الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان
.فَصْل في القدر الواجب من الخوف: وقَالَ ابن رجب رَحِمَهُ اللهُ: والقدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم فَإِنَّ زَادَ على ذَلِكَ بحيث صار باعثًا للنفوس على التشمير فِي نوافل الطاعات، والانكفاف عَنْ دقائق المكروهات، والتبسط فِي فضول المباحات، كَانَ ذَلِكَ فضلاً محمودًا.فإن تزايد على ذَلِكَ بأن أورث مرضًا أَوْ موتًا أَوْ همًا لازمًا بحيث يقطع عَنْ السعي فِي اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله عَزَّ وَجَلَّ لم يكن ذَلِكَ محمودًا.ولهَذَا كَانَ السَّلَف يخافون على عطاء السلمي من شدة خوفه الَّذِي أنساه القرآن وصار صَاحِب فراش، وَهَذَا لأن خوف العقاب لَيْسَ مقصودًا لذاته، إنما هُوَ سوط يساق به المتوانِي عَنْ الطاعة إليها ومن هنا كَانَتْ النار من جملة نِعَمِ الله على عباده الَّذِينَ خافوه واتقوه.ولهَذَا المعنى عدها الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى من جملة آلائه على الثقلين فِي سورة الرحمان، وقَالَ سفيان بن عيينة: خلق الله النار رحمةً يخوف بها عباده لينتهوا. أَخْرَجَهُ أبو نعيم.والمقصود الأصلي هُوَ طاعة الله عَزَّ وَجَلَّ وفعل مراضيه ومحبوباته وترك مناهيه ومكروهاته، ولا ننكر أن خشية الله وهيبته وعظمته فِي الصدور وإجلاله مقصود أيضًا، ولكن القدر النافع من ذَلِكَ ما كَانَ عونًا على التقرب إِلَى الله، بفعل ما يحبه وترك ما يكرهه.ومتى صار الخوف مانعًا من ذَلِكَ وقاطعًا عَنْهُ فقد انعكس المقصود منه، ولكن إِذَا حصل ذَلِكَ عَنْ غلبةٍ كَانَ صاحبه معذورًا، وقَدْ كَانَ فِي السَّلَف من حصل لَهُ من خوف النار أهوال شتى لغلبة حال شهادة قُلُوبهمْ للنار، فمِنْهُمْ من كَانَ يلازمه القلق والبُكَاء وَرُبَّمَا اضطرب أَوْ غُشِيَ عَلَيْهِ إِذَا سمَعَ ذكر النار، مثل قوله تَعَالَى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}. آخر: آخر: .فَصْل فيما ورد فِي الخوف من الآيات وَالأَحَادِيث: وَمِمَّا ورد فِي الخوف من الآيات وَالأَحَادِيث ما يلي قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}، وقَالَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}، وقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}.وقَالَ تَعَالَى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}. وقَالَ: {فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى} الآيات، وقَالَ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}.وقَالَ: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}، وقَالَ: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}.وقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.وَقَالَ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً * يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً} الآيات، وقَالَ: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}.وقَالَ: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} وقَالَ: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَهُمْ يَتَّقُونَ}.وقَالَ: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} وقَالَ: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً}.وقَالَ جَلَّ وَعَلا: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}، ولو لم يكن إلا هَذِهِ الآية لكَانَتْ كافية للتخويف، إذ شرط للمبالغة فِي مغفرته أربعة أمور، يعجز الْعَبْد عَنْ الواحد مهنا إن لم يعنه الله فأَوَّلاً: التوبة. والثاني: الإِيمَان. والثالث: الْعَمَل الصالح. والرابع: سلوك سبيل المهتدينوقَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}.وقَالَ: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً}، وقَالَ: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ} الآية، ومن المخوفات قوله تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} ثُمَّ ذكر أربعة شروط بها يقع الخلاص من الْخُسْرَانُ.وهذه الآيات ونحوها هِيَ التي أقضت مضاجع السَّلَف، فلم يهنئوا بنوم ولم يستلذوا طعامًا وانحلت أجسامهم، وأضرت بعيونهم من كثرة البُكَاء على حد قوله تَعَالَى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}، وقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}. آخر: آخر: آخر: آخر: والآيات وَالأَحَادِيث فِي باب الخوف كثيرةٌ جدًا مَنْهَا ما ورد عَنْ أبي مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمَعَ خلقه فِي بطن أمه أربعين يَوْمًا نطفةً ثُمَّ يكون علقةً مثل ذَلِكَ ثُمَّ يكون مضغةً مثل ذَلِكَ ثُمَّ يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمَاتَ بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أَوْ سعيد».«فوالَّذِي لا إله غيره أن أحدكم ليعمل بعمل أَهْل الْجَنَّة حَتَّى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عَلَيْهِ الكتاب فيعمل بعمل أَهْل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أَهْل النار حَتَّى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أَهْل الْجَنَّة فيدخلها». متفق عَلَيْهِ.وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يؤتى يومئذ جهنم لها سبعون ألف زمام مَعَ كُلّ زمام سبعون ألف ملك يجرونها». رَوَاهُ مُسْلِم. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قَالَ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إن أَهْوَن أَهْل النار عذابًا يوم القيامة لرجل يوضع فِي أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا وإنه لأهونهم عذابًا». متفق عَلَيْهِ. .موعظة: عباد الله سيجيء يوم يتغير فيه هَذَا العَالِم ينفطر فيه السماء وينتثر فيه الكوكب وتطوى السماء كطي الصحيفة يزيلها الله ويطويها جَلَّ وَعَلا وتبدل الأَرْض غير الأَرْض وينفح فِي الصور فيقوم النَّاس من قبورهم أحياء كما كَانُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حفاةً عراةً غرلاَ.وحينئذ يحشر الكافر أعمى لا يرى أصم لا يسمَعَ أخرس لا يتكلم يمشي على وجه ليعلم من أول أنه أَهْل للإهانة ويكون أسود الوجه أزرق العينين فِي منتهى العطش فِي يوم مقداره خمسين ألف سَنة لَيْسَ بينه وبين الشمس إلا مقدار ميل إذ ذاك يقف ذاهل العقل شاخص البصر لا يرتد إليه طرفه وفؤاده هواء ويعطى كتابه بشماله أَوْ من وراء ظهره فيتمنى أنه لم يعطه.ثُمَّ يؤمر به إِلَى النار ويسلك فِي سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا وبعد دخولها لا يخَرَجَ أبدًا ولا يزيده إلا عذابًا إِذَا استغاث من العطش يغاث بماء كالمهل يشوي الوجوه ويذيب الأمعاء والجلود تحيط بِهُمْ جهنم من كُلّ ناحية وكُلَّما نضج جلده بدل غيره.وله مقامَعَ من حديد، كُلّ هَذَا الْعَذَاب يعانيه ولا يموت ويأتيه الموت من كُلّ مكَانَ وما هُوَ بميت ومن ورائه عذاب غليظ كما قَالَ تَعَالَى: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى} وسواء صبر أَوْ لم يصبر هُوَ خالد فِي هَذَا الْعَذَاب خلودًا لا نهاية لَهُ هَذَا أقصى عذاب يتصور لأنه جزاء أقصى جريمة هِيَ الكفر بِاللهِ هَذَا عذاب مجرد تصوره يطيش العقول ويذهل النُّفُوس ويفتت الأكباد فاستعذ بِاللهِ منه أيها المُؤْمِن وأسال الله التثبيت على الإِسْلام وحسن الاعتقاد.آخر: اللَّهُمَّ انظمنا فِي سلك حزبك المفلحين، وَاجْعَلْنَا مِنْ عبادك المخلصين وآمنا يوم الفزع الأكبر يوم الدين، واحشرنا مَعَ الَّذِينَ أنعمت عَلَيْهمْ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين، اللَّهُمَّ أهدنا لصالح الأَعْمَال والأَخْلاق لا يهدي لأحسنها إلا أَنْتَ واصرف عنا سَيِّءَ الأَعْمَال والأَخْلاق لا يصرف عنا سَيِّئَهَا إلا أَنْتَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وصلى الله على مُحَمَّد وعلى آله وعلى وصحبه أجمعين.فَصْل:عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يعرق النَّاس يوم القيامة حَتَّى يذهب عرقهم فِي الأَرْض سبعين ذراعًا ويلجمهم حَتَّى يبلغ آذانهم». متفق عَلَيْهِ. وعنه قَالَ: كنا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمَعَ وجبة فقَالَ: «هل تدرون ما هَذَا؟» قلنا: الله ورسوله أعْلَمْ. قَالَ: «هَذَا حجر رمِيَ به في النار مُنْذُ سبعين خريفًا فهو يهوى فِي النار الآن انتهى إِلَى قعرها فسمعتم وجبتها». رَوَاهُ مُسْلِم.وعن عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يحشر النَّاس يوم القيامة حفاةً عراةً غرلا». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ الرِّجَال والنساء جميعًا ينظر بَعْضهمْ إِلَى بَعْض، قَالَ: «يَا عَائِشَة الأَمْر أشد من أن يهمهم ذَلِكَ». وقَدْ مدح الله الخائفين منه وأثنى عَلَيْهمْ فِي كتابه فقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ} إِلَى قوله: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}. وَفِي المسند والترمذي عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ قول الله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}. أهو الَّذِي يزني ويشرب الخمر ويسرق، قَالَ: «لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه». قَالَ الحسن: عملوا وَاللهِ بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عَلَيْهمْ إن المُؤْمِن جمَعَ إحسانَا وخشية والمنافق جمَعَ إساءة وأمنا.وَمِمَّا ورد فِي فضائل الخوف ما فِي الصحيحين عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «سبعة يظلهم الله فِي ظله يوم لا ظِلّ إلا ظله الإِمَام العادل وشاب نشأ فِي عبادة الله عَزَّ وَجَلَّ ورجل قَلْبهُ معلق بالمساجد ورجلان تحابا فِي الله اجتمعا على ذَلِكَ وتفرقا عَلَيْهِ ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقَالَ: إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حَتَّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خَالِيًا ففاضت عَيْنَاهُ».ومِمَّا ورد فِي فضيلة الخوف ما فِي الْحَدِيث الأخر عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اقشعر جلد الْعَبْد من مخافة الله عَزَّ وَجَلَّ تحات ذنوبه كما يتحات عن الشَّجَرَة اليابسة ورقها». وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لا يلج النار أحد بكى من خشية الله حَتَّى يعود اللبن فِي الضرع ولا يجتمَعَ غبار فِي سبيل الله ودخان جهنم فِي مِنْخَرَى مُسْلِم». رَوَاهُ الترمذي.وروى ابن حبان فِي صحيحة والبيهقي فِي الشعب مِنْ حَدِيثِ أبي هريرة أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فيما يرويه عَنْ ربه قَالَ الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: «وعزتي وجلالي لا أجمَعَ على عبدي خوفين، ولا أجمَعَ لَهُ أمنين إن أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أخفته يوم القيامة وأنى خافني فِي الدُّنْيَا أمنته يوم القيامة».ومقامَاتَ الخوف تختلف فمِنْهُمْ من يغلب على قَلْبِهِ خوف الموت قبل التوبة والْخُرُوج من المظَالِم، وَمِنْهُمْ من يغلب عَلَيْهِ خوف الاستدراج بالنعم أَوْ خوف الميل عَنْ الاستقامة على ما يرضي الله، وقسم يغلب عَلَيْهِ خوف خاتمة السُّوء والعياذ بِاللهِ من ذَلِكَ، وأعلى من هَذَا خوف السابقة لأن الخاتمة فرع السابقة، وقَدْ قَالَ: هؤلاء فِي الْجَنَّة ولا أبالي وهؤلاء فِي النار ولا أبالي.ومن أقسام الخائفين من يخاف سكرات الموت، وشدته لاسيما إِذَا كَانَ قَدْ عاين من يعاني سكرات الموت، وَمِنْهُمْ من يخاف عذاب القبر، وسؤال منكر ونكير، وَمِنْهُمْ من يخاف هيبة الوقوف بين يدي الله عَزَّ وَجَلَّ، والخوف من مناقشة الحساب، والعبور على الصراط والخوف من النار وأنكالها وأهوالها أَوْ حرمان الْجَنَّة أَوْ الحجاب عَنْ الله تَعَالَى وَهُوَ خوف العارفين.وما قبل ذَلِكَ هُوَ خوف الزاهدين والعابدين، وخوف عموم الخلق يحصل بأصل الإِيمَان بالْجَنَّة والنار وكونهما دارَى جزاء على الطاعة والمعصية وضعف هَذَا الخوف بسبب الغَفْلَة والركون إِلَى الدنيا، والانهماك فيها، وضعف الإيمان، وتزول تلك الغَفْلَة بالتذكر والوعظ وَالإِرْشَاد وملازمة الفكر فِي أهوال يوم القيامة، وشدائدها، والْعَذَاب فِي الآخِرَة وبالنظر إِلَى الخائفين ومجالستهم ومشاهدة أحوالهم فَإِنَّ فاتت المشاهدة فالنظر فِي سيرة الصالحين الَّذِينَ غلب عَلَيْهمْ الخوف، قَالَ الله تَعَالَى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}.وقال: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وقال: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} وأخبر عما يقولونه بعد دخولهم الْجَنَّة، {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}. آخر: اللَّهُمَّ قو محبتك فِي قلوبنا وثبتنا على قولك الثابت فِي الحياة الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة وَاجْعَلْنَا هداة مهتدين سِلْمًا لأوليائك حربًا لأعدائك، اللَّهُمَّ حبب إلينا كتابك وارزقنا الْعَمَل بما أودعته فيه واجعله لقلوبنا ضياءً ولأسقامنا دواءً ولأبصارنا جلاءً ولذنوبنا ممحصًا وعن النار مخلصًا وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
|