الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقيل الباطل إبليس أو الصنم، والمعنى لا ينشىء خلقًا ولا يعيده، أو لا يبدىء خيرًا لأهله ولا يعيده. وقيل {مَا} استفهامية منتصبة بما بعدها. {قُلْ إِن ضَلَلْتُ} عن الحق. {فَإِنَّمَا أَضِلُّ على نَفْسِى} فإن وبال ضلالي عليها لأنه بسببها إذ هي الجاهلة بالذات والأمارة بالسوء، وبهذا الاعتبار قابل الشرطية بقوله: {وَإِنِ اهتديت فَبِمَا يُوحِي إِلَىَّ رَبّي} فإن الاهتداء بهدايته وتوفيقه. {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} يدرك قول كل ضال ومهتد وفعله وإن أخفاه. {وَلَوْ ترى إِذْ فَزِعُواْ} عند الموت أو البعث أو يوم بدر، وجواب {لَوْ} محذوف تقديره لرأيت أمرًا فظيعًا. {فَلاَ فَوْتَ} فلا يفوتون الله بهرب أو تحصن. {وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} من ظهر الأرض إلى باطنها، أو من الموقف إلى النار أو من صحراء بدر إلى القليب، والعطف على {فَزِعُواْ} أو لا فوت ويؤيده أنه قرىء {وأخذ} عطفًا على محله أي: فلا فوت هناك وهناك أخذ. {وَقَالُواْ ءَامَنَّا بِهِ} بمحمد عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكره في قوله: {مَا بصاحبكم} {وأنى لَهُمُ التناوش} ومن أين لهم أن يتناولوا الإِيمان تناولًا سهلًا. {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} فإنه في حيز التكليف وقد بعد عنهم، وهو تمثيل لحالهم في الاستخلاص بالإِيمان بعدما فات عنهم أوانه وبعد عنهم، بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة تناوله من ذراع في الاستحالة، وقرأ أبو عمرو والكوفيون غير حفص بالهمز على قلب الواو لضمتها.أو أنه من نأشت الشيء إذا طلبته قال رؤبة:
أو من نأشت إذا تأخرت ومنه قوله: فيكون بمعنى التناول من بعد. {وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ} بمحمد عليه الصلاة والسلام أو بالعذاب. {مِن قَبْلُ} من قبل ذلك أوان التكليف. {وَيَقْذِفُونَ بالغيب} ويرجمون بالظن ويتكلمون بما لم يظهر لهم الرسول عليه الصلاة والسلام من المطاعن، أو في العذاب من البث على نفيه. {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} من جانب بعيد من أمره، وهو الشبه التي تمحلوها في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو حال الآخرة كما حكاه من قبل. ولعله تمثيل لحالهم في ذلك بحال من يرمي شيئًا لا يراه من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه، وقرىء {وَيَقْذِفُونَ} على أن الشيطان يلقي إليهم ويلقنهم ذلك، والعطف على {وَقَدْ كَفَرُواْ} على حكاية الحال الماضية أو على قالوا فيكون تمثيلًا لحالهم بحال القاذف في تحصيل ما ضيعوه من الإِيمان في الدنيا. {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} من نفع الإِيمان والنجاة به من النار، وقرأ ابن عمر والكسائي بإشمام الضم للحاء. {كَمَا فُعِلَ بأشياعهم مّن قَبْلُ} بأشباههم من كفرة الأمم الدارجة. {إِنَّهُمْ كَانُواْ في شَكّ مُّرِيبِ} موقع في الريبة، أو ذي ريبة منقول من المشكك، أو الشك نعت به الشك للمبالغة.عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة سبأ لم يبق رسول ولا نبي إلا كان له يوم القيامة رفيقًا ومصافحًا». اهـ. .قال نظام الدين النيسابوري: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)}.التفسير:لما فرغ من حكاية أهل الشكر وأهل الكفران تمثيلًا عاد إلى مخاطبة كفار قريش وتقريعهم. ومفعولًا زعم محذوف أي زعمتموهم آلهة، وسبب حذف الأوّل استحقاق عوده إلى الموصول، وسبب حذف الثاني إقامة الصفة وهي {من دون الله} مقام الموصوف. وتفسير الآية مبني على تفصيل وهو أن مذاهب أهل الشرك أربعة:أحدها قولهم إنا نعبد الملائكة والكواكب التي في السماء فهم آلهتنا والله إلههم فالله تعالى قال في إبطال قولهم أنهم لا يملكون في السموات شيئًا كما اعترفتم، ولا في الأرض على خلاف ما زعمتم أن الأرض والأرضيات في حكمهم.وثانيها قول بعضهم إن السموات من الله على سبيل الاستقلال، وإن الأرضيات منه ولكن بواسطة الكواكب واتصالاتها وانصرافاتها فأبطل معتمد هؤلاء بقوله: {وما لهم فيهما من شرك} أي الأرض كالسماء لله لغيره فيها نصيب.وثالثها قول من قال: التركيبات والحوادث كلها من الله لكن فوض ذلك إلى الكواكب وإعانتها فأشار إلى إبطال معتقد هؤلاء بقوله: {وما له منهم من ظهير}.ورابعها مذهب من زعم أنا نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا فبين بطلان مذهبهم بقوله: {ولا تنفع الشفاعة} قال جار الله: تقول الشفاعة لزيد على أنه الشافع وعلى معنى أنه المشفوع له أي لا تنفع الشفاعة {إلا} كائنة {لمن أذن له} من الشافعين أو إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله. و {حتى} غاية لمضمون الكلام الدال على انتظار الإذن كأنه قيل: يتربصون ويقفون مليًا فزعين {حتى إذا فزع} أي كشف الفزع في القيامة عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضًا {ماذا قال ربكم قالوا} قال: {الحق} أي القول الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى، يريد هذا التفسير قول ابن عباس عن النبي «فإذا أذن لمن أذن أن يشفع فزعته الشفاعة» والتشديد للسلب والإزالة على نحو قردته وجلدته أي أزلت قراده وسلخت جلده. وقيل: إن {حتى} على هذا التفسير متعلق بقوله: {زعمتم} أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع ثم تركتم ما زعمتم وقلتم قال الحق. ومنهم من ذهب إلى أن التفزيع غاية الوحي المستفاد من قل فإنه عند الوحي يفزع من في السموات كما جاء في حديث «إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيه جبرائيل فإذا جاء فزع عن قلوبهم فيقولون: يا جبرائيل ماذا قال ربكم؟ فيقول الحق» أي يقول الحق الحق. وقيل: أراد بالفزع أنه تعالى لما أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم فزع من في السموات من القيامة لأن إرسال محمد صلى الله عليه وسلم من أشراطها فلما زال عنهم ذلك قالوا: ماذا قال الله؟ قال جبرائيل وأتباعه: الحق. وقيل: إنه الفزع عند الموت يزيله الله عن القلوب فيعرف كل أحد أن ما قال الله هو الحق فينتفع بتلك المعرفة أهل الإيمان ولا نيتفع بها أهل الكفر. وحين بين بقوله: {قل ادعوا} أنه لا يدفع الضر إلا هو أشار بقوله: {قل من يرزقكم} إلى أن جلب النفع لا يكمل إلا به.وههنا نكتة هي أنه قال في دفع الضر {قالوا الحق} وفي طلب النفع قال: {قل الله} تنبيهًا على أنهم في الضراء مقبلون على الله معترفون به، وفي السراء معرضون عنه غافلون لا ينتبهون إلا بمسه. وقوله: {وإنا أو إياكم} من الكلام المنصف الذي يتضمن قلة شغب الخصم وفلّ شوكته بالهوينا. وفي تخالف حرفي الجر في قوله: {لعلى هدى أو في ضلال} إشارة إلى أن أهل الحق راكبون مطية الهدى مستعلون على متنها، وأن أهل الباطل منغمسون في ظلمة الضلال لا يدرون أين يتوجهون. وإنما وصف الضلال بالمبين وأطلق الهدى لأن الحق كالخط المستقيم واحد، والباطل كالخطوط المنحنية لا حصر لها فبعضها أدخل في الضلالة من بعض وابين.وقوله: {عما أجرمنا} إلى قوله: {عما تعملون} أبلغ في سلوك طريقة الإنصاف حيث أسند الإجرام وهو الصغائر والزلات أو هي مع الكبائر إلى أهل الإيمان، وعبر عن إجرام أهل الكفر بلفظ عام وهو العمل. وفيه إرشاد إلى المناظرات الجارية في العلوم وغيرها، وإذا قال أحد المناظرين للآخر: أنت مخطئ أغضبه وعند الغضب لا يبقى سداد الفكر، وعند اختلاله لا مطمع في الفهم فيفوت الغرض. ومعنى الفتح الحكم والفصل بين الفريقين بإدخال أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. وحين حث في الآية الأولى على وجوب النظر من حيث إن كل أحد يؤاخذ بجرمه ولو كان البريء أخذ بالمجرم لم يكن كذلك، أكد ذلك المعنى بالآية الثانية فإن مجرد الخطأ والضلال واجب الاجتناب فكيف إذا كان يوم عرض وحساب. وفي قوله: {العليم} إشارة إلى أن حكمه يكون مع العلم لا كحكم من يحكم بمجرد الغلبة والهوى. ولما بين أن غير الله لا يعبد لدفع الضر ولا لجلب النفع أراد أن يبين أن غير الله لا ينبغي أن يعبد لأجل استحقاق العبادة فإنه لا مستحق للعبادة إلا هو. ومعنى {اروني} وكان يعرفهم ويراهم الاستخفاف بهم والتنبيه على الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله أو اراد أعلموني بأي صفة الحقتموهم بالله وجعلتموهم شركاء ف {شركاء} نصب على الحال والعائد محذوف و {كلا} ردع لهم عن مذهبهم بعدما كسده بإبطال المقايسة وردّ الإلحاق. ثم زاد في توبيخهم بقوله: {بل هو الله العزيز الحكيم} كأنه قال: اين الذين ألحقتم به شركاء من هذه الصفات فإن الإله لا يمكن أن يخلو عن القدرة الكاملة والحكمة الشاملة. وهو يحتمل أن يكون ضمير الشأن. وحين فرغ من التوحيد شرع في الرسالة. ومعنى {كافة} عامة لأن الرسالة إذا شملتهم قد منعتهم أن يخرج أحد منهم والكف المنع وكافة صفة لرسالة. وقال الزجاج: التاء للمبالغة كتاء الراوية والعلامة وإنه حال من الكاف أي أرسلناك جامعًا للناس في الإبلاغ والتبشير والإنذار، أو مانعًا للناس من الكفر والمعاصي.وبعض النحويين جعله حالًا من الناس وزيف بأن حال المجرور لا يتقدم عليه. ومن هؤلاء من جعل اللام بمعنى إلى لأن أرسل يتعدى بإلى فضوعفت تخطئته بأن استعمال اللام بمعنى. إلى ضعيف، ولا يخفى أن ثاني مفعولي {ارسلنا} على غير هذا التفسير محذوف والتقدير: وما أرسلناك إلى الناس إلا كافة {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} وذلك لا لخفائه ولكن لغفلتهم. وحين ذكر الرسالة بين الحشر وذكر أنهم استعجلوه تعنتًا منهم فبين على طريق التهديد أنه لا استعجال فيه كما لا إمهال وهذا شأن كل أمر ذي بال. قال جار الله {ميعاد يوم} كقولك سحق عمامة في أن الإضافة للتبيين يؤيده قراءة من قرأ {ميعاد يوم} بالرفع فيهما فأبدل منه اليوم. وفي إسناد الفعل إليهم بقوله: {لا تستأخرون عنه} دون أن يقول لا يؤخر عنكم زيادة تأكيد لوقوع اليوم. ولما بين الأصول الثلاثة: التوحيد والرسالة والحشر، ذكر أنهم كافرون بالكل قائلين {لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه} من الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل. يروى أن كفار مكة سألوا أهل الكتاب فأخبروهم أنهم يجدون صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم فأغضبهم ذلك وقرنوا إلى القرآن جميع الكتب. وقيل: الذين كفروا عام والذي بين يديه يوم القيامة وما جاء ذكره في القرآن من تفاصيل الحشر وغيرها، وأن أهل الكتاب لو صدّقوا بشيء من ذلك فليس لأجل مجيئه في القرآن ولكن لمجيئه في كتبهم. وحين وقع اليأس من إيمانهم بقولهم {لن نؤمن} وعد نبيه بأنه سيراهم على أذل حال موقوفين للسؤال متجاذبين أهداب المراجعة كما يكون حال جماعة أخطأوا في تدبير أمره وجواب لو محذوف أي لقضيت العجب. وبدأ بالأتباع لأن المضل أولى بالتوبيخ. وفي قوله: {لولا أنتم} إشارة إلى أن كفرهم كان لمانع لا لعدم المقتضى فن الرسول قد جاء ولم يقصر في الإبلاغ. ثم ذكر جواب المستكبرين وهم الرءوس والمتبوعين على طريقة الاستئناف.وفي إيلاء الاسم وهو نحن حرف الإنكار إثبات أنهم هم الذين صدّوا بأنفسهم عن الهدى بكسب منهم واختيار وأن المانع لم يكن راجحًا على المقتضى ولا مساويًا له وأكدوا ذلك بقولهم {بل كنتم مجرمين} أي إنكم أنتم الذين أطعتم أمر الشهوة فكنتم كافرين ولم يكن منا إلا التسويل والتزيين.ثم عطف قولًا آخر للمستضعفين على قولهم الأول. والإضافة في {مكر الليل والنهار} من باب الاتساع بإجراء الظرف مجرى المفعول به وأصل الكلام: بل مكرهم في الليل والنهار. أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الإسناد المجازي، فالأول اتساع لفظي، والثاني معنوي.أبطلوا إضرابهم بإضرابهم قائلين: ما كان الإجرام من جهتنا بل من جهة مكركم لنا مستمرًا دائمًا دائبًا ليلًا ونهارًا. وقدم الليل لأنه أخفى للمكر والويل. وقرئ {مكرّ الليل} بالتشديد أي سبب ذلك أنكم تكرّون الإغواء مكرًا دائبًا. والمعنى: ما أنتم بالصارف القطعي والمانع القويّ ولكن انضم إلى ذلك طول المدة فصار قولكم جزء السبب. وفي قوله: {أن نكفر بالله ونجعل له أندادًا} إشارة إلى أن الشرك وإن كان مثبتًا لله في الظاهر ولكنه نافٍ له على الحقيقة لأنه جعل مساويًا للصنم. ويجوز أن يكون كل منهما قول طائفة فبعضهم كانوا مأمورين بجحد الصانع وبعضهم بالإشراك به. وتفسير قوله: {واسروا الندامة لما رأوا العذاب} مذكور في سورة يونس. والضمير يعود إلى جنس الظالمين الشامل للمستضعفين وللمستكبرين. وقوله: {في أعناق الذين كفروا} أي في أعناقهم من وضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على ما استحقوا به الأغلال وهي محمولة على الظاهر وإن جاز أن يراد بها العلائق. وفي قوله: {هل تجزون} إشارة إلى أنهم استحقوها عدلًا. ثم سلى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن إيذاء الكفار الأنبياء ليس بدعًا وإنما ذلك هجيراهم قدمًا. وإنما خص المترفين بالذكر لأنهم أصل في الجحود والإنكار وغيرهم تبع، ثم استدلوا على كونهم مصيبين في ذلك بكثرة الأموال والأولاد اعتقدوا أنهم لو لم يكرموا على الله ما رزقهم، ثم قاسوا أمر الآخرة الموهومة أو المفروضة عندهم على أمر الدنيا فقالوا {وما نحن بمعذبين} فبين الله خطأهم بأن القابض الباسط هو الله {ولكن أكثر الناس لا يعملون} أن ذلك بمجرد المشيئة لا بالكسب والاستحقاق فكم من شقيّ موسر وتقي معسر. ثم زاد في البيان بقوله: {وما أموالكم} اي وما جماعة أموالكم {ولا} جماعة {أولادكم بالتي تقرّبكم عندنا زلفى} أي قربى اسم بمعنى القربة وقع موقع المصدر كقوله: {والله أنبتكم من الأرض نباتًا} [نوح: 17] ثم استثنى من ضمير المفعول في تقرّبكم بقوله: {إلا من آمن} والمراد أن الأموال والأولاد لا تقرّب أحدًا إلا المؤمن الصالح ينفق الأموال في سبيل الله ويعلم أولاده الخير والفقه في الدين. ويحتمل أن يكون الاستثناء من الفاعل والمعنى أن شيئًا من الأشياء لا يقرّب إلا عمل المؤمن الصالح لأن ما سوى ذلك شاغل عن الله، والعمل الصالح إقبال على العبودية. ومن توجه إلى الله وصل ومن طلب شيئًا من الله حصل. وجزاء الضعف من إضافة المصدر إلى المفعول تقديره: فأولئك لهم أن يجاوزوا الضعف. ومعنى قراءة يعقوب: أولئك لهم الضعف جزاء. والتضعيف يكون إلى العشر وإلى سبعمائة وأكثر كما عرفت. والباقي إلى قوله: {محضرون} قد سبق. وحين بين أن حصول الترف لا يدل على الشرف ذكر أن بسط الرزق لا يختص بهم ولكنه سبحانه قد يبسط الرزق لمن يشاء من عباده المؤمنين.ثم رتب وعد الإخلاف على الإنفاق وذلك إما في العاجل بالمال أو بالقنوع، وإما في الآخرة بالثواب الذي لا خلف فوقه ولا مثله. ومما يؤكد الآية قوله صلى الله عليه وسلم «اللهم أعط منفقًا خلفًا» الحديث. وقول الفقهاء ألق متاعك في البحر وعليّ ضمانه، وأن التاجر إذا علم أن مالًا من الأموال في معرض الفناء يبيعه نسيئة وإن كان من الفقراء وإلا نسب إلى الخطأ وسخافة الرأي، ولا ريب أن مال الدنيا في معرض الزوال وأن أغنى الأغنياء قد طلب منا الإقراض ووعد الإضعاف والإخلاف فأي تجارة عند العاقل اربح من هذا؟ {وهو خير الرازقين} لأن سلسلة الأرزاق والرزق تنتهي إليه. وعن بعضهم: الحمد لله الذي أوجدني وجعلني ممن يشتهي فكم من مشته لا يجد وواجد لا يشتهي.
|