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه على جداره ". فالكناية ترجع إلى أقرب مذكور، وهو الجار. فإذا قلنا بالأول، وأراد الجار أن يصالحه بمال يأخذه.. لم يكن له ذلك؛ لأن ما وجب عليه بذله.. لم يجز له أن يأخذ عنه عوضا. وإن قلنا بالثاني، وأراد الصلح على ذلك بعوض.. جاز، كما قلنا في الساباط. فأما إذا أراد أن يبني على الحائط، أو يضع عليه خشبا تضر به ضررا بينا، أو له جدار آخر يمكنه أن يسقف عليه.. لم يجبر الجار، قولا واحدا. فإذا قلنا بقوله الجديد، فأعاره صاحب الحائط الحائط، فوضع الخشب عليه.. لم يكن لصاحب الحائط أن يطالبه بقلعه؛ لأن إذنه يقتضي البقاء على التأبيد، فإن قلع المستعير خشبه، أو سقطت.. فهل له أن يعيد مثلها؟ فيه وجهان: أحدهما: له ذلك؛ لأنه قد استحق دوام بقائها. والثاني: ليس له أن يعيد مثلها بغير إذن مالك الحائط، وهو الصحيح؛ لأن السقف إذا سقط.. فلا ضرر على المستعير في الرجوع. وإن أراد صاحب الحائط هدم حائطه، فإن لم يكن مستهدما.. لم يكن له ذلك؛ لأن المستعير قد استحق تبقية خشبه عليه، وإن كان مستهدما.. فله ذلك، وعلى صاحب الخشب نقلها، فإذا أعاد صاحب الحائط حائطه، فإن بناه بآلة أخرى.. لم يكن لصاحب الخشب إعادة خشبه بغير إذن؛ لأن هذا الحائط غير الأول، وإن بناه بآلته الأولى.. فهل له أن يعيد خشبه بغير إذن؟ على الوجهين الأولين. فإن صالحه بمال ليضع أخشابه على جدار جاره - في قوله الجديد - أو قلنا: يجبر الجار على تمكينه من وضعها - على القديم - فصالح صاحب الجدار مالك الخشب ليضع على جداره الخشب.. صح الصلح؛ لأن ما صح بيعه.. صح انتفاعه، كسائر الأموال.
فإن كان ما انتشر في ملكه لينا يمكنه أن يزيل ذلك عن ملكه من غير قطع.. لواه عن ملكه، فإن قطعه.. لزمه أرش ما نقصت الشجرة بذلك؛ لأنه متعد بالقطع. وإن كان يابسا لا يمكنه إزالة ذلك عن ملكه إلا بقطعه.. فله أن يقطع ذلك، ولا ضمان عليه. وإن أراد الجار أن يصالح مالك الشجرة بعوض ليقر ذلك في هواء أرضه، فإن كان غير معتمد على حائط.. لم يجز؛ لأنه أفرد الهواء بالعقد إن كان يابسا، وإن كان رطبا.. لم يجز أيضا لهذه العلة، ولأنه يزيد في كل وقت. وإن كان الغصن معتمدا على حائط الجار، فإن كان رطبا.. لم يجز؛ لأنه يزيد في كل وقت، وإن كان يابسا.. صح الصلح، كما لو صالحه على وضع خشبه على حائطه.
وقال أحمد: (يجبر من علا سطحه على بناء سترة؛ لأنه إذا صعد سطحه.. أشرف على دار جاره، والإنسان ممنوع من الانتفاع بملكه على وجه يستضر به غيره، كما لا يجوز أن يدق في ملكه ما يهتز به حائط جاره). دليلنا: أنه حاجز بين ملكيهما، فلا يجبر أحدهما على سترة، كالأسفل. وما ذكره، فغير صحيح؛ لأن الأعلى ليس له أن يشرف على الأسفل، وإنما يستضر الأسفل بالإشراف عليه دون انتفاعه بملكه، ويخالف الدق؛ لأنه يضر بملك جاره.
وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لا يجوز له ذلك) في إحدى الروايتين عنه، وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. دليلنا: أنه تصرف في ملكه الذي يختص به، ولم يتعلق به حق غيره، فلم يمنع منه، كما لو طبخ في داره أو خبز.. فإنه لا يمنع من ذلك لئلا يلحق جاره الدخان.
وإن كان باب داره إلى الشارع النافذ، وظهرها إلى درب ليس بنافذ، فإن أراد أن يفتح إلى الدرب كوة، أو شباكا.. لم يمنع منه، وكذلك إن أراد أن يرفع جداره إلى الدرب غير النافذ.. جاز؛ لأنه يتصرف في ملكه بما لا ضرر فيه على غيره. وإن أراد أن يفتح إلى الدرب بابا ليستطرق فيه.. لم يكن له الاستطراق؛ لأنه لا حق له في الاستطراق فيه. وإن أراد أن يفتح إليه بابا، وينصب عليه بابا، ويسمره، أو لا يسمره، وقال: لا أدخل فيه، ولا أخرج.. ففيه وجهان: أحدهما: ليس له ذلك؛ لأن ذلك دلالة على الاستطراق، فكان لأهل الدرب منعه من ذلك. والثاني: له ذلك، وهو الصحيح؛ لأنه لو رفع جميع حائطه.. لم يكن لأهل الدرب منعه، فكذلك إذا رفع بعضه، وإذا أراد الاستطراق على دربهم.. منعوه.
أحدهما قال الشيخ أبو حامد، وأكثر أصحابنا: لا يجوز؛ لأنه يجعل لكل واحدة من الدارين طريقا إلى كل واحد من الدربين، ويجعل الدربين كالدرب الواحد، ولأنه يثبت الشفعة في دور كل واحد من الدربين لأهل الدرب الآخر، في قول من يثبت الشفعة في الدار لاشتراكهما في الطريق، وهذا لا يجوز. والثاني: قال القاضي أبو الطيب: يجوز؛ لأن له أن يرفع الحائط كله، فكان له أن يفتح فيه بابا.
أحدهما: له ذلك؛ لأن فناء داره يمتد، فكان له تأخير بابه إلى هنالك، ولأن له يدا في الدرب، فكان الجميع في يدهما. والثاني: ليس له ذلك، وهو الصحيح؛ لأنه يريد أن يجعل لنفسه الاستطراق في موضع لم يكن له، بدليل: أنه لو أراد أن يتخطى إلى داخل الدرب.. منع منه. وإن أراد من باب داره في وسط الدرب أن يقدم بابه.. قال الشيخ أبو حامد: فإن أراد أن يقدمه إلى الموضع الذي لا فناء لصاحبه فيه.. كان له ذلك، وجها واحدا، وإن أراد أن يقدمه إلى الموضع الذي لصحابه هناك فناء.. فهل له ذلك؟ يبنى على الوجهين الأولين: فإن قلنا: ليس لمن باب داره في أول الدرب أن يؤخر بابه.. فلمن باب داره في وسط الدرب أن يقدم بابه، وهو الصحيح. وإن قلنا: لمن باب داره في أول الدرب أن يؤخر بابه إلى وسط الدرب.. فليس لمن باب داره في وسطه، أن يقدم بابه إلى فناء دار جاره. وقال ابن الصباغ: ينبغي له أن يقدم بابه في فنائه إلى فناء صاحبه، وجها واحدا؛ لأنه إنما يفتح الباب في فناء نفسه، ولا حق له فيما جاوز ذلك.
وقال أبو حنيفة: (لا يجبر الممتنع على بناء الحائط، ويجبر على كسح النهر والبئر). وعندنا: الجميع على قولين: أحدهما قال في القديم: (يجبر الممتنع منهما). وبه قال مالك رحمة الله عليه، واختاره ابن الصباغ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر، ولا إضرار»، وإذا لم نجبر الممتنع.. أضررنا بشريكه، ولأنه إنفاق على ملك مشترك؛ لإزالة الضرر، فأجبر الممتنع منهما، كالإنفاق على العبد المشترك. والثاني: قال في الجديد: (لا يجبر الممتنع)؛ لأنه إنفاق على ملك لو انفرد بملكه.. لم يجبر عليه، فإذا كان مشاركا لغيره.. لم يجبر عليه، كما لو كان بينهما براح من الأرض لا بناء عليه، فدعا أحدهما الآخر إلى البناء، فامتنع الآخر.. فإنه لا يجبر، وكما لو كان بينهما أرض مشتركة، فدعا أحدهما الآخر إلى زراعتها، فامتنع.. فإنه لا يجبر، وعكس ذلك العبد، لما لزم صاحبه الإنفاق عليه عند الانفراد بملكه.. أجبر على الإنفاق عليه إذا شارك غيره. وأما الخبر: فلا حجة فيه؛ لأنا لو أجبرنا الشريك.. لأضررنا به، و: (الضرر لا يزال بالضرر). فإذا قلنا بقوله القديم، وطالب الشريك شريكه بالبناء.. لزمه الإنفاق معه بقسط ما يملك من الحائط، فإن امتنع.. أجبره الحاكم، فإن كان له مال.. أخذ الحاكم منه، وأنفق عليه ما يخصه، وإن كان معسرا.. اقترض له الحاكم من الشريك، أو من غيره. وإن بناه الشريك بإذن الممتنع، أو بإذن الحاكم.. كان الحائط ملكا بينهما كما كان، ويرجع الذي بناه على شريكه بحصته من النفقة، وإن بناه بغير إذن شريكه، ولا إذن الحاكم.. لم يرجع بما أنفق؛ لأنه متطوع بالإنفاق، ثم ينظر: فإن بنى الحائط بآلته الأولى.. كان ملكا بينهما كما كان؛ لأن المنفق إنما أنفق على التأليف، وذلك أثر لا عين يملكها، وإن أراد الذي بناه نقضه.. لم يكن له ذلك؛ لأن الحائط ملك لهما، وإن بناه بآلة أخرى.. كان الحائط للذي بناه، وله أن يمنع شريكه من الارتفاق به، فإن أراد الذي بناه نقضه.. كان له ذلك؛ لأنه منفرد بملكه. فإن قال له الممتنع: لا تنقض، وأنا أدفع ما يخصني من النفقة.. أجبر الذي بناه على التبقية؛ لأنه لما أجبر الشريك على البناء.. أجبر الذي بنى على التبقية ببذل النفقة. وإن كان بينهما نهر أو بئر، وأنفق أحدهما بغير إذن شريكه، وغير إذن الحاكم.. فإنه لا يرجع بما أنفق، وليس له أن يمنع شريكه من نصيبه من الماء؛ لأن الماء ينبع في ملكيهما، وليس له إلا نقل الطين، وذلك أثر لا عين، بخلاف الحائط. وإن قلنا بقوله الجديد.. لم يجبر الممتنع منهما، فإن أراد أحدهما بناءه.. لم يكن للآخر منعه من ذلك؛ لأنه يزول به الضرر عن الثاني. فإن بناه بآلته.. كان الحائط ملكا لهما كما كان، فلو أراد الذي بناه أن ينقضه.. لم يكن له ذلك؛ لأن الحائط ملكهما، فهو كما لو لم ينفرد ببنائه، وإن بناه بآلة له.. فهو ملك للذي بناه، وله أن يمنع شريكه من الارتفاق به، فإن أراد الذي بناه أن ينقضه.. كان له ذلك؛ لأنه ملك له ينفرد به. فإن قال له الممتنع: لا تنقض، وأنا أدفع إليك ما يخصني من النفقة.. لم يجبر الذي بناه على التبقية؛ لأنه لما لم يجبر على البناء في الابتداء.. لم يجبر على التبقية في الانتهاء.. فإن طالب الشريك الممتنع بنقضه.. لم يكن له ذلك، إلا أن يكون له رسم خشب، فيقول له: إما أن تأخذ مني ما يخصني من النفقة، وتمكنني من وضع خشبي، أو تقلع حائطك لنبنيه جميعا، فيكون له ذلك؛ لأنه ليس للذي بنى إبطال رسوم شريكه هذا إذا انهدم أو هدماه من غير شرط البناء، فأما إذا هدماه على أن يبنيه أحدهما، أو هما، أو هدمه أحدهما متعديا.. قال الشافعي: (أجبرته على البناء). واختلف أصحابنا فيه. فمنهم من قال: هي على قولين، كما لو هدماه من غير شرط، والذي نص عليه الشافعي إنما هو على القول القديم، وهو اختيار المحاملي؛ لأن الحائط لا يضمن بالمثل. ومنهم من قال: يجبر عليه، قولا واحدا. قال الشيخ أبو حامد: وهو الصحيح؛ لأن الشافعي نص على ذلك في الجديد، ولأنه هدمه بهذا الشرط، فلزمه الوفاء به. |