فصل: بابُ الشَّهَادَةِ فِي الشِّرْبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بابُ الشَّهَادَةِ فِي الشِّرْبِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ نَهْرٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ فِيهِ شِرْبَ يَوْمٍ فِي الشَّهْرِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَسِيلُ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الشِّرْبِ، وَالْمَسِيلِ لَا تَمْنَعُ إثْبَاتَهُ بِالْبَيِّنَةِ.
وَلَوْ ادَّعَى يَوْمَيْنِ فِي الشَّهْرِ فَجَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى يَوْمٍ فِي رَقَبَةِ النَّهْرِ، وَشَاهِدٍ آخَرَ عَلَى يَوْمَيْنِ فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ، وَفِي قَوْلِهِمَا يَقْضِي بِيَوْمٍ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي التَّطْلِيقَةِ، وَالتَّطْلِيقَتَيْنِ، وَالْأَلْفِ، وَالْأَلْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي شِرْبَ يَوْمٍ فِي الشَّهْرِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ لَهُ شِرْبَ يَوْمٍ، وَلَمْ يُسَمُّوا عَدَدًا، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّ لَهُ فِي رَقَبَةِ النَّهْرِ شَيْئًا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مَجْهُولٌ جَهَالَةً يَتَعَذَّرُ عَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ مَعَهَا.
وَإِنْ ادَّعَى عُشْرَ نَهْرٍ أَوْ قَنَاةٍ فَشَهِدَ لَهُ أَحَدُهُمَا بِالْعُشْرِ، وَالْآخَرُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ شَهِدُوا بِالْإِقْرَارِ لِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا، وَمَعْنًى، وَعَلَى قَوْلِهِمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَقَلِّ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْخُمْسِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَهِدَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى.
وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَرْضًا عَلَى نَهْرٍ شِرْبُهَا مِنْهُ فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا لَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشِّرْبَ سَبَبًا فَإِنِّي أَقْضِي لَهُ بِهَا، وَبِحِصَّتِهِ مِنْ الشِّرْبِ؛ لِأَنَّ الشِّرْبَ تَبَعُ الْأَرْضِ، وَاسْتِحْقَاقُ التَّبَعِ بِاسْتِحْقَاقِ الْأَصْلِ، وَإِنْ شَهِدُوا لَهُ بِالشِّرْبِ دُونَ الْأَرْضِ لَمْ نَقْضِ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ تَبَعٌ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَصْلَ بِاسْتِحْقَاقِ التَّبَعِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا لَهُ بِالْبِنَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ مَوْضِعَهُ مِنْ الْأَرْضِ.
وَلَوْ شَهِدُوا لَهُ بِالْأَرْضِ اسْتَحَقَّ الْبِنَاءَ تَبَعًا، وَكَذَلِكَ الْأَشْجَارُ مَعَ الثِّمَارِ.
وَإِذَا ادَّعَى أَرْضًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ أَنَّهَا لَهُ، وَشَهِدَ آخَرُ عَلَى إقْرَارِ ذِي الْيَدِ بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا شَهِدَ بِإِقْرَارٍ هُوَ كَلَامٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ، وَالْكَذِبِ، وَالْآخَرُ شَهِدَ لَهُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ.
وَلَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ عَبْدَهُ عَلَى شِرْبٍ بِغَيْرِ أَرْضٍ أَوْ عَلَى أَرْضٍ، وَشِرْبٍ لَمْ يَجُزْ أَمَّا الشِّرْبُ بِغَيْرِ أَرْضٍ فَلَا يُسْتَحَقُّ بِالتَّسْمِيَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فِي الْأَرْضِ مَعَ الشِّرْبِ إذَا لَمْ تَكُنْ بِعَيْنِهَا فَهِيَ مِمَّا لَا يُسْتَحَقُّ دَيْنًا بِشَيْءٍ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا بِعَيْنِهَا لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَسْتَدْعِي تَسْمِيَةَ الْبَدَلِ فَتَسْمِيَةُ عَيْنٍ هُوَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ لَا يَكُونُ صَحِيحًا كَالْبَيْعِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ عِنْدَ الْكِتَابَةِ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَإِنَّمَا يَصِيرُ هُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْمَوْلَى مُبَادَلَةَ مِلْكِهِ بِمِلْكِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ فُلَانًا أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ أَرْضِهِ، وَثُلُثِ شِرْبِهِ، وَشَهِدَ آخَرُ بِثُلُثِ شِرْبِهِ دُونَ أَرْضِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِثُلُثِ الشِّرْبِ لَهُ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِ لَفْظًا، وَمَعْنًى، وَلَيْسَ لَهُ فِي ثُلُثِ الْأَرْضِ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ شِرْبِهِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِي الْحَجِّ أَوْ الْفُقَرَاءِ أَوْ فِي الرِّقَابِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ صَرْفَ الْمُوصَى بِهِ إلَى هَذِهِ الْجِهَاتِ يَكُونُ بِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ أَوْ بِالْبَيْعِ، وَصَرْفِ الثَّمَنِ إلَيْهَا، وَالشِّرْب لَا يَحْتَمِل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ أَوْصَى بِثُلُثِ حَقِّهِ فِي النَّهْرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى مَعَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ يَعْنِي أَرْضَ النَّهْرِ، وَهُوَ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ مَعَ الْأَرْضِ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَرْضٌ، وَشِرْبٌ فَادَّعَى الرَّجُلُ أَنَّهُ اشْتَرَى ذَلِكَ مِنْهُ بِأَلْفٍ فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ أَنَّهُ اشْتَرَى الشِّرْبَ، وَالْأَرْضَ بِأَلْفٍ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَى الْأَرْضَ، وَحْدَهَا بِغَيْرِ شِرْبٍ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ شِرْبًا فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالشِّرْبِ لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى شِرَاءِ الشِّرْبِ مَعَ الْأَرْضِ وَاحِدٌ، وَالْمُدَّعِي غَيْرُ رَاضٍ بِالْتِزَامِ الْأَلْفِ بِمُقَابَلَةِ الْأَرْضِ بِدُونِ الشِّرْبِ فَإِنْ كَانَ هَذَا الثَّانِي شَهِدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا أَوْ بِمَرَافِقِهَا أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَهُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا جَازَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الشِّرْبَ يَدْخُلُ فِي شِرَاءِ الْأَرْضِ بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الْعِبَارَةِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْمَعْنَى، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِشَهَادَتِهِمَا كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ، وَالْآخَرُ بِالنِّحْلَةِ، وَلَوْ جَحَدَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ، وَادَّعَى رَبُّ الْأَرْضِ أَنَّهُ بَاعَهَا بِأَلْفٍ بِغَيْرِ شِرْبٍ فَزَادَ أَحَدُ شَاهِدَيْهِ الشِّرْبَ أَوْ الْحُقُوقَ أَوْ الْمَرَافِقَ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُكَذِّبٌ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ.
وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ شِرْبًا بِأَمَةٍ، وَقَبَضَهَا فَوَطِئَهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْقَبْضِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا، وَلَمْ يُذْكَرْ الْعُقْرُ هُنَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ خُصُوصًا فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهَا بِأَنْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَوْ وَطِئَهَا رَجُلٌ بِشُبْهَةٍ، وَأَخَذَ بَائِعُ الشِّرْبِ الْمَهْرَ أَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهَا أَوْ فَقَأَ- عَيْنَهَا فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَالْأَرْشُ وَالْمَهْرُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا مِنْ، وَقْتِ الْقَبْضِ فَيَتَقَرَّرُ مِلْكُهُ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَكَانَ الْأَرْشُ، وَالْعُقْرُ حَاصِلًا بَعْدَ مِلْكِهِ فَيَكُونُ لَهُ.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا لَوْ، وَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ فَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا، وَعَلَيْهِ رَدُّ الْوَلَدِ مَعَ رَدِّ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْ جُزْءٍ مَضْمُونٍ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ لَهُ الْمِلْكُ بِالضَّمَانِ فَيَتَقَرَّرُ الْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ أَوْ فِيمَا هُوَ عِوَضٌ عَنْ الْمَضْمُونِ أَوْ فِيمَا هُوَ تَبَعٌ لِلْمَضْمُونِ؛ لِأَنَّ التَّبَعَ يَمْلِكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ، وَالْوَلَدُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ، وَلَا هُوَ عِوَضٌ عَنْ الْمَضْمُونِ، وَلَا هُوَ تَبَعٌ لِلْمَضْمُونِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوبُ رَدِّ الْوَلَدِ بِتَقَرُّرِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فَأَمَّا الْأَرْشُ فَبَدَلُ جُزْءٍ مَضْمُونٍ، وَقَدْ سَلَّمَ بَدَلَ هَذَا الْجُزْءِ لِمُشْتَرِي الشِّرْبِ حِينَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا صَحِيحَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ بَدَلٌ آخَرُ إذْ لَا يُسَلَّمُ لِلْمَرْءِ بَدَلَانِ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ فَإِنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْمُسْتَوْفِي بِالْوَطْءِ، وَالْمُسْتَوْفِي بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ، وَقَدْ ضَمِنَ قِيمَةَ جَمِيعِ الْعَيْنِ فَيُسَلِّمُ لَهُ مَا كَانَ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ فَإِنْ قِيلَ: الْمُسْتَوْفِي بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ، وَلَكِنَّهُ جُزْءٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِالْوَطْءِ نُقْصَانٌ فِيهَا، وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْعُقْرِ مِنْ الْوَاطِئِ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا قُلْنَا نَعَمْ الْمُسْتَوْفِي بِالْوَطْءِ جُزْءٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ حَقِيقَةً، وَلَكِنَّهُ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ مَضْمُونٌ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ وَطْءَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ أَوْ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ هُوَ ثَمَرَهُ كَالْكَسْبِ فَالْكَسْبُ تَبَعٌ لِلْمَضْمُونِ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ الْعُقْرُ الْمُسْتَوْفِي مِنْ الْوَاطِئِ فَإِنْ قِيلَ: فَالْوَلَدُ أَيْضًا خَلْفٌ عَنْ جُزْءٍ هُوَ مَضْمُونٌ، وَهُوَ النُّقْصَانُ الْمُتَمَكِّنُ بِالْوِلَادَةِ، وَلِهَذَا يَنْجَبِرُ بِهِ قُلْنَا الْخِلَافَةُ بِحُكْمِ اتِّحَادِ السَّبَبِ لَا؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ رَدُّ الْعِوَضِ لِوُصُولِ مِثْلِهِ إلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْوَلَدِ.
وَلَوْ كَانَتْ حَيَّةً فَأَخَذَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ تَبِعَهَا الْأَرْشُ، وَالْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فِيهَا بَلْ انْعَدَمَ مِنْ الْأَصْلِ بِرَدِّهَا؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ رَدُّ هَذَا الْجُزْءِ حَالَ قِيَامِهِ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ رَدُّ بَدَلِهِ مَعَ رَدِّ الْأَصْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بابُ الْخِيَارِ في الشِّرْبِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَإِذَا اشْتَرَى أَرْضًا بِشِرْبِهَا، وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ قَدْ اشْتَرَطَهُ مَعَهَا ثُمَّ سَقَى الزَّرْعَ مِنْ ذَلِكَ الشِّرْبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ سَقَى بِذَلِكَ الشِّرْبِ زَرْعًا فِي أَرْضٍ أُخْرَى أَوْ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فَهَذَا رِضًا، وَقَطْعٌ لِلْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي الْمُشْتَرَى تَصَرُّفًا بِصِفَةِ الْمَالِكِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ شَرْعًا إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ، وَيَقْصِدُ بِمُبَاشَرَتِهِ إصْلَاحَ الْمِلْكِ، وَإِحْرَازَهُ فَكَانَ دَلِيلُ الرِّضَا بِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ، وَدَلِيلُ الرِّضَا فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ كَصَرِيحِ الرِّضَا، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، وَصَنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ قَطْعٌ لِلْخِيَارِ، وَفَسْخٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُقَرِّرٌ لِمِلْكِهِ بِمَا بَاشَرَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ نَخِيلًا فَلَقَّحَهَا أَوْ أَرْضًا فَكَرَبَهَا أَوْ سَرْقَنَهَا فَهُوَ قَطْعٌ لِلْخِيَارِ، وَفَسْخٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُقَرِّرٌ لِمِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَدَّ النَّخِيلَ أَوْ قَطَفَ الْكَرْمَ فَهَذَا كُلُّهُ تَصَرُّفٌ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ، وَيُقْصَدُ بِهِ إحْرَازُ الْمِلْكِ، وَإِصْلَاحُهُ.
وَإِذَا اشْتَرَى عُشْرَ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ سَقَى أَرْضًا لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا قَطْعٌ لِلْخِيَارِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَقَى مِنْهُ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا أَوْ اسْتَقَى لِلشُّقَّةِ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ لِلْوُضُوءِ فَهَذَا لَا يَكُونُ رِضًا؛ لِأَنَّ سَقْيَ الْأَرْضِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْبِئْرِ، وَالنَّهْرِ، وَلَا يَمْلِكُهُ شَرْعًا إلَّا بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ يَكُونُ تَقْرِيرًا لِمِلْكِهِ، وَأَمَّا الِاسْتِقَاءُ لِلشُّقَّةِ فَغَيْرُ مَقْصُودٍ بِالنَّهْرِ، وَالْبِئْرِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ شَرْعًا فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا بِمِلْكِهِ يُوَضِّحُهُ: أَنَّ قَبْلَ الْبَيْعِ كَانَ يَمْلِكُ الِاسْتِقَاءَ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ لِلشُّقَّةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ بِمِلْكِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْبَيْعِ فِيهِ، وَأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ تَنْفِيذَ الْبَيْعِ فَأَمَّا سَقْيُ الْأَرْضِ فَمَا كَانَ يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَلَا بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ بَلْ إنَّمَا يُمَكَّنُ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الْبَيْعِ فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ تَقْرِيرٌ لِلْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالِاسْتِقَاءُ لِلشُّقَّةِ لَا يَكُونُ قَطْعًا لِخِيَارِهِ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْهُ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ مِلْكِهِ شَرْعًا (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ بِالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ سَقْيِ الْأَرْضِ مِنْهُ.
وَإِذَا اشْتَرَى نَهْرًا، وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَسَقَى أَجْنَبِيٌّ أَرْضًا لَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ، وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ بِهِ فَلَيْسَ هَذَا بِقَطْعٍ لِلْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ نُقْصَانٌ فِي الْعَيْنِ، وَلَا، وَجَدَ مِنْ الْمُشْتَرِي دَلِيلَ الرِّضَا بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَيَّبَهُ أَجْنَبِيٌّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ خِيَارَهُ إنَّمَا يَسْقُطُ هُنَاكَ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ، وَعَجْزِهِ عَنْ رَدِّهِ كَمَا قَبَضَ.
وَإِذَا اشْتَرَى نَهْرًا بِقَنَاةٍ، وَأَسْقَطَ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ سَقَى أَرْضَهُ مِمَّا اشْتَرَى فَهُوَ إجَازَةٌ لِلْبَيْعِ، وَإِنْ سَقَاهَا مِمَّا بَاعَ فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ فِيمَا بَاعَ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ فَسَقْيِهِ لِلْأَرْضِ مِمَّا بَاعَ دَلِيلُ تَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيمَا بَاعَ، وَفِيمَا اشْتَرَى دَلِيلُ الرِّضَا بِتَمَلُّكِهِ.
وَلَوْ أَنَّ الْآخَرَ هُوَ الَّذِي سَقَى أَرْضَهُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِلْبَيْعِ، وَلَا إجَارَةً؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي جَانِبِهِ لَازِمٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ إسْقَاطِ خِيَارِ صَاحِبِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِجَارِيَتِهِ، وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَعْتَقَ مَا بَاعَ فَهُوَ نَقْضٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ، وَإِنْ أَعْتَقَ مَا اشْتَرَى فَهُوَ إجَازَةٌ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ صَاحِبُهُ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا، وَلَا إجَازَةً؛ لِأَنَّ عِتْقَ صَاحِبِهِ فِيمَا بَاعَ لَمْ يَنْفُذْ لِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَفِيمَا اشْتَرَى لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَإِنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ.
وَلَوْ اشْتَرَى بِئْرًا، وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَبَضَهَا فَانْخَسَفَتْ أَوْ انْهَدَمَتْ أَوْ ذَهَبَ مَاؤُهَا أَوْ نَقَصَ نُقْصَانًا فَاحِشًا لَزِمَهُ الْبَيْعُ لِتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ يَمْلِكُ الرَّدَّ كَمَا قَبَضَ، وَلَا يَمْلِكُ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْبَائِعِ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ مُتَغَيِّرًا، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ كَمَا قَبَضَ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَذَهَبَ مَاؤُهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الْبَيْعَ، وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْمَبِيعَ، وَأَخَذَ قِيمَةَ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ خِيَارِهِ، وَإِذَا فَسَخَ الْبَيْعَ بَقِيَتْ مَضْمُونَةً عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ، وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْقَبْضِ بِجِهَةِ الْعَقْدِ فَلِهَذَا ضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَبَنَاهَا، وَطَوَاهَا حَتَّى عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَهُوَ مَسْقِطٌ لِلْخِيَارِ فَكَيْف يَعُودُ بِهِ خِيَارُهُ الَّذِي سَقَطَ.
وَإِذَا اشْتَرَى بِئْرًا، وَحَرِيمَهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَفِي حَرِيمِهَا كَلَأٌ فَأَرْعَاهَا الْغَنَمَ، وَأَبَانَهَا فِي عَطَنِ الْبِئْرِ لَمْ يَكُنْ هَذَا رِضًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَقَى مِنْهَا غَنَمًا لَهُ أَوْ أَبَانَهَا فِي الْعَطَنِ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْكَلَإِ شَرْعًا لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ فَقَدْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَبَعْدَ فَسْخِ الْبَيْع بِخِلَافِ مَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي حَرِيمِهَا أَوْ بَنَى فِيهَا فَإِنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فَيَكُونُ إقْدَامُهُ عَلَيْهِ دَلِيلَ الرِّضَا.
وَلَوْ كَانَ فِيهِ شَجَرٌ مِمَّا تُنْبِتُهُ النَّاسُ فَأَفْسَدَتْهُ الْغَنَمُ أَوْ قَلَعَتْهُ كَانَ هَذَا مُلْزِمًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ.
وَلَوْ هَدَمَ الْبِئْرَ إنْسَانٌ فَضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْهَدْمِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ قَطْعًا لِلْخِيَارِ؛ لِأَنَّ قَبْلَ التَّضْمِينِ سَقَطَ خِيَارُهُ لِلتَّعْنِيتِ، وَالتَّضْمِينُ تَصَرُّفٌ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ بِهِ مَا سَقَطَ مِنْ الْخِيَارِ، وَكَرِي النَّهْرِ، وَكَسْرُ الْبِئْرِ رِضًا بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لَا يُفْعَلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ فَهُوَ كَالْبِنَاءِ، وَالْحَفْرِ فِي الْقَنَاةِ، وَإِنْ، وَقَعَ فِي الْبِئْرِ مَا يُنَجِّسُهُ مِنْ عُذْرَةٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ عُصْفُورٍ أَوْ فَأْرَةٍ فَمَاتَتْ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ سَوَاءً، وَجَبَ نَزْحُ جَمِيعِ الْمَاءِ أَوْ نَزْحُ بَعْضِ الدِّلَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ تَنَجَّسَ بِمَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ قَبْلَ النَّزْحِ مِنْهُ فَالنَّجَاسَةُ فِي الْمَاءِ عَيْبٌ فِي الْعُرْفِ، وَالتَّعَيُّبُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ.
وَإِذَا اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ نَهْرًا لِيَسْقِيَ مِنْهُ بِهِ أَرْضَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ سَقَى بِهِ أَرْضَهُ فَهَذَا قَطْعٌ لِلْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ إنَّمَا سَقَى بِهِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ لَا بِحُكْمِ الِاسْتِعَارَةِ فَإِنَّ الْإِعَارَةَ تَنْقَطِعُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ الثَّابِتِ فِي حَقِّهِ فَتُقَدَّمُ الِاسْتِعَارَةُ وُجُودًا، وَعَدَمًا بِمَنْزِلَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الشِّرْبَ بِغَيْرِ أَرْضٍ أَوْ سَاوَمَ بِهِ أَوْ أَجَّرَهُ إجَارَةً صَحِيحَةً أَوْ أَجَّرَ الشِّرْبَ إجَارَةً فَاسِدَةً أَوْ رَهَنَ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهِ أَوْ أَعَارَهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَزَرَعَ الْمُسْتَعِيرُ الْأَرْضَ أَوْ سَقَى بِالشِّرْبِ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ فَهَذَا كُلُّهُ قَطْعٌ لِلْخِيَارِ؛ لِأَنَّ مَا بَاشَرَ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْمَالِكُ عَادَةً فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ دَلِيلُ الرِّضَا بِمِلْكِهِ.
وَلَوْ اشْتَرَى رَحَا مَاءٍ بِنَهْرِهَا، وَالْبَيْتَ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَمَتَاعَهَا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَإِنْ طَحَنَ بِهَا لَمْ يَكُنْ رِضًا بِهَا؛ لِأَنَّ الطَّحْنَ لِلِاخْتِبَارِ لَا لِلِاخْتِيَارِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ أَنَّهُ يَنْظُرُ هَلْ يَتِمُّ مَقْصُودُهُ بِهَا أَوْ لَا يَتِمُّ، وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا بِالطَّحْنِ فَهُوَ نَظِيرُ الِاسْتِخْدَامِ فِي الْمَمَالِيكِ، وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِلنَّظَرِ إلَى سَيْرِهَا فَإِنْ نَقَصَهَا الطَّحْنُ أَوْ انْكَسَرَتْ فَهَذَا رِضًا مِنْهُ بِسَبَبِ التَّعَيُّبِ فِي ضَمَانِهِ لَا بِسَبَبِ الطَّحْنِ.
وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا، وَشِرْبًا، وَقَالَ لِي الرِّضَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ رَضِيتُ أَجَزْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُ تَرَكْتُ، أَوْ قَالَ: لِي الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا يُبْنَى الْحُكْمُ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ.
وَإِذَا بَاعَ أَرْضًا، وَشِرْبًا بِجَارِيَةٍ، وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ مَعَ الْجَارِيَةِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقَهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا رِضًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَّلَ الْجَارِيَةَ أَوْ جَامَعَهَا أَوْ عَرَضَهَا عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مُتَعَيِّنَةٌ فِي الْعَقْدِ فَإِقْدَامُهُ عَلَى تَصَرُّفٍ فِيهَا هُوَ دَلِيلُ الرِّضَا بِمِلْكِهَا، وَيَكُونُ إسْقَاطًا لِلْخِيَارِ فَأَمَّا الْمِائَةُ الَّتِي قَبَضَهَا فَغَيْرُ مُتَعَيِّنَةٍ فِي الْعَقْدِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ كَانَ لِمُشْتَرِي الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهَا، وَإِنَّهُ بَعْدَ الْفَسْخِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ مِنْ الدَّرَاهِمِ بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا دَلِيلَ الرِّضَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ فَكَانَ عَلَى خِيَارِهِ بَعْدَ إنْفَاقِهَا.
وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا، وَشِرْبًا، وَشَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْأَرْضِ دُونَ الشِّرْبِ أَوْ فِي الشِّرْبِ دُونَ الْأَرْضِ فَهَذَا بَيْعٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ، وَالثَّمَنَ جُمْلَةٌ، وَاَلَّذِي لَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ فِيهِ يَتِمُّ الْبَيْعُ فِيهِ، وَثَمَنُهُ مَجْهُولٌ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ التَّاجِرُ أَرْضًا، وَشِرْبًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَنَقَضَ مَوْلَاهُ الْبَيْعَ أَوْ أَجَازَهُ فَنَقْضُهُ بَاطِلٌ سَوَاءً كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ حَجْرٌ خَاصٌّ فِي إذْنٍ عَامٍّ، وَإِجَازَتُهُ تَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِلْكُهُ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَيَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الْعَبْدِ لَا مَحَالَةَ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ مِنْهُ إسْقَاطُ خِيَارِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ كَسْبِهِ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمُسْقِطِ لِخِيَارِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ خِيَارِهِ فِيهِ قَصْدًا.
وَإِنْ كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ لَهُمْ عَلَيْهِ أَرْضُونَ، وَلِبَعْضِ أَرْضِهِمْ سَوَانِي فِي ذَلِكَ النَّهْرِ، وَلِبَعْضِهَا دَوَالِي، وَبَعْضِهَا لَيْسَتْ لَهَا سَاقِيَّةٌ، وَلَا دَالِيَةٌ، وَلَيْسَ لَهَا شِرْبٌ مَعْرُوفٌ مِنْ هَذَا النَّهْرِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فَاخْتَصَمُوا فِي هَذَا النَّهْرِ، وَادَّعَى صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنَّ لَهَا فِيهِ شِرْبًا، وَهِيَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ النَّهْرُ بَيْنَ أَصْحَابِ السَّوَانِي وَالدَّوَالِي دُونَ أَهْلِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ يَدَ أَصْحَابِ السَّوَانِي، وَالدَّوَالِي ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ مِثْلُ ذَلِكَ الْيَدِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي ثَوْبٍ، وَأَحَدُهُمَا لَابِسُهُ، وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِذَيْلِهِ أَوْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ، وَأَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا، وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا.
وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: النَّهْرُ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيهمْ الَّتِي عَلَى شَطِّ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِحَفْرِ النَّهْرِ سَقْيُ الْأَرَاضِي لَا اتِّخَاذُ السَّوَانِي وَالدَّوَالِي، فَفِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ عَلَى حَالِهِمْ عَلَى السَّوَاءِ فِي إثْبَاتِ الْيَدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ، وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جَرَادِي أَوْ بَوَارِي أَوْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ، وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِمَا مِخْلَاةٌ أَوْ مِنْدِيلٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَجَّحُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَحَمُّلٌ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَكَذَلِكَ اتِّخَاذُ السَّوَانِي، وَالدَّوَالِي عَلَى النَّهْرِ تَبَعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَلَا يَتَرَجَّحُ بِذَلِكَ صَاحِبُهُ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ لَهُمْ شِرْبٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْرُوفِ، وَإِلَّا فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيهِمْ؛ لِأَنَّ الشِّرْبَ لِحَاجَةِ الْأَرَاضِي فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِ الْأَرْضِ.
وَإِنْ كَانَ لِهَذَا الْأَرْضِ شِرْبٌ مَعْرُوفٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا النَّهْرِ فَلَهَا شِرْبُهَا مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ، وَلَيْسَ لَهَا مِنْ هَذَا النَّهْرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ الْوَاحِدَةَ لَا يُجْعَلُ شِرْبُهَا مِنْ نَهْرَيْنِ عَادَةً فَكَوْنُ شِرْبٍ مَعْرُوفٍ لَهَا مِنْ نَهْرٍ آخَرَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ لَا شِرْبَ لَهَا فِي هَذَا النَّهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى شَطِّهِ؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْأَرْضِ إنَّمَا كَانَ يَسْتَحِقُّ لَهَا شِرْبًا مِنْ هَذَا النَّهْرِ لِحَاجَةِ الْأَرْضِ إلَى الشِّرْبِ، وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ بِالشِّرْبِ الْمَعْرُوفِ لَهَا مِنْ نَهْرٍ آخَرَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شِرْبٌ مِنْ غَيْرِهِ قَضَيْتُ لَهَا فِيهِ بِشِرْبٍ، وَلَوْ كَانَ لِصَاحِبِهَا أَرْضٌ أُخْرَى إلَى جَنْبِهَا لَيْسَ لَهَا شِرْبٌ مَعْلُومٌ فَإِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَجْعَلَ لِأَرَاضِيِهِ كُلِّهَا إنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةَ الشِّرْبِ مِنْ هَذَا النَّهْرِ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَسْتَحِقُّ الشِّرْبَ مِنْ هَذَا النَّهْرِ لِلْأَرْضِ الْأُخْرَى إلَّا بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُخْرَى غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِالنَّهْرِ بَلْ الْأَرْضُ الْأُولَى حَائِلَةٌ بَيْنَ النَّهْرِ وَبَيْنَهَا، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ لَا بُدَّ لِلْأَرْضِ مِنْ شِرْبٍ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالشِّرْبِ، وَالظَّاهِرُ عِنْدَ اتِّصَالِ أَرَاضِيه بَعْضِهَا بِبَعْضٍ أَنْ تَشْرَبَ كُلُّهَا مِنْ هَذَا النَّهْرِ فَيَجِبُ الْبِنَاءُ عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافُهُ فَإِنْ قِيلَ: الظَّاهِرُ يُعْتَبَرُ فِي دَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا فِي إثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْحَاجَةُ هُنَا إلَى إثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ قُلْنَا نَعَمْ، وَلَكِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُتَنَازِعِينَ لَهُ فِي هَذَا النَّهْرِ غَيْرُ ثَابِتٍ إلَّا بِمِثْلِ هَذَا الظَّاهِرِ فَيَصْلُحُ هَذَا الظَّاهِرُ لَهُ مُعَارِضًا، وَمُزَاحِمًا لِخُصَمَائِهِ، وَإِنْ كَانَ إلَى جَانِبِ أَرْضِهِ أَرْضٌ لِآخَرَ، وَأَرْضُ الْأَوَّلِ بَيْنَ النَّهْرِ، وَبَيْنَهَا، وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْأَرْضِ شِرْبٌ مَعْرُوفٌ، وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ كَانَ شِرْبُهَا فَإِنِّي أَجْعَلُ لَهَا شِرْبًا مِنْ هَذَا النَّهْرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا قَرَّرْنَا مِنْ الظَّاهِرِ لَا يَخْتَلِفُ بِاتِّحَادِ مَالِكِ الْأَرَضِينَ، وَاخْتِلَافِ الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّهْرُ مَعْرُوفًا لِقَوْمٍ خَاصًّا بِهِمْ فَلَا أَجْعَلُ لِغَيْرِهِمْ فِيهِ شِرْبًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُنَازِعِينَ هُنَا دَلِيلٌ لِاسْتِحْقَاقِ سِوَى الظَّاهِرِ، وَهُوَ إضَافَةُ النَّهْرِ إلَيْهِمْ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ إضَافَةُ مِلْكٍ أَوْ إضَافَةُ إحْدَاثٍ أَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ حَفَرُوا هَذَا النَّهْرَ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُمْ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُمْ فِيهِ شَيْئًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ كَانَ هَذَا النَّهْرُ يَصُبُّ فِي أَجَمَةٍ، وَعَلَيْهِ أَرْضٌ لِقَوْمٍ مُخْتَلِفِينَ، وَلَا يَدْرِي كَيْفَ كَانَتْ حَالُهُ، وَلَا لِمَنْ كَانَ أَصْلُهُ فَتَنَازَعَ أَهْلُ الْأَرْضِ، وَأَهْلُ الْأَجَمَةِ فِيهِ فَإِنِّي أَقْضِي بِهِ بَيْنَ أَصْحَابِ الْأَرْضِ بِالْحِصَصِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقْطَعُوهُ عَنْ أَهْلِ الْأَجَمَةِ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْأَجَمَةِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ الْمَسِيلِ فِي أَجَمَتِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّهْرَ إنَّمَا يُحْفَرُ لِسَقْيِ الْأَرَاضِي فِي الْعَادَةِ فَالظَّاهِرُ فِيهِ شَاهِدٌ لِأَصْحَابِ الْأَرَاضِي، وَهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِالنَّهْرِ فِي سَقْيِ أَرَاضِيهمْ مِنْهُ، وَلَكِنْ لِأَهْلِ الْأَجَمَةِ نَوْعُ مَنْفَعَةٍ أَيْضًا، وَهُوَ فَضْلُ الْمَاءِ الَّذِي يَقَعُ فِي أَجَمَتِهِمْ فَلَا يَكُونُ لِأَصْحَابِ الْأَرَاضِي قَطْعُ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِالظَّاهِرِ، وَلِأَصْحَابِ الْأَرَاضِي مَنْفَعَةٌ فِي مَسِيلِ فَضْلِ الْمَاءِ فِي الْأَجَمَةِ فَلَا يَكُونُ لِأَصْحَابِ الْأَجَمَةِ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ حَائِطٍ تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلَانِ، وَلِأَحَدِهِمَا فِيهِ اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ، وَلِآخَرَ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَالْحَائِطُ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَ الْآخَرَ رَفْعَ جُذُوعِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا وُجِدَ عَلَى صِفَةٍ لَا يُغَيَّرُ عَنْهَا إلَّا بِحُجَّةٍ مُلْزِمَةٍ، وَالظَّاهِرُ لَا يَكْفِي لِذَلِكَ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَنَى حَائِطًا مِنْ حِجَارَةٍ فِي الْفُرَاتِ، وَاتَّخَذَ عَلَيْهِ رَحًا يَطْحَنُ بِالْمَاءِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ مِنْ النَّاسِ فِيهِ هَدَمَهُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْفُرَاتِ حَقُّ الْعَامَّةِ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ الْعَامِّ، وَلَوْ بَنَى رَجُلٌ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِي ذَلِكَ، وَيَهْدِمَهُ فَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَائِطُ الَّذِي بَنَاهُ فِي الْفُرَاتِ يَضُرُّ بِمَجْرَى السُّفُنِ أَوْ الْمَاءِ بِأَنْ لَمْ يَسَعْهُ وَهُوَ فِيهِ أَثِمَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ فَهُوَ فِي سِعَةٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ الْعَامِّ إذَا بُنِيَ فِيهِ بِنَاءٌ فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ فَهُوَ آثِمٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ»، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِهِمْ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ خَاصَمَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ قَضَى عَلَيْهِ بِهَدْمِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلنَّاسِ كَافَّةً فَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ سَوَاءُ (أَلَا تَرَى) أَنَّ لِلذِّمِّيِّ حَقَّ الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ كَمَا لِلْمُسْلِمِ فَكَانَ لَهُ فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مِثْلَ مَا لِلْمُسْلِمِ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ، وَالْمُكَاتَبُونَ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا خُصُومَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَبَعٌ لِمَوْلَاهُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِالطَّرِيقِ، وَالْفُرَاتُ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَالْمَرْأَةِ فَهُمَا فِي ذَلِكَ كَالْحُرِّ، وَالصَّبِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ تَبَعٌ لَا خُصُومَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْمَغْلُوبُ، وَالْمَعْتُوهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُخَاصِمَ عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ، وَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْجَوَابِ الَّذِي قَالَ أَنَّهُ يُخَاصِمُ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ؛ لِأَنَّهُمَا يُخَاصِمَانِ فِي ذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَإِنْ كَانَا قَدْ أَسْقَطَا حَقَّهُمَا فَهَذَا مِمَّا لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ فَلَا مَعْنَى لِخُصُومَتِهِمَا عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ، وَهُمَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِهِمَا.
وَإِنْ كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهُ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَسْقِيَ صَاحِبُ الثُّلُثِ مِنْهُ يَوْمًا، وَصَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ يَوْمَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمَا اقْتَسَمَا مَاءَ النَّهْرِ بَيْنَهُمَا عَلَى تَرَاضٍ، وَالْمُنَاوَبَةُ بِالْأَيَّامِ فِي هَذَا كَالْقِسْمَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}، وَقَالَ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.
وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهَدَمَ الْبَائِعُ بِنَاءَهَا أَوْ أَفْسَدَ نَهْرَهَا أَوْ بِئْرَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ بِخِيَارِهِ، وَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ قِيمَةَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَالْبَائِعُ صَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ جِهَتِهِ تَمَّ بِالتَّسْلِيمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَعَلَى الْبَائِعِ قِيمَتُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا، وَقَبَضَهُ، وَلَمْ يَرَهُ فَحَرَقَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَزِمَ الْبَيْعُ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِمَا أَحْدَثَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ، وَلَيْسَ الْبَائِعُ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ عِنْدَ التَّعَيُّبِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الرِّضَا بِهَذَا الضَّرَرِ حِينَ عَيَّبَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّبَهُ أَجْنَبِيٌّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَخِيَارِ الْعَيْبِ سَوَاءٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.
ثَلَاثَةُ نَفَرٍ بَيْنَهُمْ حَرْثٌ حَصَدُوهُ، وَجَمَعُوهُ، وَفِي يَدِ أَحَدِهِمْ وَضَعُوهُ؛ لِيَحْفَظَ لَهُمْ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ نَصِيبَ الرَّجُلَيْنِ إلَى أَحَدِهِمَا، وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ دَفَعَ إلَيْهِ حَقَّهُ أَوْ يَقُولُ دَفَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِي أَوْ بَقِيَ الثُّلُثُ فِي يَدِ الثَّالِثِ، وَقَالَ الدَّافِعُ دَفَعْتُ إلَى صَاحِبِي ثُلُثَهُ أَوْ حَقَّهُ ثُمَّ قَالَ دَفَعْتُ إلَيْهِ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ ثُلُثَ صَاحِبِهِ بِأَمْرِهِ، وَهُمَا يُنْكِرَانِ ذَلِكَ قَالَ يَقْتَسِمُونَ الثُّلُثَ الَّذِي بَقِيَ فِي يَدِهِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَيَضْمَنُ ثُلُثَ مَا دَفَعَ فَيَكُونُ لِلْآخَرَيْنِ بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ ثَلَاثَةٍ حُكْمُ الِاخْتِصَاصِ، وَحُكْمُ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَحُكْمُ الْخِلَافِ فَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الِاخْتِصَاصِ فَنَقُولُ جَمِيعُ الزَّرْعِ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَتِهِمْ، وَكَانَ الْحَافِظُ أَمِينًا فِي نَصِيبِ الْآخَرَيْنِ، وَدَعْوَاهُ الدَّفْعَ إلَى أَحَدِهِمَا بِأَمْرِ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَاهُ دَفْعَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَيْهِ.
وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي بَرَاءَتِهِ عَنْ الضَّمَانِ، وَلَكِنْ قَوْلُهُ فِي اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ عَلَى صَاحِبِهِ، وَالثُّلُثُ الَّذِي بَقِيَ فِي يَدِهِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ ثَلَاثَتِهِمْ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكِ فَهُوَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ نَصِيبِ الْآخَرَيْنِ مِنْ هَذَا الثُّلُثِ عَلَيْهِمَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَيُقَسَّمُ هَذَا الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ شَرِكَةِ الْأَصْلِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَكِيلَ لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَظَهَرَ نِصْفُهُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَزَعَمَ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ اسْتَوْفَى النِّصْفَ الْآخَرَ، وَجَحَدَ صَاحِبُهُ، وَحَلَفَ يُجْعَلُ هَذَا النِّصْفُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ كَالتَّاوِي فَكَذَلِكَ هُنَا إذَا حَلَفَ الْآخَرَانِ عَلَى دَعْوَاهُ يُجْعَلُ هَذَا الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَأَمَّا حُكْمُ الْأَمَانَةِ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ دَفَعَ نَصِيبَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ مِنْ الثُّلُثَيْنِ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَكِنْ بِيَمِينِهِ تَثْبُتُ بَرَاءَتُهُ عَنْ الضَّمَانِ، وَلَا يَثْبُتُ الْوُصُولُ إلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْوَصِيِّ فَإِنَّ الْوَصِيَّ لَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلصَّبِيِّ شَيْئًا بِيَمِينِ الْمُودَعِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْخِلَافِ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ نَصِيبَ الْآخَرِ إلَى شَرِيكِهِ، وَدَفْعُ الْأَمِينُ الْأَمَانَةَ إلَى غَيْرِ صَاحِبِهَا مُوجِبٌ الضَّمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّفْعُ بِأَمْرِ صَاحِبِهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ فِي نَصِيبِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ، وَادَّعَى الْمُسْقِطَ، وَهُوَ أَمْرُهُ إيَّاهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينَ فَإِذَا حَلَفَ غَرِمَ لَهُ ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ هَذَا الثُّلُثُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا، وَأَنَّ هَذَا الْمَقْبُوضَ جُزْءٌ مِنْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا أَوْ بَدَلُ جُزْءٍ مُشْتَرَكٍ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِاعْتِبَارِ زَعْمِهِمَا.
رَجُلٌ عَمَدَ إلَى نَهْرِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً أَوْ نَهْرٍ خَاصٍّ عَلَيْهِ طَرِيقُ الْعَامَّةِ أَوْ لِقَوْمٍ خَاصٍّ فَاِتَّخَذَ عَلَيْهِ قَنْطَرَةً، وَاسْتَوْثَقَ مِنْ الْعَمَلِ، وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ، وَالدَّوَابُّ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى انْكَسَرَ أَوْ وَهَى فَوَقَعَ إنْسَانٌ فِيهِ أَوْ دَابَّةٌ فَمَاتَ أَوْ عَبَرَ بِهِ إنْسَانٌ، وَهُوَ يَرَاهُ مُتَعَمِّدًا يُرِيدُ الْمَشْيَ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ حِسْبَةً، وَقَدْ، وَجَدَ الرِّضَا مِنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِاِتِّخَاذِهِمْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مَمَرًّا فَكَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ، وَإِنْ، وَضَعَ عَارِضَةً أَوْ بَابًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَمَشَى عَلَيْهِ إنْسَانٌ مُتَعَمِّدٌ لِذَلِكَ فَانْكَسَرَ الْبَابُ، وَعَطِبَ الْمَاشِي فَضَمَانُ الْبَابِ عَلَى الَّذِي كَسَرَهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاضِعِ الْبَابِ الَّذِي عَطِبَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاشِيَ مُتَعَمِّدٌ الْمَشْيَ عَلَى الْبَابِ مُبَاشِرٌ كَسْرَهُ (أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ أَوْطَأَ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ كَانَ مُبَاشِرًا لِقَتْلِهِ حَتَّى تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، وَوَاضِعُ الْبَابِ، وَإِنْ كَانَ فِي تَسَبُّبِهِ مُتَعَدِّيًا، وَلَكِنَّ الْمَاشِيَ تَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّسَبُّبُ إذَا طَرَأَتْ الْمُبَاشَرَةُ عَلَيْهِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَتَعَمَّدَ إنْسَانٌ إلْقَاءَ نَفْسِهِ فِي الْبِئْرِ، وَأَلْقَاهُ فِيهِ غَيْرُهُ لَا يَكُونُ عَلَى الْحَافِرِ شَيْءٌ، وَعَلَى هَذَا مَنْ رَشَّ الطَّرِيقَ فَتَعَمَّدَ إنْسَانٌ الْمَشْيَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَزَلَقَتْ رِجْلُهُ، وَعَطِبَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الَّذِي رَشَّ ضَمَانٌ بِخِلَافِ مَنْ مَشَى عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَكَانَ لَا يُبْصِرُهُ بِأَنْ كَانَ أَعْمَى أَوْ كَانَ لَيْلًا فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِي رَشَّ الطَّرِيقَ إذَا عَطِبَ بِهِ الْمَاشِي، وَتَمَامُ بَيَانِ هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الدِّيَاتِ، وَإِصْلَاحُ النَّهْرِ الْعَامِّ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ نَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِذَلِكَ.
وَلَوْ أَنَّ الْوَالِيَ أَذِنَ لِرَجُلٍ أَنْ يَنْصِبَ طَاحُونَةً عَلَى مَاءٍ لِقَوْمٍ خَاصَّةً فِي أَرْضٍ لِرَجُلٍ، وَلَا يَضُرُّ أَهْلَ النَّهْرِ شَيْءٌ، وَأَهْلُ النَّهْرِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ أَوْ يَضُرُّهُمْ، وَالْوَالِي يَرَى فِي ذَلِكَ صَلَاحًا لِلْعَامَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَصَاحِبِ النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ خَاصٌّ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وِلَايَةُ النَّظَرِ فِي الْمِلْكِ الْخَاصِّ لِإِنْسَانٍ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ فِيهِ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الرَّعَايَا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ مِنْ الْمَالِكِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَخَوْفِ الْهَلَاكِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَمَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَخْمَصَةِ فَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُ الْإِمَامِ هُنَا.
أَهْلُ مَدِينَةٍ بَنَوْهَا بَعْدَ قِسْمَةِ الْوَالِي بَيْنَهُمْ، وَتَرَكَ فِيهَا طَرِيقًا لِلْعَامَّةِ فَرَأَى الْوَالِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَ الطَّرِيقِ أَحَدًا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَدِينَةُ لِلْوَالِي فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَا يَنْبَغِي لِلَّذِي يُعْطَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ثَابِتٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِلْإِمَامِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِمْ دُونَ الْإِسْقَاطِ، وَإِيثَارُ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا جَاءَ بِكُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ أَخَذْتهَا مِنْ الْفَيْءِ لِأَخِيطَ بِهَا بَرْذعَةَ بَعِيرِي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَّا نَصِيبِي مِنْهَا فَهُوَ لَك فَلَمَّا تَحَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِتِلْكَ الْكُبَّةِ دُونَ سَائِرِ الْغَانِمِينَ عَرَفْنَا أَنَّ عَلَى كُلِّ وَالِي أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا.
قَوْمٌ اقْتَسَمُوا أَرْضًا لَهُمْ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِإِنْكَارِهِ حَقَّ الْغَيْرِ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَفْرُغُوا مِنْ الْقِسْمَةِ جَعَلُوا الطَّرِيقَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا شَاءُوا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْكَلَامَ فِي الطَّرِيقِ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَإِنَّ الْأَثَرَ الْمَرْوِيَّ فِيهِ بِالتَّقْدِيرِ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ هُنَا فَقَالَ بَلَغَنَا فِي ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَثَرٌ يَرْفَعُهُ «إذَا اشْتَجَرَ الْقَوْمُ فِي الطَّرِيقِ جُعِلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ»، وَلَا نَأْخُذُ بِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَحَقٌّ هَذَا الْحَدِيثُ أَمْ لَا.
وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ حَقٌّ أَخَذْنَا بِهِ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ أَثَرٌ شَاذٌّ فِيمَا يَحْتَاجُ الْخَاصُّ، وَالْعَامُّ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ عَمَلُ النَّاسِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَتَحُوا الْبِلَادَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ أَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي تَقْدِيرِ الطَّرِيقِ الْمَنْسُوبِ إلَى النَّاسِ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ الْأَخْذُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا قَدَّرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَقْدِيرٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ بِالرَّأْيِ، قَوْلُهُمْ عَشْرُ بِسِتَّاتِ مِنْ مَاءٍ يَجْرِي لَهُمْ جَمِيعًا فِي نَهْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى عَشْرَ منتات، وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ فِي قِسْمَةِ الْمَاءِ، وَكُلُّ منت سِتُّ بِسِتَّاتِ، وَكُلُّ بِسِتٍّ سِتُّ شَعَرَاتٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بَيْنَ أَهْلِ مَرْوَ، وَمَقْصُودُهُ مَا قَالَ إذَا أَصْفَى مِنْهَا مِنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ، وَقَطَعَ ذَلِكَ مِنْ نَهْرِهِمْ بِحَقِّ الَّذِي أَصْفَى عَنْهُ مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ فَهُوَ شَرِيكُهُمْ فِيمَا بَقِيَ، وَاَلَّذِي أَصْفَى مِنْ حَقِّهِمْ جَمِيعًا فَالْإِصْفَاءُ هُوَ الْغَصْبُ فَمَعْنَاهُ إذَا غَصَبَ الْوَالِي نَصِيبَ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ مِنْ الشِّرْبِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَهَذَا الْمَغْصُوبُ يَكُونُ مِنْ حَقِّ الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ، وَمَا بَقِيَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ عَلَى أَصْلِ حَقِّهِمْ أَنَّ الْمَغْصُوبَ كَالْمُسْتَهْلَكِ، وَمَا تَوَى مِنْ الْمُشْتَرَكِ يَتْوِي عَلَى الشَّرِكَةِ، وَمَا يَبْقَى يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ، رَجُلٌ لَهُ مَجْرَى مَاءٍ يَجْرِي إلَى بُسْتَانِهِ أَوْ يَجْرِي إلَى دَارِ قَوْمٍ مِيزَابٌ لَهُ أَوْ كَانَ لَهُ مَمْشًى فِي دَارِ قَوْمٍ قَدْ كَانَ يَمْشِي فِيهِ إلَى مَنْزِلِهِ فَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ مِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لِلْمُدَّعِي قَالَ إذَا شَهِدُوا أَنَّ لَهُ طَرِيقًا فِيهَا أَوْ مَجْرَى مَاءٍ أَوْ مَسِيلَ مَاءٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ، وَقَضَى لَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقًّا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَمَا غَابَ عَنْ الْقَاضِي عِلْمُهُ فَالْحُجَّةُ فِيهِ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ، وَلَا حَاجَةَ بِالشَّاهِدَيْنِ إلَى بَيَانِ صِفَةِ الطَّرِيقِ، وَالْمَجْرَى، وَالْمَسِيلِ، وَإِنْ كَانُوا لَوْ بَيَّنُوا ذَلِكَ كَانَ أَحْسَنَ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.