الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل
.تفسير الآية رقم (78): القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [78].{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قال الإمام ابن كثير: يخبر تعالى عن اليهود، عليهم لعائن الله، أن منهم فريقاً يحرفون الكلم عن مواضعه، ويبدلون كلام الله، ويزيلونه عن المراد به، ليوهموا الجهلة أنه في كتاب الله كذلك، وينسبونه إلى الله، وهو كذب على الله، وهم يعلمون من أنفسهم أنهم قد كذبوا وافتروا في ذلك كله، ولهذا قال تعالى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قال مجاهد والشعبي والحسن وقتادة والربيع بن أنس: يلوون ألسنتهم بالكتاب، ويحرفونه. وهكذا روى البخاري عن ابن عباس أنهم يحرفون ويزيلون. وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله عز وجل، ولكنهم يحرفونه: يتأولونه على غير تأويله.وقال وهب بن منبه: إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله تعالى لم يغير منهما حرف، ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل، وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم ويقولون: هو من عند الله وما هو من عند الله. فأما كتب الله فإنها محفوظة لا تحول. رواه ابن أبي حاتم. قال ابن كثير: فإن عنى وهب ما بأيديهم من ذلك، فلا شك أنه قد دخلها التبديل والتحريف والزيادة والنقص. وأما تعريب ذلك المشاهد بالعربية، ففيه خطأ كبير وزيادات كثيرة ونقصان ووهم فاحش. وهو من باب تفسير المعرب المعبر، وفهم كثير منهم فاسد. وأما إن عنى كتب الله التي هي كتبه من عنده، فتلك كما قال، محفوظة لم يدخلها شيء- انتهى- وقد قدمنا الكلام على ذلك في مقدمة التفسير عند الكلام على الإسرائيليات، وفي سورة البقرة أيضاً عند قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} [البقرة: 75].ولما بين تعالى كذبهم عليه- جل ذكره- بين افتراءهم على رسله إذ زعموا أن عيسى عليه السلام أمرهم أن يتخذوه رباً، فرد سبحانه عليهم بقوله:.تفسير الآية رقم (79): القول في تأويل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [79].{مَا كَانَ لِبَشَرٍ} أي: ما صح ولا استقام. وفي التعبير ببشر إشعار بعلة الحكم، فإن البشرية منافية لما افتروه عليه: {أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ} أي: الفهم والعلم أو الحكمة: {وَالنُّبُوَّةَ} وهي الخبر منه تعالى ليدعو الناس إلى الله بترك الأنداد: {ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ} أي: الذين بعثه الله إليهم ليدعوهم إلى عبادته وحده: {كُونُواْ عِبَاداً لِّي} أي: اتخذوني رباً: {مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن} يقول لهم: {كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ} أي: منسوبين إلى الرب لاستيلاء الربوبية عليهم وطمس البشرية، بسبب كونهم عالمين عاملين معلمين تالين لكتب الله. أي: كونوا عابدين مرتاضين بالعلم والعمل والمواظبة على الطاعات، حتى تصيروا ربانيين بغلبة النور على الظلمة- أفاده القاشاني-: {بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} أي: بسبب مثابرتكم على تعليم الناس الكتاب ودراسته، أي: قراءته. فإن ذلك يجركم إلى الله تعالى بالإخلاص في عبادته..تفسير الآية رقم (80): القول في تأويل قوله تعالى: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [80].{وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ} أي: بالعود إليه وقد بعث لمحو الشرك: {بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} أي: بعد استقراركم على الإسلام.تنبيهات:الأول: إذا كان ما ذكر في الآية لا يصلح لنبي ولا لمرسل، فلأن لا يصلح لأحد من الناس غيرهم، بطريق الأولى والأحرى.ولهذا قال الحسن البصري: لا ينبغي هذا لمؤمن، أن يأمر الناس بعبادته، قال: وذلك أن القوم كان يعبد بعضهم بعضاً- يعني أهل الكتاب- كانوا يعبدون أحبارهم ورهبانهم، كما قال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] الآية وفي جامع الترمذي- كما سيأتي- أن عدي بن حاتم قال: يا رسول الله ما عبدوهم. قال: بلى، إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم. فالجهلة من الأحبار والرهبان ومشايخ الضلال يدخلون في هذا الذم والتوبيخ، بخلاف الرسل وأتباعهم من العلماء العاملين، فإنهم إنما يأمرون بما يأمر الله به وبلغتهم إياه الرسل الكرام، وإنما ينهونهم عما نهاهم الله عنه وبلغتهم إياه رسله الكرام- قاله ابن كثير-.الثاني: في هذه الآية أعظم باعث لمن علم على أن يعمل، وأن من أعظم العمل بالعلم تعليمه والإخلاص لله سبحانه. والدراسة: مذاكرة العلم والفقه. فدلت الآية على أن العلم والتعليم والدراسة توجب كون الْإِنْسَاْن ربانياً، فمن اشتغل بها، لا لهذا المقصود، فقد ضاع سعيه وخاب عمله، وكان مثله مثل من غرس شجرة حسناء مونقة بمنظرها، ولا منفعة بثمرها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «نعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع» كذا في فتح البيان والرازي.الثالث: قرئ في السبع: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ} بالرفع على الاستئناف أي: ولا يأمركم الله أو النبي، وبالنصب عطفاً على ثم يقول، ولا مزيدة لتأكيد معنى النفي..تفسير الآية رقم (81): القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [81].لم يفسر العلَّامة رحمه الله هذه الآية..تفسير الآية رقم (82): القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [82].{فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} اعلم أن المقصود من هذه الآيات تعديد تقرير الأشياء المعروفة عند أهل الكتاب مما يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. قطعاً لعذرهم وإظهاراً لعنادهم. ومن جملتها ما ذكره الله تعالى في هذه الآية: وهو أنه تعالى أخذ الميثاق من الأنبياء الذين آتاهم الكتاب والحكمة بأنهم كلما جاءهم رسول مصدق لما معهم، وإن كان ناسخاً لبعض أحكامهم بما دلت الحكمة على اقتضاء الزمان ذلك، آمنوا به ونصروه أيضاً، مبالغة في تشهير أمره. ولا يمنعهم ما هم فيه من العلم والنبوة واتباع شرعه ونصره. وأخبر أنهم قبلوا ذلك، وحكم بأن من رجع عن ذلك كان من الفاسقين. وقد قرئ في السبع بفتح اللام من: {لَمَا آَتَيْتُكُمْ}. وكسرها، فعلى الأول هي موطئة للقسم، لأن أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف، وما حينئذ تحتمل الشرطية، و{لَتُؤْمِنُنَّ} سادٍّ مسد جواب القسم والشرط. وتحتمل الموصولة بمعنى للذي آتيتكموه لتؤمنن به وعلى الثاني، أعني كسر اللام فـ: {ما} إما مصدرية أي: لأجل إيتائي إياكم الكتاب، ثم لمجيء رسول مصدق لكم غير مخالف، أخذ الله الميثاق لتؤمنن به ولتنصرنه. وإما موصولة والمعنى: أخذه للذي آتيتمكموه، وجاءكم رسول مصدق له، وقوله تعالى: {فَاشْهَدُواْ}. أي: يا أنبياء، بعضكم على بعض، بالإقرار. وفي قوله تعالى: {وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} توكيد عليهم ومن أمعن في نهج الآية علم أن هذا الميثاق قد بولغ في شأنه غاية المبالغة، وإذا كان هذا الإيجاب مع الأنبياء، فمع أممهم أولى. وقد روي عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبياُ من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بعث الله محمداً، وهو حي، ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته، لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه. قال ابن كثير: وهذا لا يضاد ما قاله طاوس والحسن وقتادة: أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً، بل يستلزمه ويقتضيه، ولهذا روى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه مثل قولي علي وابن عباس انتهى-.ومن أثر عليّ عليه السلام هذا، فهم بعض العلماء اختصاص هذا الميثاق بنينا صلى الله عليه وسلم كما نقل القاضي عياض في الشفاء عن أبي الحسن القابسي قال: في استخص الله تعالى محمداً بفضل لم يؤته غيره أبانه به، وهو ما ذكره في هذه الآية. انتهى. وقد علمت المراد.بقي أن الإمام أبا مسلم الأصفهاني ذهب إلى أن في قوله تعالى: {مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ} حذف مضاف، أي: أممهم، وعبارته: ظاهر الآية يدل على أن الذين أخذ الله الميثاق منهم يجب عليهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم عند مبعثه، وكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يكونون عند مبعث محمد صلى الله عليه وسلم من زمرة الأموات، والميت لا يكون مكلفاً، فلما كان الذين أخذ عليهم الميثاق يجب عليهم الإيمان بمحمد عليه السلام عند مبعثه، ولا يمكن إيجاب الإيمان على الأنبياء عند مبعث محمد عليه السلام، علمنا أن الذين أخذ الميثاق عليهم ليسوا هم النبيين، بل هم أمم النبيين. قال: ومما يؤكد هذا أنه تعالى حكم على الذين أخذ عليهم الميثاق، أنهم لو تولوا لكانوا فاسقين، وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء عليهم السلام، وإنما يليق بالأمم، أجاب القفال رحمه الله فقال: لم لا يجوز أن يكون المراد من الآية: أن الأنبياء لو كانوا في الحياة لوجب عليهم الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام؟! ونظيره قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]. وقد علم الله تعالى أنه لا يشرك قط، ولكن خرج هذا الكلام على سبيل التقدير والفرض، فكذا هنا. وقال: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: 44- 46] وقال في صفة الملائكة: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 29]، مع أنه تعالى أخبر عنهم بأنهم: {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27]، وبأنهم: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50]. فكل ذلك خرج على سبيل الفرض والتقدير، فكذا ههنا.ونقول إنه سماهم فاسقين على تقدير التولي، فإن اسم الفسق ليس أقبح من اسم الشرك، وقد ذكر تعالى على سبيل الفرض والتقدير في قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} فكذا ههنا- نقله الرازي.ولما بين تعالى أن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم شرعٌ شرعه وأوجبه على جميع من مضى من الأنبياء والأمم، لزم أن كل من كره ذلك فإنه يكون طالباً ديناً غير دين الله، فلهذا قال:.تفسير الآية رقم (83): القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [83].{أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً} أي: استسلم له من فيهما بالخضوع والانقياد لمراده، والجري تحت قضائه، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15] {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} [النحل: 48] {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 49].فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله، والكافر مستسلم له كرهاً، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع. أفاده ابن كثير: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} يوم القيامة فيجزي كلاً بعمله، والجملة سيقت للتهديد والوعيد..تفسير الآية رقم (84): القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [84].{قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ} أي: أولاد يعقوب: {وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ} بالإيمان بالبعض والكفر بالبعض، كدأب اليهود والنصارى: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أي: منقادون فلا نتخذ أرباباً من دونه.لطيفة:نكتة الجمع في قوله: {آمَنَّا} بعد الإفراد في: {قُلْ} كون الأمر عاماً، والإفراد لتشريفه عليه الصلاة والسلام، والإيذان بأنه أصل في ذلك. أو الأمر خاص بالإخبار عن نفسه الزكية خاصة. والجمع لإظهار جلالة قدره ورفعة محله بأمره، بأن يتكلم عن نفسه على ديدن الملوك.ثانية:عدى أنزل هنا بحرف الاستعلاء، وفي البقرة بحرف الانتهاء لوجود المعنيين، إذ الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الرسول، فجاء تارة بأحد المعنيين، وأخرى بالآخر، وقال صاحب اللباب: الخطاب في البقرة للأمة لقوله: {قولوا}. فلم يصح إلا إلى لأن الكتب منتهية إلى الأنبياء وإلى أمتهم جميعاً. وهنا قال قل، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، فكان اللائق به على لأن الكتب منزلة عليه لا شركة للأمة فيها.وفيه نظر، لقوله تعالى: {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عِمْرَان: 72]- أفاده النسفي-..تفسير الآية رقم (85): القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [85].{وَمَن يَبْتَغِ} أي: يطلب: {غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً} أي: غير التوحيد والانقياد لحكم الله تعالى. كدأب المشركين صريحاً. والمدعين للتوحيد مع إشراكهم كأهل الكتابين: {فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} لأنه لم ينقد لأمر الله. وفي الحديث الصحيح: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ»: {وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} لضلاله وجوه الهداية في الدنيا.قال العلامة أبو السعود: والمعنى: أن المعرض عن الإسلام والطالب لغيره فاقد للنفع، واقع في الخسران، بإبطال الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها. وفي ترتيب الرد والخسران على مجرد الطلب دلالة على أنه حال من تدين بغير الإسلام، واطمأن بذلك أفظع وأقبح- انتهى-.
|