الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **
الإمام فى القراءات والتفسير وكثير من العلوم ولد سنة ست وستين ومائتين وعنى بالقراءات من صغره فقرأ على جماعة وطاف فى الأمصار وجال فى البلاد وحدث عن أبى مسلم الكجى وإسحاق بن سنين الختلى ومحمد بن على الصائغ والحسن بن سفيان وغيرهم روى عنه ابن مجاهد وهو من شيوخه وجعفر الخلدى وابن شاهين وأبو أحمد الفرضى وأبو على ابن شاذان وغيرهم ومن تصانيفه كتاب شفاء الصدور فى التفسير وفيه موضوعات كثيرة وثقة أبو عمرو الدانى وقبله وزكاه وضعفه قوم مع الاتفاق على جلالته فى العلم ولنذكر أحاديث مما كانت سبب الكلام فيه فمنها أنه قال حدثنا أبو غالب ابن بنت معاوية بن عمرو واسمه على بن أحمد حدثنا جدى معاوية عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله ( إن الله لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه ) قال الدارقطنى أنكرت هذا على النقاش وقلت له إن أبا غالب ليس بابن بنت معاوية وإنما أخوه لأبيه محمد هو ابن بنت معاوية ومعاوية وزائدة ثقتان وهذا حديث موضوع فرجع عنه قال أبو بكر الخطيب لا أعرف وجة قول الدارقطنى فى أبى غالب أنه ليس بابن بنت معاوية لأن أبا غالب يذكر أن معاوية جده وقد رواه أبو على الكوكبى عن أبى غالب عن جده معاوية بن عمرو فذكره قلت فليس فيه ما يقتضى جرحا فى أبى بكر النقاش ولله الحمد ومنها قال النقاش حدثنا يحيى بن محمد المدينى حدثنا إدريس بن عيسى القطان عن شيخ له ثقة عن الثورى عن قابوس بن أبى ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال حمزة السهمى إنه كان فقيها يفتى على مذهب الشافعى وإنه توفى سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة مصنف كتاب مناقب الشافعى وآبر من قرى سجستان وكتابه هذا المناقب من أحسن ما صنف فى هذا النوع وأكثره أبوابا فإنه رتبه على خمسة وسبعين بابا فلا أكثر أبوابا منه إلا كتاب القراب فإن أبواب تنيف على المائة وللآبرى فى طلب الحديث رحلة واسعة سمع أبا العباس السراج وابن خزيمة وأبا عروية الحرانى وزكرياء بن أحمد البلخى ومكحولا البيروتي وآخرين روى عنه على بن بشرى ويحيى بن عمار السجستانيان وغيرهما ومن عجيب ما رأيت فى كتابه مناقب الشافعى أنه عد بشرا المريسى فى أصحاب الشافعى وليس بشر من أصحاب الشافعى بل من أعدائه لأنه لم يتبعه على رأيه بل خالف وعاند وقد قال هو أعنى الآبرى فى هذا الكتاب إنه من أهل الإلحاد وروى في كتابه أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن سبب تسمية قريش قريشا فقال قريش حوت فى البحر يغلب الحيتان ويقهرهم وهو أكبر دواب البحر ويصطاد الحيتان وسائر دواب البحر فيأكلها فلذلك سميت قريش قريشا لأنها أغلب الناس وأشجعهم قلت ويقال إن فى البحر شيئا يقال له القرش يفترس الآدمى وقد تكلمت على حل أكله فى كتابى التوشيح فلعل اسمه قريش وهو هذا وإنما غلطت العامة فقالت له القرش وفى هذه المناقب أيضا أن حرملة قال سمعت الشافعى رضى الله عنه يقول من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلنا شهادته لقوله تعالى توفى الآبرى فى شهر رجب سنة ثلاث وستين وثلاثمائة جد النقباء بنيسابور رضى الله عنه وعن أسلافه كذا ساق نسبه الحاكم وأثنى عليه وقال شيخ الشرف فى عصره ذو الهمة العالية والعبادة الظاهرة والسجايا الطاهرة قال وكان يسأل التحديث فيأبى ثم أجاب آخرا وعقد له الحاكم مجلس الإملاء وانتقى عليه ألف حديث فحدث قال وكان يعد فى مجالسه ألف محبرة توفى رحمه الله فجأة الفقيه المحدث صاحب المصنفات منها الأربعون فى الحديث وقعت لنا بإسناد عال سمع أبا مسلم الكجى وأبا شعيب الحرانى وجعفر بن محمد الفريابى وأحمد بن يحيى الحلوانى وغيرهم روى عنه أبو الحسن الحمامى وأبو الحسين بن بشران والحافظ أبو نعيم الأصبهانى وغيرهم وكان مقيما بمكة شرفها الله وبها توفى بالمحرم سنة ستين وثلاثمائة قال ابن خلكان أخبرنى بعض أهل العلم أنه لما دخل مكة أعجبته فقال اللهم ارزقنى الإقامة بها سنة فسمع هاتفا يقول بل ثلاثين سنة فعاش بعد ذلك ثلاثين سنة شيخ المشايخ وذو القدم الراسخ فى العلم والدين كان سيدا جليلا وإماما حفيلا يستمطر الغيث بدعائه ويؤوب المصر بكلامه من أعلم المشايخ بعلوم الظاهر وممن اتفقوا على عظيم تمسكه بالكتاب والسنة وكانت له أسفار وبدايات وأحوال عاليات ورياضات لقى من النساك شيوخا ومن السلاك طوائف رسخ قدمهم فى الطريق رسوخا وصحب من أرباب الأحوال أحبارا وأخيارا وشرب من منهل الطريق كاسات كبارا وسافر مشرقا ومغربا وصابر النفس حتى انقادت له فأصبح مبنى الثناء عليها معربا صبر على الطاعة لا يعصيه فيه قلبه واستمرار على المراقبة شهيده عليه ربه وجنب لا يدرى القرار ونفس لا تعرف المأوى إلا البيداء ولا المسكن إلا القفار كان ابن خفيف من أولاد الأمراء فتزهد حتى قال كنت أذهب وأجمع الخرق من المزابل وأغسله وأصلح منه ما ألبسه حدث عن حماد بن مدرك والنعمان بن أحمد الواسطى ومحمد بن جعفر التمار والحسين المحاملى وجماعة وصحب رويما والجريرى وطاهر المقدسى وأبا العباس بن عطاء ولقى الحسين بن منصور وروى عنه أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعى والحسين بن حفص الأندلسى ومحمد بن عبد الله بن باكويه والقاضى أبو بكر بن الباقلانى شيخ الأشعرية وطائفة رحل ابن خفيف إلى الشيخ أبى الحسن الأشعرى وأخذ عنه وهو من أعيان تلامذته قال الحافظ أبو نعيم كان شيخ الوقت حالا وعلما قال وهو الخفيف الظريف له الفصول فى الأصول والتحقق والتثبت فى الوصول وقال أبو العباس النسوي بلغ ما لم يبلغه أحد من الخلق فى العلم والجاه عند الخاص والعام وصار أوحد زمانه مقصودا من الآفاق مفيدا فى كل نوع من العلوم مباركا على من يقصده رفيقا بمريديه يبلغ كلامه مراده وصنف من الكتب ما لم يصنفه أحد وعمر حتى عم نفعه وحكى عنه أنه قال كنت فى ابتدائي بقيت أربعين شهرا أفطر كل ليلة بكف باقلا فمضيت يوما وافتصدت فخرج من عرقى شبيه ماء اللحم وغشى على فتحير الفصاد وقال ما رأيت جسدا بلا دم إلا هذا وروى عنه أنه قال ما سمعت شيئا من سنن النبى إلا استعملته حتى الصلاة على أطراف الأصابع وأنه ضعف فى آخر عمره عن القيام فى النوافل فجعل بدل كل ركعة من أوراده ركعتين قاعدا للخبر ( صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ) وقال مرة ما وجبت على زكاة الفطر أربعين سنة مع مالى من القبول العظيم بين الخاص والعام وعنه ربما كنت أقرأ فى ابتداء عمرى القرآن كله فى ركعة واحدة وربما كنت أصلى من الغداة إلى العصر ألف ركعة وعنه وسئل عن فقير يجوع ثلاثة أيام فيخرج ويسأل بعد ذلك مقدار كفايته أيش يقال له فقال يقال له مكد ثم قال كلوا واسكتوا فلو دخل فقير فى هذا الباب لفضحكم وكان إذا أراد أن يخرج إلى صلاة الجمعة يفرق كل ما عنده من ذهب وفضة وغير ذلك ويخرج فى كل سنة جميع ما عنده ويخرج من الثياب حتى لا يبقى عنده ما يخرج به إلى الناس وقال بعض أصحابه أمرنى ابن خفيف أن أقدم كل ليلة إليه عشر حبات زبيب لإفطاره قال فأشفقت عليه ليلة فجعلتها خمس عشرة حبة فنظر إلى وقال من أمرك بهذا وأكل منها عشر حبات وترك الباقى وقال ابن خفيف سمعت أبا بكر الكتانى يقول سرت أنا وأبو العباس ابن المهتدى وأبو سعيد الخراز فى بعض السنين وضللنا عن الطريق والتقينا بحيرة فبينا نحن كذلك إذا بشاب قد أقبل وفى يده محبرة وعلى عنقه مخلاة فيها كتب فقلنا له يا فتى كيف الطريق فقال لنا الطريق طريقان فما أنتم عليه فطريق العامة وما أنا عليه فطريق الخاصة ووضع رجله فى البحر وعبره وحكى عن ابن خفيف قال دخلت بغداد قاصدا للحج وفى رأسى نخوة الصوفية ولم آكل أربعين يوما ولم أدخل على الجنيد وخرجت ولم أشرب وكنت على طهارتى فرأيت ظبيا فى البرية على رأس بئر وهو يشرب وكنت عطشان فلما دنوت من البئر ولى الظبى وإذا الماء فى أسفل البئر فمشيت وقلت يا سيدى مالى عندك محل هذا الظبى فسمعت من خلفى يقول جربناك فلم تصبر ارجع فخذ الماء إن الظبى جاء بلا ركوة ولا حبل وأنت جئت مع الركوة والحبل فرجعت فإذا البئر ملآن فملأت ركوتى وكنت أشرب منها وأتطهر إلى المدينة ولم ينفد الماء فلما رجعت من الحج دخلت الجامع فلما وقع بصر الجنيد على قال لو صبرت لنبع الماء من تحت قدمك لو صبرت ساعة قلت قوله نخوة الصوفية يعنى شدة المجاهدة والذى يقع لى فى هذه الحكاية أنها منبهة له من الله على الأخذ فى طريق التوكل وطرح الأسباب وهذا يقع كثيرا لأرباب العنايات من الله تعالى فى أثناء المجاهدات يقيض الله تعالى لهم منبها من صوت يسمع أو إشارة تحس أو أنحاء ذلك يدلهم على مراد الله تعالى منهم أو غير ذلك عناية بهم فقيض الله تعالى هذا الظبى منبها له ثم أكده بكلام الجنيد له آخرا عند عوده من الحج وكذلك أقول فى الحكاية قبلها إن ذاك الشاب قد يكون قدره الله تعالى ذلك الوقت اعتناء بابن خفيف ورفيقيه لئلا تعظم أنفسهم عليه فأحب الله تعالى أن يعرفهم أن فى عباده شابا وصل إلى ما لم يصلوا إليه وهو رآهم على طريق العامة وهذا من العناية بهم وكذا أقول فى الحكاية التى قدمتها فى ترجمة الجنيد فى شأنه مع تلك المرأة التى أنشدته لولا التقى لم ترنى ** أهجر طيب الوسن وحكى أن أبا عبد الله بن خفيف ناظر بعض البراهمة فقال له البرهمى إن كان دينك حقا فتعال أصبر أنا وأنت عن الطعام أربعين يوما فأجابه ابن خفيف فعجز البرهمى عن إكمال المدة المذكورة وأكملها ابن خفيف وهو طيب مسرور وأن برهميا آخر ناظره ثم دعاه إلى المكث معه تحت الماء مدة فمات البرهمى قبل انتهاء المدة وصبر الشيخ إلى أن انتهت وخرج سالما لم يظهر عليه تغير وعن ابن خفيف خرجت من مصر أريد الرملة للقاء أبى على الروذبارى فقال لى عيسى بن يوسف المصرى المغربى الزاهد إن شابا وكهلا قد اجتمعا على حال المراقبة فلو نظرت إليهما لعلك تستفيد منهما فدخلت إلى صور وأنا جائع عطشان وفى وسطى خرقة وليس على كتفى شيء فدخلت المسجد فإذا اثنان مستقبلا القبلة عليهما فما أجابانى فسلمت ثانيا وثالثا فلم أسمع الجواب فقلت ناشدتكما الله إلا رددتما على السلام فرفع الشاب رأسه من مرقعته فنظر إلى ورد السلام وقال لى يا ابن خفيف الدنيا قليل وما بقى من القليل إلا القليل فخذ من القليل الكثير يا ابن خفيف ما أقل شغلك حتى تفرغت إلى لقائنا فأخذ كليتى فنظر إلى وطأطأ رأسه فى المكان فبقيت عنده حتى صلينا الظهر والعصر فذهب جوعى وعطشى ونصبى فلما كان وقت العصر قلت له عظنى فقال يا ابن خفيف نحن أصحاب المصائب ليس لنا لسان لعظة فبقيت عندهما ثلاثة أيام لا آكل ولا أشرب ولا أنام ولا رأيتهما أكلا ولا شربا ولا ناما فلما كان فى اليوم الثالث قلت فى سرى أحلفهما أن يعظانى لعلى أنتفع بعظتهما فرفع الشاب رأسه فقال لى يا ابن خفيف عليك بصحبة من تذكرك الله تعالى رؤيته وتقع هيبته على قلبك فيعظك بلسان قوله والسلام قم عنا وعن ابن خفيف قدم علينا بعض أصحابنا فاعتل بعلة البطن فكنت أخدمه وآخذ منه الطست طول الليل فغفوت مرة فقال لى نمت لعنك الله فقيل له كيف وجدت نفسك عند قوله لعنك الله قال كقوله رحمك الله وعن ابن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة فكان إذا أخذه أقعده عن الحركة فكان إذا أقيمت الصلاة يحمل على الظهر إلى المسجد فقيل له لو خففت عن نفسك قال إذا سمعتم حى على الصلاة ولم ترونى فى الصف فاطلبونى فى المقابر وعن ابن خفيف تهت فى البادية فما رجعت حتى سقط لى ثمانية أسنان وانتثر شعرى ثم وقعت إلى فيد وأقمت بها حتى تماثلت وصححت ثم زرت القدس فنمت إلى جانب دكان صباغ وبات معى فى المسجد رجل به قيام فكان يدخل ويخرج إلى الصباح فلما أصبحنا صاح الناس وقال نقب دكان الصباغ وسرقت فجرونى وضربونى وقالوا تكلم فاعتقدت التسليم فكانوا يغتاظون من سكوتى فحملونى إلى دكان الصباغ وكان أثر رجل اللص فى الرماد فقالوا ضع رجلك فيه فوضعت فكان على قدر رجلى فزادهم غيظا وجاء الأمير ونصب القدر وفيها الزيت يغلى وأحضرت السكين ومن يقطع اليد فرجعت إلى نفسى فإذا هى ساكنة فقلت إن أرادوا قطع يدى سألتهم أن يعفوا يمينى لأكتب بها فبقى الأمير يهددنى ويصول فنظرت إليه فعرفته وكان مملوكا لوالدى فكلمنى بالعربية وكلمته بالفارسية فنظر إلى وقال أبو الحسين وكنت أكنى بها فى صباى فضحكت فعرفنى فأخذ يلطم رأسه ووجهه واشتغل الناس به وإذا بضجة عظيمة وأن اللص قد مسك ثم أخذ الأمير يبالغ فى الاعتذار وجهدنى أن أقبل شيئا فأبيت وهربت توفى ابن خفيف ليلة ثالث رمضان سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وازدحم الخلق على جنازته وكان أمرا عظيما وصلى عليه نحوا من مائة مرة وقيل إنه عاش مائة سنة وأربع سنين وقيل مائة إلا خمس سنين ولعله الأصح
قال التقوى مجانبة ما يبعدك من الله وقال التوكل الاكتفاء بضمانه وإسقاط التهمة عن قضائه وقال ليس شيء أضر بالمريد من مسامحة النفس فى ركوب الرخص وقبول التأويلات وقال اليقين تحقق الأسرار بأحكام المغيبات وقال المشاهدة اطلاع القلب بصفاء اليقين إلى ما أخبر الحق عن الغيب وقال السكر غليان القلب عند معارضات ذكر المحبوب وقال الزهد البرم بالدنيا ووجود الراحة فى الخروج منها وقال القرب طى المسافات بلطيف المداناة وقال مرة أخرى وسئل عن القرب قربك منه بملازمة الموافقات وقربه منك بدوام التوفيق وقال الوصلة من اتصل بمحبوبه عن كل شيء وغاب عن كل شيء سواه وقال الدنف من احترق فى الأشجان ومنع من بث الشكوى وقال الانبساط الاحتشام عند السؤال ودخل عليه فقير فشكى إليه أن به وسوسة فقال عهدى بالصوفية يسخرون من الشيطان فالآن الشيطان يسخر بهم وقيل له متى يصح للعبد العبودية فقال إذا طرح كله على مولاه وصبر معه على بلواه وسئل عن إقبال الحق على العبد فقال علامته إدبار الدنيا عن العبد وسئل عن الذكر فقال المذكور واحد والذكر مختلف ومحل قلوب الذاكرين متفاوتة وأصل الذكر إجابة الحق من حيث اللوازم لقوله ( من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته ) ثم ينقسم الذكر قسمين ظاهرا وباطنا فالظاهر التهليل والتحميد والتمجيد وتلاوة القرآن والباطن تنبيه القلوب على شرائط التيقظ على معرفة الله وأسمائه وصفاته وأفعاله ونشر إحسانه وإمضاء تدبيره ونفاذ تقديره على جميع خلقه ثم يقع ترتيب الأذكارعلى مقادير الذاكرين فيكون ذكر الخائفين على مقدار قوارع الوعيد وذكر الراجين على ما استبان لهم من موعده وذكر المخبتين على قدر تصفح النعماء وذكر المراقبين على قدر العلم باطلاع الله تعالى إليهم وذكر المتوكلين على ما انكشف لهم من كفاية الكافى لهم وذلك مما يطول ذكره ويكثر شرحه فذكر الله تعالى منفرد وهو ذكر المذكور بانفراد أحديته عن كل مذكور سواه لقوله عن ربه ( من ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى ) والأصل إفراد النطق بألوهيته لقوله ( أفضل الذكر لاإله إلا الله ) وعن ابن خفيف الغنى الشاكر هو الفقير الصابر وعنه التصوف تصفية القلب عن موافقة البشرية ومفارقة الطبيعة وإخماد صفات البشرية ومجانبه الدعاوى النفسانية ومنازلة الصفات الروحانية والتعلق بعلوم الحقيقة واستعمال ما هو أولى على السرمدية والنصح لجميع الأمة والوفاء لله تعالى على الحقيقة واتباع الرسول فى جميع الشريعة قال أبو نصر عبد الله بن على الطوسي السراج فى كتاب اللمع له فى التصوف عن الشبلى أنه سئل عن معنى قوله تعالى قال فشهد الشبلى فى السائل أنه لم يغنه جوابه فقال أما سمعت بفلانة الطبرانية فى ذلك الجانب تغنى وتقول ويقبح من سواك الفعل عندى ** وتفعله فيحسن منك ذاكا قال السراج وصاحب المسألة والسؤال أبو عبد الله ابن خفيف وعن ابن خفيف سألنا يوما القاضى أبو العباس ابن سريج بشيراز وكنا نحضر مجلسه لدرس الفقه فقال لنا محبة الله فرض أو غير فرض قلنا فرض قال وما الدلالة على ذلك فما فينا من أتى بشيء فقبل فرجعنا إليه وسألناه الدليل فقال قوله تعالى قال فتوعدهم الله عز وجل على تفضيل محبتهم لغيره على محبته ومحبة رسوله والوعيد لا يقع إلا على فرض قلت ومثل هذا الدليل فى الدلالة على محبة النبى قوله ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله وولده والناس أجمعين ) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا قال حدثنا أبو المعالى الأبرقوهى أخبرنا عمر بن كرم ببغداد أخبرنا أبو الوقت السجزى حدثنا عبد الوهاب بن أحمد الثقفى أخبرنا محمد بن عبد الله بن باكويه أخبرنا محمد بن خفيف الضبى إملاء قال قرئ على حماد بن مدرك وأنا أسمع أخبرنا عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة عن أبى عمران الجونى عن عبد الله بن الصامت عن أبى ذر قال قال رسول الله ( إذا صنعت قدرا فأكثر مرقها وانظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم بمعروف )
قال الإمام الجليل ضياء الدين الرازى أبو الإمام فخر الدين رحمهما الله فى آخر كتابه غاية المرام فى علم الكلام حكى عن الشيخ أبى عبد الله بن خفيف شيخ الشيرازيين وإمامهم فى وقته رحمه الله أنه قال دعانى أرب وحب أدب ولوع ألب وشوق غلب وطلب ياله من طلب أن أحرك نحو البصرة ركابى فى عنفوان شبابى لكثرة ما بلغنى على لسان البدوى والحضرى من فضائل شيخنا أبى الحسن الأشعرى لأستسعد بلقاء ذلك الوحيد وأستفيد مما فتح الله تعالى عليه من ينابيع التوحيد إذ حاز فى ذلك الفن قصب السباق وكان ممن يشار إليه بالأصابع فى الآفاق وفاق الفضلاء من أبناء زمانه واشتاق العلماء إلى استماع بيانه وكنت يومئذ لفرط اللهج بالعلم واقتباسه والطمع فى تقمص لباسه أختلف إلى كل من جل وقل وأستسقى الوابل والطل وأتعلل بعسى ولعل فأخذت إليه أهبة السير وخفقت إليه خفوق الطير حتى حللت ربوعها وارتبعت ربيعها فوجدتها على ما تصفها الألسن وتلذ الأعين لطيفة المكان طريفة للسكان ترغب الغريب فى الاستيطان وتنسيه هوى الأوطان فألقيت بها الجران وألفيت أهلها الجيران فلما أنخت بمعناها وتنسيه هوى الأوطان فألقيت بها الجران وألفيت أهلها الجيران فلما أنخت بمغناها الخصيب فأصبت من مرعاها بنصيب كنت أرود فى مسارح لمحاتى ومسابح غدواتى وروحاتى أحدا يشفى أوامى ويرشدنى إلى مرامى حتى أدتنى خاتمة المطاف وهدتنى فاتحة الألطاف إلى شيخ بهى منظره شهى مخبره تعلوه حمرة متحبب إلى زمرة فلمحته ببصرى وأمعنت فيه نظرى فرحت به فرحة الحبيب بالحبيب والعليل بالطبيب لما وجدت منه ريح المحبوب كما وجد من قميص يوسف يعقوب على ما قال ( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ) فناجانى فكرى بالإقدام إليه وتقاضانى قلبى بالسلام عليه فاهتززت لذلك اهتزاز المحبين إذا التقيا بعد البين وحييته تحية محترز عن القدرى واستخبرته عن مغنى أبى الحسن الأشعرى فرد على السلام بأوفر الأقسام وأجزل السهام وأجابنى بلسان ذلق ووجه طلق كهيئة المفيد ما الذى منه تريد فقلت قد بلغنى ذكراه تقت أن ألقاه لأحيا بمحياه وأطيب برياه وأستسعد بلقياه وأستفيد نفائس أنفاسه جداه وجدواه واحر قلباه وواشدة شوقاه عسى الله أن يجمعنى وإياه فلما رأى الشيخ أن شغف الحب زادى فى سفرى وعتادى فى حضرى وملك خلدى واستنفد جلدى وأن الشوق قد بلغ المدى واللوع قد جاوز الحدا قال ابتكر إلى موضع قدمى هاتين غدا فبذلت القياد وفارقت على الميعاد وبت أساهر النجوم وأساور الوجوم وما برح الحب سمير ذكرى ونديم فكرى يستعر استعارا ويلتهب بين ضلوعى نارا إلى أن نضى الليل جلبابه وسلب الصبح خضابه فلما رأيت الليلة قد شابت ذوائبها وذابت شوائبها وذر قرن الغزالة وثبت وثبة الغزالة وبرزت أنشد للشيخ البهى وأتوسم الوجوه بالنظر الجلى فألفيته فى المقام الموعود متنكرا واقفا لى منتظرا فدلفت إليه لأقضى حق السلام عليه فلما رآنى سبقنى بالسلام وحفى للأقدام فقضيت الذمام وقرنت رد جوابه بالاستلام وقلت حييت بالإكرام وحييت بين كرام ثم استصحبنى وسار فتبعته متابعة العامة أولى الأبصار حتى انتهى إلى المقصد ودخل دار بعض وجوه البلد وفيها قد حضر جماعة للنظر فلما رآه القيام تسارعوا إلى القيام واستقبلوه إلى الباب وتلقوه بالترحاب وبالغوا بالسلام وما يليق به من الإكرام ثم عظموه وإلى الصدر قدموه وأحاطوا به إحاطة الهالة بالقمر والأكمام بالثمر ثم أخذ الخصام يتجاذبون فى المناظرة أطراف الكلام وكنت أنظر من بعيد متكئا على حد سعيد حتى التقى الجمع بالجمع وقرع النبع بالنبع فبينما هم يرمون فى عمايتهم ويخبطون فى غوايتهم إذ دخل الشيخ دخول من فاز بنهزة الطالب وفرحة الغالب بلسان يفتق الشعور ويفلق الصخور وألفاظ كغمزات الألحاظ والكرى بعد الاستيقاظ أرق من أديم الهواء وأعذب من زلال الماء ومعان كأنها فك عان وبيان كعتاب الكعاب ووصل الأحباب فى أيام تفيد الصم بيانا وتعيد الشيب شبانا تهدى إلى الروح روح الوصال وتهب على النفوس هبوب الشمال وكان إذا أنشا وشى وإذا عبر حبر وإذا أوجز أعجز وإذا أسهب أذهب فلم يدع مشكلة إلا أزالها ولا معضلة إلا أزاحها ولا فسادا إلا أصلحه ولا عنادا إلا زحزحه حتى تبين الحى من اللى والرشد من الغى ورفل الحق فى أذياله واعتدل باعتداله وأقبل عليه الخاصة والعامة بإقباله فلما فرغ من إنشاء دلالته بعد جولانه فى هيجاء البلاغة عن بسالته حار الحاضرون فى جوابه وتعجبوا من فصل خطابه وعاد الخصوم كأنهم فراش النار وخشاش الأبصار وأوباش الأمصار عليهم الدبرة وعلى وجوههم الغبرة قلت لبعض الحاضرين من المناظرين من هذا الذى آثر اختلاب القلوب ونظم على هذا الأسلوب الذى لم ينسج على منواله ولم تسمح قريحة بمثاله أجابنى وقال هو الباز الأشهب والمبارز الأشنب والبحر الطامى والطود السامى والغيث الهامى والليث الحامى ناصر الحق وناصح الخلق قامع البدعة ولسان الحكمة وإمام الأمة وقوام الملة ذو الرأى الوضى والرواء المرضى ذو القلب الذكى والنسب الزكى السرى ابن السرى والنجد الجرى والسند العبقرى أبو الحسن الأشعرى فسرحت طرفى فى ميسمه وأمعنت النظر فى توسمه متعجبا من تلهب جذوته وتألق جلوته دعوت له بامتداد الأجل وارتداد الوجل فبينا أنا فيه إذ شمر للانثناء بعد حيازة الثناء وشحذ للتحفز غرار عزمته وخرج يقتاد القلوب بأزمته فتبعته مقتفيا كخدمه ومنتهجا مواطئ قدمه فالتفت إلى وقال يا فتى كيف وجدت أبا الحسن حين أفتى فهرولت لالتزام قده واستلام يده وقلت ومسحل مثل حد السيف منصلت ** تزل عن غربه الألباب والفكر طعنت بالحجة الغراء جيلهم ** ورمح غيرك منه العى والحصر لا قام ضدك ولا قعد جدك ولافض فوك ولا لحقك من يقفوك فوالذى سمك السماء وعلم آدم الأسماء لقد أبديت اليد البيضاء وسكنت الضوضاء وكشفت الغماء ولحنت الدهماء وقطعت الأحشاء وقمعت البدع والأهواء بلسان عضب وبيان عذب آنس من الروض الممطور والموشى المنشور وأصفى من در الأمطار وذر البحار وجررت ذيل الفخار على هامة الشعرى وقدما قيل إن من البيان لسحرا بيد أنه قد بقى لى سؤال لما عرانى من الإشكال فقال اذكر سؤالك ولا تعرض عما بدا لك فقلت رأيت الأمر لم يجر على النظام لأنك ما افتتحت فى الكلام ودأب المناظر ألا يسأل غيرك ومثلك حاضر قال أجل لكنى فى الابتداء لا أذكر الدليل ولا أشتغل بالتعليل إذ فيه تسبب إلى الجاء الخصم فى ذكر شبهه بطريق الاعتراض وما أنا بالتسبب إلى المعصية راض فأمهله حتى يذكر ضلالته ويفرد شبهته ومقالته فحينئذ نص على الجواب فأرجو بذلك من الله الثواب قال الراوى فلما رأيت مخبره بعد أن سمعت خبره تيقنت أنه قد جاوز الخبر الخبر وأن مقالته تبر وما دونه صفر قد بلغ من الديانة أعلى النهاية وأوفى من الأمانة على كل غاية وأنه هو الذى أومأ إليه الكتاب والسنة بحيازة هذه المنة فى نصر الحق ونصح الخلق وإعلاء الدين والذب عن الإسلام والمسلمين فشاذ لى من الاعتداد بأوفر الأعداد وأودع بياض الوداد سواد الفؤاد فتعلقت بأهدابه لخصائص آدابه ونافست فى مصافاته لنفائس صفاته ولبثت معه برهة أستفيد منه فى كل يوم نزهة وأدرأ عن نفسى للمعتزلة شبهة ثم ألفيت مع علو درجته وتفاقم مرتبته كان يقوم بتثقيف أوده من كسب يده من اتخاذ تجارة للعقاقير معيشة والاكتفاء بها عيشة اتقاء الشبهات وإبقاء على الشهوات رضا بالكفاف وإيثارا للعفاف مات لثلاث بقين من جمادة الآخرة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة من تلامذة أبى إسحاق المروزى وأبى بكر الصيرفى وطبقتهما وبيت أبى القاضى بخوارزم بيت شهير وهو صاحب كتاب الحاوى وكتاب العمد القديمين فى الفقه ومنه أخذ الماوردى والفورانى الاسمين قال صاحب الكافى أبو أحمد إمام كبير أحد مفاخر خوارزم والمشار إليه فى زمانه بالتقدم على أقرانه لم يكن أحد من آل القاضى فى عهده أفضل ولا أفقه ولا أكرم منه قال وآل أبى القاضى أعز بيت وأشرفه بخوارزم وأجمع لخصال الخير وأطنب فى وصف البيت بعبارة طويلة ثم قال وأبو أحمد سيدهم أو ما هذا معناه ثم ذكر أن بعضهم كان يقول يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم ومحمد بن سعيد بن محمد بن عبد الله العالم بن العالم بن العالم بن العالم كلهم علماء أتقياء ذكر صاحب الكافى هذا المعنى لكن بعبارة لم أستحسن حكايتها ثم قال خرج إلى العراق فتفقه على أبى إسحاق المروزى والصيرفى وطبقتهما ثم رجع إلى خوارز وأقبل على التدريس والتذكير والتصنيف فى أنواع العلوم وأطنب فى وصفه بالعلم والدين إلى أن قال وكان عارفا بمذاهب علماء السلف والخلف أصولا وفروعا رقيق القلب بكاء منكبا فى التذكير صنف فى الأصول كتاب الهداية وهو كتاب حسن نافع كان علماء خوارزم يتداولونه وينتفعون به وصنف فى الفروع كتاب الحاوى بناه على الجامع الكبير لأبى إبراهيم المزنى وكتاب الرد على المخالفين وكتبا أخر كثيرة قال أبو سعيد الكرابيسى وكانت له صدقات يتصدق بها فى السر حدثنى بعض أصحابنا أنه كان يعطيه مالا ويقول اذهب إلى الوادى وقف على شطه حين كان يجمد ففرقه على الضعفاء الذي يحملون الحطب على عواتقهم ويسعون فى نفقة عيالهم قال ثم خرج إلى الحج سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة فجاور بمكة حتى قضى الصلوات التى صلاها بخوارزم فى الخفاف والفراء التى اختلف العلماء فى الصلاة معهما ثم انصرف إلى بغداد فمال الخلق إليه واجتمعوا عليه وصنف بها كتاب العمد وسألوه المقام بها فأبى إلا الرجوع إلى وطنه فرجع إلى خوارزم واستقر بها إلى أن مات يوم الجمعة ودفن يوم السبت سنة نيف وأربعين وثلاثمائة وأكثر الناس فيه المراثى قال صاحب الكافى ولا أرى له رواية فى الحديث فلعله كان فقيها صرفا ولو كانت له أحاديث لكان له ذكر فى تاريخ بغداد وتاريخ سمرقند ولا ذكر له فيهما وفيه لما مات يقول أحمد بن محمد بن إبراهيم بن قطن ليبك دما من كان للدين باكيا ** فإن إمام الناس أصبح ثاويا فقدنا بفقدان الفقيه محمد ** مكارم غادرن العيون هواميا ومنها تشبه آباء كراما كأنهم ** مصابيح تجلو المظلمات الدواجيا سعيدا وعبد الله والشيخ ذا النهى ** محمدا البر العفيف المواليا دعائم هذا الدين عاشوا أعزه ** وماتوا كراما لم يحوزوا المساويا وهى طويلة أتى صاحب الكافى على عامتها قال وخلف ولدا اسمه أبو بكر عبد الله كان رشيدا فاضلا بلغ درجة أسلافه فى العلم والورع
قال حضرت مجلس أبى إسحاق المروزى فسمعته يقول قال لنا القاضى أبو العباس بن سريج بأى شيء يتخرج المرء فى التعلم فأعيا أصحابنا الجواب فقلت أنا بتفكره فى الفائدة التى تجرى فى المجلس فقال أصبت بهذا يتخرج المتعلم قال أبو سعيد الكرابيسى سئل عن بيع التراب من الأرض قدر ذراع من الأرض عمقا فى عرض وطول معلوم لضرب اللبن فقال لا يجوز لأن الأرض يختلف ترابها وأسبانيكث بضم الألف وسكون السين المهملة وفتح الباء الموحدة وكسر النون وسكون آخر الحروف وفتح الكاف وفى آخرها الثاء المثلثة وسيعود إن شاء الله ذكر هذه النسبة فى ترجمة سعيد بن حاتم وهذا كنيته أبو بكر ولى القضاء قال أبو العباس المستغفرى كان من أورع الحكام وأفضلهم وأنزههم قال وكان القاضى نسف قال وكان قد درس الفقه على أبى بكر أحمد بن الحسن الفارسى وكان من جملة فقهاء الشافعى وكان قليل الحديث قال وسمعت الحاكم أبا عبد الله بن أبى شجاع الأسبانيكثى يقول سمعت أبا الحسن على بن زكرياء الفقيه المفتى بالشاش وكان من أصحاب أبى بكر الفارسى يقول لم يكن أحد من أصحاب أبى بكر الفارسى أخذ منه فقهه وكلامه وتدقيقه كما أخذ أبو بكر الأسبانيكثى ولو أن إنسانا سمعه يتكلم من وراء جدار ما شك أنه أبو بكر الفارسى مات سنة خمس أو ست وسبعين وثلاثمائة بالسغد شيخ عصره وقدوة أهل زمانه وإمام وقته فى الفقه والنحو والتفسير واللغة والشعر والعروض والكلام والتصوف وغير ذلك من أصناف العلوم أجمع أهل عصره على أنه بحر العلم الذى لا ينزف وإن كثرت الدلا وجبل المعارف التى لا تمر بها الخصوم إلا كما يمر الهوا ولد سنة ست وتسعين ومائتين وأول سماعه سنة خمس وثلاثمائة سمع ابن خزيمة وعنه حمل الحديث وأبا العباس السراج وأبا العباس أحمد بن محمد الماسرجسى وأبا قريش محمد بن جمعة وأحمد بن عمر المحمداباذى وأبا محمد بن أبى حاتم وإبراهيم بن عبد الصمد وأبا بكر ابن الأنبارى والمحاملى وغيرهم وتفقه على أبى إسحاق المروزى وطلب العلم وتبحر فيه قبل خروجه إلى العراق بسنين قال الحاكم لأنه ناظر فى مجلس أبى الفضل البلعمى الوزير سنة سبع عشرة وثلاثمائة وتقدم فى المجلس إذ ذاك ثم خرج إلى العراق سنة اثنتين وعشرين وهو إذ ذاك أوحد بين أصحابه ثم دخل البصرة ودرس بها سنين فلما نعى إليه عمه أبو الطيب وعلم أن أهل أصبهان لا يخلون عنه فى انصرافه خرج مختفيا منهم فورد نيسابور فى رجب سنة سبع وثلاثين وهو على الرجوع إلى الأهل والولد والمستقر من أصبهان فلما ورد جلس لمأتم عمه ثلاثة أيام فكان الشيخ أبو بكر بن إسحاق يحضر كل يوم فيقعد معه هذا على قلة حركته وكذلك كل رئيس ومرؤوس وقاض ومفت من الفريقين فلما انقضت الأيام عقدوا له المجلس غداة كل يوم للتدريس والإلقاء ومجلس النظر عشية الأربعاء واستقرت به الدار ولم يبق فى البلد موافق ولا مخالف إلا وهو مقر له بالفضل والتقدم وحضره المشايخ مرة بعد أخرى يسألونه أن ينقل من خلفهم وراءه بأصبهان فأجاب إلى ذلك ودرس وأفتى ورأس أصحابه بنيسابور اثنتين وثلاثين سنة وكان يسأل عن التحديث فيمتنع أشد الامتناع إلى غرة رجب سنة خمس وستين وثلاثمائة سئل فأجاب للإملاء وقعد للتحديث عشية يوم الجمعة قال الحاكم سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق عشية يوم الجمعة قال الحاكم سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق الإمام غير مرة وهو يعوذ الأستاذ أبا سهل وينفث على دعائه ويقول بارك الله فيك لا أصابتك العين هذا فى مجالس النظر عشية السبت للكلام وعشية الثلاثاء للفقه قال وسمعت أبا على الإسفراينى يقول سمعت أبا إسحاق المروزى يقول ذهبت الفائدة من مجلسنا بعد خروج أبى سهل النيسابورى قال وسمعت أبا بكر محمد بن على القفال الفقيه ببخارى يقول قلت للفقيه أبى سهل بنيسابور حين أراد مناظرتى هذا ستر قد أسبله الله على فلا تسبق إلى كشفه قال وسمعت أبا منصور الفقيه يقول سئل أبو الوليد عن أبى بكر القفال وأبى سهل أيهما أرجح فقال ومن يقدر أن يكون مثل أبى سهل وعن أبى بكر الصيرفى خرج أبو سهل إلى خراسان ولم ير أهل خراسان مثله وعن الصاحب أبى القاسم بن عباد لا يرى مثله ولا رأى هو مثل نفسه وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى أبو سهل الصعلوكى صاحب أبى إسحاق المروزى كان فقيها أديبا شاعرا متكلما مفسرا صوفيا كاتبا وعنه أخذ فقهاء نيسابور وابنه أبو الطيب وقال الأستاذ أبو القاسم القشيرى سمعت أبا عبد الرحمن السلمى يقول وهب الأستاذ أبو سهل جبته من إنسان فى الشتاء وكان يلبس جبة النساء حين يخرج إلى التدريس إذ لم تكن له جبة أخرى فقدم الوفد المعروفون من فارس فيهم فى كل نوع إمام من الفقهاء والمتكلمين والنحويين فأرسل إليه صاحب الجيش وهو أبو الحسن وأمره أن يركب للاستقبال فلبس دراعة فوق تلك الجبة التى للنساء وركب فقال صاحب الجيش إنه يستخف بى إمام البلد يركب فى جبة النسوان ثم إنه ناظرهم أجمعين وظهر كلامه على كلام جميعهم فى كل فن وقال الأستاذ أبو القاسم سمعت أبا بكر بن إشكاب يقول رأيت الأستاذ أبا سهل فى المنام على هيئة حسنة لا توصف فقلت يا أستاذ بم نلت هذا فقال بحسن ظنى بربى وحكى أن أبا نصر الواعظ وكان حنفيا فى زمان الأستاذ أبى سهل انتقل إلى مذهب الشافعى فسئل عن ذلك فقال رأيت النبى فى المنام مع أصحابه قاصدا لعيادة الأستاذ أبى سهل وكان مريضا قال فتبعته ودخلت عليه معه وقعدت بين يدى النبى متفكرا فقلت إن هذا إمام أصحاب الحديث وإن مات أخشى أن يقع الخلل فيهم فقال رسول الله لى ( لا تفكر فى ذلك إن الله لا يضيع عصابة أنا سيدها ) قلت صحب الأستاذ أبو سهل من أئمة التصوف المرتعش والشبلى وأبا على الثقفى وغيرهم وحكى عنه أنه قال ما مرت بى جمعة وأنا ببغداد إلا ولى على الشبلى وقفة أو سؤال وأنه قال دخل الشبلى على أبى إسحاق المروزى فرآنى عنده فقال ذا المجنون من أصحابك لا بل من أصحابنا وقال السلمى سمعت أبا سهل يقول ما عقدت على شيء قط وما كان لى قفل ولا مفتاح ولا صررت على فضة ولا ذهب قط قال الحاكم توفى الأستاذ أبو سهل يوم الثلاثاء خامس عشر ذى القعدة سنة تسع وستين وثلاثمائة وصلى عليه ابنه أبو الطيب ودفن فى المجلس الذى كان يدرس فيه
أخبرنا أحمد بن على الجزرى بقراءتى وفاطمة بنت إبراهيم بن أبى عمر قراءة عليهما وأنا أسمع قالا أخبرنا إبراهيم بن خليل حضورا أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن ابن على بن المسلم أخبرنا أبو الحسن على بن الحسن بن الحسين الموازينى أخبرنا الشيخ أبو الفضل أحمد بن محمد بن أبى الفراتى سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمى يقول قلت يوما للأستاذ أبى سهل فى كلام يجرى بيننا فقال لى أما علمت أن من قال لأستاذه لم لا يفلح أبدا وبه قال سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن يقول قال الأستاذ أبو سهل لى يوما عقوق الوالدين يمحوها الاستغفار وعقوق الأستاذين لا يمحوها شيء أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا إن لم أكن قرأته عليه أخبرنا أبو الفضل أحمد ابن هبة الله بن تاج الأمناء أخبرنا محمد بن يوسف الحافظ أن زينب بنت أبى القاسم الشعرى أخبرته ح قال شيخنا وأخبرنا أبو الفضل أنها كتبت إليه تخبره أن إسماعيل بن أبى القاسم أخبرها أخبرنا عمر بن أحمد بن منصور قال أنشدنا أبو سهل محمد بن سليمان الحنفى إملاء أنشدنا أبو بكر الأنبارى أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى لقد هتفت فى جنح ليل حمامة ** إلى إلفها شوقا وإنى لنائم كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا ** لما سبقتنى بالبكاء الحمائم وبه قال أنشدنا الإمام أبو سهل لنفسه أنام على سهو وتبكى الحمائم ** وليس لها جرم ومنى الجرائم كذبت وبيت الله لو كنت عاقلا ** لما سبقتنى بالبكاء الحمائم
قال الحاكم سمعت الأستاذ أبا سهل ودفع إليه مسألة فقرأها علينا وهى تمنيت شهر الصوم لا لعبادة ** ولكن رجاء أن أرى ليلة القدر فأدعو إله الناس دعوة عاشق ** عسى أن يريح العاشقين من الهجر فكتب أبو سهل فى الحال تمنيت ما لو نلته فسد الهوى ** وحل به للحين قاصمة الظهر فما فى الهوى طيب ولا لذة سوى ** معاناة ما فيه يقاسى من الهجر قال الأستاذ أبو القاسم القشيرى سمعت أبا بكر بن فورك يقول سئل الأستاذ أبو سهل عن جواز رؤية الله تعالى من طريق العقل فقال الدليل عليه شوق المؤمنين إلى لقائه والشوق إرادة مفرطة والإرادة لا تعلق بالمحال فقال السائل ومن الذى يشتاق إلى لقائه فقال الأستاذ أبو سهل يشتاق إليه كل حر مؤمن فأما من كان مثلك فلا يشتاق روى الحاكم بإسناده إلى الأستاذ أبى سهل بإسناده إلى أبى نواس قال مضيت يوما إلى أزهر السمان فوجدت ببابه جماعة من أصحاب الحديث فجلست معهم أنتظر خروجه فمكث غير بعيد وخرج ووقف بين بابى داره ثم قال لأصحاب الحديث حوائجكم فجعلوا يذكرونها له ويحدثهم بما يسألونه ثم أقبل على وقال حاجتك يا حسن فقلت ولقد كنتم رويتم ** عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب ** أن سعد بن عبادة قال من مات محبا ** فله أجر الشهاده قال نعم يا خليع حدثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن سعد ابن عبادة قال قال رسول الله ( من مات محبا فى الله فله أجر الشهادة ) الفقه العجلى أبو الحسن البيهقى أحد الأئمة المشهورين بالفصاحة والبراعة والفقه والإمامة قال الحاكم فيه مفتى الشافعيين ومناظرهم ومدرسهم فى عصره وأحد المذكورين فى أقطار الأرض بالفصاحة والبراعة كان اختلافه بنيسابور إلى أبى بكر بن خزيمة وأقرانه ثم خرج إلى أبى العباس بن سريج ولزمه إلى أن تقدم فى العلم سمع بخراسان أبا عبد الله البوشنجى وأبا بكر الجارودى وداود بن الحسين وأقرانهم وبالعراق ابن جرير وغيره روى عنه الأستاذ أبو الوليد وغيره سمعت أبا سهل محمد بن سليمان الفقيه يقول حضرت مجلس الوزير أبى الفضل البلعمى فلما فرغ من المجلس دعا بأبى الحسن البيهقى فخيره بين قضاء الرى والشاش فامتنع إليه أشد الامتناع وتضرع إليه في الاستعفاء وكان آخر كلمة تكلم بها أن قال له الوزير استشر واستخر واقترح ولا تخالف توفى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة سمع الكثير بنيسابور ولم يسمع بغيرها وكان صبورا على الفقر لا يأكل إلا من كسب يده سمع السرى ابن خزيمة وغيره روى عنه أبو بكر بن إسحاق وأبو على الحافظ وغيرهما مات فى سلخ ربيع الأول سنة أربعين وثلاثمائة وصلى عليه أبو عبد الله بن الأخرم الحافظ ولما دفن وقف على قبره وترحم عليه وأثنى عليه وحكى أنه صاحبه من سنة سبعين ومائتين إلى حينئذ فما رآه أتى شيئا لا يرضاه الله عز وجل ولا سمع منه شيئا يسأل عنه الفقيه إمام الشافعية بتلك الديار قال جعفر المستغفرى كان فقيها عارفا باختلاف العلماء نقى الحديث صحيحه ما كتب إلا عن الثقات سمع على بن عبد العزيز بمكة وموسى بن هارون وطائفة توفى فى رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة بنسف الأديب المذكر المفسر كان كثير العلوم فصيحا بالغا فى الذكر والوعظ سمع عبد الله بن محمد بن الشرقى وأبا حامد بن بلال وأبا على الثقفي وأقرانهم توفى فى شهر رمضان سنة خمس وستين وثلاثمائة وكان أولا حنفى المذهب ثم انتقل إلى مذهبنا رئيس هراة مولده سنة أربع وتسعين ومائتين وسمع محمد بن معاذ المالينى وأبا نصر محمد بن عبد الله القيسى وحاتم بن محبوب وأبا عمرو الحيرى ومؤمل بن الحسن الماسرجسى ويحيى بن صاعد وعبد الرحمن بن أبى حاتم وغيرهم روى عنه الدارقطنى والحاكم أبو عبد الله وأبو يعقوب القراب وأبو بكر البرقانى وأبو الفتح بن أبى الفوارس وغيرهم قال الخطيب كان ثقة نبيلا من ذوى الأقدار العالية وقال سمعت البرقانى يقول كان ملك هراة تحت أمر ابن أبى ذهل لقدره وأبوته وقال الحاكم لقد صحبته سفرا وحضرا فما رأيت أحسن وضوءا منه ولا أحسن صلاة ولا رأيت فى مشايخنا أحسن تضرعا وابتهالا فى دعواته منه لقد كنت أراه يرفع يديه إلى السماء فيمدهما مدا كأنه يأخذ شيئا من أعلى مصلاه وكان يضرب له دنانير وزن الدينار منها مثقال ونصف أو أكثر فيتصدق بها ويقول إنى لأفرح إذا ناولت فقيرا كاغدا فيتوهم أنه فضة فإذا فتحه ورأى صفرته فرح ثم إذا وزنه فزاد على المثقال فرح أيضا وكانت له غلة كثيرة لا يدخل داره إلا دون عشرها والباقى يفرقه على المستورين وسائر المستحقين حتى إن جماعة من أهل العلم لم يكن لهم قوت إلا من غلته قال الحاكم ولقد سألت عن أعشار غلات أبى عبد الله كم تبلغ فقيل ربما زادت على ألف حمل وحدثنى أبو أحمد الكاتب أن النسخة التى كانت عنده بأسماء من يقوتهم أبو عبد الله بهراة تزيد على خمسة آلاف بيت وقال أبو النصر عبد الرحمن الفامى إن أبا عبد الله صنف صحيحا على صحيح البخارى وإنه تفقه ببغداد وإنه لم يجتمع لرئيس بهراة ما اجتمع له من آلات السيادة وحكى أن أبا جعفر العتبى وزير السلطان ألزم أبا عبد الله عن أمر السلطان أن يتقلد ديوان الرسائل فامتنع فقال له هذا قضاء القضاة بكور خراسان ولا تخرج عن حد العلم ولو عرفت اليوم فى مشايخ خراسان من يدانيك فى شمائلك لأعفيتك فبكى أبو عبد الله وقال له إن أعفانى السلطان عن هذا العمل فبفضله على وعلى أصحابى بهراة وإن أكرهنى عليه لبست مرقعة وخرجت على وجهى حتى لا يعلم بمكانى أحد فأعفى وعن أبى عبد الله ما مست يدى دينارا ولا درهما منذ ثلاثين سنة هذا مع كثرة أمواله وصدقاته قال الحاكم سمعت أبا عبد الله بن أبى ذهل يقول سمعت أبا بكر الشبلى وسئل عن الرجل يسمع الشيء ولا يفهم معناه فيتواجد عليه لم هذا فأنشأ الشبلى يقول رب ورقاء هتوف بالضحى ** ذات شجو صدحت فى فنن ذكرت إلفا ودهرا سالفا ** فبكت حزنا فهاجت حزنى فبكائى ربما أرقها ** وبكاها ربما أرقنى ولقد تشكو فما أفهمها ** ولقد أشكو فما تفهمنى غير أنى بالجوى أعرفها ** وهى أيضا بالجوى تعرفنى استشهد ابن أبى ذهل فى رستاق خواف من نيسابور بعد ما خرج من الحمام لطخ ثوبه وألبسه فمات لتسع بقين من صفر سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة سمع ببلده أحمد بن عصام وأسيد بن عاصم وأحمد بن رستم وعبيد الغزال وبفارس أحمد بن مهران بن خالد وببغداد أحمد بن عبيد الله النرسى ومحمد بن الفرج الأزرق وأبا بكر بن أبى الدنيا وبمكة على بن عبد العزيز وجماعة وسمع المسند من عبد الله بن أحمد وكتب مصنفات إسماعيل القاضى ورحل إلى الحسن بن سفيان وحصل المسند ومصنفات ابن أبى شيبة روى عنه أبو على الحافظ والحاكم أبو عبد الله ومحمد بن إبراهيم الجرجانى ومحمد بن موسى الصيرفى وأبو الحسين الحجاجى وأبو عبد الله ابن مندة وآخرون قال الحاكم هو محدث عصره كان مجاب الدعوة لم يرفع رأسه إلى السماء كما بلغنا نيفا وأربعين سنة وصنف فى الزهديات وورد نيسابور قبل الثلاثمائة فسكنها قال الحاكم وكان وراقه أبو العباس المصرى خانه واختزل عيون كتبه وأكثر من خمسمائة جزء من أصوله فكان أبو عبد الله يجامله جاهدا فى استرجاعها منه فلم ينجع فيه شيء وكان كبير المحل فى الصنعة فذهب علمه بدعاء الشيخ عليه توفى فى ذى القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وله ثمان وتسعون سنة سمع من أبى بكر محمد بن حمدون وما أدرى هل هو عمه أو لا ومن أبى حامد بن الشرقى وأبى نعيم بن عدى وغيرهم روى عنه أحمد بن منصور المغربى وأبو عثمان سعيد البحيرى وغيرهما وحدث سنين وانتفع به الخلق علما ودينا توفى بنيسابور فى ذى الحجة سنة تسعين وثلاثمائة الإمام علما ودينا ذو الدعوة المجابة مولده سنة ست عشرة وثلاثمائة وتفقه بخراسان على أبى الوليد النيسابورى وبالعراق على ابن أبى هريرة وسمع أبا حامد بن بلال ومحمد بن الحسين القطان وإسماعيل الصفار وأبا سعيد ابن الأعرابى وآخرين ودخل الحجاز واليمن وأدرك الأسانيد العالية وقرأ علم الكلام على أبى سهل الخليطى قال فيه الحاكم الأديب الزاهد من العلماء الزهاد المجتهدين قال وكان من المجتهدين فى العبادة الزاهدين فى الدنيا تجنب السلاطين وأولياءهم إلى أن خرج من دار الدنيا وهو ملازم لمسجده ومدرسته قد اقتصر على أوقاف لسلفه عليه قوت يوم بيوم تخرج به جماعة من العلماء الواعظين وظهر له من مصنفاته أكثر من ثلاثمائة كتاب مصنف قال وقد ظهر لنا فى غير شيء أنه كان مجاب الدعوة مرض أبو منصور الفقيه يوم الأربعاء سادس عشر رجب واشتد به المرضى يوم الثلاثاء السابع من ابتداء مرضه فبكرت إليه وقد ثقل لسانه وكان يشير بأصبعه بالدعاء ثم قال لى بجهد جهيد تذكر قصة محمد بن واسع مع قتيبة بن مسلم فقلت تفيد فقال إن قتيبة كان يجرى على محمد بن واسع تلك الأرزاق وهو شيخ هرم ضعيف فعوتب على ذلك فقال أصبعه فى الدعاء أبلغ فى النصر من رماحكم هذه ثم عدت إليه يوم الثلاثاء فقال لى بعد جهد جهيد أيها الحاكم غير مودع فإنى راحل فكان يقاسى لما احتضر من الجهد ما يقاسيه وأنا أقول لأصحابنا إنه يؤخذ ليلة الجمعة فتوفى رحمه الله وقت الصبح من يوم الجمعة الرابع والعشرين من رجب سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة وغسله أبو سعيد الزاهد قلت أبو سعيد هو المتقدم محمد بن عبد الله بن حمدون أبو عبد الله المزنى الهروى أخو الشيخ أبى محمد المزنى الإمام سمع أحمد بن نجدة وعلى بن محمد بن عيسى الحكانى حدث بالعراق ونيسابور وهراة مات بنيسابور فى جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وقد قارب الثمانين الشيخ الإمام الجليل أبو بكر الأودنى وأودن قرية من قرى بخارى مضمومة الهمزة فيما قال ابن السمعانى مفتوحة فيما قال ابن ماكولا ومن تبعه سمع ببخارى أبا الفضل يعقوب بن يوسف العاصمى وأقرانه فمن مشايخه الهيثم ابن كليب الشاشى وعبد المؤمن بن خلف النسفى ومحمد بن صابر البخارى روى عنه أبو عبد الله الحاكم حديثين وروى عنه أيضا أبو عبد الله الحليمى ومحمد ابن أحمد بن غنجار وجعفر المستغفرى قال فيه الحاكم إمام الشافعيين بما وراء النهر فى عصره بلا مدافعة قدم نيسابور سنة خمس وستين وحج ثم انصرف فأقام عندنا مدة فى سنة ست وستين وكان من أزهد الفقهاء وأورعهم وأكثرهم اجتهادا فى العبادة وأبكاهم على تقصيره وأشدهم تواضعا وإخباتا وإنابة وقال الإمام فى النهاية كان الأودنى من دأبه أن يضن بالفقه على من لا يستحقه ولا يبديه وإن كان يظهر أثر الانقطاع عليه فى المناظرة وحكى أنه كان يذهب إلى الوجه الصحيح وهو أنه لا يجوز للعاصى بسفره أن يتناول الميتة عند الاضطرار لما فيه من التخفيف على العاصى وهو متمكن من دفع الهلاك عن نفسه بأن يتوب ثم يأكل قال الإمام فلما ألزم الأودنى بهذه المسألة وأخذ الملزم يقول هذا سعى فى إهلاك نفس معصومة مصونة فكان الأودنى يقول لمن بالقرب منه ت ب ك ل يريد تب كل معناه أنه الساعى فى دم نفسه باستمراره على عصيانه فإن أراد الميتة فليتب ثم يأكل توفى الأودنى ببخارى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة الإمام الفقيه المحدث سمع بخراسان من أبى عمرو الحيرى والمؤمل بن الحسن ومكى بن عبدان وغيرهم وبالرى من ابن أبى حاتم وأكثر عنه وببغداد من ابن مخلد والمحاملى وغيرهما وأكثر بنيسابور عن أبى حامد بن الشرقى روى عنه الحاكم أبو عبد الله فى التاريخ أربعة أحاديث وحكاية قدمناها فى ترجمة ابن الشافعى وقال كان من أعيان فقهاء الشافعيين كثير السماع والحديث كان حانوته مجمع الحفاظ والمحدثين فى مربعة الكرمانيين على باب خان مكى وكنا نقرأ على أبى عبد الله بن يعقوب على باب حانوته قلت كلام الحاكم دال على أن الشيخ كان يبيع الصبغ بنفسه أو يعمله بنفسه فى الحانوت على عادة العلماء المتقدمين الذين كانوا يتسببون فى المعاش توفى فى ذى الحجة سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وهو ابن نيف وخمسين سنة وفى الرافعى فى القصاص فى مسألة المبادرة حكى عن الماسرجسى أنه قال سمعت أبا بكر الصبغى يقول كررتها على نفسى ألف مرة حتى تحققتها وفى بعض النسخ موضع الصبغى الصيرفى ولعل الصبغى أشبه وهو فيما أحسب هذا لا الإمام أبو بكر بن إسحاق وجوزق التى ينسب إليها قرية من قرى نيسابور وبهراة جوزق أخرى ينسب إليها أبو الفضل إسحاق الهروى الحافظ كلاهما بفتح الجيم ثم الواو الساكنة ثم الزاى المفتوحة ثم القاف كان أبو بكر أحد أئمة المسلمين علما ودينا وكان محدث نيسابور وابن أخت محدثها أبى إسحاق إبراهيم بن محمد المزكى روى عن أبى العباس السراج وأبى العباس الأصم وأبى نعيم بن عدى الجرجانى وأبى العباس الدغولى رحل إليه مع خاله إلى سرخس ومكى بن عبدان وأبى حامد بن الشرقى وأخيه عبدالله بن الشرقى وأبى سعيد بن الأعرابى وأبى على الصفار وغيرهم بنيسابور وسرخس وهمذان والرى ومكة وبغداد وغيرها روى عنه الحاكم أبو عبد الله والكنجروذى وسعيد بن محمد البحيرى ومحمد بن على الخشاب وسعيد بن أبى سعيد العيار وأحمد بن منصور بن خلف المغربى وآخرون وصنف المنسد الصحيح على كتاب مسلم وكتاب المتفق وله كتاب آخر فى المتفق أبسط من هذا المشهور فى نحو ثلاثمائة جزء يرويه أبو عثمان الصابونى وحكى عنه أنه قال أنفقت فى الحديث مائة ألف درهم ما كسبت به درهما توفى فى شوال سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة وهو ابن اثنتين وثمانين سنة قال أبو سعيد الكرابيسى كان من أجمل الناس وأحسنهم له البسطة والمكانة والقبول عند الجميع وكان إذا خرج إلى المسجد للقص على الناس فرآه الناس لم يتمالكوا عن البكاء وقال صاحب الكافى كان من مشاهير علماء منصورة وفضلاتهم وأتقيائهم من أصحاب الحديث قال الكرابيسى تفقه بخوارزم على أبيه وسمع منه الحديث ثم خرج إلى العراق فسمع سعدان بن يزيد ومحمد بن عبيد الله بن المنادى وعبد الله بن حماد وحماد ابن المؤمل وجماعة وتوفى ولده سعيد بن محمد والد أبى أحمد فى حياته وكان فاضلا قد صنف كتاب الإرشاد وغيره أعنى سعيد بن محمد فأصيب والده بمصيبتين فى ولدين هو أحدهما والآخر أخوه اسمه أبو القاضى قتلته القرامطة فصبر والدهما أبو سعيد واحتسب توفى القاضى أبو سعيد سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة الإمام الجليل الأصولى أحد أصحاب الوجوه المسفرة عن فضله والمقالات الدالة على جلالة قدره وكان يقال إنه أعلم خلق الله تعالى بالأصول بعد الشافعى تفقه على ابن سريج وسمع الحديث من أحمد بن منصور الرمادى روى عنه على بن محمد الحلبى ومن تصانيفه شرح الرسالة وكتاب فى الإجماع وكتاب فى الشروط توفى سنة ثلاثين وثلاثمائة
حكى الشيخ أبو محمد الجوينى فى شرح الرسالة أن الشيخ أبا بكر الصيرفى اجتمع بالشيخ أبى الحسن فقال له أبو الحسن أنت تقول بوجوب شكر المنعم بناء على ما ذكرت من أنه يحتمل إرادة الشكر فإذا لم يشكر عاقبه عليه وقولك هذا مع اعتقاد أن الله خلق كفر الكافر وأراده متناقض فإما أن تقول أفعالنا مخلوقة لنا أو تقول شكر المنعم لا يجب أبدا لمجرده قال ولم قال مذهبك أن الله يريد كفر الكافر وإرادته كفره لا توجب الكفر فهب أنه تعالى أراد منا الشكر فإرادته لا توجب الشكر كما لا توجب الكفر فإما أن تنفى إرادة الله تعالى الكفر وتمشى على مذهب المعتزلة ويمشى لك أصلك وإما أن تترك هذا المذهب فقال الصيرفى ترك القول بوجوب الشكر أهون فاعتقده ثم كان يكتب على حواشى كتبه حيث يصير وجوب شكر المنعم بمجرده مهما قلنا بوجوبه قلناه مع قرينة الشرع والسمع به قلت وفى المناظرة دلالة على ما قال القاضى أبو بكر فى كتاب التقريب والأستاذ أبو إسحاق فى التعليقة من أن طوائف من الفقهاء ذهبت إلى مذاهب المعتزلة فى بعض المسائل غافلين عن تشعبها عن أصولهم الفاسدة كما سنحكيه إن شاء الله فى ترجمة القفال الكبير فى هذه الطبقة وأقول جواب الصيرفى أن يقول إيجاب الشكر لاحتمال أنه يقال أوجبه لا أنه يقال أراده ومثل هذا لا يجئ فى الكفر فإنا على يقين بأنه يقال ما أوجبه بل حرمه وإن أراده وليس يلزم من إرادته إياه إيجابه له فليس فى إيجاب شكر المنعم مناقضة للقول بأنه تعالى مريد الكائنات بأسرها خيرها وشرها . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون اللام وفتح العين المهملة وفى آخرها الميم وزير إسماعيل بن أحمد صاحب خراسان استولى جده رجاء على بلعم وهى بلد من بلاد الروم حين دخلها مسلمة بن عبد الملك وأقام فيها وكثر نسله بها فنسبوا إليها وكان الوزير أبو الفضل من أصحاب محمد بن نصر المروزى قال الحاكم كان كثير السماع من مشايخ عصره بمرو وبخارى ونيسابور وسمرقند وسرخس وكان قد سمع أكثر الكتب من محمد بن نصر قال وسمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه غير مرة يقول كان الشيخ أبو الفضل البلعمى ينتحل مذهب الحديث قال ابن الصلاح إذا أطلقوا هذا هناك انصرف إلى مذهب الشافعى ولأبى الفضل مصنفات كتاب تلقيح البلاغة وكتاب المقالات قال ابن ماكولا توفى فى صفر سنة تسع وعشرين وثلاثمائة سمع أبا العباس الأصم وأقرانه وحدث توفى فى شوال سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ولد سنة إحدى وستين ومائتين سمع الحديث من موسى بن سهل الوشاء ومحمد بن يونس الكديمى وأحمد بن عبيد الله النرسى وإبراهيم بن الهيثم البلدى وأحمد بن سعيد الجمال وبشر بن موسى الأسدى وجماعة روى عنه أبو عبد الله الحاكم وأبو الحسن بن رزقويه وأبو الحسين بن بشران وأحمد ابن عبد الله المحاملى وأبو على بن شاذان وهو آخر من حدث عنه روى الخطيب أن ابن المرزبان قال كان ابن ماسى من دار كعب ينفذ إلى غلام ثعلب وقتا بعد وقت كفايته لما ينفق على نفسه فقطع عنه ذلك مدة لعذرثم أنفذ إليه جملة ما كان فى رسمه وكتب إليه رقعة يعتذر من تأخير ذلك فرده وأمر من بين يديه أن يكتب على ظهر رقعته أكرمتنا فملكتنا ثم أعرضت عنا فأرحتنا قال الخطيب سمعت غير واحد يحكى أن الأشراف والكتاب وأهل الأدب كانوا يحضرون عند أبى عمر الزاهد ليسمعوا منه كتب ثعلب وغيرها قال وكان جميع شيوخنا يوثقونه في الحديث وقال أبو على التنوخى من الرواة الذين لم ير قط أحفظ منهم أبو عمر غلام ثعلب أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة فيما بلغنى حتى اتهموه لسعة حفظه فكان يسأل عن الشيء الذى يظن السائل أنه قد وضعه فيجيبه عنه ثم يسأله غيره عنه بعد سنة فيجيب بذلك الجواب وقال عبد الواحد بن على بن برهان لم يتكلم فى اللغة أحد أحسن من كلام أبى عمر الزاهد قال وله كتاب غريب الحديث صنفه على مسند أحمد ونقل أن صناعة أبى عمر كانت التطريز وكان اشتغاله بالعلم قد منعه من التكسب فلم يزل مضيقا عليه وله من التصانيف غريب الحديث وكتاب الياقوتة وفائت الفصيح والعشرات والشورى وتفسير أسماء الشعراء وكتاب القبائل وكتاب النوادر وكتاب يوم وليلة وغير ذلك وفيه يقول أبو العباس أحمد اليشكرى أبو عمر أوفى من العلم مرتقى ** يزل مساميه ويردى مطاوله فلو أننى أقسمت ما كنت كاذبا ** بأن لم ير الراؤون بحرا يعادله إذا قلت شارفنا أواخر علمه ** تفجر حتى قلت هذا أوائله واتفقت له غريبة مع القاضى أبى عمر وكان أبو عمر غلام ثعلب مؤدب ولد القاضى أبى عمر فأملى ثلاثين مسألة بشواهدها وأدلتها من كلام العرب واستشهد فى تضاعيفها ببيتين غريبين جدا فعرضهما القاضى أبو عمر على ابن دريد وابن الأنبارى وابن مقسم فلم يعرفوهما ولا عرفوا غالب ما ذكر من الأبيات وقال ابن دريد هذا مما وضعه أبو عمر من عنده فلما جاء أبو عمر ذكر له القاضى ما قال ابن دريد فطلب من القاضى أن يحضر له ما فى داره من دواوين العرب فلم يزل يأتيه بشاهد لما ذكره بعد شاهد حتى خرج من الثلاثين مسألة ثم قال وأما البيتان فإن ثعلبا أنشدناهما وأنت حاضر فكتبتهما فى دفترك فطلب القاضى دفتره فإذا هما فيه فلما بلغ ذلك ابن دريد كف لسانه عن أبى عمر الزاهد حتى مات توفى فى ثالث عشر ذى القعدة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة ببغداد الجامع بين العلم والتقوى والمتمسك من حبال الشريعة بالسبب الأقوى والسالك للطريقة التى لا عوج فيها والحاوى للصفات التى ليس سوى المصطفين الأخيار تصطفيها قال فيه الحاكم الإمام المقتدى به فى الفقه والكلام والوعظ والورع والعقل والدين قال وطلب العلم على كبر السن فإن ابتداءه كان التصوف والزهد والورع وقال غيره كان إماما فى أكثر علوم الشرع مقدما فى كل فن عطل أكثر علومه واشتغل بعلم الصوفية وتكلم عليهم أحسن كلام وبه ظهر التصوف بنيسابور سمع بنيسابور من محمد بن عبد الوهاب وأقرانه وبالرى من موسى بن نصر وأقرانه وببغداد من أحمد بن حيان بن ملاعب ومحمد بن الجهم السمرى وأقرانهما روى عنه أبو بكر بن إسحاق وغيره من الأئمة وتفقه على محمد بن نصر المروزى ولقى فى التصوف أبا جعفر وحمدون القصار قال الحاكم سمعت عبد الرحمن بن أحمد الصفار يقول سمعت أبا بكر ابن إسحاق يقول سمعت أبا القاسم الشيروانى يقول ما ولد فى الإسلام بعد رسول الله والصحابة رضى الله عنهم أعقل من أبى على الثقفى وحكى أن أبى بكر الشبلى بعث رجلا من أهل العلم قاصدا إلى نيسابور وأمره أن يعلق مجلسى أبى على الثقفى بالغداة والعشى لسنة كاملة ويحملها إلى حضرته فحضر الرجل وكان يحضر المجلس بحيث لا يعلم به فى غمار الناس ويعلق كلامه فى المجلسين إلى أن تمت السنة فانصرف إلى بغداد وعرض على الشبلى تلك المجالس وقد أفرد منها مجالس الغدوات من مجالس العشى فتأملها الشبلى فقال كلام هذا الرجل بالغدوات فى علم الحقائق معجز وكلامه بالعشيات ردى فاسد بعيد عن تلك العلوم وذلك أنه كان يخلو ليله بسره فيصفو كلامه بالغدوات فقال له الشبلى هل رأيت بداره شيئا من الفرش والأوانى التى يتجمل بها أهل الدنيا فقال أما الفرش فنعم وكنت أرى طستا دمشقيا فى زاوية من زوايا البيت فصاح الشبلى ثم قال فهذا الذى يغير عليه أحواله وروى بسنده إلى ابن خزيمة أنه استفتى فى مسائل فدعا بدواة ثم قال لأبى على الثقفى أجب فأخذ أبو على القلم وجعل يكتب الأجوبة ويضعها بين يدى ابن خزيمة وهو ينظر فيها ويتأمل مسألة مسألة فلما فرغ منها قال له يا أبا على ما يحل لأحد منا بخراسان أن يفتى وأنت حى وروى عن أبى العباس ابن سريج أنه قال ما جاءنا من خراسان أفقه منه وعن أبى عثمان الحيرى إنه لينفعنى فى نفسى إذا نظرت إلى خشوع هذا الفتى يعنى أبا على الثقفى رحمه الله قال الحاكم توفى أبو على الثقفى ليلة الجمعة ودفن يوم الجمعة الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وهو ابن تسع وثمانين سنة قال وشهدت الصلاة عليه ودفنه ولا أذكر أنى رأيت بنيسابور بعده مثل ذلك الجمع قال وسمعته يقول فى دعائه إنك أنت الوهاب الوهاب الوهاب ولست أحفظ عنه غيرها قلت ومن ذكائه حفظ هذا القدر فقد كان عمره يوم وفاة الثقفى سبع سنين وقد أطال الحاكم فى ترجمة الأستاذ أبى على وأجاد فيها
يا من باع كل شيء بلا شيء واشترى لا شيء بكل شيء وقال أف من أشغال الدنيا إذا هى أقبلت وأف من حسراتها إذا هى أدبرت والعاقل من لا يركن إلى شيء إذا أقبل كان شغلا وإذا أدبر كان حسرة وقال أربعة أشياء لابد للعاقل من حفظهن الأمانة والصدق والأخ الصالح والسريرة وقال لو أن رجلا جمع العلوم كلها وصحب طوائف الناس لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة من شيخ أو إمام أو مؤدب ناصح ومن لم يأخذ أدبه من آمر له وناه يريه عيوب أعماله ورعونات نفسه لا يجوز الاقتداء به فى تصحيح المعاملات وقال ليس شيء أولى بأن تمسكه من نفسك ولا شيء أولى بأن تغلبه من هواك وقال من غلبه هواه توارى عنه عقله وقال الغفلة وسعت على الخلق الطريق فى معايشهم وأفعالهم والورع واليقظة ضيقا عليهم ذلك وقال من صحب الأكابر على غير طريق الحرمة حرم فوائدهم وبركات نظرهم ولا يظهر عليه من أنوارهم شيء قال بعضهم حضرت مجلس أبى على فتكلم فى المحبة وأحوال المحبين وأنشد فى خلال تلك الأحوال إلى كم يكون الصد فى كل ساعة ** وكم لا تملين القطيعة والهجرا رويدك إن الدهر فيه كفاية ** لتفريق ذات البين فارتقبى الدهرا
قال أبو عاصم إن لأبى على كتابا أجاب فيه عن الجامع الصغير لمحمد بن الحسن وقال وفيه ذكر أنه إذا قال أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن كان كذا أو إن شاء فلان قال أبو حنيفة إن كان لشيء مضى وقع وإن كان بشيء مستقبل لم يقع وبطل خيارها قال الثقفى فيه احتمالان أحدهما أنه يقع فى الحال إذا وجد فى المجلس والثانى أنه يقع فى الحالين إذا وجد فى المجلس أو بعده وقال أبو على الزجاجى لا يقع بحال قلت الاحتمالان غريبان وما ذكره الزجاجى هو المذهب ووراءه وجه فى الرافعى عن الحناطى أنه يصح تعليق المشيئة ويقع الطلاق إذا قال المعلق بمشيئته شئت ولكن لم يتعرض القائل لهذا الوجه إلى أنه هل يكون هذا دائما أو يختص بالمجلس وفقه أبى حنيفة دقيق ونظير المسألة لو قالت الزوجة طلقنى بألف درهم فقال أنت طالق على الألف إن شئت قال الأصحاب فى باب الخلع ليس بجواب لما فيه من التعليق بالمشيئة بل هو كلام يتوقف على مشيئة مستأنفة قال القاضى الحسين فى أول باب صفة الصلاة من تعليقته بعد ما حكى قول أبى حنيفة أنه لو نوى فى بيته أنه يخرج يصلى فى المسجد صح وإن عزبت نيته بعده ما نصه سألت أبا على الثقفى عن هذا فقال عندنا أنه يجوز ذلك إذا لم يخطر بباله شيء آخر إلى أن يدخل فى الصلاة فلو كان الأمر كما ذكره لم يبق بيننا وبينه فيه خلاف قلت أبو على الثقفى هذا رجل حنفى رآه القاضى حسين أما أبو على صاحبنا صاحب هذه الترجمة فلم يدركه أشياخ القاضى فضلا عنه نبهت عليه لئلا يقع فيه الغلط قاضى دمشق كانت داره بنواحى باب البريد وولى قضاء مصر سنة أربع وثمانين ومائتين ولم يل بعده قضاء مصر ولا قضاء الشام إلا شافعى المذهب غير ابن خديم قاضى الشام فإنه كان أوزاعى المذهب ثم لم يزل الأمر للشافعية مصرا وشاما إلى أن ضم الملك الظاهر بيبرس فى سنة أربع وستين وستمائة القضاة الثلاثة إلى الشافعية روى عنه الحسن الحصائرى وغيره وكان رجلا رئيسا يقال إنه الذى أدخل مذهب الشافعى إلى دمشق وإنه كان يهب لمن يحفظ مختصر المزنى مائة دينار وكان قد قام مع أحمد بن طولون فى خلع أبى أحمد الموفق ووقف عند المنبر يوم الجمعة وقال أيها الناس أشهدكم أنى خلعت أبا أحمد كم يخلع الخاتم من الأصبع فالعنوه فعل ذلك أبو زرعة بأمر أحمد بن طولون وكانت قد جرت وقعة بين ابن الموفق وبين خمارويه بن أحمد بن طولون تسمى وقعة الطواحين انتصر فيها أحمد بن الموفق ورجع إلى دمشق وكانت هذه الوقعة بنواحى الرملة فقال ابن الموفق لكاتبه أحمد بن محمد الواسطى انظر من كان يبغضنا فأخذ يزيد بن عبد الصمد وأبو زرعة الدمشقى والقاضى أبو زرعة مقيدين فاستحضرهم يوما فى طريقه إلى بغداد فقال أيكم القائل قد نزعت أبا أحمد فربت ألسنتهم ويئسوا من الحياة قال أبو زرعة الدمشقى أما أنا فأبلست وأما يزيد فخرس وكان تمتاما وكان أبو زرعة محمد بن عثمان أحدثنا سنا فقال أصلح الله الأمير فقال الواسطى قف حتى يتكلم أكبر منك فقلنا أصلحك الله هو يتكلم عنا فقال تكلم فقال والله ما فينا هاشمى صريح ولا قرشى صحيح ولا عربى فصيح ولكنا قوم ملكنا يعنى قهرنا ثم روى أحاديث فى السمع والطاعة وأحاديث فى العفو والإحسان وكان هو المتكلم بالكلمة التى يطالب بها وقال إنى أشهدك إيها الأمير أن نسائى طوالق وعبيدى أحرار ومالى حرام إن كان فى هؤلاء القوم أحد قال هذه الكلمة ووراءنا حرم وعيال وقد تسامع الناس بهلاكنا وقد قدرت وإنما العفو بعد القدرة فقال للواسطى أطلقهم أطلقهم لا كثر الله أمثالهم قلت وهذا من حسن تصرفه فإنه هو القائل لا هم فصدقت يمينه قال ابن زولاق ولى أبو زرعة مصر سنة أربع وثمانين ومائتين وكان يذهب إلى قول الشافعى ويوالى عليه وكان عفيفا شديد التوقف فى إنفاذ الأحكام وله مال كثير وضياع كبار بالشام قال وكان يرقى من وجع الضرس ويدفع إلى صاحب الوجع حشيشة توضع عليه فيسكن وكان يزن عن الغرماء الضعفى وربما أراد القوم النزهة فيأخذ الواحد بيد الآخر ويحضره إليه يطالبه فيقر له ويبكى فيرحمه القاضى ويزن عنه قال ابن الحداد الفقيه رحمه الله سمعت منصور بن إسماعيل يقول كنت عند أبى زرعة القاضى فذكر الخلفاء فقلت له أيها القاضى يجوز أن يكون السفيه وكيلا قال لا قلت فولى امرأة قال لا قلت فأمينا قال لا قلت فشاهدا قال لا قلت فيكون خليفة قال يا أبا الحسن هذه من مسائل الخوارج توفى أبو زرعة القاضى بدمشق سنة اثنتين وثلاثمائة نزيل نيسابور أحد الأدباء العلماء الزهاد تفقه عند أبى عبد الله الزبيرى بالبصرة ولقى أبا محمد القتبى وأخذ عنه وكان عالما بالفرائض أحد المؤذنين بنيسابور مقدما فى التأديب وممن تأدب عليه أبو عبد الله الحافظ وذكره فى تاريخه وحكى عنه أورادا نهارية جليلة من صلاة وقراءة قد كان يعانيها مع شغل التأديب وذكر أنه اختلف إليه أربع سنين فلما رآه أفطر إلا فى يومى العيد وأيام التشريق وسمع من أبى خليفة وعبدان الأهوازى وأقرانهما روى عنه الحاكم وسمع منه مختصر الزبيرى توفى فى ذى الحجة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة الإمام الجليل أحد أئمة الدهر ذو الباع الواسع فى العلوم واليد الباسطة والجلالة التامة والعظمة الوافرة كان إماما فى التفسير إماما فى الحديث إماما فى الكلام إماما فى الأصول إماما فى الفروع إماما فى الزهد والورع إماما فى اللغة والشعر ذاكرا للعلوم محققا لما يورده حسن التصرف فيما عنده فردا من أفراد الزمان قال فيه أبو عاصم العبادى هو أفصح الأصحاب قلما وأثبتهم فى دقائق العلوم قدما وأسرعهم بيانا وأثبتهم جنانا وأعلاهم إسنادا وأرفعهم عمادا وقال الحليمى كان شيخنا القفال أعلم من لقيته من علماء عصره وقال فى كتابه شعب الإيمان فى الشعبة السادسة والعشرين فى الجهاد إمامنا الذى هو أعلى من لقينا من علماء عصرنا صاحب الأصول والجدل وحافظ الفروع والعلل وناصر الدين بالسيف والقلم والموفى بالفضل فى العلم على كل علم أبو بكر محمد بن على الشاشى وقال الحاكم أبو عبد الله هو الفقيه الأديب إمام عصره بما وراء النهر للشافعيين وأعلمهم بالأصول وأكثرهم رحلة فى طلب الحديث وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى كان إماما وله مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء وله كتاب فى أصول الفقه وله شرح الرسالة وعنه انتشر فقه الشافعى بما وراء النهر وقال ابن الصلاح القفال الكبير علم من أعلام المذهب رفيع ومجمع علوم هو بها عليم ولها جموع قلت سمع القفال من ابن خزيمة وابن جرير وعبد الله المدائنى ومحمد بن محمد الباغندى وأبى القاسم البغوى وأبي عروبة الحرانى وطبقتهم روى عنه أبو عبد الله الحاكم وقال ورد نيسابور مرة على ابن خزيمة ثم ثانيا عند منصرفه من العراق ثم وردها على كبر السن وكتبنا عنه غير مرة ثم اجتمعنا ببخارى غير مرة فكتبت عنه وكتب عنى بخط يده وروى أيضا عنه أبو عبد الرحمن السلمى وأبو عبد الله الحليمى وابن مندة وأبو نصر عمر بن قتادة وغيرهم وذكر الشيخ أبو إسحاق أنه درس على ابن سريج قال ابن الصلاح والأظهر عندنا أنه لم يدركه وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر بلغنى أنه كان مائلا عن الاعتدال قائلا بالاعتزال فى أول مرة ثم رجع إلى مذهب الأشعرى قلت وهذه فائدة جليلة انفرجت بها كربة عظيمة وحسيكة فى الصدر جسيمة وذلك أن مذاهب تحكى عن هذا الإمام فى الأصول لا تصح إلا على قواعد المعتزلة وطالما وقع البحث فى ذلك حتى توهم أنه معتزلى واستند المتوهم إلى ما نقل أن أبا الحسن الصفار قال سمعت أبا سهل الصعلوكى وسئل عن تفسير الإمام أبى بكر القفال فقال قدسه من وجه ودنسه من وجه أى دنسه من جهة نصرة مذهب الاعتزال قلت وقد انكشفت الكربة بما حكاه ابن عساكر وتبين لنا بها أن ما كان من هذا القبيل كقوله يجب العمل بالقياس عقلا وبخبر الواحد عقلا وأنحاء ذلك فالذى نراه أنه لما ذهب إليه كان على ذلك المذهب فلما رجع لابد أن يكون قد رجع عنه فاضبط هذا وقد كنت أغتبط بكلام رأيته للقاضى أبى بكر فى التقريب والإرشاد وللأستاذ أبى إسحاق الإسفراينى فى تعليقه فى أصول الفقه فى مسألة شكر المنعم وهو أنهما لما حكيا القول بالوجوب عقلا عن بعض فقهاء الشافعية من الأشعرية قالا اعلم أن هذه الطائفة من أصحابنا ابن سريج وغيره كانوا قد برعوا فى الفقه ولم يكن لهم قدم راسخ فى الكلام وطالعوا على الكبر كتب المعتزلة فاستحسنوا عباراتهم وقولهم يجب شكر المنعم عقلا فذهبوا إلى ذلك غير عالمين بما تؤدى إليه هذه المقالة من قبيح المذهب وكنت أسمع الشيخ الإمام رحمه الله يحكى ما أقوله عن الأستاذ أبى إسحاق مغتبطا به فأقول له يا سيدى قد قاله أيضا القاضى أبو بكر ولكن ذلك إنما يقال فى حق ابن سريج وأبى على بن خيران والإصطخرى وغيرهم من الفقهاء الذاهبين إلى ذلك الذين ليس لهم فى الكلام قدم راسخ أما مثل القفال الكبير الذى كان أستاذا فى علم الكلام وقال فيه الحاكم إنه أعلم الشافعيين بما وراء النهر بالأصول فكيف يحسن الاعتذار عنه بهذا فلما وقفت على ما حكاه ابن عساكر انشرحت نفسى له وأوقع الله فيها أن هذه الأمور أشياء كان يذهب إليها عند ذهابه إلى مذهب القوم ولا لوم عليه فى ذلك بعد الرجوع وفى شرح الرسالة للشيخ أبى محمد الجوينى أن أصحابنا اعتذروا عن القفال نفسه حيث أوجب شكر المنعم بأنه لم يكن مندوبا فى الكلام وأصوله قلت وهذا عندى غير مقبول لما ذكرت وقد ذكر الشيخ أبو محمد بعد ذلك فى هذا الكتاب أن القفال أخذ علم الكلام عن الأشعرى وأن الأشعرى كان يقرأ عليه الفقه كما كان هو يقرأ عليه الكلام وهذه الحكاية كما تدل على معرفته بعلم الكلام وذلك لا شك فيه كذلك تدل على أنه أشعرى وكأنه لما رجع عن الاعتزال وأخذ فى تلقى علم الكلام عن الأشعري فقرأ عليه على كبر السن لعلى رتبة الأشعرى ورسوخ قدمه فى الكلام وقراءة الأشعرى الفقه عليه تدل على علو مرتبته أعنى مرتبة القفال وقت قراءته على الأشعرى وأنه كان بحيث يحمل عنه العلم قال الشيخ أبو إسحاق مات القفال سنة ست وثلاثين وثلاثمائة قال ابن الصلاح وهو وهم قطعا قلت أرخ الحاكم أبو عبد الله وفاته فى آخر سنة خمس وستين وثلاثمائة بالشاش وهو الصواب ومولده فيما ذكره ابن السمعانى سنة إحدى وتسعين ومائتين فيكون عمره حين توفى ابن سريج سبع سنين ويكون قد جاوز العشرين يوم موت الأشعرى بسنوات على الخلاف فى وفاة الأشعرى
حدثنى الحافظ أبو سعيد خليل بن كيكلدى العلائى من لفظه بالقدس الشريف أخبرنا القاسم بن المظفر عن محمود بن إبراهيم أخبرنا محمد بن أحمد المقدر أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب أخبرنا أبى الحافظ محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن على الشاشى حدثنا ابن أبى داود حدثنا إسحاق عن شاذان حدثنا سعيد عن الحسن بن عمارة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال سمعت النبى يقول وأنا رديف أبى طلحة ( لبيك بحجة وعمرة معا ) ومن نظم القفال وقد اختصر شيخنا الذهبى وأكثر من ترجمة على قوله فيما رواه البيهقى عن عمر بن قتادة أنه قال أنشدنا أبو بكر القفال لنفسه أوسع رحلى على من نزل ** وزادى مباح على من أكل نقدم حاضر ما عندنا ** وإن لم يكن غير بقل وخل فأما الكريم فيرضى به ** وأما البخيل فمن لم أبل ووقفت له أنا على قصيدة طنانة وكلمة بديعة شأنها عجيب وأنا موردها إن شاء الله أخبرنا يونس بن إبراهيم بن عبد القوى الدبابيسى إجازة قال أخبرنا أبو الحسن على بن أبى عبد الله بن المقير كتابة عن الحافظ أبى الفضل ابن ناصر قال كتب إلى أبو عبد الله محمد بن أبى نصر بن عبد الله الحميدى أخبرنا الشيخ أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم بن منصور الشاشى قدم علينا بغداد ونحن بها قراءة عليه أخبرنا الحافظ أبو طاهر محمد بن على بن محمد بن بويه الزراد قراءة عليه وأنا حاضر أسمع ببنج ده مروالروذ فى مدرسة مرست قال سمعت الشيخ الإمام أبا عبد الله الحسين بن الحسن الحليمى يقول أخبرنى عبد الملك بن محمد الشاعر أنه كان فيمن غزا الروم من أهل خراسان وما وراء النهر عام النفير وفيهم يومئذ أبو بكر محمد بن على ابن إسماعيل القفال إمام المسلمين فوردت من نقفور عظيم الروم على المسلمين قصيدة ساءتهم وشقت عليهم لما كان اللعين أجرى إليهم فيها من التثريب والتعيير وضروب الوعيد والتهديد وكان فى ذلك الجمع غير واحد من الأدباء والفصحاء والشعراء من كور خراسان وبلاد الشام ومدائن العراق فلم يكمل لجوابها من بينهم إلا الشيخ أبو بكر القفال وأخبر عبد الملك هذا أنه أسر بعد وصول جواب الشيخ إليهم فلما بلغ قسطنطينية اجتمع أحبارهم عليه يسألونه عن الشيخ من هو ومن أى بلد هو ويتعجبون من قصيدته ويقولون ما علمنا أن فى الإسلام رجلا مثله وأن الواردة من نقفور عليه لعائن الله تعالى كانت باسم الفضل الإمام المطيع الله أمير المؤمنين رحمه الله وهى من الملك الطهر المسيحى رسالة ** إلى قائم بالملك من آل هاشم أما سمعت أذناك ما أنا صانع ** بلى فعداك العجز عن فعل حازم فإن تك عما قد تقلدت نائما ** فإنى عما همنى غير نائم ثغوركم لم يبق فيها لوهنكم ** وضعفكم إلا رسوم المعالم فتحنا ثغور الأرمنية كلها ** بفتيان صدق كالليوث الضراغم ونحن جلبنا الخيل تعلك لجمها ** ويلعب منها بعضها بالشكائم إلى كل ثغر بالجزيرة آهل ** إلى جند قنسرينكم والعواصم وملطى مع سميساط من بعد كركر ** وفى البحر أصناف الفتوح القواصم وبالحدث البيضاء جالت عساكرى ** وكيسوم بعد الجعفرى المعالم ومرعش أذللنا أعزة أهلها ** فصارت لنا من بين عبد وخادم وسل بسروج إذ خرجنا بجمعه ** تميد به تعلو على كل قائم وأهل الرها لاذوا بنا وتحزموا ** بمنديل مولى جل عن وصف آدم وصبح رأس العين منا بطارق ** ببيض عدوناها بضرب الجماجم ودارا وميافارقين وأردنا ** صبحناهم بالخيل مثل الضراغم وملنا على طرسوس ميلة غابن ** أذقناهم فيها بحز الحلاقم وإأقريطش مالت إليها مراكبى ** على ظهر بحر مزبد متلاطم فحزناهم أسرا وسيقت نساؤهم ** ذوات الشعور المسبلات الفواحم هناك فتحنا عين زربة عنوة ** بهم فأبدنا كل طاغ وظالم نعم وفتحنا كل حصن ممنع ** فسكانه نهب النسور القشاعم إلى حلب حتى استبحنا حريمها ** وهدم منها سورها كل هادم وكم ذات خدر حرة علوية ** منعمة الأطراف غرثى المعاصم سبينا وسقنا خاضعات حواسرا ** بغير مهور لا ولا حكم حاكم وكم من قتيل قد تركنا مجندلا ** يصب دما بين اللها واللهازم وكم وقعة فى الدرب ذاقت كماتكم ** فسقناكم سوقا كسوق البهائم وملنا إلى أرتاحكم وحريمها ** بمعجزة تحت العجاج السوالم فأهوت أعاليها وبدل رسمها ** من الأنس وحشا بعد بيض نواعم إذا صاح فيها البوم جاوبه الصدى ** وأسعده فى النوح نوح الحمائم وأنطاك لم تبعد على وإننى ** سألحقها يوما بنزوة حازم ومسكن آبائى دمشق وإنه ** سيرجع فيها ملكها تحت خاتمى أياقطنى الرملات ويحكم ارجعوا ** إلى أرض صنعاكم وأرض التهائم ومصر سأفتحها بسيفى عنوة ** وأحرز أموالا بها فى غنائمى وكافور أغزوه بما يستحقه ** بمشط ومقراض ومص المحاجم ألا شمروا يا آل حران ويلكم ** أتتكم جيوش الروم مثل الغمائم فإن تهربوا تنجوا كراما أعفة ** من الملك المغرى بترك المسالم شمروا يا آل بغداد ويلكم ** فملككم مستضعف غير دائم رضيتم بأن الديلمى خليفة ** فصرتم عبيدا للعبيد الديالم فعودوا إلى أرض الحجاز أذلة ** وخلوا بلاد الروم أهل المكارم سألقى بجيشى نحو بغداد سالما ** إلى باب طاق ثم كرخ القماقم فأحرق أعلاها وأهدم سورها ** وأسبى ذراريها على رغم راغم ومنها إلى شيراز والرى فاعلموا ** خراسان قصدى بالجيوش الصوارم فأسرع منها نحو مكة سائرا ** أجر جيوشا كالليالي السواجم فأملكها دهرا سليما مسلما ** وأنصب كرسيا لأفضل عالم وأغزو يمانا أو بلاد يمامة ** وصنعاءها مع صعدة والتهائم وأتركها قفرا يبابا بلاقعا ** خلاء من الأهلين أرض المعالم وأسرى إلى القدس التى شرفت لنا ** عزيزا مكينا ثابتا للدعائم ملكنا عليكم حين جار قويكم ** وعاملتم بالمنكرات العظائم قضاتكم باعوا جهارا قضاءهم ** كبيع ابن يعقوب ببخس دراهم شيوخكم بالزور طرا تشاهدوا ** وبالبز والبرطيل فى كل عالم سأفتح أرض الشرق طرا ومغربا ** وأنشر دين الصلب نشر العمائم ثم ذكر ثلاثة أبيات لم أستجز حكايتها فأجاب الشيخ الإمام القفال الشاشى رحمه الله قائلا أتانى مقال لامرئ غير عالم ** بطرق مجارى القول عند التخاصم تخرص ألقابا له جد كاذب ** وعدد أثارا له جد واهم وأفرط إرعادا بما لا يطيقه ** وأدلى ببرهان له غير لازم تسمى بطهر وهو أنجس مشرك ** مدنسة أثوابه بالمداسم وقال مسيحى وليس كذاكم ** أخو قسوة لا يحتذى فعل راحم وليس مسيحيا جهولا مثلثا ** يقول لعيسى جل عن وصف آدم وما الملك الطهر المسيحى غادرا ** ولا فاجرا ركانة للمظالم تثبت هداك الله إن كنت طالبا ** لحق فليس الخبط فعل المقاسم ولا تتكبر بالذى أنت لم تنل ** كلابس ثوب الزور وسط المقاوم تعدد أياما أتت لوقوعها ** سنون مضت من دهرنا المتقادم سبقت بها دهرا وأنت تعدها ** لنفسك لا ترضى بشرك المساهم وما قدر أرتاح ودارا فيذكرا ** فخارا إذا عدت مساعى القماقم وما الفخر فى ركض على أهل غرة ** وهل ذاك إلا من مخافة هازم وهل نلت إلا صقع طرسوس بعد أن ** تسلمتها من أهلها كالمسالم ومصيصة بالغدر قتلت أهلها ** وذلك فى الأديان إحدى العظائم ترى نحن لم نوقع بكم وبلادكم ** وقائع يثنى ذكرها فى المواسم مئين ثلاثا من سنين تتابعت ** ندوس الذرى من هامكم بالمناسم ولم تفتح الأقطار شرقا ومغربا ** فتوحا تناهت فى جميع الأقالم أتذكر هذا أم فؤادك هائم ** فليس بناس كل ذا غير هائم ومن شر يوم للفتى هيمانه ** فيا هائما بل نائما شر نائم ولو كان حقا كل ما قلت لم يكن ** علينا لكم فضل وفخر مكارم فمنكم أخذنا كل ما قد أخذتم ** وأضعاف أضعاف له بالصماصم طردناكم قهرا إلى أرض رومكم ** فطرتم من السامات طرد النعائم لجأتم إليها كالقنافذ جثما ** أدلاهم عن حتفه كل حاطم ولولا وصايا للنبى محمد ** بكم لم تنالوا أمن تلك المجاثم فأنتم على خسر وإن عاد برهة ** إليكم حواشيها لغفلة قائم ونحن على فضل بما فى أكفنا ** وفخر عليكم بالأصول الجسائم ونرجو وشيكا أن يسهل ربنا ** لرد خوافى الريش تحت القوادم وعظمت من أمر النساء وعندنا ** لكم ألف ألف من إماء وخادم ولكن كرمنا إذ ظفرنا وأنتم ** ظفرتم فكنتم قدوة للألائم وقلت ملكناكم بجور قضاتكم ** وبيعهم أحكامهم بالدراهم وفى ذاك إقرارا بصحة ديننا ** وأنا ظلمنا فابتلينا بظالم وعددت بلدانا تريد افتتاحها ** وتلك أمان ساقها حلم حالم ومن رام فتح الشرق والغرب ناشرا ** لدين صليب فهو أخبث رائم ومن دان للصلبان يبغى به الهدى ** فذاك حمار وسمه فى الخراطم وليس وليا للمسيح مثلث ** فيرجوه نقفور لمحو المآثم وعيسى رسول الله مولود مريم ** غذته كما قد غذيت بالمطاعم وأما الذى فوق السموات عرشه ** فخالق عيسى وهو محيى الرمائم وما يوسف النجار بعلا لمريم ** كما زعموا أكذب به قول زاعم وإنجيلهم فيه بيان لقولنا ** وبشرى بآت بعد للرسل خاتم وسماه بارقليط يأتى بكشف ما ** أتاهم به من حمله غير كاتم وكان يسمى بابن داود فيهم ** بحيث إذا يدعى به فى التكالم وهل أمسك المنديل إلا لحاجة ** وهل حاجة إلا لعبد وخادم وإن كان قد مات النبى محمد ** فأسوة كل الأنبياء الأعاظم وعيسى له فى الموت وقت مؤجل ** يموت له كالرسل من آل آدم فإن دفعوا هذا فقد عجلوا له ** وفاة بصلب وارتكاب صيالم صيالم من إكليل شوك وأحبل ** يجر بها نحو الصليب ولاطم وإن يك أولاد لأحمد جرعوا ** شدائد من أسر وجز جماجم فعيسى على ما تزعمون مجرع ** من القتل طعما مثل طعم العلاقم ويحيى وزكريا وخلق سواهما ** أكارم عند الله نجل أكارم تولتهم أيدى الطغاة فلم تنل ** قضاياهم من ذاك وصمة واصم فمن مبلغ نقفور عنى مقالتى ** جوابا لما أبداه من نظم ناظم لئن كان بعض العرب طارت قلوبهم ** أو ارتد منهم حشوة كالبهائم لقد أسلمت بالشرق هند وسندها ** وصين وأتراك الرجال الأعاجم بتدبير منصور بن نوح وجنده ** وأشياخه أهل النهى والعزائم وإن تك بغداد أصيبت بملكها ** وصارت عبيدا للعبيد الديالم فللحق أنصار ولله صفوة ** يذودون عنه بالسيوف الصوارم فمن عرب غلب ملوك بغالب ** ومن عجم صيد ملوك بهازم فبالدين منهم قائم أى قائم ** وللملك منهم هاشم أى هاشم جزى الله سيف الدولة الخير باقيا ** وأكرمه بالفاضلات الكرائم وألبس منصور بن نوح سلامة ** تدوم له ما عاش أدوم دائم هما أمنا الإسلام من كل هاضم ** وصانا بناء الدين عن كل هادم ومن مبلغ نقفور عنى نصيحة ** بتقدمة قدام عض الأباهم أتتك خراسان تجر خيولها ** مسومة مثل الجراد السوائم كهول وشبان حماة أحامس ** ميامن فى الهيجاء غير مشائم غزاة شروا أرواحهم من إلاههم ** بجناته والله أوفى مساوم فإن تعرضوا فالحق أبلج واضح ** معالمه مشهورة كالمعالم تعالوا نحاكمكم ليحكم بيننا ** إلى السيف أن السيف أعدل حاكم سيجرى بنا والله كاف وعاصم ** لنا خير واف للعباد وعاصم ونرجو بفضل الله فتحا معجلا ** ننال بقسطنطين ذات المحارم هناك ترى نقفور والله قادر ** ينادى عليه قائما فى المقاسم ويجرى لنا فى الروم طرا وأهلها ** وأموالها جمعا سهام المغانم فيضحك منا سن جذلان باسم ** ويقرع منه سن خزيان نادم وإن تسلموا فالسلم فيه سلامة ** وأهنا عيش للفتى عيش سالم وقول القفال فى جوابه إن نقفور تشبع بما لم يعط صحيح فإنه افتخر بأخذهم سروج والآخذ لها غيره من الروم وكذلك جزيرة إقريطش إنما أخذها ملك الروم أرمانوس بن قسطنطين وكل ذلك قبل سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وإنما تملك نقفور اللعين سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة ونقفور هو الدمستق فتح المصيصة بالسيف ثم سار إلى طرسوس فطلب أهلها الأمان ودخلها وجعل الجامع اصطبلا لدوابه وصارت بأيديهم فيما أحسب إلى سنة إحدى وستين وسبعمائة فتحها الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمى حال نيابته بحلب أحسن الله جزاءه وأما سيف الدولة بن حمدان فقد كانت له الآثار الجميلة إذ ذاك وغزا الروم فى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة فى ثلاثين ألفا وفتح حصونا عديدة وقتل وسبى وغنم ثم أخذ الروم عليه الدرب واستولوا على عسكره قتلا وأسرا وله معهم حروب يطول شرحها والمنديل المشار إليه كان من آثار عيسى بن مريم عليه السلام عند أهل الرها يتبركون به فحاصرها إلى أن صالحوه وسلموه إليه وقد وقفت للفقيه أبى محمد ابن حزم الظاهرى على جواب عن هذه القصيدة الملعونة أجاد فيه وكأنه لم يبلغه جواب القفال فمن جواب أبى محمد من المحتمى بالله رب العوالم ** ودين رسول الله من آل هاشم محمد الهادى إلى الله بالتقى ** وبالرشد والإسلام أفضل قائم عليه من الله السلام مرددا ** إلى أن يوافى البعث كل العوالم إلى قائل بالإفك جهلا وضلة ** على النقفور المنبرى فى الأعاجم دعوت إماما ليس من أمر آله ** بكفيه إلا كالرسوم الطواسم دهته الدواهى فى خلافته كما ** دهت قبله الأملاك دهم الدواهم ولا عجب من نكبة أو ملمة ** تصيب الكريم الحر وابن الأكارم ولا عجب من نكبة أو ملمة ** تصيب الكريم الحر وابن الأكارم ولو أنه فى حال ماضى جدوده ** لجرعتم منه سموم الأراقم عسى عطفة لله فى أهل دينه ** تجدد منهم دارسات المعالم فخرتم بما لو كان فهم يريكم ** حقائق دين الله أحكم حاكم إذن لعرتكم خجلة عند ذكره ** وأخرس منكم كل قيل مخاصم سلبناكم دهرا ففزتم بكرة ** من الدهر أفعال الضعاف العزائم فطرتم سرورا عند ذاك ونخوة ** كفعل المهين الناقص المتعاظم وما ذاك إلا فى تضاعيف غفلة ** عرتنا وصرف الدهر جم الملاحم ولما تنازعنا الأمور تخاذلا ** ودالت لأهل الجهل دولة ظالم وقد شغلت فينا الخلائف فتنة ** لعبدانهم من تركهم والديالم بكفر أياديهم وجحد حقوقهم ** لمن رفعوه من حضيض البهائم وثبتم على أطرافنا عند ذلكم ** وثوب لصوص عند غفلة نائم ألم ننتزع منكم بأيد وقوة ** جميع بلاد الشام ضربة لازم ومصر وأرض القيروان بأسرها ** وأندلسا قسرا بضرب الجماجم ألم تنتصف منكم على ضعف حالها ** صقلية فى بحرها المتلاطم أحلت بقسطنطينة كل نكبة ** وسامتكم سوء العذاب الملازم مشاهد تقديساتكم وبيوتها ** لنا وبأيدينا على رغم راغم أما بيت لحم والقمامة بعدها ** بأيدى رجال المسلمين الأعاظم وكرسيكم فى أرض إسكندرية ** وكرسيكم فى القدس فى أورشالم ضممناهم قسرا برغم أنوفكم ** كما ضمت الساقين سود الأداهم وكرسى أنطاكية كان برهة ** ودهرا بأيدينا وبذل الملاغم فليس سوى كرسى رومة فيكم ** وكرسى قسطنطينة فى المقادم ولابد من عود الجميع بأسره ** إلينا بعزم قاهر متعاظم أليس يزيد حل وسط دياركم ** على باب قسطنطينة بالصوارم ومسلمة قد داسها بعد ذاكم ** بجيش لهام كالليوث الضراغم وأخدمكم بالذل مسجدنا الذى ** بنى فيكم فى عصرنا المتقادم إلى جنب قصر الملك فى أرض ملككم ** ألا هذه حقا صريمة صارم وأدى لهارون الرشيد مليككم ** إتاوة مغلوب وجزية غارم سلبناكم مسرى شهورا بقوة ** حبانا بها الرحمن أرحم راحم إلى أرض يعقوب وأرياف دومة ** إلى لجة البحر البعيد المحارم فهل سرتم فى أرضنا قط جمعة ** أبى الله ذاكم يا بقاة الهزائم فما لكم إلا الأمانى وحدها ** بضائع نوكى تلك أضغاث حالم رويدا يعد نحو الخلافة نورها ** ويكشف مغبر الوجوه السواهم وحينئذ تدرون كيف فراركم ** إذا صدمتكم خيل جيش مصادم على سلف العادات منا ومنكم ** ليالى أنتم فى عداد الغنائم سبيتم سبايا ليس يكثر عدها ** وسبيكم فينا كقطر الغمائم فلو رام خلق عدها رام معجزا ** وأنى بتعداد لريش الحمائم بأبناء حمدان وكافور صلتم ** أراذل أنجاس قصار المعاصم دعى وحجام أتوكم فتهتم ** وما قدر مصاص دماء المحاجم ليالى قدناكم كما اقتاد جازر ** جماعة أتياس لحز الحلاقم وسقنا على رسل بنات ملوككم ** سبايا كما سيقت ظباء الصرائم ولكن سلوا عنا هرقلا ومن خلا ** لكم من ملوك مكرمين قماقم يخبركم عنا المتوج منكم ** وقيصركم عن سبينا كل آيم وعما فتحنا من منيع بلادكم ** وعما أقمنا فيكم من مسالم ودع كل نذل منتم لا تعده ** إماما ولا من محكمات الدعائم فهيهات سامرا وتكريت منكم ** إلى جبل تلكم أمانى هائم متى يتمناها الضعيف ودونها ** تطاير هامات وحز الغلاصم ومن دون بغداد سيوف حديدة ** ميسرة للحرب من آل هاشم محلة أهل الزهد والخير والتقى ** ومنزلة محتلها كل عالم دعوا الرملة الغراء عنكم ودونها ** من المسلمين الصيد كل ملازم ودون دمشق كل جيش كأنه ** سحائب طير تنتحى بالقوادم وضرب يلقى الروم كل مذلة ** كما ضرب الضراب بيض الدراهم ومن دون أكناف الحجاز جحافل ** كقطر الغيوث الهاملات السواجم بها من بنى عدنان كل سميذع ** ومن حى قحطان كرام العمائم ولو قد لقيتم من قضاعة عصبة ** لقيتم ضراما فى يبيس الهشائم إذا صبحوكم ذكروكم بما خلا ** لهم معكم من مأزق متلاحم زمان يقودون الصوافن نحوكم ** ليبغوا يسارا منكم فى المغانم سيأتيكم منهم قريبا عصائب ** تنسيكم تذكار أخذ العواصم وأموالكم فئ لهم ودماؤكم ** بها يشتفى حر النفوس الحوائم وأرضكم حقا سيقتسمونها ** كما فعلوا دهرا بعدل المقاسم ولو طرقتكم من خراسان عصبة ** وشيراز والرى القلاع القوائم لما كان منكم عند ذلك غير ما ** عهدنا لكم ذل وعض الأباهم فقد طال ما زاروكم فى بلادكم ** مسيرة عام بالخيول الصلادم وأما سجستان وكرمان والألى ** بكابل حلوا فى ديار البراهم فمغزاهم فى الهند لا يعرفونكم ** بغير أحاديث لذكر التهازم وفي فارس والسوس جمع عرموم ** وفي أصبهان كل أروع عازم فلو قد أتاكم جمعهم لغدوتم ** فرائس للآساد مثل البهائم وبالبصرة الزهراء والكوفة التى ** سمت وبأدنى واسط كالكظائم جموع تسامى الرمل جم عديدهم ** فما أحد ينوى لقاهم بسالم ومن دون بيت الله مكة والتى ** حباها بمجد للثريا ملازم محل جميع الأرض منها تيقنا ** محلة سفل الخف من فص خاتم دفاع من الرحمن عنها بحقها ** فما هو عما كر طرف برائم بها دفع الأحبوش عنها وقبلهم ** بحصباء طير من ذرا الجو حائم وجمع كموج البحر ماض عرمرم ** حمى سرة البطحاء ذات المحارم ومن دون قبر المصطفى وسط طيبة ** جموع كمسود من الليل فاحم يقودهم جيش الملائكة العلا ** كفاحا ودفعا عن مصل وصائم فلو قد لقيناكم لعدتم رمائما ** بمن فى أعالى نجدنا والحضارم وباليمن الممنوع فتيان غارة ** إذا ما لقوكم كنتم كالمطاعم وفى حلتى أرض اليمامة عصبة ** مغاور أنجاد طوال البراجم سنفنيكم والقرمطيين دولم ** يعود لميمون النقيبة حازم خليفة حق ينصر الدين حكمة ** ولا يتقى فى الله لومة لائم إلى ولد العباس تنمى جدوده ** بفخر عميم أو لزهر العباشم ملوك جرى بالنصر طائر سعدهم ** فأهلا بماض منهم وبقادم محلتهم فى مجلس القدس أو لدى ** منازل بغداد محل الأكارم وإن كان من عليا عدى وتيمها ** ومن أسد أهل الصلاح الحضارم فأهلا وسهلا ثم نعمى ومرحبا ** بهم من خيار سالفين أقادم هم نصروا الإسلام نصرا مؤزرا ** وهم فتحوا البلدان فتح المراغم رويدا فوعد الله بالصدق وارد ** بتجريع أهل الكفر طعم العلاقم سنفتح قسطنطينة وذواتها ** ونجعلكم قوت النسور القشاعم ونملك أقصى أرضكم وبلادكم ** ونلزمكم ذلك الجزى والمغارم ونفتح أرض الصين والهند عنوة ** بجيش بأرض الترك والخزر حاطم مواعيد للرحمن فينا صحيحة ** وليست كأمثال العقول السقائم إلى أن يرى الإسلام قد عم حكمه ** جميع البلاد بالجيوش الصوارم يا مخذول دين مثلث ** بعيد عن المعقول بادى المآثم تدين لمخلوق يدين عبادة ** فيا لك سحقا ليس يخفى لكاتم أنا جيلكم مصنوعة بتكاذب ** كلام الألى فيما أتوا بالعظائم وعود صليب لا تزالون سجدا ** له يا عقول الهاملات السوائم تدينون تضلالا بصلب إلهكم ** بأيدى يهود أرذلين ألائم إلى ملة الإسلام توحيد ربنا ** فما دين ذى دين لنا بمقاوم وصدق رسالات الذى جاء بالهدى ** محمد الآتى برفع المظالم وأذعنت الأملاك طوعا لدينه ** ببرهان صدق ظاهر فى المواسم كما دان فى صنعاء يا لك دولة ** وأهل عمان حيث رهط الجهاضم وسائر أملاك اليمانين أسلموا ** ومن بلد البحرين قوم اللهازم أجابوا لدين الله دون مخافة ** ولا رغبة تحظى بها كف عادم فحلوا عرى التيجان طوعا ورغبة ** لحق يقين بالبراهين ناجم وحاباه بالنصر المليك إلاهه ** وصير من عاداه تحت المناسم فقير وحيد لم تعنه عشيرة ** ولا دفعوا عنه شتيمة شاتم ولا عنده مال عتيد لناصر ** ولا دفع مرهوب ولا لمسالم ولا وعد الأنصار دنيا تخصهم ** بلى كان معصوما لأعظم عاصم فلم تمتهنه قط هوة آسر ** ولا مكنت من جسمه يد لاطم كما يفترى زورا وإفكا وضلة ** على وجه عيسى منكم كل آثم على أنكم قد قلتم هو ربكم ** فيالضلال فى الحماقة جاثم أبى الله أن يدعى له ابن وصاحب ** ستلقى دعاة الكفر حالة نادم ولكنه عبد نبى مكرم ** من الناس مخلوق ولا قول زاعم أيلطم وجه الرب تبا لجهلكم ** لقد فقتم فى جهلكم كل ظالم وكم آية أبدى النبى محمد ** وكم علم أبداه للشرك حاطم تساوى جميع الناس فى نصر حقه ** فللكل من إعظامه حال خادم فعرب وأحبوش وترك وبربر ** وفرس بهم قد فاز قدح المساهم وقبط وأنباط وخزر وديلم ** وروم رموكم دونه بالقواصم أبوا كفر أسلاف لهم فتحنفوا ** فآبوا بحظ فى السعادة جاثم به دخلوا فى ملة الحق كلهم ** ودانوا لأحكام الإله اللوازم به صح تفسير المنام الذى أتى ** به دانيال قبله ختم خاتم وسند وهند أسلموا وتدينوا ** بدين الهدى فى رفض دين الأعاجم وشق لنا بدر السموات آية ** وأشبع من صاع له كل طاعم وسالت عيون الماء فى وسط كفه ** فأروى به جيشا كثير القماقم وجاء بما تقضى العقول بصدقه ** ولا كدعاو غير ذات قوائم عليه سلام الله ما ذر شارق ** تعاقبه ظلماء أسحم عاتم براهينه كالشمس لا مثل قولكم ** وتخليطكم فى جوهر وأقانم لنا كل علم من قديم ومحدث ** وأنتم حمير ذاهبات المحازم أتيتم بشعر بارد متخاذل ** ضعيف معانى النظم جم البلاغم فدونكها كالعقد فيه زمرد ** ودر وياقوت بإحكام حاكم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|