فصل: بَابُ رَهْنِ الْفِضَّةِ الْفِضَّةِ والْكَيْلِ والْوَزْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ رَهْنِ الْفِضَّةِ الْفِضَّةِ والْكَيْلِ والْوَزْنِ:

قَالَ: (رَحِمَهُ اللَّهُ) وَإِذَا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ قُلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ عَشَرَةً، أَوْ: قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ ثَمَانِيَةً أَوْ: قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ، وَزْنِهِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى، وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَهْلِكَ الْقُلْبُ، أَوْ يَنْكَسِرَ، أَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ، فَإِنْ هَلَكَ الْقُلْبُ سَقَطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ فِي وَزْنِهِ، وَقِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا كَمَالَ حَقِّهِ بِهَلَاكِهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ): يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ إنْ شَاءَ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ خِلَاف جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الرِّبَا، وَيَكُونُ مَا ضَمِنَهُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَحِلّ أَجَلُ الدَّيْنِ ثُمَّ يَسْتَوْفِيَهُ ضَامِنٌ حَقَّهُ، وَالْمَكْسُورُ مَمْلُوكٌ لَهُ بِالضَّمَانِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ (رَحِمَهُ اللَّهُ) يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الْمَكْسُورَ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِبَعْضِ الدَّيْنِ، وَرَوَى أَصْحَابُ (الْإِمْلَاءِ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) أَنَّ الرَّاهِنَ يُجْبَرُ عَلَى افْتِكَاكِ اقْتِضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ شَيْئًا، وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (رَحِمَهُ اللَّهُ) أَنَّ حَالَةَ الِانْكِسَارِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَالْقُلْبُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ دُونَ الْقِيمَةِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِانْكِسَارِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْمَضْمُونِ لِلضَّامِنِ، وَضَمَانُ الدَّيْنِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ، وَسَبَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الضَّامِنَيْنِ الْقَبْضُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ ضَمَانَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَعِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الثَّابِتُ أَحَدَهُمَا وَبِالْإِجْمَاعِ فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ: الْقُلْبُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ هُنَا، فَكَذَلِكَ فِي حَالَةِ الِانْكِسَارِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ اسْتَوَى فِيهِ حَالَةُ الْهَلَاكِ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ، وَالْمَغْصُوبُ لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ اسْتَوَى فِيهِ حَالَةُ الْهَلَاكِ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ، فَهَذِهِ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ حُكْمًا بَيْنَ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَكُونُ مِنْ الْمَالِيَّةِ، وَالْمَالِيَّةُ فِي مَالِ الرِّبَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ يَكُون بِقَدْرِ الْوَزْنِ، وَالْكَيْلِ فَأَمَّا عِنْدَ الِانْكِسَارِ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ لِبَقَاءِ الْوَزْنِ، وَلَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ الرَّاهِنَ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الْمَكْسُورَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَجَعَلَهُ فِي حُكْمِ الْهَلَاكِ فَيَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، كَمَا إذَا انْكَسَرَ الْقُلْبُ الْمَبِيعُ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَيُؤَدِّيَ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ، وَيَجْعَلَهُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) قَالَا: ضَمَانُ الرَّهْنِ ضَمَانُ اسْتِيفَاءٍ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَكُونُ مِنْ الْمَالِيَّةِ، وَمَالِيَّةُ الْقُلْبِ بِاعْتِبَارِ، وَزْنِهِ، وَالْوَزْنُ قَائِمٌ بَعْدَ الِانْكِسَارِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمُرْتَهِنِ مُسْتَوْفِيًا رَضِيَ بِهِ الرَّاهِنُ أَوْ لَمْ يَرْضَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ تَسْلِيمِ الرَّاهِنِ الْمَكْسُورَ لِلْمُرْتَهِنِ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَمْتَلِكُ الْمَكْسُورَ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ ضَمَانِ الِاسْتِيفَاءِ إذَا لَمْ يَهْلَكْ الرَّهْنُ، لَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ بِهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَبْدًا كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُ الْمُرْتَهِنِ مُسْتَوْفِيًا قُلْنَا: الرَّاهِنُ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ، كَمَا قَبَضَ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِقَبْضِهِ بِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ، فَالْقُلْبُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، كَالْمَقْبُوضِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَهُوَ الْمَغْصُوبُ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِقِيمَتِهِ، وَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمَكْسُورَ، وَلَا يَبِيعُهُ بِشَيْءٍ، وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ، وَيَمْلِكَ الْمَكْسُورَ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّا لَا نُثْبِتُ ضَمَانَيْنِ بِاعْتِبَارِ قَبْضٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ قَبْضَيْنِ مَعْنَاهُ: أَحَدُهُمَا: قَبْضٌ بِرِضَا الْمَالِكِ، وَالْآخَرُ: قَبْضٌ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَكَالْوَاحِدِ مِنْهُمَا يُعْتَبَرُ فِي حَالَةِ أُخْرَى، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يُضَمِّنُهُ الْمُرْتَهِنُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ يُوجِبُ ضَمَانَ الِاسْتِيفَاءِ فَقَطْ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَكُونُ مِنْ الْمَالِيَّةِ، وَهُوَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَلَمْ يَفُتْ شَيْءٌ بِالِانْكِسَارِ مِنْ الْوَزْنِ، إنَّمَا فَاتَتْ الصِّفَةُ، وَلَا قِيمَةَ لِلصِّفَةِ فِي مَالِ الرِّبَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا، وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِحُكْمِ الرَّهْنِ، وَفَوَاتُهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ، وَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلرَّاهِنِ، كَفَوَاتِ الزِّيَادَةِ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِحُدُوثِهَا نُقْصَانٌ فِي الْأَصْلِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْقُلْبِ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (رَحِمَهُ اللَّهُ) يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا قَدْرَ قِيمَتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ الْعَشَرَةِ بِثَمَانِيَةٍ رِبًا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا لِجَمِيعِ دَيْنِهِ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْجَوْدَةِ، وَكَمَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ حَقِّهِ فِي الْوَزْنِ يَجِبُ مُرَاعَاةُ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ، وَلَوْ أَرَادَ قَضَاءَ دَيْنِهِ بِمَا هُوَ دُونَ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا، يُجْعَلُ كَالْمَقْبُوضِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عَلَى الْقَابِضِ إذَا هَلَكَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: ضَمَانُ الرَّهْنِ ضَمَانُ اسْتِيفَاءٍ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَكُونُ بِالْوَزْنِ، وَفِي الْقُلْبِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ، فَيُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا كَمَالَ حَقِّهِ فِي مَعْنَى: أَنَّهُ لَمَّا قَبَضَ الرَّهْنَ مَعَ عِلْمِهِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ، فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِدُونِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ (الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) إذَا كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ عَشَرَةُ جِيَادٍ وَسَتُّوقٍ، فَهَلَكَ فِي يَدِهِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْمُسْتَوْفَى كَانَ زُيُوفًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (رَحِمَهُ اللَّهُ) يَسْقُطُ حَقُّهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُ اللَّهُ) نُضَمِّنُهُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ، وَيَرْجِعُ بِحَقِّهِ.
ذِكْرُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: عِيسَى، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ، أَمَّا قَوْلُ الْآخَرِ فَكَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُ اللَّهُ) عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ فِي (كِتَابِ الرَّهْنِ) إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ فَإِنَّ الرَّهْنَ مَقْبُوضٌ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُنَاكَ الْمُسْتَوْفَى إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ لِلْهَلَاكِ سَقَطَ حَقُّهُ، وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَكَانِ الْجَوْدَةِ، فَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ- وَعِنْدَهُمَا- هُنَاكَ يَضْمَنُ مِثْلَ الْمُسْتَوْفِي، وَمَقَامُ رَدِّ الْمِثْلِ مَقَامُ رَدِّ الْعَيْنِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ، فَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا الْبِنَاءُ، وَهُنَاكَ عِنْدَ الْقَبْضِ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِصِفَةِ الْمُسْتَوْفَى سَقَطَ حَقُّهُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَهُنَا عِنْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ هُوَ عَالِمٌ بِرَدَاءَةِ الْمَقْبُوضِ؟
قُلْنَا: نَعَمْ وَلَكِنْ عِنْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَهْلَكُ فِي يَدِهِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِهِ حَقَّهُ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ هُنَا عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ فَبِمُجَرَّدِ قَبْضِ الرَّهْنِ لَا يَتِمُّ رِضَاهُ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عِنْدَ الْجَوْدَةِ وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبَضَهُ لِاسْتِيفَاءِ حَقَّيْنِ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ، وَلَوْ انْكَسَرَ الْقُلْبُ هُنَا ضَمَّنَهُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) فَظَاهِرٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ حَالَةُ الِانْكِسَارِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَفِي حَالَةِ الْهَلَاكِ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ: الْقُلْبُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ دُونَ الدَّيْنِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِانْكِسَارِ، وَإِنَّمَا يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ اثْنَيْ عَشَرَ، فَإِنَّهُ إنْ هَلَكَ الْقُلْبُ سَقَطَ الدَّيْنُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِي الْوَزْنِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ، وَفِي الْقِيمَةِ كَذَلِكَ، وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ عَلَى الدَّيْنِ كَزِيَادَةِ الْوَزْنِ فَيُلْغَى؛ فَتَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ أَمَانَةً، وَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا كَمَالَ حَقِّهِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ.
وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ: أَنَّ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُضَمِّنُهُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِجَمِيعِ الْقُلْبِ، فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ: أَنَّ الْجَوْدَةَ لَا تُفْصَلُ عَنْ الْأَصْلِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ، وَفِي هَذَا إبْطَالُ حَقِّ الرَّاهِنِ عَنْ الْجَوْدَةِ، فَكَمَا يُرَاعَى حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْجَوْدَةِ، فَكَذَلِكَ يُرَاعَى حَقُّ الرَّاهِنِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِمَا يُسَاوِي عَشَرَةً مِنْ الْقُلْبِ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ؛ لِأَنَّ وَزْنَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ، وَاسْتِيفَاءُ الْعَشَرَةِ بِثَمَانِيَةٍ وَثُلُثٍ يَكُونُ رِبًا، فَإِذَا تَغَيَّرَ الِاسْتِيفَاءُ قُلْنَا: يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَيَكُونُ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ لِمَا بَيَّنَّا: أَنَّ زِيَادَةَ الْجَوْدَةِ لَا تَكُونُ أَعْلَى مِنْ زِيَادَةِ الْوَزْنِ، وَالْمُرْتَهِنُ آمِنٌ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ، فَهَلَاكُهَا فِي يَدِهِ كَهَلَاكِهَا فِي يَدِ الرَّاهِنِ.
وَأَمَّا إذَا انْكَسَرَ الْقُلْبُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقُلْبِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْوَزْنُ، وَالصِّيغَةُ تَبَعٌ لِلْوَزْنِ، وَلَيْسَ لِلْوَزْنِ هُنَا فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ، فَكَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ، كَثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ فَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ الْأَصْلِ كُلِّهِ مَضْمُونًا، أَنْ تَكُونَ الْجَوْدَةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةً، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ لَيْسَتْ بِحَالَةِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ، فَيَكُونُ ضَامِنًا جَمِيعَ الْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ، وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) مِثْلَ هَذِهِ فَأَمَّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَهُوَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ، وَيَصِيرُ مَمْلُوكًا لَهُ بِالضَّمَانِ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الشُّيُوعِ فِي الرَّهْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا: أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالشُّيُوعِ الْمُقَارَنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الضَّمَانَ، وَالْأَمَانَ تَبَعٌ فِي الْوَزْنِ، وَالْجَوْدَةِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ، وَالصَّنْعَةَ لَهَا حُكْمُ الْمَالِيَّةِ مَعَ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْقُلْبِ فِي الْقُلْبِ الْمُوصَى بِهِ، وَلَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ قُلْبَ الْيَتِيمِ بِمِثْلِ، وَزْنِهِ لَا يَجُوزُ، وَيُجْعَلُ مُحَابَاتُهُ بِالْجَوْدَةِ، وَالصَّنْعَةِ كَمُحَابَاتِهِ بِالْوَزْنِ، وَكَذَلِكَ فِي الْقَلْبِ الْمَغْصُوبِ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ الصَّنْعَةِ، وَالْجَوْدَةِ يَصِيرُ الْغَاصِبُ ضَامِنًا، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا قُلْنَا: خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِجُودَتِهِ وَصَنْعَتِهِ، وَسُدُسُهُ أَمَانَةٌ فَالتَّغَيُّرُ بِالِانْكِسَارِ فِيمَا هُوَ أَمَانَةٌ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ مَضْمُونٌ مُعْتَبَرٌ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ لَيْسَتْ بِحَالَةِ الِاسْتِيفَاءِ عِنْدَهُ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسٍ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِهَذِهِ.
وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ اُنْتُقِصَ بِالِانْكِسَارِ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ لَجُبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْوَزْنِ، وَالْأَمَانَةَ فِي الْجَوْدَةِ وَالصَّنْعَةِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْجَوْدَةَ، وَالصَّنْعَةَ تَابِعَةٌ لِلْوَزْنِ، وَأَنَّ الْأَمَانَةَ فِي الْمَرْهُونِ كَذَلِكَ فَيُجْعَلُ الْأَصْلُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ، وَالتَّبَعُ بِمُقَابَلَةِ التَّبَعِ، وَهَذِهِ؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ كَمَا قَرَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ: أَنَّهَا مَالٌ تَبَعًا لِلْأَصْلِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْمَالِيَّةِ، وَالتَّقَوُّمِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ، كَمَا أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ فِيمَا هُوَ أَمَانَةٌ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْحَبْسُ بِالدَّيْنِ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فَإِذَا كَانَتْ الْأَمَانَةُ هُنَا فِي الصَّنْعَةِ، وَالْجَوْدَةِ قُلْنَا: إذَا لَمْ تُنْقَصْ بِالِانْكِسَارِ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمَيْنِ، فَالثَّابِتُ مَا كَانَ أَمَانَةً فَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ، وَإِنْ اُنْتُقِصَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْ الْمَضْمُونِ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَفِي هَذَا الْفَصْلِ: عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِانْكِسَارِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ، وَيَتَخَيَّرُ الرَّاهِنُ، كَمَا بَيَّنَّا، وَسِوَى هَذَا فَصْلَانِ آخَرَانِ، يَنْقَسِمُ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا أَنْشَأَهُ مِنْ (شَرْحِ الزِّيَادَاتِ)، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَعْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ فَهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا.
وَلَوْ ارْتَهَنَ إبْرِيقَ فِضَّةٍ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَانْكَسَرَ عِنْدَهُ فَهُوَ ضَامِنُهُ بِعُشْرِ قِيمَتِهِ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ، كَمَا قَالَ: فِي الْكِتَابِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِعُشْرٍ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، فَالْقِيمَةُ مِثْلُ الْوَزْنِ، وَقِيلَ يُؤَوَّلُ مَا ذُكِرَ: أَنَّ قِيمَتَهُ بِدُونِ الصَّنْعَةِ دُونَ الْوَزْنِ، وَهُوَ إنَّمَا يَمْلِكُ بِالضَّمَانِ عُشْرَ الْمَكْسُورِ، فَيَضْمَنُهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا، وَإِذَا مَلَكَ عُشْرَ الْإِبْرِيقِ، فَالضَّمَانُ بِمَعْنَى ذَلِكَ الْقَدْرِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْبَيْعِ، وَيَكُونُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ مَعَ الذَّهَبِ الَّذِي عَزَلَهُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي نُسَخِ ابْنِ حَفْصٍ: أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ: فَالرَّاهِنُ يَجْعَلُ عُشْرَ الْمَكْسُورِ لِلْمُرْتَهِنِ بِعَيْنِهِ، وَيَرُدُّ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَلَوْ هَلَكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِعُشْرِ الْإِبْرِيقِ، وَهَذَا مِثْلُهُ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ قَلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِدِرْهَمٍ، فَكَسَرَ رَجُلٌ الْقُلْبَ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ، وَكَانَ رَهْنًا، وَالْقُلْبُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ فَاتَ إلَى بَدَلٍ، فَيَقُومُ الْبَدَلُ مَقَامَ الْأَصْلِ، وَيَبْقَى- بِاعْتِبَارِهِ- جَمِيعُ الدَّيْنِ فَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ، وَالْمُرْتَهِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْقُلْبَ، وَرَضِيَا أَنْ يَكُونَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ، وَهُوَ مَكْسُورٌ فَهُوَ رَهْنٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ لِمَا بَيَّنَّا: أَنَّ الْفَائِتَ بِالْكَسْرِ الصَّنْعَةُ، وَهِيَ لَا تَتَقَوَّمُ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ، وَكَمَا لَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الْكَاسِرِ؛ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الرَّاهِنِ بِهِ حِينَ الِانْكِسَارِ، فَكَذَلِكَ لَا يَقُومُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (فِي الْكِتَابِ) ذُكِرَا بِأَيِّهِمَا جَمِيعًا، وَالْمُعْتَبَرُ إبَاءُ الرَّاهِنِ خَاصَّةً.
وَلَوْ ارْتَهَنَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِيضًا صَرْفًا بِعَشَرَةٍ سُودٍ فَهَلَكَتْ فَهِيَ بِالسُّودِ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ فِي هَذَا الْبَابِ بِالرَّهْنِ، إذْ فِي الْوَزْنِ، وَالْجَوْدَةِ، وَفَاءٌ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَزِيَادَةٌ فَيُجْعَلُ عِنْدَ الْهَلَاكِ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ، وَالزِّيَادَةُ أَمَانَةٌ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ جَيِّدَةٍ بَيْضَاءَ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ سَوْدَاءَ فَهَلَكَتْ، فَالْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفٍ لِجَمِيعِ دَيْنِهِ بِالْهَلَاكِ، وَلَوْ انْكَسَرَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مَصُوغًا مِنْ الرَّاهِنِ، وَكَانَ رَهْنًا، فَالدَّيْنُ، وَالْقُلْبُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ (رَحِمَهُمُ اللَّهُ) يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَفْتَكَّ الْمَكْسُورَ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ مِنْ الْقُلْبِ ذَهَبًا بِقَدْرِ قِيمَةِ فِضَّةِ الْمُرْتَهِنِ السَّوْدَاءِ، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ مِنْ الْقُلْبِ لِلرَّاهِنِ، يُقْسَمُ ذَلِكَ فَيُجْمَعُ مَعَ الذَّهَبِ الَّذِي ضَمِنَهُ الْمُرْتَهِنُ، فَيَكُونُ رَهْنًا، وَهَذِهِ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَهُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ إذَا انْكَسَرَ الْقُلْبُ فِي التَّخْرِيجِ سَوَاءٌ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ، فَانْكَسَرَ وَقِيمَتُهُ، وَالدِّينَارُ سَوَاءٌ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يُقَوِّمُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ، فَيَكُونُ رَهْنًا بِالدِّينَارِ، وَالْقُلْبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي وَزْنِ الْقُلْبِ فَضْلٌ عَلَى مَالِيَّةِ الدَّيْنِ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) حَالُ ضَمَانِ الْقِيمَةِ، فَيَكُونُ ضَامِنًا قِيمَتَهُ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ هَلَكَ هُوَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الدِّينَارَ مُقَوَّمٌ بِالْعَشَرَةِ فَفِي مَالِيَّتِهِ، وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ، فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي حَالِ الِانْكِسَارِ أَخَصَّ الرَّاهِنَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْقُلْبَ مَكْسُورًا، وَأَعْطَاهُ الدِّينَارَ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ الْفِضَّةَ لَهُ بِالدِّينَارِ اعْتِبَارًا بِهَذَا الْحَالِ بِحَالِ الْهَلَاكِ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا بِكُرِّ حِنْطَةٍ، سَلَمٌ أَوْ قَرْضٌ، وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ، فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ فِيمَا فِيهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ مَعْنَاهُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَكُونُ ضَامِنًا جَمِيعَ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْتَكَّهُ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ وَزْنُ دِرْهَمٍ، وَفِيهِ فَصٌّ يُسَاوِي تِسْعَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ فِيمَا بَقِيَ وَفَاءً بِالدَّيْنِ، وَلَوْ ارْتَهَنَ سَيْفًا مُحَلَّى قِيمَةُ السَّيْفِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَنَصْلُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَهَلَكَتْ فَهُوَ كَالْخَاتَمِ، وَإِنْ انْكَسَرَ الْفَصُّ، وَالْحِلْيَةُ بَطَلَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ نُقْصَانِ النَّصْلِ؛ لِأَنَّ النَّصْلَ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا فَالنُّقْصَانُ فِي عَيْنِهِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ.
وَأَمَّا الْفِضَّةُ، فَمِنْ مَالِ الرِّبَا، فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُلْبِ عِنْدَ الِانْكِسَارِ، وَفِي الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (رَحِمَهُمُ اللَّهُ).
وَلَوْ ارْتَهَنَ كُرَّ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِكُرٍّ رَدِيءٍ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ مَا يُفْسِدُهُ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ كُرٌّ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْحِنْطَةِ كَالِانْكِسَارِ فِي الْقُلْبِ، إلَّا أَنَّ الْحِنْطَةَ مَضْمُونَةٌ بِالْمِثْلِ، وَالْقُلْبُ بِالْقِيمَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ سَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مَعِيبًا، وَأَعْطَاهُ دَيْنَهُ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الْفَسَادِ بِحَالِ الْهَلَاكِ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ كُرًّا رَدِيئًا، وَالدَّيْنُ كُرًّا جَيِّدًا فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ فِي الْقَدْرِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ، وَالْمُعْتَبَرُ: الْقَدْرُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا جَمِيعًا، وَهُوَ نَظِيرُ مَا سَبَقَ مِنْ رَهْنِ الْقُلْبِ الرَّدِيءِ، وَالْعَشَرَةِ السُّودِ بِالْعَشَرَةِ الْبِيضِ.
وَلَوْ رَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَالَ: إنْ جِئْتُكَ بِالْعَشَرَةِ إلَى شَهْرٍ، وَإِلَّا، فَهُوَ بَيْعٌ لَكَ بِالْعَشَرَةِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» أَنَّ الْمُرَادَ هَذَا، وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمَرْهُونَةِ هَذَا، فَفِي الْقَلْبِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَدْخُلُهُ مَعْنَى الصَّرْفِ هُنَا.
وَإِذَا أَعْطَى رَجُلٌ رَجُلًا قُلْبَ فِضَّةٍ، فَقَالَ: ارْهَنْهُ لِي عِنْدَ رَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِي الْقُلْبِ عِشْرُونَ- فَأَمْسَكَهُ الْوَكِيلُ عِنْدَهُ، وَأَعْطَاهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: رَهَنْتُهُ لَكَ كَمَا أَمَرْتَنِي، وَلَمْ يَقُلْ رَهَنْتُهُ عِنْدَ أَحَدٍ فَهَلَكَ الْقُلْبُ عِنْدَهُ فَإِنْ تَصَادَقَا بِاَلَّذِي كَانَ رَجَعَ بِالْعَشَرَةِ وَكَانَ مُؤْتَمَنًا فِي الْقُلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ، فَإِنْ قَبَضَهُ، فَفَضَلَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً، وَهُوَ كَفِيلٌ عَلَى حِفْظِهِ إلَى أَنْ هَلَكَ فَهَلَكَ أَمَانَةً، وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ، وَلَا يَكُونُ هُوَ بِمَا صَنَعَ عَاقِدًا عَقْدَ الرَّهْنِ فِي الْقُلْبِ مَعَ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ رَهْنًا لَا رَاهِنًا، فَلِهَذَا لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِهَلَاكِ الْقُلْبِ وَإِنْ تَجَاحَدَا، فَقَالَ: الْآمِرُ قَدْ أَقْرَرْتَ لِي أَنَّكَ رَهَنْتَهُ، فَلَا شَيْءَ لَكَ عَلَيَّ، فَهُوَ، كَمَا قَالَ: لِأَنَّ الْقَابِضَ قَدْ أَقَرَّ بِالرَّهْنِ، وَمِنْ حُكْمِهِ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْقُلْبِ شَيْءٌ مِنْ الْعَشَرَةِ بَعْدَ هَلَاكِ الْقُلْبِ، وَالْمُقِرُّ بِوَاحِدٍ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْقُلْبِ بِاَللَّهِ: مَا يَعْلَمُهُ أَمْسَكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَدَقَ فِي ذَلِكَ لَرَهَنَهُ إذًا بِعَشَرَةٍ فَيَحْلِفُ عِنْدَ التَّكْذِيبِ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ، وَلَكِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ عَلَى الْفِعْلِ فَإِنْ قِيلَ: الِاسْتِحْلَافُ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَلَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمُقِرِّ لِلتَّنَاقُضِ، فَكَيْفَ يَحْلِفُ الْخَصْمُ؟ قُلْنَا: مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ قَالَ: رَهَنْتُهُ، وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ أَحَدٍ، فَكَانَ تَوْفِيقُهُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ صَحِيحًا أَنِّي رَهَنْتُهُ عِنْدَ نَفْسِي ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِذَا تَقَدَّمَ التَّنَاقُضُ، بِهَذَا التَّوْقِيفِ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْخَصْمِ، وَإِنْ قَالَ الْآخَرُ: قَدْ أَقْرَرْتَ أَنَّكَ رَهَنْتَهُ ثُمَّ زَعَمْتَ أَنَّكَ لَمْ تَفْعَلْ فَأَنْتِ ضَامِنٌ لِلْقُلْبِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْقُلْبِ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ، وَيَرْجِعُ بِالْعَشَرَةِ قَالَ: عِيسَى هَذَا غَلَطٌ، وَلَا مَعْنًى لِإِيجَابِ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَهَنَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ أَيْضًا، وَلَيْسَ هُنَا حَالَةٌ ثَالِثَةٌ، فَبِأَيِّ طَرِيقٍ يَكُونُ الْوَكِيلُ ضَامِنًا؟ لِلْقِيمَةِ، وَهَذَا نَظِيرُ الظَّنِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي (كِتَابِ الْوَدِيعَةِ) إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ الْهَلَاكَ ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ قَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ، وَمَعَ التَّنَاقُضِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، فَكَأَنَّهُ سَاكِتٌ حَابِسٌ لِلْقُلْبِ، فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ.
تَوْضِيحُهُ: أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: رَهَنْتُهُ أَوْجَبَ هَذَا الْكَلَامَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ فَيُجْعَلُ جَاحِدًا الْأَمَانَةَ، بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَمَنْ نَكَلَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا؛ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَكِيلَ قِيمَتَهُ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ طَوْقَ ذَهَبٍ فِيهِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مِثْقَالًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَحَالَ الْحَوْلُ، وَالْأَلْفُ عِنْدَ الرَّاهِنِ يَتَّجِرُ فِيهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا عَلَى الرَّاهِنِ فِي رَهْنِهِ، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ، فَإِذَا قَبَضَ الْمَالَ، وَرَدَّ الرَّهْنَ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ زَكَاةُ الْأَلْفِ لِمَا مَضَى لِوُصُولِ يَدِهِ إلَيْهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي (كِتَابِ الزَّكَاةِ): أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الدَّيْنِ وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَعَلَى الرَّاهِنِ زَكَاةُ الطَّوْقِ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ إلَّا أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ مَحْبُوسَةً عِنْدَ الْحَقِّ الْمُرْتَهَنِ فَإِذَا، وَصَلَتْ يَدُهُ إلَيْهِ أَدَّى الزَّكَاةَ لِمَا مَضَى، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْأَلْفِ زَكَاةٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُهَا دَيْنًا، وَالْمُسْتَغْرَقُ بِالدَّيْنِ لَا يَكُونُ نِصَابَ الزَّكَاةِ.
وَإِذَا ارْتَهَنَ كُرَّيْ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ بِكُرِّ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ، وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، فَهَلَكَا عِنْدَهُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي مَالِيَّةِ الرَّهْنِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ، وَإِنْ أَصَابَهُ فَفَسَدَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كُرًّا مِثْلَ أَحَدِهِمَا، وَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ الْكُرَّيْنِ جَمِيعًا، وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْفَسَادِ لَيْسَتْ بِحَالِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ، وَالْمَضْمُونُ مِنْهُ الْمَقْبُوضُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّيْنِ كَيْلًا، فَعِنْدَ الْفَسَادِ يَضْمَنُ مِثْلَ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَيَمْكُثُ الْفَاسِدُ بِالضَّمَانِ مِثْلَ مَا ضَمِنَ، وَلَمْ يُذْكَرْ قَوْلُهُمَا فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَيَنْبَنِي عَلَى قَوْلِهِمَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ، وَالْفَسَادِ: أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا مِثْلَ أَحَدِ الْكُرَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِالْكُرَّيْنِ لِمَعْنَى الرِّبَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِأَحَدِ الْكُرَّيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْجَوْدَةِ.
وَإِنْ ارْتَهَنَ شَيْئًا مِمَّا يُوزَنُ بِشَيْئَيْنِ مِمَّا يُكَالُ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ بِشَيْئَيْنِ مِمَّا يُوزَنُ، وَفِيهِ وَفَاءٌ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الرِّبَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَفِي مَالِيَّةِ الرَّهْنِ، وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ أَفْسَدَهُ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ مِثْلَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ).
وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَتَخَيَّرُ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فُلُوسًا تُسَاوِيهَا فَهَلَكَتْ فَهِيَ بِمَا فِيهَا، وَإِنْ انْكَسَرَتْ دُفِعَتْ فِيهِ، دَيْنُهُ بِحِسَابِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ لَا تَكُونُ مَوْزُونَةً، فَإِنَّمَا رَهَنَهَا، وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَالِ الرِّبَا فَبِالنُّقْصَانِ فِي عَيْنِهَا سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنْ تُقَوَّمَ مَكْسُورَةً، وَغَيْرَ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَ فَلْسٍ بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا جَائِزٌ عِنْدَهُمَا، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفُلُوسَ مَالُ الرِّبَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ عِنْدَهُ، وَلَا يُقَابِلُ أَحَدُ الْفَلْسَيْنِ شَيْئًا مِنْ الْعِوَضِ، وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا، وَغَيْرِهَا، وَلَوْ لَمْ تَنْكَسِرْ، وَلَكِنَّهَا كُسِرَتْ فَهِيَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهَا، فَإِنْ هَلَكَتْ ذَهَبَتْ بِالْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ كَسَادَهَا بِمَنْزِلَةِ تَغَيُّرِ السِّعْرِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا: أَنَّ تَغَيُّرَ السِّعْرِ فِي الْمَرْهُونِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي سُقُوطِ الدَّيْنِ، وَضَمَانُ الرَّهْنِ بِالْقَبْضِ كَضَمَانِ الْغَصْبِ، وَلَوْ رَدَّ الْفُلُوسَ الْمَغْصُوبَةَ بِعَيْنِهَا بَعْدَ مَا كَسَدَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ، وَجَعَلَ الْكَسَادَ بِمَنْزِلَةِ تَغَيُّرِ السِّعْرِ هُنَاكَ فَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ طَسْتًا أَوْ تَوْرًا أَوْ كُوزًا بِدِرْهَمٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي الرَّهْنِ وَفَاءً، وَفَضْلٌ، فَإِنْ هَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَمَا كَانَ فِيهِ لَا يُوزَنُ، ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ النُّقْصَانِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ يُوزَنُ فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَخَذَهُ، وَأَعْطَاهُ الدَّيْنَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ، وَكَانَ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَأَخَذَ الرَّاهِنُ الْقِيمَةَ، وَأَعْطَاهُ دَيْنَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: الْحَاكِمُ، وَرَأَيْتُ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مَكَانَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْجَوَابُ عَلَى رِوَايَةٍ سِوَى مَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ مِنْ قِيمَتِهِ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ نَصْلُ السَّيْفِ، وَالشَّيْءُ مِنْ الْحَدِيدِ، وَالصُّفْرُ يَكُونُ مَصُوغًا لَا يُبَاعُ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، كَمَا يَتَبَادَرُ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يُبَاعُ وَزْنًا لَمْ يَذْهَبْ مِنْ الدَّيْنِ بِاعْتِبَارِهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ إنْ كَانَ هُوَ، وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مَصُوغًا، وَكَانَ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لِلْمُرْتَهِنِ، وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُنَا ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ صَحِيحٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهِ إنْ كَانَ هُوَ، وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ، وَلَا إشْكَال فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَإِذَا ارْتَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ قُلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ دِرْهَمًا، فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ يُعْطِيهِ إيَّاهُ لِمَا بَيَّنَّا: أَنَّ الْمَوْعُودَ مِنْهُ الدَّيْنُ، كَالْمُسْتَحَقِّ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ شَيْئًا، وَلَمْ يُسَمِّهِ فَهَلَكَ فَقَدْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَبَيَانُهُ إلَيْهِ فَيُقَالُ لِلْمُرْتَهِنِ: أَعْطِهِ مَا يَثْبُتُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَمْسِكْهُ رَهْنًا بِنَفَقَةٍ يُعْطِيهَا إيَّاهُ وَإِنْ قَالَ: أَمْسِكْهُ رَهْنًا بِدَرَاهِمَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ، وَهُوَ وَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَرَاهِمَ سَوَاءٌ، وَلَوْ قَالَ: آخُذُهُ رَهْنًا بِمَخْتُومِ حِنْطَةٍ أَوْ مَخْتُومِ شَعِيرٍ فَهَلَكَ عِنْدَهُ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مَخْتُومُ شَعِيرٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَوَّلِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ: خُذْهُ رَهْنًا بِدَيْنٍ أَرَادَ بِدِرْهَمٍ.
وَلَوْ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِيهِ دِرْهَمٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ، فَأَعْطَاهُ شَعِيرًا بِفَلْسٍ فَغَلَتْ الْفُلُوسُ فَصَارَتْ ثُلُثَيْنِ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ هَلَكَ الْخَاتَمُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا نَظِيرُ الشَّعِيرِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ، وَعِنْدَ الْهَلَاكِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَقْتَ الْقَبْضِ، وَفِي قِيمَتِهِ وَقْتَ الْقَبْضِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا جَمِيعَ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَسَدَتْ، وَلَمْ يَبْقَ أَوْ رَخُصَتْ فَصَارَتْ تِسْعِينَ بِدَانَقٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا تِسْعُونَ فَلْسًا، وَإِنْ هَلَكَ الْخَاتَمُ ذَهَبَ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ أَبْطَلَ حَقَّهُ، وَدَفَعَ بِهِ الْخَاتَمَ مَكْسُورًا، وَإِنْ طَلَبَ حَقَّهُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَةِ الْخَاتَمِ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ، وَأَخَذَ نِصْفَ الْفِضَّةَ، وَكَانَ الذَّهَبُ وَنِصْفُ الْفِضَّةِ الْبَاقِي رَهْنًا بِتِسْعِينَ فَلْسًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْخَاتَمِ أَمَانَةٌ، وَنِصْفَهُ مَضْمُونٌ، فَإِنَّ الْفِضَّةَ وَزْنُ دِرْهَمٍ، وَإِنَّمَا رَهَنَهُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ نِصْفَ الْخَاتَمِ مَضْمُونٌ، وَنِصْفَهُ أَمَانَةٌ، فَعِنْدَ الِانْكِسَارِ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ الْمَضْمُونِ مِنْ الْخَاتَمِ مِنْ الذَّهَبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ فَاسِدًا، وَأَدَّى الدَّيْنَ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ الْمَضْمُونَ مِنْهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَأَخَذَ الْبَاقِي مِنْهُ، وَيَبْطُلُ قَدْرُ الدَّيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالِ الْهَلَاكِ بِحَالِ الِانْكِسَارِ.
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي (الْمُخْتَصَرِ) فِي بَيَانِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: وَإِنْ انْكَسَرَ فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَبْطَلَ الرَّهْنَ وَأَخَذَ الْخَاتَمَ مَكْسُورًا، وَهَذَا إنْ صَحَّ، فَمُرَادُهُ: أَنَّهُ يُؤْخَذُ مَكْسُورًا بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَا يَسْقُطُ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّسْتِ، وَالتَّوْرِ؛ لِأَنَّ مَصُوغَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَالِ الرِّبَا، فَإِنَّهُ لَا يُوزَنُ، فَأَمَّا الْمَصُوغُ مِنْ الْفِضَّةِ، فَمَالُ الرِّبَا، سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُوزَنُ عَادَةً أَوْ لَا يُوزَنُ، فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ بِالْكَسْرِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الدَّيْنِ إذَا أَرَادَ أَخْذَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.