الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (74): {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74)}{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} منصوب باذكر.{فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} تقريع إثر تقريع للإشعار بأنه لا شيء أجلب لغضب الله تعالى من الإشراك كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده عز وجل، أو أن الأول لبيان فساد رأيهم كما يشير إليه قوله تعالى هناك: {حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} [القصص: 63]، وهذا لبيان أن إشراكهم لم يكن عن سند بل عن محض هوى كما يشير إليه قوله تعالى بعد: {هَاتُواْ برهانكم} [القصص: 75] أو الأول إحضار للشركاء بعدم الصلوح لقوله سبحانه بعده: {ادعوا شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ} [القصص: 64] وهذا تحسير بأنهم لم يكونوا في شيء من اتخاذهم ألا ترى قوله تعالى: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [القصص: 75]..تفسير الآية رقم (75): {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)}{وَنَزَعْنَا} عطف على {يناديهم} [القصص: 74] وصيغة الماضي للدلالة على التحقق أو حال من فاعله بإضمار قد أو بدونه والالتفات إلى نون العظمة لإبراز كمال العناية بشأن النزع وتهويله أي أخرجنا بسرعة {مِن كُلّ أمَّةٍ} من الأمم {شَهِيدًا} شاهدًا يشهد عليهم بما كانوا عليه وهو نبي تلك الأمة كما روي عن مجاهد، وقتادة، ويؤيده قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيدًا} [النساء: 41] وهذا في موقف من مواقف يوم القيامة فلا يضر كون الشهيد في موقف آخر غير الأنبياء عليهم السلام وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم أو الملائكة عليهم السلام لقوله تعالى: {وجيء بالنبيين والشهداء} [الزمر: 69] فإنه دال في الظاهر على مغايرة الشهداء للأنبياء عليهم السلام.وقيل: يجوز اتحاد الموقف والدلالة على المغايرة غير مسلمة ولو سلمت فشهادة الأنبياء عليهم السلام لا تنافي شهادة غيرهم معهم، وقوله تعالى: {مِن كُلّ أمَّةٍ} وإفراد شهيد ظاهر فيما تقدم، ومن هنا قال في البحر: قيل: أي عدولًا وخيارًا، والشهيد عليه اسم جنس {فَقُلْنَا} لكل من تلك الأمم {هَاتُواْ برهانكم} على صحة ما كنتم تدينون به.{فَعَلِمُواْ}، يومئذٍ، {أَنَّ الحق لِلَّهِ}، في الألوهية لا يشاركه سبحانه فيها أحد.{وَضَلَّ عَنْهُم} أي وغاب عنهم غيبة الشيء الضائع فضل مستعار لمعنى غاب استعارة تبعية.{مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}، في الدنيا من الباطل..تفسير الآية رقم (76): {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)}{إِنَّ قارون}، اسم أعجمي منع الصرف للعلمية والعجمة {كَانَ مِن قَوْمِ موسى}. أي من بني إسرائيل كما هو الظاهر، وحكى ابن عطية الإجماع عليه، واختلف في جهة قرابته من موسى عليه السلام فروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وابن جريج. وقتادة. وإبراهيم أنه ابن عم موسى عليه السلام فموسى بن عمران بن قاهث بقاف وهاء مفتوحة وثاء مثلثة ابن لاوى بالقصر ابن يعقوب عليه السلام وهو ابن يصهر بياء تحتية مفتوحة وصاد مهملة ساكنة وهاء مضمومة ابن قاهث إلخ.وفي مجمع البيان عن عطاء عن ابن عباس أنه ابن خالة موسى عليه السلام، وروي ذلك عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه.وحكي عن محمد بن إسحاق أنه عم موسى عليه السلام وهو ظاهر على قول من قال: إن موسى عليه السلام ابن عمران بن يصهر بن قاهث وهو ابن يصهر بن قاهث وكان يسمى المنور لحسن صورته وكان أحفظ بني إسرائيل للتوراة وأقرأهم لكنه نافق كما نافق السامري؛ وقال: إذا كانت النبوة لموسى والمذبح والقربان لهارون فمالي؟ وروي أنه لما جاوز بهم موسى عليه السلام البحر وصارت الرسالة والحبورة لهارون يقرب القربان ويكون رأسًا فيهم وكان القربان إلى موسى عليه السلام فجعله لأخيه هارون وجد قارون في نفسه فحسدهما فقال لموسى الأمر لكما ولست على شيء إلى متى أصبر قال موسى عليه السلام هذا صنع الله تعالى قال والله تعالى لا أصدقك حتى تأتي بآية فأمر رؤساء بني إسرائيل أن يجيء كل واحد بعصاه فحزمها وألقاها في القبة التي كان الوحي ينزل عليه فيها وكانوا يحرسون عصيهم بالليل فأصبحوا وإذا بعصا هارون تهتز ولها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز فقال قارون: ما هو بأعجب مما تصنع من السحر {فبغى عَلَيْهِمْ} فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره أو تكبر عليهم وعد من تكبره أنه زاد في ثيابه شبرًا أو ظلمهم وطلب ما ليس حقه قيل: وذلك حين ملكه فرعون على بني إسرائيل.وقيل: حسدهم وطلب زوال نعمهم، وذلك ما ذكر منه في حق موسى وهارون عليهما السلام، والفاء فصيحة أي ضل فبغى، وجوز أن تكون على ظاهرها لأن القرابة كثيرًا ما تدعو إلى البغي {وَءاتَيْنَاهُ مِنَ الكنوز} أي الأموال المدخرة فهو مجاز بجعل المدخر كالمدفون إن كان الكنز مخصوصًا به، وحكى في البحر أنه سميت أمواله كنوزًا لأنها لم تؤد منها الزكاة وقد أمره موسى عليه السلام بأدائها فأبى وهو من أسباب عداوته إياه، وقيل: الكنوز هنا الأموال المدفونة وكان كما روي عن عطاء قد أظفره الله تعالى بكنز عظيم من كنوز يوسف عليه السلام {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ} أي مفاتح صناديقه فهو على تقدير مضاف أو الإضافة لأدنى ملابسة وهو جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به.وقال السدي: أي خزائنه وفي معناه قول الضحاك أي ظروفه وأوعيته، وروي نحو ذلك عن ابن عباس، والحسن وقياس واحده على هذا المفتح بالفتح لأنه اسم مكان، ويؤيد ما تقدم قراءة الأعمش مفاتحيه بياء جمع مفتاح و{مَا} موصولة ثاني مفعولي آتي ومفاتحه اسم إن وقوله تعالى: {إِنَّ قارون أُوْلِى القوة} خبرها والجملة صلة ما والعائد الضمير المجرور، ومنع الكوفيون جواز كون الجملة المصدرة بأن صلة للموصول، قال النحاس: سمعت علي بن سليمان يعني الأخفش الصغير يقول ما أقبح ما يقوله الكوفيون في الصلات أنه لا يجوز أن تكون صلة الذي إن وما عملت فيه وفي القرآن ما إن مفاتحه انتهى، ولا يخفى أن المانع من ذلك إن كان عدم السماع فالرد عليهم لا يتم إلا بشاهد لا يحتمل غير ذلك و{مَا} في الآية تحتمل أن تكون نكرة موصوفة وإن كان المانع كون إن تقع في ابتداء الكلام فلا ترتبط الجملة المصدرة بها بما قبلها فالرد بالآية المذكورة عليهم تام لأن المانع المذكور كما يمنع كون الجملة صلة يمنع كونها صفة فتدبر، و{تنوء} من ناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله فالباء للتعدية كما في ذهبت به، والعصبة الجماعة الكثيرة من غير تعيين لعدد خاص على ما ذكره الراغب، ومن أهل اللغة من عين لها مقدارًا واختلفوا فيه فقيل من عشرة إلى خمسة عشر وهو مروى هنا عن مجاهد، وقيل: ما بين الخمسة عشر إلى الأربعين وروي ذلك عن الكلبي، وقيل: ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل: من عشرة إلى أربعين وروي هذا عن قتادة وقيل: أربعون، وروي ذلك عن ابن عباس. وقيل: سبعون، وروي ذلك عن أبي صالح مولى أم هانئ وقال الخفاجي: قد يقال إن أصل معناها الجماعة مطلقًا كما هو مقتضى الاشتقاق ثم أن العرف خصها بعدد واختلف فيه أو اختلف بحسب موارده، وقال أبو زيد: تنوء من نؤت بالحمل إذا نهضت به قال الشاعر:وفي الآية على هذا قلب عند أبي عبيدة ومن تبعه والأصل تنوء العصبة بها أي تنهض، وقيل: يجوز أن لا يكون هناك قلب لأن المفاتح تنهض ملابسة للعصبة إذا نهضت العصبة بها، والأولى ما قدمناه أولًا وهو منقول عن الخليل. وسيبويه. والفراء. واختاره النحاس، وروي معناه عن ابن عباس. وأبي صالح. والسدي، وقرأ بديل بن ميسرة {لينوء} بالباء التحتية، وخرج ذلك أبو حيان على تقدير مضاف مذكر يرجع إليه الضمير أي ما إن حمل مفاتحه أو مقدارها أو نحو ذلك، وقال ابن جني: ذهب بالتذكير إلى ذلك القدر والمبلغ فلاحظ معنى الواحد فحمل عليه ونحوه، قول الراجز: أي حواصل ذلك أو حواصل ما ذكرنا، وقال الزمخشري: وجهه أن يفسر المفاتح بالخزائن ويعطيها حكم ما أضيفت إليه للملابسة والاتصال كقولك ذهبت أهل اليمامة انتهى، وإنما فسر المفاتحب الخزائن دون ما يفتح به ليتم الاتصال فإن اتصال الخزائن بالمخزون فوق اتصال المفاتيح به بل لا اتصال للثاني وحينئذٍ يكتسي التذكير من المضاف إليه كما اكتسى التأنيث من عكسه كالمثال الذي ذكره، وما تقدم عن غيره أولى. قال في الكشف لأن تفسير المفاتح بالخزائن ضعيف جدًا لفوات المبالغة، وقيل: إن المفاتح بذلك المعنى غير معروف وقد سمعت أنه تفسير مأثور فإذا صح ذلك فلا يلتفت إلى ما ذكر من هذا وكلام الكشف، وذكر أبو عمرو الداني أن بديل بن ميسرة قرأ {مَا إِنَّ} على الإفراد فلا تحتاج قراءته {لينوء} بالياء إلى تأويل، وقد بولغ في كثرة مفاتيحه فروي عن خيثمة أنها كانت وقر ستين بغلًا أغر محجلًا ما يزيد منها مفتاح على أصبع لكل مفتاح كنز، وفي رواية أخرى عنه كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود كل مفتاح على خزانة على حدة فإذا ركب حملت المفاتيح على سبعين بغلًا أغر محجلًا.وفي البحر ذكروا من كثرة مفاتحه ما هو كذب أو يقارب الكذب فلم أكتبه، ومما لا مبالغة فيه ما روي عن ابن عباس من أن المفاتح الخزائن وكانت خزائنه يحملها أربعون رجلًا أقوياء وكانت أربعمائة ألف يحمل كل رجل عشرة آلاف وعليه فأمثال قارون في الناس أكثر من خزائنه، ولعل الآية تشير إلى ما أوتيه فوق ذلك، ولا أظن الأمر كما روي عن خيثمة، وأبعد أبو مسلم في تفسير الآية فقال: المراد من المفاتح العلم والإحاطة كما في قوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب} [الأنعام: 59] والمراد وآتيناه من الكنوز ما إن حفظها والاطلاع عليها ليثقل على العصبة أي هذه الكنوز لكثرتها واختلاف أصنافها تتعب حفظتها القائمين على حفظها {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ}.قال الزمخشري: هو متعلق بتنوء وضعف بأن أثقال المفاتح العصبة ليس مقيدًا بوقت قول قومه، وقال ابن عطية: ببغى، وضعف بنحو ذلك، وقال أبو البقاء: بآتينا، ويجوز أن يكون ظرفًا لمحذوف دل عليه الكلام أي بغى عليهم إذ قال، وفي كل منهما ما سبق، وقال الحوفي منصوب باذكر محذوفًا، وجوز كونه متعلقًا بما بعده من قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ} [القصص: 78] والجملة مقررة لبغيه ورجح تعلقه حذوف والتقدير أظهر التفاخر والفرح بما أوتي إذ قال له قومه {لاَ تَفْرَحْ} لا تبطر والفرح بالدنيا لذاتها مذموم لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة يوجب الترح حتمًا كما قال أبو الطيب: وقال ابن شمس الخلافة: ولذلك قال عز وجل: {وَلاَ تَفْرَحُواْ بما ءاتاكم} [الحديد: 23] والعرب تمدح بترك الفرح عند إقبال الخير قال الشاعر: وقال آخر: وعلل سبحانه النهي هاهنا بكون الفرح مانعًا من محبته عز وجل فقال تعالى: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} فهو دليل إني على كون الفرح بالدنيا مذمومًا شرعًا، وإنما قلنا: إن الفرح بها لذاتها مذموم لأن الفرح بها لكونها وسيلة إلى أمر من أمور الآخرة غير مذموم، ومحبه الله تعالى عنه كثير صفة فعل أي أنه تعالى لا يكرم الفرحين بزخارف الدنيا ولا ينعم جل شأنه عليهم ولا يقربهم عز وجل، والمراد أنه تعالى يبغضهم ويهينهم ويبعدهم عن حضرته سبحانه، وقال بعضهم: إن في نفي محبته تعالى إياهم تنبيهًا على أن عدم محبته تعالى كاف في الزجر عما نهى عنه فما بالك بالبغض والعقاب وهو حسن، وحكى عيسى بن سليمان الحجازي أنه قرئ {الفارحين}.
|