الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.خبر سجستان وكرمان. كانت سجستان قد صارت لابن سامان منذ سنة ثمان وتسعين ومائتين ثم تغلب عليها كثير بن أحمد بن صهفود من يده فكتب المقتدر إلى عامل فارس وهو بدر ابن عبد الله الحمامي أن يرسل العساكر لمحاربته ويؤمر عليهم دركا ويجعل على الخراج بها زيد بن إبراهيم فسارت العساكر وحاربوا أهل سجستان فهزموهم وأسروا زيد بن إبراهيم وكتب كثير إلى المقتدر بالبراءة من ذلك وطوية أهل سجستان وأرسل المقتدر أن يسير لقتاله بنفسه فخاف كثير وطلب المقاطعة على خمسمائة ألف دينار في كل سنة فأجيب وقررت البلاد عليه وذلك سنة أربع وثلثمائة وانتقض في هذه السنة بكرمان صاحب الخوارج بها أبو زيد خالد بن محمد المارداني وسار منها إلى شيراز يروم التغلب على فارس فسار إليه بدر الحمامي العامل وحاربه فقتله وحمل رأسه إلى بغداد..وزارة حامد بن العباس. وفي سنة ست وثلثمائة قبض المقتدر على وزيره أبي الحسن بن الفرات بسبب شكوى الجند بمطله أرزاقهم واعتذر بضيق الأموال للنفقة في حروب ابن أبي الساج ونقص الارتياع بخروج الري عن ملكه فشغب الجند وركبوا وطلب ابن الفرات من الخليفة إطلاق مائتي ألف دينار من خاصته يستعين بها فنكر ذلك عليه لأنه كان ضمن القيام بأرزاق الأحشاد وجميع النفقات المرتبة فاحتج بنقص الارتياع وبالنفقة في الحرب كما تقدم فلم يقبل ويقال سعى فيه عند المقتدر بأنه يروم إرسال الحسين بن حمدان إلى أبي الساج فيحاربه وإذا سار عنده اتفقا على المقتدر فقتل المقتدر ابن حمدان وقبض على ابن الفرات في جمادى الآخرة وكان حامد بن العباس على الأعمال بواسط وكان منافرا لابن الفرات وسعى به عنده بزيادة ارتياعه على ضمانه فخشيه حامد على نفسه وكتب إلى نصر الحاجب والي والده المقتدر سعة نفسه وكثرة أتباعه وذلك عند استيحاشه من ابن الفرات فاستقدمه من واسط وقبض على ابن الفرات وابنه المحسن وأتباعهما واستوزر حامدا فلم يوف حقوق الوزارة ولا سياستها وتحاشى عليه الدواوين فأطلق المقتدر علي ابن عيسى وأقامه على الدواوين كالنائب عن حامد فكان يزاحمه واستبد بالأمور دونه ولم يبق لحامد أمر عليه فأجابه ابن الفرات بأسفه منه وقال لشفيع اللؤلؤي: قل لأمير الؤمنين حامد إنما حمله على طلب الوزارة أني طالبته بأكثر من ألفي ألف دينار من فضل ضمانه فاستشاط حامد وزاد في السفه فأنفذ المقتدر من رد ابن الفرات إلى محبسه ثم صودر وضرب ابنه الحسن وأصحابه وأخذت منهم الأموال ثم إن حامدا لما رأى استطالة علي بن عيسى عليه وكثرت تصرفه في الوزارة دونه ضمن للمقتدر أعمال الخوارج والضياع الخاصة والمستحدثة والقرارية بسواد بغداد والكوفة وواسط والبصرة والأهواز وأصبهان واستأذنه في الانحدار إلى واسط لاستخراج ذلك فانحدر واسم الوزارة له وأقام علي بن عيسى يدبر الأمور فأظهر حامد سوء تصرف في الأموال وبسط المقتدر يده حتى خافه علي بن عيسى ثم تحرك السعر ببغداد فشغبت العامة ونهبوا الغلال لأن حامدا وغيره من القواد كانوا يخزنون الغلال وأحضر حامد لمنعهم فحضر فقاتلوه وفتقوا السجون ونهبوا دار الشرطة وأنفذ المقتدر غريب الحال في العسكر فسكن الفتنة وعاقب المتصدين للشر وأمر بفتح المخازن التي للحنطة وببيعها فرخص السعر وسكن إلى منع الناس من بيع الغلال في البيادر وخزنها فرفع الضمان عن حامد وصرف عماله عن السواد ورد ذلك لعلي بن عيسى وسكن الناس..وصول ابن المهدي وهو أبو القاسم إلى ابنه. وفي سنة سبع وثلثمائة بعث المهدي صاحب أفريقية أبا القاسم في العساكر إلى مصر فوصل إلى الإسكندرية في ربيع الآخر وملكها ثم سار إلى مصر ونزل بالجيزة واستولى على الصعيد وكتب إلى أهل مكة في طاعته فلم يجيبوا وبعث المقتدر مؤنسا والخادم إلى مصر لمدافعته فكانت بينهم حروب كثر فيها القتلى من الجانبين وكان الظهور لمؤنس ولقب يومئذ بالمظفر ووصل من أفريقية أسطول من ثمانين مركبا مددا للقائهم وعليهم سليمان الخادم ويقعوب الكتامي وأمر المقتدر بأن يسير إليهم أسطول طرسوس فسار في خمسة وعشرين مركبا وعليهم أبو اليمن ومعهم العدد والأنفاط فغلبوا أسطول أفريقية وأحرقوا أكثر مراكبه وأسر سليمان الخادم ويعقوب الكتامي في جماعة قتل أكثرهم وحبس سليمان بمصر وحمل يعقوب إلى بغداد ثم هرب وعاد إلى أفريقية وانقطع المدد عن عسكر المغاربة فوقع الغلاء عندهم وكثر الموتان في الناس والخيل فارتحلوا راجعين إلى بلادهم وسار عساكر مصر في أثرهم حتى أبعدوا..بقية خبر ابن أبي الساج. قد تقدم لنا أن مؤنسا حارب يوسف بن أبي الساج عامل أذربيجان فأسره وحمله إلى بغداد فحبس بها واستقر بعده في عمله سبك مولاه ثم إن مؤنسا شفع فيه سنة عشر فأطلقه المقتدر وخلع عليه ثم عقد له أذربيجان وعلى الري وقزوين أبهر وزنجان وعلى خمسمائة ألف دينار في كل سنة سوى أرزاق العساكر وسار يوسف إلى أذربيجان ومعه وصيف البكتمري في العساكر ومر بالموصل فنظر في أعمالها وأعمال ديار ربيعة وقد كان المقتدر تقدم إليه بذلك ثم سار إلى أذربيجان وقد مات مولاه سبك فاستولى عليها وسار سنة إحدى عشرة إلى الري وكان عليها أحمد بن علي أخو صعلوك وقد اقتطعها كما قدمنا ثم انتقض على المقتدر وهادن ما كان بن كالي من قواد الديلم القائم بدعوة أولاد الأطروش في طبرستان وجرجان فلما جاء يوسف إلى الري في ذي الحجة وأقام بها مدة ثم سار عنها إلى همذان فاتح ثلاث عشرة واستخلف بها مولاه مفلحا وأخرجه أهل الري عنهم فعاد يوسف إليهم في جمادى من سنته واستولى عليها ثانية ثم قلده المقتدر سنة أربع عشرة نواحي المشرق وأذن له في صرف أموالها في قواده وأجناده وأمره بالمسير إلى واسط ثم منها إلى هجر لمحاربة أبي طاهر القرمطي فسار يوسف إلى طاهر وكان بها مؤنس المظفر فرجع إلى بغداد وجعل له أموال الخراج بنواحي همذان وساوة وقم وقاشان وماه البصرة وماه الكوفة وما سبذان لينفقها في عسكره ويستعين بها على حرب القرامطة ولما سار من الري كتب المقتدر إلى السعيد نصر بن سامان بولاية الري وأمره بالمسير إليها وأخذها من فاتك مولى يوسف فسار إليها فاتح أربع عشرة فلما انتهى إلى جبل قارن منعه أبو نصر الطبري من العبور وبذل له ثلاثين ألف دينار فترك سبيله وسار إلى الري فملكها من يد فاتك وأقام بها شهرين وولى عليها سيمجور الدواني وعاد إلى بخارى ثم استعمل على الري محمد بن أبي صعلوك فأقام بها إلى شعبان سنة ست عشرة وأصابه مرض وكان الحسن بن القاسم الداعي وما كان ابن كالي أميري الديلم في تسلم الري إليهما فقدما وسار عنها ومات في طريقه واستولى الداعي والديلم عليها.
|