الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
صاحب الحاوي الصغير واللباب وشرح اللباب المسمى ب العجاب وله أيضا كتاب في الحساب كان أحد الأئمة الأعلام له اليد الطولى في الفقه والحساب وحسن الاختصار أجازت له عفيفة الفارفانية من أصبهان وكان من الصالحين أرباب الأحوال والكرامات حكى لي الشيخ قطب الدين محمد بن أسفهيد الأردبيلي أعاد الله علينا من بركته أنه اتفق حج الشيخ شهاب الدين السهروردي بعد ما أضر في العام الذي حج فيه عبد الغفار القزويني ولم يكن يعرفه فقال الشيخ شهاب الدين لجماعته أشم هنا رائحة رجل ووصفه فكشفوا خبره فوافوه وهو يكتب في الحاوي وقد أضاء له نورٌ في الليل يكتب عليه فقالوا له إن الشيخ يطلبك قال فلما حضر إلى الشيخ شهاب الدين قال له ما تكتب قال أصنف هذا الكتاب ووصف له الحاوي فقال له الشيخ شهاب الدين أسرع وعجل ونجز هذا الكتاب وفارقه فقيل للشيخ في هذا فقال إن أجله قد دنا فأحببت أن يفرغ من هذا الكتاب قبل أن يموت فكان كذلك مات بعد فراغه بيسير وحكى لي أيضا الشيخ قطب الدين أن عبد الغفار كان معروفا بين أهل قزوين بأنه إذا كتب في الليل تضيء له أصابعه فيكتب عليها قلت وإضاءة النور لأهل قزوين وقت التصنيف وغيره كرامةٌ ذكرناها في ترجمة الرافعي وفي ترجمة والد الرافعي وفي ترجمة هذا رحمه الله عليهم أجمعين توفي في المحرم سنة خمس وستين وستمائة من أهل واسط تفقه على أبي العلاء بن البوقي والمجير البغدادي والشيخ فخر الدين النوقاني وكان خيرا دينا أثنى عليه ابن النجار كثيرا وقال كانت له معرفةٌ تامةٌ بمذهب الشافعي أصولا وفروعا وله يدٌ باسطة في الفرائض والحساب ومعرفةٌ حسنةٌ بالأدب وكان من الورع والنزاهة والديانة والمروءة والتواضع على طريقة عرف بها واشتهرت عنه سمعت منه شيئا في الحديث وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وستمائة رحل من الشام في الصبا وسكن القاهرة وتفقه بها على الشيخ شهاب الدين الطوسي بعد أن تفقه بدمشق على قطب الدين النيسابوري وسمع من الحافظ ابن عساكر ودرس بالقطبية بالقاهرة روى عنه الحافظ عبد العظيم وقال كان فقيها حسنا من أهل الدين والعفاف طارحا للتكلف مقبلا على ما يعنيه توفي في الثاني والعشرين من شعبان سنة أربع وثلاثين وستمائة القاضي الخطيب جمال الدين أبو محمد الربعي الدمشقي ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة وسمع من ابن الصباح وابن الزبيدي وابن اللتي وطائفة سمع منه الحافظ علم الدين البرزالي والقاضي أبو مسلم الجيلي وآخرون وكان فقيها فاضلا ناب في القضاء مدة ثم ترك ذلك واقتصر على الخطابة بالجامع الأموي والإمامة مات في سلخ جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وستمائة صاحب الشرح الكبير المسمى ب العزيز وقد تورع بعضهم عن إطلاق لفظ العزيز مجردا على غير كتاب الله فقال الفتح العزيز في شرح الوجيز والشرح الصغير والمحرر وشرح مسند الشافعي والتذنيب والأمالي الشارحة على مفردات الفاتحة وهو ثلاثون مجلسا أملاها أحاديث بأسانيده عن أشياخه على سورة الفاتحة وتكلم عليها وقد وقفنا على هذه التصانيف كلها وله كتاب الإيجاز في أخطار الحجاز ذكر أنه أوراقٌ يسيرة ذكر فيها مباحث وفوائد خطرت له في سفره إلى الحج وكان الصواب أن يقول خطرات أو خواطر الحجاز ولعله قال ذلك والخطأ من الناقل وكتاب المحمود في الفقه لم يتمه ذكر لي أنه في غاية البسط وأنه وصل فيه إلى أثناء الصلاة في ثمان مجلدات قلت وقد أشار إليه الرافعي في الشرح الكبير في باب الحيض أظنه عند الكلام في المتحيرة وكفاه بالفتح العزيز شرفا فلقد علا به عنان السماء مقدارا وما اكتفى فإنه الذي لم يصنف مثله في مذهب من المذاهب ولم يشرق على الأمة كضيائه في ظلام الغياهب كان الإمام الرافعي متضلعا من علوم الشريعة تفسيرا وحديثا وأصولا مترفعا على أبناء جنسه في زمانه نقلا وبحثا وإرشادا وتحصيلا وأما الفقه فهو فيه عمدة المحققين وأستاذ المصنفين كأنما كان الفقه ميتا فأحياه وأنشره وأقام عماده بعد ما أماته الجهل فأقبره كان فيه بدرا يتوارى عنه البدر إذا دارت به دائرته والشمس إذا ضمها أوجها وجوادا لا يلحقه الجواد إذا سلك طرقا ينقل فيها أقوالا ويخرج أوجها فكأنما عناه البحتري بقوله وإذا دجت أقلامه ثم انتحت ** برقت مصابيح الدجا في كتبه باللفظ يقرب فهمه في بعده ** منا ويبعد نيله في قربه حكمٌ سحابتها خلال بيانه ** هطالةٌ وقليبها في قلبه كالروض مؤتلقا بحمرة نوره ** وبياض زهرته وخضرة عشبه وكأنها والسمع معقودٌ بها ** شخص الحبيب بدا لعين محبه وكان رحمه الله ورعا زاهدا تقيا نقيا طاهر الذيل مراقبا لله له السيرة الرضية المرضية والطريقة الزكية والكرامات الباهرة سمع الحديث من جماعة منهم أبوه وأبو حامد عبد الله بن أبي الفتوح بن عثمان العمراني والخطيب أبو نصر حامد بن محمود الماوراء النهري والحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمذاني ومحمد بن عبد الباقي بن البطي والإمام أبو سليمان أحمد بن حسنويه وغيرهم وحدث بالإجازة عن أبي زرعة المقدسي وغيره روى عنه الحافظ عبد العظيم المنذري وغيره قال ابن الصلاح أظن أني لم أر في بلاد العجم مثله قلت لا شك في ذلك وقال النووي الرافعي من الصالحين المتمكنين كانت له كراماتٌ كثيرة وقال أبو عبد الله محمد بن محمد الإسفرايني هو شيخنا إمام الدين وناصر السنة كان أوحد عصره في العلوم الدينية أوصلا وفروعا مجتهد زمانه في المذهب فريد وقته في التفسير كان له مجلسٌ بقزوين للتفسير ولتسميع الحديث ونقلت من خط الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي نقلت من خط الحافظ علم الدين أبي محمد القاسم بن محمد البرزالي نقلت من خط الشيخ الإمام تاج الدين بن الفركاح أن القاضي شمس الدين بن خلكان حدثه أن الإمام الرافعي توفي في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وستمائة وأن خوارزم شاه يعني جلال الدين غزا الكرج بتفليس في هذه السنة وقتل فيهم بنفسه حتى جمد الدم على يده فلما مر بقزوين خرج إليه الرافعي فلما دخل إليه أكرمه إكراما عظيما فقال له الرافعي سمعت أنك قاتلت الكفار حتى جمد الدم على يدك فأحب أن تخرج إلي يدك لأقبلها فقال له السلطان بل أنا أحب أن أقبل يدك فقبل السلطان يده وتحادثا ثم خرج الشيخ وركب دابته وسار قليلا فعثرت به الدابة فوقع فتأذت يده التي قبلها السلطان فقال الشيخ سبحان الله لقد قبل هذا السلطان يدي فحصل في نفسي شيءٌ من العظمة فعوقبت في الوقت بهذه العقوبة سمعت شيخنا شمس الدين محمد بن أبي بكر بن النقيب يحكى أن الرافعي فقد في بعض الليالي ما يسرجه عليه وقت التصنيف فأضاءت له شجرةٌ في بيته أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المقرئ أخبرنا عبد العظيم بن عبد القوي الحافظ حدثنا الشيخ الصالح أبو القاسم عبد الكريم بن محمد القزويني لفظا بمسجد رسول الله أخبرنا أبو زرعة إذنا ح وكتب إلي أبو طاهر بن سيف عن المنذري أخبرنا الرافعي لفظا ح وقرأت على أبي عبد الله وأبي العباس الحافظين أخبركما عبد الخالق القاضي أخبرنا ابن قدامة أخبرنا أبو زرعة أخبرنا المقومي إجازة إن لم يكن سماعا أخبرنا أبو القاسم الخطيب أخبرنا القطان أخبرنا ابن ماجه حدثنا إسماعيل بن راشد حدثنا زكريا بن عدي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر أن رسول الله قال صلاةٌ في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه قال الحافظ عبد العظيم صوابه ابن أسد
قال في قوله إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة إنما قال مائة إلا واحدا لئلا يتوهم أنه على التقريب وفيه فائدة رفع الاشتباه فقد يشتبه في الخط تسعة وتسعون بسبعة وسبعين روى بسنده إلى عبد الله المغربي من ادعى العبودية وله مرادٌ باق فهو كاذبٌ في دعواه إنما تصح العبودية لمن أفنى مراداته وقام بمراد سيده ليكون اسمه ما سمي به إذا دعي باسم أجاب عن العبودية ولا يجيب إلا من يدعوه بالعبودية ثم أنشأ يقول يا عمرو ثاري عند أسماء ** يعرفه السامع والرائي لا تدعني إلا بيا عبدها ** لأنه أشرف أسمائى ثم أنشد الرافعي لنفسه سمني بما شئت وسم جبهتي ** باسمك ثم أسم بأسمائي فسمني عبدك أفخر به ** ويستوي عرشي على الماء وأنشد لنفسه أيضا إن كنت في اليسر فاحمد من حباك به ** فليس حقا قضى لكنه الجود أو كنت في العسر فاحمده كذلك إذ ** ما فوق ذلك مصروفٌ ومردود وكيفما دارت الأيام مقبلة ** وغير مقبلة فالحمد محمود وقال اعلم أن الناس في الرضا ثلاثة أقسام قومٌ يحسون بالبلاء ويكرهونه ولكن يصبرون على حكمه ويتركون تدبيرهم ونظرهم حبا لله تعالى لأن تدبير العقل لا ينطبق على رسوم المحبة والهوى قال قائلهم لن يضبط العقل إلا ما يدبره ** ولا ترى في الهوى للعقل تدبيرا كن محسنا أو مسيئا وابق لي أبدا ** وكن لدي على الحالين مشكورا وقومٌ يضمون إلى سكون الظاهر سكون القلب بالاجتهاد والرياضة وإن أتى البلاء على أنفسهم بل يستعذبون بلاياهم كأنهم ** لا ييأسون من الدنيا إذا قتلوا ولذلك قال ذو النون المصري الرجاء سرور القلب بمرور القضاء وقالت رابعة إنما يكون العبد راضيا إذا سرته البلية كما سرته النعمة وقومٌ يتركون الاختيار ويوافقون الأقدار فلا يبقى لهم تلذذٌ ولا استعذاب ولا راحةٌ ولا عذاب قال أبو الشيص وأحسن وقف الهوي بي حيث أنت فليس لي ** متأخرٌ عنه ولا متقدم أجد الملامة في هواك لذيذة ** حبا لذكرك فليلمني اللوم أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ** إذ كان حظي منك حظي منهم وأهنتني فأهنت نفسي عامدا ** ما من يهون عليك ممن يكرم قال في الإملاء على حديث عائشة كان رسول الله يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين حمل الشافعي ذلك فيما نقله أبو عيسى الترمذي وغيره على التعبير عن السورة يذكر أولها بعد آية التسمية المشتركة كما يقال قرأت طه ويس قال ثم هذا الاستدلال يعني استدلال الخصوم على أنها ليست من القرآن بهذا الحديث لا يتضح على قول من يذهب إلى أن التسمية في أوائل السور ليست من القرآن لأن المراد من قوله يستفتح القراءة قراءة القرآن لا مطلق القراءة وحينئذ فالافتتاح بالحمد لله رب العالمين لا ينافى قراءة البسملة أولا كما لا ينافى قراءة التعوذ ودعاء الاستفتاح قال الرافعي سبيل من أشرف قلبه ونور بصيرته على الضياع أن يستغيث بالرحمن رجاء أن يتدارك أمره بالرحمة والاصطناع ويتضرع بما أنشد عبد الله بن الحسن الفقير لو شئت داويت قلبا أنت مسقمه ** وفي يديك من البلوى سلامته إن كان يجهل ما في القلب من حرق ** فدمع عيني على خدي علامته ثم روى بسنده أن سمنون كان جالسا على الشط وبيده قضيبٌ يضرب به فخذه وساقه حتى تبدد لحمه وهو يقول كان لي قلبٌ أعيش به ** ضاع مني في تقلبه رب فاردده علي فقد ** ضاق صدري في تطلبه وأغث ما دام بي رمقٌ ** يا غياث المستغيث به وروى عن مسرور الخادم قال لما احتضر هارون أمير المؤمنين أمرني أن آتيه بأكفانه فأتيته بها ثم أمرني فحفرت له قبره ثم أمر فحمل إليه وجعل يتأمله ويقول الملك لله الذي عنت الوجوه ** له وذلت عنده الأرباب متفردٌ بالملك والسلطان قد ** خسر الذين تجاذبوه وخابوا دعهم وزعم الملك يوم غرورهم ** فسيعلمون غدا من الكذاب وقال في قوله إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في كل يوم مائة مرة مم كان يتوب النبي وعلى م يحمل الغين في قلبه افترق الناس فيه فرقتين فرقة أنكرت الحديث واستعظمت أن يغان قلب رسول الله حتى يستغفر مما أصابه وعلى ذلك جرى أبو نصر السراج صاحب كتاب اللمع في التصوف فروى الحديث وقال عقيبه هذا حديثٌ منكرٌ وأنكر علماء الحديث استنكار السراج وقالوا الحديث صحيحٌ وكان من حقه أن لا يتكلم فيما لا يعلم والمصححون له تحزبوا فتحرج من تفسيره متحرجون عن شعبة سألت الأصمعي ما معنى ليغان على قلبي فقال عمن يروى ذلك قلت عن النبي قال لو كان عن غير قلب النبي فسرته لك وأما قلب النبي فلا أدري فكان شعبة يتعجب منه وعن الجنيد لولا أنه حال النبي لتكلمت فيه ولا يتكلم على حال إلا من كان مشرفا عليها وجلت حاله أن يشرف على نهايتها أحدٌ من الخلق وتمنى الصديق رضى الله عنه مع علو مرتبته أن يشرف عليها فعنه ليتني شهدت ما استغفر منه رسول الله فهذه طريقة المصححين وتكلم فيه آخرون على حسب ما انتهى إليه فهمهم ولهم منهاجان أحدهما حمل الغين على حالة جميلة ومرتبة عالية اختص بها النبي والمراد من استغفاره خضوعه وإظهار حاجته إلى ربه أو ملازمته للعبودية ومن هؤلاء من نزل الغين على السكينة والاطمئنان وعن أبي سعيد الخراز الغين شيءٌ لا يجده إلا الأنبياء وأكابر الأولياء لصفاء الأسرار وهو كالغين الرقيق الذي لا يدوم والثاني حمل الغين على عارض يطرأ غيره أكمل منه فيبادر إلى الاستغفار إعراضا وعلى هذا كثرت التنزيلات والتأويلات فقد كان سبب الغين النظر في حال الأمة واطلاعه على ما يكون منهم فكان يستغفر لهم وقيل سببه ما يحتاج إليه من التبليغ ومشاهدة الخلق فيستغفر منه ليصل إلى صفاء وقته مع الله وقيل ما كان يشغله من تمادي قريش وطغيانهم وقيل ما كان يجد في نفسه من محبة إسلام أبي طالب وقيل لم يزل رسول الله مترقيا من رتبة إلى رتبة فكلما رقي درجة والتفت إلى ما خلفها وجد منها وحشة لقصورها بالإضافة إلى التي انتهى إليها وذلك هو الغين فيستغفر الله منها وهذا ما كان يستحسنه والدي رحمه الله ويقرره انتهى كلام الرافعي ثم أنشد لغيره هذا والله ما سهري إلا لبعدهم ** ولو أقاموا لما عذبت بالسهر عهدي بهم ورداء الوصل يشملنا ** والليل أطوله كاللمح بالبصر والآن ليلي إذ ضنوا بزورتهم ** ليل الضرير فنومي غير منتظر
ذكر فيه أن الأفضل لمن يشيع الجنازة أن يكون خلفها بالاتفاق والذي أوقعه في ذلك الخطابي فإنه كذلك قال وقد ذكر الرافعي نفسه في شرحيه أنه يكون أمامها وحكى ما سبق رواية عن أحمد ومن شعر الرافعي مما ليس في الأمالي أنشدنا قاضي القضاة جلال الدين محمد ابن عبد الرحمن القزويني في كتابه عن والده عن أبي القاسم الرافعي رحمه الله أنه أنشده لنفسه تنبه فحق أن يطول بحسرة ** تلهف من يستغرق العمر نومه وقد نمت في عصر الشبيبة غافلا ** فهب نصيح الشيب قد جاء يومه
تنبيه اشتهر على لسان الطلبة أن الرافعي لا يصحح إلا ما كان عليه أكثر الأصحاب وكأنهم أخذوا ذلك من خطبة كتابه المحرر ومن كلام صاحب الحاوي الصغير واشتد نكير الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى على من ظن ذلك وبين خطأه في كتاب الطوالع المشرقة وغيره ولخصت أنا كلامه فيه في كتاب التوشيح ثم ذكرت أماكن رجح الرافعي فيها ما أعرف أن الأكثر على خلافه وها أنا أعد ما يحضرني من هذه الأماكن منها الجلوس بين السجدتين هل هو ركنٌ طويلٌ أو قصير فيه وجهان أحدهما أنه طويل قال الرافعي حكاه إمام الحرمين عن ابن سريج والجمهور والثاني أنه قصيرٌ قال الرافعي وهذا هو الذي ذكره الشيخ أبو محمد في الفروق وتابعه صاحب التهذيب وغيره وهو الأصح انتهى ولعل الرافعي ينازع الإمام في كون الجمهور على أنه طويل ومنها في صلاة الخوف إذا دمي السلاح الذي يحمله المصلي وعجز عن إلقائه أمسكه وفي القضاء حينئذ قولان قال الرافعي نقل الإمام عن الأصحاب أنه يقضي وقال النووي ظاهر كلام الأصحاب القطع به قال الرافعي والأقيس أنه لا يقضي ووافقه الشيخ الإمام ومنها ذكر أن الأكثر لا سيما المتقدمين على تجويز النظر إلى الأجنبية واقتضى كلامه تفقه بالموصل على غير واحد ثم رحل إلى أبي سعد بن أبي عصرون وتفقه عليه وقدم مصر فولى قضاء دمياط ثم ناب في القاهر عن قاضي القضاة عبد الملك الماراني ودرس بالمدرسة السيفية وبالجامع الأقمر ثم حج وجاور إلى أن مات في ربيع الأول سنة سنة عشرين وستمائة يعرف بابن بصلا اللبني نسبة إلى اللبن لأنه أقام سنين يتغذى باللبن ولا يأكل الخبز وكان رجلا صالحا عاش سبعا وسبعين سنة تفقه بنظامية بغداد وصحب أبا النجيب السهروردي وسمع من أبي الفضل الأرموي وعبد الصبور الهروي توفي سنة اثنتين وستمائة تفقه على أبي القاسم بن فضلان وأبي علي بن الربيع وكان من أهل واسط وسمع ببغداد أبا الفتح بن شاتيل وقيل كان يقرأ في رمضان تسعين ختمة وفي باقي السنة في كل يوم ختمة وقد أقبلت عليه الدنيا آخر عمره وجالس الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين وذكر ابن النجار أنه برع في المذهب والخلاف والأصول وقال سألته عن مولده فقال في آخر سنة ستين أو أول سنة إحدى وستين وخمسمائة قال وتوفي في شعبان سنة تسع وعشرين وستمائة تفقه على أبي النجيب السهروردي وتأدب على أبي محمد الجواليقي توفي في شهر رمضان سنة خمس عشرة وستمائة إمام مشهد على داخل جامع بني أمية ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة بضم الجيم بعدها نون مفتوحة ثم آخر الحروف ساكنة ثم سين مهملة تصغير جنس من أهل ميافارقين ولد بها بعد الأربعين وخمسمائة وتفقه بتبريز على ابن أبي عمرو الفقيه وسمع بها من محمد بن أسعد العطاري وقدم بغداد فسمع من أبي زرعة المقدسي وصحب أبا النجيب وعلق الخلاف عن يوسف الدمشقي واستوطن بغداد وتولى إعادة النظامية وناب في الحكم ثم عزل نفسه ودرس بمدرسة أم الناصر لدين الله قال ابن النجار كان أحفظ أهل زمانه لمذهب الشافعي سديد الفتاوى غزير الفضل توفي يوم عرفة سنة اثنتين وستمائة الفقيه أبو القاسم بن الحافظ أبي محمد بن الحافظ الكبير ولد في ربيع الاخر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وسمع من بركات بن إبراهيم الخشوعي وأبي المواهب ابن صصرى وزيد بن الحسن الكندي وعبد الملك بن زيد بن ياسين الدولعي وأبيه الحافظ أبي محمد القاسم وإسماعيل الجنزوي والمؤيد الطوسي وأبي روح رحل إليهما وعني بالحديث أتم عناية خرج لنفسه أربعين حديثا وحدث بها سنة ستمائة فسمع منه جماعةٌ من شيوخه قال شيخنا الذهبي وهو آخر من رحل إلى خراسان من المحدثين وقد خرج للكندي ولابن الحرستاني وجماعة وكان ذكيا فاضلا حافظا نبيلا مجتهدا في الطلب تفقه على خاله الإمام الكبير فخر الدين أبي منصور عبد الرحمن أدركه أجله ببغداد بعد عوده من خراسان من أثر جراحات به من الحرامية في ثالث عشر جمادي الأولى سنة ست عشرة وستمائة شيخ القراء بدمشق ولد سنة ثمان أو تسع وخمسين وخمسمائة وسمع من السلفي وأبي الطاهر بن عوف وأبي الجيوش عساكر بن علي وأبي القاسم البوصيري وإسماعيل بن ياسين وابن طبرزد والكندي وحنبل وغيرهم روى عنه الشيخ زين الدين الفارقي وخلقٌ وكان قد لازم الشاطبي وأخذ عنه القراءات وغيرها وكان فقيها يفتي الناس وإماما في النحو والقراءات والتفسير قصده الخلق من البلاد لأخذ القراءات عنه وله المصنفات الكثيرة والشعر الكثير وكان من أذكياء بني آدم ذكره العماد الكاتب في كتاب السيل على الذيل وذكر أنه مدح السلطان صلاح الدين بقصيدة منها بين الفؤادين من صب ومحبوب ** يظل ذو الشوق في شد وتقريب وهي طويلة أورد العماد منها قطعة ومن الغريب أن هذا السخاوي مدح الشيخ رشيد الدين الفارقي بقصيدة مطلعها فاق الرشيد فأمت بحره الأمم ** وصد عن جعفر وردا له أمم وبين وفاة الممدوحين أكثر من مائة سنة ولا أعلم لذلك نظيرا توفي السخاوي في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة الحافظ المؤرخ صاحب الكامل في التاريخ لقبه عز الدين وهو أخو الأخوين المحدث اللغوي مجد الدين صاحب النهاية وجامع الأصول والوزير الأديب ضياء الدين صاحب المثل السائر ولد بالجزيرة العمرية سنة خمس وخمسين وخمسمائة ونشأ بها ثم تحول بهم والدهم إلى الموصل سمع بها من خطيب الموصل أبي الفضل ومن أبي الفرج يحيى الثقفي ومسلم بن علي السيحي وغيرهم وببغداد من عبد المنعم بن كليب ويعيش بن صدقة الفقيه وعبد الوهاب بن سكينة وأقبل في أواخر عمره على لحديث وسمع العالي والنازل حتى سمع لما قدم دمشق من أبي القاسم بن صصرى وزين الأمناء روى عنه ابن الدبيثي والشهاب القوصي والمجد ابن أبي جرادة والشرف ابن عساكر وسنقر القضائي وهما من أشياخ شيوخنا وغيرهم ومن تصانيفه مختصر الأنساب لابن السمعاني وكتاب حافلٌ في معرفة الصحابة اسمه أسد الغابة وشرع في تاريخ الموصل قال ابن خلكان كان بيته بالموصل مجمع الفضلاء اجتمعت به بحلب فوجدته مكملا في الفضائل والتواضع وكرم الأخلاق توفي في رمضان سنة ثلاثين وستمائة مدرس القيمرية بدمشق وأبو مدرسها الصلاح قال الذهبي شيخٌ فقيهٌ إمامٌ عارفٌ بالمذهب موصوف بجودة النقل حسن الديانة قوي النفس ذو هيبة ووقار بنى الأمير ناصر الدين القيمري مدرسته بالحريميين بدمشق وفوض تدريسها إليه وإلى أولي الأهلية من ذريته وقد ناب في القضاء عن ابن خلكان وتكلم بدار العدل بحضرة الملك الظاهر عندما احتاط على الغوطة فقال الماء والكلأ والمرعى لله لا يملك وكل من بيده ملكٌ فهو له فبهت السلطان لكلامه وانفصل الأمر على هذا المعنى توفي في شوال سنة خمس وسبعين وستمائة الفقيه الورع بهاء الدين ابن الجميزي نسبة إلى الجميز بضم الجيم ثم الميم المشددة المفتوحة ثم آخر الحروف الساكنة ثم الزاي وهو شجرٌ معروفٌ بالديار المصرية ولد يوم عيد الأضحى سنة تسع وخمسين وخمسمائة بمصر وحفظ القرآن العزيز وهو ابن عشر سنين أو أقل ورحل به أبوه فسمع بدمشق من أبي القاسم ابن عساكر في سنة ثمان وستين صحيح البخاري بفوت قليل ورحل مع أبيه إلى بغداد فقرأ بها القراءات العشر على أبي الحسن علي بن عساكر البطائحي بكتابه الذي صنفه في القراءات وقرأ القراءات العشر أيضا على الإمام قاضي القضاة شرف الدين ابن أبي عصرون وسمع الحديث ببغداد من شهدة الكاتبة وعبد الحق اليوسفي وأبي شاكر يحيى السقلاطوني وغيرهم وبالإسكندرية من أبي طاهر السلفي وتفرد عنه بأشياء ومن أبي طاهر بن عوف وأبي طالب أحمد بن المسلم التنوخي وبمصر من ابن بري والشاطبي وقرأ عليه عدة ختمات ببعض الروايات قال شيخنا الذهبي ولا نعلم أحدا سمع من السلفي وابن عساكر وشهدة سواه إلا الحافظ عبد القادر بن عبد الله قلت وفي سماع عبد القادر من الحافظ ابن عساكر ما لا يخفى روى عنه خلقٌ من أهل دمشق وأهل مكة وأهل مصر منهم الزكيان المنذري والبرزالي وابن النجار والدمياطي وابن دقيق العيد وأبو الحسين اليونيني والقاضي تقي الدين سليمان وخلائق وأخذ الفقه عن ابن أبي عصرون بالشام وعن أبي إسحاق العراقي والشيخ شهاب الدين الطوسي بمصر وأكمل قراءة المهذب على ابن أبي عصرون وكان ابن أبي عصرون قد قرأه على الفارقي عن المصنف وكان الفقيه بهاء الدين خطيب الجامع بالقاهرة ومدرس الديار المصرية وشيخها ورئيس العلماء بها درس وأفتى دهرا وكان كبير القدر رفيع الجاه وافر الحرمة معظما عند الخاص والعام وخرجت له مشيخةٌ حدث بها أخبرنا بها الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتي عليه وأربعون حديثا أخبرنا بها المحدث شمس الدين محمد ابن محمد بن الحسن بن نباتة بقراءتي عليه قال أخبرنا شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد عنه قال أبو الحسن بن الجميزي ألبسني شيخي ابن أبي عصرون الطيلسان وشرفني به على الأقران وكتب لي لما ثبت عندي علم الولد الفقيه الإمام بهاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضائل وفقه الله ودينه وعدالته رأيت تمييزه من بين أبناء جنسه وتشريفه بالطيلسان والله يرزقنا القيام بحقه وكتبه عبد الله بن محمد بن أبي عصرون وكان قد قرأ على ابن أبي عصرون القراءات العشر بما تضمنه كتاب الإيجاز لأبي ياسر محمد بن علي المقرئ الحمامي قال شيخنا الذهبي وهو آخر تلامذة أبي سعد في الدنيا والعجب من القراء كيف لم يزدحموا عليه ولا تنافسوا في الأخذ عنه فإنه كان أعلى إسنادا من كل أحد في زمانه توفي في يوم الخميس رابع عشري ذي الحجة سنة تسع وأربعين وستمائة بمصر وقد كمل التسعين قال ابن القليوبي حضرت دفنه وكان مشهدا عظيما قل أن شهد مثله وكان هناك قارئٌ يعرف بابن أبي البركات حسن الصوت جيد القراءة فقرأ عند قبر الفقيه بهاء الدين بعد تسوية التراب عليه الطبيب المصري صاحب التصانيف الفائقة في الطب الموجز وشرح الكليات وغيرهما كان فقيها على مذهب الشافعي صنف شرحا على التنبيه وصنف في الطب غير ما ذكرنا كتابا سماه الشامل قيل لو تم لكان ثلاثمائة مجلدة تم منه ثمانون مجلدة وكان فيما يذكر يملي تصانيفه من ذهنه وصنف في أصول الفقه وفي المنطق وبالجملة كان مشاركا في فنون وأما الطب فلم يكن على وجه الأرض مثله قيل ولا جاء بعد ابن سينا مثله قالوا وكان في العلاج أعظم من ابن سينا وكان شيخه في الطب الشيخ مهذب الدين الدخوار توفي في حادي عشرين ذي القعدة سنة سبع وثمانين وستمائة عن نحو ثمانين سنة وخلف مالا جزيلا ووقف كتبه وأملاكه على المارستان المنصوري الأصولي المتكلم أحد أذكياء العالم ولد بعد الخمسين وخمسمائة بيسير بمدينة آمد وقرأ بها القرآن وحفظ كتابا في مذهب أحمد بن حنبل ثم قدم بغداد فقرأ بها القراءات أيضا وتفقه على أبي الفتح ابن المني الحنبلي وسمع الحديث من أبي الفتح بن شاتيل ثم انتقل إلى مذهب الشافعي وصحب أبا القاسم بن فضلان وبرع عليه في الخلاف وأحكم طريقة الشريف وطريقة أسعد الميهني وتفنن في علم النظر وأحكم الأصلين والفلسفة وسائر العقليات وأكثر من ذلك ثم دخل الديار المصرية وتصدر للإقراء وأعاد بدرس الشافعي وتخرج به جماعةٌ ثم وقع التعصب عليه فخرج من القاهرة مستخفيا وقدم إلى حماة فأقام بها ثم قدم دمشق ودرس بالمدرسة العزيزية ثم أخذت منه وبدمشق توفي ويقال إنه حفظ الوسيط وحمل عنه الأذكياء العلم أصولا وكلاما وخلافا وصنف كتاب الأبكار في أصول الدين والإحكام في أصول الفقه والمنتهى ومنائح القرائح وشرح جدل الشريف وله طريقةٌ في الخلاف وتعليقةٌ حسنةٌ وتصانيفه فوق العشرين تصنيفا كلها منقحة حسنة ويحكى أن شيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام قال ما سمعت أحدا يلقي الدرس أحسن منه كأنه يخاطب وإذا غير لفظا من الوسيط كان لفظه أمس بالمعنى من لفظ صاحبه وأنه قال ما علمنا قواعد البحث إلا من سيف الدين الآمدي وأنه قال لو ورد على الإسلام متزندقٌ يشكك ما تعين لمناظرته غير الآمدي لاجتماع أهلية ذلك فيه ويحكى أن الآمدي رأى في منامه حجة الإسلام الغزالي في تابوت وكشف عن وجهه وقبله فلما انتبه أراد أن يحفظ شيئا من كلامه فحفظ المستصفى في أيام يسيرة وكان يعقد مجلسا للمناظرة أخو بهاء الدين محمد سكن إربل ودرس بها إلى أن مات في رمضان سنة تسع وستمائة بها مولده سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وسمع من أبي عبد الله بن الزبيدي وعبد العزيز بن باقا وجماعة روى عنه من شعره الحافظ الدمياطي وشيخنا أبو الحجاج المزي وآخرون وكان يدرس بالمدرسة الناصرية ثم بالظاهرية بدمشق وله مقدمتان في النحو أحد العلماء المشهورين ولد بتفليس سنة إحدى أو اثنتين وستمائة تقريبا وتفقه وبرع في المذهب والأصلين ودرس وأفتى وسمع الحديث من أبي المنجى بن اللتي وجالس أبا عمرو بن الصلاح واستفاد منه ثم ولى القضاء بدمشق نيابة فلما تملكت التتار الشام جاءه التقليد من هولاكو بقضاء الشام استقلالا والجزيرة والموصل فباشر وذب عن المسلمين وأحسن إليهم بكل ممكن وكان نافذ الكلمة عند التتار لا يخالفونه فحصل للمسلمين به خيرٌ كثير من حقن كثير من الدماء وكف أيد ظالمة عن الأموال وغير ذلك ومع ذلك لما زالت التتار كذب عليه وافتري عليه أشياء برأه الله منها وكان غاية مقالة أعدائه فيه أن سافر إلى الديار المصرية وتركهم وأفاد الناس هناك وكان ابن الزكي قد سافر إلى هولاكو وجاء بقضاء الشام وتوجه كمال الدين إلى قضاء حلب وأعمالها ثم بعد توجه التتار ألزم بالسفر إلى الديار المصرية فأقام بها إلى أن توفي ليلة رابع عشر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين وستمائة بالقاهرة قاضي القضاة إمام الدين ولد بتبريز سنة ثلاث وخمسين وستمائة وانتقل واشتغل في العجم والروم ثم قدم دمشق في الدولة الأشرفية هو وأخوه قاضي القضاة جلال الدين فدرس ببعض المدارس ثم ولي قضاء القضاة بالشام في سنة تسع وستين وستمائة وصرف القاضي بدر الدين بن جماعة فأحسن إمام الدين السيرة وساس الأمور واستمر إلى أن جاء التتار وبلغه هزيمة المسلمين فانجفل إلى القاهرة فيمن انجفل من الناس ودخلها وأقام بها جمعة وتوفي سنة تسع وتسعين وستمائة قاضي القضاة صدر الدين ابن بنت الأعز ولد سنة خمس وعشرين وستمائة وسمع من الحافظ عبد العظيم والرشيد العطار وكان فقيها عارفا بالمذهب نحويا دينا صالحا ورعا قائما في نصرة الحق وولي قضاء القضاة بالديار المصرية فمشى على طريقة والده قاضي القضاة تاج الدين في التحري والصلابة بل أربى عليها قال شيخنا أبو حيان ما سمعت بأحد من القضاة في عصره كان أكبر هيبة منه لا يمزح ولا يضحك ولا ينبسط قال وكان معظما عند والده قاضي القضاة تاج الدين يعتقد فيه الديانة ويتبرك به قال ولا يعلم أهل بيت بالديار المصرية أنجب من هذا البيت كانوا أهل علم ورياسة وسؤدد وجلالة قلت ثم عزل نفسه واقتصر على تدريس الصالحية إلى أن توفي في يوم عاشوراء سنة ثمانين وستمائة أبو الحسن القاضي ولي قضاء الموصل عدة نوب وتفقه بالقاضي فخر الدين بن سعيد بن عبد الله الشهرزوري ولد في الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ومات ليلة الأربعاء ثامن جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وستمائة الفقيه ولد الشيخ عز الدين ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة فطلب الحديث بنفسه وقصد الشيوخ وروى عن ابن اللتي وتفقه على والده وتميز في الفقه والأصول وكان يعرف تصانيف والده معرفة حسنة توفي بالقاهرة في شهر ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وستمائة ولد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة ببغداد وتفقه على أبيه ثم سافر إلى خرسان ودخل ما وراء النهر ولقى الأئمة وحصل وعاد إلى بغداد ثم خرج منها إلى الشام فوفد على الملك الناصر صلاح الدين فولاه قضاء كل بلد افتتحه من السواحل وغيرها ثم سافر إلى بغداد فأقام بها مدة ثم سافر إلى إربل وأقام بها إلى حين وفاته سمع من أبي البدر الكرخي وأبي القاسم علي بن عبد السيد بن الصباغ وأبي الفضل محمد بن عمر الأرموي وغيرهم توفي في جمادى الأولى سنة عشر وستمائة نحوي لغوي متكلم طبيب خبير بالفلسفة ولد ببغداد سنة سبع وخمسين وخمسمائة وسمع من ابن البطي وأبي زرعة المقدسي وشهدة وخلق روى عنه الزكيان المنذري والبرزالي وابن النجار وغيرهم وله تصانيف كثيرةٌ في اللغة والطب والتاريخ وغير ذلك وكانت إقامته بحلب وسافر منها ليحج على درب العراق فدخل حران وحدث بها ودخل بغداد مريضا فتعوق عن الحج ومات بها في ثانى عشرالمحرم سنة تسع وعشرين وستمائة تفقه على أبي القاسم عبد الرحمن بن سلامة قال شيخنا الذهبي كان طلق العبارة جيد القريحة من أعيان الشافعية خطب بقلعة الجبل وناب في الحكم بأعمال مصر وتقلب في الخدم الديوانية مات سنة إحدى وعشرين وستمائة ولد في رجب سنة ست وخمسين وخمسمائة وتقفه بهمذان على أبي القاسم بن حيدر القزويني وعلق التعليقة عن فخر الدين النوقاني وسمع بأصبهان من أبي موسى المديني وغيره وببغداد من أبي الفتح ابن شاتيل وغيره وبهمذان ودمشق ومصر ومكة وغيرها من البلاد وكان كثير الأسفار والحج ذا صلاة وتهجد وصيام وعبادة عارفا بكلام المشايخ وأحوال القوم حج وجاور وتوفي في صفر سنة أربع وعشرين وستمائة القاضي جلال الدين أبو محمد المصري ثم الشامي ولد سنة تسع عشرة وستمائة بالقاهرة وقدم الشام قال شيخنا الذهبي وروى لنا مجلس معمر عن ابن المقير وولى قضاء السلط وعجلون والقدس وخطابة صفد وناب في الحكم بدمشق ثم عاد إلى القدس إلى أن توفي بها وله تعليقة على التنبيه توفي في حادي وعشرين ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وستمائة قال أبو شامة كان عالما خيرا متميزا في علوم عدة ولى القضاء بصرخد ودرس ببعلبك قلت وهو جد الشيخ كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد الزملكاني وكانت له معرفة تامةٌ بالمعاني والبيان وله فيه مصنف وله شعرٌ حسن توفي بدمشق سنة إحدى وخمسين وستمائة المعروف والده بالمجير البغدادي قرأ المذهب والأصول على والده وقرأ الخلاف والجدل وزاحم بالركب في مصاف الفقهاء وناظر وتولى الإعادة بالمدرسة النظامية حين كان والده مدرسا بها ودرس ببعض مدارس بغداد وتوفي فجأة في أول يوم من رجب سنة ثمان عشرة وستمائة قاضي مصر أبو محمد كان فقيها أصوليا نحويا متدينا متعبدا ولي قضاء الديار المصرية ثم عزل عن القاهرة والوجه البحري واستمر على قضاء مصر والوجه القبلي إلى أن توفي ودرس بالزاوية المجدية بالجامع العتيق بمصر وتناظر هو والضياء بن عبد الرحيم مرة فصار يعلو كلامه عليه وكان يتأكل في كلامه ويدل بفضله وحكي أن بعض الطلبة جلس بين يديه وقال له انظر في أمري لي أربع سنين في هذا الموضع وحفظت أربعة كتب وجامكيتي أربعة دراهم وكسر الهاء في الجميع فقال له يا فقيه من بنى أربعتك على الكسر وحضر عنده الشيخ شهاب الدين القرافي مرة وقت التدريس وهو يتكلم في الأصول فشرع القرافي يناظره والوجيه يعلو بكلامه عليه فقام طالب يتكلم بينهما فأسكته الوجيه وقال له فروجٌ يصيح بين الديكة توفي في جمادى الآخرة سنة خمس وثمانين وستمائة ولد في مستهل رجب سنة أربع وستمائة وسمع من جعفر الهمذاني وقرأ سنن أبي داود على الحافظ زكي الدين وحدث وكان رجلا فاضلا ذكي الفطرة حاد القريحة صحيح الذهن رئيسا عفيفا نزها جميل الطريقةحسن السيرة مقدما عند الملوك ذا رأي سديد وذهن ثاقب وعلم جم ولي قضاء القضاة بالديار المصرية والوزارة والنظر وتدريس قبة الشافعي رضي الله عنه والصالحية والخطابة والمشيخة واجتمع له من المناصب ما لم يجتمع لغيره وكان يقال إنه آخر قضاة العدل واتفق الناس على عدله وخيره وكان الشيخ علاء الدين الباجي يصفه بصحة الذهن وعن شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد أنه قال لو تفرع ابن بنت الأعز للعلم فاق ابن عبد السلام وعن بعض الكبار في عصره أنه قال قاضيان حجة الله على القضاة ابن الأعز وابن البارزي قاضي حماة يعني جد قاضي القضاة شرف الدين هبة الله وفي أيامه جدد الملك الظاهر القضاة الثلاثة في القاهرة ثم في دمشق وكان سبب ذلك أنه سأل القاضي تاج الدين في أمر فامتنع من الدخول فيه فقيل له مر نائبك الحنفي وكان القاضي وهو الشافعي يستنيب من شاء من المذاهب الثلاثة فامتنع من ذلك أيضا فجرى ما جرى وكان الأمر متمحضا للشافعية فلا يعرف أن غيرهم حكم في الديار المصرية منذ وليها أبو زرعة محمد بن عثمان الدمشقي في سنة أربع وثمانين ومائتين إلى زمان الظاهر إلا أن يكون نائبٌ يستنيبه بعض قضاة الشافعية في جزئية خاصة وكذا دمشق لم يلها بعد أبي زرعة المشار إليه فإنه وليها أيضا ولم يلها بعده إلا شافعي غير التلاشاعوني التركي الذي وليها يويمات وأراد أن يجدد في جامع بني أمية إماما حنفيا فأغلق أهل دمشق الجامع وعزل القاضي واستمر جامع بني أمية في يد الشافعية كما كان في زمن الشافعي رضي الله عنه ولم يكن يلي قضاء الشام والخطابة والإمامة بجامع بني أمية إلا من يكون على مذهب الأوزاعي إلى أن انتشر مذهب الشافعي فصار لا يلي ذلك إلا الشافعية وقال أهل التجربة إن هذه الأقاليم المصرية والشامية والحجازية متى كانت البلد فيها لغير الشافعية خربت ومتى قدم سلطانها غير أصحاب الشافعي زالت دولته سريعا وكأن هذا السر جعله الله في هذه البلاد كما جعل مثله لمالك في بلاد المغرب ولأبي حنيفة فيما وراء النهر وسمعت الشيخ الإمام الوالد يقول سمعت صدر الدين ابن المرحل رحمه الله يقول ما جلس على كرسي ملك مصر غير شافعي إلا وقتل سريعا وهذا الأمر يظهر بالتجربة فلا يعرف غير شافعي إلا قطز رحمه الله كان حنفيا ومكث يسيرا وقتل وأما الظاهر فقلد الشافعي يوم ولاية السلطنة ثم لما ضم القضاة إلى الشافعية استثنى للشافعية الأوقاف وبيت المال والنواب وقضاة البر والأيتام وجعلهم الأرفعين ومع ذلك قيل إنه ندم وقال أندم على ثلاث ضم غير الشافعية إليهم والعبور بالجيوش إلى الفرات وعمارة القصر الأبلق بدمشق وحكي أن الظاهر رأى الشافعي في النوم لما ضم إلى مذهبه بقية المذاهب وهو يقول تهين مذهبي البلاد لي أو لك أنا قد عزلتك وعزلت ذريتك إلى يوم الدين فلم يمكث إلا يسيرا ومات ولم يمكث ولده السعيد إلا يسيرا وزالت دولته وذريته إلى الآن فقراء وجاء بعده قلاوون وكان دونه تمكنا ومعرفة ومع ذلك مكث الأمر فيه وفي ذريته إلى هذا الوقت ولله تعالى أسرارٌ لا يدركها إلا خواص عباده وللأئمة رضي الله عنهم عنده مقاماتٌ لا ينتهي إليها عقول أمثالنا فكان الرأي السديد لمن رأى قواعد البلاد مستمرة على شيء غير باطل أن يجري الناس على ما يعهدون ولكن إذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه ولعل سبب زوال دولة المذكور بهذا السبب وقد حكي أنه رئي في النوم فقيل ما فعل الله بك قال عذبني عذابا شديدا بجعل القضاة أربعة وقال فرقت كلمة المسلمين ولا يخفى على ذي بصيرة ما حصل من تفرق الكلمة وتعدد الأمراء واضطراب الآراء وقد قال أبو شامة لما حكى ضم القضاة الثلاثة إنه ما يعتقد أن هذا وقع قط وصدق فلم يقع هذا في وقت من الأوقات وبه حصلت تعصبات المذاهب والفتن بين الفقهاء ويحكى أن القاضي تاج الدين ركب وتوجه إلى القرافة ودخل على الفقيه مفضل حتى تولى عنه الشرقية فقيل له تروح إلى شخص حتى توليه فقال لو لم يفعل لقبلت رجله حتى يقبل فإنه يسد عني ثلمة من جهنم وكان الأمراء الكبار يشهدون عنده فلا يقبل شهادتهم فيقال إن ذلك أيضا من جملة الحوامل على ضم القضاة الثلاثة إليه ومما يحكى من رياسة قاضي القضاة تاج الدين وذكائه وسرعة إدراكه أن أبا الحسين الجزار الأديب كان يصحبه وكان قاضي القضاة لشدة تصلبه في الدين يعرف الناس منه أنه لا يرخص لأحد فظفر بعض أعداء الجزار بورقة بخط الجزار يدعو فيها شخصا إلى مجلس أنس ووصف المجلس ووضع الورقة في نسخة من صحاح الجوهري في القائمة الأولى منها وأعطى الكتاب لدلال الكتب وقال اعرضه على قاضي القضاة فأحضره له فقرأ الورقة وعرف خط الجزار وقال للدلال رد الكتاب إلى صاحبه فإنه ما يبيعه فقد فهمنا مقصده فلما حضر الجزار ناوله قاضي القاضي الورقة ففهم وقال يا مولاي هذا خطي من ثلاثين سنة ثم اشتهى الجزار أن يعرف ما عند القاضي وهل تأثر بالورقة فأغفله أياما ثم حكى له في أثناء مجلس أن شخصا كان يصحب قاضي القضاة عماد الدين ابن السكري فوقعت له شهادةٌ على شخص فسابقه ذلك الشخص وادعى عليه أنه استأجره من مدة كذا ليغني له في عرس بكذا وقبض الأجرة ولم يغن فأنكر وانفصلت الخصومة ثم وقعت له الدعوى على المدعى المذكور وشهد ذلك الشاهد فقال قاضي القضاة تاج الدين ما صنع ابن السكري فقال له الجزار لم يقبل شهادته فقال قاضي القضاة تاج الدين ما أنصف ابن السكري فعرف الجزار أنه لم يتأثر بالورقة توفي رحمه الله ليلة السابع والعشرين من شهر رجب سنة خمس وستين وستمائة بالقاهرة ورثاه بعضهم بأبيات منها يا دهر بع رتب المعالي بعده ** بيع السماح ربحت أم لم تربح قدم وأخر من تشاء وتشتهي ** مات الذي قد كنت منه تستحي والأعز الذي ينسب إليه قرأت بخط قاضي القضاة علاء الدين الآجري رحمه الله أن الأعز ابن شكر وزير الملك الكامل بن أبي بكر بن أيوب قال وهو أبو أم قاضي القضاة تاج الدين والعلامي بالتخفيف نسبة إلى علامة وهي قبيلةٌ من لخم مسند العراق ومحدثه ضياء الدين الصوفي الفقيه وسكينة جدته أم أبيه ولد في شعبان سنة تسع عشرة وخمسمائة وسمع الكثير من أبيه وأبي القاسم بن الحصين وأبي غالب محمد بن الحسن الماوردي وزاهر بن طاهر الشحامي والقاضي أبي بكر الأنصاري وأبي منصور ابن زريق القزاز وأبي القاسم بن السمرقندي وغيرهم روى عنه الشيخ الموفق بن قدامة وأبو موسى ابن الحافظ عبد الغني والشيخ أبو عمرو بن الصلاح وابن خليل والضياء وابن النجار وابن الدبيثي والنجيب عبد اللطيف وابن عبد الدائم وخلائق وصحب الحافظين ابن عساكر وابن السمعاني واستفاد بصحبتهما وقرأ المذهب والخلاف على أبي منصور ابن الرزاز وكان على ما يقال دائم التكرار لكتاب التنبيه كثير الاشتغال بالمهذب والوسيط وقرأ الأدب على أبي محمد بن الخشاب وتخرج في الحديث بابن ناصر ومد الله له في العمر حتى قصد من الأقاليم وكان شيخ وقته في علو الإسناد قال ابن النجار وفي المعرفة والإتقان والزهد والعبادة وحسن السمت وموافقة السنة وسلوك طريق السلف الصالح قال وكانت أوقاته محفوظة وكلماته معدودة فلا تمضي له ساعةٌ إلا في قراءة القرآن أو الذكر أو الحديث أو التهجد وكان كثير الحج والعمرة والمجاورة بمكة مستعملا للسنة في جميع أحواله وأثنى عليه كثيرا ثم قال لقد طفت شرقا وغربا ورأيت الأئمة والعلماء والزهاد فما رأيت أكمل منه ولا أحسن حالا وقال القاضي يحيى بن القاسم مدرس النظامية كان ابن سكينة لا يضيع شيئا من وقته وكنا إذا دخلنا عليه يقول لا تزيدوا على سلامٌ عليكم لكثرة حرصه على المباحثة وتقرير الأحكام وقال أبو شامة كان ابن سكينة من الأبدال توفي في تاسع عشر ربيع الآخر سنة سبع وستمائة ببغداد القاضي شمس الدين أبو عمرو الصنهاجي الفاسي قدم مصر في صباه وسكنها وتفقه على الشيخ شهاب الدين الطوسي وبرع في المذهب وسمع هبة الله البوصيري وغيره ولي قضاء قوص ودرس بالجامع الأقمر بالقاهرة مولده سنة خمس وستين وخمسمائة ظنا وتوفي بالقاهرة في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وستمائة الشيخ العلامة تقي الدين أحد أئمة المسلمين علما ودينا أبو عمرو بن الصلاح ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع الحديث بالموصل من أبي جعفر عبيد الله بن أحمد البغدادي المعروف بابن السمين وهو أقدم شيخ له وسمع ببغداد من ابن سكينة وابن طبرزد وبنيسابور من منصور الفراوي والمؤيد الطوسي وغيرهما وبمرو من أبي المظفر السمعاني ومحمد بن عمر المسعودي وغيرهما وبدمشق من القاضي عبد الصمد بن الحرستاني والشيخ الموفق ابن قدامة وغيرهما روى عنه الفخر عمر بن يحيى الكرجي والشيخ تاج الدين الفركاح وأحمد بن هبة الله بن عساكر وخلق وتفقه عليه خلائق وكان إماما كبيرا فقيها محدثا زاهدا ورعا مفيدا معلما استوطن دمشق يعيد زمان السالفين ورعا ويزيد بهجتها بروضة علم جنى كل طالب جناها ورعا ويفيد أهلها فما منهم إلا من اغترف من بحره واعترف بدره وحفظ جانب مثله ورعا جال في بلاد خراسان واستفاد من مشايخها وعلق التعاليق المفيدة وورد دمشق ودرس بالمدرسة الصلاحية بالقدس ثم عاد إلى البلاد ثم ورد دمشق مقيما مستوطنا وولي تدريس الرواحية والشامية الجوانية ومشيخة دار الحديث الأشرفية قال ابن خلكان كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وله مشاركةٌ في فنون عدة وذكر غيره أن ابن الصلاح قال ما فعلت صغيرة في عمري قط وهذا فضلٌ من الله عليه عظيم توفي سحر يوم الأربعاء خامس عشري ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة وازدحم عليه الخلق فصلي عليه بالجامع وشيعوه إلى باب الفرج فصلي عليه بداخله ثانيا ورجع الناس لأجل حصار البلد بالخوارزمية وخرج به دون العشرة مشمرين مخاطرين بأنفسهم فدفنوه بطرف مقابر الصوفية وقبره على الطريق في طرفها الغربي ظاهر يزار ويتبرك به قيل والدعاء عند قبره مستجاب
أفتى ابن الصلاح في امرأة حاضنة أراد الأب أن ينزع منها الولد مدعيا أنه يسافر سفر نقلة وأنكرت هي أصل السفر بأن القول قوله في السفر مع يمينه وأفتى رحمه الله في جارية اشترتها مغنية وحملتها على الفساد أنها تباع عليها واستند فيه إلى نقل نقله عن القاضي الحسين أن السيد إذا كلف عبده من العمل ما لا يطيقه يباع عليه والنقل غريبٌ والمسألة مليحة وكلامه محمولٌ على ما إذا تعين بيعه طريقا لخلاصه من الظلم وإلا فلا يتعين البيع وقد نازعه الشيخ برهان الدين بن الفركاح وقال قد صح في صحيح مسلم ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم ولم يقل فبيعوهم وفي التتمة في الباب الخامس في أحكام المماليك لو امتنع من الإنفاق على مملوكه فالحاكم يجبره على الإنفاق وفي الرافعي قبيل كتاب الخراج في كلامه على المخارجة وإن ضرب عليه خراجا أكثر مما يليق بحاله وألزمه أداءه منعه السلطان فدل أنه يمنع ولا يباع عليه وهذا ملخص كلام الشيخ برهان الدين جزم الرافعي في باب النذر في أوائل النظر الثاني في أحكامه بأنه لو نذر أن يصلي قاعدا جاز أن يقعد كما لو صرح في نذره بركعة له الاقتصار عليه قال وإن صلى قائما فقد أتى بالأفضل ثم قال بعد ثلاث ورقات إن الإمام حكى عن الأصحاب أنه لو قال علي أن أصلي ركعة لم يلزمه إلا ركعة واحدة وأنه لو قال علي أن أصلي كذا قاعدا يلزمه القيام عند القدرة إذا حملنا المنذور على واجب الشرع وأنهم تكلفوا فرقا بينهما قال ولا فرق فيجب تنزيلهما على الخلاف انتهى وقد رأيته في النهاية كما نقله ولابن الصلاح مع تبحره في المنقول حظ وافرٌ من التحقيق وسلوكٌ حسنٌ في مضايق التدقيق وقد أخذ يحاول فرقا بين الركعة والقعود بأن القعود صفةٌ أفردها بالذكر وقصدها بالنذر ولا قربة فيها فلغت الصفة وبقي قوله أصلي فالتحق بما لو قال أصلي مقتصرا عليه فيلزمه القيام على أحد القولين وليس كذلك قوله ركعة فإنها نفس المنذور وهي قربةٌ وصفةٌ إفرادها بالذكر ليست مذكورة ولا منذورة هذا كلامه ولست بموافق له فيه كما سأذكر غير أني قبل مشاقته أقول لك أن تزيد هذا الفرق تحسينا بأن تقول وقوله ركعة مفعول أصلي وهو وإن كان فضلة لكن متى حذف لفظا قدر صناعة بخلاف ركعة قاعدا فإنه حالٌ من الفاعل لو حذف لفظا لم يقدر فكان التلفظ به دليل القصد إليه بخلاف ركعة فربما كان التلفظ بها ذكرا للمفعول لأنه لو حذف لم يتعين تقدير ركعة بل جاز تقدير ركعتين لأنا نتطلب بالصناعة مطلق كونه ركعة أو ركعتين ونحوهما لا خصوص واحدمنهما فكان قوله قاعدا مع قوله أصلي في قوة قضيتين وجملتين مستقلتين فلغا منهما ما ليس بقربة بخلاف قوله ركعة فإنه ليس في قوة قضية أخرى بل هو من تمام القضية الأولى لو لم يلفظ به لقدره سامعه وانتقل ذهنه إلى المطلق منه إن لم يتعين له الخاص فلم يزد قوله ركعة على قوله أصلي من حيث الصناعة بخلاف قاعدا هذا منتهى ما خطر لي في تحسينه ثم أقول ما الفرق بمسلم وتقرير ذلك عند سامعه يستدعي منه تمهلا علي فيما ألقيه فأقول ما الركعة بمطلوبة للشارع أبدا من حيث إنها ركعة بل من حيث إنها توتر ما تقدم فهناك يطلب انفرادها وهذا أمرٌ لا يكون في الوتر فلا تكون الركعة من حيث انفرادها قربة إلا في الوتر فلا يلزم بالنذر وهي والقعود سواء كلاهما مطلوب العدم إلا في الوتر فيطلب وجودها ليوتر المتقدم وذلك كركعتين خفيفتين يصليهما بعدها عن قعود وقد روى ذلك عن رسول الله وقيل إنهما سنة الوتر كالركعتين بعد المغرب سنة المغرب وجعلت ركعتا الوتر بعد جائزة عن قعود إشارة إلى أنه غير واجب وقيل إن ذلك منسوخ فإن قلت لو كانت ركعة الوتر لا تطلب إلا لكونها توتر ما تقدم لما صح الاقتصار عليها لكن الصحيح صحة الاقتصار على ركعة واحدة قلت هو مع صحته على تلوم فيه خلاف الأفضل فليس بقربة من حيث إنه ركعةٌ منفردة فإن قلت لو تم لك ذلك لما جاز النفل في غير الوتر بركعة منفردة لكنه يجوز على الصحيح قلت إنما جاز لمطلق كونه صلاة لا لخصوص كونه ركعة ففي الركعة المنفردة عمومٌ وخصوصٌ فعموم كونها صلاة صيرها قربة وخصوص كونها ركعة ليس من القربة في شيء إلا في الوتر فالتزامها في غير الوتر بالنذر من حيث خصوصها لا يصح كالقعود سواء وهذا تحقيقٌ ينبغي أن يكتب بسواد الليل على بياض النهار وبماء الذهب على نار الأفكار وقد رد ابن الرفعة كلام ابن الصلاح بما لا أرتضيه فقال دعواه أنه لا قربة في القعود قد يمنع إذا قلنا بالأصح وهو جواز التنفل مضطجعا مع القدرة على القيام قلت وفيه نظرٌ فجواز التنفل مضطجعا لا يقتضي أنا جعلنا نفس القعود قربة بل غاية الأمر أنا قلنا إنه خيرٌ من الاضطجاع والتحقيق أن يقال عدم الاضطجاع خيرٌ منه وإن صح ووراءه صورتان القيام وهو مطلوبٌ للشارع بخصوصه والقعود وليس هو مطلوبا من حيث خصوصه بل من حيث عمومه وهو أنه ليس باضطجاع فخرج من هذا أن خصوص القعود ليس بمقصود قط وإن وقع تسمحٌ في العبارة فلا يعبأ به ثم قال ابن الرفعة وإن قلنا لا يجوز الاضطجاع مع القدرة على القيام فقد يقال الوفاء بالنذر ليس على الفور وقد يعجز عن القيام فيكون القعود في حقه فضيلة فيصير كما لو نذر الصلاة قاعدا وهو عاجزٌ والصحيح يعتمد الإمكان قلت وقد عرفت بما حققت اندفاعه وأن القعود لا يكون فضيلة أبدا ثم يزداد هذا ويقوى بأن الاعتبار في النذر بوقت الإلزام وإلا فلو تم ما ذكره واكتفي باحتمال العجز مصححا في المستقبل مصححا في الحال لصح نذر المفلس والسفيه عتق عبديهما وإن لم ينفذ إعتقاهما في الحال لاحتمال رفع الحجر مع بقاء العبد وقد وافق هو على أنه لا ينفذ ثم قال ابن الرفعة ثم قول ابن الصلاح وليس كذلك قوله ركعة إلى آخره قد يمنع ويقال ما قدمه الناذر من قوله أصلي إذ نزلناه على واجب الشرع محمولٌ على ركعتين وقوله بعده ركعة مناقضٌ له وحينئذ فقد يقال بإلغاء قوله ركعة أو بإلغاء جميع كلامه ويلزم مثل ذلك في نذر الصلاة قاعدا قلت وفيه نظر فإن الاختلاف في الحمل على واجب الشرع أو جائزه إنما هو حالة الإطلاق لا حالة التقييد بجائزه وهنا قد قيد بركعة فلا يمكن إلغاؤه وهو كالتقييد بأربع وقد قدمنا أن قوله ركعة مفعول أصلي فلا بد منه تقديرا إن لم يكن منطوقا فكيف يحكم بإلغائه أفتى ابن الصلاح في ورثة اقتسموا التركة ثم ظهر دينٌ ووجد صاحب الدين عينا منها في يد بعض الورثة بأن للحاكم أن يبيع تلك العين في وفاء الدين ولا يتعين أن يبيع على كل واحد من الورثة ما يخصه من الدين وهو فرعٌ حسنٌ وفقهٌ مليح ومن الواقعات بين ابن الصلاح وأهل عصره ولا نذكر ما اشتهر بينه وبين ابن عبد السلام في مسألة صلاة الرغائب ومسألة الصلاة بحسب الساعات ونحوهما وإنما نذكر ما يستحسن وهو عندنا في محل النظر فرعٌ تعم به البلوى امرؤ يقول اشهدوا علي بكذا هل يكون به مقرا أفتى ابن الصلاح بأنه لا يكون مقرا كذا ذكر في باب الإقرار من فتاويه وذكر أن تقريره سبق منه وكان ذلك باعتبار ما كان يكتب في فتاويه على غير ترتيب وهي الآن مرتبة والمسألة التي أشار إلى أنها سبقت في آخر الفتاوى ذكر فيها ذلك وأنه مذهبنا وأن المخالف فيه أبو حنيفة وأن المسألة مصرحٌ بها في العدة للطبري وفي الإشراف للهروي وذكر أنه وقف على المسألة بعض من يفتي بدمشق من أصحابنا فأرسل إليه مستنكرا يذكر أن هذا خلاف ما في الوسيط فإن فيه لو قال أشهدك علي بما في هذه القبالة وأنا عالمٌ به فالأصح جواز الشهادة على إقراره بذلك قال ابن الصلاح فقلت إن تلك مسألةٌ أخرى مباينةٌ لهذه ففرقٌ بين قوله أشهدك علي مضافا إلى نفسه وبين قوله اشهد علي غير مضيف إلى نفسه شيئا ثم ينبغي أنه إذا وجد ذلك ممن عرفه استعمال ذلك في الإقرار يجعل إقرارا وفي البيان أن اشهد ليس بإقرار لأنه ليس في ذلك غير الإذن في الشهادة عليه ولا تعرض فيه للإقرار هذا كلامه ولسنا نوافقه عليه فإن حاصله أمران أحدهما أنه يقول اشهد علي بكذا أمرٌ وليس بإقرار وهذا محتمل لكنا نقول هو متضمن للإقرار تضمنا ظاهرا شائعا والثاني أنه يفرق بين أشهدك علي واشهد علي وهذا غير مسلم له وغاية ما حاول في الفرق ما ذكر ومعناه أن أشهدك فعل مسندٌ إلى الفاعل ومعناه أصيرك شاهدا بخلاف اشهد علي والأمر كما وصف غير أنه لا يجديه شيئا لأن الأمر بأن يشهد عليه فوق الإقرار وعليه ألفاظٌ كثيرة من الكتاب والسنة مثل ومن تأمل كلام الإشراف والعدة والإمام والغزالي والرافعي ومن بعدهم أيقن بذلك بل قد صرح الغزالي نفسه في فتاويه بما هو صريحٌ فيها بقوله فإنه أفتى فيمن قال اشهدوا علي أني وقفت جميع أملاكي وذكر مصرفها ولكن لم يحددها بأن الجميع يصير وقفا وليس هنا أشهدكم والظن بهذه المسألة أنها مفروغٌ منها ومن حاول أن يأخذ من كلام الأصحاب فرقا بين اشهد وأشهدك فقد حاول المحال نعم لو عمم ابن الصلاح قوله أشهدك واشهد كلا منهما ليس بإقرار لم يكن مبعدا وكان موافقا لوجه وجيه في المذهب وأما ما نقله عن صاحب البيان أن اشهد ليس فيه غير الإذن فلم أجد هذا في البيان والذي وجدته فيه في باب الإقرار ما نصه فرع لو كتب رجلٌ لزيد علي ألف درهم ثم قال للشهود اشهدوا علي بما فيه لم يكن إقرارا وقال أبو حنيفة يكون إقرارا دليلنا أنه ساكتٌ عن الإقرار بالمكتوب فلم يكن إقرارا كما لو كتب عليه غيره فقال اشهدوا بما كتب فيه أو كما لو كتب على الأرض فإن أبا حنيفة وافقنا على ذلك انتهى وأحسبه أخذه من عدة الطبري فإنه فيها كذلك من غير زيادة ذكره أيضا في باب الإقرار وهو أيضا في الإشراف لأبي سعد الهروي كما نقل ابن الصلاح وليس في واحد من هذه الكتب الفصل بين أشهدك واشهد ولا تحدثوا عن هذه المسألة من حيث لفظ الشهادة أصلا إنما كلامهم من حيث الإقرار بالمجهول المضبوط ومن ثم أقول الإنصاف أن مسألة الغزالي في الفتاوى أيضا لم يقصد بها إلى صيغة اشهدوا بل إلى أن الشهادة تصح على جيمع الأملاك وإن لم يحدد أما الفرق بين اشهدوا وأشهدكم فلم يتكلم فيه أحدٌ غير ابن الصلاح وليس بمسلم نعم يؤخذ من كلام الغزالي عدم الفرق لأن اشهدوا لو لم يكن إقرارا لقال الغزالي إنه ليس بإقرار لأن جهة عدم التحديد تكون من جهة الصيغة فلما لم يقل ذلك دلنا ذلك منه على إن عنده أن كون الصيغة صيغة الإقرار أمرٌ مفروغٌ منه وهو الغالب على الظن حقيقة فيما عندي ويشهد له أيضا قول أصحابنا في الاسترعاء إذا قال الشاهد للمقر أشهد عليك بذلك فقال المقر نعم كان استرعاء صحيحا وإن قال اشهد فثلاثة أوجه وهو أوكد من نعم لما فيه من لفظ الأمر والثاني لا يكون استرعاء صحيحا والثالث إن قال اشهد علي كان استرعاء صحيحا لنفى الاحتمال بقوله علي وإن اقتصر على اشهد لم يكن استرعاء صحيحا أما لو قال اشهد علي بكذا فاسترعاءٌ صحيحٌ قطعا قال الروياني في البحر لانتفاء وجوه الاحتمال عنه وهذه المسائل في الحاوي والبحر ومن تأملها علم أن اشهد استرعاءٌ صحيح وإقرارٌ معتبر لا يتطرق إليه الخلل من لفظه بل من جهالة ما سلط عليه ولذلك جزموا في اشهد علي بذلك أنه استرعاء صحيحٌ وبه جزم الرافعي أيضا ولفظه أو يقول اشهد علي شهادتي بكذا أو يقول إذا استشهدت على شهادتي فقد أذنت لك في أن تشهد انتهى وما قاله ابن الصلاح يشبه ما قاله ابن أبي الدم في الشهادة على الإقرار وقد قدمناه في ترجمته في هذه الطبقة ولد بتزمنت سنة خمس وستمائة وبرع في الفقه ودرس بالمدرسة الفاضلية بالقاهرة وناب في القضاء وكانت له اليد الطولى في معرفة المذهب وفصل الخصومات وكان أحد معيدي الشيخ الفقيه أبي الطاهر الأنصاري خطيب مصر صاحب الكرامات وأحد معيدي الشيخ عز الدين بن عبد السلام قال القاضي أحمد بن عيسى بن رضوان بن العسقلاني في كتابه الذي ألفه في مناقب الخطيب أبي الطاهر شهدته يوما يعني السديد التزمنتي وقد أشار إليه الشيخ عز الدين بإعادة درسه بعد فراغه فشرع في إعادته وأخذ في إيراده فأجاد في عبارته بحيث كان الأفاضل ممن حضر يعجبون ويطربون وإذا حاوله الحاسدون تلا لسان الحال وكان الشيخ السديد كما وصف وأزيد وعنه أخذ الفقه فقيه الزمان أبو العباس ابن الرفعة ويحكى أنه كان يحب القضاء وأنه كان يدعو في سجوده توفي بالقاهرة حاكما صاحب الاستقصاء في شرح المهذب وشرح اللمع في أصول الفقه وغيرهما من التصانيف تفقه بإربل على الخضر بن عقيل ثم بدمشق على ابن أبي عصرون وسمع الحديث من أبي الجيوش عساكر بن علي وناب في الحكم عن أخيه قاضي القضاة صدر الدين عبد الملك وكان من أعلم الشافعية في زمانه بالفقه وأصوله قال التفليسي ثم عزل عن نيابة أخيه وعن تدريس كان بيده بظاهر القاهرة ووقف عليه جمال الدين خشترين مدرسة أنشأها بالقصر مات بمصر سنة اثنتين وستمائة وقد قارب التسعين سنة أبو عبد الله وقيل أبو نصر وقيل أبو القاسم الصوفي ابن أخي الشيخ أبي النجيب هو الشيخ شهاب الدين السهروردي صاحب عوارف المعارف ولد في رجب سنة تسع وثلاثين وخمسائة بسهرورد وقدم بغداد فصحب عمه الشيخ أبا النجيب عبد القاهر وأخذ عنه التصوف والوعظ وصحب أيضا الشيخ عبد القادر وصحب بالبصرة الشيخ أبا محمد بن عبد وسمع الحديث من عمه ومن أبي المظفر هبة الله بن الشبلى وأبي الفتح بن البطي ومعمر بن الفاخر وأبي زرعة المقدسي وأبي الفتوح الطائي وغيرهم روى عنه ابن الدبيثي وابن نقطة والضياء والزكي البرزالي وابن النجار والقوصي وأبو الغنائم بن علان والشيخ العز الفاروثي وأبو العباس الأبرقوهي وخلقٌ وكان فقيها فاضلا صوفيا إماما ورعا زاهدا عارفا شيخ وقته في علم الحقيقة وإليه المنتهى في تربية المريدين ودعاء الخلق إلى الخالق وتسليك طريق العبادة والخلوة أخذ التصوف عمن ذكرناه والفقه عن عمه أبي النجيب أيضا وعن أبي القاسم ابن فضلان قال ابن النجار كان شيخ وقته في علم الحقيقة وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين ودعاء الخلق إلى الله وتسليك طريق العبادة والزهد صحب عمه وسلك طريق الرياضات والمجاهدات وقرأ الفقه والخلاف والعربية وسمع الحديث ثم انقطع ولازم الخلوة وداوم الصوم والذكر والعبادة قال ثم تكلم على الناس عند علو سنه وعقد مجلس الوعظ بمدرسة عمه على دجلة قال وقصد من الأقطار وظهرت بركات أنفاسه على خلق من العصاة فتابوا ووصل به خلقٌ إلى الله وصار له أصحابٌ كالنجوم قال ورأى من الجاه والحرمة عند الملوك ما لم يره أحدٌ قال ثم أضر في آخر عمره وأقعد ومع هذا فما أخل بالأوراد ودوام الذكر وحضور الجمع في محفته والمضي إلى الحج إلى أن دخل في عشر المائة قال ومات ولم يخلف كفنا مع ما كان يدخل له قال ابن نقطة كان شيخ العراق في وقته صاحب مجاهدة وإيثار وطريق حميدة ومروءة تامة وأوراد على كبر سنه
قال السهروردي في عوارف المعارف اتفق أصحاب الشافعي أن المرأة غير المحرم لا يجوز الاستماع إليها سواءٌ كانت حرة أو مملوكة مكشوفة الوجه أو من وراء حجاب قلت والمشهور في المذهب المصحح عند المتأخرين أن الاستماع إلى الأجنبية مكروهٌ غير محرم وقال السهروردي أيضا إن الإمام إذا قال آمين فافتتح المأموم في قراءة الفاتحة لا يسكت بل يشتغل الإمام بما روي اللهم نقني من الخطايا والذنوب الحديث إلى أن يتم المأموم الفاتحة وهذا تبع فيه الغزالي فإنه كذلك ذكر في الإحياء وهو غريب والحديث يشهد لأن موضع ذلك قبل الفاتحة ولد سنة إحدى وعشرين وستمائة وسمع من ابن اللتي وغيره قال الذهبي وكان فقيها صالحا دينا متزهدا متميزا درس بالمدرسة الظاهرية البرانية وهو آخر من روى بدمشق سنن ابن ماجه كاملا توفي في ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وستمائة ولد في شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ونشأ بمصر ودرس بمدرسة الشافعي رضي الله عنه ومشهد الحسين وولي خانقاه سعيد السعداء وكان صدرا رئيسا معظما عند الخاص والعام فاضلا أشعري العقيدة وحدث بدمشق والقاهرة وهو الذي قام بسلطنة الملك الجواد بن العادل بدمشق عند موت الملك الكامل خطيب دمشق تفقه على الشيخ عز الدين بن عبد السلام وقرأ الكلام والأصول على الخسروشاهي وسمع الحديث من الحافظ عبد العظيم وغيره وكان من علماء زمانه وهو والد الشيخ صدر الدين محمد المتقدم توفي هذا في الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وستمائة قرأ المذهب والأصول والخلاف والجدل وكان متألها متعبدا ناسكا سالكا طريق الزهد والرياضة والمجاهدة والخلوة ودوام الصيام والصلاة زاهدا في المناصب والتقدم مع اشتهار اسمه وعلو مرتبته مضى إلى مكة وحج وأقام بها مجاورا على أحسن طريقة وأجمل سريرة وسيرة إلى أن توفي بها في صفر سنة سبع وعشرين وستمائة هذا كلام ابن النجار قال وأظنه جاوز الستين نزيل دمشق ولد بالكرج سنة تسع وتسعين وخمسمائة وقدم إلى دمشق ولزم الشيخ تقي الدين ابن الصلاح وتفقه عليه وسمع من ابن الزبيدي وابن اللتي والبهاء عبد الرحمن المقدسي حدث عنه أبو الحسن بن العطار وغيره وقد زوجه ابن الصلاح بابنته مات هو والمسند أبو الحسن علي بن البخاري في يوم واحد وهو ثاني ربيع الآخر سنة تسعين وستمائة والد القاضي كمال الدين أحمد كان معيدا بالمدرسة النظامية وشيخا بالرباط الناصري ببغداد مولده في صفر سنة ثمان وستين وخمسمائة ومات في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وستمائة نزيل دمشق مدرس الكلاسة والمدرسة الأمينية مات ليلة الجمعة سابع ذي القعدة سنة اثنتين وستمائة أصبح مصلوبا فحضر الوالي واستكشف عن أمره وجد في البحث عنه فلم يعلم كيف خبره صاحب التعليقة في الخلاف وكان إماما مبرزا في النظر وله ثلاث تعاليق وقد تخرج به فقهاء همذان ورحلت إليه الطلبة مات في رابع عشر جمادى الآخرة سنة ستمائة ولد بالجزيرة الخضراء في رجب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ونشأ بقصر عبد الكريم بالمغرب وسمع مقدمة الجزولي عليه وكان فقيها أصوليا نحويا قدم دمشق واشتغل على السيف الآمدي ودخل حماة ودرس بمدرسة ابن المشطوب ونظم السيرة لابن هشام والمفصل للزمخشري والإشارات لابن سينا ودخل مصر ودرس بالفائزية بأسيوط وولى قضاء أسيوط وبها توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وستمائة مولده سنة أربع عشرة وخمسمائة وأجازه محيي السنة البغوي استجازه له أبوه وسمع من عبد الجبار الخواري وغيره تفقه بمحمد بن يحيى وقد أجاز لابن البخاري وابن أبي عمر وغيرهما من أشياخ أشياخنا فلنا رواية تصانيف البغوي بالإجازة عن مشايخنا عن ابن أبي عمر والفخر عنه عن البغوي وهو علو عظيمٌ مرض بنيسابور وحمل إلى نوقان وهي طوس فمات بها سنة ستمائة وتوربشت بضم التاء المثناة من فوق بعدها واو ساكنة ثم راء مكسورة ثم باء موحدة مكسورة ثم شين معجمة ساكنة ثم تاء مثناة من فوق رجلٌ محدثٌ فقيه من أهل شيراز شرح مصابيح البغوي شرحا حسنا وروى صحيح البخاري عن عبد الوهاب بن صالح بن محمد بن المعزم إمام الجامع العتيق عن الحافظ أبي جعفر محمد بن علي أخبرنا أبو الخير محمد بن موسى الصفار أخبرنا أبو الهيثم الكشميهني أخبرنا الفربري وأظن هذا الشيخ مات في حدود الستين والستمائة وواقعة التتار أوجبت عدم المعرفة بحاله
ما ذكره في آخر شرح المصابيح قال ولقد استبهم علي قوله بنت لبون أنثى ففتشت بطون الدفاتر وفاوضت فيه من صادفته بصدد الفهم من أهل العلم فلم أصدر عن تلك الموارد ببلة ثم إن الله تعالى ألهمني فيه وجه الصواب على ما قررته في باب الزكاة من الكتاب وبعد برهة كنت أتصفح كتابا لبعض علماء المغرب فوجدته قد سبقني بالقول فيه عن نفسه أو عن غيره على شاكلة ما جئت به والذي قال في الزكاة فأما وجه قوله بنت مخاض أنثى وبنت لبون أنثى فلم أجد أحدا من أصحاب المعاني ذكر فيه ما شفى الغليل وقد سئلت عنه فكان جوابي فيه أن الابن والبنت إنما يختصان بالذكر والأنثى عند الإطلاق في بني آدم وأما في غير بني آدم فقد استعمل على غير هذا الوجه فقيل ابن عرس وابن آوى وابن دأية وابن قترة وابن الماء وابن الغمام وابن ذكاء وابن الأرض وبنت الأرض وبنت الجبل وبنت الفكر وما أشبه ذلك من الأسماء وكل ذلك مستعارٌ لمعان غير التي تختص بالانسان وكذلك تقول في ابن مخاض وابن لبون وبنت مخاض وبنت لبون ويدل على صحة ما ادعيناه قولهم بنات مخاض وبنات لبون وبنات آوى ولم يقولوا أبناء مخاض أبو بنو مخاض وقد ذكر عن الأخفش بنو عرس وبنو نعش فأما ابن مخاض وابن لبون فلم يذكر في جمعهما اختلافٌ فالتقييد الذي ورد في الحديث بنت مخاض أنثى وبنت لبون أنثى لرفع الاشتباه بما ذكرناه من النظائر انتهى قلت ولعل المغربي الذي أشار إليه هو السهيلي فله تصنيف في ذلك ولابن الحاجب أيضا فيه كلام أو لعله الإمام أبو عبد الله المازري المالكي فإنه نقل ذلك في شرح التلقين وزاد شيئا رآه هو فقال في ابن لبون ذكر وبنت مخاض أنثى يقال حكي عن بعضهم أن لفظ الذكر والأنثى هنا جاء تأكيدا وحسنه اختلاف اللفظين كما في قوله تعالى قال المازري وهذا إنما يفيد في قوله ابن لبون ذكر وأما قوله بنت مخاض أنثى فيحتاج إلى ثبوت استعمال بنت كذا كما في ابن عرس ونحوه وما أراه يوجد قلت قد وجد وذكر التوربشتي بنت النقلة وبنت الجبل ثم قال المازري والمرضي عندي أن هذا ورد للتنبيه على مشروعية كل منهما في هذا النصاب الواحد وهما مختلفان في السن على خلاف قاعدة بقية النصيب لتبين أنهما كالمتفقين إذا توصل حالهما لأن بنت المخاض وإن كانت صغيرة حينئذ لا يحمل عليها فلها فضيلة الأنوثة المتوقع منها الدر والنسل وهو مقصودٌ ولكنه اختص عنها في هذه الحالة ينال الشجر ويأكل الكلأ ويرد المياه ويمنع من صغار السباع ويحمل عليه فهما كالمتوارثين فأشار إلى ذلك بتقييد كل منهما بوصفه الخاص به المشعر بتلك الخصوصية قال وهذا مثل قوله في الفرائض فلأولى رجل ذكر فإنه تنبيهٌ على علة الحكم لأن العاصب قد يكون أبعد من بنت العم والعمة ويقتضي الرأي أن الأقرب أقوى لفضيلة القرب لكن لما كانت الذكورة يستحق بها العصب والنكاح نبه على الوجه الذي من أجله قدم العاصب في الميراث على ما هو أقرب منه ولد سنة سبع وعشرين وخمسمائة وسمع بدمشق من أبي الحسن السلمي ونصر الله المصيصي والقاضي أبي المعالي محمد بن يحيى القرشي وعمه الصائن وجد أبويه وخلق وأجازه أكثر شيوخ والده وكتب الكثير حتى إنه كتب تاريخ والده مرتين وكان حافظا وله كتاب فضل المدينة وكتاب فضل المسجد الأقصى وأملى كثيرا وحدث وسمع منه خلقٌ وكان ناصر السنة مجدا في إماتة البدعة ودخل مصر وانتفع به أهلها مات سنة ستمائة الشيخ الإمام شهاب الدين أبو بكر بن الإمام أبي سعد بن الإمام أبي حفص الصفار شيخ ابن الصلاح ولد سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وسمع من جده ومن عم أبيه ومن وجيه الشحامي وعبد الله الفراوي وهبة الرحمن بن القشيري وجماعة روى عنه ابن الصلاح والزكي البرزالي وأبو إسحاق الصريفيني والضياء المقدسي والصدر البكري وعمر الكرماني وآخرون وحدث عنه بالإجازة أبو الفضل ابن عساكر والتاج ابن أبي عصرون وكان فقيها كبيرا إماما نبيلا فقيه خراسان ومفتيها ومدرسها محدثا مكثرا عالي الإسناد رئيسا محتشما من وجوه نيسابور وسراة أهلها مواظبا على نشر العلم قيل إنه درس وسيط الغزالي أربعين مرة درس العامة تدريس الخاصة استشهد بنيسابور لما دخلها الترك وقتلوا الرجال والنساء فكان في من استشهد سنة ثمان عشرة وستمائة من أهل واسط صحب أبا البركات بن الأنباري وأخذ عنه وكان جيد القريحة حاد الذهن متضلعا في علوم كثيرة إماما في النحو واللغة والتصريف والعروض ومعاني الشعر والتفسير والإعراب وتعليل القراءات عارفا بالفقه والطب وعلم النجوم وعلوم الأوائل وله النثر الحسن والنظم الجيد وكان في أول أمره على مذهب أبي حنيفة ثم انتقل إلى مذهب الشافعي سمع الحديث من أبي زرعة المقدسي وغيره ولد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وتوفي في شعبان سنة اثنتي عشرة وستمائة تفقه على يحيى بن الربيع وله كتابٌ رتبه على قسمين ذكر أنه فرغ من تصنيفه في ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وستمائة وهو المعروف عند أهل مصر بالجمال يحيى كان فقيها كبيرا حافظا للمذهب دينا خيرا أخذ الفقه عن الشيخ الجليل أبي الطاهر المحلي وبعد صيته واشتهر اسمه وولي قضاء المحلة مدة ثم درس بمشهد الحسين بالقاهرة وناب في الحكم وكان يحضر الدرس فينقل بعض الطلبة من النهاية وبعضهم من البحر ونحو ذلك فيقول لكل منهم صدقت هو في المكان الفلاني في الفصل الفلاني لقوة استحضاره مع علو سنه وحكي أن قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز حضر عنده جماعةٌ من الفقهاء المتعينين فسأل عن مسألة فلم يستحضر أحدٌ منهم فيها نقلا فأقبل الجمال يحيى فقال أنقلها من سبعة عشر كتابا وسردها وكان ينوب في الحكم لابن رزين فوقعت محاكمةٌ في الحضانة فشرع قاضي القضاة يقول شيئا فقال الجمال يحيى النقل خلاف ذلك فقال له احكم بينهما وكان قوي النفس وقيل إنه كان لا يدري أصولا ولا نحوا ولا علما غير الفقه وقال مرة مستنيبه قاضي القضاة ابن رزين لو أردت لعزلتك فقال له ما تقدر فقال لم من يمنعني فقال كنا عند الفقيه أبي الطاهر يوما فحصلت له حالة فقال كل من كانت له حاجةٌ يذكرها فقلت أنا أريد أن أكون نائب حكم ولا يعزلني أحدٌ فقال لك ذلك توفي في عاشر رجب سنة ثمانين وستمائة وقد قارب الثمانين ولد بالموصل في سنة إحدى أو اثنتين وأربعين وخمسمائة وتفقه على القاضي عبد الرحمن بن خداش وعلى الشيخ يونس بن منعة ودرس في بعض مدارس الموصل وبها مات في سابع عشري جمادى الأخرة سنة ثمان عشرة وستمائة من أهل تكريت تفقه بتكريت في صباه على والده ثم سافر إلى الحديثة فتفقه بها على قاضيها أبي محمد عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن عبدويه الشيباني البلخي ومضى إلى الموصل وتفقه على سعيد بن الشهرزوري ثم قدم بغداد وتفقه على الشيخين أبي النجيب السهروردي ويوسف الدمشقي وقرأ الأدب على أبي محمد الخشاب وبرع في المذهب والخلاف والأصول وسمع الحديث من أبي الفتح بن البطي وأبي زرعة المقدسي وشيخه أبي النجيب وغيرهم وعاد إلى بلده وولي القضاء به مدة ودرس ثم قدم بغداد في سنة سبع وستمائة وولي تدريس النظامية قال ابن النجار كان آخر من بقي من المشايخ المشار إليهم في معرفة مذهب الشافعي وله الكلام الحسن في المناضرة والعبارة الفصيحة بالأصولين وله اليد الطولى في معرفة الأدب والباع الممتد في حفظ لغات العرب وكان أحفظ أهل زمانه لتفسير القرآن ومعرفة علومه وكان من المجودين لتلاوته ومعرفة القراءات ووجوهها وصنف في المذهب والخلاف والأدب وأثنى عليه كثيرا كتب إلي أحمد بن أبي طالب عن ابن النجار قال أنشدني يحيى التكريتي لنفسه لا بد للمرء من ضيق ومن سعة ** ومن سرور يوافيه ومن حزن والله يطلب منه شكر نعمته ** ما دام فيها ويبغي الصبر في المحن فكن مع الله في الحالين معتنقا ** فرضيك هذين في سر وفي علن فما على شدة يبقى الزمان فكن ** جلدا ولا نعمةٌ تبقى على الزمن مولده في مستهل المحرم سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة بتكريت ومات في شهر رمضان سنة ست عشرة وستمائة ببغداد من أعيان شيوخ القاهرة تفقه على الشيخ شهاب الدين الطوسي وقرأ القراءات على أبي الجود ولازم الحافظ علي بن المفضل مدة بالقاهرة توفي في جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وستمائة قاضي القضاة شمس الدين أبو البركات ابن سني الدولة أبو قاضي القضاة صدر الدين ولد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وتفقه على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون وأخذ الخلاف عن الإمام قطب الدين النيسابوري وسمع الحديث من أبي الحسين بن الموازيني ويحيى الثقفي وابن صدقة الحراني وعبد الرحمن بن علي الخرقي والخشوعي وحدث بمكة والقدس ودمشق وحمص روى عنه المجد بن الحلوانية والشرف ابن عساكر وابن عمه الفخر إسماعيل وجماعة وكان إماما فاضلا جليلا مهيبا ولي قضاء الشام وحمدت سيرته توفي في خامس ذي القعدة سنة خمس وثلاثين وستمائة ولد يوم الجمعة ثالث عشري صفر سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة بتكريت وسمع من أبيه وجماعة وسمع ببغداد من أبي المظفر هبة الله بن الشبلي وابن البطي والشيخ عبد القادر والشيخ أبي النجيب وجماعة وحدث ببلده وخرج لنفسه أحاديث روى عنه ابن الدبيثي والبرزالي والضياء وآخرون مات في صفر سنة ثمان عشرة وستمائة
|