فصل: إِقْرَارُ الْعَبْدِ بِالسَّرِقَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.إِقْرَارُ الْعَبْدِ بِالسَّرِقَةِ:

(قَالَ)، وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالٍ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُسْتَهْلَكًا أَوْ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَضْمَنُ الْمَالَ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ تُقْطَعُ يَدُهُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَرُدُّ الْمَالَ وَلَا يَقْطَعُ يَدَهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي حَقِّ الْمَالِ يُلَاقِي حَقَّهُ، فَإِنَّهُ يُلَاقِي كَسْبَهُ أَوْ ذِمَّتَهُ، وَهُوَ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، فَأَمَّا فِي حَقِّ الْقَطْعِ يُلَاقِي نَفْسَهُ وَالْفَكُّ بِحُكْمِ الْإِذْنِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ كَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا؟ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ نَفْسِهِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ يَكُونُ بَاطِلًا.
وَجْهُ قَوْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ مُخَاطَبٌ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ وَالْعَبْدُ فِي هَذَا كَالْحُرِّ فَإِقْرَارُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْحُرِّ كَإِقْرَارِ الْحُرِّ، فَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى الْإِقْرَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَمَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ فَالْعَبْدُ فِيهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْحُرِّ كَالطَّلَاقِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِاسْتِيفَاءِ الْعُقُوبَةِ مِنْهُ فَوْقَ مَا يَلْحَقُ الْمَوْلَى وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ عِنْدَ انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُ.
(قَالَ) فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ قُطِعَتْ يَدُهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ فِيمَا كَانَ الْعَبْدُ مُبْقِيًا عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ الْمَأْذُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ قَائِمٍ بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُقْطَعُ يَدُهُ وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُقْطَعُ يَدُهُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى، أَمَّا مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إقْرَارُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِلْكُ مَوْلَاهُ وَمَا فِي يَدِهِ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَوْلَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ فِيهِ بِالْغَصْبِ لَا يَصِحّ؟ فَكَذَلِكَ بِالسَّرِقَةِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمَالِ بَقِيَ الْمَالُ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ فِي هَذَا الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِمَوْلَاهُ، وَلَا فِي مَالٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ فِيهِ وَالْمَالُ أَصْلٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لَوْ قَالَ: أَبْغِي الْمَالَ تُسْمَعُ خُصُومَتُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَبْغِي الْقَطْعَ وَلَا أَبْغِي الْمَالَ لَا تُسْمَعُ خُصُومَتُهُ؟ وَكَذَلِكَ قَدْ يَثْبُتُ الْمَالُ، وَلَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ الْقَطْعُ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ الْمَالُ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ لَمْ يَصِحَّ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَيْضًا وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ بِالْقَطْعِ وَالْمَالِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْقَطْعِ دُونَ الْمَالِ فَيَثْبُتُ مَا كَانَ إقْرَارُهُ فِيهِ حُجَّةً؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ، وَهُوَ مَا إذَا شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ؟ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْقَطْعُ دُونَ الْمَالِ، كَمَا إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّا لَا نَقْبَلُ إقْرَارَهُ فِي تَعْيِينِ هَذَا الْمَالِ فَيَبْقَى الْمَسْرُوقُ مُسْتَهْلَكًا وَيَجُوزُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِي تَعْيِينِ الْمَالِ كَالْحُرِّ إذَا قَالَ الثَّوْبُ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ أَنَا سَرَقْته مِنْ عَمْرٍو فَقَالَ زَيْدٌ هُوَ ثَوْبِي، فَإِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُ الْمُقِرِّ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِي مِلْكِ ذَلِكَ الْعَيْنِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ فِي ذَلِكَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ هُوَ الْأَصْلُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْقَطْعِ إذَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ عِنْدَهُ بِالْبَيِّنَةِ؟ ثُمَّ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ كَوْنُ الْمَالِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ مَوْلَاهُ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُقْطَعَ الْعَبْدُ فِي مَالٍ هُوَ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهُ وَبِثُبُوتِ الشَّيْءِ يَثْبُتُ مَا كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدَ وَلَدَيْ التَّوْأَمِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ نَسَبَ الَّذِي عِنْدَهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْآخَرِ مِنْهُ وَيَبْطُلُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ لِلضَّرُورَةِ، فَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ الْحُرِّ، فَإِنَّ الْمَالَ هُنَاكَ لِغَيْرِ السَّارِقِ، وَهُوَ ذُو الْيَدِ وَلَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يُقْطَعَ فِي مَالِ الْغَيْرِ، فَأَمَّا هَاهُنَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يُقْطَعَ الْعَبْدُ فِي مَالٍ هُوَ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهُ، فَوِزَانُ هَذَا مِنْ ذَاكَ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ مِنْ إنْسَانٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: هُوَ مَالُكَ لَا حَقَّ لِي فِيهِ أَوْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: هَذَا الْمَالُ لِمَوْلَاك لَا حَقَّ لِي فِيهِ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ لِمَا قُلْنَا فَيُقْضَى بِرَدِّ الْمَالِ عَلَى الْمُقِرِّ لَهُ بِالسَّرِقَةِ.

.إِقْرَارُ الصَّبِيِّ بِالسَّرِقَةِ:

(قَالَ) وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ بِالسَّرِقَةِ بَاطِلٌ ثُمَّ بُلُوغُهُ قَدْ يَكُونُ بِالْعَلَامَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالسِّنِّ، فَأَمَّا الْبُلُوغُ بِالْعَلَامَةِ فَالْغُلَامُ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْإِحْبَالِ وَأَقَلُّ الْمُدَّةِ فِي ذَلِكَ اثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ أَوْ بِالْحَبَلِ أَوْ الِاحْتِلَامِ وَأَدْنَى الْمُدَّةِ فِي ذَلِكَ تِسْعُ سِنِينَ، وَعِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِمَا إذَا بَلَغَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى التَّقْدِيرُ فِي الْجَارِيَةِ بِسَبْعِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي الْغُلَامِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِتِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ الْأَصَحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ زَادَ عَلَى أَدْنَى الْمُدَّةِ سَبْعَ سِنِينَ وَأَدْنَى الْمُدَّةِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا»، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْوَكَالَةِ.
(قَالَ) وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ عِنْدَ الْعَذَابِ أَوْ عِنْدَ الضَّرْبِ أَوْ عِنْدَ التَّهْدِيدِ بِالْحَبْسِ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَمِينٍ إنْ جَوَّعْت أَوْ خَوَّفْت أَوْ أَوْثَقْت وَقَالَ شُرَيْحٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَيْدُ كُرْهٌ وَالسِّجْنُ كُرْهٌ وَالْوَعِيدُ وَالضَّرْبُ كُرْهٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ فَلَمَّا امْتَنَعَ مِنْ الْإِقْرَارِ حَتَّى هُدِّدَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَفْتَوْا بِصِحَّةِ إقْرَارِ السَّارِقِ بِالسَّرِقَةِ مَعَ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ السُّرَّاقَ لَا يُقِرُّونَ فِي زَمَانِنَا طَائِعِينَ وَسُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيَحِلُّ ضَرْبُ السَّارِقِ حَتَّى يُقِرَّ فَقَالَ: مَا لَمْ يُقْطَعْ اللَّحْمُ وَلَا يَتَبَيَّنْ الْعَظْمُ، وَأَفْتَى مَرَّةً بِجَوَازِ ضَرْبِهِ ثُمَّ نَدِمَ وَاتَّبَعَ السَّائِلَ إلَى بَابِ الْأَمِيرِ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَ السَّارِقَ وَأَقَرَّ بِالْمَالِ وَجَاءَ بِهِ فَقَالَ مَا رَأَيْت جَوْرًا أَشْبَهَ بِالْحَقِّ مِنْ هَذَا وَإِنْ أَقَرَّ طَائِعًا ثُمَّ قَالَ: الْمَتَاعُ مَتَاعِي أَوْ قَالَ: اسْتَوْدَعَنِيهِ أَوْ قَالَ أَخَذْته رَهْنًا بِدَيْنٍ لِي عَلَيْهِ دَرَأْت الْقَطْعَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مُحْتَمَلٌ، فَقَدْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الْخُصُومَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إذَا سَرَقَ خِلَافَ جِنْسِ حَقِّهِ عَلَى سَبِيلِ الرَّهْنِ بِحَقِّهِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ دَيْنُهُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ وَالدَّيْنَ مُؤَجَّلٌ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يُقْطَعَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي أَخْذِ الْمَالِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ التَّأْجِيلُ لَا يَنْفِي وُجُوبَ أَصْلِ الْمَالِ إنَّمَا يُؤَخَّرُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ فَيَكُونُ وُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ شُبْهَةً.
(قَالَ) وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ السَّارِقَ حَتَّى لَا يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَالَ: أَسَرَقْت؟ مَا إخَالُهُ سَرَقَ»، وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا احْتِيَالٌ مِنْ الْإِمَامِ لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَإِذَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالْحَرِّ الشَّدِيدِ الَّذِي يَتَخَوَّفُ عَلَيْهِ الْمَوْتَ إنْ قَطَعَهُ حَبَسَهُ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْحَرُّ وَالْبَرْدُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ يُسْتَوْفَى عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ الْقَطْعُ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا، وَإِذَا كَانَ لَا يَتَخَوَّفُ عَلَيْهِ الْمَوْتَ إنْ قُطِعَ لَمْ يُؤَخَّرْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَنْبَغِي لِوَالٍ ثَبَتَ عِنْدَهُ الْحَدُّ أَنْ لَا يُقِيمَهُ»، وَإِنْ حُبِسَ إلَى فُتُورِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فَمَاتَ فِي السِّجْنِ فَضَمَانُ الْمَسْرُوقِ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ.
(قَالَ) وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي يَدِهِ قَطْعٌ فِي السَّرِقَةِ وَالْقِصَاصِ بُدِئَ بِالْقِصَاصِ وَضَمِنَ السَّرِقَةَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهُ يُقْتَلُ وَيُتْرَكُ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ الْيُمْنَى، فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الْيَدِ حَقَّانِ: أَحَدُهُمَا: لِلَّهِ تَعَالَى وَالْآخَرُ لِلْعَبْدِ فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ فِي الرِّجْلِ الْيُمْنَى أَوْ فِي الرِّجْلِ الْيُسْرَى يُبْدَأُ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَإِذَا اُسْتُوْفِيَ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ فَيَضْمَنُ الْمَسْرُوقُ فَإِنْ قُضِيَ بِالْقِصَاصِ فَعَفَا عَنْهُ صَاحِبُهُ أَوْ صَالَحَهُ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ كَانَ مُسْتَحَقًّا، وَقَدْ سَقَطَ مَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يُصَالِحْهُ حَتَّى مَضَى زَمَانٌ وَهُمَا يَتَرَاضَيَانِ فِيهِ عَلَى الصُّلْحِ ثُمَّ صَالَحَهُ دَرَأْت الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ بِحُجَّةِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي الرِّجْلِ الْيُسْرَى بُدِئَ بِالْقِصَاصِ ثُمَّ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ تُقْطَعُ يَدُهُ فِي السَّرِقَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي شَجَّةٍ فِي رَأْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ وَالَى فِي الِاسْتِيفَاءِ بِالضَّرْبِ رُبَّمَا يَمُوتُ لِتَضَاعُفِ الْآلَامِ عَلَيْهِ فَلْيَتَحَرَّزْ عَنْ ذَلِكَ بِجَهْدِهِ، وَلِهَذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
(قَالَ) وَإِذَا حُكِمَ عَلَى السَّارِقِ بِالْقَطْعِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ ثُمَّ قَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ: هَذَا مَتَاعُهُ، أَوْ قَالَ: لَمْ يَسْرِقْهُ مِنِّي إنَّمَا كُنْت أُودِعْته، أَوْ قَالَ: شَهِدَ شُهُودِي بِزُورٍ، أَوْ قَالَ: أَقَرَّ هُوَ بِالْبَاطِلِ بَطَلَ الْقَطْعُ عَنْهُ لِانْقِطَاعِ خُصُومَتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بَقَاءَ الْخُصُومَةِ إلَى وَقْتِ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ شَرْطٌ وَأَنَّ الْمُعْتَرِضَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْحَدِّ كَالْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ السَّبَبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ رَدِّ الْمَالِ بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْمَالِ مِنْهُ لِلْخُصُومَةِ فَالْمَقْصُودُ بِالْخُصُومَةِ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ، وَالْمُنْتَهِي يَكُونُ مُتَقَرِّرًا فِي نَفْسِهِ فَكَانَتْ خُصُومَتُهُ قَائِمَةً بِاعْتِبَارِ قِيَامِ يَدِهِ فِي الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: قَدْ عَفَوْت لَمْ يَبْطُلْ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ إسْقَاطٌ، فَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَالْقَطْعُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا حَقٌّ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ فِيهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَجَافُوا الْعُقُوبَةَ بَيْنَكُمْ، فَإِذَا اُنْتُهِيَ بِهَا إلَى الْإِمَامِ فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إنْ عَفَا عَنْهُ» فَأَمَّا إذَا وَهَبَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ الْمَالَ مِنْ السَّارِقِ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقَطْعِ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ لِانْقِطَاعِ خُصُومَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَجَّتُهُمَا حَدِيثُ صَفْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ نَائِمًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَسِّدًا بِرِدَائِهِ فَجَاءَ سَارِقٌ وَسَرَقَ رِدَاءَهُ فَاتَّبَعَهُ حَتَّى أَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ فَقَالَ: «أَتَقْطَعُهُ بِسَبَبِ رِدَائِي؟ وَهَبْتُهَا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا تُسْقِطُ الْقَطْعَ، وَلِأَنَّ هَذَا حَدُّ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا، فَإِذَا وَجَبَ بِتَقَرُّرِ سَبَبِهِ لَا يَمْتَنِعُ اسْتِيفَاؤُهُ لِمِلْكٍ عَارِضٍ فِي الْمَحَلِّ كَحَدِّ الزِّنَا، فَإِنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ عَنْهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْعِصْمَةِ وَقْتَ السَّرِقَةِ وَالْهِبَةِ تُوجِبُ مِلْكًا حَادِثًا، وَلَا أَثَرَ لَهَا فِيمَا وَجَبَ الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِلسَّارِقِ؛ لِأَنَّ فِي إقْرَارِهِ احْتِمَالُ الصِّدْقِ وَبِهَذَا الِاحْتِمَالِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لِلسَّارِقِ عِنْدَ السَّرِقَةِ، وَذَلِكَ مَانِعُ تَقَرُّرِ فِعْلِ السَّرِقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، فَأَمَّا الْآنَ، فَقَدْ ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ عِنْدَهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَمْتَنِعُ الِاسْتِيفَاءُ بِاعْتِرَاضِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ، كَمَا لَا يَمْتَنِعُ الِاسْتِيفَاءُ بِاعْتِرَاضِ الْمِلْكِ فِي الْحِرْزِ أَوْ بِرَدِّ الْمَالِ بَعْدَ الْقَضَاءِ.
(وَحُجَّتُنَا) فِيهِ أَنَّ انْتِفَاءَ مِلْكِ السَّارِقِ عَنْ الْمَسْرُوقِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ وَمَا يَكُونُ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ يُرَاعَى قِيَامُهُ إلَى وَقْتِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ السَّبَبِ بِدَلِيلِ الْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالرِّدَّةِ وَالْفِسْقِ فِي الشُّهُودِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ انْتِفَاءَ الْأُبُوَّةِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الِاسْتِيفَاءِ حَتَّى أَنَّ الْمُعْتَرِضَ مِنْ الْأُبُوَّةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ السَّبَبِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَالْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ حَادِثًا هَاهُنَا فَالْعَيْنُ الَّذِي وُجِدَ فِعْلُ السَّرِقَةِ فِيهِ عَيْنُ ذَلِكَ وَلَوْ اتَّحَدَ الْمِلْكُ بِأَنْ أَقَرَّ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ لَهُ بِالْمِلْكِ أَوْ أَثْبَتَ السَّارِقُ مِلْكَهُ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يُقْطَعْ، فَكَذَلِكَ إذَا اتَّحَدَتْ الْعَيْنُ وَاخْتَلَفَ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ تَتَمَكَّنُ شُبْهَةٌ بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْعَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي حَدِّ الزِّنَا وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ الْعُذْرُ وَاضِحٌ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ بِاعْتِبَارِ مَا اُسْتُوْفِيَ مِنْ الْعَيْنِ، وَذَلِكَ الْمُسْتَوْفَى مَثَلًا شَيْءٌ وَهَا هُنَا وُجُوبُ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَمِلْكُهُ حَدَثَ فِي ذَلِكَ الْعَيْنِ وَبِخِلَافِ الْحِرْزِ، فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّحَرُّزِ وَالتَّحَصُّنِ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا حَدَثَ الْمِلْكُ لَهُ فِي حِرْزٍ آخَرَ وَبِخِلَافِ رَدِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مِنْهُ لِلْخُصُومَةِ، فَإِنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِالرَّدِّ وَالْمُنْتَهِي فِي حُكْمِ الْمُتَقَرِّرِ، فَأَمَّا الْهِبَةُ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يُخَاصِمُ لِيَهَبَ مِنْهُ، وَمَا يَفُوتُ الْمَقْصُودَ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ مُنْهِيًا لَهُ.
فَأَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «عَفَوْت عَنْهُ» وَالْحَدِيثُ حِكَايَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهُ ثُمَّ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» كَيْ لَا يُنْتَهَكَ سِتْرُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَا رُوِيَ «أَنَّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيَّرَ فَقَالَ صَفْوَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَأَنَّهُ شَقَّ عَلَيْك ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَكَيْفَ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ وَكَأَنَّكُمْ أَعْوَانُ الشَّيَاطِينِ عَلَى أَخِيكُمْ الْمُسْلِمِ؟» فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَرِهَ هَتْكَ السِّتْرِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُرْوَ مَشْهُورًا أَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ بَعْدَ هِبَتِهِ، وَإِنْ رُوِيَ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ السَّارِقَ لَمْ يَقْبَلَ الْهِبَةَ وَلَمَّا انْتَهَكَ سِتْرَهُ اسْتَحَبَّ أَنْ يُطَهِّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ لِذَلِكَ، وَعِنْدَنَا إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ السَّارِقُ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ.
(قَالَ) فَإِنْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبٌ فَفِي الْقِيَاسِ يُقْطَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ مِنْهُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تُقْطَعْ لِلشُّبْهَةِ، فَإِنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ إذَا حَضَرَ رُبَّمَا يُكَذِّبُهُ فِي الْإِقْرَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّا.
(قَالَ) وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ شَرِكَةً أَوْ شُبْهَةَ شَرِكَةٍ، فَإِنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مَالُ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ أَحَدُهُمْ، فَإِنَّهُ إذَا احْتَاجَ يَثْبُتُ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، وَفِي الْكِتَابِ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ سَرَقَ مِنْ الْمَغْنَمِ فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ وَقَالَ إنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْمَالِ مَالِكٌ مُتَعَيِّنٌ وَوُجُوبُ الْقَطْعِ عَلَى السَّارِقِ لِصِيَانَةِ الْمِلْكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ.
(قَالَ) وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ امْرَأَةِ ابْنِهِ أَوْ زَوْجِ ابْنَتِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ أَوْ امْرَأَةِ أَبِيهِ إذَا سَرَقَ مِنْ الْمَنْزِلِ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَنْزِلَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَمَنْزِلِ ابْنِهِ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، وَلَا حِشْمَةٍ فَلَا يَتِمُّ مَعْنَى الْحِرْزِيِّةِ فِي حَقِّهِ فِي مَنَازِلِهِمْ، فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُمْ الْقَطْعُ، فَأَمَّا إذَا سَرَقَ مَالَ هَؤُلَاءِ مِنْ غَيْرِ مَنْزِلِ وَلَدِهِ أَوْ وَالِدِهِ أَوْ سَرَقَ مِنْ ابْنِ امْرَأَتِهِ أَوْ مِنْ أَبَوَيْهَا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اسْتِحْسَانًا، وَفِي قَوْلِهِمَا يُقْطَعُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَهُوَ الْخِلَافُ فِي الْأَخْتَانِ وَالْأَصْهَارِ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا هُمَا يَقُولَانِ لَا شُبْهَةَ لِلْبَعْضِ فِي مِلْكِ الْبَعْضِ وَلَا تَأْوِيلَ، وَلَا فِي حِرْزِهِ، فَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْأَجَانِبِ إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةً ثَابِتَةً بِالْمُصَاهَرَةِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْمَحْرَمِيَّةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِالرَّضَاعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: بَيْنَ الْأَخْتَانِ وَالْأَصْهَارِ مُبَاسَطَةٌ فِي دُخُولِ بَعْضِهِمْ فِي مَنْزِلِ الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةٌ فِي الْحِرْزِيِّةِ وَأَدْنَى الشُّبْهَةِ تَكْفِي فِي الْمَنْعِ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ مَنْزِلِ أَبِيهِ مَالَ امْرَأَتِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ إقَامَةَ الْمُضَافِ مَقَامَ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ وَامْرَأَةُ الِابْنِ مُضَافٌ إلَيْهِ، وَلَوْ سَرَقَ الْأَبُ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ لَا يُقْطَعُ، فَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ مِنْ الْمُضَافِ بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ الْمُضَافِ مَقَامَ الْمُضَافِ إلَيْهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الِابْنَ جُزْءٌ مِنْ أَبِيهِ، وَلَوْ سَرَقَ الِابْنُ مَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَنْزِلِهَا لَمْ يُقْطَعْ، فَكَذَلِكَ أَبُوهُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذَا سَرَقَ مَالَ الْآخَرِ لَمْ يُقْطَعْ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ يَسْكُنَانِ فِيهِ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ آخَرَ لِصَاحِبِهِ يُقْطَعُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ فِيمَا وَرَاءَ حُقُوقِ النِّكَاحِ هُمَا كَالْأَجَانِبِ حَتَّى تُقْبَلَ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ، وَعِنْدَنَا بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ يَثْبُتُ مَعْنَى الِاتِّحَادِ بَيْنَهُمَا، وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ، وَتَبَاسُطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِ صَاحِبِهِ كَتَبَاسُطِ الْوَلَدِ فِي مَالِ وَالِدِهِ فَكَمَا أَنَّ ذَاكَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا.
(قَالَ) وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مَعَ صَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ لَمْ يُقْطَعْ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا لَمْ يُوجِبْ الْقَطْعَ عَلَى أَحَدِهِمَا لِلشُّبْهَةِ لَا يُوجِبُ عَلَى الْآخَرِ لِلشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ هُنَاكَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِهَا لِتَحَقُّقِ الشَّرِكَةِ فِي الْفِعْلِ بَلْ هُوَ الْفَاعِلُ وَهِيَ مَحَلُّ الْفِعْلِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ هُوَ الَّذِي حَمَلَ الْمَتَاعَ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ الْحَامِلُ لِلْمَتَاعِ هُوَ الْبَالِغُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ فَإِنِّي أَسْتَقْبِحُ أَنْ أَدْرَأَ الْقَطْعَ لِهَذَا فَيَتَطَرَّقُ السُّرَّاقُ بِهِ إلَى إسْقَاطِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَارِقٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ أَنْ يَسْتَصْحِبَ صَبِيًّا أَوْ مَعْتُوهًا مَعَ نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَ أَخْرَسَ لَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا الْأَخْرَسُ فَلِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَاطِقًا رُبَّمَا يَدَّعِي شُبْهَةً يَدْرَأُ بِهَا الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا النَّاطِقُ فَلِأَجْلِ الشَّرِكَةِ.
(قَالَ) وَلَوْ سَرَقَ خَمْرًا فِي ظَرْفٍ وَقِيمَةُ الظَّرْفِ نِصَابٌ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخَمْرُ وَهِيَ حَرَامٌ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ يُخْرِجَ الظَّرْفَ، وَهُوَ مِمَّا يُقْطَعُ فِي جِنْسِهِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ لِإِيضَاحِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ وُجُوبَ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَالْفِعْلِ ثُمَّ إذَا كَانَ أَحَدُ الْعَيْنَيْنِ مِمَّا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ يَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُ الْفَاعِلَيْنِ مِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ.
(قَالَ) وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَطْعَ يُسْتَوْفَى بِخُصُومَةِ الْغَائِبِ وَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ هُوَ الَّذِي حَضَرَ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُقْطَعُ السَّارِقُ وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي نَوَادِرِهِ إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ بِخُصُومَتِهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَعَلَى هَذَا قِيلَ مُرَادُهُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا حَضَرَا جَمِيعًا، وَقِيلَ: بَلْ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ بِهَا يَحْيَى مِلْكُهُ وَحَقُّهُ فَلَا مُعْتَبَرَ بِغِيبَةِ غَيْرِهِ مَعَ حُضُورِهِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ غَيْرُهُ وَالشَّرْطُ حُضُورُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى بِخُصُومَةِ وَكِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ الْمَالِكُ هَاهُنَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ إذَا حَضَرَ رُبَّمَا يَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ ضَيْفًا عِنْدَهُ، فَلِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الشُّبْهَةِ لَا يُسْتَوْفَى الْقَطْعُ وَكَاسِبُ الرِّبَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْهُ بِخُصُومَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَكْسُوبِ، وَهُوَ مِلْكٌ مَعْصُومٌ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْكَلَامَ فِي السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ فَإِنْ كَانَ السَّارِقُ مِنْ الْمُودَعِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ بِخُصُومَتِهِ، وَلَا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مَالَ الْمُودَعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِلْحَدِّ عَنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ الشُّبْهَةُ فِي الْحِرْزِ مِنْ حَيْثُ إنَّ بَعْضَهُمْ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ، وَلَا اسْتِئْذَانٍ، وَفِي هَذَا لَا يَفْتَرِقُ بَيْنَ أَنْ يَسْرِقَ مَالَهُ أَوْ مَالَ أَجْنَبِيٍّ وَدِيعَةً عِنْدَهُ.
(قَالَ) وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْهُ فِي مَنْزِلٍ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ فَتَعْمَلُ عَمَلَ حَقِيقَةِ النِّكَاحِ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا إذَا أَتَاهَا بِالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى عَلَيْهَا فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تَصِيرُ السُّكْنَى كَالْمُضَافِ إلَيْهِ، وَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا حَقٌّ وَلَا عَلَاقَةٌ فَصَارَتْ فِي حَقِّهِ كَمَا قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَكَمَا يُقْطَعُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إذَا سَرَقَ مِنْهَا، فَكَذَلِكَ مِنْ أَبَوَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ دُخُولُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ عَادَةً، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بِجَمِيعِ عَلَائِقِهِ.
(قَالَ) وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ امْرَأَةٍ قَدْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ سَرِقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ كَالْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ السَّبَبِ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا بَيْنَهُمَا وَقْتَ السَّرِقَةِ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ لَمْ تُزَفَّ إلَيْهِ، فَكَذَلِكَ إذَا اعْتَرَضَ النِّكَاحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ إذَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ خُصُومَتَهَا فِي حُكْمِ الْحَدِّ وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ، فَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ لَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ عَيْنَهَا لَا تَمْنَعُ الْقَطْعَ بَلْ مَعْنَى الشُّبْهَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي زَوْجِيَّةٍ مُعْتَرَضَةٍ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ.
(قَالَ) وَلَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْحِرْزِيَّةِ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَقْتَ السَّرِقَةِ فَلَمْ يَكُنْ أَصْلُ فِعْلِهِ مُوجِبًا لِلْقَطْعِ ثُمَّ لَا يَصِيرُ مُوجِبًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِذَا سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ مِنْ أُخْتِهِ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ بَيْنَهُمَا سِوَى الْمَحْرَمِيَّةِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْمَحْرَمِيَّةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ بِسَبَبِ الْمُصَاهَرَةِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ أَوْ بِسَبَبِ الْمُصَاهَرَةِ الثَّابِتَةِ بِالزِّنَا أَوْ بِالتَّقْبِيلِ مِنْ شَهْوَةٍ لَا تُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ الْقَطْعِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: إذَا سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ عَادَةً بِخِلَافِ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا بَعِيدٌ، فَإِنَّ الْأُمِّيَّةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَوْ كَانَتْ مُؤَثِّرَةً فِي إسْقَاطِ الْقَطْعِ لَكَانَتْ الَأُخْتِيَّةُ مُؤْثَرَةً فِيهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِالنَّسَبِ.
(قَالَ) وَإِنْ أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ هَرَبَ لَمْ يُطْلَبْ، وَإِنْ كَانَ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَرَبَهُ دَلِيلُ رُجُوعِهِ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ لَمْ يُقْطَعْ، فَكَذَلِكَ إذَا هَرَبَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِمَاعِزٍ حِينَ أُخْبِرَ بِالْهَرَبِ فَقَالَ: هَلَّا خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ»، وَلَكِنَّهُ إذَا أُتِيَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ ضَامِنًا لِلْمَالِ، كَمَا لَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقَطْعُ بِهِ دُونَ الضَّمَانِ.
(قَالَ) وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ هَذَا مِائَةً ثُمَّ قَالَ: وَهَمْت إنَّمَا سَرَقْت مِنْ هَذَا الْآخَرِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْأَوَّلِ وَتَنَاقَضَ كَلَامُهُ فِي إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْآخَرِ، وَالتَّنَاقُضُ كَالرُّجُوعِ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ وَيُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ بِالرُّجُوعِ وَالتَّنَاقُضِ يَبْطُلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْحَدِّ دُونَ الْمَالِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصَدَّقَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ فَكَانَ ضَامِنًا لَهُ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ الشُّهُودُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِلْأَوَّلِ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِقَطْعٍ، وَلَا مَالٍ؛ لِأَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْأَوَّلِ وَتَنَاقَضَ كَلَامُهُمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الثَّانِي حِينَ شَهِدُوا أَوَّلًا بِسَرِقَةِ هَذِهِ الْمِائَةِ بِعَيْنِهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَالرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالتَّنَاقُضُ فِيهَا مَانِعٌ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْمَالِ وَالْحَدِّ جَمِيعًا.
(قَالَ) وَإِنْ كَانَتْ الشُّهُودُ أَرْبَعَةً فَثَبَتَ اثْنَانِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِلْأَوَّلِ بِهِ وَرَجَعَ اثْنَانِ فَشَهِدُوا عَلَى هَذَا الْآخَرِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلشُّبْهَةِ الَّتِي دَخَلَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الرَّاجِعِينَ شَهِدُوا بِسَرِقَةِ ذَلِكَ الْمَالِ بِعَيْنِهِ مِنْ الْآخَرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُعَارِضًا لِشَهَادَةِ الثَّابِتَيْنِ عَلَى السَّرِقَةِ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْقَطْعِ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الثَّابِتَيْنِ لِلْمُعَارَضَةِ وَبِشَهَادَةِ الرَّاجِعَيْنِ لِلتَّنَاقُضِ وَيُقْضَى بِالْمَالِ لِلْأَوَّلِ لِبَقَاءِ حُجَّةٍ كَامِلَةٍ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي حَقِّ الْمَالِ وَتَأْثِيرُ الْمُعَارَضَةِ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ، وَلَكِنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَلَا يُقْضَى لِلْآخَرِ بِشَيْءٍ لِلتَّنَاقُضِ مِنْ الشُّهُودِ فِي حَقِّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْمَالِ.
(قَالَ) رَجُلٌ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ هَذَا مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ يَسْرِقْهَا هَذَا، وَلَكِنِّي أَنَا سَرَقْتهَا فَقَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ كَذَبْت، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ الْأَوَّلُ بِخُصُومَتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَدَّقَهُ فِي إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ، فَأَمَّا إقْرَارُ الثَّانِي، فَقَدْ بَطَلَ بِتَكْذِيبِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إيَّاهُ فَصَارَ كَالْمَعْدُومِ، فَإِنْ قَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ: لَمْ يَسْرِقْهَا الْأَوَّلُ، فَقَدْ عَلِمْت وَذَكَرْت أَنَّ هَذَا الْآخَرَ هُوَ الَّذِي سَرَقَهُ لَمْ يُقْطَعْ الْآخَرُ، وَلَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ عَلَى الْأَوَّلِ بَرَاءَةٌ مِنْهُ لِلْآخَرِ وَدَعْوَاهُ عَلَى الْآخَرِ بَرَاءَةٌ مِنْهُ لِلْأَوَّلِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ وَالْخُصُومَةُ مِنْ الْمُنَاقِضِ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ وَشَرْطُ الْقَطْعِ الْخُصُومَةُ، فَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَا يَضْمَنُ الْأَوَّلُ السَّرِقَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَبْرَأهُ مِنْهَا بِالدَّعْوَى عَلَى الْآخَرِ مُكَذِّبًا لَهُ فِي إقْرَارِهِ، وَقَدْ كَذَبَ الْآخَرُ فِي إقْرَارِهِ قَبْلَ هَذَا فَلَا ضَمَانَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْهُ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: كَذَبْت، ثُمَّ قَالَ لَهُ: صَدَقَتْ أَنْتَ سَرَقْتهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ شَيْئًا؟ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: كَذَبْت وَلَكِنَّهُ قَالَ: صَدَقْت، ثُمَّ قَالَ آخَرُ: أَنَا سَرَقْتهَا فَقَالَ لَهُ: صَدَقْت لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِمَعْنَى التَّنَاقُضِ وَيَضْمَنُ الْآخَرُ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِ الْآخَرِ صَارَ مُكَذِّبًا لِلْأَوَّلِ مُبَرِّئًا لَهُ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ.
(فَإِنْ قِيلَ) فَكَذَلِكَ هُوَ بِتَصْدِيقِ الْأَوَّلِ صَارَ مُكَذِّبًا لِلْآخَرِ.
قُلْنَا: نَعَمْ لَكِنْ وُجِدَ مِنْ الْآخَرِ الْإِقْرَارُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّكْذِيبِ فَيَصِحُّ تَصْدِيقُهُ فِي ذَلِكَ، كَمَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ فَكَذَّبَهُ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ ثَانِيًا بِهِ فَصَدَّقَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي شَهَادَةٍ لَمْ يَضْمَنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ الْقَضَاءِ، وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي بِهَا إلَّا إذَا تَرَتَّبَتْ عَلَى خُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ، وَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ خُصُومَتِهِ لِلتَّنَاقُضِ، وَلِأَنَّهُ صَارَ مُكَذِّبًا كُلَّ فَرِيقٍ بِتَصْدِيقِ الْآخَرِ كَالْمُدَّعِي إذَا أَكْذَبَ شَاهِدَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لَهُ.
(قَالَ) رَجُلٌ قَالَ: لِآخَرَ سَرَقْت مِنْك كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: كَذَبْت لَمْ تَسْرِقْ مِنِّي وَلَكِنَّك غَصَبْته غَصْبًا، وَإِنَّمَا أَرَدْت بِذِكْرِ السَّرِقَةِ أَنْ تَبْرَأَ مِنْ الضَّمَانِ فَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ غَصْبًا مُبْتَدَأً فَبَطَلَ إقْرَارُهُ بِالتَّكْذِيبِ، وَلَمْ يَثْبُتُ مَا ادَّعَاهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مَوْصُولٌ، وَفِي آخِرِهِ بَيَانُ أَنَّ مُرَادَهُ التَّكْذِيبُ فِي جِهَةِ السَّرِقَةِ لَا فِي أَصْلِ الْمَالِ الْمَضْمُونِ عَلَيْهِ وَالْبَيَانُ الْمُغَيِّرُ صَحِيحٌ إذَا كَانَ مُوصِلًا بِالْكَلَامِ ثُمَّ الْمُقَرُّ لَهُ انْتَدَبَ بِمَا صَنَعَ إلَى مَا نُدِبَ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ مِنْ إبْقَاءِ السِّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالِاحْتِيَالِ لِدَرْءِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُسْقِطًا حَقَّهُ فِي الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: سَرَقْت مِنْك كَذَا فَقَالَ الطَّالِبُ: غَصَبْته غَصْبًا فَهُوَ مُسْتَهْلَكٌ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا صَدَّقَهُ فِي الْإِقْرَارِ بِمِلْكِ أَصْلِ الْمَالِ لَهُ، فَقَدْ صَدَّقَهُ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ وَالسَّرِقَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِلضَّمَانِ وَالْأَسْبَابُ مَطْلُوبَةٌ لِأَحْكَامِهَا لَا لِأَعْيَانِهَا فَمَعَ التَّصْدِيقِ فِي الْحُكْمِ لَا يُعْتَبَرُ التَّكْذِيبُ فِي السَّبَبِ، وَإِنْ قَالَ غَصَبْتُك كَذَا فَقَالَ سَرَقْته مِنِّي فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ؛ لِأَنَّهُ صَدَّقَهُ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ وَادَّعَى زِيَادَةَ جِهَةِ السَّرِقَةِ، وَلَمْ يُثْبِتْ لَهُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ بِدَعْوَاهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ، وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ قَوْلُ الضَّامِنِ مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا الطَّالِبُ وَإِنْ قَالَ: سَرَقْت مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ ثَوْبًا وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَقْطَعَهُ، وَلَكِنْ يُقْضَى لَهُ بِنِصْفِ الثَّوْبِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَبِنِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ مِنْ الْغَائِبِ لَمْ يُعْرَفْ، فَإِذَا حَضَرَ رُبَّمَا يُكَذِّبُهُ فَيَبْقَى نِصْفُ الثَّوْبِ عَلَى مِلْكِهِ، فَلَوْ قَطَعْنَاهُ لَقَطَعْنَا فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: زَنَيْت بِفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ فَكَذَّبَتْهُ إحْدَاهُمَا وَصَدَّقَتْهُ الْأُخْرَى يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ فِعْلِهِ بِالْأُخْرَى، وَهُنَا إنَّمَا أَقَرَّ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فِي ثَوْبٍ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ السَّرِقَةُ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ قَبْلَ تَصْدِيقِهِ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالسَّرِقَةِ فِي نَصِيبِ الْحَاضِرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ فِعْلَ السَّرِقَةِ فِي نِصْفِ الثَّوْبِ شَائِعًا لَا يَتَحَقَّقُ مُنْفَرِدًا عَنْ النِّصْفِ الْآخَرِ، فَلِهَذَا لَمْ يُقْطَعْ.
فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ ظَهَرَ حُكْمُ الْمَالِ فَيُقْضَى لِلْحَاضِرِ بِمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ، وَذَلِكَ نِصْفُ الثَّوْبِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَنِصْفُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَإِنْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَقَالَ: أَحَدُهُمَا كَذَبْتَ لَمْ تَسْرِقْهُ، وَلَكِنَّك غَصَبْته أَوْ اسْتَوْدَعْنَاكَهُ أَوْ أَعَرْنَاكَهُ أَوْ قَالَ: هُوَ ثَوْبُك لَا حَقَّ لَنَا فِيهِ لَمْ يُقْطَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إمَّا لِلشَّرِكَةِ لَهُ فِي الثَّوْبِ بِإِقْرَارِ أَحَدِهِمَا لَهُ بِالْمِلْكِ أَوْ لِانْتِفَاءِ فِعْلِ السَّرِقَةِ عَنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِتَكْذِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِعْلُ السَّرِقَةِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ مِنْ الثَّوْبِ مُنْفَرِدًا، وَلَكِنْ يُقْضَى بِنِصْفِ الْآخَرِ أَوْ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ فِي حَقِّ الثَّانِي يَنْبَنِي الْقَضَاءُ عَلَى مَا أَقَرَّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَقُضِيَ لِلْحَاضِرِ بِنِصْفِ الثَّوْبِ أَوْ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ ثُمَّ جَاءَ الْغَائِبُ وَادَّعَى السَّرِقَةَ يُقْضَى لَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ، وَلَكِنْ لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَ قَضَى بِنِصْفِ الثَّوْبِ لِلْأَوَّلِ أَوْ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ، فَقَدْ دَرَأَ الْقَطْعَ عَنْهُ فِي نَصِيبِهِ إذْ الْقَاضِي لَا يَشْتَغِلُ بِالضَّمَانِ إلَّا بَعْدَ دَرْءِ الْحَدِّ، وَلِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ مَلَكَ ذَلِكَ النِّصْفَ، وَاعْتِرَاضُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ كَاعْتِرَاضِهِ فِي الْجَمِيعِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ.
وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ حَاضِرًا وَقْتَ الْخُصُومَةِ فَقَالَ: الثَّوْبُ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ لَنَا عِنْدَك لَمْ يَقْضِ لَهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ شُهُودَهُ، فَإِنَّهُمْ شَهِدُوا بِالسَّرِقَةِ وَإِكْذَابُ الْمُدَّعِي شَاهِدَهُ يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ فِي حَقِّهِ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي تِلْكَ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّ نَفْسِهِ بِإِكْذَابِهِ شُهُودَهُ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَبْرَأهُ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ الضَّمَانِ وَبَعْدَ الْإِبْرَاءِ لَا يَبْقَى لَهُ حَقُّ مُشَارَكَةِ الْآخَرِ فِيمَا يَقْبِضُ.
(قَالَ) رَجُلَانِ أَقَرَّا أَنَّهُمَا سَرَقَا هَذَا الثَّوْبَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ يَدَّعِي ذَلِكَ فَلَمَّا أَمَرَ الْحَاكِمُ بِقَطْعِهِمَا قَالَ أَحَدُهُمَا: الثَّوْبُ ثَوْبُنَا لَمْ نَسْرِقْهُ قَالَ يُدْرَأُ الْقَطْعُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ مِنْ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالْمُقْتَرِنِ بِالسَّبَبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ ادَّعَيَا جَمِيعًا الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَانَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ بِمَنْزِلَةِ الْمُقْتَرِنِ بِالسَّبَبِ، فَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ أَحَدُهُمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ وَجَبَ عَلَيْهِمَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الْخُصُومَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَالَ: سَرَقْنَا هَذَا الثَّوْبَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَقَالَ الْآخَرُ: كَذَبْت لَمْ نَسْرِقْهُ، وَلَكِنَّهُ لِفُلَانٍ قَالَ: يُقْطَعُ الْمُقِرُّ بِالسَّرِقَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: سَرَقْنَاهُ وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ أَسْرِقْ مَعَك، وَلَا أَعْرِفُك، وَلَا أَعْرِفُ هَذَا الثَّوْبَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوَّلًا يَقُولُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ رَجَعَ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُقِرَّ مِنْهُمَا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ الْقَطْعِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِنْكَارِهِ فَصَارَ، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ إيجَابُ الْحَدِّ عَلَيْهِ لِدَعْوَاهُ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُمَا.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلْعُقُوبَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ انْعَدَمَ أَصْلُ الْفِعْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ لِتَكْذِيبِهِ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ الثَّابِتِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ بِإِقْرَارِهِ، وَلَا فِي مُوجِبِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: قَتَلْتُ أَنَا وَفُلَانٌ فُلَانًا، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا مَا قَتَلْت فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُقِرِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: زَنَيْت أَنَا وَفُلَانٌ بِفُلَانَةَ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ كَانَ عَلَى الْمُقِرِّ الْحَدُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْآخَرُ الْمِلْكَ، فَإِنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ ثَبَتَ هُنَاكَ مُشْتَرَكًا لِاتِّفَاقِهِمَا ثُمَّ امْتَنَعَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى أَحَدِهِمَا لِلشُّبْهَةِ فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُهُ عَلَى الْآخَرِ لِلشَّرِكَةِ، كَمَا فِي الْمُقِرِّينَ بِالْقَتْلِ إذَا زَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ مُخْطِئًا.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْحُدُودِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَكَذَّبَتْهُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَعِنْدَهُمَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُسَوِّي بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَيَقُولُ: تَكْذِيبُ الْمُكَذِّبِ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ: هُنَاكَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ وَهَا هُنَا لَا يُقَامُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي الزِّنَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِهِ، فَإِنَّ فِعْلَهُ إيلَاجٌ وَفِعْلَهَا تَمْكِينٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مَحَلُّ الْفِعْلِ وَالْمُبَاشِرُ هُوَ الرَّجُلُ فَانْتِفَاؤُهُ فِي جَانِبِهَا بِتَكْذِيبِهَا لَا يُمَكِّنُ شُبْهَةَ الرَّجُلِ وَهَا هُنَا الْفِعْلُ مِنْ السَّارِقَيْنِ وَاحِدٌ وَالْمُشَارَكَةُ بَيْنَهُمَا تَتَحَقَّقُ فَانْتِفَاؤُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بِإِنْكَارِهِ يُمْكِنُ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْآخَرِ، كَمَا فِي الْقَتْلِ إذَا اشْتَرَكَ الْخَاطِئُ مَعَ الْعَامِدِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فَيَقُولُ هُنَاكَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُنَا يُقَامُ عَلَى الْمُقِرِّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ فِعْلَ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْمَحِلِّ، وَقَدْ انْعَدَمَ الْمَحِلُّ بِتَكْذِيبِهَا، فَأَمَّا فِعْلُ السَّرِقَةِ مِنْ الْمُقِرِّ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْآخَرِ فَانْتِفَاءُ الْفِعْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ بِإِنْكَارِهِ لَا يَمْنَعُ تَقَرُّرِ الْفِعْلِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ مُوجِبًا لِلْقَطْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.