الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القانون **
يجب أن يجتهد حافظ الصحة في أن لا يكون جوهر غذائه شيئاً من الأغذية الدوائية مثل البقول والفواكه وغير ذلك فإن الملطفة محرقة للدم والغليظة مبلغمة مثقلة للبدن بل يجب أن يكون الغذاء من مثل اللحم خصوصاً لحم الجدي والعجاجيل الصغار والحملان والحنطة المنقاة من الشوائب المأخوذة من زرع صحيح لم يصبه آفة والشيء الحلو الملائم للمزاج والشراب الطيب الريحاني ولا يلتفت إلى ما سوى ذلك إلا على سبيل التعالج والتقدم بالحفظ.وأشبه الفواكه بالغذاء التين والعنب الصحيح النضيج الحلو جداً والتمر في البلاد والأراضي المعتاد فيها ذلك. فإن استعمل هذه وحدث منها فضل بادر إلى استفراغ ذلك الفضل ويجب أن لا يأكل إلا على شهوة ولا يدافع الشهوة إذا هاجت ولم تكن كاذبة كشهوة السكارى ومن به تخمة فإن الصبر على الجوع يملأ المعدة أخلاطاً صديدية رديئة ويجب أن يؤكل في الشتاء الطعام الحار بالفعل وفي الصيف البارد أو القليل السخونة ولا يبلغ الحر والبرد إلى ما لا يطاق. واعلم أنه لا شيء أردأ من شبع في الخصب يتبعه جوع في الجدب وبالعكس.والعكس أردأ وقد رأينا خلقاً ضاق عليهم الطعام في القحط فلما اتسع الطعام امتلأوا وماتوا. على أنّ الإمتلاء الشديد في كلّ حال قتال كان من طعام أو شراب فكم من رجل امتلأ بما فراط فاختنق ومات. وإذا وقع الخطأ فتنوول شيء من الأغذية الدوائية فيجب أن يدبر في هضمه وإنضاجه وليحترز من سوء المزاج المتوقع منه باستعمال ما يضاده عقيبه حتى ينهضم فإن كان بارداً مثل القثاء والخيار والقرع عدل بما يضاده مثل الثوم والكراث وإن كان حاراً عدل بما يضاده أيضاً من مثل القثاء وبقلة الحمقاء وإن كان سددياً استعمل ما يفتح ويستفرغ ثم يجوع بعده جوعاً صالحاً فلا يتاول شيئاً هو وكل مستصح البتة ما لم تصدق الشهوة وتخلو المعدة والأمعاء العلى عن الغذاء الأول فأضر شيء بالبدن إدخال غذاء على غذاء لم ينضج وينهضم ولا شر من التخمة وخصوصاً ما كان تخمة من أغذية رديئة فإن التخمة إذا عرضت من الأغذية الغليظة أورثت وجع المفاصل والكلى والربو وضيق النفس والنقرس وجساوة الطحال والكبد والأمراض البلغمية والسوداوية وأما إذا عرضت من أغذية لطيفة فيعرض منها حميات حادة خبيثة وأورام حادة رديئة وربما احتيج إلى إدخال طعام ما أو شيء يشبه الطعام على طعام يكون كأنه دواء له مثل الذين يتناولون أغذية حريفة ومالحة فإذا اتبعوها بعد زمان يكون لم يتمم فيه الهضم بالمرطبات من الأغذية التفهة صلح بذلك كيموس ما اغتذوا به وهؤلاء يغنيهم هذا التدبير ولا حاجة بهم إلى الرياضة وبضد هذا حال من يتبع الغليظة بعد زمان بما هو سريع الهضم حريف والحركة الخفيفة على الطعام بقدره في المعدة وخصوصاً لمن أراد النوم عليه. والأعراض النفسانية القادحة والحركات البدنية الفادحة يمنعان الهضم ويجب أن لا يؤكل في الشتاء الأغذية القليلة الغذاء كالبقول بل يؤكل ما هو أغنى من الحبوب وأشد اكتنازاً وفي الصيف بالضد ثم يجب أن لا يمتلىء منه حتى لا مكان لفضلة بل يجب أن يمسك عنه وفي النفس بعض من بقية الشهوة. فإن تلك البقية من تقاضى الجوع تبطل بعد ساعة ويجب أن يحفظ مجرى العادة في ذلك فإن شر الأكل ما أثقل المعدة وشر الشراب ما جاوز الاعتدال وطقا في المعدة فإن أفرط يوماً جاع في الثاني وأطال النوم في مكان معتدل لا حر فيه ولا برد وإذا لم يساعده النوم مشى مشياً كثيراً ليناً متصلاً لا فترة فيه ولا استراحة ويشرب شراباً قليلاً صرفاً. قال روفس: أنا أحمد هذا المشي وخصوصاً بعد الغذاء فإنه يهيىء لجودة موقع العشاء. ويجب أن يكون النوم على اليمين أو زماناً يسيراً ثم ينام على اليسار ثم ينام على اليمين. واعلم أن الدثار ورفع الوساد معين على الهضم وبالجملة أن يكون وضع الأعضاء مائلاً إلى تحت ليس إلى فوق وتقدير الطعام هو بحسب العادة والقوة وأن يكون مقداره في الصحيح القوة والمقدار الذي إذا تناوله لم يثقل ولم يمدد الشراسيف ولم ينفخ ولم يقرقر ولم يطفُ ولم يعرض غثى ولا شهوة كلبية ولا سقوط ولا بلادة ذهن ولا أرق ولم يجد طعمه في الجساء بعد زمان وكل ما وجد طعمه بعد مدة أطول فهو أردأ وقد يدل على أن الطعام معتدل أن لا يعرض منه عظم نبض مع صغر نفس فإنه إنما يعرض بسبب مزاحمة المعدة للحجاب فيصغر النفس لذلك ويتواتر وتزداد بذلك حاجة القلب فيعظم النبض ويزداد ضعف القوة ومن له على طعامه حرارة وسخونة فلا يأكلن دفعة بل قليلاً قليلاً لئلا يعرض من الامتلاء عرض حالة كالنافض ثم يتبعه حرارة كحمى يومية حين يسخن الطعام ومن كان يعجز عن هضم الكفاية أكثر عمد اغتذائه وقلل مقداره والسوداوي يحتاج إلى غذاء مرطب كثيراً مسخن قليلاً والصفراوي إلى ما يرطب ويبرد ومن كان الدم الذي يتولد فيه حاراً فيحتاج إلى أغذية باردة قليلة الغذاء ومن كان ما يتولد فيه من الدم بلغمياً فيحتاج إلى أغذية قليلة الغذاء فيها سخونة وتلطيف. وللأغذية في استعمالها ترتيب يجب أن يراعيه الحافظ لصحته فليحذر أن يتناول ما هو رقيق سريع الهضم على غذاء قوي أصلب منه فينهضم قبله وهو طاف عليه ولا سبيل له إلى النفوذ قيعفن ويقسد فيفسد ما يخالطه إلا على سبيل صفة سنذكرها. وأيضاً لا يجوز أن يتناول مثل هذا الطعام المزلق وليتناول في إثره طعاماً قوياً صلباً فإنه ينزلق معه عند نفوذه إلى الامعاء ولما يستوف الحظ من الهضم مثل السمك وما يجري مجراه لا يجب أن يتناول عقيب رياضة متعبة فيفسد ويفسد الأخلاط ومن الناس من يجوز له تناول ما فيه قوة قابضة قبل تناول الطعام وهو صاحب رخاوة المعدة الذي يستعجل نزول طعامه فلا يريث ريث الانهضام ويجب أن يتأمل دائماً حال المعدة ومزاجها فمن الناس من يفسد في معدته الغذاء لللطيف السريع الهضم وينهضم فيها القوي البطيء الهضم وهذا هو الإنسان الناري المعدة. ومنهم من هو بالضد وكل يدبر على مقتضى عادته. وللبلدان خواص من الطبائع والأمزجة أمور خارجة من القياس فليحفظ ذلك وليغلب للتجريه فيه على القياس فرب غذاء مألوف فيه مضرة ما هو أوفق من الفاضل الغير المألوف ولكل سحنة ومزاج غذاء مرافق مشاكل فإن أريد تغييرها فإنما يتأتى بالضد. ومن الناس من يضره بعض الأطعمة الجيدة المحمودة فليهجره ومن استمرأ الأغذية الرديئة فلا يغتر بذلك فإنه سيتولد منه على الأيام أخلاط رديئة ممرضة قتالة. وكثيراً مايرخض لمن في بدنه أخلاط رديئة أن يتوسع في الأكل المحمود وخصوصاً إذا لم يحتمل الإسهال لضعفه. ومن كان متخلخل البدن سهل التحلل وجب أن يغتذي بالرطب السريع الانهضام على أن الأبدان المتخلخلة أشد احتمالاً للأطعمة الغليظة والمختلفة وأبعد من أن يضرها الأسباب الخارجة. ومن كان متكثراً من اللحوم مترفهاً فليتعهد الفصد فإن كان يميل إلى برد من المزاج فعليه بالجوارشنات والإطريفلات وما من شأنه أن ينقي المعدة والأمعاء والجداول القريبة منها وشر الأشياء جمع أغذية مختلفة معاً وبعد تطويل الأكل مدة الأكل فيلحق الغذاء الآخر وقد أخذ الأول في الانهضام فلا تتشابه أجزاء الغذاء في الانهضام ويجب أن تعلم أن أوفق الغذاء ألذه لشدة اشتمال المعدة والقوة القابضة عليه إذا كان صالح الجوهر وكانت الأعضاء الرئيسية كلها متصادقة سالمة فهذا هو الشرط فإن لم تصح الأمزجة أو تخالفت الأعضاء في أمزجتها وكانت الكبد مخالفة للمعدة مخالفة فوق الطبيعي لم يلتفت إلى ذلك. ومن مضار الطعام اللذيذ جداً أنه يمكن الاستكثار منه وإن أوفق المرات للأكل المشبع أن يأكل يوماً وجبة ويوماً مرتين بكرة وعشية. ويجب أن تراعى العادة في ذلك مراعاة شديدة فإن من اعتاد مرتين وجب ضعف ووهنت قوته بل يجب إن كان به ضعف هضم أن يتناول مرتين ويقلل الأكل كل مرة ومن اعتاد الوجبة فثنى عرض له ضعف وكسل واسترخاء. فإن وقف الغذاء عليه ضعف في مبيته وإن تعشى لم يستمر وعرض جشاء حامض وخبث نفس وغثيان ومرارة فم ولين بطن لإيراده على المعدة ما لم تألفه وعرض ما يعرض لمن لم يجد هضم غذائه مما ستعرفه من العوارض. ومما يعرض له جبن وجزع ووجع في فم المعدة ولذع ويظن أن أمعاءه واْحشاءه معلقة لخلو المعدة وانقباضها إلى نفسها وتقلصها ويبول بولاً محرقاً ويبرز إبرازاً محترقاً وربما عرض له برد الأطراف بانصباب المرارة إلى المعدة. وهذا في مراري الأمزجة أكثر وكذلك في مراري المعدة دون البدن ويفسد نومه ويكون متململاً. والأبدان التي تجتمع في معدها مرار كثيرة تحتاج إلى تناول مفرق وإلى سرعة تَغذٍ وإلى تمًديمه قبل الاستحمام. وأما غيرهم فيجب أن يرتاضوا ويستحموا ثم يأكلوا ولا يقدموا الأكل على الاستحمام. ومن احتاج إلى أكل مقدم على الرياضة فليأكل من الخبز وحده قدراً يأخذ منه الهضم قبل شروعه في حركته. وكما أن الحركة قبل الطعام يجب أن لا تكون ضعيفة كذلك الحركة بعده يجب أن لا تكون إلا رقيقة لينة. ولامصلح للشهوة الفاسدة المائلة إلى الحريفة العائفة للحلو والدسم من القيء بمثل السكنجبين والفجل على السمك. ويجب أن لا يأكل السمين من الناس كما يخرج من الحمام بل يصبر وينام نومة خفيفة والأصلح لهم الوجبة ولا ينبغي أن ينام على طعام طاف وليحترز كل التحرّز عن الحركة العنيفة على الطعام فينفذ قبل الهضم أو ينزلق بلا هضم أو يفسد مزاجه بالخضخضة ولا يشرب عليه ماء كثيراً يفرق بينه وبين المعدة ويطفئه بل يتربص بالشرب مدة نزوله عن المعدة وليستدل عليه بخفة أعالي البطن فإن أحوج العطش فليمص شيئاً يسيراً من الماء البارد مصاً. وكلما كان أبرد أقنع اليسير منه أكثر وهذا القدر يبسط المعدة ويجمعها. وبالجملة إن شرب على الطعام بعد الفراغ منه لا في خلله مقدار ما ينتفع فيه الطعام جاز. والمصابرة على العطش والنوم عليه نافع للمبرودين المرطوبين ضار للمحرورين الممرورين وكذلك الصبر على الجوع. ويعرض للممرورين من الصبر على الجوع أن تنصت المرار إلى معدهم فإذا تناولوا شيئاً فسد طعامهم فعرض لهم في النوم واليقظة ما ذكرناه مما يعرض لمن فسد طعامه. ويعرض أيضاً أن تفسد شهوة الطعام فحينئذ يجب أن يشرب ما يحذر ذلك ويلين الطبيعة مما هو خفيف غير مغير مثل الإجاص أو شيء يسير من الشيرخشت فإذا عادت الشهوة أكل. على أن مرطوبي الأبدان بالرطوبة الطبيعية مهيئون لسرعة التحلل فلا يصبرون على الجوع صبر يابسي الأبدان إلا أن يكونوا مملوئين من رطوبات غير التي هي في جوهر أعضائهم إذا كانت جيدة موافقة قابلة لأن تحيلها الطبيعة إلى الغذاء التام بالفعل. والشراب على الطعام من أضر الأشياء لأنه سريع الهضم والنفوذ فينفذ الطعام ولم ينهضم فيورث السدد والعفونة والجرب في بعض الأحايين. والحلاوات تسرع إيراث السدد لجذب الطبيعة لها قبل الهضم. والسدد توقع في أمراض كثيرة منها الإستسقاء وغلظ الهواء والماء لا سيما في الصيف مما يفسد الطعام فلا بأس أن يُشرب عليه قدح ممزوج أو ماء حار طبخ فيه عود ومصطكى. ومن كانت أحَشاؤه حارة قوية فإذا تناول طعاماً غليظاً فكثيراً ما يعرض أن يصير طعامه رياحاً ممدة للمعدة ونواحيها والعلة المراقبة من ذلك. وخالي المعدة إذا تناول لطيفاً سلمت عليه معدته فإن تناول بعده غليظاً نفرت عنه المعدة ولم تهضمه فيفسد اللهم إلا أن يجعل بينهما مهلة. والأولى في مثل هذه المحال أن يقدم الغليظ قليلاً قليلاً فإن المعدة حينئذ لا تجبن عن اللطيفط وإذا أفرط الأكل في التملي أو خضخض ما في المعدة حركة أو شوشه شرب فليبادر إلى القيء فإن فات أو تعذر القيء شرب الماء الحار قليلاً قليلاً فإنه يحدر الامتلاء ويجلب النعاس فليلق نفسه وينام كما شاء. فإن لم يغن ذلك أو لم يتيسر تأمل فإن كفت الطبيعة المؤنة بالدفع فيها فنعمت وإلا أعانها مما يطلق بالرفق. أما المحرور فبمثل الإطريفل والخلنجين المسفل مخلوطاً بشيء من الصعتر المربى. وأما المبرود فبمثل الكموني والشهربازاني والتمري المذكور في القراباذين. ولأن يمتلىء البدن من الشراب خير من أن يمتلىء من الطعام. ومما هو جيد أن يتناول الصبر على مثل هذا الطعام قدر ثلاث حمصات أو يؤخذ نصف درهم علك الأنباط ودانق بورق ومما هو خفيف حمصتان أو ثلاث من علك البطم وربما جعل معه مثله أو أقل منه البورق ومما هو محمود جداً أخذ شيء من الأفثيمون مع شراب. وإن لم يحصل شيء من ذلك نام نوماً طويلاً وهجر الغذاء يومأ واحداً فإن خف استحم وكمد ولطف الغذاء فإن لم يستمر مع هذا كله وأثقل ومدد وكسل فاعلم أنه قد امتلأت العروق من فضوله فإن الغذاء الكثيرٍ المفرط وإن عرض له أن ينهضم في المعدة فإنه قلما ينهضم في العروق بل يبقى فيها نياً يممدها وربما صدَعها ويورث كسلاً وتمطياً وتثاؤباً فليعالج بما يسهل من العروق فإن لم يحدث ذلك بل أحدث إعياءً فقط فليسكن مدة ثم ليعالج النوع العارض من الإعياء بما سنذكره. ومن أوغل في السن فلا يقبل بده من الغذاء ما كان يقبله وهو شاب فيصير غذاءه فضولاً فلا يأكلن قدر العادة بل دونه. ومعتاد تغليظ التدبير إذا لطف التدبير دخل من الهواء في المنافذ ما كان يشغله غلظ التدبير وليس يشغله الآن لطف التدبير فكما يعود إلى التغليظ يحدث فيه السدد. والأغذية الحارة تتدارك مضرتها بالسكنجبين لا سيما البزوري فإنه أنفع أنواع السكنجبين إن كان سكرياً وإن كان عسلياً فالساذج منه كاف والباردة يتبعها ماء العسل وشرابه والكموني والغليظ يتبعه حار المزاج سكنجبيناً قوي البزور ويتبعه بارد المزاج شيئاً من الفلافلي والفوذنجي. والأغذية اللطيفة أحفظ للصحة وأفل معونة للقوة والجلد والغليظة بالضد فمن احتاج إلى جلد واحتاج بسببه إلى أغذية قوية الكيموس رصد الجوع الشديد ويتناول منها غير الكثيرة لينهضم. وأصحاب الرياضات والتعب الكثير أحمل للاغذية الغليظة. ومما يعينهم على هضمها قوة نومهم واستغراقهم فيه لكنه يعرض لهم لكثرة ما يعرفون ويتحلل من أبدانهم أن تسلب أكبادهم من الغذاء ما لم ينهضم بعد فيهيئوهم لأمراض قتالة في آخر العمر أو في أوله وخصوصاً وهم يعترفون بهضمهم الذي لهم من نومهم الذي يبطل إذا عرض لهم سهر متواتر خصوصاً إذا استحموا. والفواكه الرطبة إنما توافق الغير المرتاضين الممرورين في الصيف وأن تؤكل قبل الطعام وهي مثل المشمش والتوت والبطيخ وكذلك الخوخ والإجاص وأن يدبروا بغيرها فهو أحب فإن كل ما يملأ الدم مائية يغلي في البدن غليان عصارات الفواكه في خارج وإن كا ربما نفع في الوقت فإنه يهيئه للعفونة. وكذلك كل ما ملأ الدم خلطاً نيئاً وإن كان ربما نفع كالقثاء والقشد ولذلك كان المستكثرون من هذه الأغذية معرضين للحميات وأن بردت في أوَل الأمر. واعلم أن الخلط المائي ربما عرض له أن يصير صديداً وذلك إذا لم يتحلل وبقي في العروق وهؤلاء إفذ استعملوا الرياضات قبل أن تجتمع هذه المائيات بل كما كانوا يتناولون من الفواكه يرتاضون لتحلل تلك المائيات وقل تضررهم بها. واعلم أيضاً أنه إذا كان في الدم خام أو مائي منع من أن يلتصق بالبدن فيقل وخليق بمن يأكل الفاكهة أن يمشي بعدها ثم ليأكل عليها ليزلق. والأغذية التي تولد المائية والخلط الغليظ اللزج والمراري فإنها تجلب الحميات لتعفين المائي منها للدم وتسديد اللزج والغليظ منها للمجاري والمرارية وتسخين المراري منها للبدن وحدة الدم المتولد عنها والبقول المرارية ربما أكثر نفعها في الشتاء كما أن التفهة ربما أكثر نفعها في الصيف ومن صار إلى أن ينال من الأغذية الرديئة فليقلل من المرات ولا يتواتر وليخلط بها ما يضادها فإن تأذى بالحلو شرب عليه الحامض من الخل والرمان وسكنجبين الخل والسفرجل ونحوه وتعهد الاستفراغ ومن تأذى بالحامض تناول عليه العسل والشراب العتيق وذلك قبل النضج والانهضام وكذلك فليتدارك أذى الدسم بالعفص مثل: الشاهبلوط وحب الآس والخرنوب الشامي والنبق والزعرور وبالمر مثل الراسن المر وبالمالح والحريف مثل الكواميخ والثوم والبصل وبالعكس ومن كان بدنه رديء الأخلاط مع رقة وسع عليه في الغذاء المحمود ومن كان بدنه سهل التحلل غذي بالرطب السريع الانهضام. قال جالينوس: والغذاء الرطب هو المفارق لكل كيفية كأنه نقه فليس بحلو ولا حامض ولا مر ولا حريف ولا قابض ولا مالح والمتخلخل أحمل للغذاء الغليظ من المتكاثف والاستكثار من الأغذية اليابسة يسقط الشهوة ويفسد اللون ويجفف الطبع ومن الدسم يكسل ويذمب الشهوة ومن البارد يكسل ويفتر ومن الحامض يجلب الهرم وكذلكً من الحريف ومن المالح يضر بالمعدة والمالح يضر بالعين والغذاء الدسم والموافق إذا تنوول بعده غذاء رديء أفسده والغذاء اللزج أبطأ انحداراً وكذا الخيار بقشره أسرع انحداراً من المقشر وكذلك الخبز بالنخالة أسرع انحداراً من المنخول والمتعب إذا لطف تدبيره ثم تناول غليظاً كالأرز بلبن بعد الجوع أحد الدم وأثاره واحتاج إلى قصد وإن كان قريب العهد به وكذلك الغضبان. واعلم أن الحلو من الغذاء تبتزه الطبيعة قبل النضج والانهضام فيفسد الدم وقد يعرض للأغذية من جهة تأليفها إحكام وقد قال أصحاب التجارب من أهل الهند وغيرهم أنه لا ينبغي أن يؤكل لبن مع الحموضات ولا سمك مع لبن فإنهما يورثان أمراضاً مزمنة منها الجذام. وقالوا أيضاً لا يؤكل ماش مع الجبن ولا مع لحوم الطير ولا سويق على أرز بلبن ولا يستعمل في المطعومات دهن أو دسم كان في إناء نحاس ولا يؤكل شواء شوي على جمر الخروع. والأطعمة المختلفة تضر من وجهين أحدهما لاختلافها في الهضم واختلاف المنهضم منها وغير المنهضم. والثانية أنها يمكن أن يتناول منها أكثر من الباج الواحد وقد هرب أصحاب الرياضة في الزمان القديم من ذلك إذ كانوا يقتصرون على اللحم في الغذاء وعلى الخبز في العشاء. وأفضل أوقات الأكل في الصيف الوقت الذي هو أبرد ومدافعة الجوع ربما ملأت المعدة صديدات رديئة. واعلم أن الكباب إذا انهضم كان أغذى غذاء وهو بطي الإنحدار باق في الأعور والشورباج غذاء جيد وإذا كان ببصل طرد الرياح وإن لم يكن ببصل أهاج الرياح ومن الناس من يحسب أن العنب على الرؤوس المشوية جيد وليس كما يحسب بل هو رديء جداً قكذلك النبيذ بل يجب أن يؤكل عليه مثل حب الرمان بلا ثفله. واعلم أن الطيهوج يابس يعقل والفروج رطب يطلق وخير الدجاج المشوي ما شوي في بطن جدي أو حمل فيحفظ رطوبته. واعلم أن مرق الفروج شديد التعليل للأخلاط أكثر من مرق الدجاج لكن مرق الدجاج أغذى والجدي بارداً أطيب لسكون بخاره والحمل حاراً أطيب لذوبان سهولته والذرباج للمحرورين يجب أن يكون بلا زعفران وللمبرود يجب أن يكون بزعفران والحلاوات وإن كانت بسكر كالفالوذج فإنها رديئة لتسديدها وتعطيشها. واعلم أن مضرة الخبز إذا لم ينهضم كثيرة ومضرة اللحم إذا لم ينهضم دون ذلك في المضرة وقس على ذلك نظائر ما قلناه. أصلح الماء للأمزجة المعتدلة ما كان معتدلاً في شدة البرد أو كان تبريده بالجمد من خارج لا سيما إن كان الجمد رديئاً وكذلك الحال في الجمد الجيد أيضاً فإن المتحلل منه يضر بالأعصاب وأعضاء التنفس وبجملة الأحشاء ولا يحتمله إلا الدموي جداً إن لم يضره في الحال ضره على طول الأيام والإمعان في السن. وقال أصحاب التجربة لا يجمع بين ماءي البئر والنهر ما لم ينحدر أحدهما. وأما اختيار الماء فقد دللنا عليه وكذلك إصلاح الرديء منه والمزج بالخل يصلحه. واعلم أن الشرب على الريق وعلى الرياضة والاستحمام خصوصاً مع خلاء البطن وكذلك طاعة العطش الكاذب في الليل كما يعرض للسكارى والمخمورين وعند اشتغال الطبيعة بهضم الغذاء ضار وقد سبق أن الري الكافي ضار جداً بل يجب أن كان لا بد أن يجتزي بالهواء البارد والمضمضة بالماء البارد ثم إن لم يقنع بذلك فمن كوز ضيق الرأس. على أن المخمور ربما انتفع بذلك وربما لم يضره إن شرب على الريق. ومن لم يصبر على الشرب على الريق خصوصاً بعد رياضة فليشرب قبله شراباً ممزوجاً بماء حار وليعلم المبتلي بالعطش الكاذب أن النوم ومصابرته للعطش يسكنه لأن الطبيعة حينئذ تحلل المادة المعطشة وخصوصاً إذا جمع بين الصبر والنوم وإذا أطفئت الطبيعة المنضجة بالشرب طاعة له عود العطش لإقامة الخلط المعطش ويجب خصوصاً على صاحب العطش الكاذب أن لا يعب الماء عباً بل يمص منه مصاً. وشرب البارد جداً رديء وءان كان لا بد منه فبعد طعام كاف والماء الفاتر يغثي والمسخن فوق ذلك إذا استكثر منه أوهن المعدة وإذا شرب في الأحيان غسل المعدة وأطلق الطبيعة. وأما الشراب فالأبيض الرقيق أوفق للمحرورين ولا يصدع بل ربما رطب فيخفف الصداع الكائن من التهاب المعدة ويقوم المروق بالعسل والخبز مقامه خصوصاً إذا مزج قبل الشرب بساعتين. وأما الشراب الغليظ الحلو فهو أوفق لمن يريد السمن والقوة وليكن من تسديده على حذر والعتيق الأحمر أوفق لصاحب المزاج البارد البلغمي وتناول الشراب على كل طعام من الأطعمة رديء على ما فزعنا من إعطاء علة ذلك فلا يشربن إلا بعد انهضامه وانحداره. وأما الطعام الرديء الكيموس فشرب الشراب عليه وقت تناوله وبعد انهضامه رديء لأنه ينفذ الكيموس الرديء إلى أقاصي البدن وكذلك على الفواكه وخصوصاً البطيخ والابتداء بالصغار من الأقداح أولى من الكبار ولكن إن شرب على الطعام قدحين أو ثلاثة كان غير ضار للمعتاد وكذلك عقيب الفصد للصحيح. والشراب ينفع الممرورين بإدرار المرة والمرطوبين بإنضاج الرطوية وكلما زادت عطريته وزاد طيبه وطاب طعمه فهو أوفق والشراب نعم المنفذ للغذاء قي جميع البدن وهو يقطع البلغم ويحلله ويخرج الصفراء في البول وغيره ويزلق السوداء فيخرج بسهولة ويقمع عاديتها بالمضادة ويحل كل منعقد من غير تسخين كثير غريب. وسنذكر أصنافه قي موضعه ومن كان قوي الدماغ لم يسكر بسرعة ولم يقبل دماغه الأبخرة المتراقية الرديئة ولم يصل إليه من الشراب إلا حرارته الملائْمة فيصفو ذهنه ما لا يصفو بمثله أذهان آخرى ومن كان بالخلاف كان بالخلاف ومن كان في صدره وهن يضيق في الشتاء نفسه فلا يقدر أن يستكثر من الشراب شيئاً ومن أراد أن يسكتثر من الشراب فلا يمتلئن من الطعام وليجعل في طعامه ما يدر فإن عرض امتلاء من طعام وشراب فليقف وليشرب ماء العسل ثم يقذف أيضاً ثم يغسل فمه بخل وعسل ووجهه بماء بارد. ومن تأذى من الشراب بسخونة البدن وحمى الكبد فليجعل غذاءه مثل الحصرمية ونحوها ونقله ماء الرمان وحماض الأترج ومن تأذى منه في ناحية رأسه قلّل وشرب الممزوج المروق وينقل عليه بمثل السفرجل وإن تأذّى في معدته بحرارتها فليتناول حب الآس المحمص وليمص شيئاً من أقراص الكافور وما فيه قبض وحموضة وإن كان تأذيه لبرودتها ينقل بالسعد وبالقرنفل وقشر الأترج. واعلم أن الشراب العتيق في حكم الدواء ليس في حكم الغذاء وإن الشراب الحديث ضار بالكبد ومؤد إلى القيام الكبدي لنفخه وإسهاله. واعلم أن خير الشراب هو المعتدل بين العتيق والحديث الصافي الأبيض إلى الحمرة الطيب الرائحة المعتدل الطعم لا حامض ولا حلو والشراب الجيد المعروف بالمغسول وهو أن يتخذ ثلاثة أجزاء من السعتر وجزءاً من الماء ويغلي حتى يذهب ثلثه ومن أصابه من شرب الشراب لذع مصّ بعده الرمان والماء البارد وشراب الإفسنتين من الغد واستعمل الحمام وقد تناول شيئاً يسيراً. واعلم أن الممزوج يرخّي المعدة ويرطّبها وهو يسكر أسرع لتنفيذ المائية ولكن ذلك يجلو البشرة ويصفي القوى النفسانية وليجتنب العاقل تناول الشراب على الريق أو قبل استيفاء الأعضاء من الماء في المرطوبين أو عقيب حركة مفرطة فإن هذين ضاران بالدماغ والعصب ويوقعان في التشنّج واختلاط العقل أو في مرض أو فضل حار. والسكر المتواتر رديء جداً يفسد مزاج الكبد والدماغ ويضعف العصب ويورث أمراض العصب والسكتة والموت فجأة. والشراب الكثير يستحيل صفراء رديئة في بعض المعد وخلا حاذقاً في بعض المعد وضررهما جميعاً عظيم. وقد رأى بعضهم أن السكر إذا وقع في الشهر مرة أو مرتين نفع بما يخفف من القوى النفسانية ويريح بدر البول والعرق ويحلل الفضول سيما من المعدة. وليعلم أن غالب ضرر الشراب إنما هو بالدماغ فلا يشربنه ضعيف الدماغ إلا قليلاً وممزوجاً والصواب لمن يمتلىء من الشراب أن يبادر إلى القيء فإن سهل وإلا شرب عليه ماء كثيراً وحده أو مع عسل ثم استحم بعد القيء بالأبزن وتمرخ بدهن كثير وينام. والصبيان شربهم الشراب كزيادة نار على نار في حطب ضعيف وما احتمل الشيخ فاسقه وعدل الشبان فيه. والأولى للشبان أن يشربوا الشراب العتيق ممزوجاً بماء الرمان أو ممزوجاً بالماء البارد كي يبعد عن الضرر ولا يحترق مزاجهم والبلد البارد يحتمل الشرب فيه والحار لا يحتمله ومن أراد الامتلاء من الشراب فلا يمتلىء من الطعام ولا يأكل الحلو بل يتحسى من الأسفيذاح الدسم ويتناول ثريدة دسمة ولحماً دسماً مجزعاً واعتدل ولم يتعب ويتنقل باللوز والعدس المفلحين وكامخ الكبر وإن أكل الكرنبية وزيتون الماء ونحوه نفع وأعان على الشرب وكذلك جميع ما يجفف البخار مثل بزر الكرنب النبطي والكمّون والسذاب اليابس والفوذنج والملح النفطي والنانخواه والأغذية التي فيها لزوجة وتغرية وربما غلظت البخار وذلك مثل الدسومات الحلوة اللزجة فإنها تمنع السكر وإن كانت لا تقبل الشراب الكثير بسبب أنها بطيئة النفوذ. وسرعة السكر تكون لضعف الدماغ أو لكثرة الأخلاط فيه وتكون لقوة الشراب وتكون لقلة الغذاء وسوء التدبير فيه وفيما يتصل به. والذي لضعف الرأس فعلاجه علاج النزلة المتقادمة من اللطوخات المذكورة في ذلك الباب ولا يشربن منه إلا قليلاً. شراب يبطىء بالسكر. يؤخذ من ماء الكرنب الأبيض جزء ومن ماء الرمان الحامض جزء ومن الخل نصف جزء ويغلي غليات ويشرب منه قبل الشراب أوقية وأيضاً يتخذ حب من الملح والسذاب والكمون الأسود ويجفف ويتناول حبة بعد حبة وأيضاً يؤخذ بزر الكرنب النبطي والكمُون واللوز المر المقشر والفوتنج والإفسنتين والملح النفطي والنانخواه والسذاب اليابس ويشرب منه من لا يخاف مضرة من حرارته وزن درهمين بماء بارد على الريق ومما يصحي السكران أن يسقى الماء والخل ثلاث مرات متواترة أو ماء المصل والرائب الحامض ويتشمم الكافور والصندل أو يجعل على رأسه المبردات الرادعة مثل دهن ورد بخل خمر. وأما علاج الخمار فنذكره في الجزئيات. ومن أراد أن يسكر بسرعة من غير مضرّة: نَقَعَ في الشراب الأشنة أو العود الهندي ومن احتاج إلى سكر شديد لعلاج عضو علاجاً مؤلماً جعل في شرابه ماء الشيلم أو يأخذ من الشاهترج والأفيون والبنج أجزاء سواء نصف درهم نصف درهم ومن جوزبوا والسك والعود الخام قيراطاً قيراطاً ويسقى منه في الشراب قدر الحاجة أو يطبخ البنج الأسود وقشور اليبروح في الماء حتى يحمر ويمزج به الشراب. أما الكلام في سبب النوم الطبيعي والسبات وضدهما من اليقظة والأرق وما يجب أن يفعل في جلب كل واحد منها ودفعه إذا كان مؤذياً وما يدل عليه كل واحد منها وغير ذلك فقد قيل منه شيء في موضعه وسيقال في الطب الجزئي. وأما الذي يقال في هذا الموضع فهو أن النوم المعتدل ممكن للقوة الطبيعية من أفعالها مريح للقوة النفسانية مكثر من جوهره حتى إنه ربما عاد لإرخائه مانعاً من تحلل الروح أي روح كانت ولذلك يهضم الطعم الهضوم المذكورة ويتدارك به الضعف الكائن عن أصناف التحلل ما كان من إعياء وما كان من مثل الجماع والغضب ونحو ذلك.والنوم المعتدل إذا صادف اعتدال الأخلاط في الحكم والكيف فهو مرطّب مسخن وهو أنفع ثيء للمشايخ فإنه يحفظ عليهم الرطربة ويعيدها ولذلك ذكر جالينوس أنه يتناول كل ليلة بقيلة خس مطيب فأما الخس فلينومه وأما التطييب فليتدارك به تبريده. قال: فإني الآن على النوم حريص أي أني اليوم شيخ ينفعني ترطيب النوم وهذا أنعم التدبير لمن يعصاه النوم وإن قدم عليه حماماً بعد استكمال هضم الغذاء المتناول واستكثاراً من صب الماء الحار على الرأس فإنه نعم المعين. وأما التدبير الذي هو أقوى من ذلك فنذكره في المعالجات فيجب على الأصحاء أن يراعوا أمر النوم وليكونوا منه على اعتدال وفي وقته ولا يفرطوا فيه وليتقوا ضرر السهر بأدمغتهم وبقواهم كلها وكثيراً ما يكلف الإنسان السهر ويطرد عنه النوم خوفاً من الغشي وسقوط القوة. وأفضل النوم الغرق وما كان بعد إنحدار الطعام من البطن الأعلى وسكون ما عسى يتبعه من النفخ والقراقر فإن النوم على ذلك ضار من وجوه كثيرة بل ولا يطيب ولا يتصل ولا يفارق التململ والتقلب وهو ضار وهو مع ضرره مؤذ لصاحبه فلذلك يجب أن يتمشى يسيراً إلى والنوم على الخوى رديء مسقط للقوة وعلى الامتلاء قبل الانحدار من البطن الأعلى رديء لأنه لا يكون غرقاً بل يكون مع تململ كما تشتغل فيه الطبيعة بما تشتغل به في حال النوم من الهضم عارضها استيقاظ مزعج محيّر فتتبلد معه الطبيعة فيفسد الهضم. ونوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل ويفسد اللون ويورث الطحال ويرخي العصب ويكسل ويضعف الشهوة ويورث الأورام والحميات كثيراً. ومن أسباب آفاته سرعة انقطاعه وتبلد الطبيعة عما كانت فيه. ومن فضائل نوم الليل أنه تام مستمر غرق على أن معتاد النوم بالنهار لا يجب أن يهجره دفعة بغير تدريج. وأما أفضل هيئات النوم فأن يبتدىء على اليمين ثم ينقلب على اليسار طباً وشرعاً فإذا ابتدأ على البطن أعان على الهضم معونة جيدة لما يحقن به من الحار الغريزي ويحصره فيكثر وأما الاستلقاء فهو نوم رديء يهيىء للأمراض الرديئة مثل السكتة والفالج والكابوس وذلك لأنه يميل بالفضول إلى خلف فيحتبس عن مجاريها التي هي إلى قدام مثل المنخرين والحنك والنوم على الإستلقاء من عادة الضعفى من المرضى لما يعرض لعضلاتهم من الضعف ولأعضائهم فلا يحمل جنب جنباً بل يسرع إلى الاستلقاء على الظهر إذ الظهر أقوى من الجنب ومثل هذا ما ينامون فاغرين لضعف العضل التي بها يجمعون الفكين. ولهذا بابان قد ذكرناهما في الكتب الجزئية وقد استوفينا الكلام في ذلك. مما يذكر في مثل هذا الموضع هو أمر الجماع وتعديله وتدارك ضرره ونحن نؤخر القول فيه إلى الكتب الجزئية. ومما يقال ههنا أيضاً أمر الأدوية المسهلة وتدارك ضررها. ونحن أيضاً نؤخر الكلام في بعضه إلى مقالتنا في العلاج وفي بعضه إلى كلامنا في الأدوية المسهلة إلا أنَّا نقول يجب على مستحفظ الصحة أن يتعاهد الاستفراغ السهل والإدرار والتعريق والنفث وتتعاهده النساء بالطمث مما نوضحه ونعرفه في موضعه. فنقول: الأعضاء الضعيفة والصغيرة تقوى وتعظم أما فيمن هو بعد في سن النمو والنشو فبالتغذية وأما في المسنين فبالدلك المعتدل والرياضة الدائمة التي تخصّها ثم تطلى بالزفت وحصر النفس داخله في هذا الباب خصوصاً إذا كان العضو مجاور للصدر والرئة مثال ذلك من كان قصيف الساقين فإنا نأمره بالإحصار اليسير والدلك المعتدل ونطليه بالطلاء الزفتي ثم في اليوم الثاني يحفظ الدلك بحاله ويزيد في الرياضة وفي الثالث يحفظ أيضاً الدلك بحاله ويزيد في الرياضة إلا أن يظهر دليل اتساع العروق وانصباب الموادّ فيخاف في كل عضو حدوث الورم والآفة الامتلائية التي تخصه كما يخاف ههنا الدوالي وداء الفيل وإذا ظهر شيء من هذا الجنس نقصنا ما كنا نفعله من الرياضة والدلك بل أمسكنا واضجعناه وأشلنا بذلك العضو مثلاً في ضامر الساق برجله ودلكناه عكس الدلك الأول وابتدأنا من طرفه إلى أصله. وإن أردنا ذلك بعضو مقارب لأعضاء التنفس وكان مثلاً الصدر فليقمط ما تحته بقماط وسط الشد معتدل العرض ثم نأمر أن يستعمل رياضات اليدين وحصر النفس الشديد والصياح والصوت العظيم والدلك الرقيق ثم سيأتيك في الكتب الجزئية تفصيل لهذه الجملة مستقصى فانتظره في كتاب الزينة. فنقول: أصناف الإعياء ثلاثة ويزاد عليها رابع ووجوه حدوثه وجهان فأصنافه الثلاثة القروحي والتمددي والورمي والذي يزاد هو الإعياء المسمى بالقشفي واليبسي والقضفي. فالقروحي إعياء يحسن منه في ظاهر الجلد شبيه بمسّ القروح أو في غور الجلد. وأقواه غوره وقد يحس ذلك بالمس وقد يحسّ به صاحبه عند حركته وربّما أحسّ بنخش كنخش الشوك ويكرهون الحركات حتى التمطي أو يتمطون بضعف وإذا اشتدّ وجدوا قشعريرة وإن زاد أصابهم نافض وحمُوا. وسببه كثرة فضول رقيقة حادة أو ذوبان اللحم والشحم لشدة الحركة. وبالجملة أخلاط رديئة انتشرت في العروق وكسر الدم الجيد اًفتها فلما انتفضت إلى نواحي الجلد انتفضت خالصة الأذى. وأقل ما يؤذى به هو أن يحدث هذا الجنس من الإعياء فإن تحركت قليلاً أحدثت القشعريرة إن تحركت كثيراً أحدثت النافض وربما انتفض منها الأخلاط الحادة ويبقى في العروق الخامة وربما كان الخام أيضاً في اللحم. والتمددي يحس صاحبه كأن بدنه قد رُضّ ويحسّ بحرارة وتمدد ويكره صاحبه الحركة حتى التمطي خصوصاً إن كان عن تعب ويكون من فضول محتبسة في العضل إلا أنها جيدة الجوهر لا لذع فيها أو من ريح ويفرّق بينهما حال الخفة والثقل وكثيراً ما يعرض من نوم غير تام وإذا عرض بعد نوم تام فهنالك اختلاف اًخر وهو شر الأصناف وأشده ما وتر شظايا العضل على الاستقامة. وأما الإعياء الورمي فهو أن يكون البدن أسخن من العادة وشبيهاً بالمنتفخ حجماً ولوناً وتأذياً بالمس والحركة ويحس معه بتمدد أيضاً. وأما الأعياء القضفي فهو حالة يحس بها الإنسان من بدنه كأن قد أفرط به الجفاف واليبس ويحدث من إفراط رياضة مع جودة الكيموس واستعمال استرداد خشن بعده وقد يحدث من يبس الهواء والاستقلال من الغذاء واستعمال الصوم. وأما وجه حدوث الاعياء فذلك لأن الإعياء إما أن يحدث عن رياضة وهو أسلم وطريق علاجه وجه يخصه وإما أن يحدث عن ذاته وهو مقدمة مرض وطريق علاجه وجه يخصه. وقد تتركّب هذه بعضها مع بعض بحسب تركب مرادها إما بذاتها وإما بالرياضة وإذا عرفت تدبير المركبات نقلته إلى تدبير المركبات على القانون الذي أقوله وهو أن الواجب أن يصرف فضل العناية أول شيء إلى ما هو أشد اهتماماً مع تدبير ما هو دونه أيضاً والأهم يكون أهم لأمور ثلاثة: إما لأجل القوة وإما لأجل الشرف وإما لأجل الجوهر. وإذا اجتمع في الواجب من هذه الشروط اثنان أو ثلاثة فهو أهم إلا أن يكون الواحد من الآخر أقوى من اثنين من الأول فيقاوم الاثنين من الأول. ومثال هذا أن الإعياء الورمي أقوى وأشرف لكن جوهر القروحي إن كان بعد جداً عن الاعتدال وعن المجرى الطبيعي قاوم موجب الإعياء الورمي بالشرف والقوة فقدم عليه وأن لم يكن بعد جداً قدم عليه الورمي. التمطّي والتثاؤب التمطي يكون لفضول مجتمعة في العضل ولذلك يعرض كثيراً عقيب النوم وإذا صارت تلك الأخلاط أكثر صار قشعريرة ونافضاً وإن صارت أكثر من ذلك أحدثت الحمى. والتثاؤب ضرب من التمطّي لعارض ممط يعرض في عضل الفك والقص. وعروضه للصحيح ابتداء بلا سبب وفي غير الوقت إذا أكثر فهو رديء. والجيد منه ما كان عند الهضم الآخر ويكون لدفع الفضل وقد يفعل التثاؤب والتمطي البرد والتكاثف وقلة التحلّل والانتباه عن النوم قبل استيفائه وهو دفع عاصر والشراب الممزوج مناصفة جيد للتثاؤب والتمطّي إذا لم يكن هناك سبب آخر مانع له. نقول: إن العناية بعلاج الإعياء الرياضي أمان من أمراض كثيرة منها الحميات فأما الإعياء القروحي فيجب أن ينقص مع ظهوره من الرياضة إن كانت هي سببه وإن اقترن بها كثرة اًخلاط نقصت أو تخم قريبة العهد تدورك ضررها بالجوع والاستفراغْ وتحليل حصل في ناحية الجلد بالدلك الكثير الليّن بدهن لا قبض فيه إلى اليوم الثالث ثم تستعمل رياضة الاسترداد ويغذى في اليوم الأول بما جرت به عادته في الكيفية إلا أنه ينقص من كميته وفي الثاني يغذى بالمرطبات فإن كانت العروق نقية والخام في شحم المعي فالدلك قد ينضجه وخصوصاً إذا أنفذت إليه قوة أدوية مسخنة. ودهن الغرب نافع جداً من ذلك وأدهان الشبث والبابونج ونحو ذلك وطبيخ أصل السلق في الدهن في إناء مضاعف ودهن أصل الخطمي ودهن أصل قثاء الحمار والفاشرا ودهن الأشنة جيدة وكل ما يقع من الأدهان فيه الأشنة. وأما الإعياء التمددي فالغرض في معالجته إرخاء ما صلب بالدلك اللين والدهن المسخن في الشمس والإستحمام بالماء الفاتر واللبث فيه طويلاً حتى إنه إن عاود الأبزن في اليوم مرتين أو ثلاثة جاز ويتدهن بعد كل استحمام وان احتيج بسبب وجوب نشف العرق وانتشاف الدهن معه إلى أن يعاد مسح الدهن عليه فعل ويغذّى بغذاء رطب قليل المقدار فإنه إلى تقليل الغذاء أحوج من القروحي. وهذا الإعياء تحلله الرياضة وتفش الإعياء وإن كان عارضاً بذاته لفضول غليظة لم يكن بد من استفراغ وإن كانت ريح ممدّدة حلله مثل الكمون والكرويا والأنيسون. وأتا الإعياء الورمي فالغرض في تدبيره أمور ثلاثة إرخاء ما تمدد وتبريد ما سخن واستفراغ الفضل. ويتم ذلك بالدهن الكثير الفاتر والدلك اللين جداً وطول اللبث في الماء المائل إلى السخونة قليلاً والراحة. وأما القشفي فلا يغير فيه من تدبير الأصحاء شيء إلا أن الماء الذي يستحمّ فيه يجب أن يزاد سخونة فإن الماء الحار جداً فيه تكثيف للجلد مع أنه لا مضرة فيه مثل مضرة البارد من المياه فإنه وإن كثف ففيه مخاطرة لنفوذ برده في بدن قد نحف وربما كان سبب نحافته تخلخل جلده بل هذا هو الأكثر وفي اليوم الثاني تستعمل رياضة استرداد على رفق ولين والحمام كحال اليوم الأول ثم يؤمر أن ينزج في الماء البارد دفعة ليكثف جلده ويقلل تحلله وتحفظ فيه الرطوبة ويلقي بدناً فيه ما يقاومه من الحرارة وقد تكيف به وهذان السببان يتعاونان على دفع غائلة برده وخصوصاً إذا انزج فيه وخرج في الحال ولم يمكث فإن المكث لا أمان معه ويغذى ضحوة النهار بغذاء مرطب يسير لكي يمكن أن يدلك عند العشية كرة أخرى. وحينئذ يؤخر العشاء ويجتهد أن يكون قد نفض الفضول عن نفسه بتدلك بدهن عذب ولا يصيبن به بطنه إلا أن يكون أحس بأعياء في عضل بطنه فحينئذ يدهنها برفق ولين. وليتوسع في غذائه وليزد فيه مع توق أن يكون غذاؤه شديد الحرارة. وكل إعياء يكون سببه الحركة فإن تركها مع ابتداء أثر الإعياء يمنع حدوثه ثم يستعمل رياضة الاسترداد لتدفع الحركة المعتدلة المواد إلى الجلد ويحلَلها الدلك فيما بين تلك الحركات في وقفاتها ويعرف حاله بالاستحمام فإن أحدث الحمام نافضاً فالأمر مجاوز الحد وخصوصاً إن أحدث حمى وحينئذ فلا يجب أن يستحم بل يستفرغ ويصلح المزاج. وإن لم يحدث الحمام أيضاً شيئاً من ذلك فهومنتفع به. وإن كان في عروق المعي أخلاط جامدة أو خامة فدبر أولاً الإعياء بما يجب ثم اشتغل بما ينضج الخامة ويلطفها ويخرجها. فإن كانت كثيرة أشير عليه حينئذ بالسكون وترك الرياضات فإن السكون أهضم وترك الفصد فإنه في الأكثر يخرج النقي ويبقي الخام ولا يسهل أيضاً قبل الانضاج فإن ذلك لا يغني ويؤذي ولا بأس بالإدرار ولا تعطيه مسخناً فينشر الخام في البدن وليكن استعماله عليه برفق وبقدر معتدل. ويجب أن يجعل في أغذيته الفلفل والكبر والزنجبيل وخل الكبر وخل الثوم وخل الاسترغان وأجرامها أيضاً والجوارشنات المعروفة بقدر. وبعد النضج وظهور الرسوب في البول ونضج الأغلب فاستعمل الشراب ليتم النضج وأدر وليكن شرابه اللطيف الرقيق ولا يستعمل القيء. من الأحوال وهي التكاثف والتخلخل والترطيب المفرط فنتكلم أولاً في هذه الأحوال ثم ننتقل إلى تدبير الإعياء الكائن من تلقاء نفسه. فمن ذلك تخلخل يعرض للبدن وكثيراً ما يعرض للبدن من الدلك اليسير ومن الحمام. ويعالج بالدلك اليابس اليسير المائل إلى الصلابة مع دهن قابض ومن ذلك تكاثف يعرض عن برد أو شيء قابض أو كثرة فضول أو غلظها أو لزوجتها يؤدي ذلك إلى احتباسها في مسام الجلد أو يكون التكاثف بسبب رياضة جذبته من الغور من غير أن يكون عن أسباب سابقة. أو يكون السبب في ذلك المقام في موضع غباري أو دلكاً قوياً صلباً. أما كان من برد وقبض فعلامته بياض اللون وإبطاء التسخن والتعرق وعود اللون إلى الحمرة عند الرياضة فهؤلاء يجب أن يستحموا بحمامات حارة ويتمرغوا على طوابقها المعتدلة الحرارة وعلى فراشها حتى يعرقوا ويتدهنوا بأدهان لطيفة حارة محللة. وأما الواقعون في ذلك من رياضة فعلامتهم عدم تلك العلامات وتوسّخ الجلد. وعلاجه النفض إن كان هناك فضل واستعمال ما يحلل من حمام وتمريخ. وأما الواقعون في ذلك من كبار أو قوة ذلك فهم إلى الإستحمام أحوج منهم إلى التمريخ بالأدهان وليتدكلوا تدليكاً ليناً قبل الحمام وبعده. وقد يعرض عقيب الإفراط في الرياضة مع قلة الدلك ضعف مع التخلخل وقد يعرض من الجماع المفرط أيضاً ومن الحمام المتواتر فينبغي أن يعالجوا برياضة الاسترداد وبدلك يابس إلى الصلابة مع دهن قابض ويتناولوا أغذية مرطبة قليلة الكمية معتدلة في الحر والبرد أو إلى الحر ما هي قليلاً. وكذلك يصنعون إن عرض ضعف أو سهر أو غم أو عرض يبس من الغضب فإن عرض لهؤلاء سوء استمراء لم يوافقهم رياضة الاسترداد ولا شيء من الرياضات البتة. وقد يعرض من فرط الاستحمام والاستكثار من الغذاء والشراب والترفه أن يحس الإنسان في أعضائه بفضل رطوبة وخصوصاً في لسانه حتى إنها تضر بأفعال الأعضاء فإن كان من سبب سابق فذلك إلى الطب الجزئي وإن كان من أمر مما عددناه قريباً كشرب أو فرط دعة أو شدة استرطاب من الحمام فيجب أن يجشموا رياضة قوية ودلكاً خشناً يابساً بلا دهن أومع شيء قليل من الدهن السخن. وأما اليبس المفرط الذي يحسه صاحبه ببدنه فهو من جنس الإعياء القشفي وعلاجه ذلك العلاج بعينه. أما القروحي فيجب أن يتعرف حاله: أنه هل هو في الخلط الموجب له داخل العروق أو خارجها ويدلّ على كونه في العروق نتن البول وأحوال الأغذية السالفة وعادته في كثرة تولد الفضول في عروقه أو قلّتها وسرعة انتفائها عنه أو إحواجها إياه إلى علاج وحال مشروبه أنه هل كان صافياً أو كدراً فإن دلّت هذه الدلائل فهو في العروق وإلا فهو بارز. فإن كان الإعياء من فضول خارجة وكان داخل العروق نقياً كفى فيه رياضة الاسترداد وما أوردناه من التدبير المقول في باب القروحي الحادث بالرياضة. وإن كان القسم الآخر فلا تتعرضن له بالرياضة بل عليك بتوديعه وتنويمه وتجويعه ومسحه كل عشية بالدهن وإحمامه بالماء المعتدل إن احتمل الحمام على الشرط الذي أوردناه وغذّه بما قلّ ممَا يجود كيموسه من جنس الأحساء مما لا يكون فيه كثرة لزوجة ولا كثرة غذاء وهذا مثل الشعير والخندروس ولحوم الطير مما لطف لحمه ومن الأشربة السكنجبين العسلي وماء العسل والشراب الأبيض الرقيق ولا تمنعه الشراب فإنه منضج مدر. ويجب أن يبدأ أولاً بما فيه حموضة يسيرة ثم يتدرّج إلى الأبيض الرقيق فإن لم يغن هذا التدبير فهنالك خلط فاستفرغ الغالب فإن كان الغالب دماً أو معه دم فصدت إلا أسهلت أو جمعت على ما ترى من أمر الدم. وإياك أن تفعل شيئاً من هذا إذا استضعفت القوة. واستدلالك على جنس الخلط هو من البول أو من العرقَ ومن حال النوم والسهر فإذا امتنع النوم مع تدبيرك الجيد فهو دليل رديء فإن توهمت أن الجيد من الدم قليل في العروق وأن الأخلاط النيئة هي الغالبة فأرحه وأطعمه واسقه ما يلطف بعد أن لا تسقيه ما فيه إسخان كثير بل اسقه ما فيه تقطيع مثل السكنجبين العسلي فإن احتجت إلى أن تزيد الملطّفات قوة جعلت في الطعام أو في ماء الشعير الذي تسقيه شيئاً منً الفلفل. وإن اضطررت إلى الكموني أو الفلفلي لفجاجة الأخلاط سقيت كما ترى قبل الطعام وبعده وعند النوم مقدار ملعقة صغيرة ولا يصلح لهم الفودنجي فإنه يجاوز الحدّ في الإسخان فإن تحققت أن الأخلاط النيئة ليست في العروق لكنها في الأعضاء الأصلية دلكتهم خاصة بالغدوات بالأدهان المرخية اللزجة وسقيتهم من المسخنات ما يبلغ إسخانه ويلزمهم السكون الطويل ثم الاستحمام بماء معتدل الحرارة وتسقيهم الفودنجي بلا خوف.ولكن يجب أن يكون قبل الطعام وقبل الرياضة فإن احتجت قبل الطعام إلى ممرىء فلا تسقه قوياً منفذاً مثل الفودنجي بل مثل الكموني والفلافلي وليكن من أيهما كان يسيراً والسفرجلي.ويجوز أن يكون ما تسقيه منها بعد أن تتأمل حتى لا يكون البدن شديد الحرارة العرضية وأنت تسقيه هذه. وينفع هؤلاء المسح بدهن البابونج والشبث والمرزنجوش وغير ذلك وحدهما أو مع الشمع أو يقوى برزيانج أو الرزيانج مع اثني عشر ضعفاً من الزيت وإذا تعرّفت أن الأخلاط في العروق وخارجاً معاً قصدت الأعظم ولم تهمل الأصغر. فإن استويا قصدت أولاً قصد الهضم بالفلافلي وإن شئت زدت عليه فطراساليون بوزن الأنيسون ليكون أشد إدراراً وإن شئت خلطت به يسيراً من الفودنجي بعد أن تنقص من شربه الكقوني أو الفلافلي أو تزيد في ذلك حتى يبقى بآخره الفودنجي الصرف عندما يكون الذي ما في العروق قد انهضم وانتفض وبقيت عليك العناية بما هو خارج العروق. والفودنجي كما علمت نافع لهذا ضار للأول. وأما هؤلاء المجتمع فيهم الأمران فينبغي أن تجنبهم كل ما يشتد جذبه إلى خارج أو إلى داخل فلذلك يجب أن لا تبادر إلى قيئهم وإسهالهم ما لم تتقدم أولاً بالتلطيف والتقطيع والإنضاج ولا تريضهم أيضاً فإذا سكن الإعياء وحسن اللون ونضج البول فادلكهم دلكاً كثيراً وريضهم رياضة يسيرة وجرب فإن عاودهم شيء من المرض فاترك وإن لم يعاودهم فاستمر بهم إلى عادتهم متدرجاً فيه إلى أن يبلغ واجبهم من الاستحمام والتمريخ والدلك والرياضة وفي آخر الأمر فزد في قوة أذهانهم فإن عاود أحداً من هؤلاء إعياء مع حس قروح فعاود تدبيرك وإن عاوده بلا حس قروح فدبره بالاسترداد وأن اختلطت الدلائل ولم يظهر إعياء قوي محسوس فأرحه. وأما الإعياء التمددي فسببه ههنا هو امتلاء بلا رداعة خلط وعلاجه في الأبدان الردية المزاج الفصد وتلطيف التدبير وفي البدن الذي نتكلم فيه نحن هو بالتلطيف والتقطيع وحده ثم يعان من بعد بما يجب. وأما الورمي فعلاجه المبادرة إلى الفصد من العرق الذي يناسب العضو الذي فيه أكثر الإعياء أو الذي يظهر فيه أول الإعياء ومن الأكحل إن كان لا تفاوت فيه بين الأعضاء وربما احتجت أن تفصده في اليوم الثاني بل في الثالث فافصد في اليوم الأول كما يظهر ولا تؤخره فيتمكن فيه وفي اليوم الثاني والثالث فافصمه عشاء ويجب أن يكون غذاؤه في اليوم الأول ماء الشعير أو حسو الخندروس ساذجاً إن لم تعرض حمى فإن عرضت فماء الشعير وحده. وفي اليوم الثاني ذلك مع دهن بارد أو معتدل كدهن اللوز. وفي اليوم الثالث مثل الخسّية والفرعية والملوكية والحماضية ومثل السمك الرضراضي أسفيدباجا. ويمنعون في هذه الأيام من شرب الماء ما أمكن ولكنهم إذا عيل صبرهم في اليوم الثالث ولم يستمرئوا طعامهم سقوا ماء العسل أو شراباً أبيض رقيقاً أو ممزوجاً. وإياك أن تغذيهم إثر هذه الاستفراغات دفعة تتمة حاجتهم فينجذب الغذاء الغير المنهضم إلى العروق لوجوه ثلاثة: أحدها أن الغذاء إذا قل بخلت المعدة به ونازعت قوتها الماسكة قوة الكبد الجافبة أما إذا أكثر لم تبخل به بل ربما أعانت جذب الكبد بقوتها الدافعة وكذلك كل وعاء متقدم بالقياس إلى ما بعده والثاني أن الكثير لا يجود هضمه في المعدة والثالث أن الكثير يرسل إلى العروق غذاء كثيراً فتعجز العروق أيضاً عن هضمه. تدبير الأبدان التي أمزجتها غير فاضلة هذه الأبدان إما مخطئة وإما ممنوة في الخلفة. فأما المخطئة فهي التي أمزجتها الجبلية فاضلة وقد اكتسبت أمزجة رديئة في الوقت بخطأ التدبير المتطاول حتى استقرت فيها. والممنوة هي التي أمزجتها في الأصل غير فاضلة أما المخطئة فيتعرف خطؤها بالكيفية والكمية لتعالج بالضد وقد يستحلّ على ذلك من حال سخنة البدن. وأما الممنوة فهي التي وقع فساد حالها من مزاجها الأول أو من سنها. وهو ستّة فصول جملة تدبيرهم في استعمال ما يرطّب ويسخن معاً من إطالة النوم واللبث في الفراش أكثر من الشبان ومن الأغذية والاستحمامات والأشربة وإدامة إدرار بولهم وإخراج البلغم من معدهم من طريق المعي والمثانة وأن يدام لين طبيعتهم وينفعهم جداً الدلك المعتدل في الكمية والكيفية مع الدهن ثم الركوب أو المشي إن كانوا يضعفون عن الركوب. والضعيف منهم يعاد عليه الدلك ويُثنى ويجب أن يتعهد التطيب من العطر كثيراً وخصوصاً الحار باعتدال وأن يمرخوا بالدهن بعد النوم فإن ذلك ينبه القوة الحيوانية ثم يستعمل المشي والركوب. يجب أن يفرق غذاء الشيخ قليلاً قليلاً ويغذى في كرتين أو ثلاث بحسب الهضم وقوته وضعفه فيأكل في الساعة الثالثة الخبز الجيّد الصنعة مع العسل وفي السابعة بعد الاستحمام ما يلين البطن مما نذكره ويتناول بعد ذلك بقرب الليل الطعام المحمود الغذاء فإن كان قوياً زيد في غذائه قليلاً وليجتنبوا كل غذاء غليظ يولد السوداء والبلغم وكل حاد حريف يجفف مثل الكواميخ والتوابل إلا على سبيل الدواء فإن فعلوا من ذلك ما ملا ينبغي لهم فتناولوا من الصنف الأول مثل المالح والباذنجاق والمقدد ولحوم الصيد أو مثل السمك الصلب اللحم والبطيخ الرقيّ والقثاء أو فعلوا الخطأ الثاني فأكلوا الكواميخ والصحناة واللبن عولجوا بتناول الضد بل إنما يجب أن يستعمل فيهم الملطفات إذا علم أن فيهم فضولاً فإذا نقوا غذوا بالمرطبات ثم يعاودون أحياناً بأشياء من الملطفات مغ الغذاء على ما سنقول فيه. وأما اللبن فينتفع به منهم من يستمرئه ولا يجد عقيبه تمدداً في ناحية الكبد أو البطن ولا حكّة ولا وجعاً فإن اللبن يغفو ويرطب. وأوفقه لبن الماعز والأتن. ولبن الأتن من خواصه أنه لا يتجبن كثيراً وينحدر سريعاً ولا سيما إن كان معه ملح وعسل. ويجب أن يتعهد المرعى حتى لا يكون نباتاً عفصاً أو حريفاً أو حامضاً أو شديد الملوحة. وأما البقول والفواكه التي تتناولها المشايخ فى مثل السلق والكرفس وقليل من الكرات يتناولها مطيبة بالمري والزيت وخصوصاً قبل طعامهم ليعين على تليين الطبيعة وإذا استعملوا الثوم في الأوقات وكانوا معتادين له انتفعوا به والزنجبيل المربّى من الأدوية الموافقة لهم وأكثر المربيات الحارة وليكن بقدر ما يسخن ويهضم لا بقدر ما يجفف البدن. ويجب أن تكون أغذيتهم مرطّبة إنما ينفعل عن هذه من طريق الهضم والتسخين ولا ينفعل إلى التجفيف ومما يستعملونه لتليين طبائعهم ويوافق أبدانهم من الفواكه التين والإجاص في الصيف والتين اليابس المطبوخ بماء العسل إن كان الوقت شتاء. وجميع هذا يجب أن يكون قبل الطعام لتليين طبائعهم وأيضاً اللبلاب المطبوخ بالماء والملح مطيباً بالماء والزيت وأصل البسفايج إذا جعل شورباجة من الدجاج أو في مرقة السلق أو في مرقة الكرنب فإن كانت طبيعتهم تستمر على لين يوماً دون يوم فعن المسهل والمزلق غنى. وإن كانت تلين يوماً وتحتبس يومين كفاهم مثل اللبلاب وماء الكرنب ولباب القرطم بكشك الشعير أو مقدار جوزة أو جوزتين من صمغ البطم. وأكثره ثلاث جوزات فإنها تلين طبائعهم بخاصية فيه ويجلو الأحشاء بغير أذى. وينفعهم اْيضاً الدواء المركّب من لباب القرطم مع عشرة أمثاله تيناً يابساً والشربة منه كالجوزة. وتنفعهم الحقنة بالدهن فإن فيها مع الاستفراخ تليين الأحشاء وخصوصاً الزيت العذب ويجتنب فيهم الحقن الحارة فإنها تجافف أمعاءهم. وأما الحقنة الرطبة الدهنية فإنها من أنفع الأشياء لهم إذا احتبست بطونهم أياماً. ولهم أدوية ملينة للطبيعة خاصة سنذكرها في القراباذين ويجب أن يكون الاستفراغ في الكهول والمشايخ بغير الفصد ما أمكن فإن الإسهال المعتدل أوفق لهم. خير شرابهم العتيق الأحمر ليدر ويسخن معاً وليجتنبوا الحديث والأبيض إلا أن يكونوا استحموا بعد التناول من الغذاء وعطشوا فيسقون حينئذ شراباً رقيقاً قليل الغذاء على أنه لهم بدل الماء وليجتنبوا الحلو المسدد من الأشربة. إن عرض لهم سدد وأسهلها ما عرض من شرب الشراب فيجب أن يفتحوا بالفودنجي والفلافلي وينثر الفلفل على الشراب وإن كانت عادتهم قد جرت باستعمال الثوم والبصل استعملوها. والترياق ينفعهم جداً وخصوصاً عند حدوث السدد. وكذلك أتاناسيا وأمروسيا ولكن يجب أن يترطبوا بعده بالاستحمام وبا لتمريخ وبا لأغذية مثل ماء اللحم بالخندروس والشعير. واستعمالهم شراب العسل ينفعهم ويؤمنهم حدوث السدد ووجع المفاصل بعد أن يزاد عليه مع إحساس سدة في عضو أو إحساس استعداده لها ما يخصه كبزر الكرفس وأصله لأعضاء البول وإن كانت السدة حصوية طبخ بما هو أقوى مثل فطراساليون وأن كانت السدد في الرئة فمثل البرشاوشان والزوفا والسليخة وما يشبه ذلك. يجب أن يكون معتدلاً في الكيف والكم غير متعرض للأعضاء الضعيفة أصلاً أو المثانة وإن كان الدلك ذا مرَات فليدلكوا في المرَات بخرق خشنة أو أيد مجردة فإن ذلك ينفعهم ويمنع نوائب علل أعضائهم وينفعهم الحمام مع الدلك. تختلف رياضة المشايخ بحسب اختلاف حالات أبدانهم وبحسب ما يعتادهم من العلل وبحسب عاداتهم في الرياضة فإن كانت أبدانهم على غاية الاعتدال وافقهم الرياضات المعتدلة ثم إن كان عضو منهم ليس على أفضل حالاته جعلوا رياضته تابعة لسائر الأعضاء في الرياضة مثل أن كان رأسه يعتريه الدوار أو الصراع أو انصباب مواد إلى الرقبة وكان كثيراً ما يصعد فيه بخارات إلى الرأس والدماغ لم يوافقهم من الرياضات ما يطأطىء الرأس ويدلّيه ولكن يجب أن يمالوا إلى الارتياض بالمشي والإحضار والركوب وكل رياضة تتناول النصف الأسفل. وإن كانت الآفة إلى جهة الرجل استعملوا الرياضات الفوقانية كالمشايلة ورمي الحجارة ورفع الحجر. وإن كانت الآفة في ناحية الوسط كالطحال والكبد والمعدة والأمعاء وافقهم كلتا الرياضتين الطرفيتين إن لم يمنع مانع. وأما إن كانت الآفة في ناحية الصدر فلا يوافقهم إلا الرياضة الفوقانية ولا سبيل لهم إلى أن يدرجوا تلك الأعضاء في الرياضة ليقووها بها وهذا للمشايخ بخلاف ما في سائر الأسنان وبخلاف المشايخ المستهلكين الذي يوافقهم أكثر ما يوافق المشايخ فإن أولئك يجب أن يقووا الأعضاء الضعيفة بتدريجها في النوع من الرياضة التي توافقها وتليق بها وأما الأعضاء المريضة فربما راضوها وربما لم يرخص لهم في ذلك أعني إذا كانت حارة أو يابسة أو فيها مادة يخاف أن تميل إلى العفونة وليس بها نضج.
|