الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.القراءات والوقوف: قال النيسابوري:.القراءات: {دعائي إلا} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو.{أني أعلنت} بالفتح أبو عمرو وأبو جعفر ونافع وابن كثير.{وولده} بالضم والسكون: ابن كثير وأبو عمرو وسهل ويعقوب وحمزة وعلي وخلف. الباقون: بفتحتين.{ودا} بالضم: أبو جعفر ونافع الآخرون: بالفتح.{خطاياهم} بالتكسير: أبو عمرو.{بيتي} بالفتح: حفض وهشام..الوقوف: {أليم} o {مبين} o {وأطيعون} o {مسمى} ط {لا يؤخر} م {تعلمون} o {ونهارا} o {فرارا} o {إستكبارا} o ج لأن (ثم) لترتيب الأخبار مع اتحاد القائل {جهارا} o لا {أسرارا} o لا لعطف مقصود الكلام {غفارا} o لا لجواب الأمر {مدرارا} o {أنهارا} o ط لابتداء الإستفهام {وقارا} o ج لأن ما بعده يحتمل الحال والاستئناف {أطوارا} o {طباقا} o لا {سراجا} o لا {نباتا} o {إخراجا} o {بساطا} o {فجاجا} o {خسارا} o ج للآية مع العطف واتحاد الكلام {كبارا} o لذلك {ونسرا} o ك لأن ما بعده ليس بمعطوف ولكنه حال من فاعل {قالوا} وذكر السجا وندي أنه حال من مفعول {لا تذرن} وفيه نظر {كثيرا} o ز لأن قوله: {ولا تزد} لا يصح عطفه ظاهرا ولكنه متصل بما قبله بطريق الحكاية أي قال نوح رب إنهم عصوني وقال لا تزد {ضلالا} o {أنصارا} o {ديارا} o {كفارا} o {تبارا} o. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: {إِنّا أرْسلْنا نُوحا إلى قوْمِهِ أنْ أنذِرْ قوْمك}في قوله: {أن} وجهان أحدهما: أصله بأن أنذر فحذف الجار وأوصل الفعل، والمعنى أرسلناه بأن قلنا له: أنذر أي أرسلناه بالأمر بالإنذار الثاني قال الزجاج: يجوز أن تكون مفسرة والتقدير: إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أي أنذر قومك وقرأ ابن مسعود {أُنذِر} بغير أن على إرادة القول.ثم قال: {مِن قبْلِ أن يأْتِيهُمْ عذابٌ ألِيمٌ} قال مقاتل يعني الغرق بالطوفان.واعلم أن الله تعالى لما أمره بذلك امتثل ذلك الأمر.{قال يا قوْمِ إِنِّي لكُمْ نذِيرٌ مُبِينٌ (2)}{أنِ اعبدوا} هو نظير {أنْ أنذِرِ} [نوح: 1] في الوجهين، ثم إنه أمر القوم بثلاثة أشياء بعبادة الله وتقواه وطاعة نفسه، فالأمر بالعبادة يتناول جميع الواجبات والمندوبات من أفعال القلوب وأفعال الجوارح، والأمر بتقواه يتناول الزجر عن جميع المحظورات والمكروهات، وقوله: {وأطِيعُونِ} يتناول أمرهم بطاعته وجميع المأمورات والمنهيات، وهذا وإن كان داخلا في الأمر بعبادة الله وتقواه، إلا أنه خصه بالذكر تأكيدا في ذلك التكليف ومبالغة في تقريره، ثم إنه تعالى لما كلفهم بهذه الأشياء الثلاثة وعدهم عليها بشيئين أحدهما: أن يزيل مضار الآخرة عنهم، وهو قوله: {يغْفِرْ لكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ}.الثاني: يزيل عنهم مضار الدنيا بقدر الإمكان، وذلك بأن يؤخر أجلهم إلى أقصى الإمكان.وههنا سؤالات:السؤال الأول: ما فائدة {مِنْ} في قوله: {يغْفِرْ لكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ}؟والجواب من وجوه:أحدها: أنها صلة زائدة والتقدير يغفر لكم ذنوبكم والثاني: أن غفران الذنب هو أن لا يؤاخذ به، فلو قال: يغفر لكم ذنوبكم، لكان معناه أن لا يؤاخذكم بمجموع ذنوبكم، وعدم المؤاخذة بالمجموع لا يوجب عدم المؤاخذة بكل واحد من آحاد المجموع، فله أن يقول: لا أطالبك بمجموع ذنوبك، ولكني أطالبك بهذا الذنب الواحد فقط، أما لما قال: {يغْفِرْ لكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} كان تقديره يغفر كل ما كان من ذنوبكم، وهذا يقتضي عدم المؤاخذة على مجموع الذنوب وعدم المؤاخذة أيضا على كل فرد من أفراد المجموع الثالث: أن قوله: {يغْفِرْ لكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} هب أنه يقتضي التبعيض لكنه حتى لأن من آمن فإنه يصير ما تقدم من ذنوبه على إيمانه مغفورا، أما ما تأخر عنه فإنه لا يصير بذلك السبب مغفورا، فثبت أنه لابد هاهنا من حرف التبعيض.السؤال الثاني: كيف قال: {ويُؤخّرْكُمْ} مع إخباره بامتناع تأخير الأجل، وهل هذا إلا تناقض؟ الجواب: قضى الله مثلا أن قوم نوح إن آمنوا عمرهم الله ألف سنة، وإن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة سنة، فقيل لهم: آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى أي إلى وقت سماه الله وجعله غاية الطول في العمر، وهو تمام الألف، ثم أخبر أنه إذا انقضى ذلك الأجل الأطول، لابد من الموت.السؤال الثالث: ما الفائدة في قوله: {لوْ كُنتُمْ تعْلمُون} الجواب: الغرض الزجر عن حب الدنيا، وعن التهالك عليها والإعراض عن الدين بسبب حبها، يعني أن غلوهم في حب الدنيا وطلب لذاتها بلغ إلى حيث يدل على أنهم شاكون في الموت. اهـ..قال القرطبي: {إِنّا أرْسلْنا نُوحا إِلى قوْمِهِ أنْ أنْذِرْ قوْمك مِنْ قبْلِ أنْ يأْتِيهُمْ عذابٌ ألِيمٌ (1)}قد مضى القول في (الأعراف) أن نُوحا عليه السلام أوّل رسول أرسِل.ورواه قتادة عن ابن عباس: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أوّل رسول أرسِل نوح وأرسِل إلى جميع أهل الأرض» فلذلك لما كفروا أغرق الله أهل الأرض جميعا.وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهلايل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم عليه السلام.قال وهب: كلهم مؤمنون.أُرسل إلى قومه وهو ابن خمسين سنة.وقال ابن عباس: ابن أربعين سنة.وقال عبد الله بن شدّاد: بُعث وهو ابن ثلثمائة وخمسين سنة.وقد مضى في سورة (العنكبوت) القول فيه.والحمد لله.{أنْ أنذِرْ قوْمك} أي بأن أنذر قومك، فموضع (أن) نصب بإسقاط الخافض.وقيل: موضعها جرٌّ لقوّة خِدْمتها مع (أن).ويجوز (أن) بمعنى المفسّرة فلا يكون لها موضع من الإعراب، لأن في الإرسال معنى الأمر، فلا حاجة إلى إضمار الباء.وقراءة عبد الله {أنْذِرْ قوْمك} بغير (أن) بمعنى قلنا له أنذر قومك.وقد تقدم معنى الإنذار في أوّل (سورة البقرة).{مِن قبْلِ أن يأْتِيهُمْ عذابٌ ألِيمٌ} قال ابن عباس: يعني عذاب النار في الآخرة.وقال الكلبيّ: هو ما نزل عليهم من الطوفان.وقيل: أي أنذرهم العذاب الأليم على الجملة إن لم يؤمنوا.فكان يدعو قومه وينذرهم فلا يرى منهم مجيبا، وكانوا يضربونه حتى يُغشى عليه فيقول، {ربّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.وقد مضى هذا مستوفى في سورة (العنكبوت) والحمد لله.قوله تعالى: {قال يا قوم إِنِّي لكُمْ نذِيرٌ} أي مخوّف.{مُّبِينٌ} أي مظهر لكم بلسانكم الذي تعرفونه.{أنِ اعبدوا الله واتقوه} و(أن) المفسرة على ما تقدم في {أنْ أنْذِرْ}.{اعْبُدُوا} أي وحّدوا.واتقوا: خافوا.{وأطِيعُونِ} أي فيما آمركم به، فإني رسول الله اليكم.{يغْفِرْ لكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} جُزِم {يغفِر} بجواب الأمر.و(من) صلة زائدة.ومعنى الكلام يغفر لكم ذنوبكم، قاله السدّي.وقيل: لا يصح كونها زائدة، لأن (من) لا تزاد في الواجب، وإنما هي هنا للتبعيض، وهو بعض الذنوب، وهو ما لا يتعلق بحقوق المخلوقين.وقيل: هي لبيان الجنس.وفيه بُعْدٌ، إذ لم يتقدم جنس يليق به.وقال زيد بن أسلم: المعنى يخرجكم من ذنوبكم.ابن شجرة: المعنى يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها {ويُؤخِّرْكُمْ إلى أجلٍ مُّسمّى} قال ابن عباس: أي ينسئ في أعماركم.ومعناه أن الله تعالى كان قضى قبل خلقهم أنهم إن آمنوا بارك في أعمارهم، وإن لم يؤمنوا عوجلوا بالعذاب.وقال مقاتل: يؤخركم إلى منتهى آجالكم في عافية، فلا يعاقبكم بالقحط وغيره.فالمعنى على هذا يؤخركم من العقوبات والشدائد إلى آجالكم.وقال: الزجاج أي يؤخركم عن العذاب فتموتوا غير موتة المستأصلين بالعذاب.وعلى هذا قيل: {أجل مُسمىّ} عندكم تعرفونه، لا يميتكم غرقا ولا حرقا ولا قتْلا، ذكره الفرّاء.وعلى القول الأول {أجلٍ مُسمّى} عند الله.{إِنّ أجل الله إِذا جاء لا يُؤخّرُ} أي إذا جاء الموت لا يؤخّر بعذاب كان أو بغير عذاب.وأضاف الأجل إليه سبحانه لأنه الذي أثبته.وقد يضاف إلى القوم، كقوله تعالى: {فإِذا جاء أجلُهُمْ} لأنه مضروب لهم.و(لو) بمعنى (أن) أي إن كنتم تعلمون.وقال الحسن: معناه لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجل الله إذا جاءكم لم يؤخّر. اهـ..قال الألوسي: {إِنّا أرْسلْنا نُوحا} هو اسم أعجمي زاد الجوالِقي معرب والكرماني معناه بالسريانية الساكن وصرف لعدم زيادته على الثلاثة مع سكون وسطه وليس بعربي أصلا وقول الحاكم في المستدرك إنما سمي نوحا لكثرة نوحه وبكائه على نفسه واسمه عبد الغفار لا أظنه يصح وكذا ما ينقل في سبب بكائه من أنه عليه السلام رأى كلبا أجرب قذرا فبصق عليه فأنطقه الله تعالى فقال أتعيبني أم تعيب خالقي فندم وناح لذلك والمشهور أنه عليه السلام ابن لمك بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف ابن متوشلخ بفتح الميم وتشديد المثناة المضمومة بعدها واو ساكنة وفتح الشين المعجمة واللام والخاء المعجمة ابن خنوخ بفتح الخاء المعجمة وضم النون الخفيفة وبعدها واو ساكنة ثم خاء معجمة وشاع اخنوخ بهمزة أوله وهو ادريس عليه السلام بن يرد بمثناة من تحت مفتوحة ثم راء ساكنة مهملة ابن مهلاييل بن قينان بن أنوش بالنون والشين المعجمة ابن شيث بن آدم عليه السلام وهذا يدل على أنه عليه السلام بعد ادريس عليه السلام وفي المستدرك أن أكثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم على أنه قبل ادريس وفيه عن ابن عباس كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون وفيه أيضا مرفوعا «بعث الله تعالى نوحا لأربعين سنة فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا» وذكر ابن جرير أن مولده كان بعد وفاة آدم عليه السلام بمائة وستة وعشرين عاما وفي التهذيب للنووي رحمه الله تعالى أنه أطول الأنبياء عليهم السلام عمرا وقيل إنه أطول الناس مطلقا عمرا فقد عاش على ما قال شداد الفا وأربعمائة وثمانين سنة ولم يسمع عن أحد أنه عاش كذلك يعني بالاتفاق لئلا يرد الخضر عليه السلام وقد يجاب بغير ذلك وهو على ما قيل أول من شرعت له الشرائع وسنت له السنن وأول رسول أنذر على الشرك وأهلكت أمته والحق أن آدم عليه السلام كان رسولا قبله أرسل إلى زوجته حواء ثم إلى بنيه وكان في شريعته وما نسخ بشريعة نوح في قول وفي آخر لم يكن في شريعته إلا الدعوة إلى الإيمان ويقال لنوح عليه السلام شيخ المرسلين وآدم الثاني وكان دقيق الوجه في رأسه طول عظيم العينين غليظ العضدين كثير لحم الفخذين ضخم السرة طويل اللحية والقامة جسيما.واختلف في مكان قبره فقيل بمسجد الكوفة وقيل بالجبل الأحمر وقيل بذيل جبل لبنان بمدينة الكرك وفي إسناد الفعل إلى ضمير العظمة مع تأكيد الجملة ما لا يخفى من الاعتناء بأمر ارساله عليه السلام {إلى قوْمِهِ} قيل هم سكان جزيرة العرب ومن قرب منهم لا أهل الأرض كافة لاختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة من بين المرسلين عليهم السلام وما كان لنوح بعد قصة الغرق على القول بعمومه أمر اتفاقي واشتهر أنه عليه الصلاة والسلام كان يسكن أرض الكوفة وهناك أرسل.{أنْ أنذِرْ قوْمك} أي أي أنذر قومك على أن أن تفسيرية لما في الإرسال من معنى القول دون حروفه فلا محل للجملة من الإعراب أو بأن أنذرهم أي بإنذارهم أو لانذارهم على أن أن مصدرية وقبلها حرف جر مقدر هو الباء أو اللام وفي المحل بعد الحذف من الجر والنصب قولان مشهوران.ونص أبو حيان على جواز هذا الوجه في بحره هنا ومنعه في موضع آخر وحكى المنع عنه ابن هشام في المغنى وقال زعم أبو حيان أنها لا توصل بالأمر وان كل شيء سمع من ذلك فأن فيه تفسيرية واستدل بدليلين أحدهما أنهما إذا قدّرا بالمصدر فات معنى الأمر الثاني أنهما لم يقعا فاعلا ولا مفعولا لا يصح أعجبني أن قم ولا كرهت أن قم كما يصح ذلك مع الماضي والمضارع والجواب عن الأول أن فوات معنى الأمرية عند التقدير بالمصدر كفوات معنى المضي والاستقبال في الموصولة بالمضارع والماضي عند التقدير المذكور ثم أنه يسلم مصدرية المخففة مع لزوم نحو ذلك فيها في نحو قوله تعالى: {والخامسة أن غضب الله عليها} [النور: 9] إذ لا يفهم الدعاء من المصدر إلا إذا كان مفعولا مطلقا نحو سقيا ورعيا وعن الثاني أنه إنما منع ما ذكره لأنه لا معنى لتعليق الاعجاب والكراهية بالإنشاء لا لما ذكره ثم ينبغي له أن لا يسلم مصدرية كي لأنها لا تقع فاعلا ولا مفعولا وإنما تقع مخفوضة بلام التعليل ثم مما يقطع به على قوله بالبطلان حكاية سيبويه كتبت إليه بأن قم واحتمال زيادة الباء كما يقول وهم فاحش لأن حروف الجر مطلقا لا تدخل إلا على الإسم أو ما في في تأويله انتهى وأجاب بعضهم عن الأول أيضا بأنه عند التقدير يقدر الأمر فيقال فيما نحن فيه مثلا أنا أرسلنا نوحا إلى قومه بالأمر بانذارهم وتعقب بأنه ليس هناك فعل يكون الأمر مصدره كامرنا أو نأمر ثم أنه يكون المعنى في نحو امرته بأن قم أمرته بالأمر بالقيام وأشار الزمخشري إلى جواب ذلك هو أنه إذا لم يسبق لفظ الأمر أو ما في معناه من نحو رسمت فلابد من تقدير القول لئلا يبطل الطلب فيقال هنا أرسلناه بأن قلنا له أنذر أي بالأمر بالإنذار وإذا سبقه ذلك لا يحتاج إلا تقديره لأن مآل العبارات أعنى أمرته بالقيام وأمرته بأنه قم وإن قم بدون الباء على أنها مفسرة إلى واحد.وفي الكشف لو قيل أن التقدير وأرسلناه بالأمر بالإنذار من دون اضمار القول لأن الأمرية ليست مدلول جوهر الكلمة بل من متعلق الاداة فيقدر بالمصدر تبعا وفي أمر المخاطب اكتفى بالصيغة تحقيقا لكان حسنا وهذا كما أن التقدير في أن لا يزني خير له عدم الزنا فيقدر النفي بالمصدر على سبيل التبعية وإما إذا صرح بالأمر فلا يحتاج إلى تقدير مصدر للطلب أيضا هذا ولو قدر أمرته بالأمر بالقيام أي بأن يأمر نفسه به مبالغة في الطلب لم يبعد عن الصواب ولما فهم منه ما فهم من الأول وأبلغ استعمل استعماله من غير ملاحظة الأصل وأوعى بعضهم أن تقدير القول هنا ليس لئلا يفوت معنى الطلب بل لأن الباء المحذوفة للملابسة.وارسال نوح عليه السلام لم يكن ملتبسا بإنذاره لتأخره عنه وإنما هو ملتبس بقول الله تعالى له عليه السلام أنذر ولما كان هذا القول منه تعالى لطلب الإنذار قيل المعنى أرسلناه بالأمر بالإنذار وكان هذا القائل لا يبالي بفوات معنى الطلب كما يقتضيه كلام ابن هشام المتقدم آنفا وبحث الخفاجي فيما ذكروه من الفوات فقال كيف يفوت معنى الطلب وهو مذكور صريحا في {أنذر} ونحوه وتأويله بالمصدر المسبوك تأويل لا ينافيه لأنه مفهوم أخذوه من موارد استعماله فكيف يبطل صريح منطوقه فما ذكروه مما لا وجه له وان اتفقوا عليه فاعرفه انتهى {وأقول} لعلهم أرادوا بفوات معنى الطلب فواته عند ذكر المصدر الحاصل من التأويل بالفعل على معنى أنه إذا ذكر بالفعل لا يتحقق معنى الطلب ولا يتحد الكلامان ولم يريدوا أنه يفوت مطلقا كيف وتحققه في المنطوق الصريح كنار على علم ويؤيد هذا منعهم بطلان اللازم المشار إليه بقول ابن هشام ان فوات معنى الأمرية عند التقدير بالمصدر كفوات المضي والاستقبال إلخ فكأنه قيل لا نسلم أن هذا الفوات باطل لم لا يجوز أن يكون كفوات معنى المضي والاستقبال وفوات معنى الدعاء في نحو {أن غضب} [النور: 9] وقد أجمعوا أن ذلك ليس بباطل لأنه فوات عند الذكر بالفعل وليس بلازم وليس بفوات مطلقا لظهور أن المنطوق الصريح متكفل به فتدبر وقرأ ابن مسعود {أنذر} بغير أن على إرادة القول أي قائلين أنذر {قوْمك مِن قبْلِ أن يأْتِيهُمْ عذابٌ ألِيمٌ} عاجل وهو ما حل بهم من الطوفان كما قال الكلبي أو آجل وهو عذاب النار كما قال ابن عباس والمراد أنذرهم من قبل ذلك لئلا يبقى لهم عذر ما أصلا.{قال} استئناف بياني كأنه قيل فما فعل عليه الصلاة والسلام بعد هذا الإرسال فقيل قال لهم {إلى قوْمِهِ إِنّى لكُمْ نذِيرٌ مُّبِينٌ} منذر موضح لحقيقة الأمر واللام في لكم للتقوية أو للتعليل أي لأجل نفعكم من غير أن أسألكم أجرا وقوله تعالى: {أنِ اعبدوا الله واتقوه وأطِيعُونِ} متعلق بنذير على مصدرية أن وتفسيريتها ومر نظيره في الشعراء وقوله سبحانه: {يغْفِرْ لكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} مجزوم في جواب الأمر واختلف في من فقيل ابتدائية وان لم تصلح هنا لمقارنة إلى وابتداء الفعل من جانبه تعالى على معنى أنه سبحانه يبتدئهم بعد إيمانهم بمغفرة ذنوبهم احسانا منه عز وجل وتفضلا وجوز أن يكون من جانبهم على معنى أول ما يحصل لهم بسبب إيمانهم مغفرة ذنوبهم وليس بذاك وقيل بيانية ورجوعها إلى معنى الابتدائية استبعده الرضى ويقدر قبلها مبهم يفسر بمدخولها أي يغفر لكم أفعالكم التي هي الذنوب وقيل زائدة على رأي الأخفش المجوز لزيادتها مطلقا وجزم بذلك هنا وقيل تبعيضية أي يغفر لكم بعض ذنوبكم واختاره بعض واختلف في البعض المغفور فذهب قوم إلى أنه حقوق الله تعالى فقط السابقة على الإيمان وآخرون إلى أنه ما اقترفوه قبل الإيمان مطلقا الظاهر ما ورد من أن الإيمان يجب ما قبله واستشكل ذلك العز بن عبد السلام في الفوائد المنتشرة وأجاب عنه فقال كيف يصح هذا على رأي سيبويه الذي لا يرى كالأخفش زيادتها في الموجب بل يقول إنها للتبعيض مع أن الإسلام يجب ما قبله بحيث لا يبقى منه شيء والجواب ان إضافة الذنوب إليهم إنما تصدق حقيقة فيما وقع إذ ما لم يقع لا يكون ذنبا لهم وإضافة ما لم يقع على طريق التجوز كما في {واحفظوا أيمانكم} [المائدة: 89] إذا المراد بها الأيمان المستقبلة وإذا كانت الإضافة تارة تكون حقيقة وتارة تكون مجازا فسيبويه يجمع بين الحقيقة والمجاز فيها وهو جائز يعني عند أصحابه الشافعية ويكون المراد من بعض ذنوبكم البعض الذي وقع انتهى ولا يحتاج إلى حديث الجمع من خص الذنوب المغفورة بحقوق الله عز وجل وهاهنا بحث وهوان الحمل على التبعيض يا أباه {يغفر لكم ذنوبكم} [الصف: 12] {وإن الله يغفر الذنوب جميعا} [الزمر: 53] وقد نص البعلي في شرح الجمل على أن ذلك هو الذي دعا الأخفش للجزم بالزيادة هنا وجعله ابن الحاجب حجة له ورده بعض الأجلة بأن الموجبة الجزئية من لوازم الموجبة الكلية ولا تناقض بين اللازم والملزوم ومبناه الغفلة عن كون مدلول من التبعيضية هي البعضية المجردة عن الكلية المنافية لها لا الشاملة لما في ضمنها المجتمعة معها وإلا لما تحقق الفرق بينها وبين من البيانية من جهة الحكم ولما تيسر تمشية الخلاف بين الإمام أبي حنيفة وصاحبيه فيما إذا قال طلقي نفسك من ثلاث ما شئت بناء على أن من للتبعيض عنده وللبيان عندهما قال في الهداية وان قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فلها ان تطلق نفسها واحدة وثنتين ولا تطلق ثلاثا عند أبي حنيفة وقالا تطلق ثلاثا ان شاءت لأن كلمة ما محكمة في التعميم وكلمة من قد تستعمل للتمييز فتحمل على تمييز الجنس ولأبي حنيفة إن كلمة من حقيقة في التبعيض وما للتعميم فيعمل بهما انتهى.ولا خفاء في أن بناء الجواب المذكور على كون من للتبعيض إنما يصح إذا كان مدلولها حينئذ البعضية المجردة المنافية للكلية ومن هنا تعجب من صاحب التوضيح في تقرير الخلاف المذكور حيث استدل على أولوية التبعيض بتيقنه ولم يدر أن البعض المراد قطعا على تقدير البيان البعض العام الشامل لما في ضمن الكل لا البعض المجرد المراد هنا فبالتعليل على الوجه المذكور لا يتم التقريب بل لا انطباق بين التعليل والمعلل على ما قيل وصوب العلامة التفتازاني حيث قال فيما علقه على التلويح مستدلا على أن البعضية التي تدل عليها من التبعيضية هي البعضية المجردة المنافية للكيلة لا البعضية التي هي أعم من أن تكون في ضمن الكل أو بدونه لاتفاق النحاة على ذلك حيث احتاجوا إلى التوفيق بين قوله تعالى: {يغفر لكم من ذنوبكم} وقوله تعالى: {إن الله يغفر الذنوب جميعا} [الزمر: 53] فقالوا لا يبعد أن يغفر سبحانه الذنوب لقوم وبعضها لآخرين أو خطاب البعض لقوم نوح عليه السلام وخطاب الكل لهذه الأمة ولم يذهب أحد إلى أن التبعيض لا ينافي الكلية ولم يصوب الشريف في رده عليه قائلا وفيه بحث إذ الرضي صرح بعدم المنافاة بينهما حيث قال ولو كان أيضا خطابا لأمة واحدة فغفران بعض الذنوب لا يناقض غفران كلها بل عدم غفران بعضها يناقض غفران كلها لأن قول الرضى غير مرتضى لما عرفت من أن مدلول التبعيضية البعضية المجردة واعترض قول النحاة أو خطاب البعض لقوم نوح عليه السلام وخطاب الكل لهذه الأمة بأن الأخبار عن مغفرة البعض ورد في مواضع منها قوله تعالى في سروة إبراهيم {يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم} [الأحقاف: 10] ومنها في سورة الأحقاف {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم} [الأحقاف: 31] ومنها ما هنا وهو الذي ورد في قوم نوح عليه السلام وأما ما ذكر في الأحقاف فقد ورد في الجن وما ورد في إبراهيم فقد ورد في قوم نوح وعاد، وثمود على ما أفصح به السياق فكيف يصح ما ذكروه وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرآن تفرقة بين الخطابين ووجه بأن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار مرتبة على الإيمان وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فيتناول الخروج عن المظالم واعترض بأن التفرقة المذكورة إنما تتم لو لم يجئ الخطاب للكفرة على العموم وقد جاء كذلك كما في سورة الأنفال {قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38] وقد أسلفنا ما يتعلق بهذا المقام أيضا فتذكر وتأمل {ويُؤخّرْكُمْ إلى أجلٍ مُّسمّى} هو الأمد الأقصى الذي قدره الله تعالى بشرط الإيمان والطاعة وراء ما قدره عز وجل لهم على تقدير بقائهم على الكفر والعصيان فإن وصف الأجل بالمسمى وتعليق تأخيرهم إليه بالإيمان والطاعة صريح في أن لهم أجلا آخر لا يجاوزونه ان لم يؤمنوا وهو المراد بقوله تعالى: {إِنّ أجل الله} أي ما قدره عز وجل لكم على تقدير بقائكم على ما أنتم عليه {إِذا جاء} وأنتم على ما أنتم {لا يُؤخّرُ} فبادروا إلى الإيمان والطاعة قبل مجيئه حتى لا يتحقق شرطه الذي هو بقاؤكم على الكفر والعصيان فلا يجيء ويتحقق شرط التأخير إلى الأجل المسمى فتؤخروا إليه وجوز أن يراد به وقت اتيان العذاب المذكور في قوله سبحانه من {قبل أن يأتيهم عذاب أليم} [نوح: 1] فإنه أجل مؤقت له حتما وأيا كان لا تناقض بين يؤخركم وان أجل الله إذا جاء لا يؤخركما يتوهم.وقال الزمخشري في ذلك ما حاصله إن الأجل أجلان وأجل الله حكمه حكم المعهود والمراد منه الأجل المسمى الذي هو آخر الآجال والجملة عنده تعليل لما فهم من تعليقه سبحانه التأخير بالأجل المسمى وهو عدم تجاوز التأخير عنه والأول هو المعول عليه فإن الظاهر أن الجملة تعليل للأمر بالعبادة المستتبعة للمغفرة والتأخير إلى الأجل المسمى فلابد أن يكون المنفى عند مجيء الأجل هو التأخير الموعود فكيف يتصور أن يكون ما فرض مجيئه هو الأجل المسمى الذي هو آخر الآجال {لوْ كُنتُمْ تعْلمُون} أي لو كنتم من أهل العلم لسارعتم لما أمركم به لكنكم لستم من أهله في شيء فلذا لم تسارعوا فجواب لو مما يتعلق بأول الكلام ويجوز أن يكون مما يتعلق بآخره أي لو كنتم من أهل العلم لعلمتم ذلك أي عدم تأخير الأجل إذا جاء وقته المقدر له والفعل في الوجهين منزل منزلة اللازم ويجوز أن يكون محذوفا لقصد التعميم أي لو كنتم تعلمون شيئا ورجح الأول بعدم احتياجه للتقدير والجمع بين صيغتي الماضي والمضارع لللالة على استمرار النفي المفهوم من لو وجعل العلم المنفى هو العلم النظري لا الضروري ولا ما يعمه فإنه مما لا ينفى اللهم إلا على سبيل المبالغة. اهـ.
|